7

الخطبة ( 38 ) و من خطبة له عليه السّلام وَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ اَلشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ اَلْحَقَّ فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اَللَّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا اَلْيَقِينُ وَ دَلِيلُهُمْ سَمْتُ اَلْهُدَى وَ أَمَّا أَعْدَاءُ اَللَّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا

-----------
( 1 ) شرح ابن أبي الحديد 3 : 240 ، و ابن ميثم بلفظ « يخرجان » خلاف ما ذكره العلاّمة التستري ، أما النسخة الخطية فيخرجان : 36 .

-----------
( 2 ) العنكبوت : 69 .

-----------
( 3 ) شرح ابن أبي الحديد 3 : 242 .

[ 190 ]

اَلضَّلاَلُ وَ دَلِيلُهُمُ اَلْعَمَى فَمَا يَنْجُو مِنَ اَلْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ وَ لاَ يُعْطَى اَلْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ أقول : قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام » الظاهر أن « من » ههنا للتبعيض أي بعض خطبة له عليه السّلام غير « من » في قوله « و من خطبة له عليه السّلام » في باقي المواضع ، ففي الباقي للتقسيم بمعنى قسم من خطبة عليه السّلام . قلنا ذلك لأنّ قوله « و إنّما سميت الشبة إلى دليلهم العمى » ليس أول كلام ، و قوله بعد « فما ينجو من الموت إلى من أحبه » ليس بمربوط بالمذكور بل بسابقه المحذوف .

« و انما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق » أي : ليس بحق و إنّما هي شبيهة بالحق كقول الخوارج « لا حكم إلا للَّه » ، فإنّ أصله كلمة حق ، فقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السّلام لصاحبي سجنه ما تعبدون من دونه إلاّ أسماء سميتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللَّه بها من سلطان إن الحكم الا للَّه . . . 1 و عن يعقوب عليه السّلام لبنيه و ادخلوا من أبواب متفرقة و ما اغنى عنكم من اللَّه من شي‏ء إنّ الحكم إلاّ للَّه . . . 2 و إرشادا لنبيه صلّى اللَّه عليه و آله إلى جواب المشركين . . . ما عندي ما تستعجلون به ان الحكم الا للَّه . . . 3 .

فإنّ لفظهم ذاك اللفظ مع تبديل حرف نفي بنفي ، إلاّ أنّ المعنى من المعنى بمراحل ، فإنّ المراد من الآيات من سابقها و لاحقها معلوم ، ففي الأوّل أنّ الحكم في العبادة ليس لغير اللَّه ، و في الثاني أنّ القضاء و القدر ليس إلاّ بيده تعالى و في الثالث أنّ الوقت الذي ينزل فيه العذاب ليس تعيينه لغير اللَّه .

-----------
( 1 ) يوسف : 40 .

-----------
( 2 ) يوسف : 67 .

-----------
( 3 ) الأنعام : 57 .

[ 191 ]

و الخوارج أرادوا بكلامهم أنه لا يجوز أن يحكم غير اللَّه في مقتضى آيات القرآن بأنه هل يجب أن يكون المتصدي لأمر الخلافة عليّا أم يجوز ان يكون معاوية .

فإن قلت : كان ذلك أمرا واضحا ، فقوله تعالى . . . هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون . . . 1 و قوله جل و علا أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقاً . . . 2 يوجبان تعين عليّ عليه السّلام .

قلت : الأمر كذلك ، إلاّ أنّ المبنى أدّى إلى ذلك ، فلازم جواز تصدي الثلاثة كان وجوب تصدي معاوية حيث إنّه كان ولي عثمان و عثمان مدبر عمر و عمر منصوب أبي بكر .

هذا ، و في ( ملل الشهرستاني ) : اعلم أنّ أوّل شبهة وقعت في الخليقة شبهة إبليس ، و مصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص إلى أن قال في بيان أوّل شبهة وقعت في الملة الاسلامية و إن خفي علينا ذلك في الامم السالفة لتمادي الزمان فلم يخف أنّ شبهات الملة الاسلامية نشأت كلها من شبهات منافقي زمن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، إذ لم يرضوا بحكمه فيما يأمر و ينهى و شرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه و لا مسرى ، و سألوا عما منعوا من الخوض فيه و السؤال عنه ، و جادلوا بالباطل فيما لا يجوز الجدال فيه اعتبر حديث ذي الخويصرة التميمي إذ قال : اعدل يا محمّد فإنّك لم تعدل . حتى قال صلّى اللَّه عليه و آله : إن لم أعدل فمن يعدل .

إلى أن قال : و أما الاختلافات الواقعة في حال مرض النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و بعد وفاته بين الصحابة فهي اختلافات اجتهادية كما قيل إلى أن قال فأول تنازع

-----------
( 1 ) الزمر : 9 .

-----------
( 2 ) السجدة : 18 .

[ 192 ]

في مرضه صلّى اللَّه عليه و آله فيها رواه محمّد بن إسماعيل البخاري بأسناده عن عبد اللَّه بن العباس قال : لما اشتد بالنبي مرضه الذي مات فيه قال : إيتوني بدواة و قرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي . فقال عمر : إنّ رسول اللَّه قد غلبه الوجع حسبنا كتاب اللَّه . و كثر اللغط فقال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع .

قال ابن عباس : الرزية كل الرزية ما حال بيننا و بين كتاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله .

إلى أن قال : الخلاف الثاني في مرضه قال النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : جهزوا جيش اسامة لعن اللَّه من تخلف عنها . فقال قوم : يجب علينا امتثال أمره . و اسامة قد برز من المدينة ، و قال قوم قد اشتد مرض النبي فلا تسع قلوبنا مفارقته و الحال هذه فنصبر حتى نبصر أي شي‏ء يكون من أمره 1 .

قال الشهرستاني : و إنّما أوردت هذين التنازعين لأنّ المخالفين ربما عدوا ذلك من المخالفات المؤثرة في أمر الدين ، و هو كذلك و إن كان الغرض كله اقامة مراسم الشرع في حال تزلزل القلوب 2 .

قلت : هل كان الأول و الثاني و صاحبهما أبو عبيدة أحرق قلبا على الدين من أمير المؤمنين عليه السّلام . و نعم ما قيل بالفارسية :

ز مادر مهربان‏تر دايه خاتون

هب ذلك ، هل كانوا أحوط على الدين من النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ؟ و هل كانوا أعرف من اللَّه تعالى ؟ و هل كان قوله تعالى : . . . اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته . . . 3 غير صحيح و جزافا .

و لعمر اللَّه لم يكن غرضهم إلاّ أمر دنياهم و استحكام أمر رياستهم

-----------
( 1 ) الملل للشهرستاني : 23 .

-----------
( 2 ) الملل للشهرستاني : 29 .

-----------
( 3 ) الأنعام : 124 .

[ 193 ]

و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون . ألا إنّهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون 1 .

و أجابت سيدة نساء العالمين ادعاءهم بأنهم فعلوا ما فعلوا لئلا تكون فتنة : زعموا خوف الفتنة . . . ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنم لمحيطة بالكافرين 2 .

ثم إنّ الشهرستاني لم يستقص جميع شبهاتهم و اعتراضاتهم على النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، و منها اعتراضهم في تأمير زيد بن اسامة مولاه عليهم أولا ، ثم تأمير ابنه اسامة عليهم ثانيا ، ففي ( طبقات كاتب الواقدي ) : لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة ( 11 ) أمر النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بالتهيؤ لغزو الروم ، فلما كان من الغد دعا اسامة بن زيد فقال : سر إلى موضع مقتل أبيك فلما كان يوم الأربعاء بدى‏ء بالنبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فحم و صدع ، فلما أصبح يوم الخميس عقد لاسامة بيده لواء فخرج معقودا بلوائه فدفعه إلى بريدة بن الخصيب و عسكر بالجرف ، فلم يبق من وجوه المهاجرين الأولين و الأنصار الا انتدب في تلك فيهم أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب و أبو عبيدة بن الجراح و سعد بن أبي وقاص و سعيد بن زيد ، فتكلم قوم و قالوا : استعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين . فغضب النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله غضبا شديدا فخرج و قد عصب على رأسه عصابة و عليه قطيفة ، فصعد المنبر فحمد اللَّه و أثنى عليه ثم قال : أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة ، و لئن طعنتم في إمارتي اسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله ، و ايم اللَّه إن كان للإمارة

-----------
( 1 ) البقرة : 11 12 .

-----------
( 2 ) التوبة : 49 .

[ 194 ]

خليقا و إنّ بنه من بعد لخليق للإمارة 1 .

« فأما أولياء اللَّه فضياؤهم فيها اليقن » بحيث إنّ الشبهة باطل شبيه بالحق تكون كالظلمة ، فأولياء اللَّه لهم ضياء من اليقين يبصرون به الحق و الباطل و يميزون بينهما فيأخذون بالحق و يتركون الباطل .

« و دليلهم سمت الهدى » في ( صفين نصر ) : قال أبو نوح : كنت في خيل عليّ عليه السّلام و هو واقف بين جماعة من همدان و حمير و غيرهم من أفنان قحطان إذا أنا برجل من أهل الشام يقول : من دل على الحميري ؟ فقلنا : من تريد ؟ قال :

الكلاعي أبا نوح . قلت : قد وجدته فمن أنت ؟ قال : أنا ذو الكلاع سر إلي . فقلت :

معاذ اللَّه أن أسير إليك إلاّ في كتيبة . قال : فسر فلك ذمة اللَّه و ذمة رسوله و ذمة ذي الكلاع حتى ترع إلى خيلك فإنّما اريد أن اسألكم عن أمر تمارينا فيه في حديث حدثناه عمرو بن العاص في إمارة عمر . قال أبو نوح : و ما هو ؟ قال : ذو الكلاع حدّثنا أن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : « يلتقي أهل الشام و أهل الحق و في إحدى الكتيبتين الحق و إمام الهدى و معه عمار بن ياسر » قال أبو نوح : و اللَّه إنّه لفينا .

قال : أجاد هو في قتالنا ؟ قال أبو نوح : نعم و رب الكعبة لهو أشدّ على قتالكم مني ، و لوددت أنكم خلق واحد فذبحته و بدأت بك قبلهم و أنت ابن عمي إلى أن قال فسار أبو نوح معه حتى أتى عمرو بن العاص و هو عند معاوية و حوله الناس ، فقال ذو الكلاع لعمرو بن العاص : هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمار لا يكذبك . قال : من هو ؟ قال : ابن عمي هذا و هو من أهل الكوفة . فقال عمرو : إنّي لأرى عليك سيماء أبي تراب . قال أبو نوح : علي سيماء محمّد صلّى اللَّه عليه و آله و أصحابه و عليك سيماء أبي جهل و سيماء فرعون . . . 2 .

-----------
( 1 ) الطبقات الكبرى لابن سعد 2 : 136 طبع ليدن .

-----------
( 2 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 332 .

[ 195 ]

« و أما أعداء اللَّه فدعاؤهم فيها الضلال و دليلهم العمى » في ( صفين نصر بن مزاحم ) : قال عمرو بن العاص لعمار بن ياسر : علام تقاتلنا ، أو لسنا نعبد إلها واحدا ، و نصلّي قبلتكم و ندعو دعوتكم و نقرأ كتابكم و نؤمن برسولكم ؟ قال عمار : الحمد للَّه الذي أخرجها من فيك ، إنّها القبلة و الدين و عبادة الرحمن و الكتاب ، لي و لأصحابي دونك و دون أصحابك . ساخبرك على ما قاتلتك و أصحابك . أمرني النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أن اقاتل الناكثين و قد فعلت ، و أمرني أن اقاتل القاسطين و أنتم هم ، و أما المارقين فما أدري ادركهم أم لا ، ألم تعلم أيّها الأبتر ألست تعلم أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال لعليّ عليه السّلام « من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم و ال من والاه و عاد من عاداه » و أنا مولى اللَّه و رسوله و علي بعده و ليس لك مولى .

قال له عمرو : و لم تشتمني و لست أشتمك . قال عمار : بم تشتمني أتستطيع أن تقول إنّي عصيت اللَّه و رسوله يوما . قال : إنّ فيك لمسبات غير ذلك . فقال : ان الكريم من أكرمه اللَّه ، كنت وضيعا فرفعني و مملوكا فأعتقني و ضعيفا فقواني و فقيرا فأغناني . قال عمرو : فما ترى في قتل عثمان ؟ قال : فتح لكم باب كل سوء . قال عمرو : فعليّ قتله . قال عمار : بل اللَّه رب علي قتله و علي معه . قال عمرو : أكنت فيمن قتله ؟ قال : كنت مع من قتله و أنا اليوم اقاتل معهم . قال عمرو : فلم قتلتموه ؟ قال عمار : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه . قال عمرو : ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان . قال عمار : و قد قال قبلك فرعون لقومه « ألا تسمعون » 1 .

و روى ( صفين نصر أيضا ) عن السدي عن يعقوب بن الأوسط قال :

احتج رجلان بصفين في سلب عمار و في قتله ، فأتيا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص فقال لهما : و يحكما اخرجا عني فإنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال « مالهم و لعمار

-----------
( 1 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 342 .

[ 196 ]

يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار قاتله و سالبه في النار » قال السدي :

فبلغني أنّ معاوية قال : إنّما قتله من أخرجه يخدع بذلك طغام أهل الشام 1 .

« فما ينجو من الموت من خافه » في ( الكافي ) 2 : عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّ ملكا كان له عند اللَّه منزلة عظيمة ، فتعتب عليه فأهبطه إلى الأرض فأتى إدريس عليه السّلام فقال له : ان لك من اللَّه منزلة فاشفع لي عنده فصلى ثلاث ليالي لا يفتر و صام أيامها لا يفطر ، ثم طلب إلى اللَّه تعالى في السحر في الملك . فقال له الملك : قد اعطيت سؤلك و قد اطلق لي جناح و أنا احب أن اكافيك فاطلب مني حاجة . فقال :

تريني ملك الموت لعلي آنس به فإنّه ليس يهنئني مع ذكره شي‏ء . فبسط جناحه ثم قال : اركب فصعد به يطلب ملك الموت في السماء الدنيا فقيل له :

أصعد . فاستقبله بين السماء الرابعة و الخامسة ، فقال الملك لملك الموت : مالي أراك قاطبا ؟ قال : العجب أنّي تحت ظل العرش حيث امرت أن أقبض روح آدمي بين السماء الرابعة و الخامسة . فسمع إدريس صوته فامتعض فخرّ من جناح الملك فقبض روحه مكانه ، قال عزّ و جلّ و رفعناه مكاناً علياً 3 .

« و لا يعطي البقاء من أحبه » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : جاء جبرئيل إلى النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فقال : عش ما شئت فإنّك ميت ، و احبب من شئت فإنّك مفارقه ،

و اعمل ما شئت فإنّك لاقيه 4 .

-----------
( 1 ) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 342 .

-----------
( 2 ) الكافي 3 : 257 ح 26 .

-----------
( 3 ) مريم : 57 .

-----------
( 4 ) الكافي للكليني 3 : 255 الرواية 17 ، و أيضا من لا يحضره الفقيه 1 : 471 الرواية 1360 .

[ 197 ]