كان عليهم سرمدا

من كلام له في وصف من فارقوا الدنيا :

لا يفزعهم ورود الأهوال و لا يحزنهم تنكّر الأحوال ، و لا يحفلون بالرواجف و لا يأذنون للقواصف ، غيّبا لا ينتظرون و شهودا لا يحضرون ،

و إنما كانوا جميعا فتشتّتوا ، و ما عن طول عهدهم و لا بعد محلّهم عميت أخبارهم و صمّت ديارهم [ 1 ] ، و لكنهم سقوا كأسا بدّلتهم بالنطق خرسا و بالسمع صمما و بالحركات سكونا .

جيران لا يتآنسون و أحبّاء لا يتزاورون ، بليت بينهم عرى التعارف و انقطعت منهم أسباب الإخاء ، فكلّهم وحيد و هم جميع ، و بجانب الهجر و هم أخلاّء ، لا يتعارفون لليل صباحا و لا لنهار مساء ، أيّ الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا [ 2 ] .

[ 1 ] صمّت : خرست عن الكلام . و خرس الديار : عدم صعود الصوت من سكانها .

[ 2 ] الجديدان : الليل و النهار ، فإن ذهبوا في نهار فلا يعرفون له ليلا ، أو في ليل فلا يعرفون له نهارا .

[ 189 ]