المعنى :

خلق سبحانه الجنة ثوابا لمن استجاب له و أطاع ، و ثواب الكريم على قدر طاقته ، و لا حد لقدرته تعالى ، و إذن فنعيم الجنة لا حد له إلا ما كان منه ماديا كالطعام و الشراب ، أما التنعم برضوان اللّه و رحمته و جواره فإنه فوق التصور و الأوهام ، و قد وصف سبحانه في كتابه العزيز جانبا من نعيم الجنة المادي في العديد من الآيات ، و جمع بينه و بين النعيم الأدبي في الآية 15 من سورة آل عمران :

« للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و أزواج مطهرة و رضوان من اللّه » . و قول الإمام هنا عن الجنة شرح و بيان لبعض آي الذكر الحكيم . قال :

( فلو رميت ببصر قلبك الخ ) . . في الدنيا متع و ملذات ، و ترف و سلطان ،

و مباهج و مناظر ، و حلاوة و سعادة . . و لكن أين هذه مجتمعة الى جانب نظرة في شجرة ضربت عروقها في تلال من مسك على ضفة نهر من عسل ، أما الورود و الأنهار و الأشجار فينسجم كل ما فيها مع القلب و العين ، أما الثمار فعلى أنواع نكهة و لونا ( تجنى من غير تكلف ، فتأتي على منية مجتنيها ) بل و فوق ما تمنى و أراد . و في الحديث : ما لا عين رأت ، و لا أذن سمعت ، و لا خطر على قلب بشر .

( و يطاف على نزّالها الى دار القرار ) . إشارة الى قوله تعالى : « يطاف

[ 479 ]

عليهم بصحاف من ذهب و أكواب فيها ما تشتهي الأنفس و تلذ الأعين 71 الزخرف » . و قوله : « و أنهار من خمر لذة للشاربين و أنهار من عسل مصفى 15 محمد » . ( و أمنوا نقلة الأسفار ) و لا تنالهم الأسقام ، أو تعرض لهم الأخطار ، و تقدم مثله مع الشرح في الخطبة 108 ( فلو شغلت قلبك الخ ) .

لو عرفت نعيم الجنة كما هو لذهبت نفسك شوقا اليها ، فأول شي‏ء يستقبلك فيها التحية و الترحاب من اللّه ، و يقول لك : أنت في داري و جواري ، اسأل و لا تستح ، و اطلب و لا تحتشم ، فلا أقبض عنك شيئا ، و قول الإمام : ( مجاورة أهل القبور استعجالا بها ) معناه لتعجلت الموت رغبة في لقاء اللّه و نعيمه .

و بعد فإن نعيم الجنة لا يشبهه شي‏ء من نعيم الدنيا إلا في الاسم . . و لو لم يكن في الجنة إلا الحياة بلا خوف و قلق لكفى ، و هل في الكون كله أروع و اعظم من الحياة بلا خوف جعلنا اللّه تعالى من العاملين عملها . انه أرحم الراحمين بمحمد و آله الطاهرين ، سلام اللّه عليهم أجمعين .

[ 480 ]