( و من أصبح على الدنيا الخ ) . . أي على فواتها ، و المعنى ان من جعل الدنيا كل همه و اهتمامه فلا يسره شيء إلا ما يناله منها ، و لا يحزنه شيء إلا ما يفوته من حطامها ، و معنى هذا في واقعه انه لا يرضى عن اللّه إلا بأجر الدنيا يقبضه سلفا فصدق عليه قوله تعالى : فإن أعطوا منها رضوا و إن لم يعطوا منها اذا هم يسخطون 58 التوبة ( و من أصبح يشكو الخ ) . . من تحدث عن مصابه لمجرد التنفيس عن قلبه و كفى فلا إثم عليه ، و من تحدث عنه كناقم على ما حل به فهو آثم لأنه يشكو و يتظلم منه تعالى علوا كبيرا . و يأتي قول الإمام : « من شكا الحاجة الى المؤمن فكأنما شكا الى اللّه ، و من شكاها الى كافر فكأنما شكا اللّه » .
( و من قرأ القرآن فمات فدخل النار الخ ) . . فهو لا شك واحد من الذين قرأوه للتسول به ، أو للطرب و التغني ، أو للهزء و السخرية ، لأن القرآن لغة العقل يؤمن به و ينقاد له ، و نداء القلب يخشع له و يطمئن ، و نجوى الضمير ينطق عنه و يعبر ، فمن قرأه جادا لا هازلا ، و متدبرا لا عابثا أثر فيه أثره ، و دفع به الى طاعة اللّه و مرضاته ، و ابتعد به عن غضبه و عذابه .
( و من لهج قلبه بحب الدنيا الخ ) . . التاط : التصق ، و لا يغبه : لا يفارقه ،
من باب « زر غبا » و المعنى من جعل الدنيا كل همه و اهتمامه تراكمت عليه مصائبها و مشكلاتها ، و عاش في حزن دائم على ما فات ، و شغل شاغل في الحرص على
[ 354 ]
ما نال ، و أمل خادع كاذب دونه ألف حجاب . و بعد ، فإن لحديث الدنيا عند الإمام شجونا و فنونا .