المعنى

من عرف نفسه و عيوبها ، و حاول التخلص منها يستحيل في حقه أن يذكر عيوب غيره ، و يعيّره بما هو فيه ، و من تنازل عن الطمع و الشره فقد أراح نفسه

[ 420 ]

من الهموم و المتاعب ، و وقاها شر الرذائل و المآثم ، أما الظالم فله يوم و لو بعد حين ، و من أثار الفتن و الشغب و الحروب أحرقته بنارها ، و من وضع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن إلا نفسه .

( و من كثر كلامه كثر خطأه ) . سبب الخطأ الحركة ، و من لا يقول و لا يفعل لا يخطى‏ء بطبيعة الحال ، و معنى هذا ان كثرة الخطأ في الكلام تقاس بكثرة دوران اللسان و ثرثرته ، و ان كثرة الخطأ في الأفعال تقاس بكثرة الحركات و الاندفاعات بلا وعي ( و من كثر خطؤه ) اعتاد عليه ، و صار له طبيعة ثانية ،

و من كان كذلك ( قلّ حياؤه ) حيث لا ضمير يحاسبه على شي‏ء ( و من قلّ حياؤه قل ورعه ) لأن الحياء من الايمان ، و لا ايمان لمن لا حياء له ، و العكس بالعكس ( و من قلّ ورعه مات قلبه ) . من لا يتورع عن شي‏ء لا يشعر بالمسؤولية ،

و هذا هو موت القلب بالذات .

و بعد ، فقد علّمتنا التجربة ان الذين يتكلمون كثيرا لا يفعلون شيئا ، و انه حيث يوجد الضعف و الفراغ توجد الثرثرة و الكلام الفارغ ، و من أراد شاهدا على ذلك فليستمع الى قادة العرب و أقوالهم و اذا عاتهم ، و ما يقولون و يقررون في المؤتمرات و الحفلات .

( و من مات قلبه دخل النار ) حيث لا وازع له و لا رادع عن الأسواء و الأوباء ( و من نظر في عيوب الناس ) . . من فعل ما ينكره على غيره فقد أقام الدليل من نفسه على انه مجرم . . و هذا هو الجنون بعينه ( و القناعة مال لا ينفد ) تقدم بالحرف الواحد في الحكمة 57 و تكرر في الحكمة 228 و غيرها ( و من أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ) لأن ذكره يميت الشهوات و يحقر الدنيا ( و من علم ان كلامه الخ ) . . الكلام يدرك بحاسة السمع ، و كل ما يدرك بإحدى الحواس الخمس فهو مادة حتى النور ، و اذن فلا فرق بين الكلام و بين سائر الأعمال من حيث نسبتها الى الفاعل و من حيث الثواب و العقاب . و قال كاتب و عالم فرنسي : « إن أسلوب الانسان هو الانسان » . ( إلا فيما يعنيه ) أي ينفعه كما انه لا يعمل إلا ما يعود عليه بالخير و الصلاح . و كل ذلك تقدم أكثر من مرة .

[ 421 ]