( ان أفضل ما توسل به المتوسلون الى اللّه سبحانه ) . كل ما تتقرب به الى الغير يسمى توسلا و وسيلة ، و أشار الإمام في هذه الخطبة الى أفضل الوسائل لمرضاة اللّه و ثوابه ، و هي :
1 ( الإيمان به ) و هو أصل الأصول كلها ، و الإيمان النظري مجرد اعتقاد ،
أما الإيمان الواقعي فهو الاعتقاد مع العمل ، و إلا يكون الإيمان شجرة بلا ثمرة ،
قال الإمام ( ع ) : بالإيمان يستدل على الصالحات ، و بالصالحات يستدل على الإيمان ،
و في الحديث : الإيمان إقرار باللسان ، و عقد في القلب ، و عمل في الأركان .
2 ( و برسوله ) و الإيمان بمحمد ( ص ) إيمان بالإنسانية و قيمها ، قال تعالى :
« و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين 107 الأنبياء » . و قال في تحديد رسالة محمد ( ص ) : « يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم 157 الأعراف » .
و قال الرسول الأعظم ( ص ) : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
3 ( و الجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام ) و كلمة الذروة تشير الى أنه لولا الجهاد ما ارتفع للإسلام راية ، و لا كان له عين و أثر ، بل الإسلام في جوهره جهاد من أجل الحرية ، و ثورة على الفوارق و العبودية ، و على الاستغلال و المراباة . . قضى رسول اللّه ( ص ) في مكة يدعو الى سبيل اللّه بالحكمة و الموعظة الحسنة ثلاث عشرة سنة ، فتألبت عليه قوى السلب و النهب ، فقضى عليها بالمؤاخاة
[ 160 ]
و الجهاد ، و لما تفرق المسلمون أيدي سبأ ، و تركوا الجهاد عادت قوى السلب تسرح و تمرح ، و ضعف الإسلام تبعا لتخاذل أهله و أتباعه ، و لم يبق منه إلا الاسم ، و شعارات ترفع من المآذن و المنابر ، و مؤتمرات تعقد هنا و هناك تسطر الكلام و تنشره في الصحف ، ثم يلفظ مع القمامة . و من أقوال الإمام ( ع ) :
من ترك الجهاد رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذل ، و سيم الخسف ، و منع النصف .
4 ( و كلمة الإخلاص فإنها الفطرة ) . و هذه الكلمة هي دعوة الأنبياء جميعا من غير استثناء : « و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي اليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون 25 الأنبياء » . و ليس المراد بكلمة الإخلاص النطق بلا إله إلا اللّه ، و إنما المراد ما تمليه من التعبد له ، و التوكل عليه وحده ، لا على المال و الجاه ، و لا على الأحساب و الأنساب ، أو الفهم و العلم ، فإن هذه و غيرها ليست بآلهة تعبد ، و لا بشيء يذكر .
أما كلمة الفطرة فهي إشارة إلى أن الانسان بفطرته و طبيعته يستجيب لعقيدة التوحيد و لا يرفضها ، بل يستجيب لكل مبدأ من مبادىء الاسلام ، و كل قيمة من قيمه ، و أي عاقل يرفض العلم و منافعه ، و السلم و فوائده ، و يرحب بالاستغلال و الجبروت و التفرقة بين الناس ؟ . و تقدم الكلام عن الفطرة مفصلا في شرح الخطبة رقم « 1 » .
5 ( و أقام الصلاة فإنها الملة ) لأن عقيدة الإسلام تقوم على الشهادة للّه بالوحدانية ، و لمحمد بالرسالة ، و الصلاة مظهر للشهادتين معا : « إياك نعبد و إياك نستعين » . . أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، و ان محمدا عبده و رسوله » . و كلام أهل البيت ( ع ) يومىء الى أن من ثمرات الصلاة و حكمتها أن لا ينقطع المسلم عن نبيّه في صباح و مساء .
6 ( و إيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة ) . ما دام في المجتمع غني و فقير فالزكاة ضريبة يفرضها التعاون و الضمان الاجتماعي ، و لكن البعض تحذلق و قال : ان فريضة الزكاة معناها الاعتراف بالفقر ، و انه حتم لا بد منه ، و كان الأجدر بالإسلام أن يقتلعه من الجذور ، و يوجد مجتمعا لا فقر فيه على الإطلاق .
و نجيب أولا : بأن تغيير الأوضاع و محو الفقر من الأساس لا يكون بجرة قلم ،
و دون أن يمر بالعديد من المراحل ، و إذن فلا بد أن نخضع للواقع ، و نداوي
[ 161 ]
الحاضر بالحاضر حتى تسمح الظروف ، و ماذا نصنع بالمرضى و الجائعين في مجتمع يسوده فساد الأوضاع ؟ هل ننتظر حتى تصلح الأمور ، أو نشرع قانونا يضمن الحياة الى أن تتبدل الأحوال بالجد و الاجتهاد ؟
ثانيا : ان مصرف الزكاة لا ينحصر بالفقراء ، بل يتعدّاهم الى مشروعات الخير ، و ما فيه للناس صلاح كما هو المفهوم من كلمة « سبيل اللّه » في آية الزكاة رقم « 6 » من سورة التوبة .
7 ( و صوم شهر رمضان فإنه جنة من العقاب ) . قد يرى البعض ان الصوم ليس إلا عملا سلبيا . . أجل ، و لكن في هذا السلب حكمة و إيجاب ،
و هو انتصار الانسان على نفسه ، و تمرينه على كبح الشهوات و الأهواء ، و لو أطلق الانسان العنان لأهوائه لكانت الحياة نارا و جحيما .
8 ( و حج البيت الخ ) . . تكلم كثيرون عن منافع الحج و حكمته ، و وضع البعض فيها رسالة خاصة ، و أكثر ما قيل كلام مكرور و معاد لفظا و محتوى ،
و على أية حال نعطف على أقوالهم هذا الخاطر الذي لاح لنا الآن : ان للحج فوائد منها انه يقول لأعداء الاسلام لا تحسبوا ان شمسه قد غربت ، و أضواءه قد خبت ، فها هم المسلمون يعلنون عن وجود الإسلام بالهرولة في المسعى ،
و تبديل الملابس بالأكفان أو ما يشبهها ، و بالطواف بالأقدام ، و التجاذب حول الحجر الأسود ، و النشيد و الهتاف بالأفواه « لبيك اللهم نبيك . . لبيك » .
و لكن هل نغيظ العدو بهذه المظاهرة ، و هو يحتل من أرضنا ما أحب و أراد ،
و يشعل النيران في المسجد الأقصى ، و يحرّف كتاب اللّه عن معناه و على هواه ،
و يقتل الفلسطينيين بيد الرجعية و الخيانة ، و يذل كل عربي و مسلم في شرق الأرض و غربها ؟ . و أيضا هل نغيظ العدو بالمؤتمرات « الاسلامية و الأدبية و الشعرية » و بالاجتماعات الكبرى على مستوى الملوك و الرؤساء ، أو وزراء الخارجية ، و بالخطب و القصائد ؟ . . حجوا أيها المسلمون ، و صلّوا و صوموا فإن اللّه لا يتقبل منكم و لن يتقبل ما دمتم أذلاء صاغرين أمام عدوه و عدوكم .
9 ( و صلة الرحم فإنها مثراة في المال ، و منسأة في الأجل ) . قد يكون مراد الإمام ( ع ) الزيادة في المال و العمر من حيث الكم أي ان صلة الرحم تزيد في أيام العمر وعد النقود حقيقة و واقعا ، و ليس هذا بمستحيل في حكم العقل ،
[ 162 ]
و قد تكون الزيادة من حيث الكيف أي ان صلة الرحم تجعل الدرهم الواحد أكثر نفعا و بركة من مئة درهم ، و اليوم الواحد من العمر يعمل فيه المرء عملا صالحا خيرا من ألف يوم يذهب سدى .
10 ( و صدقة السر فإنها تكفر الخطيئة ) لأن حسناتها تتغلب على سيئات العديد من الخطايا و الذنوب ( و صدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء ) كمن ينهار عليه نفق فيموت خنقا ، أو تلتهب فيه النيران فيهلك حرقا ، أو يغرق فتأكله الأسماك ، و نحو ذلك . . و لا يصح التأويل هنا و الاجتهاد لأن اللفظ لا يحمل إلا معناه .
11 ( و مصانع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان ) . و هذا مثل صدقة العلانية تدفع ميتة السوء ، و لكنه من باب عطف العام على الخاص لأن المعروف أعم من صدقة العلانية ، و نظيره قوله تعالى : « و ما أوتي موسى و عيسى و النبيون 84 آل عمران » .