(التمهيـدي)
الفصل الأول: الغرابة في اللغة
الفصل الثاني: تــوثيــق النص
الغرابة في اللغة
■ المبحث الأول؛ الغريب في اللغة عموماً:
الغريب لغةً واصطلاحاً:
لغةً:
هو الرجل البعيد عن أهله, أو المتفرّد عن عشيرته فهو المنقطع عنها(1).ومن هذا المعنى الحقيقي, أُخذ المعنى الاصطلاحي, فالغريب من اللغة؛ هو الغامض, البعيد من الفهم(2).
ومنه(3)؛ غريب الحديث, الذي هو ما وقع في متن الحديث من الألفاظ البعيدة من الفهم, لقلّة استعمالها.
فهْم الكلام, يتمّ بمعرفة ألفاظه, ومعرفة معانيه, وإنّ الألفاظ, تنقسم إلى مفردة, ومركّبة, فالمفردة؛ تتكوّن من معنى خاص, وآخر عام, فالعام, هو؛ ما اشترك في معرفته الجمهور العربي, فتداولوه في ما بينهم, وأمّا الخاص, فهو؛ ما ورد فيه من الألفاظ اللغوية التي لا يعرفها إلّا من عُني بها ونقـَّر عنها في كتب اللغة المبسوطة(4).
ويدخل في معنى الغريب(5), كل ما هو نادر, أو حوشي, أو مشكل(6), وهو ـ الغريب ـ كلّ ما خالف المألوف والقياس وعدم الشيوع(7), ومما لا تندرج فيه شروط الفصاحة, من تناغم الحروف واستخفافها(8).
وعلى هذه الحال, فإنَّ غرابة الكلام, تقع عند اللغويين القدماء في سببين هما؛ بُعْد الكلمة وغموضها, لكنَّ الألفاظ الوحشية, النادرة, التي كانت ـ في الغالب ـ من (معجم البداوة), ومادّة تعابيرها التي عبّرت عن خشونة الحياة القاسية, تمتاز بالغرابة الشديدة؛ لأنّ مدلول الوحشية, الثقل في بنية اللفظ, إذ إنَّ ثقل هذه الألفاظ لا يلائم البيئات الحضرية, استناداً إلى معنى الوحشية في اللغة, وقد أشار ابن فارس في (الصاحبي) إلى ذلك(9). في حين ذهب الجاحظ إلى أنَّ الكلام: «لا ينبغي أن يكون غريباً أو وحشياً, إلّا أَن يكون المتكلم أعرابياً, فإنَّ الوحشي من الكلام, يفهمه الوحشي من الناس»(10).
وقد تكون الغرابة في الألفاظ أحياناً لا من خشونتها, أو ندرتها, وإنَّما؛ بسبب ما يخرج إليه اللفظ من وجهٍ بعيدٍ, ويظهر هذا المعنى في أراجيز العجاج, وخاصة في ما ورد في أرجوزته الجيمية المشهورة، قوله(11):
«وَفَاحِماً ومَرسِناً مُسرّجَاً»(12)
فاللغويّون, والشعراء الفصحاء, الذين وُلِعوا في الغريب, كانوا يقنصون الألفاظ الغنية في المعاني الجديدة, والتراكيب التي يرونها ملائمة, فهو نوع من البيان والفصاحة العربية(13).
والغريب بعد ذلك الذي شمل كلّ تلك المدلولات, يحسن بنا أن نجعله مصطلحاً على فنٍّ من فنون القول, عرفه الباحثون في الأساليب الجديدة ـ إذا تجاوزت الأرجوزة المنسوبة إلى امرئ القيس(14) ـ في القرآن الكريم, فضلاً عن مدلول كلمة (غريب), فهو؛ نوع من التجديد في معنى الكلمة.
والغريب ليس المراد بغرابته؛ كونه شاذاً, أو نافراً, أو منكراً(15), فالقرآن منزّه عن هذا جميعه, وكذلك الحديث الشريف. والغرابة(16) في بعض ألفاظ القرآن, وجهٌ من وجوه إعجازه(17), والحديث الشريف, الذي هو: «قمّة شامخة في البلاغة, وهي الذروة الرفيعة في الفصاحة وقوة البيان, إذ هي قبس من لغة الوحي..»(18).
وقد قال النبي (ص) «أنا أفصح العرب, بيد أَنّي من قريش ونشأتُ في بني سعد بن بكر...»(19).
فالحديث النبوي أرقى الأساليب العربية صياغة بعد القرآن الكريم, ولم يتعمّد الرسول في حديثه لفظاً غريباً أو تركيباً شاذّاً وإنّما كان لعلوّ نصّ الحديث, سببٌ كبيرٌ في عدِّ بعضه غريباً, عند بعض اللغويين, وهذا الاعتقاد دفع بهم إلى أن يفردوا كتباً في إيضاح (غريب الحديث) كما فعل النَّضر بن شميل(20) (ت/204هـ), وأبو عبيدة معمّر بن المثنى(21) (ت/209هـ)، أو أن يفيدوا من بلاغته وفصاحته في أنماط أساليب العربية كما صنع الجاحظ (ت/255هـ) والمبرّد (ت/285هـ). وقد أفاد أئمّة الأدب واللغة والتفسير من كتب (الغريب) ونقلوا عنها(22).
وممّا يُلحق بأحاديث الرسول أحاديث صحابته الكرام الذين كانت لغتهم مادّة أفاد منها علماء اللغة الكثير من أقوالهم العالية الفصاحة, يقرّبها علوُّها, من الغرابة, فنقلوا منها ما شاء لهم النقل, وفسّروا فيها ما طاب لهم التفسير.
فكان لأقوال الإمام علي (ع)نصيب كبير في هذا المورد تحفل بجمع بعض تلك الأحاديث كتب (غريب الحديث)؛ لأنَّه تربى في حجر النبوة(23) منذ ولادته في الكعبة(24), فشهد مطالع الرسالة الاسلامية من يومها الأوّل وتلقـّى عن النبي مفردات الرسالة بداية وختاماً, وما بين ذلك ممّا نزل به الوحي من آيات الله ـ جل جلاله ـ . فكان الإمام يتبع النبي «إتِّباع الفصيل إثْر أمِّه...»(25) , لا يفارقه في سلْمٍ أو حربٍ, فكان يصحبه صُحْبة الظل لصاحبه, فهو ربيبٌ وطالبٌ, تعلّم من النبي أشياءاً كثيرةً, ومن بينها اللغة إذ إنّها عادةٌ مكتسبة(26), فكان أقرب(27) الناس إلى فصاحته وبلاغته وأحفظهم لأحاديثه, فتكلّم بكلام وصف بالعصمة والحكمة, فكلّ مَنْ سمعه راقه, ولهذا قال (ع): «إنّا لأُمَراء الكَلامِ, وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ, وعَلينا تَهَدّلَتْ غصُونُه...»(28)، ولذلك فإنّ كلامه «قبسٌ من نور الكلام الإلهي, وشمسٌ تُضيء بفصاحة المنطق النبوي...»(29).
ولقد جُمعت أقوال الإمام علي (ع) في (نهج البلاغة) ذلك الكتاب الذي جمعه الشريف الرضي.
ومن نافلة القول إنّ مادّة (نهج البلاغة) كانت متداولة قبل تصنيف (النهج)(30), وقد قبس منها جمْعٌ من أهل اللغة فتناولوها بالتجلّة والإكبار, وخصّوا غريبها بعنايةٍ مميّزةٍ, فإنَّ أقدمَ من عُني بها وأفرد لها باباً ـ في ما وصل إليناـ هو أبو عبيد القاسم بن سلاّم (ت/224هـ), الذي جاء بأحاديث الإمام علي بعد أحاديث الرسول والصحابة في كتابه (غريب الحديث)(31).
وهذه هي البداية في تأثير غريب أقوال الإمام في (كتب غريب الحديث), ثُمّ تقاطرت جهود العلماء بعد ذلك, فجاء ابن قتيبة (ت/276هـ), في كتابه (غريب الحديث), وقد أفرد لها باباً أيضاً, بعد أقوال النبي والصحابة(32).
ولم يقتصر تأثير الغريب في أقوال الإمام على (كتب غريب الحديث) وإنَّما تعدّاها إلى كتب الأدب العامة كـ(البيان والتبيين)(33) للجاحظ, و (عيون الأخبار)(34) لابن قتيبة أيضاً, و(الكامل في اللغة والأدب)(35) للمبرّد, و(الأمالي)(36) للقالي (ت/356هـ), وحتى في كتب النحو(37) وما شابهها.
وقد أثـّر غريب (نهج البلاغة)(38) ـ بعد تصنيفه ـ في العديد من اللغويين, فشرحوا هذا (النهج) منذ زمن تأليفه حتى اليوم شروحاً لا يعدَّها حصرٌ (39).
وامتدّ أثر (الغريب) في أقوال الإمام التي وعاها النهج ـ في ما بعد ـ إلى كتب التفسير(40)؛ لأنّها كانت تستعين بأحاديث الرسول وصحابته الأبرار, وعُنيت عناية خاصة بها, نظراً لكثرتها, وأثـّر (غريب النهج) كذلك في كتب (التاريخ)(41), و(المعاجم) وكتب(42) أُخرى.
وقد فصّل القول في هذا الأمر غير باحث من المعاصرين, إذ بيّنوا أنَّ الغريب مصدرٌ ثرٌّ للإحتفاظ بسمات لهجات العرب, وخصائصها الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية, وإنَّه معين لا ينضب, أغترف منه أصحاب المعجمات, مادة غزيرة رفدوا بها معجماتهم بما أثراها من المادة اللغوية(43).
ولمّا كان المقصود بالغريب هو؛ ليس الوحشي ولا الشاذّ من الألفاظ وإنّما, هو اللفظ الذي يحمل معنى خاصاً, أو يعطي للكلام مستوى عالياً جداً من الفصاحة, لا يألفه الناس عامة, ولا يدركه إلا خاصتهم, فلهذا سأعرض لشيء ممّن تكلّم عن فصاحة النصِّ وعلوِّه.
لا جدال في أنّ المعاني مستورةٌ, خفيةٌ, حتى تلبس ثياب اللفظ, فتبدو ظاهرةً للعيان, فإذا أدّى القائل المعنى بلفظ سليم رائق, غير وحشيّ, وغير متجانف لقواعد اللغة, ولا عويص المعنى, فقد أدرك هذا القائل الفصاحة, فإذا أضفى على كلامه ـ المفصح عن المعنى ـ ظلالا من الرونق والجمال والخيال, وحسن التأليف, والإيجاز أو الإطناب, أو المساواة, كلاً في مكانه, فقد أدرك مطابقة الكلام لمقتضى الحال, ووصل إلى البلاغة بعد وصوله إلى الفصاحة.
فإذا سُحبت اللفظة عن موقعها وأُقحمت في غير قرارها فهو؛ التكلّف بعينه, وبذلك تبعد الفصاحة عن قائلها؛ لأنّ الفصاحة؛ «ملكةٌ يُقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ صحيح»(44), وأنّ بلاغة المتكلم؛ «ملكةٌ يُقتدر بها على تأليف الكلام»(45), بلا تكلّف, ولا حرج, بل يجري الكلام مترسلاً من دون إعمال فكر ولا روية(46).
وإلى هذا المعنى, ذهب المبرد بقوله: «وأحسن ما رُوي في جبلّة الإنسان التي جُبــل عليهـا , كـلام يُـروى عـن عـلي ـ رحمة الله عليه ـ يُشبّــه بكــلام الأنبياء (ع) ...» (47).
ولذلك مهما اختلف الناس في شيءٍ من مناقب الإمام علي، وفضائله ومميزاته، وخصائصه، فإنّهم لا يختلفون في أنّه إمام الفصاحة وسيّد البلغاء، وأنّ كلامه أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله ورسوله، وأغزره مادّة، وأرفعه أسلوبا، وأجمعه لجلائل المعاني(48)، وعلى أمثلته حذا كل قائلٍ خطيب، وبكلامه استعان كلُّ واعظٍ بليغٍ(49).
فلهذا نرى عبد الحميد الكاتب (ت/132هـ) الذي كان في حداثة سنّه معلماً في الكوفة، حدث له غرام بتمثّل كلام الإمام، فقيل له: «ما الذي خرّجك في البلاغة؟ قال حفظتُ سبعين خطبة من خطب الأصلع، ففاضت ثم فاضت»(50).
فمثل هذا الكاتب، كان يهدف إلى الفصاحة قبل أن يهدف إلى البلاغة، لأنّه يريد أن يتعلم العربية أولاً، فيتقنها، أي يدرك فصاحتها، ثم ينصرف في كلامه بما يوصله إلى البلاغة من مجاز وكناية واستعارة...
فالفصاحة إذن سابقة للبلاغة، والنصّ الفصيح، قد لا يكون بليغاً، ولكن النصّ البليغَ لا يكون إلا فصيحاً.
وذكروا أنّ ابن نُباتة، محمد بن إسماعيل (ت/374هـ)، قال: «حفظتُ من الخطابة كنزاً، لا يزيده الإنفاق, إلا سعة وكثرة، حفظتُ مئة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب.»(51).
فابن نُباتة فعل ما فعله عبد الحميد الكاتب، حين اتخذ كلام الإمام أنموذجاً يوصله إلى الفصاحة أولاً, ثم إلى البلاغة بعدها، وواضح مما كتباه, ما فعله كلام الإمام في لغتيهما.
ويؤيد هذا ما كتبه الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، (ت/381هـ)؛ أنّ كُتّاب الدواوين زعموا أنّه؛ لولا كلام علي بن أبي طالب وخطبه وبلاغته في منطقه، ما أحسن أحدٌ أن يكتب إلى أمير جند أو والي رعية(52).
ولا ننسى أنّ فضيلة الكاتب أو الخطيب تعتمد على أمرين هما؛ مفردات الألفاظ ومركّباتها(53). فأمّا المفردات فأنْ تكون سهلةً غير وحشية، ولا معقّدة، وألفاظ الإمام كلّها كذلك، وأمّا المركّبات؛ فحُسْن المعنى، وسرعة وصوله إلى الإفهام، من مقابلة، ومطابقة، وحُسْن التقسيم، ومماثلة، واستعارة(54)... وهذه الصفات كلّها موجودة في خطب الإمام وكتبه، متفرّقة مبثوثة في فرش كلامه.
فإنْ تعلَّمها وأعمل في رصفها ونثرها، فلقد أتى بالعجب العُجاب، وإن اقتضبها ابتداءاً، وفاضت على لسانه ارتجالاً من غير روي ولا إعمال، فأعجب وأعجب، وبحقٍّ ما قاله معاوية بن أبي سفيان (ت/60هـ) لمحفن الضبي حين قال له متملِّقاً : «جِئْتُك من عند أعيى الناس، فقال له: يابن اللخناء ألعلي تقول هذا ؟!! وهل سنَّ الفصاحة لقريش غيره ؟! »(55).
خاض الإمام (ع)كلّ مطالب الحياة, العامة والخاصة، وعالج خصائصها، فخطب في السياسة، لأنّها تتصل بأمر الحرب لعلاقة بينهما وُثـْقى، وطرق نواحي من القول، كانت من خواص الشعر، إذ ذاك، ولكنَّه ضمّنها خطبه، فوصف الطب، وعرض لخلقة الخفاش، وما فيه من عجائب، والطاووس وما يحويه من أسرار، فلهذا نجد في كلامه السياسة، والأدب، والحكمة، والوصف العجيب، والبيان الزاخر، فإذا تجاوزنا خطبه ورسائله، إلى المختار من حِكَمِه، ألفيناه يرسل المعاني الدقيقة والأجوبة المسكتة، كلّ ذلك بأسلوب مشرق قوي، محمَّل بالحكمة والصفاء، ما يُنبيء عن غزارة علمه، وصحّة تجربته، وعمق إدراكه لحقائق الأشياء، نجد مثل قوله:
ـ «إذا تَمَّ العقلُ، نَقَصَ الكلامُ»(56).
ـ و«المَرْءُ مخبوءٌ تَحتَ لِسانِهِ»(57).
ـ و«الهَمُّ نِصْفُ الهَرَمُ»(58)، وغيرها..(59).
ولئن سألتَ عن مكان كتابه من الأدب، بعد أنْ عرفتَ مكانه من العلم، فليس في وسع الكاتب المترسِّل، والخطيب المصقع، والشاعر المفلق، أن يبلغ في وصفه، أو النهاية من تقريظه، وحسبنا أن نقول إنه: «المُلتقى الفذُّ الذي التقى فيه جمالُ الحضارة، وجزالةُ البداوة، والمنزلُ المفرد الذي اختارته الحقيقةُ لنفسها منزلاً تطمئنَّ فيه، وتأوي إليه، بعد أنْ زلَّت بها المنازل في كلِّ لغة...»(60).
«فخير الكلام ما قلّ ودلّ»(61)، وأفضل الكلام وأحسنه، ما كان القليل منه مغنياً عن الكثير، وما كان المعنى في لفظه ظاهراً(62). فإذا كان المعنى صالحا في أصوله، ولفظه بليغاً، وُفِّقت الكلمةُ، ونزلتْ في منزلها، وإنْ لم يكن كذلك، فشلت في الوصول إلى قرارها. ولو عرضتُ لحكمةٍ من حِكَم الإمام، لوَضُح قولي, تلك هي: «قِيمةُ كُلُّ إمرئٍ ما يُحْسِنُ»(63).
صدَّر أبو عثمان الجاحظ كتابه بهذه اللؤلؤة فقال: «فلو لم نقف من هذا الكتاب ـ البيان والتبيين ـ إلّا على هذه الكلمة، لوجدناها كافية شافية، ومجزية مغنية، بل لوجدناها فاضلة على الكفاية وغير مقصّرة عن الغاية، وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكان الله ـ عز وجل ـ قد ألبسه من الجلالة وغشّاه من نور الحكمة على حسب نيّة صاحبه، وتقوى قائله. فإذا كان المعنى شريفاً، واللفظ بليغاً، وكان صحيح الطبع، بعيداً من الاستكراه، ومُنزّهاً عن الاختلال، مصوناً عن التكلّف، صَنَعَ في القلب صُنْع الغيث في التربة الكريمة. ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة، أصحبها الله من التوفيق، ومنحها من التأييد، ما لايمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة...»(64).
فقد أشاد الجاحظ بفضل هذه الكلمة وأثنى عليها، وقد نقلها في موضعين من كتابه(65)، واندرجت في حقل الأمثال(66)، فهي من الكلام العجيب الخطير، وقد طار الناس إليه كلّ مطير، ونظمه جماعة من الشعراء، إعجاباً به وكلفاً بحسنه(67).
ولهذا ساق الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت/175هـ) حكاية عن هذه الحكمة، لمّا رأى سليمان بن علي ـ والي البصرة ـ يسقط في كلامه، صحّح له وضمّنها شعراً(68). وقال البيهقي (ت/290هـ) ـ بعد نقل هذه الكلمة ـ: رواه بعض المحدثين شعراً :
«قالَ عَليُّ بن أبي طالبٍ كُلُّ أمرىءٍ قِيمَتَهُ عِندَنا |
|
وَهُو الَّلبيبُ الفَطُن المُتْقِنُ وَعِنْدَ أهْلِ الفَضْلِ مَا يُحْسِنُ» (69) |
وضمّن ابن طباطبا (ت/322هـ) هذه الكلمة في شعره أيضاً، إذ قال:
« فَيا لائِمِي دَعْني أُغالِي بِقِيمَتِي |
|
فَقِيمَةُ كُلُّ الناسِ مَا يُحْسِنُونَهُ»(70) |
وقد وصفها ابن عبد ربَّه (ت/327هـ) بأنَّ قول؛ علي بن أبي طالب، «قيمة كل أمرئٍ ما يحسن»، لم يسبقه إليه أحدٌ، وليس كلمةٌ أحضَّ على طلبِ العلم منها ...(71).
و قال أبو هلال العسكري (ت/ بعد395هـ): «أخذ ابن طباطبا قول علي ـ رضي الله عنه ـ بلفظه، وأخرجه بغيضاً متكلفاً، والجيد قول الآخر.
... ... ... ... ... ... ... ... |
|
فَقِيمَةُ كُلُّ امرئٍ عِلْمُهُ»(72) |
أمّا الشريف الرضي (ت/406هـ) فقد رأى أنَّ؛ «هذه الكلمة لا تُصاب لها قيمةٌ، ولا تُوزن بها حكمةٌ ولا تُقرنُ إليها كلمةٌ ...»(73).
وكذلك وجدتُ قصصاً تضمّنت هذه الحكمة، في تفسير الرازي، (ت/606هـ)، قصد أعرابي الحسين بن علي (ع) وسأله حاجة، فقال الحسين: سمعت أبي علياً يقول: «قيمةُ كلّ أمرئٍ ما يحسن» فأسالك عن ثلاث مسائل، إنْ أحسنتَ في جواب واحدة، فلك ثلث ما عندي، وإنْ أجبتَ عن اثنتين، فلك ثلثا ما عندي وإنْ أجبتَ ...(74).
هذا وكان الخلفاء العباسيّون يكرِّمون البليغ الفصيح، صاحب الأسلوب المتجلِّي في الثروة اللفظية، من مفردها وجَمْعها، ومجازها، وحقيقتها، مع إيجازٍ دقيقٍ، وإطنابٍ في مقامه، فقد حكى؛ الفضلُ بن مروان، الذي كان يسأل الرسل التي تأتي، عن سيرة ملوكهم وعظمائهم، فحدث أنْ سأل رسولي الروم والحبشة، فوصفا ملكيهما بأحسن ما وُصف ملك من أتباعه، وحدَّث المأمون بهذين الحديثين. فسأله المأمون؛ كم قيمتهما عندك ؟ فأجابه؛ ألف درهم، فقال المأمون: «يا فضل إنّ قيمتهما عندي أكثر من الخلافة، أما علمتَ قول علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ (قيمة كل أمرئٍ ما يحسن ...), أفتعرف أحداً من الخطباء والبلغاء يحسن أنْ يصف أحداً... بمثل هذه الصفة...»(75) وأثنى على هذه الحكمة.
هذا ما وسعني قوله ـ هنا ـ لقبس يسير من أقباسٍ كثيرة، ولو استمعنا إلى طائفة أخرى من أقوال جهابذة العلم، وأعلام الفكر، لرأينا انطباعاتهم عن هذا السفر العظيم، وما أُثر في نفوسهم، فليس بمقدورنا الإحاطة بكل ما هو من هذا القبيل، ولكنّه غيضٌ من فيض، وأكتفي بما أُثر عن أديب العربية الكبير الجاحظ، أنَّه قال: «ما قرع سمعي كلامٌ، بعد كلام الله، وكلام رسوله، إلّا عارضته، إلّا كلمات لأميرالمؤمنين علي ابن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ فما قدرتُ على معارضتها، وهي مثل قوله: «ما هَلَكَ امْرؤٌ عَرَفَ قَدْرَهُ» و«اسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ تكن نَظِيرَه، وأحْسِنْ إلى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أميرَهُ، واحْتَجْ إلى مَنْ شِئْتَ تكن أسِيْرَهُ»(76).
فهذه الكلمات فقأنَ عيون البلاغة, وأيتمْنَ جواهر الحكمة, وقطعْنَ الأنام عن اللحاق بواحدة منهن. وغير هذا كثير جداً، مما قالوه في علوِّ النص وفصاحته(77).
هذا في مجال الأدب، أمّا في المجالات الأخرى، فقد أجتنى المجتنون ثمار (نهج البلاغة) وبوّبوا فيها أبواباً كلّ حسب شأنه، بحثاً ودراسةً، مثل؛ القضاء(78) والسياسة(79)، والاجتماع(80)، وغير ذلك(81) من أقوالٍ في (النهج)، فلو نظرنا إلى هذه الأعمال، لطال بنا الوقوف، في طريق سبقني إليها جهابذة الفصاحة، ومنظرو البيان، فقد أدلى كلٌّ منهم في الفصاحة والبلاغة(82) دلوه، ووضع شروطاً لفصاحة الكلمة(83)، وفصاحة التعبير(84)، ثم قرن هذا إلى ما حواه نسيج (نهج البلاغة)، وقال في ذلك قوله، ولو أنني أعدتُ ما قالوا، أو أوردت ما كتبوا، لوقعت في التكرار، لا سيما إنني أبحث في فصاحة كلام الإمام عامة، وفي فصاحة كلامه الغريب في (نهج البلاغة) خاصة.
نخلص من هذا كلّه إلى أن الغريب في حديث الرسول (ص) وصحابته الكرام ليس هو الوحشي الشاذّ, أو العامي المرذول, وإنّما هو؛ ما يمنح النصَّ علوّاً في الفصاحة, وروعةً في التعبير, وجزالةً في الألفاظ, ولا يخرج (الغريب) في حديث الإمام عن هذه الصفة لأنّه في كلامه يترسّم أثرَ الرسول (ص) في حديثه..
فكيف ستكون غرابة حديث الإمام في (نهج البلاغة) ـ بعد أن عرضنا الغرابة اللغوية, عموماً .. هذا ما سيعقده المبحث الثاني من هذا الفصل إن شاء الله تعالى.
***
■ المبحث الثاني؛ الغريب في (النهج) خصوصاً:
رأينا في ما سبق أنَّ العلماء ذهبوا في تعريف (الغريب) مذاهب شتّى, وقبل أن نحاول أن نستقري غريب (نهج البلاغة), لابدّ لنا من الفصل في (الغريب) بحسب الترجيح والمفاضلة بين الآراء والتعريفات, ولابدَّ من أن نتحقق من كلِّ الوجوه في قضية (الغريب), فالغريب في اللغة له أحكام, لا يلتزمها الغريب في القرآن, أو الغريب في الحديث, فضلاً عن أنَّ الغريب عند البلاغيين شيءٌ, وعند اللغويين والنحويين شيءٌ آخر... وسنأتي على هذه القضايا والأحكام واحدة واحدة مبينين الفصل فيها, ناهيك عن الحكم بتعلّقها بكلام الإمام في (النهج).
وأوْلى هذه القضايا ما مرَّ بنا من أَنَّ الغريب ما جاء بسبب بداوة صاحبه واعتياده الغرابة في الكلام, ممّا يكسبها غموضاً, لو حشَّيتها, وندرتها, ومادّة تعابيرها, المتأتّية من طبيعة الحياة في الصحراء, وهذه الألفاظ هي التي رأى فيها (ابن فارس) (ت/395هـ)، و(ابن رشيق) (ت/456هـ)؛ أنَّها صعبة لا يسبر غورها إلّا عالم نحرير, لعدم تلائمها مع البيئات الحضرية, مؤكدين معنى (الوحشية) في اللغة(85).
لكنَّ مدار النقاش في هذه المسالة يتم لنا إذا وضعنا في الاعتبار قول النّحاة واللغويين: إنَّ الفصاحة أُخذت عن الأعراب(86), إذ يتفق النحاة واللغويون على أنَّ اللغة الفصيحة, أُخذت ممَّن خَلُصت طبائعهم اللغوية, وصفت فطرتهم من القبائل التي لم تخالط من فسدت سليقتهم من الأعاجم, ولم تقترب من الحواضر, لأنَّ حواضر العرب كانت محطَّ قوافل التجارة ومختلطاً لأقوام غير العرب؛ لذا رحل اللغويّون الأوائل وجُمّاع اللغة إلى تلك البوادي واختلطوا بأهلها ليأخذوا عنهم اللغة الصافية الفصيحة, ويدوّنوها.
وقد تولّى ذلك من بين أمصار العرب «أهل الكوفة والبصرة من أرض العراق. فتعلموا لغتهم والفصيح منها من سكان البراري منهم دون أهل الحضر, ثم من سكان البراري من كان في أوسط بلادهم ومن أشدَّهم توحّشاً وجفاءاً وأبعدهم إذعاناً وانقياداً هم؛ قيس وتميم وأسد وطيِّىء ثم هُذيل, فإنّ هؤلاء معظم من نقل عنهم...»(87) الفصاحة, وأنكروا الأخذ عن غيرهم «لأنّهم كانوا في أطراف بلادهم مخالطين لغيرهم من الأمم مطبوعين على سرعة انقياد ألسنتهم لألفاظ سائر الأمم المطيفة بهم من الحبشة والهند والفرس والسريانيين وأهل الشام وأهل مصر...»(88).
وبهذا يمكن أن نرى تعارضاً واضحاً بين الرأيين, فالذي يرى أنَّ الوحشي والنادر من الألفاظ, هو بسبب إغراقهما في البداوة, يعارضه القول الذي يرى أنَّ اللغة الفصيحة تُؤخذ من الموغلين في البداوة, وقد كان أشراف قريش يبعثون أبناءهم إلى البادية, ليكتسبوا أصول الفصاحة, وهذا ما حدث مع النبي الأعظم (ص) إذ نشأ في بني سعد(89).
ثم كيف يكون اللفظ نادراً وجلّه منتشر و مجموع من عرب البادية؟ ومن ثم كيف يكون غريباً ؟
إنَّ هذا التعارض يجعل الفصل في لفظةٍ ما من حيث كونها فصيحة أو غريبة أمراً صعباً ومعقداً, فإذا علمنا أنَّ كلام الإمام علي (ع) قد ضمَّ في أثنائه ألفاظاً تنتمي إلى (معجم البداوة)، صار هذا من العسير علينا أن نتعامل معها من حيث الغرابة والفصاحة, وأعني هاهنا بالغرابة (الوحشية فقط)؛ لأنّ موضع تحديدها على يدي (ابن فارس)، و(ابن رشيق)، قام على هذا الأساس كما بيّنتُ, ومن ثم فإننا نرى أنّ الغرابة هاهنا يمكن أن تكون مقابل (الفصاحة), لكنَّ هذا الكلام سيصح لهذين العالمين الجليلين, في حال لو كان المخاطبون به من أهل الحواضر ممّن لم يختلطوا بالأعراب, ولم يتناولوا ألفاظهم بأسماعهم وألسنتهم.
أمّا من كان محله محل الإمام وهو يخاطب أمة المسلمين في عصره, وجلّهم من القبائل البدوية التي اجتمعت له في جند الكوفة(90), وحتى من كان منهم من أهل الحواضر كاليمامة ومكة والمدينة, فهو غير بعيد عن ألفاظ البوادي لاختلاطهم في ما بينهم؛ لذا فان ألفاظاً من نحو (نَسلت, والمُصاص, والشِّماس) في قوله: «... عَلى ذلكَ نَسَلَت القُرونُ, وَمَضَتِ الدهوُر, وَسَلفتِ الآباءُ, وخَلَفَتِ الأبنَاءُ...»(91), وقوله: «... وأشَهدُ أنْ لا الهَ إّلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ, شَهادَةً مُمْتَحَناً إخْلاصُهَا, مُعْتقَداً مُصَاصُها, نَتَمَسَّكُ بها أبداً مَا أَبقانا...»(92), وقوله: «فَمُنِيَ الناسُ لَعَمْرُ الله بِخَبْطٍ وَشِماسٍ. وَتلوَّن واعْتِراضٍ, فَصَبَرت على طُولِ المُدّةِ وشِدّةِ المِحْنةِ...»(93), لا تُعدّ غريبة على سامعها ممن حضر هذه الخطب في الكوفة.
ولهذا السبب لم يشرح كلامه في وقته, على الرغم من كون تلك الكلمات مغرقة في البداوة, فـ(نسلت) إذا كُسرت سينُها تعني: أسرعَت(94), وفي هذا المعنى جاء قوله ـ تعال
ى ـ: ((فَإِذا هُمْ مِنَ الأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ))(95). وإذا فُتحت سينُها تعني: وَلَدَت, وتعني أيضاً؛ تساقط الشعر وإنباته(96), وفي هذا النصّ, استعملت كناية عن تعاقب السنوات, وكذا (مُصاص من مَصّ), وظاهر علاقته بالرضاعة والدُرّ, وهي قضية يعرفها أهل البادية أكثر من أهل الحضر, وقد استعارها بمعنى (الجوهر) أو (الخالص) في هذا النصّ.أمّا (الشماس) فهي من الفرس الشموس؛ أي: الأبية الظهر, العصية, وإذا أردنا في الآن نفسه أن ننكر الغرابة في هذه الألفاظ لجانبنا الصواب, فهي غريبة... نعم, لكنّ غرابتها هنا لم تتأتِ من بداوتها أو ندرة استعمالها, فقد استُعملت بين ظهراني أهلها, بل جاءت ـ الغرابة ـ بِبُعْد الاستعارات, وعموم الإشارات, واختزال التراكيب التي وضعها الإمام في النصّ, فجاءت ـ الغرابة ـ رافعة من شأن فصاحة كلمه, مؤازرة لشأوِ نغمه.
فأين الغرابة؟ هل ستكون في الإغراق في البداوة أو (الوحشية )؟... بالتأكيد ستكون في عدد الألفاظ النادرة, المتنافرة الأصوات, الجافية عن الذوق, المحصورة في عدد أقوام قليلين من قسم من القبائل. فهي: ألفاظ لم يتكلّم بها العرب بعامّتهم, ولم نجد منها في كلام (النهج) من نحو (الهَعْخَع)(97), و(جَحْلَنجَعْ)(98) وأمثالهما, من إغراب؛ عيسى بن عمر (ت/149هـ) في اللغة, من نحو (الاجرماز , والاقعِنباب)(99) , وغيرهما.
وعلى هذا فإنّا حين نأتي في تفصيل أصناف (الغريب) عند الإمام علي(ع) سنقف عند مجمل ألفاظ من (معجم البداوة) لم تكن البداوة أساً في غرابتها, بل الأُسّ في ذلك استعمالها وطريقتها عنده, دون أن ننكر أنّ (معجم البداوة), قد أظهر هذه الغرابة للعيان وساعد على أن يُعدّ هذا الاستعمال غريباً, إذ لو لم تكن هذه الألفاظ من (معجم البداوة), وكانت طريقة استعمالها فقط هي الجديدة, لخفي أمر الغرابة فيها, ولغاب عن العيان, ولم يتنبه على غرابتها, في تضاعيف كلام (النهج), فتظافر كلٌّ من إغراق الكلمة في البداوة, مع فرادة الاستعمال عنده, وجدَّته, على جعل ظاهرة الغرابة بارزة, ظاهرة في الكلمة, ولا أقول على منحهما الغرابة... فالغرابة اكتُسِبَت؛ بسبب جدّة طريقة الاستعمال, لكنّ بروز هذه الظاهرة للعيان, جاء باجتماع الإغراق في البداوة معها.
أما القضية الثانية, فهي تَبَعُ للأولى من حيث تعريف الغرابة, إذ تختصُّ كسابقتها باللفظ, وهي ما حدّدها ابن سنان الخفاجي (ت/466هـ) وابن الأثير (ت/630هـ), إذ ذكرا أنّ غرابة الكلمة؛ ناتجة من كونها شاذّةأو نافرة أو منكرة(100), وقد ذكرت؛ تنزُّهَ القرآن والحديث النبوي الشريف وكذا أقوال الصحابة الصفوة ـ رضي الله عنهم ـ عن مثلها.
لكن ما المقياس الذي يحدّد هذه الصفات؟ فإذا كان الشذوذ يُحَدّد بمخالفة القياس المستند على المطّرد من السماع، والتنافر يُوعز إلى استحسان الأذن لجرسه, واستساغة اللسان لنطقه, أو على نحو ما قرره الخليل (ت/175هـ) في اجتماع بعض الحروف مع بعض في أصل كلمة, كما في اجتماع حرف (العين, والقاف), وعدم اجتماع أخريات في أصلٍ آخر من نحو: حرفي (الجيم, والصاد). أو (الجيم والقاف)(101) ؟ أو على نحو ما ذكر أصحاب البلاغة في إعابة كلمة (مستشزرات)(102) من قول امرئ القيس(103).
فإنّ قولهم (منكرة) لا مقياس له, إذ ما اللفظة المنكرة؟ فإذا أرادوا بها الألفاظ التي تنبو عن الذوق, ولا تطمئنّ عند سماعها النفس, فهي كلمة بذيئة, فإنّ هذه الأمور محكومة بالسياق لا باللفظة, فلا تكون الكلمة بذيئةً بعد ذلك إلّا من خلال سياقها, وما أدلّ على ذلك من القرآن الكريم وقد وردت فيه ألفاظ من مثل (زنيم(104), وفرث(105), وفرج(106)), وكانت غاية في الإعجاز والروعة البلاغية.
وقد أفادنا القزويني (ت/739هـ) بمعنى آخر, لهذه الألفاظ المستكرهة بقوله؛ خلوّها من الكراهة في السمع, بأن تُمجُّ الكلمةُ وتُبرأ من سماع الأصوات المنكرة: «فإنّ اللفظ من قبيل الأصوات, والأصوات منها ما تستلذُّ النفسُ سماعه, ومنها ما تكره سماعه, كلفظ (الجِرْشِّي) في قول أبي الطيب:
... ... ... ... ... ... ... ... |
|
«كريم الجِرْشِّي, شريفِ النَّسَبْ...»(107) |
أي كريم النفس, وهو مردود؛ لأنّ الكراهة, ناتجة من كون اللفظ (حوشياً), فهو داخل في الغرابة(108), فأرجعها للحوشية مرّة أخرى وليس للبذاءة كما يتبادر إلى الذهن.
أما كلام (النهج), ففي الأول ـ أي مخالفة القياس ـ فإنّ الإمام علي (ع) ممّن يُحتجّ بكلامهم وسنجد له كثيراً من غرائب الاشتقاق والتراكيب ولعلّ طائلاً وافراً ممّا أُحصي من غريبه كان على هذا الأساس, ولايتعارض ـ في نظري ـ الاشتقاق الفريد مع مخالفة القياس على ما سيأتي في محله إن شاء الله.
وأمّا المتنافر, فلم أجد له في (النهج) من مثال, وهذا إنَّما يعود لعلوِّ كعب الإمام في البلاغة والفصاحة, ناهيك عن كون أغلب نصوص الكتاب خطباً شفهية ممّا يجعل مثل هذه الألفاظ؛ لفظاً ظاهراً مفضوحاً (لو وُجد). وكذا كتبه ومخاطباته للولاة, لا تسمح بهذه الألفاظ لأنَّها في محلِّ حزْمٍ أو نصْحٍ, وفي بقية مواعظه و حكمه, فأغلبها موجَزٌ قصيرٌ ذُهب به مذهب الأمثال, فلا محلَّ لمثل هذه الألفاظ فيه. فغريب (النهج) غريب يصبُّ في باب الفصاحة لا غريب ينافر الفصاحة.
أما الأمر الثالث فهو ما سُمِّي بالألفاظ المنكرة على نحو ما وصف (ابن سنان) و(ابن الأثير), فلم يتحرّج الإمام على نحو ما ورد في الكتاب الكريم, فأورد السياق المناسب الذي من خلاله لا تكون الكلمةموضع نبو في الأسماع, ولا فيها بذاءة, أو إساءة أدب, من ذلك ألفاظ (هَنٍ وَهَنٍ)، و(نَثِيلهِ) و(مُعْتَلِفِهِ) في قوله (ع) : «فَصَغَا رَجُلٌ مِنهُم لِضِغْنِهِ، وَمَالَ الآخَرُ لِصِهْرِهِ، مَعَ هَنٍ وَهَنٍ إلى أنْ قَامَ ثَالثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنيهِ، بَين نَثِيله وَمُعْتَلِفِه، وَقَامَ مَعهُ بَنُو أبيه يَخْضمونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الإبلِ نَبْتةَ الرَّبيع؛ إلى أنْ انتكَثَ فَتْلُهُ، وَأجْهَزَ عَليهِ عَمَلُهُ، وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ ...»(109). وهذه الألفاظ معروفة المعاني، وهي ممّا يُكره ذكره إلّا إذا وضعت في السياق.
ومثله أيضاً لفظة (انفراج) في قوله : «... وَاللهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الوَغَى, وحَمِي الضِّرابُ قد انفَرَجْتُمْ عَنِ ابنِ أبي طالِب انفِراجَ المَرْأةِ عَنْ قُبُلِها, وَإنِّي لَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَمِنْهَاجٍ مِنْ نَبِّي, وَإنِّي لَعَلَى الطَّريقِ الوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً...»(110).
و(انفراج) كناية عن العجز والاستكانة في حالة الولادة, وهي معروفة المعنى, إلّا أنّ سياق القول وبناءه لم يجعل بذاءةً فيها مع دقّة وصف وإقذاع ذم, ومثل هذا أيضاً في لفظة (السّتَه) في قوله : «العَيْنُ وِكَاءُ السَّتَه»(111), ومعناها ممّا يُكره ذكره أيضاً, لكنّه وضعها في سياق بلاغيّ جميل, فقد «شبّه السَّتَه بالوعاء, والعين بالوِكاء, فإذا أطُلق الوِكاءُ لم ينضبطِ الوعاءُ»(112). وبهذا نجد الإمام؛ جعل (الغريب) على الأساس الأول من قول هذين العالمين مجالاً للإبداع في اللفظ والتوسّع في اللغة.
ولعلّ القضية الثالثة هي؛ الأكثر وجوداً بما حققناه من غريب (النهج) وأوسعها انتشاراً, وعليها سيكون مدار هذا البحث من مفاصل هذا الكتاب, وهي ما أشار إليه الجرجاني (ت/471هـ) في حدّه لـ(الغريب), ووضّح معالمه من ـ وجهة نظره ـ فالغرابة عنده؛ قائمة على فرادة النظم وغرابة ضمّ السياق, إذ قال: «وتأمّل ما جمعه العلماء في غريب القرآن, فترى الغريب النادر... إنّما كان غريباً نادراً من أجل استعارة...»(113). وهذا ما سنجده كثيراً ومطرداً في كلام (النهج) وهو لا يُحصى له عدٌّ من غرابة التمثيل, والتشبيه, وبُعْد الاستعارة, وعُمْق الكناية, وسعة المجاز, وفصاحة مجاز الحذف, بما لا احتاج إليه في التمثيل هنا, مادمتُ سأفصّل كل ذلك في حينه وموضعه.
وعلى نحو هذه المسألة وما قبلها نجد عنده غريب التركيب النحوي في التعليق والتعلّق، والتقديم والتأخير، والاعتراض، وهو ما يقابل غريب الاشتقاق الصرفي، ويتفق مع غريب النظم عند الجرجاني، وقد سمّاه باحث معاصر بـ«المدلول العام للجملة ويتمثل في الإعجاز والتقديم والتأخير وفيه يؤدي التأويل دوراً مهماً»(114). وهذا إن صبَّ فإنّما يصبّ في باب الفصاحة وقدرة الإبداع البلاغي، فاتحاً للعربية آفاقها الرحبة، ولسنا نحتاج إلّا أن نقلّب أي صفحة من صفحات (النهج) لنرى ذلك واضحاً, كما في قوله (ع) :
« ... عَجَبَاً لابْنِ النَابِغَةِ يَزْعُمُ لِأهْلِ الشَّامِ أنَّ فِيَّ دُعابَةً وأنِّي امْرُوءٌ تَلْعابَةٌ: أعافِسُ وَأمارِسُ، لَقَدْ قالَ باطِلاً، ونَطَقَ آثِماً. أمَا وَشَرُّ القَوْلِ الكَذِبُ، إنِّهُ لَيَقولُ فَيَكْذِبُ، وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ، وَيُسْألُ فَيَبْخَلُ, وَيَسْألُ فَيُلْحِفُ، وَيَخُونُ العَهْدَ، وَيَقْطَعُ الإلَّ، فإذا كَانَ عِنْدَ الحَرْبِ فَأيُّ زاجِرٍ وآمِرٍ هو ؟!! مَالَمْ تأخُذِ السُّيوفُ مآخِذَها، فإذا كَانَ ذلكَ كَانَ اَكْبَرَ مَكيدَتِه أنْ يَمْنَحَ القَوْمَ سَبَّتَهُ، أمَا واللهِ إنِّي لَيَمْنَعُني مِنَ اللَّعْبِ ذِكْرُ المَوْتِ، وَإنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الحَقِّ نِسْيانُ الآخِرةِ ...»(115).
فلو أجلنا الخاطر في رحاب هذه الخطبة، لوجدنا فيها مهارات الحذف والاعتراض في قوله: (أني امرؤ تلعابة: أعافس وأمارس) مستفيداً من الحذف بما يسمى في (فن البلاغة) بالفصل؛ فالأصل فيه أن يقول: (أي أعافس وأمارس) أو (فأعافس النساء وأمارس النكاح)، فاستغنى بفصاحة الفصل عن الشرح والوصل وهكذا بحذف الموصوف بقوله (وقال باطلاً), أي: قال قولاً باطلاً، ليستمر الحذف بالاعتراض في قوله: (أمّا، وشرّ القول الكذب، إنّه ليقول فيكذب)، ويديم نسق الحذف بالفصل والاعتراض, لمّا قال: (فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو ؟!!)، وهو بهذا يخلق الجو الإيقاعي لخطبته بترادف الفصل والوصل، والتكرار، فيقول: (فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القوم سبته) ليعود فيذكر القسم الذي وطأ إليه في أول كلامه بقوله: (أما وشر القول الكذب)، فيقول: (أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكرالموت).
إذن فالغرابة التركيبية في هذا النصّ تنقسم إلى قسمين، الأول هو: غرابة تركيب الجملة بالتلاعب بمواقع ألفاظها بالتقديم. والتأخير والاعتراض والحذف، وهو من الشائع في غريب الأدباء؛ (الغريب التركيبي)، إلّا أنَّ غرابة بناء النصّ على هذا النسق نفسه في تكرار (الغريب) في الجملة، وإرصاد القسم وتأجيله طيلة كل هذا الكلام و هذا هو القسم الثاني. وهما ـ القسمان الأول والثاني ـ مما تعجز عنه الأدباء ولا تدركه أذهانهم، وهو إن جاء به كاتب ما, ليأتينَّ به بعد طول تدبّر وكثرة روية وإعمال فكر، لا أن يُقال في خطبة عابرة، مرتجلة. وسأفصّل من مثل هذه النصوص في موضع البحث.
والقضية الرابعة في مسألة (الغريب) تتداخل في غريب (نهج البلاغة) عموماً، وهي تدخل في مفاصل القضايا الأُخر، وربَّما تتعارض مع القضيتين الأُوْلَيين، ذلك أنَّهما تُعنيان بغرابة اللفظة، بل تنسبان الغرابة للفظ، وهذه على تفاوت بينهما وهو ما ورد في (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية) للرافعي من أنَّ اللفظة، لا تكون غريبة بلفظها، بل مستغربة في التأويل، وقد تكون حسنة بحيث لا يتساوى بها أهلها وسائر الناس في الفهم(116). فهي: «النمطُ الأقصد الذي جاء به القرآن، وهو الذي جَمَع البلاغة والفخامة إلى العذوبة والسهولة ...»(117).
وهنا ستُحلّ عندنا الكثير من المشاكل، إذ سيكون المعيار في غريب الألفاظ هو: الغرابة التأويلية، إلّا أنّ ما يمكن أنْ يعدّه أحدٌ غريباً، يكون مألوفاً عند الآخر، وكل بحسب إطلاعه وتنوع موارد علمه، فما الفصل في ذلك ؟
والحق إنّي بيّنت في القضية الأولى أنّ الفصل في الغرابة، وتحديد اللفظة الغريبة عن غيرها، سيكون من خلال مجتمع المخاطبين، الذين هم بنو جلدة المتكلم, فلا تكون الكلمة غريبة إلّا بفرادة الاستعمال وجدَّته وسَبْق الإمام إليه, وهذا يتجه إلى غرابة صناعة التركيب ونظمه ويجعله يهوي إلى غريب المعاني، ونادر الأفكار وشاردها، فيلتقطها، ومن هنا جاء كلامه عذباً، طرياً يخلب لبَّ سامعه، لأنّه يبتدع له المعاني والحكم اللطيفة، والدقيقة فيرسلها إلى المخاطب بأعذب قوام لغوي، وممّا يعضد هذا الكلام ما ذهب إليه باحث معاصر من أن تسمية (الغريب) جاءت من؛ الإبداع الفني في القرآن والحديث فقال: «إذا اكتشف أحد الباحثين حينئذٍ معنىً جميلاً لا يستعمله عامّة الناس في آية ما أو حديث ما بسبب مجازيته، أو بسبب اقتصار كلماته على جماعة من العرب لم يكن هذا المكتشف منهم، فإنّه يطلق عليه غريب»(118).
أمّا القضية الخامسة في (الغريب) عند الإمام علي, التي واجهتنا في عملية استقراء ألفاظ (النهج)، فهي: ما اتفق عليه علماء غريب القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فقد ورد في (النهج) تضمين كثير لآي القرآن الكريم والاقتباسات لأحاديث النبي الأعظم (ص) وكان منها ما حققه العلماء بكونه غريباً، فلابدّ لنا من أن نغفل هذا الجانب لأمرين:
الأول: إنَّما ورد منه في (النهج) ليس غريباً للإمام علي، بل هو غريب القرآن، أو غريب الحديث أصلاً. فلا داعي لدراسته ضمن غريب (النهج)، ومن ذلك قوله: «فَطَرَ الخَلائِقَ بِقُدْرَتِهِ»(119)، أي ابتدعهما على غير مثال، وقد ذكر علماء الغريب وفصّلوا فيها القول(120).
الآخر: إنَّ المعيار في الغرابة؛ هو الاستعمال الجديد وعدم السّبق إليه من الغير، وإلاّ لم يكن غريباً، ولمّا كان القرآن سابق نزولاً على خطب الإمام بعقود، وهو محفوظ في صدور المؤمنين, وكذا الحديث الشريف, فلم يعد غريبهما حين يرد في نصٍّ غيرهما, ككلام الإمام علي (ع) أو أحد من الصحابة الأجلاّء غريباً يُنسب إليهم.
وما استعماله مضمّناً في حديث الإمام أو الصحابة إلّا دلالة على عدم غرابته في كلام الصحابي، وعدم غرابته على أُذنِ السامع أو المخاطب.. ومن ثم لن أكون ملزماً بمتابعة ما ورد غريباً على رأي علماء غريب القرآن والحديث في (نهج البلاغة) إلّا إذا ضمّنه الإمام بصورة غريبة أو أضفى عليه معنى غريباً، وهذا إن وُجد فلن يفوت البحث والباحث الإشارةَ إليه والتفصيل فيه.
أمّا القضية السادسة في دراسة غريب (النهج) فيبدو أنّها قد دُرست, وأنّي أتيتُ على حلِّ إشكالها في مناقشة القضايا السابقة، وهي بُعْد شقّة الزمن بيننا وبين نصوص (النهج) وخطبه، إذ بيّنتُ أنَّ الحكم على الغريب, يتأتّى من غرابته في زمن قوله، وأنَّ ما هو غريب علينا، ونادر الاستعمال في عصرنا، لم يكن غريباً وقت قوله، إلّا أنَّ وجهة نظرنا هذه لا تتفق مع باحث حديث، إذ يرى أنَّ شيوع الألفاظ ـ ومن ثم غرابتها ـ يرجع إلى تباين الذوق بين القديم والحاضر(121) وعلى هذا يكون الغريب مطّرداً, كلّما امتدّت العصور باللغة.
والحقّ أنّنا على الرغم من تحديدنا لـ(الغريب) بعصر قوله واستعماله، لانستطيع أن نتجاهل وجهة النظر هذه، فالمشكلة ستواجهنا عملياً، إذ كيف سنفصل في غرابة كلمة، ونحن لسنا من ذلك العصر؟ و أنّ كثيراً من كلمات (النهج) قد يبدو غريباً علينا، وهو ليس كذلك في عصره، لا لشيء إلّا أنَّ الذوق والمعرفة اللغويّين متباينان فعلاً ما بين عصرينا، إذن فمشكلة البحث على هذا الأساس فعلية ومتحققّة عملياً.
ولابدّ من توضيح أمرٍ آخر، إذ كلّما بعُدَت الشقّة بين الأجيال كثرتْ الكلمات المهملة من لغة الأسلاف، وهذا يتصل بالألفة والاستعمال والتبادر، لذا لو ورد ما يخالف هذه الأمور في شيء ممّا يكتبه أو يقوله أديب من الأجيال المتأخّرة، مطَّلع على تراث الأجيال المتقدمة، متأثـّر بلغتها، صار عند أهل زمانه غريباً, وعلى ذلك: «فإنَّ اللغة لا يصحّ أن تُدرس على أنَّها أداة عقلية فحسب، لأنَّ الإنسان كما يتكلّم ليصوغ أفكاره، فإنّه يتكلّم ليؤثـّر في غيره من الناس، وليعبِّر عن إحساسه وشعوره وعواطفه، فهو يعبِّر باللغة عن نفسه، كما يعبِّر عن آرائه...»(122).
ولمّا كان مؤلف (النهج) من أهل القرن الأول، فنحن لا نستطيع أن نحرز لغة الأجيال التي تقدّمت عليه، أي أنّنا لا نستطيع أن نحرز لغة سنة (150 ـ 250) قبل الإسلام مثلاً، لنعرف ما مات منها في عصر الإسلام وقبله بقليل، لنعرف إذا جاء الإمام واستعمل منها شيئا، فيكون غريباً، سُبق إليه، أو غريباً في عصره سَبَق هو إليه و«الألفاظ كالبشر تبدأ كلّ كلمة حياتها وتعيش وتموت ولكن حياة الألفاظ أكثر تفاوتاً من حياة البشر. »(123). وبهذا فإننا ملزمون بإغفال هذه النقطة ـ الآن(124) ـ لاستحالة التحقق منها.
لقد طرحتُ مجموعة قضايا, أبغي بها المعايير التي سنفصل بها في غريب(النهج)، و قبل ذلك، لابدّ لهذه المعايير من أن تدلّنا على مفهوم (الغريب) في أي كتاب أدبي، وليس كتاب (نهج البلاغة) فحسب، وأن تعطينا تعريفاً عملياً، ومن خلال ما ناقشته في الصفحات السابقة أستطيع أن أقول:
إن الغريب على ثلاثة أنواع؛ غريب في المفرد، وغريب في التركيب، وغريب في النظم. وأنّ غريب نصّ معين، يُحكم عليه من خلوّ كلام العرب السابق عليه, والمعاصر له, منه, ومن مثيله. وهذا القول ـ الأخير ـ هو الذي سيسعفنا في حل القضية السادسة والخاصة بتقادم عهد النصّ، فإنّ الحكم في غرابة نصٍّ قديم, ليس ذوقنا المعاصر، بل نصوص الشعر, والنثر السابقة له، وأعني بذلك؛ كلام الإمام أمير المؤمنين (ع) المجموع بين دفتي كتاب (النهج)، وليس لأحد أن يدَّعي أنَّه سمع، أو وُضِع بين يديه كلام العرب جميعهم, ليعرف ما سَبَق إليه الإمام مما لم يُسبق، إذ «لا يُحيط بكلام العرب إلّا نبي»(125).
إلاّ أنّ الأمر على الطريقة نفسها التي عَدَّ بها العلماء قسماً من ألفاظ القرآن الكريم غريباً، ذلك أنّهُ لم يتناهَ إليهم مثله من كلام العرب وشعرهم، ولعلّ العماد في ذلك، مشهور كلامهم، ومشهور شعرهم، لا كلّ كلامهم بما فيهم؛ السوَقة، والمغمورون، والخاملون، وإلاّ كيف عرف النّقاد والأدباء الأقدمون أن امرأ القيس أوّل من ذكر (قيد الأوابد)، ولم يُسبق إليها(126).
وبعد أن عرفنا أنّ الغريب على أنواع، فلابدّ لنا من أن نوجز أصناف (الغريب) التي أحصيناها في كتاب (نهج البلاغة)، وهي ما سيكون التفصيل فيها مدار البحث إن شاء الله.
1 ـ غريب اللفظ المفرد، وينقسم إلى:
أ ـ نادر قليل الاستعمال.
ب ـ غرابة المعنى الممنوح له في الاستعمال.
جـ ـ جدّة الاشتقاق والابتكار في التركيب اللفظي.
2 ـ غريب التركيب، وينقسم إلى:
أ ـ غرابة السياق على الرغم من وضوح ألفاظ التركيب.
ب ـ غرابة السياق بسبب صعوبة المعاني وتعقيدها.
جـ ـ غرابة السياق بسبب الفصاحة العالية.
3 ـ غريب النظم، وينقسم إلى:
أ ـ غرابة السياق في (البديع) و( المعاني ).
ب ـ غرابة السياق في (التشبيه) و (الاستعارة ).
جـ ـ غرابة السياق في (الكناية) و(جميع أنواع الغريب في البحث ).
وبالتأكيد ـ وأنا أمهِّد للبحث ـ لا يسعني أن أفصّل القول لهذه المباحث لكن, لابدّ لي من أن أبيّن المسوِّغ الذي حدا بي لاختيار القسم الثاني من غريب التركيب (فرع/ ب)، وذلك أنّ الغموض في كثير من الأحيان يُعزى إليه الغريب من الكلام، ولعلّ قسماً من النصوص الغامضة، التي تحتاج إلى تأويل المتأولين، وتدبّر المتدبرين، لا تحتوي على لفظ غامض المعنى أو نادر الاستعمال، ولكنّها تعلّقت بمعانٍ عميقة بعيدة الغور، معقّدة السبل للوصول إليها بالفهم، فتطلّب ذلك استعمال اللغة بسبل معقّدة التركيب لموازاة تلك المعاني بالكلام، فإنّ غموض المعنى يستجلب صعوبة الكلام على الفهم، وإن كانت ألفاظه واضحة كُلاً على حدة، ولا ننسى أننا بإزاء كلام أحد أبرز أعلام الفكر الإسلامي وأدبه وأبلغهم بعد الرسول الكريم (ص) .
ولمّا كانت صحبة الإمام النبي صحبة طويلة(127)، واجتمع إلى طولها قرابةٌ قريبةٌ، وإلْفٌ متصل، ومخالطةٌ في حلو الحياة ومرّها ثم رافق ذلك كلّه أُذنٌ واعيةٌ، وقلبٌ ذاكرٌ، وعقلٌ حافظٌ، فإنّ ما يُنسب إلى الإمام من علم وحِكمة، وبلاغة وفصاحة، ونفاذ بصيرة، وشفافية روح، وما ضبطه التاريخ من
خطبه، ورسائله قليل إلى ما يُرجى منه ويؤمّل فيه، وإن استكثره المستكثرون، وشكّ فيه الشاكون.ولقائل أن يقول: إنّ هذه الخطبة ليست للإمام علي (ع) أو تلك الرسالة لا تجري على أسلوبه، ولا تستدعيها الحال التي كانت تحيط به، وهذا ما مُني به كتاب (النهج)، ولهذا السبب عينه، أدليتُ دلوي، لأغرف الأسانيد والأصول التي اعتمدها الشريف الرضي 2 في جمْعه لهذا الكتاب، وسأنهد إلى جمْعِها والإلمام بها، بما يتّسع له المجال، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
غير أنّ الوقوف على هذه المصادر ضرْبٌ من المحال, لِما مُني به التراث العربي والإسلامي, من الهجمات الشرسة, فلا بدّ لي من أن أقف وقفةً قصيرةً عند هذا الأمر, مشيراً إلى ما صرّح به الرضي من أسانيد وأصول, وهذا ما سيعقده المبحث الثالث من هذا الفصل.
***
الهوامش
(1) ينظر : الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية , و(لسان العرب) , و(القاموس المحيط) , و(تاج العروس) , (غ/ر/ب) : 1/193 ـ 194, 1/ 640, 1/111, 1/404 ـ 405, 407.
(2) ينظر: غريب الخطابي: 70ـ71, و(النهاية في غريب الحديث والأثر):1/4, و(الإيضاح في علوم البلاغة): 73, و(كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون): 2/1203.
(3) ينظر: معرفة علوم الحديث: 88, و(الخلاصة في أصول الحديث): 62, و(الباعث الحثيث): 167, و(التقريب): 32, و(تدريب الراوي): 378, و (علوم الحديث): 234.
(4) ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر ـ خطبة المؤلف ـ : 1/3, و(المزهر في علوم اللغة وأنواعها):1/186.
(5) ينظر: النوادر لأبي مسحل الأعرابي: 1/23, و(الشوارد في اللغة للصغاني): 81, و(المزهر): 1/234, و(الضرائر): 39.
(6) ينظر: تأويل مشكل القرآن ـ مقدمة المحقق ـ : الصفحة (ج).
(7) ينظر: صبح الأعشى:2/213ـ 214, و(التعريفات):167, و(المزهر):1/186, ويذهب عبد القادر المغربي إلى أنّ لا غرابة, إذا استُعمل الكلام في محله اللائق, ينظر: (مجلة رسالة الإسلام): 6/1936, القاهرة, و(مجلة المجمع العلمي العربي), دمشق, مقالة بعنوان (إحياء فصيح اللغة): 23/ 41ـ 46.
(8) ينظر: الصناعتين: 67ـ 68, و(سر الفصاحة): 55ـ 84, و(دلائل الإعجاز):90.
(9) ينظر: الصاحبي:68.
(10) البيان والتبيين: 1/144, و(البيان في إعجاز القرآن للخطابي): 16, وينظر: (الصناعتين): 67ـ 68.
(11) ديوان العجاج: 360ـ 361.
(12) كثرت معاني (مسرجاً), ينظر: (سر الفصاحة):56, و(المزهر):1/251, و(العجاج ودوره في تطوير الأرجوزة في العصر الأموي):150.
(13) ينظر: دراسة لغوية في أراجيز رؤبة والعجاج (القسم الأول): 89.
(14) في هذه الأرجوزة حُشدت الألفاظ الغريبة حشداً لافتاً للنظر, وجلّ غرائبها في وصف الأسد وأوّلها:
أهَاجَكَ الرَّبْعُ القِواء المُقْفِرُ |
|
غَيّرَهُ مَرُّ صَروحٌ صَرْصَرُ |
(الديوان): 312 ـ 318.
(15) ينظر: سر الفصاحة: 212 ـ 214, و(المثل السائر):34, فقد ورد في هذين المصدرين؛ أنّه المراد بغرابة الكلمة, كونها؛ شاذّة, أو نافرة, أو منكرة.
(16) ينظر: الحديث الشريف في الدراسات اللغوية والنحوية:11, وفيه أنّ الغرابة في مكان, فصاحةٌ في غيره.
(17) ينظر: لغة القرآن:458, و(حركة التصحيح): 195ـ 196.
(18) غريب الحديث: 1/27.
(19) الفائق في غريب الحديث: 1/141.
(20) ينظر: تهذيب اللغة: 1/17, و(نور القبس): 99, و(طبقات النحويين): 54, و(بغية الوعاة): 2/316.
(21) ينظر: مراتب النحويين: 93, و(الفهرست): 96, و(أنباء الرواة):3/14.
(22) ينظر: ما نقله الحريري في (درة الغواص): 190, و(شرح النووي) في (شرح صحيح مسلم): 12/117, 14/203, وفي (تهذيب الأسماء واللغات):1/7, والشهاب الخفاجي في (شفاء الغليل) : 11, 18, ومن المفسرين ؛ القرطبي في (تفسيره) : 1/14, 7/201, 15/105, وغير هذه....
(23) ينظر: مجمع الزوائد: 9/113, و(جامع الأخبار) (سيرة الإمام علي): 87, و(الإمام علي أسد الإسلام وقدّيسه لروكس زائد):25, و(علي بن أبي طالب): 83 .
(24) ينظر: المستدرك على الصحيحين: 3/481, و(الفصول المهمة لابن الصبّاغ): 14, و(شرح الشفا): 1/151, و(محاضرة الأوائل): 55, و(عيون المعجزات للشيخ حسين ابن عبد الوهاب معاصر المرتضى): 55, و (علي وليد الكعبة): 2.
(25) قطعتُ هذا النصّ من خطبة له تسمى (القاصعة), ذكرها الصدوق في (مَنْ لا يحضره الفقيه): 1/152, والبيهقي في (المحاسن والمساوئ):1/36 ـ 37, والشافعي في (أعلام النبوة): 88, والزمخشري في (ربيع الأبرار ـ مخطوط): 1/113, وابن طاووس في (اليقين في إمرة أمير المؤمنين):196.
(26) ينظر: علم اللغة لوافي: 151.
(27) ينظر: سيرة النبي لابن هشام:2/111, و(الطبقات لابن سعد):2/122.
(28) الروضة للكليني: 396, و(محاضرات الأدباء) للراغب: 1/89, و(ربيع الأبرار) ـ مخطوط ـ : 1/187, و(غرر الحكم): 82, و(الغرر والعرر للوطواط): 108.
(29) بلوغ الأرب: 3/180.
(30) سأبسط ا لقول في ذلك في المبحث الثالث من هذا الفصل إن شاء الله.
(31) ينظر: غريب الحديث: 3/434ـ 487.
(32) ينظر:المصدر نفسه : 2/88ـ 151.
(33) ينظر: البيان والتبيين: 1/ 170, 2/112 , 237... وغيرها, (تحقيق؛ فوزي عطوي).
(34) ينظر: عيون الأخبار: 2/10, 2/119, ... وغيرها.
(35) ينظر: الكامل: 1/121, 2/120, ... وغيرها.
(36) ينظر: الأمالي: 2/91, 2/117, ... وغيرها.
(37) ينظر: موقف النحاة من الأحتجاج بالحديث الشريف: 138ـ 187 .
(38) لقد أفرد اللغويّون باباً خاصاً لمّا شرحوا (النهج), سمّوه: (غريب كلامه المحتاج إلى تفسير), كما فعل القاضي القضاعي في (دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب):119ـ 128. ومحمد عبده في (نهج البلاغة): 4/411ـ 478, والدكتور صبحي الصالح في(نهج البلاغة): 516 ـ 520... وغيرها.
(39) لقد وقفت على ما يربي على مائة شرح وأوّلها (مخطوط) (أعلام نهج البلاغة) لعلي ابن ناصر, معاصر الرضي.
(40) ينظر: البرهان للزركشي: 1/482, 2/222..., و(البرهان للبحراني): 1/3... و(آلاء الرحمن في تفسير القرآن): 1/27, 2/89..., و(تفسير القرآن الحكيم) (تفسير المنار) لمحمد عبده: 1/88.
(41) ينظر: تاريخ الرسل والملوك للطبري: 2/347, و(تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر): 6/3, و...
(42) ينظر: المعاجم كلّها و(الاقتضاب في شرح أدب الكاتب): 315, 402, و(أساس البلاغة) (ج/ب/ر): 1/105, و(المثل السائر): 2/125و... .
(43) ينظر: الحديث الشريف في الدراسات اللغوية والنحوية:11, و(دراسات في العربية وتاريخها), (مبحث الاستشهاد بالحديث في اللغة): 166 ـ 177.
(44) الإيضاح في علوم البلاغة:1/ 79.
(45) المصدر نفسه:1/ 83.
(46) ينظر: البيان والتبيين: 1/87, و(مفتاح العلوم للسكاكي): 157, و(أصول البيان العربي): 28.
(47) الفاضل: 3.
(48) ينظر: شرح النهج لمحمد عبده:1/5.
(49) شرح النهج البلاغة لابن أبي الحديد, بتحقيق محمـد أبي الفضل إبراهيم ـ مقدمة الرضي: 1/45.
(50) ينظر: (رسائل البلغاء):12, و( أمراء البيان): 1/45, و(شرح نهج البلاغة): 1/45.
(51) شرح نهج البلاغة:1/24.
(52) ينظر: سفينة البحار (مادة خطب): 1/397.
(53) ينظر: أمراء البيان:1/27.
(54) الإحالة على ما بين دفتي (نهج البلاغة).
(55) نهج البلاغة: 1/24, وفي الشرح غير المحقق: م1 ج/8, نقل العبارة بتفاوت؛ قال معاوية؛ ويحك ... فو الله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره.
(56) المائة كلمة المختارة للجاحظ (مخطوط):2, و(مجمع الأمثال): 2/454, و(ربيع الأبرار): 1/763, و(مطالب السؤول): 203.
(57) المائة المختارة:2, و(الخصال): 1/46, و(الأمالي للصدوق):68, و(عيون أخبار الرضا): 2/54, و(الإرشاد): 158, و(الطراز): 1/167.
(58) تحف العقول: 149, و(الخصال): 2/156.
(59) ينظر: المائة المختارة:1ـ 4, و(شرح نهج البلاغة لابن ميثم): 4/511 ـ 582, و(نهج البلاغة لمحمد عبده): 2/201ـ411, و(نهج البلا غة د. صبحي الصالح): 469 ـ 560, و (روائع نهج البلاغــة) لجورج جــرداق : 320 ـ 400, و (نهج البلاغـة تح: د. صبري إبراهيم السيد): 257 ـ 394... وغيرها.
(60) نهج البلاغة لمحمد نائل المرصفي: 1/4.
(61) محاضرات الأدباء للراغب: 1/26.
(62) ينظر: رسالة التربيع والتدوير للجاحظ: 25, و(عيار الشعر): 8.
(63) البيان والتبيين: 1/83, 2/77, (تح؛ عبد السلام محمد هارون) و(عيون الأخبار): 2/120, و(الكامل للمبرد): 1/63, و(تاريخ اليعقوبي): 2/195, و(المحاسن والمساويء): 2/74, و(العقد الفريد): 2/209, 3/168, 4/193, و(الروضة): 128, و(تحف العقول): 138, و(إعجاز القرآن): 104, و(الأمالي للصدوق) (مجلس 68), و(من لا يحضره الفقيه): 4/378, و(الصناعتين):238, و(الإرشاد): 158, و(الإيجاز والإعجاز): 8, و(ربيع الأبرار): 3/192, و(مطالب السؤول): 183, وكل كتب نهج البلاغة وشروحها.
(64) البيان والتبيين: 1/83.
(65) ينظر: البيان والتبيين: 1/83, 2/77.
(66) ينظر: مطالب السؤول:1/ 183.
(67) ينظر: جامع بيان العلم وفضله: 1/119ـ 120.
(68) ينظر: مثالب الوزيرين: 150.
(69) المحاسن والمساوئ: 2/74.
(70) عيار الشعر ـ مقدمة التحقيق ـ : الصفحة (ج).
(71) ينظر: العقد الفريد: 2/209.
(72) ينظر: الصناعتين: 238ـ 239.
(73) شرح النهج: 18/230.
(74) ينظر: التفسير الكبير للرازي: 2/198.
(75) رسل الملوك: 32, و (سراج الملوك): 352, و( زهر الآداب): 1/254.
(76) وجدت هذا النص للجاحظ في عدّة شروح (لنهج البلاغة) وكتب أخرى, منها: (شرح النهج لعلي بن ناصر ـ معاصر الرضي ـ) ورقة: 77, و(الطراز): 1/67, و(جولات إسلامية لمحمد النواوي): 99 ـ100...وغيرها.
(77) ينظر: نهج البلاغة ـ مقدمة الشريف الرضي ـ : 33 ـ 36, و(الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية لأبي الثناء الآلوسي):133, و(شرح نهج البلاغة لمحمد عبده):1/5, و(نهج البلاغة, تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد): 23, و(عبقرية الشريف الرضي): 1/296, و(نظرات في القرآن): 154, و(عبقرية الإمام): 178, و(جولات إسلامية لمحمد النواوي): 99 ـ 104, ... وغيرها.
(78) ينظر: قضاء أمير المؤمنين, لمحمد تقي التستري (ت/1228هـ), بغداد, طبعة مصورة عن سنة 1308هـ.
(79) ينظر: أساس السياسة في تأسيس الرياسة, لمحمد الملقب بـ(سلطان المتكلمين) (ت/1335هـ), بيروت, 1411هـ.
(80) ينظر: الآراء الإجتماعية, لعبد الوهاب حمود, مجلة رسالة الإسلام, القاهرة, ع3, السنة (3), 252) 257.
(81) ينظر: دراسات في نهج البلاغة, لمحمد مهدي شمس الدين, النجف, 1376هـ.
(82) ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة, لحبيب الله الهاشمي: 1/10 , 16, إيران 1382هـ .
(83) ينظر: الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز, ليحيى حمزة اليمني (ت/749هـ), مصر, 1914م.
(84) ينظر: أنوار الفصاحة في شرح نهج البلاغة, لعلي بن الحسن الجيلاني, القاهرة (1313هـ).
(85) ينظر : الصاحبي : 68، و(العمدة) : 2/252.
(86) ينظر : معجم الشعراء : 507 ــ516، و(المثل السائر) : 1/175، و(فصول في فقه اللغة) : 230، و(علم اللغة لحجازي) : 251، و(دراسات في فقه اللغة) : 110.
(87) الحروف: 147.
(88) المصدر نفسه، والصفحة ذاتها.
(89) نص الحديث في (الفائق) : 1/141.
(90) للتعرّف على القبائل البدوية التي سكنت الكوفة ينظر : (تاريخ الكوفة) : 182و(خطط الكوفة وشرح خريطتها) : 11ـ 12.
(91) قطعت هذا النصّ من خطبة له وجدتها في : (تحف العقول) : 127، و(دستور معالم الحكم) : 153 ووجدت فقرات منها في (العقد الفريد): 4/159، و(الاحتجاج للطبرسي) :1/150، والخطبة كلّها في : (شرح النهج) : 1/116.
(92) قطعت هذا النصّ من خطبة له وجدتها في : (المسترشد) : 73، و(مطالب السؤول) : 1/207، و (شرح النهج) : 1/132.
(93) قطعت هذا النصّ من خطبة له, وجدت فقرات منها في: (مجمع الأمثال) : 1/369، و(المستقصي) 1/393، و(تذكرة الخواص) : 133، و(شرح النهج) : 1/162 و(الفرقة الناجية) : 187، و(المغني في أبواب التوحيد والعدل) : 14/ 127.
(94) ينظر : مختار الصحاح، و(لسان العرب المحيط)، (ن/س/ل) 657، 3/629.
(95) يس /51.
(96) ينظر: لسان العرب المحيط (ن/س/ل) 3/629.
(97) ينظر المزهر : 1/185.
(98) القاموس المحيط : (ج/د/ع) : 3/11.
(99) الفائق في غريب الحديث :1/207، و(النهاية في غريب الحديث) : 1/263، وغيرهما، وينظر : (طبقات النحويين): 40، و(أخبار النحويين البصريين): 81، و(أنباء الرواة): 2/375.
(100) ينظر: سر الفصاحة : 212 ـ 214، و(المثل السائر) : 1/152 ـ 164.
(101) ينظر: العين: 1/53 ,58.
(102) ينظر المثل السائر : 1/189 ـ190، و(تلخيص كتاب المفتاح للقزويني) : 616، و(جواهر البلاغة) : 8.
(103) الكلمة في بيت لقصيدة, لامرئ القيس:
(غَــدائِرُه مسنشزرات إلى العلا تظِلِ العِقاصَ في مُثنَّى ومُرسَلِ)
ينظر (شرح الديوان): 130 .
(104) قوله تعالى : ((عتل بعد ذلك زنيم))، القلم / 13.
(105) قوله تعالى : ((مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ))، النحل / 66.
(106) قوله تعالى : ((وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا))، الأنبياء / 21.
(107) الإيضاح : 74, وصدر البيت:
(مبارك الاسم أغرّ اللقب) ... ... ... ... ...
وينظر( شرح ديوان المتنبي) : 1/ 114، وكلمة (الجرشي) من قبيح ألفاظ المتنبي.
(108) ينظر : الإيضاح :74.
(109) قطعتُ هذا النصّ من الخطبة الشقشقية، رواها الصدوق في: (معاني الأخبار): 343 و(علل الشرائع): في باب العلة التي من أجلها ترك الإمام (ع) علي مجاهدة أهل الخلاف. ورواها المفيد في (الإرشاد): 135، والوزير أبو سعيد الآبي في كتابيه (نثر الدرر): 117، و(نزهة الأديب): 210، والشريف المرتضى في (الشافي): 212، و...
(110) قطعت هذا النصّ من خطبة له وجدتها في (المسترشد) : 73، و(الإمامة والسياسة) : 1/ 130، و(وقعة صفين): 315، و (شرح النهج): 7/71.
(111) المقتضب : 1/34, و (شرح النهج): 20/ 186.
(112) المجازات النبوية: 208, و سأشرحها مفصلا في الباب الرابع , الفصل الأول , في المبحث الثاني . إن شاء الله.
(113) دلائل الإعجاز: 257.
(114) دراسة لغوية: ق1/76.
(115) عيون الأخبار : 1/ 164 , 3/ 10، و فسّر ابن الأثير قسماً من كلماتها في (النهاية): 1/117، 3/59، 110، 4/59، 89 , و الخطبة كاملة في (شرح النهج): 6/280. وفي رواية: (أن يمنح القِرْم ....), ينظر: (نهج البلاغة, د. صبحي الصالح): 115.
(116) ينظر: إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: 74.
(117) البيان في إعجاز القرآن: 16.
(118) دراسة لغوية : ق1/77.
(119) قطعته من خطبة للإمام وجدتها في (الإرشاد) : 105، و(الأمالي للصدوق) : 1/22، و(العقد الفريد): 4/ 159، و فقرات منها في: (تفسير الفخر الرازي): 2/164. والخطبه كاملة في: (شرح النهج): 1/57.
(120) ينظر : تفسير غريب القرآن : 518، و(الإتقان في علوم القرآن): 1/196، و(تفسير غريب القرآن الكريم): 268، و(تهذيب السجستاني في غريب القرآن): 154، و(معجم غريب القرآن): 156.
(121) ينظر: تذكرة الكاتب : 87.
(122) المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي: 139 ـ140.
(123) المدخل إلى علم اللغة (حجازي ): 91.
(124) سنناقشها في الصفحة التالية إن شاء الله.
(125) الرسالة: 13.
(126) ينظر : طبقات فحول الشعراء : 1/55، وينظر أيضاً (الخصائص) : 1/47.
(127) ينظر ذلك في: (تهذيب سيرة ابن هشام ): 62، وينظر أيضاً (العثمانية ): 75.