الفصل الثالث

مصادر نهج البلاغة

 

أن احد الأسئلة المطروحة حول كتاب نهج البلاغة, هو أن الشريف الرضي لم يعرض إلي ذكر أسانيد الخطب و الرسائل, مما يجعل اعتبارها في مهب الشك و التردد, حتى قيل: إن نهج البلاغة كتاب مرسل و لا يمكن الاعتماد عليه فقهياً(1).

علي أثر ذلك, بذل المحققون جهوداً حثيثة و مشكورة بغية الإجابة عن هذا السؤال, و قاموا باستخراج مصادر نهج البلاغة التي دونت قبل الرضي و بعده.

و نستعرض هنا تلك الجهود بنحو موجز.

1- استناد نهج البلاغة, امتياز علي خان العرشي.

و هو أول من طرح كيفية جمع نهج البلاغة, و ارجاع كلمات نهج البلاغة إلى الإمام(عليه السلام), و أجاب فيه عن الشبهات المثارة حول النسبة الكتاب إلى أمير المؤمنين(عليه السلام), و من ثم تعرض إلي مصادر نهج البلاغة التي دونها كلا الفريقين قبل السيد الرضي.

و قد نقل السيد مرتضى أية الله زاده الشيرازي الكتاب المذكور إلى الفارسية, و عنيت منشورات أمير كبير بطبعة عام 1362 ﻫ .

2- اسناد و مدارك نهج البلاغة, محمد الدشتي ( المتوفى 1422 ﻫ).

ذكر فيه (283) مصدراً لنهج البلاغة, و بين مصادر كلام الإمام (عليه السلام) وفق ترتيب نهج البلاغة .

يشكّل هذا الكتاب الجزء الرابع من مجموعة صنفها المؤلف نحت عنوان «آشنايى با نهج البلاغة» (بالفارسية) تقع في سبعة أجزاء.

3- مصادر نهج البلاغة و أسانيده, السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب.

طبع الكتاب في أربعة أجزاء, و قسّم المؤلف مصادر نهج البلاغة إلى اربعة اقسام :

آ- المصادر المؤلفة قبل عام (400 ﻫ), و هي متوفرة اليوم.

ب- المصادر المؤلفة قبل الكتاب نهج البلاغة, و قد نقل عنها بالواسطة .

ج- المصادر المدوّنة بعد السيد الرضي, لكنها نقلت كلام الإمام (عليه السلام) بأسانيد متصلة دون أن يقع في طرقها السيد الرضي.

د- المصادر المدوّنة بعد السيد الرضي, و نقلت كلام الإمام علي (عليه السلام) مع بعض الاختلافات عما جاء في نهج البلاغة .

وقد نقل المصنف أسماء (114) مصدراً, و اختص الجزء الأول إلى نصفه بذكر أمور عامة حول نهج البلاغة و مؤلفه. و يتخلص أسلوب الكاتب بنقل متن نهج البلاغة, ثم يردفه بذكر الكلمات الغامضة, ثم يتبعه بالمصادر, كما أنه يشير إلي الشروح المستقلة إن توفرت.

4- مدارك نهج البلاغة و دفع الشبهات عنه, هادي كاشف الغطاء. مكتبة الأندلس, بيروت.

وقد طبع هذا الكتاب بمعية كتاب آخر للمؤلف, هو مستدرك نهج البلاغة.

يتناول فيه المؤلف الشبهات التي أثيرت حول نسبة نهج البلاغة إلى أمير المؤمنين بالنقد و النحليل, و يتعرض إلى مصادر بعض كلمات الإمام (عليه السلام) .

5- بحث مقتضب حول نهج البلاغة و مداركه (بالفارسية), رضا الأستادي.

6- العذيق النضيد بمصادر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة, مطبعة العاني, بغداد, 1987م – 1407 ﻫ .

7- الإنسان الكامل في نهج البلاغة, حسن زاده الآملي.

بذل المؤلف جهوداً كبيرة في هذا المضمار, و يقول في مقدمة كتابه:

لقد اطلعت على مصادر هائلة لنهج البلاغة من الجوامع الروائية, و كتب السير و الغزوات, و مجاميع حديثية, و سفن علمية ( إشارة منه إلى سفينة البحار), و كان دأبي العثور على مصادر و منابع دونت قبل السيد الرضي, حتى حالفني التوفيق في الوصول إلى ثلثي تلك المصادر.

و نقلت قسماً منها في ثنايا تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة المطبوع في خمسة أجزاء(2).

8- المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة.

سرد في قسم منه مصادر الخطب و الرسائل وفق ترتيب نهج البلاغة(3).

و مع وجود هذه المصادر و المراجع الهائلة, لا يبقى مجال للشك حول نسبة نهج البلاغة إلى الإمام (عليه السلام) , إضافة إلى أن محتوى الكثير من الخطب و الرسائل يشهد على صحة صدورها منه (عليه السلام) .

و ختاماً, نودّ أن ننقل هنا تعليقاً لابن أبي الحديد, قاله بعد نقله خطبه لإبن أبي الشخباء العسقلاني ( المتوفّى 482 ﻫ).

هذه أحسن خطبة خطبها هذا الكاتب, و هي كما تراها ظاهرة التكلف, بيّنة التواليد, تخطب على نفسها, و إنما ذكرت هذا, لأن كثيراً من أهل الهوى يقولون إن كثيراً من نهج البلاغة كلام محدث, صنعه قوم من فصحاء الشيعة و ربما عزوا بعضه إلى الرضي أبي الحسن و غيره, و هؤلاء أعمت العصيبة أعينهم, فضلوا عن النهج الواضح, وركبوا بنيّات الطريق(4) ضلالاً و قلّة معرفة بأساليب الكلام, و أنا أوضح لك بكلام مختصر ما في هذا الخاطر من الغلط.

ثم يقول:

لا يخلو أما أن يكون كل «نهج البلاغة» مصنوعاً منحولاً, أو بعضه, و الأول بالضرورة, لأنا نعلم بالتواتر صحة اسناد بعضه إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) , و قد نقل المحدثون كلهم أوجلهم , و المؤرخون كثيراً منه, و ليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك, و الثاني يدل على ما قلناه, لأن من قد أنس بالكلام و الخطابة, و شدا طرفاً من العلم البيان, و صار له ذوق في هذا الباب لابد أن يفرق بين الكلام الركيك و الفصيح, و بين الفصيح و الأفصح, و بين الأصيل و المولد, و إذا وقف على كرّاس واحد يتضمن كلاماً لجماعة من الخطاء أو لاثنين منهم فقط, فلابد أن يفرق بين الكلامين و يميز بين الطريقتين.

وأنت إذا تأملت «نهج البلاغة» وجدته كله ماءً واحداً, و نفساً واحداً, أسلوبأ واحداً, كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية , و كالقرآن العزيز أوله كأوسطه , و أوسطه كآخره, و كل سورة منه و كل آية منه مما ثلة في المأخذ و المذهب و الفن و الطريق و النظم لباقي الآيات والسور, و لو كان بعض «نهج البلاغة», منحولاً و بعضه صحيحاً لم يكن ذلك كذلك(5).

الهوامش

1- تعرّض العلامة الأميني في الغدير : 4/193- 198 إلى هذه الإشكال و تصدى للإجابة عنه.

2- الإنسان الكامل في نهج البلاغة (بالفارسية) : 36 .

3- المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 1377- 1424 .

4- يقال : ركب ينيّات الطريق, أي ضلّ.

5- شرح ابن أبي الحديد: 10/126- 128, ط . دارإحياء الكتب العربية.