قال الشريف الرضي و غيره : حين قلّد الإمام محمد بن أبي بكر الولاية كتب اليه : ( فاخفض لهم جناحك الى النظرة ) . روي أن رجلا نادى رسول اللّه ( ص ) : يا سيدنا و ابن سيدنا و خيرنا و ابن خيرنا . فقال : لا يستهوينكم الشيطان . . أنا محمد بن عبد اللّه . . عبده و رسوله . . و اللّه ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي . و كان أصحابه اذا رأوه قادما عليهم لم يقوموا له ، لأنهم يعرفون كراهيته لقيامهم . . و كان يكره أن يمشي أصحابه وراءه ، و اذا فعل ذلك أحدهم أخذ بيده و دفعه الى جانبه .
و عن كتاب « الوفا بأحوال المصطفى » لعبد الرحمن بن الجوزي ان النبي ( ص ) :
« كان يحب لأمته أن تنتقد ، و أن تطالب بحقها ، و أن تعترض ، و أن تبدي رأيها فيما ينفعها و ما يريبها من سلوك الأمراء » .
( حتى لا يطمع العظماء الخ ) . . انهم تماما كالشيطان ، من جعل له سبيلا
[ 456 ]
الى نفسه قاده الى الهاوية . و في الحديث : « المعدة بيت الداء ، و الحمية رأس الشفاء » و يصح هنا القياس ، و عليه فلك أن تقول : الضعف و الهزيمة أمام الطغاة بيت الداء ، و قوة الإصرار على الصمود في حربهم و مجابهتهم رأس الشفاء ( و لا ييأس الضعفاء من عدلك ) . الضعفاء هم المقياس الصحيح لعدل الحاكم و جوره ،
فإن خافوا على أنفسهم من شر الأقوياء كان معنى هذا ان الحاكم ظلوم لا يهمه من أمر الرعية إلا السيطرة و الاستعلاء ، و إلا السلب و النهب ، و اذا أمن الضعفاء من شر الأقوياء فمعنى ذلك ان الحاكم يشعر بتبعات الحكم الملقاة على عاتقه ، و انه للّه و للعدل ، لا لأهوائه و أبنائه .
( إن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا ) حيث تمتعوا بنسائها على كتاب اللّه و سنّة نبيه ، و أكلوا من طيباتها بكد اليمين و عرق الجبين ، و أيضا سعدوا و ابتهجوا بمناظر الطبيعة ، و عاطفة الأبوة و البنوة ، و بلذة العلم و المعرفة ، و راحة الضمير و الحديث الى الأصدقاء ، و رجاء الثواب و الرضا من اللّه ، و ما الى ذلك من نعمه تعالى التي لا تعد و لا تحصى ، و تقدم في الخطبة 112 قول الإمام : و ما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم ( و آجل الآخرة ) و أيضا فاز المتقون بجنة عرضها السموات و الأرض .
( فشاركوا أهل الدنيا الخ ) . . في المللذات التي أشرنا اليها ، و جمعوا بينها و بين الجنة . أما الطغاة العتاة فتمتعوا قليلا ، ثم الى عذاب الجحيم . و تقدم مرات انه لا صراع و لا اصطدام بين طيبات الدنيا و جنات الآخرة ، و انما التضاد و الصراع بين الحرام و مرضاة اللّه و ثوابه . قال رسول اللّه ( ص ) لقوم حرموا الطيبات على أنفسهم : « إنما أنا أعلمكم باللّه ، و أخشاكم له ، و لكني أقوم و أنام ،
و أصوم و أفطر ، و أتزوج النساء ، و من رغب عني فليس مني » .