من غريب كلامه رقم ( 2 ) و في حديثه عليه السّلام :
هَذَا اَلْخَطِيبُ اَلشَّحْشَحُ أقول : قال ابن أبي الحديد 2 قال ابن ميثم 3 : هذه الكلمة لصعصعة بن صوحان العبدي ، و كفى صعصعة بها فخرا أن يكون مثل علي عليه السّلام يثني عليه بالمهارة و فصاحة اللسان ، و كان صعصعة من أفصح الناس . ذكر ذلك الجاحظ 4 .
-----------
( 1 ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : 110 111 .
-----------
( 2 ) شرح ابن أبي الحديد 19 : 106 .
-----------
( 3 ) شرح ابن ميثم 5 : 371 رقم « 2 » .
-----------
( 4 ) نقل الجاحظ في البيان و التبيين 1 : 327 قول عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان لأشيم بن شقيق بن ثور : أنت يوم القيامة أخطب من صعصعة بن صوحان إذا تكلمت الخوارج ، ثم يقول الجاحظ : فما ظنك ببلاغة رجل عبيد اللَّه بن زياد
[ 563 ]
قلت : بل قال عليه السّلام هذه الكلمة ان صح كونها كلامه عليه السّلام في شاب من قيس غير معروف ، ففي تاريخ الطبري بعد ذكره خبرا عن كليب الجرمي في أصحاب الجمل إلى أن قال قال كليب و نادى عليه السّلام بعد ظفره : ألا لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تدخلوا الدور . ثم بعث إليهم ان أخرجوا للبيعة ،
فبايعهم على الرايات و قال : من عرف شيئا فليأخذه حتى ما بقي في العسكرين شيء إلاّ قبض ، فانتهى إليه قوم من قيس شبان فخطب خطيبهم فقال علي عليه السّلام :
أين امراؤكم ؟ فقال الخطيب : أصيبوا تحت نظار الجمل ثم أخذ في خطبته فقال علي عليه السّلام أما ان هذا لهو الخطيب الشحشح . . . 1 .
و ممّا يشهد انّه عليه السّلام قال ذلك في خطيب غير معروف الاسم ان الجاحظ قال في الجزء الثاني من بيانه : في حديث علي عليه السّلام حين رأى فلانا يخطب قال هذا الخطيب الشحشح 2 .
و قال ابن الأثير في نهايته : في حديث علي عليه السّلام انّه رأى رجلا يخطب فقال « هذا الخطيب الشحشح » أي : الماهر الماضي في الكلام . . . 3 .
و لو كان عليه السّلام قال هذا الكلام في معروف مثل صعصعة لقالا : رأى صعصعة ، و ابن الأثير رأى كتب جميع من صنف في الغريب و ذكر هذا الحديث فيه فيعلم انّه لم يعينه أحد .
و أما ما قاله ابن أبي الحديد من قوله « ذكر ذلك الجاحظ » مشيرا إلى يضرب به المثل ، ثم قال : و إنّما أردنا بهذا الحديث خاصة ، الدلالة على تقديم صعصعة بن صوحان في الخطب .
-----------
( 1 ) تاريخ الامم و الملوك للطبري : كان في سيرة على أن لا يقتل مدبرا و لا يذفف على جريح و لا يكشف سترا و لا يأخذ مالا . . . إلى آخره 3 : 223 ، و ذكر في 3 : 222 قول الإمام علي عليه السّلام أن من عرف شيئا فليأخذه الاّ سلاحا . . . إلى آخره . أما بقية ما أورده العلاّمة التستري فهو زيادة على النصّ المذكور راجع الطبري 3 : 222 223 .
-----------
( 2 ) لم يوجد في الهوامش يراجع : 267 في الأصل .
-----------
( 3 ) نهاية ابن الأثير 2 : 449 .
[ 564 ]
جميع ما قاله 1 ، فإنّما يصح منه ان الجاحظ قال : ان صعصعة كان من أفصح الناس و كفاه فخرا ان يكون مثل علي عليه السّلام يثنى عليه بالمهارة ، دون كون الجاحظ قال إنّه عليه السّلام قال تلك الكلمة لصعصعة ، و هذا نص الجاحظ في بيانه في الجزء الأول : قال أشيم بن شقيق بن ثور لعبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان : ما أنت قائل لربّك و قد حملت رأس مصعب إلى عبد الملك ؟ قال : اسكت فأنت يوم القيامة أخطب من صعصعة إذا تكلمت الخوارج ، فما ظنّك ببلاغة رجل مثل عبيد اللَّه بن زياد بن ظبيان يضرب به المثل 2 ، و إنّما أردنا بهذا الحديث خاصة الدلالة على تقديم صعصعة في الخطب ، و أولى من كلّ دلالة استنطاق علي عليه السّلام له .
فترى الجاحظ إنّما قال : إن قاتل مصعب ضرب المثل بخطيبية صعصعة ثم قال أولى من كلّ دلالة على خطيبية صعصعة استنطاقه عليه السّلام له لا أنّه عليه السّلام قال فيه « هو خطيب شحشح » ، و قد روى قول قاتل مصعب ( الأغاني ) أيضا فقال : قال رجل لعبيد اللَّه : بما ذا تحتجّ عند ربك من قتلك لمصعب . فقال :
ان تركت أحتجّ رجوت أن أكون أخطب من صعصعة بن صوحان 3 .
ثم الظاهر أصحية رواية ( الأغاني ) أن يكون قاتل مصعب قال : أنا أخطب من صعصعة ، من رواية البيان : أنت أخطب من صعصعة ، بشهادة السياق .
ثم الظاهر أن مراد الجاحظ من قوله : « و أولى من كلّ دلالة استنطاق علي عليه السّلام له » ما رواه ( المروج ) أنّه عليه السّلام بعد الجمل قال لصعصعة و نفرين
-----------
( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19 : 106 .
-----------
( 2 ) البيان و التبيين للجاحظ 1 : 327 .
-----------
( 3 ) مروج الذهب للمسعودي 3 : 38 .
[ 565 ]
آخرين معه : أشيروا عليّ في أمر معاوية . فقال صعصعة : الرأي أن ترسل إليه عينا من عيونك وثقة من ثقاتك بكتاب تدعوه إلى بيعتك ، فإن أجاب و إلاّ جاهدته . فقال علي عليه السّلام : عزمت عليك يا صعصعة إلاّ كتبت الكتاب بيدك و توجّهت به إلى معاوية و اجعل صدر الكتاب تحذيرا و تخويفا و عجزه استتابة و استنابة إلى أن قال ثم اكتب ما أشرت به عليّ و اجعل عنوان الكتاب ألا إلى اللَّه تصير الاُمور 1 . قال : اعفني من ذلك . قال : عزمت عليك لتفعلن . قال : أفعل ، فخرج بالكتاب إلى أن قال فقال معاوية لشيء ما سوّده قومه ، وددت و اللَّه أنّي من صلبه ثم التفت إلى بني اميّة فقال هكذا فلتكن الرجال 2 .
و بالجملة لا ريب في أنّ هذا الكلام إنّما قاله عليه السّلام إن ثبت صحّة نسبته إليه عليه السّلام في خطيب من أعدائه من أصحاب الجمل كما عرفت ، كما لا ريب في أنّ الجاحظ إنّما قال بتقديم صعصعة في الخطب لضرب المثل به و لأنّه عليه السّلام استنطقه و استكتبه دون أن يقول : إنّه عليه السّلام قال ذلك الكلام فيه .
و ممّا يشهد لمسلّميّة مقام صعصعة في الخطابة ما في ( الطبري ) في قصة خروج المستورد الخارجي على المغيرة أيام امارته على الكوفة من قبل معاوية و تعيين المغيرة أوّلا معقل بن قيس من الشيعة لحربه قال مرّة بن منقذ فقال صعصعة بعد معقل و قال : إبعثني إليهم أيّها الأمير فأنا و اللَّه لدمائهم مستحل و بحملها مستقل . فقال المغيرة : إجلس فإنّما أنت خطيب فكان أحفظه ذلك و إنّما قال المغيرة ذلك لأنّه بلغه أن صعصعة يعيب عثمان و يكثر ذكر علي عليه السّلام و يفضّله و قد كان دعاه و قال له : إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تعيب
-----------
( 1 ) الشورى : 53 .
-----------
( 2 ) مروج الذهب للمسعودي 3 : 38 .
[ 566 ]
عثمان عند أحد من الناس ، و إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تظهر شيئا من فضل علي علانية ، فإنّك لست بذاكر من فضل عليّ شيئا أجهله بل أنا أعلم بذلك ،
و لكن هذا السلطان قد ظهر و قد أخذنا بإظهار عيبه للناس فنحن ندع كثيرا ممّا أمرنا به و نذكر الشيء الذي لا نجد بدا منه ندفع هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّة ،
فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك و بين أصحابك و في منازلكم سرّا ، و أمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا و لا يعذرنا فيه .
فكان صعصعة يقول : نعم افعل ، ثم يبلغه أنّه قد عاد إلى ما نهاه عنه ،
فلمّا قام إليه و قال له : إبعثني إليهم ، و جد المغيرة قد حقد عليه خلافه إيّاه ، فقال له ما قال « إجلس ، فإنّما أنت خطيب » فقال له صعصعة : أو ما أنا إلاّ خطيب ،
أجل و اللَّه أنا الخطيب الصليب الرئيس ، أما و اللَّه لو شهدتني تحت راية عبد القيس يوم الجمل حيث اختلف القنا فشؤن تفرى و هامة تختلى لعلمت أنّي أنا اللّيث الهزبر . فقال له المغيرة : حسبك الآن ، لعمري لقد أوتيت لسانا فصيحا 1 .
و في ( ديوان معاني العسكري ) : تكلّم صعصعة عند معاوية بكلام أحسن فيه ، فحسده عمرو بن العاص فقال : هذا بالتمر أبصر منه بالكلام . فقال صعصعة ، أجل أجوده ما دق نواه و رق سحاؤه و عظم لحاؤه و الريح تنفجه و الشمس تنضجه و البرد يدمجه ، و لكنك يابن العاص لا تمرا تصف و لا الخير تعرف بل تحسد فتقرف 2 . فقال معاوية لعمرو : رغما لك . فقال عمرو :
و أضعاف الرغم لك و ما بي إلاّ بعض ما بك 3 .
و في ( عقد ابن عبد ربه ) : قال عبد الملك في عبد القيس : أشد الناس
-----------
( 1 ) تاريخ الامم و الملوك للطبري 4 : 144 .
-----------
( 2 ) أي تقذف .
-----------
( 3 ) ديوان المعاني للعسكري 2 : 41 .
[ 567 ]
و أسخى الناس و أطوع الناس في قومه و أحلم الناس و أحضرهم جوابا و أخطب الناس ، أمّا أحضرهم جوابا فصعصعة . . . 1 .
و فيه دخل صعصعة على معاوية و ابن العاص جالس معه على سريره فقال له : وسع له على ترابيّة فيه . فقال صعصعة : إني و اللَّه لترابي ، منه خلقت و إليه أعود و منه ابعث ، و إنّك لمارج من نار . فقال له معاوية : إنّما أنت هاتف بلسانك لا تنظر في أود الكلام و استقامته ، فإن كنت تنظر في ذلك فأخبرني عن أفضل المال ، فقال : و اللَّه إنّي لأدع الكلام حتى يختمر في صدري ثم أذهب و لا أهتف به حتى أقيم أوده و اجيز متنه ، و ان أفضل المال لبرة سمراء في برية غبراء ، أو نعجة صفراء في نبعة خضراء ، أو عين فوّارة في أرض خوّارة . فقال معاوية : للَّه أنت فأين الذهب و الفضة ؟ قال : حجران يصطكّان ، إن أقبلت عليهما نفدا و إن تركتهما لم يزيدا 2 .
و في ( المروج ) : حبس معاوية صعصعة و ابن الكوّاء و رجالا من أصحاب علي عليه السّلام مع رجال من قريش ، فدخل عليهم يوما فقال : نشدتكم باللَّه إلاّ ما قلتم حقّا و صدقا ، أيّ الخلفاء رأيتموني إلى أن قال فقال صعصعة :
تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت و لم تقصر عمّا أردت و ليس الأمر على ما ذكرت ، أنّى يكون خليفة من ملك الناس قهرا و دانهم كبرا و استولى بأسباب الباطل كذبا و مكرا ، أما و اللَّه مالك في يوم بدر مضرب و لا مرمى ، و ما كنت فيه إلاّ كما قال القائل « لا حلّي و لا سيري » ، و لقد كنت و أبوك في العير و النفير ممّن أجلب على الرسول صلّى اللَّه عليه و آله ، و إنّما أنت طليق ابن طليق أطلقكما الرسول صلّى اللَّه عليه و آله
-----------
( 1 ) العقد الفريد لابن عبد ربه 4 : 367 ، أما أشد الناس فحكم بن جبل ، و أمّا أسخى الناس فعبد اللَّه بن سوار و أمّا أطوع الناس فالجارود بشر بن العلاء .
-----------
( 2 ) العقد الفريد لابن عبد ربه 5 : 115 ( دار الكتب العلمية ) .
[ 568 ]
و أنّى تصلح الخلافة لطليق 1 .
( و فيه ) قال معاوية يوما و عنده صعصعة و كان قدم عليه بكتاب علي عليه السّلام و عنده وجوه الناس : الأرض للَّه و أنا خليفة اللَّه ، فما آخذ من مال اللَّه فهو لي و ما تركت منه كان جايزا لي . فقال صعصعة :
تمنيّك نفسك ما لا يكون
جهلا معاوي لا تأثم
فقال معاوية : يا صعصعة تعلمت الكلام . قال صعصعة : العلم بالتعلّم و من لا يعلم يجهل . قال معاوية : ما أحوجك إلى أن اذيقك و بال أمرك . قال : ليس ذلك بيدك ، ذاك بيد الذي لا يؤخّر نفسا إذا جاء أجلها . قال : و من يحول بيني و بينك ؟ قال : الذي يحول بين المرء و قلبه . قال معاوية : إتّسع بطنك للكلام كما اتّسع بطن البعير للشعير . قال صعصعة : إتّسع بطن من لا يشبع و دعا عليه من لا يجمع 2 .
( و فيه ) إن معاوية قال لابن عباس : ميّز لي أصحاب عليّ عليه السّلام و ابدأ بآل صوحان فإنّهم مخاريق الكلام . قال : أمّا صعصعة فعظيم الشأن عضب اللّسان قائد فرسان قاتل أقران ، يرتق ما فتق و يفتق ما رتق قليل النظير 3 .
و يكفيه أنّ مثل ابن عباس مع مقامه في الخطابة و الأدب كان يسأله عن أمور كثيرة و يجيبه ، فقال له : أنت يا ابن صوحان باقر علم العرب . و لمّا سأله عن السؤدد و المروة فأجابه و أنشده أبياتا في ذلك من مرّة بن ذهل بن شيبان . قال ابن عباس : لو أنّ رجلا ضرب آباط الإبل مشرقا و مغربا لفائدة هذه الأبيات ما عنّقته 4 .
-----------
( 1 ) مروج الذهب للمسعودي 3 : 50 .
-----------
( 2 ) مروج الذهب للمسعودي 3 : 50 .
-----------
( 3 ) مروج الذهب للمسعودي 3 : 46 .
-----------
( 4 ) مروج الذهب للمسعودي 3 : 46 .
[ 569 ]
هذا و في ( بيان الجاحظ ) ذكر علي عليه السّلام أكتل 1 فقال : « الصبيح الفصيح » 2 .
و في ( الاستيعاب ) : أكتل من شماخ ، نسبه ابن الكلبي إلى عوف بن عبد مناة بن طابخة ، و قال : كان علي عليه السّلام إذا نظر إليه قال : من أحبّ أن ينظر إلى الصبيح الفصيح فلينظر إلى أكتل بن شماخ 3 .
قال المصنف ( يريد : الماهر بالخطبة الماضي فيها ، و كل ماض في كلام أو سير فهو شحشح ) قلت : أو في طيران فيقال قطاة شحشح أي سريع الطيران .
( و الشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك ) .
قلت : و الفيروز آبادي ذكر للشحشح غير ما ذكر معاني اخر ، فقال :
الشحشح الفلاة الواسعة و السيّء الخلق و الشجاع و الغيور ، و من الغربان :
الكثير الصوت ، و من الأرض : ما لا تسيل إلاّ من مطر كثير و التي تسيل من أدنى مطر ضد ، و من الحمير : الخفيف ، و من القطا السريعة و الطويل 4 .