11

الخطبة ( 122 ) و من كلام له عليه السلام في حثّ أصحابه على القتال :

فَقَدِّمُوا اَلدَّارِعَ وَ أَخِّرُوا اَلْحَاسِرَ وَ عَضُّوا عَلَى اَلْأَضْرَاسِ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ اَلْهَامِ وَ اِلْتَوُوا فِي أَطْرَافِ اَلرِّمَاحِ فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلْأَسِنَّةِ وَ غُضُّوا اَلْأَبْصَارَ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ وَ أَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ وَ أَمِيتُوا اَلْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ وَ رَايَتَكُمْ فَلاَ تُمِيلُوهَا وَ لاَ تُخِلُّوهَا وَ لاَ تَجْعَلُوهَا إِلاَّ بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ وَ اَلْمَانِعِينَ اَلذِّمَارَ مِنْكُمْ فَإِنَّ اَلصَّابِرِينَ

-----------
( 1 ) البقرة : 256 .

-----------
( 2 ) المجلسي بحار الأنوار 3 : 5 الرواية 14 الباب 1 .

-----------
( 3 ) ابن ميثم لم ترد العبارة انظر 4 : 335 .

-----------
( 4 ) شرح ابن ابي الحديد ذكر بعده ( 27 ) خطبة أو كلام للامام أمير المؤمنين عليه السلام .

[ 552 ]

عَلَى نُزُولِ اَلْحَقَائِقِ هُمُ اَلَّذِينَ يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ وَ يَكْتَنِفُونَهَا حِفَافَيْهَا وَ وَرَاءَهَا وَ أَمَامَهَا لاَ يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا وَ لاَ يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا أَجْزَأَ اِمْرُؤٌ قِرْنَهُ وَ آسَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ وَ لَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ فَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَ قِرْنُ أَخِيهِ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ اَلْعَاجِلَةِ لاَ تَسْلَمُوا مِنْ سَيْفِ اَلْآخِرَةِ وَ أَنْتُمْ لَهَامِيمُ اَلْعَرَبِ وَ اَلسَّنَامُ اَلْأَعْظَمُ إِنَّ فِي اَلْفِرَارِ مَوْجِدَةَ اَللَّهِ وَ اَلذُّلَّ اَللاَّزِمَ وَ اَلْعَارَ اَلْبَاقِيَ وَ إِنَّ اَلْفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيدٍ فِي عُمُرِهِ وَ لاَ مَحْجُوزٍ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ يَوْمِهِ اَلرَّائِحُ إِلَى اَللَّهِ كَالظَّمْآنِ يَرِدُ اَلْمَاءَ اَلْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ اَلْعَوَالِي اَلْيَوْمَ تُبْلَى اَلْأَخْبَارُ وَ اَللَّهِ لَأَنَا أَشْوَقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ اَللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا اَلْحَقَّ فَافْضُضْ جَمَاعَتَهُمْ وَ شَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ وَ أَبْسِلْهُمْ بِخَطَايَاهُمْ إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْنٍ دِرَاكٍ يَخْرُجُ مِنْهُ اَلنَّسِيمُ وَ ضَرْبٍ يَفْلِقُ اَلْهَامَ وَ يُطِيحُ اَلْعِظَامَ وَ يُنْدِرُ اَلسَّوَاعِدَ وَ اَلْأَقْدَامَ وَ حَتَّى يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا اَلْمَنَاسِرُ وَ يُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ تَقْفُوهَا اَلْحَلاَئِبُ وَ حَتَّى يُجَرَّ بِبِلاَدِهِمُ اَلْخَمِيسُ يَتْلُوهُ اَلْخَمِيسُ وَ حَتَّى تَدْعَقَ اَلْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ وَ بِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَ مَسَارِحِهِمْ أقول الدعق الدق أي تدق الخيول بحوافرها أرضهم و نواحر أرضهم متقابلاتها و يقال منازل بني فلان تتناحر أي تتقابل أقول : العنوان جمع بين روايات ، فصدره إلى قوله « لا تسلموا من سيف الآخرة » رواية مع زيادة و نقيصة ، ففي ( الطبري ) : قال أبو مخنف : حدّثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري عن أبيه و مولى له ان عليا عليه السلام حرّض الناس يوم صفين فقال : ان اللّه عز و جل قد دلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ،

[ 553 ]

تشفي بكم على الخير و الإيمان باللّه عز و جل و برسوله و الجهاد في سبيله ،

و جعل ثوابه مغفرة الذنب و مساكن طيبة في جنّات عدن ، ثم أخبركم أنّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص ، فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص و قدّموا الدارع و أخّروا الحاسر ، و عضّوا على الأضراس فانّه أنبى للسيوف عن الهام ، و التووا في أطراف الرماح فانّه أصون للأسنة ،

و غضوا الأبصار فانّه أربط للجأش و اسكن للقلوب ، و أميتوا الأصوات فانّه أطرد للفشل و أولى بالوقار ، راياتكم فلا تميلوها و لا تجعلوها إلاّ بأيدي شجعانكم ، فان المانع للذمار و الصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ الذين يحفون براياتهم و يكنفونها يضربون حفافيها خلفها و أمامها و لا يضيعونها . أجزأ أمرء قذقرنه و آسى أخاه بنفسه و لم يكل قرنه إلى أخيه فيكسب بذلك لائمة و يأتي به دناءة ، و انى لا يكون هذا هكذا و هذا يقاتل اثنين و هذا ممسك بيده يدخل قرنه على أخيه هاربا منه أو قائما ينظر إليه ، من يفعل هذا يمقته اللّه عز و جل ، فلا تعرضوا لمقت اللّه سبحانه فانّما مردّكم إلى اللّه ، قال اللّه عز من قائل لقوم . . . لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل و إذا لا تمتعون إلاّ قليلاً 1 و ايم اللّه لئن سلمتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة ، استعينوا بالصدق و الصبر ، فان بعد الصبر ينزل اللّه النصر 2 و رواه نصر في ( صفينه ) عن عمر عن عبد الرحيم بن عبد الرحمن عن أبيه مثله 3 .

و رواه ( الكافي ) في باب ما يوصي عليه السلام عند القتال عن مالك بن أعين

-----------
( 1 ) تاريخ الامم و الملوك للطبري 4 : 16 .

-----------
( 2 ) تاريخ الطبري 4 : 11 .

-----------
( 3 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 235 .

[ 554 ]

مثله مع أدنى اختلاف ، زائدا بين قوله « هم أهل الحفّاظ » و قوله « الذين يحفون براياتهم » : « و لا تمثلوا بقتيل » 1 و مثله في ( الإرشاد ) في ( فصل في كلامه عليه السلام في هذا المعنى ) بدون زيادة 2 .

و اما قوله « فإن ردّوا الحق فافضض جماعتهم و شتّت كلمتهم و أبسلهم بخطاياهم » فجزء رواية اخرى ، ففي ( الطبري ) عن زيد بن وهب : أنّ عليّا عليه السلام مرّ على جماعة من أهل الشام فيها الوليد بن عقبة و هم يشتمونه ، فخبر بذلك فوقف فيمن يليهم من أصحابه و قال : « انهدّوا إليهم و عليكم السكينة و الوقار وقار الإسلام و سيماء الصالحين ، فو اللّه لأقرب قوم من الجهل قائدهم و مؤدبهم معاوية و ابن النابغة و أبو الأعور السلمي و ابن أبي معيط شارب الخمر المجلود حدّا في الاسلام ، و هم أولى يقومون فينقصونني و يشتمونني و أنا إذا ذاك أدعوهم إلى الاسلام و هم يدعونني إلى عبادة الأصنام ، الحمد للّه ،

قديما عاداني الفاسقون فعبدهم اللّه ، ألم تعجبوا أن هذا لهو الخطب الجليل ، ان فسّاقا كانوا غير مرضيين و على الاسلام و أهله متخوّفين خدعوا شطر هذه الامة و أشربوا قلوبهم حبّ الفتنة و استمالوا أهواءهم بالإفك و البهتان ، قد نصبوا لنا الحرب في إطفاء نور اللّه عز و جل . اللّهم فافضض خدمتهم و شتّت كلمتهم و أبسلهم بخطاياهم ، فإنّه لا يذلّ من و اليت و لا يعزّ من عاديت 3 .

و رواه ( صفين نصر ) 4 ، و كذا رواه ( الإرشاد ) 5 .

و أمّا قوله « إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم إلى و يندر السواعد و الأقدام »

-----------
( 1 ) الكافي للكليني 5 : 39 ح 4 .

-----------
( 2 ) الإرشاد للمفيد : 141 .

-----------
( 3 ) تاريخ الامم و الملوك للطبري 4 : 31 .

-----------
( 4 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 391 .

-----------
( 5 ) الإرشاد للمفيد : 142 .

[ 555 ]

فجزء رواية أخرى رواها ( الكافي ) 1 و ( الإرشاد ) 2 و المروج ) 3 و ( الطبري ) 4 ، ففي الأول : و مرّ عليه السلام براية لأهل الشام لا يزولون ، فقال : إنّهم لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم و ضرب يفلق الهام و يطيح العظام و تسقط منه المعاصم و الأكف ، و حتى تصدع جباههم بعمد الحديد و تنشر حواجبهم على الصدور و الأذقان ، أين أهل الصبر و طلاّب الأجر .

و مثله ( الإرشاد ) ، و كذا ( المروج ) و ( الطبري ) ، و فيهما مر عليه السلام بغسّان لا يزولون .

و أما قوله « إنّ في الفرار موجدة اللّه إلى و لا محجوز بينه و بين يومه » فذيل العنوان 103 « و قد رأيت جولتكم . . . » .

و أما قوله « و حتى يرموا بالمناسر إلى و مسارحهم » فرواية اخرى رواها ( صفين نصر ) 5 و ( كتاب سليم ) 6 و ( إرشاد المفيد ) 7 ، و في الأخير : إنّ هؤلاء القوم لم يكونوا لينيبوا إلى الحق و لا ليجيبوا إلى كلمة السواء حتى يرموا بالمناسر تتبعها العساكر ، و حتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب ، و حتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس ، و حتى تدعق الخيول في نواحي أرضهم و بأعنان مساربهم و مسارحهم و حتى تشنّ الغارات عليهم في كلّ فج

-----------
( 1 ) الكافي للكليني 5 : 40 .

-----------
( 2 ) الإرشاد للمفيد : 267 ، مؤسسة أهل البيت .

-----------
( 3 ) المروج للمسعودي 2 : 388 .

-----------
( 4 ) تاريخ الامم و الملوك للطبري 4 : 32 .

-----------
( 5 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 520 .

-----------
( 6 ) كتاب سليم بن قيس 220 مع فارق عما ذكره العلامة .

-----------
( 7 ) الإرشاد للمفيد : 267 .

[ 556 ]

و تخفق عليهم الرايات و يلقاهم قوم صبر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم و موتاهم في سبيل اللّه إلاّ جدّا في طاعة اللّه و حرصا على لقاء اللّه .

و أما قوله « الرائح إلى اللّه إلى إلى ديارهم » فلم أقف على سنده و ليس في تلك الروايات .

قول المصنّف : « و من كلام له عليه السلام في حث » هكذا في ( المصرية ) 1 و ( ابن أبي الحديد ) 2 و لكن في ( ابن ميثم ) و النسخة الخطية « حض » 3 .

« أصحابه على القتال » قد عرفت من أسانيده أنّ ذاك الحثّ كان في صفين .

« فقدموا الدراع » هكذا في ( المصرية ) 4 ، و الصواب : « الدارع » أي : لابس الدرع كما في غيرها .

« و أخّروا الحاسر » أي : الذي لا درع عليه و لا مغفر ، و وجه تقديم الدارع و تأخير الحاسر أن سورة حملة الخصم تصل المتقدّم .

« و عضوا على الأضراس فإنّه أنبا للسيوف عن الهام » هو نظير قوله عليه السلام في الأول « عضّ على ناجذك » و في التاسع « و عضّوا على النواجذ فانّه أنبا للسيوف عن الهام » و لا تنافي ، فإنّ النواجذ آخر الأضراس ، و في ( الصحاح ) :

الأسنان كلّها إناث إلاّ الأضراس و الأنياب .

و كان الأشتر يقول في صفين : إذا عضّتكم السيوف فليعضّ الرجل على ناجذه فإنّه أشدّ لشؤون الرأس 5 .

-----------
( 1 ) الطبعة المصرية : 290 النسخة الخطية 104 .

-----------
( 2 ) ابن ابي الحديد 8 : 3 رواية ( 124 ) .

-----------
( 3 ) شرح ابن ميثم 3 : 124 .

-----------
( 4 ) الطبعة المصرية المصححة ورد لفظ الدارع : 290 .

-----------
( 5 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 174 .

[ 557 ]

« و التووا » من لويت الحبل فتلته في أطراف الرمام .

« فانّه أمور » أي : أكثر تحرّكا و اضطرابا .

« للأسنّة » أي : أسنّة الخصم كالسيوف في قوله قبله « أنبا للسيوف عن الهام » . و يوضّحه قول الأشتر في أول الأمر لما غلب الخصم على الماء : فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها .

و قال ابن ميثم أمرهم عليه السلام بالالتواء عند طعنهم الخصم ، بأن يميل صدره و يده ، فان ذلك أنفذ . و هو كما ترى ، و إنّما المراد أن يلتووا لئلا تؤثر طعنة الخصم 1 .

« و غضّوا الأبصار فإنّه أربط » أي : أكثر شدّا .

« للجأش » أي : القلب ، و الأصل في معناه : الاضطراب ، سمّي جأشا لاضطرابه كما سمّي قلبا لتقلبه كثيرا .

« و أسكن للقلب » من تزلزله .

« و أميتوا الأصوات فإنّه أطرد » أي : أدفع .

« للفشل » أي : الخوف .

في ( عيون ابن قتيبة ) : قال عتبة يوم بدر لأصحابه : ألا ترون أصحاب محمّد جثيا على الركب كأنّهم خرس يتلمظون تلمظ الحيّات 2 و في ( العقد ) : كان أبو مسلم يقول لقواده إذا أخرجهم : لا تكلّموا الناس إلاّ رمزا و لا تكلموهم إلاّ شرزا لتمتلى‏ء صدورهم من هيبتكم 3 .

« و رايتكم فلا تميلوها » بل اجعلوها مستقيمة .

-----------
( 1 ) شرح ابن ميثم 3 : 124 .

-----------
( 2 ) عيون الاخبار لابن قتيبة 1 : 108 .

-----------
( 3 ) العقد الفريد لابن عبد ربه 4 : 482 .

[ 558 ]

« و لا تخلوها » لأنّها كالقائمة للمحاربين .

« و لا تجعلوها إلاّ بأيدي شجعانكم » فليس كلّ الناس أهلا لحمل الراية بل الشجاع منهم .

« و المانعين الذمار منكم » في ( الصحاح ) : فلان حامي الذمار ، أي إذا ذمر و غضب حمى ، و يقال : الذمار ما وراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه ، لأنّهم قالوا « حامي الذمار » كما قالوا « حامي الحقيقة » ، و سمّي ذمارا لأنّه يجب على أهله التذمّر له ، و تذامر القوم حثّ بعضهم بعضا في الحرب 1 ، و سميت حقيقة لأنّه يحق على أهلها الدفع عنها ، قال : « نحمي الحقيقة عند كلّ مصاع » .

في ( صفين نصر ) قال أبو زبيد الطائي فيه عليه السلام : إنّ عليا سار بالتكرّم إلى أن قال حامي الذمار و هو لما يكدم .

و فيه دعا الأشتر الحارث بن همام النخعي ثم الصهباني فأعطاه لواءه ثم قال : يا حارث لو لا أعلم أنّك تصبر عند الموت لأخذت لوائي منك و لم أجبك بكرامتي . قال : و اللّه يا مالك لأسرّنك اليوم أو لأموتن فاتبعني ، فتقدّم و هو يقول :

يا أشتر الخير و يا خير النخع
و صاحب النصر إذا عمّ الفزع

و كاشف الأمر إذا الأمر وقع
ما أنت في الحرب العوان بالجذع

قد جزع القوم و عمّوا بالجزع
و جرّعوا الغيظ و غصّوا بالجرع

إلى أن قال : فقال الأشتر : ادن مني يا حارث . فدنا منه فقبّل رأسه 2 .

في ( تنبيه البكري ) : قال عمر للحطيئة : كيف كنتم في حربكم ؟ قال : كنّا ألف حازم . قال : و كيف ذلك ؟ قال : كان منّا قيس بن زهير و كان حازما لا

-----------
( 1 ) الصحاح 2 : 665 .

-----------
( 2 ) صفين لنصر بن مزاحم : 389 .

[ 559 ]

نعصيه فكأنّا ألف حازم ، و كنّا نأتمّ بشعر عروة و نقدم بإقدام عنترة 1 .

« فان الصابرين على نزول الحقائق » أي : الشدائد ، قال أبو حبة الأنصاري :

ان يصدقوك يخبروك بأنّنا
نحمي الحقيقة عند كلّ مصاع

2 « هم الذين يحفون » أي : يحيطون .

« براياتهم » في ( الطبري ) : و اثب عائذ بن قيس الحرمزي في صفين على عدي بن حاتم في الراية و كانت حرمز أكثر من بني عدي رهط حاتم فوثب عبد اللّه بن خليفة الطائي البولاني على حرمز و قال : على عدي تتوثبون ؟ هل فيكم مثل عدي أو في آبائكم مثل أبيه ؟ أليس عدي بحامي القرية و مانع الماء يوم روية ؟ أليس بابن ذي المرباع و ابن جواد العرب ؟ أليس بابن المنهب ماله و مانع جاره ؟ أليس من لم يغدر و لم يفجر و لم يجهل و لم يبخل و لم يمنن و لم يجبن ؟ هاتوا في آبائكم مثل أبيه أو هاتوا فيكم مثله ، أو ليس أفضلكم في الاسلام ؟ أو ليس أو افدكم إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله ؟ أليس برأسكم يوم النخيلة و يوم القادسية و يوم المدائن و يوم جلولاء الوقيعة و يوم نهاوند و يوم تستر ؟

فمالكم و له ؟ و اللّه ما من قومكم أحد يطلب مثل الذي تطلبون . فقال له علي عليه السلام : حسبك يابن خليفة ، هلمّ أيّها القوم إليّ و عليّ بجماعة طي .

فأتوه جميعا فقال عليه السلام لهم : من كان رأسكم في هذه المواطن ؟ قالوا : عدي .

فقال ابن خليفة له عليه السلام سلهم أليسوا راضين مسلمين لعدي الرئاسة ؟ ففعل فقالوا : نعم . فقال لهم : عدي أحقّكم بالراية . فسلّموها له فضجّت بنو حرمز ،

فقال لهم علي عليه السلام : اني أراه رأسكم قبل اليوم ، و لا أرى قومه كلّهم إلاّ مسلمين

-----------
( 1 ) التنبيه للبكري : 113 .

-----------
( 2 ) التنبيه على أوهام القالي : 113 .

[ 560 ]

له غيركم . فأخذها عدي 1 .

و في ( صفين نصر ) : أخذ مسروق بن الهيثم راية بني نهد العراق فقتل ،

ثم أخذها صخر بن سمي فارتث ، ثم أخذها علي بن عمير فقاتل حتى ارتث ، ثم أخذها عبد اللّه بن كعب فقتل ، ثم أخذها سلمة بن خذيم فارتث و صرع ، ثم أخذها عبد اللّه بن عمرو بن كبشة فارتث ، ثم أخذها أبو مسيح بن عمرو فقتل ،

ثم أخذها عبد اللّه بن النوال فقتل ، ثم أخذها مولاه مخارق فقتل حتى صارت إلى عبد الرحمان بن مخنف الأزدي 2 .

و في ( الطبري ) : صبرت همدان في ميمنة علي عليه السلام حتى أصيب منهم ثمانون و مائة رجل ، و قتل منهم أحد عشر رئيسا ، كلّما قتل منهم رجل أخذ الراية آخر ، فكان الأول كريب بن شريح ثم مرثد بن شريح ثم هبيرة بن شريح ثم يريم بن شريح ثم سمير بن شريح ، فقتل هؤلاء الإخوة جميعا . ثم أخذ الراية عمير بن بشير ، ثم الحارث بن بشير فقتلا ، ثم أخذ الراية وهب بن كريب فأراد أن يستقتل فقال له رجل من قومه : انصرف بهذه الراية فقد قتل أشراف قومك حولها فلا تقتل نفسك و لا من بقي من قومك . فانصرفوا و هم يقولون :

ليت لنا عدتنا من العرب يحالفوننا على الموت ثم نستقدم نحن و هم فلا ننصرف حتى نقتل أو نظفر .

فمروا بالأشتر و هم يقولون هذا القول ، فقال لهم الأشتر : إليّ أنا أحالفكم و أعاقدكم على ألاّ نرجع أبدا حتى نظفر أو نهلك . فأتوه فوقفوا معه ، ففي هذا قال كعب بن جعيل شاعر الشام : « و همدان زرق تبتغي من تحالف » . و زحف الأشتر نحو الميمنة و ثاب إليه ناس تراجعوا من أهل الصبر و الحياء و الوفاء ،

-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 4 : 5 .

-----------
( 2 ) صفين ، لنصر بن مزاحم : 261 .

[ 561 ]

فأخذ لا يصمد لكتيبة إلاّ كشفها إذ مر بزياد بن النضر يحمل إلى العسكر ،

فقال : من هذا ؟ فقيل : زياد ، استلحم عبد اللّه بن بديل و أصحابه في الميمنة ،

فتقدّم فرفع لأهل الميمنة رايته و قاتل حتى صرع ، ثم لم يمكث إلاّ كلا شي‏ء حتى مر بيزيد ابن قيس الأرحبي محمولا نحو العسكر ، فقال : من هذا ؟ قالوا :

يزيد ، لما صرع زياد دفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع . فقال الأشتر :

هذا و اللّه الصبر الجميل و الفعل الكريم ، ألا يستحي الرجل أن ينصرف لا يقتل و لا يقتل أو يشفى به على القتل 1 .

و فيه أيضا : قالت بجيلة لأبي شداد قيس بن المكشوح : خذ رايتنا . قال :

غيري خير لكم مني . قالوا : ما نريد غيرك . قال : و اللّه لئن أعطيتمونيها لا أنتهي بكم دون صاحب الترس المذهب أي الذي كان على رأس معاوية قالوا :

اصنع ما شئت . فأخذها ثم زحف حتى انتهى بهم إلى صاحب الترس و أشرعت إليه الأسنة فقتل فأخذ الراية عبد اللّه بن قلع الأحمسي و هو يقول :

لا يبعد اللّه أبا شداد
حيث أجاب دعوة المنادي

و شدّ بالسيف على الأعادي

فقاتل حتى قتل ، ثم أخذها عبد الرحمن بن قلع فقاتل حتى قتل ، ثم أخذها عفيف بن إياس فلم تزل في يده حتى تحاجز الناس 2 .

و في ( الكامل الجزري ) : لما وصل علي عليه السلام إلى ربيعة نادى بصوت عال كغير المكترث لما فيه الناس لمن هذه الرايات ؟ قالوا : رايات ربيعة . قال عليه السلام :

بل رايات عصم اللّه أهلها فصبرهم و ثبّت أقدامهم . و قال للحضين بن المنذر : يا فتى ألا تدني رايتك هذه ذراعا . قال : بلى و اللّه و عشرة أذرع . فأدناها .

-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 4 : 14 .

-----------
( 2 ) تاريخ الأمم و الملوك للطبري 3 : 9 ، دار الكتب العلمية .

[ 562 ]

قال : حسبك مكانك 1 .

و في ( صفين نصر ) : انتهى علي عليه السلام إلى رايات ربيعة فقال : لمن هذه ؟

فقيل : رايات ربيعة . فقال : بل هي رايات اللّه . و أقبل الحضين بن المنذر و هو يومئذ غلام يزحف براتيه و كانت حمراء فأعجب عليّا عليه السلام زحفه و ثباته فقال :

لمن راية سوداء يخفق ظلّها
إذا قيل قدمها حضين تقدما

و يقدمها في الموت حتى يزيرها
حياض الموت تقطر الموت و الدما

أذقنا ابن حرب طعننا و ضرابنا
بأسيافنا حتى تولى و احجما

جزى اللّه قوما صابروا في لقائهم
لدى الموت قوما ما أعف و أكرما

و أطيب أخبارا و أكرم شيمة
إذا كان أصوات الرجال تغمغما

ربيعة أعني انّهم أهل نجدة
و بأس إذا لاقوا خميسا عرمرما

2 « و يكتنفوها » أي : يحيطوها .

« حفافيها » بدل بعض من ( ها ) أي جانبيها ، قال طرفة :

كان جناحي مضر حي تكنفا
حفافيه شكا في العسيب بمسرد

3 « و وراءها و أمامها » عطفان على ( حفافيها ) .

« لا يتأخرون عنها فيسلموها و لا يتقدّمون عليها فيفردوها » في ( صفين نصر ) : دفع علي عليه السلام الراية إلى هاشم المر قال و كان عليه درعان فقال عليه السلام كهيئة المازح : أبا هاشم أما تخشى من نفسك أن تكون أعور جبانا . قال :

ستعلم يا أمير المؤمنين و اللّه لألفن بين جماجم القوم لفّ رجل ينوي الآخرة .

-----------
( 1 ) الكامل لابن الاثير 3 : 299 .

-----------
( 2 ) صفين ، لنصر بن مزاحم : 288 .

-----------
( 3 ) لسان العرب 3 : 235 .

[ 563 ]

فأخذ رمحا فهزّه فانكسر ، ثم أخذ آخر فوجده حاسيا فألقاه ، ثم دعا برمح لين فشدّ به لواه ، ثم قال لأصحابه : شدّوا شساع نعالكم و شدّوا أزركم ، فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثا فاعلموا ان أحدا منكم لا يسبقني بها .

إلى أن قال : و جعل عمّار يتناول هاشما بالرمح و يقول : أقدم يا أعور ، لا خير في أعور لا يأتي الفزع . فجعل عمرو بن العاص يقول : اني لأرى لصاحب الراية السوداء عملا لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم إلى أن قال و لم يزل عمّار بهاشم ينخسه حتى شبّ القتال و زحف هاشم بالراية يرقل بها إرقالا و زحف الناس بعضهم إلى بعض ، و التقى الزحفان فاقتتلوا قتالا لم يسمع بمثله إلى أن قال فلما أصبح أهل الشام لم يجدوا حول لوائهم إلاّ ألف رجل ،

فاقتلعوه و ركزوه من وراء موضعه الأول و أحاطوا به ، و وجد أهل العراق لواءهم مركوزا و ليس حوله إلاّ ربيعة ، و علي عليه السلام بينهم ، و هم يحيطون به و هو لا يعلم من هم و يظنّهم غيرهم ، فلما صلّى علي عليه السلام الفجر أبصر وجوها ليس بوجوه أصحابه بالأمس ، فقال : من القوم ؟ قالوا : ربيعة و قد بتّ فيهم تلك الليلة . فقال : فخر طويل لك يا ربيعة 1 .

و في ( صفين نصر ) : أقبل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و معه لواء معاوية الأعظم ، و من بعده عمرو بن العاص في خيل ، و قال له : اقحم يابن سيف اللّه فانّه الظفر . فأقبل الناس على الأشتر فقالوا : يوم من أيامك الأول و قد بلغ لواء معاوية حيث ترى . فأخذ الأشتر لوائه ثم حمل و هو يقول :

اني أنا الأشتر معروف الشتر
اني أنا الأفعي العراقي الذكر

لست من الحي ربيعة و مضر
لكنني من مذحج الغر الغرر

فضارب القوم حتى ردّهم على أعقابهم و رجعت خيل عمرو .

-----------
( 1 ) صفين ، لنصر بن مزاحم : 326 .

[ 564 ]

« أجزأ امرؤ قرنه » بالكسر : من جاء لحربه ، قال أبو محلم السعدي :

ألست أردّ القرن يركب روعه
و فيه سنان ذو عراقيب يابس

1 و قال عمرو بن معديكرب :

يسامى القرن ان
قرن تيمه فيعتضده

فيأخذه فيرديه
فيخفضه فيقتصده

فيدنو فيحطمه
فيحمضه فيزدرده

2 « و آسى » و في ( ابن ميثم ) : « آسى » .

« أخاه بنفسه » أي : و اساه و عاضده .

« و لم يكل قرنه إلى أخيه » ان لم يؤاسيه .

« فيجتمع عليه قرنه » أي : قرن نفسه .

« و قرن أخيه » و ذلك خلاف الانصاف و المروة 3 .

« و ايم اللّه لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآخرة » و هو أشدّ بمراتب .

« و أنتم » هكذا في ( المصرية ) 4 و الصواب : « أنتم » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) .

« لهاميم العرب » 5 في ( الصحاح ) : اللهموم : الجواد من الناس و الخيل ،

قال :

-----------
( 1 ) صفين ، لنصر بن مزاحم : 395 .

-----------
( 2 ) ذكر أبو الفرج بعض الأبيات 15 : 209 210 .

-----------
( 3 ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3 : 123 .

-----------
( 4 ) الطبعة المصرية : 290 .

-----------
( 5 ) في نسخة ابن ابي الحديد الواو موجودة انظر 8 : 5 ، من شرح نهج البلاغة ، النسخة الخطية : 105 .

[ 565 ]

لا تحسبن بياضا في منقصة
ان اللهاميم في أقرابها بلق

1 قلت : و هم الجوهري ، و انما قال ابن دريد : فرس لهم و لهيم و لهموم إذا كان جوادا غزير الجري . و معنى جواد غزير الجري جيد أصيل كثير العدو لا جود الإنسان كما توهم 2 ، و حينئذ فقوله عليه السلام « لهاميم العرب » استعارة من ذاك الفرس و إلا فالجود لا يناسب الحرب ، و حينئذ فالمراد أنّكم مقدّمون في الحروب كالأفراس اللهاميم لا ما قاله ابن أبي الحديد : انّهم السادات الأجواد 3 .

« و السنام الأعظم » هو أيضا استعارة من سنام الإبل لأنّه أعلى أعضائه .

« إن في الفرار موجدة اللّه » فقد قال تعالى و من يولهم يومئذ دبره إلا متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه . . . 4 .

« و الذل اللازم و العار الباقي » حض الأشتر الناس بصفين فقال : ان الفرار من الزحف فيه سلب العزّ و ذلّ المحيا و الممات و عار الدنيا و الآخرة .

و قال قيس بن سعد بن عبادة :

ليس فراري في الوغى بعادة
ان الفرار للفتى قلادة

5 و في ( صفين نصر ) : في التقاء جعدة بن هبيرة ابن أخت أمير المؤمنين عليه السلام و عتبة بن أبي سفيان أخي معاوية : باشر جعدة القتال بنفسه و جزع عتبة فأسلم خيله و أسرع هاربا إلى معاوية ، فقال له : هزمك جعدة و فضحك فضيحة لا تغسل رأسك منها أبدا 6 .

-----------
( 1 ) الصحاح 4 : 2037 مادة ( لهم ) .

-----------
( 2 ) جمهرة اللغة لابن دريد : 987 ، مادة ( لهم ) .

-----------
( 3 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8 : 7 .

-----------
( 4 ) الأنفال : 16 .

-----------
( 5 ) شرح ابن ابي الحديد 14 : 190 .

-----------
( 6 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 463 .

[ 566 ]

و فيه في خبر فغاداهم علي عليه السلام القتال ، فانهزمت صفوف أهل الشام من بين يديه ذلك اليوم حتى فرّ عتبة بن أبي سفيان عشرين فرسخا عن موضع المعركة ، فقال النجاشي فيه :

لقد أمعنت يا عتب الفرارا
و أورثك الوغى خزيا و عارا

فلا يحمد خصاك سوى طمر
إذا أجريته انهمر انهمارا

1 قلت : لا غرو أن يفرّ عتبة عشرين فرسخا من صفين ، فقد اقتدى بابن عمه عثمان ففرّ في غزوة احد و غاب ثلاثة أيام حتى قال النبي صلّى اللّه عليه و آله له : لقد ذهبت فيها عريضة طويلة . و مع كون كعب بن جعيل من شيعة معاوية و شاعره هجا عتبة بالفرار تحريضا له ، فأجابه عتبة :

سميت كعبا بشر العظام
و كان أبوك سمي الجعل

و ان مكانك من وائل
مكان القراد من است الجمل

2 هذا ، و روى محمد بن إسحاق غزوة موتة و قال بعد ذكر هلاك جعفر و زيد ابن رواحة و أخذ خالد بن الوليد الراية و انكشف خالد بالناس حتى عيّروا بالفرار و تشأم الناس به . و روى عن أبي سعيد الخدري قال : أقبل خالد بالناس منهزمين ، فلما سمع أهل المدينة بهم تلقوهم بالجرف ، فجعلوا يحثّون في وجوههم التراب و يقولون : يا فرار 3 .

و قال الواقدي : قال عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة : ما لقي جيش بعثوا مبعثا ما لقي أصحاب موتة من أهل المدينة من الشرّ ، حتى أن الرجل ينصرف إلى بيته و أهله فيدقّ عليهم فيأبون أن يفتحوا له ، يقولون : ألا تقدمت مع أصحابك

-----------
( 1 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 409 ، طبع القاهرة .

-----------
( 2 ) وقعة صفين : 413 طبع القاهرة .

-----------
( 3 ) المغازي للواقدي 2 : 764 765 .

[ 567 ]

فقتلت . و جلس الكبراء منهم في بيوتهم استحياء من الناس ، حتى أرسل النبي صلّى اللّه عليه و آله رجلا يقول لهم : أنتم الكرار في سبيل اللّه فخرجوا 1 .

قلت : لا بد ان النبي صلّى اللّه عليه و آله أراد بما قال : انّكم تكرّون إلى الجهاد الذي هو سبيل اللّه . و إلاّ فالنبي لا يقول للفرار : أنتم الكرار . و كيف كان فمن المضحك أنّهم قالوا ان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لقّب ذاك اليوم خالد بن الوليد سيف اللّه ، فكيف يحثي أهل المدينة التراب في وجهه و وجه أصحابه و يقولون له و لهم : يا فرار ثم يلقبه النبي سيف اللّه ، فلو كان لقب سيف اللات كان أقرب إلى الواقع .

« و إنّ الفارّ لغير مزيد في عمره و لا محجوز بينه و بين يومه » قال حصين بن الحمام :

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد
لنفسي حياة مثل أن أتقدّما

و أنشد جرير قصيدة في مدح الحجاج إلى أن بلغ إلى هذا البيت :

قل للجبان إذا تأخّر سرجه
هل أنت من شرك المنية ناج

قال له الحجاج : يابن اللخناء جرّأت عليّ الناس . قال : أيّها الأمير ما ألفيت لها بالا إلاّ وقتي هذا . و قال عنترة :

بكرت تخوفني الحتوف فإنّني
أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل

فأجبتها ان المنيّة منهل
لا بد أن أسقى بكأس المنهل

فاقنى حياء لا أبا لك و اعلمي
أنّي امرؤ سأموت ان لم أقتل

2 و الأصل في كلامه عليه السلام قوله تعالى : قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت أو القتل . . . 3 .

-----------
( 1 ) ذكره الواقدي في المغازي 2 : 765 ، مسندا إلى أبي بكر بن عبد اللّه بن عتبة .

-----------
( 2 ) الشعر و الشعراء : 151 دار الكتب العلمية .

-----------
( 3 ) الأحزاب : 16 .

[ 568 ]

« الرائح » هكذا في ( المصرية ) 1 و الصواب : « من رائح » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) .

« إلى اللّه كالظمآن » أي : فيكون كالظمآن .

« يرد الماء » و لا شي‏ء فوقه لأن به يحيا .

« الجنّة تحت أطراف العوالي » جمع العالية ، و المراد بها السنان و ان كان الأصل فيها الأعلى منه ، و هو ما دخل في السنان إلى ثلثه 2 .

و قال ابن أبي الحديد كلامه عليه السلام من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله « الجنّة تحت ظلال السيوف » و سمعه بعض الأنصار منه صلّى اللّه عليه و آله يوم احد و في يده تمرات يلوكها ،

فقال : بخ بخ ليس بيني و بين الجنّة إلاّ هذه التميرات فقذفها و حمل حتى قتل 3 .

فإن أراد أنّه نظير قول النبي صلّى اللّه عليه و آله فصحيح ، و إن أراد أنّ المراد بالعوالي السيوف فلا .

و نظير قوله عليه السلام قول عمّار « الجنّة تحت ظلال السيوف و الموت في أطراف الأسل » ففي ( الطبري ) : جاء عمّار إلى هاشم المر قال صاحب رأية علي عليه السلام و هاشم يقول :

أعور يبغي أهله محلاّ
قد عالج الحياة حتى ملاّ

لا بد أن يفلّ أو يفلاّ

و عمار يقول : يا هاشم الجنّة تحت ظلال السيوف و الموت في أطراف الأسل و قد فتحت أبواب السماء و تزيّنت الحور العين « اليوم ألقى الأحبة محمّدا و حزبه » . فلم يرجعا عن القتال حتى قتلا 4 .

-----------
( 1 ) الطبعة المصرية : 291 .

-----------
( 2 ) ابن ابي الحديد : ليس فيه « رائح » بل اكتفى ب « من » انظر 8 : 5 .

-----------
( 3 ) شرح ابن أبي الحديد 8 : 6 .

-----------
( 4 ) تاريخ الطبري 4 : 28 .

[ 569 ]

« اليوم تبلى الأخبار » أي : تمتحن أحوال الناس . و الظاهر أنّه عليه السلام قال ذلك قرب وقوع التحكيم كما يشهد له السياق .

و في ( صفين نصر ) : أنّ عليّا عليه السلام أرسل إلى الناس أن احملوا ، فحمل الناس على راياتهم كلّ قوم بحيالهم ، فتجالدوا بالسيوف و عمد الحديد لا يسمع ألاّ صوت الحديد ، و مرّت الصلوات كلّها و لم يصلّوا إلاّ تكبيرا عند مواقيت الصلوات حتى تفانوا و رق الناس . فخرج رجل بين الناس لا يعلم من هو فقال : أخرج فيكم المحلقون ؟ قالوا : لا . قال : أما إنّهم سيخرجون ألسنتهم أحلى من العسل و قلوبهم أمرّ من الصبر ، لهم حمة كحمة الحيات . ثم غاب الرجل و لم يعلم من هو 1 .

« و اللّه لأنا أشوق إلى لقائهم منهم إلى ديارهم » ليس هذا الكلام في ( ابن ميثم ) 2 و إنّما هو في ( المصرية و ابن أبي الحديد و الخطية ) 3 .

و في ( الطبري ) : قال أبو عبد الرحمن السلمي : كنّا مع عليّ عليه السلام بصفين فكنّا قد و كّلنا بفرسه رجلين يحفظانه و يمنعانه من أن يحمل ، فكان إذا حانت منهما غفلة يحمل فلا يرجع حتى يخضب سيفه ، و انّه حمل ذات يوم فلم يرجع حتى انثنى سيفه فألقاه إليهم و قال : لو لا أنّه انثنى ما رجعت 4 . . .

« اللّهم فان » و في ( ابن ميثم ) : « إن » .

« ردوا الحق فافضض جماعتهم و شتّت كلمتهم » في ( الطبري ) : قال عمار يومئذ : أين من يبتغي رضوان اللّه عنه و لا يؤوب إلى مال و لا ولد ؟ فأتته عصابة ، فقال لهم : اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان و يزعمون

-----------
( 1 ) صفين لنصر بن مزاحم : 393 طبع القاهرة .

-----------
( 2 ) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3 : 123 .

-----------
( 3 ) الطبعة المصرية : 291 ، و ابن أبي الحديد 8 : 5 ، غير موجودة في الخطية : 105 .

-----------
( 4 ) تاريخ الطبري 3 : 99 ، دار الكتب العلمية .

[ 570 ]

انّه قتل مظلوما ، و اللّه ما طلبتهم بدمه و لكن القوم ذاقوا الدّنيا فاستحبوها و استمرؤوها و علموا أنّ الحق إذا لزمهم حال بينهم و بين ما يتمرغون فيه من دنياهم ، و لم تكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقّون بها طاعة الناس و الولاية عليهم ، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا قتل إمامنا مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا ، و تلك مكيدة بلغوا بها ما ترون . و لو لا هي ما تبعهم من الناس رجلان ،

اللّهم ان تنصرنا فطالما نصرت و ان تجعل لهم الأمر فادّخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم . ثم مضى حتى دنا من عمرو بن العاص فقال له : تبا لك بعت دينك بمصر تبا لك تبا ، طالما بغيت الإسلام عوجا . و قال لعبيد اللّه بن عمر : بعت دينك من عدو الإسلام و ابن عدوّه . قال : لا و لكن أطلب بدم عثمان .

قال له : أشهد على علمي فيك أنّك لا تطلب بشي‏ء من فعلك وجه اللّه عز و جل ،

و أنّك إن لم تقتل اليوم تمت غدا ، فانظر إذا اعطي الناس على قدر نيّاتهم ما نيّتك 1 .

« و أبسلهم » بفتح الهمزة ، أي : أسلمهم للهلكة .

« بخطاياهم » هذا ، و كان عوف بن الأحوص حمل عن غنى لبني قشير دم ابني السحيفة فقالوا : لا نرضى بك ، فرهنهم بنيه طلبا للصلح و قال :

و إبسالي بني بغير جرم
بغوناه و لا بدم مراق

2 « إنّهم » قد عرفت أن المراد بهم غسان .

« لن يزولوا عن مواقفهم دون طعن دراك » أي : متتابع يتلو بعضه بعضا و يدرك الآخر الأول .

« يخرج منه » أي : من محل الطعن .

-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 4 : 28 .

-----------
( 2 ) الجمهرة 1 : 339 .

[ 571 ]

« النسيم » أي : الهواء .

« و ضرب يفلق » أي : يشقق .

« الهام » أي : الرأس .

« و يطيح » أي : يهلك و يسقط .

« العظام و يندر » بالضم أي : يسقط .

« السواعد » أي : الأعضاد .

« و الأقدام و حتى يرموا بالمناسر » جمع المنسر بالكسر و جوز الفتح ، و في ( الجمهرة ) : المنسر ما بين الأربعين إلى الخمسين من الخيل .

« و يرجموا » أي : يرموا .

« بالكتائب » أي : الجيوش .

« تقفوها » أي : تتبعها .

« الحلائب » في ( الجمهرة ) : حلائب الرجل : أنصاره من بني عمه خاصة ،

هكذا يقول الأصمعي ، فإذا كانوا من غير بني عمّه فليسوا بحلائب ، قال ابن حلزة اليشكري :

و نحن عداة العين لما دعوتنا
منعناك اذ ثابت عليك الحلائب

1 « و حتى يجر ببلادهم الخميس » أي : الجيش .

« يتلوه الخميس » سمّي الجيش خميسا لأنّهم خمس فرق : القلب و الميمنة و الميسرة و المقدّمة و الساق .

« و حتى تدعق » قال ابن أبي الحديد : يجوز أن يفسر الدعق بغير الدق الذي قال الرضي ، أي الهيج و التنفير 2 .

-----------
( 1 ) الجمهرة 1 : 284 .

-----------
( 2 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8 : 9 .

[ 572 ]

قلت : لا مناسبة للهيج و التنفير ، فيتعيّن المعنى الذي قال المصنف أو ما هو بمعناه ، ففي ( الجمهرة ) : الدعق الوطوء الشديد ، قال بعضهم في كلام له :

حوب حوب إنّه يوم دعق و شوب
لا لعا لبني الصوب

1 و قال الجوهري : خيل مداعيق تدوس القوم في الغارات 2 .

« الخيول في نواحر أرضهم » قد عرفت أنّ ( نصر بن مزاحم ) و ( الإرشاد ) و ( سليما ) زوّده « فيى نواحي أرضهم » و هو الصحيح و توهّم المصنف فقرأ « في نواحر » بالراء لتشابهها خطا ، و أيضا المناسب و طئوا الخيل نواحي أرضهم لا مقابلها .

« و أعنان » أي : أطراف .

« مساربهم » في ( الجمهرة ) : المسرب المرعى و الجمع المسارب ، و خل سرب فلان أي : وجهته . و كان الرجل في الجاهلية يقول لامرأته : اذهبي فلا أنده سربك ، فتطلق بهذه الكلمة .

« و مسارحهم » جمع المسرح ، و في ( الجمهرة ) : سرحت الماشية إذا غدوت بها إلى المرعى ، و ربما قيل : « سرحت الماشية » فيجعل الفعل لها ، و قالوا : المال سارح و مراح . لا يقال إلاّ كذلك قال الأعشى :

أم على العهد فعلمي خير
من روح مالا و سرح

3 و في ( صفين نصر ) : لمّا أراد عبد اللّه بن بديل الشخوص إلى صفين التفت إلى الناس و قال : كيف يبايع معاوية عليّا عليه السلام و قد قتل أخاه حنظلة و خاله

-----------
( 1 ) الجمهرة لابن دريد 2 : 660 مادة ( دعق ) .

-----------
( 2 ) الجوهري 3 : 1474 مادة ( دعق ) .

-----------
( 3 ) الجمهرة 1 : 512 .

[ 573 ]

الوليد و جدّه عتبة في موقف واحد ، و اللّه ما أظن أن يفعلوا و لن يستقيموا دون أن تقصد فيهم المران و تقطع على هامهم السيوف و تنثر حواجبهم بعمد الحديد و تكون أمور جمّة بين الفريقين 1 .

« قال الشريف أقول » هكذا في ( المصرية ) 2 ، و كلّه لم يكن كلام المصنف و انما « قال الشريف » كلام الشراح .

« الدعق » : الدق ، أي تدقّ الخيول بحوافرها أرضهم » قد عرفت تحقيقه .

و وهم ابن أبي الحديد في معناه 3 .

« و نواحر أرضهم متقابلاتها » قد عرفت و هم المصنف في قراءة « نواحر » بالراء و انّه « نواحي » ، و لو فرضت صحته فقد عرفت عدم مناسبة معناه . و يمكن أن يفسّر بأن المراد في عروق أرضهم . ففي ( الجمهرة ) :

النواحر عروق تقطع من نحر الدابة كالفصد ، الواحد ناحر ، و قالوا ناحرة و نواحر .

« يقال منازل بني فلان تتناحر أي تتقابل » و الأصل فيه نحر البعير ، كأن كلاّ منهما تنحر الاخرى ، ففي ( الجمهرة ) : كانت دار بني فلان تنحر الطريق أي تقابله 4 .

هذا و قال الجوهري : النحيرة آخر يوم من الشهر ، قال الكميت يصف فعل الأمطار بالديار :

و الغيث بالمتالفات
من الأهلّة و النواحر

5

-----------
( 1 ) صفين ، لنصر بن مواحم : 102 .

-----------
( 2 ) الطبعة المصرية المصححة : لا وجود لهذه العبارة ، انظر : 291 .

-----------
( 3 ) انظر ابن ابي الحديد 8 : 9 .

-----------
( 4 ) الجمهرة 1 : 525 مادة ( نحر ) .

-----------
( 5 ) الصحاح للجوهري 2 : 824 مادة ( نحر ) .

[ 574 ]

و قال أبو الغوث : النحيرة آخر ليلة من الشهر مع يومها ، لأنّها تنحر الشهر الذي بعدها ، أي تصير في نحره أو تصيب نحره ، فهي ناحرة و الجمع النواحر ، و احتجّ بقول ابن أحمر الباهلي :

ثم استمر عليها و اكف همع
في ليلة نحرت شعبان أو رجبا

1 و قال ابن دريد : أقبل فلان في نحر الجيش ، أي في أوّله ، و الليلة تنحر شهر كذا و كذا أي هي أوّله . ثم ذكر البيت الأخير ، فترى الأوّل جعله الآخر بلا خلاف لكن تردّد في أنّه آخر يوم فقط أو مع ليلة ، و الثاني جعله أول ليلة بلا خلاف ثم قال : و النحيرة و المنحورة واحد ، و قال : قيل في قوله تعالى فصلّ لربك و انحر 2 أي استقبل نحر النهار أي أوّله ، و قيل يعني ضع يدك على نحرك 3 .

و الصواب قول ابن دريد لأخذه عن الخليل و لكثرة أوهام الجوهري و لأن ( الأساس ) وافقه فقال : قال الكميت :

و الغيث بالمتالفات
من الأهلّة في النواحر

4 إذا وقع الغيث في أوّل الشهر كان غزيرا . . .

و منه يظهر ان الجوهري صحّف البيت الأول و أنّه كان بلفظ « في النواحر » لا « و النواحر » . و بالجملة هو أيضا لم يشر إلى خلاف في كونه بمعنى الأول .

-----------
( 1 ) الجمهرة لابن دريد 1 : 525 .

-----------
( 2 ) الكوثر : 2 .

-----------
( 3 ) جمهرة اللغة لابن دريد 1 : 525 .

-----------
( 4 ) أساس البلاغة : 449 .

[ 575 ]