الحكمة ( 120 ) و سئل عليه السلام عن قريش فقال :
أَمَّا ؟ بَنُو مَخْزُومٍ ؟ فَرَيْحَانَةُ ؟ قُرَيْشٍ ؟ تُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ وَ اَلنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ وَ أَمَّا ؟ بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ ؟ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً وَ أَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا وَ أَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا وَ أَسْمَحُ عِنْدَ اَلْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا وَ هُمْ أَكْثَرُ وَ أَمْكَرُ وَ أَنْكَرُ وَ نَحْنُ أَفْصَحُ وَ أَنْصَحُ وَ أَصْبَحُ أقول : و في ( رسالة الجاحظ ) كما في ( ينابيع مودة سليمان الحنفي ) قال علي عليه السلام حين سئل عن بني هاشم و بني امية « نحن أنجد و أمجد و أجود و هم أنكر و أمكر و أغدر » 1 .
و قال عليه السلام أيضا : نحن أطعم للطعام و أضرب للهام 2 .
و روى ( موفقيات ابن بكار ) عن عبد اللَّه بن إبراهيم الجمي عن نوفل بن عمارة : قال رجل من قريش لعلي عليه السلام : أخبرنا عنكم و عن بني عبد شمس . قال :
نحن أصبح و أفصح و أسمح . فقال الرجل : ما أبقيت للقوم شيئا . قال : بلى هم أكثر و أمكر و أنكر 3 .
و في ( العقد ) : قيل لعلي عليه السلام : أخبرنا عنكم و عن بني امية . فقال : بنو امية أنكر و أمكر و أفجر ، و نحن أصبح و أنصح و أسمح .
و قال الشعبي : قال علي عليه السلام : أما بنو هاشم فأطعمها للطعام و أضربها للهام ، و أمّا بنو أمية فأشدّها حجرا و أطلبها للأمر الذي لا ينال فينالونه 4 .
-----------
( 1 ) ينابيع المودة : 154 .
-----------
( 2 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 15 : 208 .
-----------
( 3 ) موفقيات ابن بكار : 343 .
-----------
( 4 ) العقد الفريد 3 : 315 .
[ 13 ]
و في ( العيون ) : قال علي عليه السلام : خصصنا بخمس بصباحة و فصاحة و سماحة و رجاحة و حظوة يعني عند النساء 1 .
و سئل عليه السلام فقال : هم أغدر و أفجر و أمكر ، و نحن أفصح و أصبح و أسمح .
قول المصنّف : « و سئل عليه السلام عن قريش » في ( المروج ) : قريش خمسة و عشرون بطنا : بنو هاشم ، بنو المطلب ، بنو أسد بن عبد العزى ، بنو عبد الدار بن قصي ، بنو زهرة بن كلاب ، بنو تيم بن مرة ، بنو مخزوم ، بنو يقظة ، بنو عدي بن كعب ، بنو سهم ، بنو جمح و هم قريش البطاح ، بنو مالك بن حنبل ،
بنو معيص ، بنو عامر ، بنو أسامة بن لؤي ، بنو الأدرم و هم تيم بن غالب ، بنو محارب بن فهم ، بنو الحرث بن عبد اللَّه ، بنو عائذة و هم خزيمة بن لؤي بنو بنانة و هم سعد بن لؤي قريش الظواهر 2 .
و في ( المعارف ) : النضر بن كنانة أبو قريش ، و ولده مالك و الصلت و صار الصلت في اليمن و رجعت قريش إلى مالك بن النضر فهو أبوها كلّها ،
و ولده فهر و الحارث ، و من الحارث أبو عبيدة ، و أما فهر فمنه تفرّقت قبائل قريش و ولده غالب و محارب ، و من محارب ضرار بن الخطاب شاعر قريش في الجاهلية ، و ولد غالب لؤي و تيم و من تيم الأدرم من أعرابهم قال :
ان بني الأدرم ليسوا من أحد
ليسوا إلى قيس و ليسوا من أسد
و لا توفاهم قريش في العدد
و أمّا لؤي فإليه ينتهي عدد قريش و شرفها ، و ولده كعب و عامر و سعد و خزيمة و الحارث و عوف ، و ولد عامر حسل و معيص ، و من معيص ابن ام
-----------
( 1 ) العيون 4 : 25 .
-----------
( 2 ) المروج 2 : 32 .
[ 14 ]
كلثوم ، و من حسل سهل و سهيل و السكران بنو عمرو و سامة بن لؤي وقع بعمان ، و أما سعد بن لؤي فمنهم عائذة و هم في بني شيبان و مقاس العائذي الشاعر . و أمّا كعب بن لؤي فولده مرة و هصيص و عدي ، و من هصيص بنو سهم و بنو جمح و أما عدي فمنهم عمر ، و أما مرة فمنهم تيم رهط أبي بكر و طلحة ، و منهم مخزوم و من مخزوم أبو جهل بن هشام ، و في هشام قالوا :
و أصبح بطن مكّة مقشعرا
كأنّ الأرض ليس بها هشام
و منهم كلاب و ولد كلاب زهرة و قصي ، و زهرة أخوال النبي صلّى اللَّه عليه و آله ، و أمّا قصي و اسمه زيد فسمّي مجمعا لأنّه جمع قبائل قريش و أنزلها مكّة و بنى دار الندوة و أخذ المفتاح من خزاعة و ولده عبد مناف و اسمه المغيرة و عبد الدار و عبد العزى و عبد و قد باد و من عبد العزى خويلد بن أسد أبو خديجة و جد الزبير ، و من عبد الدار آل أبي طلحة قتلوا يوم أحد إلاّ عثمان بن طلحة أسلم فدفع النبي صلّى اللَّه عليه و آله إليه مفتاح الكعبة و شيبة بن عثمان في ولده المفتاح ،
و ولد عبد مناف هاشم و عبد شمس و المطلب و نوفل و من نوفل جبير بن مطعم 1 .
« فقال أمّا بنو مخزوم » بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب . قال الجوهري : يقال لكلّ مثقوب مخزوم .
و في ( البيان ) : قال خالد بن صفوان لعبدري : هشمتك هاشم و أمتك امية و خزمتك مخزوم ، و أنت من عبد دارها و منتهى عارها تفتح لها الأبواب إذا أقبلت و تغلقها إذا أدبرت 2 .
« فريحانة قريش » و في ( البيان ) : سأل معاوية دغفلا عن بني مخزوم
-----------
( 1 ) المعارف : 67 .
-----------
( 2 ) البيان و التبيين 1 : 336 .
[ 15 ]
فقال : معزى مطيرة ، عليها قشعريرة ، إلاّ بني المغيرة ، فإنّ فيهم تشادق الكلام و مصاهرة الكرام 1 .
و في ( البيان ) : قال معاوية : لا ينبغي أن يكون الهاشمي غير جواد ، و لا الاموي غير حليم ، و لا الزبيري غير شجاع ، و لا المخزومي غير تياه . فبلغ ذلك الحسن بن علي عليهما السّلام فقال : قاتله اللَّه أراد أن يجود بنو هاشم فينفد ما بأيديهم ،
و يحلم بنو امية فيتحببوا إلى الناس ، و يتشجع آل الزبير فيفنوا ، و يتيه بنو مخزوم فيبغضهم الناس 2 .
« تحب حديث رجالهم » قد عرفت أن دغفلا النسابة قال في بني المغيرة :
تشادق الكلام .
هذا ، و من المحبوبين حديثا مالك بن نويرة اليربوعي الذي قتله خالد بن الوليد من قبل أبي بكر غدرا و زنا بامرأته حتى أنكر ذلك عليه عمر ، قال أخوه متمم لعمر : أسرني بنو تغلب في الجاهلية فبلغ ذلك مالكا فجاء ليفتديني ، فلما رآه القوم أعجبهم جماله و حدّثهم فأعجبهم حديثه فأطلقوني له بغير فداء .
« و النكاح في نسائهم » و من نسائهم ام سلمة زوج النبي صلّى اللَّه عليه و آله و منهن ام سلمة زوجة السفاح .
في ( المروج ) : كانت ام سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد اللَّه بن الوليد بن المغيرة المخزومي عند عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك فهلك عنها ، ثم كانت عند هشام فهلك عنها ، فبينا هي ذات يوم إذ مر بها أبو العباس السفاح و كان جميلا وسيما فسألت عنه فنسب لها ، فأرسلت مولاة لها تعرض عليه أن يتزوجها و قالت لها : قولي له : هذه سبعمائة دينار وجه بها إليّ و كان معها
-----------
( 1 ) البيان و التبيين 1 : 121 .
-----------
( 2 ) البيان و التبيين 4 : 61 .
[ 16 ]
مال عظيم و جوهر و حشم فأتته المولاة فعرضت عليه ذلك فقال : أنا مملق لا مال عندي . فدفعت إليه المال فأنعم لها و أقبل إلى أخيها فسأله التزويج فزوجه إيّاها ، فأصدقها خمسمائة دينار و أهدى مائتي دينار و دخل عليها من ليلته ،
فإذا هي على منصة ، فصعد عليها فإذا كلّ عضو منها مكلّل بالجوهر فلم يصل إليها ، فدعت بعض جواريها فنزلت و غيّرت لبسها و لبست ثيابا مصبغة و فرشت له فراشا على الأرض دون ذلك ، فلم يصل إليها . فقالت : لا يضرّك هذا ،
كذلك كان يصيبهم مثل ما أصابك . فلم تزل به حتى وصل إليها من ليلته و حظيت عنده ، و حلف ألا يتزوج عليها و لا يتسرى ، فولدت له محمدا و ريطة ،
و غلبت عليه غلبة شديدة حتى ما كان يقطع أمرا إلاّ بمشورتها و بتدبيرها . . . 1 .
و في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : بعث عبد الملك بن مروان إلى المغيرة ابن عبد الرحمن المخزومي أن يقدم عليه أراد أن يزوجه اخته زينب فقدم المغيرة أيلة و بها يحيى بن الحكم ، فخطب إليه اخته زينب و جعل له أربعين ألف دينار فزوّجه إيّاها . و لما قدم دمشق على عبد الملك خطب إليه زينب فقال له : مررت بعمّك يحيى فخطبها إليّ فزوجتها منه و لم أعلم أن لك فيها حاجة . فغضب عبد الملك على عمّه و أخذ كلّ شيء له ، فقال يحيى « كعكتان و زينب » يعني لا ابالي إذا وجدت كعكتين و عندي زينب و كانت زينب تسمى من حسنها الموصولة ، لأنّ كل رب منها كأنّما حسن خلقه ثم وصل إلى الإرب الآخر 2 .
هذا ، و ورد مدح مطلق نساء قريش ، روى ( الكافي ) عن أحدهما عليهما السّلام قال :
خطب النبي صلّى اللَّه عليه و آله ام هاني بنت أبي طالب فقالت : يا رسول اللَّه اني مصابة في
-----------
( 1 ) المروج 3 : 260 .
-----------
( 2 ) نسب قريش : 307 .
[ 17 ]
حجري أيتام و لا يصلح لك إلاّ امرأة فارغة . فقال النبي : ما ركب الإبل مثل نساء قريش أحناها على ولد و لا أرعى على زوج في ذات يديه 1 .
هذا ، و أتى ابن أبي الحديد بما يضحك الثكلى ، فاقتصر في شرح العنوان على عد رجال مخزوم في الجاهلية و الاسلام و ما قيل فيهم من الأشعار . ثم ان ابن أبي الحديد كأنّه كان من أكبر رجال مخزوم و أنف من قوله عليه السلام فيهم ،
فقال : و يمكن أن يقال قالت مخزوم ما أنصفنا من اقتصر في ذكرنا على أن قال « مخزوم ريحانة قريش تحب حديث رجالهم و النكاح في نسائهم » و لنا في الجاهلية و الإسلام مآثر عظيمة و رجال كثيرة . ثم عدّ منهم المغيرة و الوليد بن المغيرة و هشام بن المغيرة و أبا جهل بن هشام و عكرمة بن أبي جهل و عمر بن أبي ربيعة و خالد بن الوليد و ابنه عبد الرحمن و هشام بن إسماعيل و جمعا آخر ، و قال : ينبغي أن يقال إنّه عليه السلام لم يقل هذا الكلام احتقارا لهم ، و لكن لما كان أكثر همّه يوم المفاخرة أن يفاخر بني عبد شمس لما بينه و بينهم فلما مر ذكر مخزوم بالعرض قال فيهم ما قال ، و لو كان يريد مفاخرتهم لما اقتصر على ما قال . على أن أكثر هؤلاء إسلاميون بعده و علي إنّما يذكر من قبله 2 .
فإنّ هذا الرجل يدّعي المعرفة و يتكلّم بمثل هذا الكلام ، إلاّ انّه لما كان كثير من الذين قال بامامتهم سابّين له عليه السلام لا غرو منه ان يقتصر على هذا المقدار ، و كان يمكنه اذ أنف لمخزوم أن يقول انّه غير معلوم كون هذا من كلامه عليه السلام فقد عرفت ان ( رسالة الجاحظ ) و ( عقد ابن عبد ربه ) و ( عيون ابن قتيبة ) اقتصرت على نقل وصفه عليه السلام لهاشم و امية دون مخزوم .
ثم أيّ قيمة لرجال كفار و منافقين و مخالفين عند اللَّه تعالى و عند
-----------
( 1 ) الكافي 5 : 326 ح 3 .
-----------
( 2 ) شرح ابن أبي الحديد 18 : 285 .
[ 18 ]
رسوله صلّى اللَّه عليه و آله و عنده عليه السلام ، و قد قال الجاحظ فيما نقل نفسه عنه ان في مخزوم نزل قوله تعالى و ذرني و المكذِّبين أولي النّعمة . . . 1 و قوله تعالى . . . و تركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم . . . 2 و في الوليد نزل قوله تعالى ذرني و من خلقتُ وحيداً . و جعلت له مالاً ممدوداً . و بنين شهوداً . ثم يطمع أن أزيد . كلا انّه كان عنيداً . سأُرهقه صعوداً . انّه فكّر و قدّر . فقُتل كيف قدّر . ثم قُتل كيف قدّر . ثم نظر ثم عبس و بسر . ثم أدبر و استكبر . فقال ان هذا إلا سحرٌ يؤثر . ان هذا إلاّ قول البشر . سأُصليه سقر . و ما أدراك ما سقر . لا تبقي و لا تذر . لواحة للبشر 3 و قوله تعالى أما من استغنى .
فأنت له تصدى . و ما عليك ألاّ يزّكى 4 و في أبي جهل نزل قوله تعالى ذق انّك أنت العزيز الكريم 5 و قوله تعالى فليدع ناديه . سندع الزبانية 6 .
و كان أبو جهل أعتى من فرعون ، ففرعون لما أدركه الغرق قال . . .
آمنت أنّه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل . . . 7 حتى قال له جبرئيل الان و قد عصيت قبل . . . 8 و أما أبو جهل فحين قتله ادّعى أنّه غلب على النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله .
و عكرمة بن أبي جهل كان سرّ أبيه ، فروى الزبير بن بكار أنّه لما بويع أبو بكر ندم قوم من الأنصار و ذكروا عليّا عليه السلام و هتفوا باسمه و أنّه في داره لم
-----------
( 1 ) المزمل : 11 .
-----------
( 2 ) الأنعام : 94 .
-----------
( 3 ) المدثر : 10 29 .
-----------
( 4 ) عبس : 4 7 .
-----------
( 5 ) الدخان : 49 .
-----------
( 6 ) العلق : 16 18 .
-----------
( 7 ) يونس : 90 .
-----------
( 8 ) يونس : 91 .
[ 19 ]
يخرج إليهم ، و كان أشدّ قريش على الأنصار نفر سهيل بن عمرو العامري و الحرث بن هاشم و عكرمة بن أبي جهل المخزوميان . و هؤلاء أشراف قريش الذين حاربوا النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ثم دخلوا في الاسلام و كلّهم موتور قد وتره الأنصار . إلى أن قال : فلما بلغ الأنصار قول هؤلاء الرهط قام ثابت بن قيس بن شماس فقال : يا معشر الأنصار إنّما يكبر عليكم هذا القول لو قاله أهل الدين من قريش ، فأما إذ كان من أهل الدّنيا لا سيما من أقوام كلّهم موتور فلا يكبرن عليكم ، فان تكلمت رجال قريش الذين هم أهل الآخرة مثل كلام هؤلاء فعند ذلك قولوا ما أحببتم و إلا فأمسكوا 1 .
و أما خالد بن الوليد فعمدة آثاره فراره بالمسلمين يوم موتة فصار عارا للإسلام ، و لما رجعوا إلى المدينة كان المسلمون يصيحون بهم يا فرار و يحثّون عليهم التراب ، و غدره بجمع من المسلمين زمان النبي صلّى اللَّه عليه و آله و قتله لهم بغير حق ، فتبرأ منه و من فعله النبي صلّى اللَّه عليه و آله و بعث لإرضاء أوليائهم ، و غدره بجمع من المسلمين زمان أبي بكر كما مر و قرره أبو بكر و دافع عنه فعزله عمر ساعة وفاة أبي بكر و قيامه بالأمر لذلك 2 .
و أما ابنه عبد الرحمن فأحد أعوان معاوية ، و كان عليه السلام يلعنه بعد صفين كما يلعن معاوية بعد صلاة غداته و مغربه 3 .
و أما عمر بن أبي ربيعة فهو الهتاك للمحصنات حتى سمّي بالفاسق و أحرقه اللَّه في الدنيا قبل الآخرة 4 .
و أما هشام بن اسماعيل فهو أحد من كان يسبّه عليه السلام ، فلما عزله الوليد
-----------
( 1 ) أخبار الموفقيات للزبير بن بكار : 583 .
-----------
( 2 ) المغازي للواقدي 2 : 764 .
-----------
( 3 ) الغارات : 174 .
-----------
( 4 ) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني 1 : 248 .
[ 20 ]
عن المدينة و أمر ان يوقف للناس كان يحذّر السجاد عليه السلام لذلك 1 ، فلم يتعرّض عليه السلام له تكرّما . فأي فخر في هؤلاء الذين كانوا لجهنم حطبا .
و مع أنّه طوّل في نقل جمع منهم فاته من معروفيهم عمر بن عبد الرحمن . و هو الذي أتى في مكة إلى الحسين لما جاءته كتب أهل العراق و قال له عليه السلام : إن تستنصحني أذكر نصيحتي و إلاّ كففت .
مع أنّ كلامه عليه السلام في بيان ذكر صفات طوائف قريش لا تعداد رجالهم فهل كان عليه السلام نسابة يذكر رجالهم ، فأراد ابن أبي الحديد أن يكون له عليه السلام كتاب نسب لقريش ككتاب مصعب الزبيري و ابن بكار .
مع أنّ مخزوما مع اشتهارهم بالكبر و التيه لم يذكر عليه السّلام ذلك بل اقتصر على صحة النقل على كونهم ريحانة قريش ، فقالوا : قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله لحزن بن أبي وهب المخزومي جدّ سعيد بن المسيب : ما اسمك ؟ قال : حزن .
فقال عليه السلام له : بل أنت سهل . فقال حزن : انّما السهولة للحمار . قال سعيد بن المسيب : فما زالت تلك الحزونة تعرف فينا حتى اليوم 2 .
و في ( الاستيعاب ) : قال أهل النسب و في ولد حزن جروية و سوء خلق معروف ذلك فيهم لا يكاد يعدو منهم و لذلك قال معاوية كما مر لا ينبغي للمخزومي أن يكون غير تياه 3 .
و أما ردّ الحسن عليه السلام عليه إنّما لأن معاوية لم يقل ذلك عن غرض صحيح بل للتحريض على الازدياد من الصفة المذمومة .
و لو كان ابن أبي الحديد قال : إنّهم بعد بني عبد مناف أشرف طوائف
-----------
( 1 ) الكامل لابن الأثير 5 : 526 527 .
-----------
( 2 ) سنن ابن أبي داود 4 : 289 ح 4956 ، دار الفكر . البخاري 8 : 53 دار الفكر .
-----------
( 3 ) الاستيعاب 1 : 139 . ترجمة حزن بن أبي وهب .
[ 21 ]
قريش كان كلامه صحيحا ، فلما سمع أبو قحافة أبو صديقهم قيام ابنه بالأمر تعجّب من تقدّم تيم الرذل على اولئك فقال : كيف رضيت بنو عبد مناف و بنو مخزوم بذلك 1 .
و كون مخزوم ريحانة قريش ليس وصفا من انشائه عليه السلام ، بل كان مقولا قبله عليه السلام و قد فسّره عليه السلام لهم بتفسير حسن بأن لم يقتصر على حبّ نكاح نسائهم بل زاد حبّ حديث رجالهم . فروى أبو عبيدة في كتاب تاجه و قد نقله ابن أبي الحديد 2 في موضع آخر إنّ خالد بن عبد الرحمن المخزومي دخل مسجد الكوفة ، فانتهى إلى حلقة فيها أبو الصقعب التيمي من تيم الرباب و كان من أعلم الناس فلما سمع علمه و حديثه حسده فقال له : ممن الرجل ؟
قال : من تيم الرباب . فقال له : ما أنت من سعد الأكثرين و لا حنظلة الأكرمين و لا عمرو الأشدّين . فقال له أبو الصقعب : فممّن أنت ؟ قال : من بني مخزوم . قال :
و اللَّه ما أنت من هاشم المنتجبين و لا امية المستخلفين و لا عبد الدار المستحجبين فبم تفخر ؟ قال : نحن ريحانة قريش . قال أبو الصقعب : قبحا لما جئت به ، و هل تدري لم سمّيت مخزوم ريحانة قريش ؟ سمّيت بحظوة نسائها عند الرجال . فأفحمه .
و في خبر خالد بن صفوان مع السفاح : لما جعل يصف له أقسام النساء الجواري و الحرائر ليرغبه فيهن و يعطيه جائزة ، فسمعت ام سلمة امرأة السفاح ذلك و بعثت من خدمها من ضربه شديدا ، فعكس الأمر لارضاء ام سلمة و قال للسفاح : أخبرتك أنّ بني مخزوم ريحانة قريش و عندك ريحانة من الرياحين و أنت تسطح بعينك إلى حرائر النساء و الإماء .
-----------
( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن الحديد 18 : 285 .
-----------
( 2 ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 15 : 132 .
[ 22 ]
ثم اعتذاره بأنّه عليه السلام لم يقصد احتقار مخزوم ، خبط في خبط فلم يكن عليه السلام أوّلا في مقام المفاخرة بل في مقام بيان صفات طوائف قريش ،
و ثانيا أي ربط لهذا الكلام بمفاخرته مع عبد شمس و هل كون كتابه عليه السلام إلى معاوية « منّا النبيّ و منكم المكذّب » الوارد في ذلك يجعل كلّ كلام كذلك ، و ثالثا لم يمر ذكر مخزوم بالعرض كيف و في العنوان ذكر أوّلا ، و رابعا ان قوله « و علي عليه السلام إنّما يذكر من قبله » غلط ، فهذا شيء عام فكل إنسان يصف طائفة يصف من وجد منهم لا من يوجد بعده ، و انّما فرقه عليه السلام مع باقي الناس أنّه لا يكترث بغير الفضائل الدينية و الأخلاقية .
هذا ، و في ( الأغاني ) : وفد عمر بن أبي ربيعة على عبد الملك فسأله عن مفاخرته مع الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب ، فقال : بينا أنا جالس في المسجد الحرام في جماعة من قريش إذ دخل الفضل و وافقني و أنا أتمثّل بهذا البيت :
و أصبح بطن مكّة مقشعرا
كأن الأرض ليس بها هشام
فقال : يا أخا بني مخزوم إنّ بلدة تبجح بها عبد المطلب و بعث فيها النبي صلّى اللَّه عليه و آله و فيها بيت اللَّه تعالى لحقيقة ألا تقشعر لهشام ، و إنّ أشعر من هذا البيت و أصدق قول من يقول :
انما عبد مناف جوهر
زين الجوهر عبد المطلب
فقلت : يا أخا بني هاشم أشعر من صاحبك الذي يقول :
إنّ الدليل على الخيرات أجمعها
أبناء مخزوم للخيرات مخزوم
فقال لي : أشعر و اللَّه من صاحبك الذي يقول :
جبريل أهدى لنا الخيرات أجمعها
أرام هاشم لا أبناء مخزوم
فقلت في نفسي : غلبني و اللَّه ، ثم حملني الطمع في انقطاعه عني فقلت له :
[ 23 ]
بل أشعر منه الذي يقول :
أبناء مخزوم الحريق إذا
حرّكته تارة ضرما
يخرج منه الشرار مع لهب
من حاد عن حده فقد سلما
فأقبل علي و قال : أشعر من صاحبك و أصدق الذي يقول :
هاشم بحر إذا سما و طما
أخمد حر الحريق و اضطرما
و اعلم و خير القول أصدقه
بأنّ من رام هاشما هشما
فتمنيت و اللَّه أن الأرض ساخت بي ، ثم تجلدت عليه فقلت : أشعر من صاحبك الذي يقول :
أبناء مخزوم أنجم طلعت
للناس تجلو بنورها الظلما
تجود بالنيل قبل تساله
جودا هنيئا و تضرب البهما
فأقبل عليّ بأسرع من اللحظ ، ثم قال أشعر من صاحبك و أصدق الذي يقول :
هاشم شمس بالسعد مطلعها
إذا بدت أخفت النجوم معا
اختارنا اللَّه في النبي فمن
قارعنا بعد أحمد قرعا
فأسودت الدّنيا في عيني ، فانقطعت فلم أجد جوابا ، ثم قلت له : يا أخا بني هاشم ان كنت تفتخر علينا بالنبي فما تسعنا مفاخرتك . فقال : كيف لا أفتخر به و لو كان منك لفخرت به علي . فقلت : صدقت إنّه لموضع الفخار .
و سررت بقطع الكلام إذ ابتدأ المناقضة ، ثم قال : قد قلت فلم أجد بدا من الاستماع . فقلت : هات . فقال :
نحن الذين إذا سما بفخارهم
ذو الفخر أقعده هناك القعدد
افخر بنا ان كنت يوما فاخرا
تلفى الاولى فخروا بفخرك أفردوا
قل يابن مخزوم لكلّ مفاخر
منّا المبارك ذو الرسالة أحمد
[ 24 ]
ما ذا يقول ذو الفخار هنا لكم
هيهات ذلك هل ينال الفرقد
فحصرت و تبلدت ثم قلت له : أنظرني . و فكّرت مليّا ثم أنشأت أقول :
لا فخر إلاّ قد علاه محمّد
فإذا فخرت به فاني أشهد
ان قد فخرت وفقت كلّ مفاخر
و إليك في الشرف الرفيع المقصد
و لنا دعائم قد تناهى أول
في المكرمات جرى عليها المولد
من دامها حاشى النبي و أهله
في الأرض غطغطه الخليج المزبد
دع ذا ورح بفناء خودبضة
مما نطقت به و غنى معبد
مع فتية تندى بطون أكفّهم
جودا إذا هزّ الزمان الأنكد
يتناولون سلافة عامية
طابت لشاربها و طاب المقعد
فو اللَّه لقد أجابني بجواب مثل كان أشدّ عليّ من الشعر ، فقال لي : يا أخا بني مخزوم : « أريك السها و تريني القمر » . فقلت له : لا أرى شيئا أصلح من السكوت . فضحك و قام عنّي . قال : فضحك عبد الملك حتى استلقى 1 .
« و أما بنو عبد شمس فأبعدها رأيا ، و أمنعها لما وراء ظهورها » في ( بيان الجاحظ ) : خاض جلساء عبد الملك يوما في قتل عثمان ، فقال رجل منهم : في أي سنّك كنت يومئذ ؟ قال : كنت دون المحتلم . قال : فما بلغك من حزنك عليه ؟
قال : شغلني الغضب له عن الحزن عليه 2 .
و في ( موفقيات ابن بكار ) : كتب مروان إلى معاوية في معنى قتل عثمان و كونه بصدد الانتقام من قتلته :
و لقد طويت أديمهم على نغل يحلم منه الجلد ، كذبت نفس الظأن بنا ترك المظلمة و حبّ الهجوع ، الا تهويمة الراكب العجل حتى تجذ جماجم و جماجم
-----------
( 1 ) الأغاني 16 : 186 189 .
-----------
( 2 ) بيان الجاحظ 2 : 321 .
[ 25 ]
جذ العراجين المهدلة حين إيناعها و انا على صحة نيتي و قوّة عزيمتي و تحريك الرحم لي و غليان الدم مني غير سابقك بقول و لا متقدّمك بفعل ،
و أنت ابن حرب طلاب الترات و آبي الضيم ، و كتابي إليك و انا كحرباء السبب في الهجير ترقب عين الغزالة و كالسبع المفلت من الشرك يفرق من صوت نفسه .
و كتب إليه عبد اللَّه بن عامر : و إنّا بني عبد شمس معشر أنف غرّ حجاج طلاب أوتار ، و اللَّه لو كان ذميّا مجاورنا ليطلب العزّ لم نقعد عن الجار ، فكيف عثمان لم يدفن بمزبلة على القمامة مطروحا .
و كتب إليه الوليد بن عقبة : فملء بطني عليّ حرام إلاّ مسكة الرمق ، حتى أفري أوداج قتلة عثمان فري الاهب بشبات الشفار ، و أما اللين فهنيهات إلا خيفة المرتقب يرتقب غفلة الطالب ، انا على مداجاة و لما تبد صفحاتنا بعد ،
و ليس دون الدم بالدم مرحل ، ان العار منقصة و الضعف ذل ، أيخبط قتلة عثمان زهرة الحياة الدّنيا و يسقون برد المعين و لما يمتطوا الخوف و يستحلسوا الحذر ، مع بعد مسافة الطرد و امتطاء العقبة الكؤود في الرحلة ، لا دعيت لعقبة ان كان ذلك حتى أنصب لهم حربا تضع الحوامل لها أطفالها إلى أن قال :
نومي عليّ حرام ان لم أقم
بدم ابن امي من بني العلات
قامت عليّ إذا قعدت و لم أقم
بطلاب ذاك مناحة الأموات 1
و في ( كامل المبرّد ) : قال أحد الأمويين :
إذا ما وترنا لم ننم عن تراتنا
و لم نك أوغالا نقيم البواكيا
-----------
( 1 ) لا وجود له في أخبار الموفقيات ، لكنه موجود في ابن أبي الحديد 10 : 233 ، نقلا عن الموفقيات .
[ 26 ]
و لكننا نمضي الجياد شوازبا
فنرمي بها نحو الترات المراميا 1
« و أما نحن فأبذل لما في أيدينا » قال ابن الزبعرى في هاشم و اسمه عمرو :
عمرو العلى هشم الثريد لقومه
و رجال مكّة مسنتون عجاف
قال الجاحظ : عم ابن الزبعرى أهل مكّة بالأزل و العجف و جعل هاشما الذي هشم لهم الخبز و الثريد ، فغلب هذا اللقب على اسمه حتى صار لا يعرف إلاّ به .
و قال الجاحظ أيضا : كان أكثر ما يهب الملك من العرب مائة بعير ،
فيقال ( ذهب هنيدة ) و انما يقال ذلك إذا أريد غاية المدح ، و لقد وهب النبي صلّى اللَّه عليه و آله لرجل ألف بعير .
و في ( خلفاء ابن قتيبة ) : ذكروا أنّ عبد اللَّه بن أبي محجن الثقفي قدم إلى معاوية و قال له : أتيتك من عند العي الجبان البخيل ابن أبي طالب . فقال له معاوية : أتدري ما قلت ؟ أما قولك العي فو اللَّه لو أن ألسن الناس جمعت فجعلت لسانا واحدا لكفاها لسان علي ، و امّا انّه جبان فثكلتك امك هل رأيت أحدا قط بارزه إلاّ قتله ، و أما قولك إنّه بخيل فو اللَّه لو كان لعلي بيتان أحدهما من تبر و الآخر من تبن لأنفذ تبره قبل تبنه . فقال الثقفي : فعلام تقاتله ؟ قال : على دم عثمان و على هذا الخاتم الذي من جعله في يده جازت طينته . فضحك الثقفي و لحق به عليه السلام 2 .
« و أسمح بنفوسنا عند الموت » في ( الطبري ) : ان الحر قال للحسين عليه السلام لما أرسله ابن زياد إليه : أذكرك في نفسك ، فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن و لئن قوتلت لتهلكن فيما أرى . فقال له الحسين عليه السلام : أفبالموت تخوّفني ، و هل يعدو
-----------
( 1 ) الكامل للمبرّد 3 : 7 .
-----------
( 2 ) الخلفاء لابن قتيبة : 114 .
[ 27 ]
بكم الخطب أن تقتلوني ، أقول لك ما قال أخو الأوس لابن عمه لقيه و هو يريد نصرة النبي صلّى اللَّه عليه و آله فقال له : أين تذهب فانّك مقتول . فقال :
سأمضي و ما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقّا و جاهد مسلما
و آسى الرجال الصالحين بنفسه
و فارق مثبورا يغش و يرغما 1
و فيه بعد ذكر أسر أهل البيت و إدخالهم على يزيد دعا يزيد يوما علي بن الحسين عليهما السلام و دعا عمرو بن الحسن بن علي و هو غلام صغير ، فقال لعمرو : أتقاتل هذا الفتى ؟ يعني خالدا ابنه قال : لا و لكن اعطني سكينا ثم اقاتله . فقال له يزيد و ضمّه « شنشنة أعرفها من أخزم » هل تلد الحية إلاّ حيّة .
و في ( تنبيه البكري على أوهام القالي ) : عن عمرو بن دينار قال : قال الحجاج لعلي بن الحسين عليهما السلام : أنتم كنتم أكرم عند شيخكم من آل الزبير عند شيخهم . قال ذلك لأنّه لم يشهد الطف أحد من بني هاشم أطاقت يده حمل حديدة إلاّ قتل قبل الحسين عليه السلام ، و قتل الحجاج عبد اللَّه بن الزبير و طاف من العشي بين عباد و عامر ابني عبد اللَّه واضعا يديه عليهما 2 .
هذا ، و في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : إنّ الحسن المثنى لما وفد على عبد الملك لمنع الحجاج من إشراكه عمر الأطراف معه في صدقات جدّه و لقيه يحيى بن الحكم فقال له : سأنفعك عند عبد الملك . و لما دخل الحسن على عبد الملك قال له عبد الملك : أسرع إليك الشيب و يحيى في المجلس فقال له :
و ما يمنعه شيبه أماني أهل العراق كلّ عام يقدم عليه منهم ركب يمنونه الخلافة . فأقبل عليه الحسن فقال له : بئس الرفد و اللَّه رفدت ، و ليس كما قلت و لكنّا أهل البيت يسرع إلينا الشيب و عبد الملك يسمع فأقبل عليه و قال : هلم
-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 4 : 305 .
-----------
( 2 ) في ذيل الأمالي كما ذكره العلامة التستري : 174 .
[ 28 ]
ما قدمت له . فأخبره بقول الحجاج ، فقال : ليس ذلك له . و لما خرج لقيه يحيى فعاتبه الحسن على سوء محضره فقال له يحيى : أيها و اللَّه ما يزال يهابك ،
و لو لا هيبته إيّاك ما قضى لك حاجة و ما ألوتك رفدا 1 .
« و هم أكثر و أمكر و أنكر » في ( الطبري ) في واقعة الحرة لما بايع أهل المدينة عبد اللَّه بن حنظلة الغسيل على خلع يزيد وثبوا على عثمان بن محمد بن أبي سفيان و من بالمدينة من بني امية و مواليهم و من يرى رأيهم من قريش ،
فكانوا نحوا من ألف رجل ، فخرجوا بجماعتهم حتى نزلوا دار مروان ، فكتب بنو امية إلى يزيد مع رسول و خرج معه عبد الملك إلى ثنية الوداع و قال له : قد أجلتك اثنتي عشرة ليلة ذاهبا و اثنتي عشرة ليلة مقبلا ، فوافني لأربع و عشرين ليلة في هذا المكان تجدني جالسا أنتظرك . فقدم على يزيد و هو جالس على كرسي واضع قدميه في ماء طست من وجع كان يجده و يقال كان به النقرس فقرأه ثم قال :
لقد بدّلوا الحلم الذي من سجيتي
فبدّلت قومي غلظة بليان
ثم قال : أما يكون بنو امية و مواليهم ألف رجل ؟ قال : بلى و أكثر . قال : فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة . قال : أجمع الناس عليهم فلم يكن لهم بهم طاقة . إلى أن قال و أقبل مسلم بن عقبة بالجيش حتى إذا بلغ أهل المدينة إقباله وثبوا على من معهم من بني امية فحصروهم في دار مروان و قالوا : لا نكفّ عنكم حتى نستنزلكم و نضرب أعناقكم أو تعطونا عهد اللَّه و ميثاقه لا تبغونا غائلة و لا تدلون لنا على عورة إلى أن قال فقال عبد الملك لمسلم بن عقبة : أرى أن تسير بمن معك فتنكب هذا الطريق حتى إذا انتهيت إلى أدنى نخيل بالمدينة نزلت حتى إذا كان الليل أذكيت الحرس حتى إذا أصبحت تركت المدينة ذات
-----------
( 1 ) النسب ، لمصعب الزبيري : 46 47 .
[ 29 ]
اليسار حتى تأتيهم من قبل الحرة مشرقا ثم تستقبل القوم و قد أشرفت عليهم و طلعت الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك ، فلا تؤذيهم و تقع في وجوههم فيؤذيهم حرّها و تصيبهم أذاها ، و يرون ما دمتم مشرقين ايتلاق بيضكم و حرابكم و أسنة رماحكم و سيوفكم و دروعكم و سواعدكم ما لا ترونه أنتم لشيء من سلاحهم ما داموا مغربين . فقال له مسلم : للَّه أبوك أي امرىء ولد إلى أن قال فدخل مسلم بن عقبة المدينة فدعا الناس للبيعة على أنّهم خول ليزيد يحكم في دمائهم و أموالهم و أهليهم ما شاء 1 .
و فيه : قال خالد بن يزيد ذات يوم لعبد الملك بن مروان : عجب منك و من عمرو بن سعيد كيف أصبت غرته ؟ فقال :
دانيته مني ليسكن روعه
فأصول صولة حازم مستمكن
غضبا و محمية لديني انّه
ليس المسيء سبيله كالمحسن
« و نحن أفصح » قال النبي صلّى اللَّه عليه و آله : أنا أفصح من نطق بالضاد . و قال الصادق عليه السلام : اعربوا حديثنا فانّا قوم فصحاء 2 .
« و أنصح و أصبح » كان يقال لهاشم القمر لجماله .
قال الجاحظ في كتابه ( فضل هاشم ) يقال لهاشم القمر ، و في ذلك يقول مطرود الخزاعي و كان بينه و بين بعض قريش شيء فدعاه إلى المحاكمة إلى هاشم و قال :
إلى القمر الساري المنير دعوته
و مطعمهم في الازل من قمع الجزر
و كان عبد المطلب أجمل الناس جمالا و أظهرهم جودا و أكملهم كمالا ،
-----------
( 1 ) تاريخ الطبري 4 : 370 .
-----------
( 2 ) الكافي 1 : 52 ح 13 .
[ 30 ]
و كان الزبير بن عبد المطلب شجاعا أبيّا و جميلا بهيا 1 .
و في ( المقاتل ) لأبي الفرج : كان العباس بن علي عليه السلام رجلا و سيما جميلا يركب الفرس المطهم و رجلاه تخطان في الأرض ، و كان يقال له قمر بني هاشم 2 .
هذا ، و في ( المروج ) : إنّ صعصعة لما ورد بكتاب أمير المؤمنين عليه السلام على معاوية قال له معاوية : ممّن الرجل ؟ قال : من نزار . فقال له : ما كان نزار ؟
قال : كان إذا غزا نكّس و إذا لقى افترس و إذا انصرف احترس .
قال : فمن أي أولاده ؟ قال : من ربيعة . قال : و ما كان ربيعة ؟ قال : كان يطيل النجاد و يعول العباد و يضرب ببقاع الأرض العماد . قال : فمن أي أولاده أنت ؟ قال : من جديلة . قال : و ما كان جديلة ؟ قال : كان في الحرب سيفا قاطعا و في المكرمات غيثا نافعا و في اللقاء لهبا ساطعا . قال : فمن أي أولاده ؟ قال : من عبد القيس . قال : و ما كان عبد القيس ؟ قال : كان حضريا خصيبا أبيض وهابا لضيفه ما يجد و لا يسأل عمّا فقد ، كثير المرق طيب العرق ، يقوم للناس مقام الغيث من السماء . قال : ويحك يابن صوحان فما تركت لهذا الحي من قريش مجدا و لا فخرا . قال : بلى و اللَّه تركت لهم ما لا يصلح إلاّ بهم ، تركت لهم الأبيض و الأحمر و الأصفر و الأشقر و السرير و المنبر و الملك إلى المحشر ، و أنّى لا يكون ذلك كذلك و هم منار اللَّه في الأرض و نجومه في السماء . ففرح معاوية و ظنّ ان كلامه يشتمل على قريش كلّها . فقال : صدقت يابن صوحان ان ذلك كذلك . فعرف صعصعة ما أراد فقال : ليس لك و لا لقومك في ذلك إصدار و لا ايراد ، بعدتم عن أنف المرعى و علوتم عن عذب الماء . قال : فلم ذلك و يلك يابن
-----------
( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 15 : 199 200 .
-----------
( 2 ) المقاتل لأبي الفرج : 56 .
[ 31 ]
صوحان . قال : الويل لأهل النار . انما ذلك لبني هاشم . فقال له معاوية : قم . فقال صعصعة : « الصدق ينبىء عنك لا الوعيد » 1 .
هذا ، و روى ( نوادر نكاح الفقيه ) عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال :
ان اللَّه تعالى خلق الشهوة عشرة أجزاء تسعة في الرجال و واحدة في النساء ،
ذلك لبني هاشم و شيعتهم ، و في نساء بني أمية و شيعتهم عشرة أجزاء تسعة في النساء و واحدة في الرجال 2 .