( الحمد للّه الأول قبل كل أول ) أي بلا بداية ( و الآخر بعد كل آخر ) أي بلا نهاية ، و تقدم هذا مرات ، و هو في خطب الإمام أشبه بالبسملة في سور القرآن ( و بأوليته ) أي بوجوده الذاتي الأزلي يفيض الكل منه و ينبع ( وجب )
[ 94 ]
أن يكون الأول بلا أول كان قبله ( و بآخريته ) أي بدوامه و أبديته ( وجب ) أن يكون الآخر بلا آخر يكون بعده ، و الكل اليه يعود . . و بكلمة هو القديم أزلا ، و الدائم أبدا . ( و اشهد ان لا إله ) موجود بحق ، و في غنى عن غيره في وجوده و بقائه ( إلا اللّه شهادة يوافق فيها السر الاعلان ، و القلب اللسان ) أي نوحده توحيدا خالصا من كل شائبة . و قال موحد معاصر : « لو أصبحت كلمة التوحيد دستور الحياة لكانت كفيلة بتغيير هذه الحياة الى نهج أشرف و أجمل و أصدق » أي لو عمل الناس بمقتضيات هذه الكلمة و توجيهاتها لسيطر بينهم العدل و عاشوا في سلام و هناء . » و في الحديث : خير ما جئت به انا و النبيون من قبلي كلمة لا إله إلا اللّه .
( أيها الناس لا يجرمنكم الى تسمعونه مني ) . كان في صحابة النبي ( ص ) جماعة مردوا على النفاق ، و كان على رأسهم عبد اللّه بن أبي ، و أيضا كان في أصحاب الإمام ( ع ) منافقون ، و رأسهم الأشعث بن قيس ، يثير الفتنة كلما سنحت الفرصة ، و قال أرباب السير و التاريخ : كان الأشعث لعليّ كما كان ابن أبيّ للنبي ،
و كان الإمام إذا أخبر بشيء من المغيبات تغامز المنافقون ، و تبادلوا الهمسات و الههممات فصرخ الإمام فيهم يونجهم و يقول : لا تحملنكم عداوتي على التكذيب فيما أخبر ( فو الذي فلق الى السامع ) ان كل ما أخبرت به هو وحي من اللّه الى نبيه الكريم ، و النبي قد خصني بعلمه ، و لولاه ما علمت منه شيئا ، فهل كذّب النبي على ربه ، و قد وصفه بقوله : و ما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى 5 النجم أو اني جهلت ما سمعت من النبي ، و أخطأت فيما نقلت عنه ؟
قاتلكم اللّه أنى تؤفكون .
( لكأني أنظر الى ضليل ) يعم و يشمل هذا الوصف كل من ( نعق بالشام ،
و فحص براياته أي نصبها في ضواحي كوفان ) كمعاوية بن أبي سفيان ،
و عبد الملك بن مروان حيث سيطر كل منهما على العراق ، و استبد بأهل الكوفة ،
و فعل بشيعة الإمام الأفاعيل ، و فصلنا ذلك في كتاب « الشيعة و الحاكمون » .
( فإذا فغرت فاغرته ) . فتح فاه يبرق و يرعد ، و يهدد و يزمجر ( و اشتدت شكيمته ) قوي على البطش و الافتراس ( و ثقلت في الأرض و طأته ) أي ضجت من عنفه و جبروته ، اذا كان ذلك ( عضت الفتنة أبناءها بأنيابها ) و طحنتهم طحن الرحى ( و ماجت الحرب بأمواجها ) فأغرقت البلاد بالدماء لا ترحم كبيرا أو صغيرا .
[ 95 ]
( و بدا من الأيام كلوحها ، و من الليالي كدوحها ) كناية عما يصيب الناس من المظالم و الأهوال ، و ما يحل بالبلاد من الخراب و الدمار ( فإذا أينع الى عاصف ) أي ان الحاكم الجائر متى استتب له النفوذ و السلطان أطلق العنان لأهوائه و تمادي في البغي و الضلال ، و حوّل جميع طاقاته الى الفتك و البطش ( و عن قليل تلتف القرون بالقرون ) ينشب القتال الرهيب بين الفرسان بالأيدي و السلاح الأبيض تماما كما تتناطح الأكباش بالقرون ( و يحصد القائم ، و يحطم المحصود ) . تدمر الفتنة البناء القائم ، و تجعله أثرا بعد عين ، و تمحو آثار الأولين من الوجود ، و ان شئت فعبّر : لا ترحم شيخا و لا شابا ، و لا تدع رطبا و لا يابسا .
[ 96 ]