الحكمة ( 160 ) و قال عليه السّلام :
مَنْ مَلَكَ اِسْتَأْثَرَ
-----------
( 1 ) الأعراف : 128 .
-----------
( 2 ) القصص : 83 .
-----------
( 3 ) طه : 132 .
-----------
( 4 ) يوسف : 109 .
-----------
( 5 ) انظر شرح شرح ابن أبي الحديد 18 : 361 ، و شرح ابن ميثم 5 : 332 .
[ 447 ]
و الحكمة ( 216 ) و قال عليه السّلام :
مَنْ نَالَ اِسْتَطَالَ أقول : هما بمعنى واحد ، و الشواهد لكلامه عليه السّلام كثيرة ، منها ما في ( الطبري ) في حوادث سنة ( 229 ) : حبس الواثق الكتّاب و ألزمهم أموالا ، و سببه ما عن عزون الأنصاري قال : كنّا ليلة عند الواثق فقال : لست أشتهي الليلة النبيذ و لكن هلمّوا نتحدّث الليلة ، فجلس في رواقه الأوسط و كان في أحد شقي ذلك الرواق قبّة مرتفعة في السماء بيضاء كأنّها بيضه الاقدر ذراع فيما ترى العين حولها في وسطها ساج منقوش مغشّى باللاّزورد و الذهب و كانت تسمّى قبة المنطقة فتحدثنا فقال الواثق : من منكم يعلم السبب الذي به وثب جدّي الرشيد على البرامكة ؟ فقلت : أنا و اللَّه احدّثك . إن الرشيد ذكرت له جارية لعون الخيّاط فأرسل إليها فاعترضها فرضي جمالها و عقلها و حسن أدبها ،
فقال لعون : ما تقول في ثمنها . قال : أمر ثمنها واضح مشهور حلفت بعتقها و عتق رقيقي جميعا و صدقة مالي الأيمان المغلّظة التي لا مخرج لي منها و أشهدت عليّ بذلك العدول ان لا أنقص ثمنها عن مائة ألف دينار و لا أحتال في ذلك بشيء من الحيل . فقال الرشيد : قد أخذتها منك بمائة ألف دينار . ثم أرسل إلى يحيى البرمكي يخبره بخبر الجارية و يأمره أن يرسل إليه بمائة ألف دينار . فقال يحيى : هذا مفتاح سوء فأرسل يخبره أنّه لا يقدر على ذلك ،
فغضب عليه الرشيد و قال : ليس في بيت مالي مائة ألف دينار ، فأعاد عليه لا بدّ منها . فقال يحيى : إجعلوها دراهم ليراها فيستكثرها فلعلّه يردّها ، فأرسل بها دراهم و قال هذه قيمة مائة ألف دينار ، و أمر أن يوضع في رواقه الذي يمرّ فيه إذا أراد التوضؤ لصلاة الظهر ، فخرج في ذلك الوقت فإذا جبل من بدر فقال : ما
[ 448 ]
هذا ؟ قالوا : ثمن الجارية لم تحضر دنانير أرسل قيمتها دراهم ، فاستكثر ذلك و دعا خادما له فقال : اضمم هذه إليك و اجعل لي بيت مال لأضمّ إليه ما أريده و سمّاه بيت مال العروس و أمر بردّ الجارية إلى عون ، و أخذ في التفتيش عن المال فوجد البرامكة قد استملكوه ، فأقبل يهمّ بهم و يمسك ، فكان يرسل إلى قوم فيسامرهم و يتعشّى معهم فكان فيهم إنسان يعرف بأبي العود ، فحضر ليلة فيهم فأعجبه حديثه فأمر خادما له أن يأتي يحيى إذا أصبح يأمره أن يعطيه ثلاثين ألف درهم ففعل فقال يحيى لأبي العود : أفعل و ليس بحضرتنا اليوم مال ، يجيء المال و نعطيك ، ثم دافعه حتى طال به الأيام فأقبل أبو العود يحتال أن يجد من الرشيد وقتا يحرّضه على البرامكة و قد كان شاع في الناس ما كان يهمّ به الرشيد في أمرهم فدخل عليه ليلة فتحدّثوا فلم يزل أبو العود يحتال للحديث حتى وصله بقول عمر بن أبي ربيعة :
وعدت هند و ما كانت تعد
ليت هندا أنجزتنا ما تعد
و استبدّت مرّة واحدة
إنّما العاجز من لا يستبد 1
فقال الرشيد : أجل و اللَّه إنّما العاجز من لا يستبد حتى انقضى المجلس و كان يحيى قد اتخذ من خدم الرشيد خادما يأتيه بأخباره و أصبح يحيى غاديا ، فلما رآه قال : أردت البارحة أن أرسل إليك بشعر أنشدنيه بعض من كان عندي ثم كرهت أن أزعجك ، فأنشده البيتين و فطن لمّا أراد ، فلما انصرف أرسل إلى ذلك الخادم فسأله عمّن أنشد ذلك الشعر فقال أنشده أبو العود ،
فدعا يحيى بأبي العود فقال له : إنّا كنّا قد لويناك بمالك و قد جاءنا مال ، ثم قال
-----------
( 1 ) في ديوان عمر بن أبي ربيعة بلفظ آخر :
ليت هندا أنجزتنا ما تعد
وشفت أنفسنا ممّا تجد
ديوان عمر بن أبي ربيعة : 320 .
[ 449 ]
لبعض خدمه إذهب فأعطه ثلاثين ألف دينار من بيت مال الخليفة و أعطه من عندي عشرين ألف درهم لمطلنا إيّاه و إذهب به إلى الفضل و جعفر و قل لهما هذا رجل مستحق ان يبر و قد كان الخليفة أمر له بمال فأطلت مطله ثم حضر المال فأمرت أن يعطى و وصلته من عندي صلة و قد أحببت أن تصلاه ،
فسألاه : وصله بكم ؟ قال بعشرين ألف ، فوصله كلّ واحد منهما بعشرين ألف درهم ، فانصرف بذلك المال كلّه إلى منزله ، و جدّ الرشيد في أمرهم حتى وثب عليهم و قتل جعفرا و صنع ما صنع .
فقال الواثق صدق جدّي و اللَّه ، إنّما العاجز من لا يستبد و أخذ في ذكر الخيانة و ما يستحقه أهلها فقلت أحسبه سيوقع بكتّابه ، فما مضى اسبوع حتى أوقع بهم و أخذ إبراهيم بن رباح و سليمان بن وهب و أبا الوزير و أحمد بن الخصيب و جماعتهم ، و دفع أحمد بن إسرائيل إلى صاحب الحرس و أمر بضربه كلّ يوم عشرة أسواط ، فضربه فيما قيل نحوا من ألف سوط ، فأدى ثمانين ألف دينار ، و أخذ من سليمان بن وهب اربعمائة ألف دينار و من الحسن بن وهب أربعة عشر ألف دينار و من أحمد بن الخصيب و كتّابه ألف ألف دينار و من إبراهيم بن رباح و كتّابه مائة ألف دينار و من نجاح ستين ألف دينار و من أبي الوزير مائة و أربعين ألف دينار ، و ذلك سوى ما أخذ من العمّال بسبب عمالتهم 1 .