تقديم

الإمام عليّ بن أبي طالب ( ع ) هو إمام البلغاء و المتكلمين ، كما هو إمام المتّقين . . و آيته في ذلك « نهج البلاغة » الذي يمثّل ، في أسس البيان العربي ،

مكانة تلي مكانة القرآن الكريم . . . و تتصل به أساليب العرب ، في نحو ثلاثة عشر قرنا ، فتبني على بنائه ، و تقبس منه جذوتها ، و يحيا جيّدها في نطاق من بيانه السّاحر .

كان الإمام علي ( ع ) يرتجل كلماته ، يلقيها ، في مجالس القوم ،

خلاصات تأمّل ، و في محافلهم ، خطبا تجيش في داخل الذات ، فينطق بها اللّسان عفو الخاطر ، فتأتي محكمة « دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق » .

اختار الشريف الرضيّ أواخر القرن الرابع الهجري نماذج من خطبه و رسائله و كلماته القصار ، و جمعها في كتاب سمّاه « نهج البلاغة » . و الإسم يدلّ على أن هذه النّماذج المختارة تمثل نهجا في البيان و الأداء ، يوصل ، إن اتّخذ مثالا ، إلى البلاغة ، بوصفها كشفا عمّا في الذات و الواقع و إيصالا إلى المتلقي . و هذه هي غاية الأدب الخلاّق العظيم .

و منذ ذلك اليوم الذي جمع فيه الكتاب عكف العلماء و الأدباء على قراءته و شرحه ، فتعدّدت الشروح و تنوّعت ، و بلغ بعضها مجلّدات عديدة ،

يقتضي الاطلاع عليها وقتا و جهدا قد لا يملكهما المرء في هذا العصر . و من هنا جاءت الحاجة إلى كتاب ييسّر للإنسان العاديّ معرفة « النهج » ، من طريق اختيار نماذج منه و شرحها .

و قد سعى الأديب المعروف جورج جرداق إلى أداء هذه المهمة ،

فاشتغل سنوات طوالا ، ليسهّل الصعوبات أمام القارى‏ء ، فيجمع بين دفّتي كتاب روائع « نهج البلاغة » و يبوّبها وفق موضوعاتها من جهة ، و وفق زمن صدورها من جهة ثانية ، و يشرح الغريب و الصعب من مفرداتها .

[ 6 ]

ثم زاد على ذلك ، فقدّم بين يدي الروائع التي اختارها و رتّبها و شرحها ،

دراسة جديدة في نوعها عن الشخصية العلوية من خلال نهج البلاغة ، أضافها إلى سلسلة دراساته الخمس الشهيرة ( الإمام علي صوت العدالة و الإنسانية ) .

يلبّي هذا الكتاب حاجة للقارى‏ء العاديّ و لطلاب المدارس و الجامعات ،

و للقارى‏ء المختصّ ، أيضا ، في هذا الزمن الذي لا يجد فيه المرء فرصة للقراءة ،

وسط المشاغل العديدة ، و طغيان وسائل الاعلام المسموعة و المرئيّة .

و يسرّ مركز الغدير للدرسات أن يقدّم هذا الكتاب في حلته الجديدة هذه بعد نفاد طبعته ، راجيا أن تتحقق به الفائدة التي توخّاها .

مركز الغدير للدرسات الإسلامية

[ 7 ]