يا اشباه الرّجال

من خطبة له بعد أن غزا سفيان بن عوف من بني غامد ، بلدة الأنبار على الشاطى‏ء الشرقي للفرات . و قد بعثه معاوية لشنّ الغارات على أطراف العراق تهويلا على أهله .

[ 1 ] قبلك : عندك .

[ 2 ] يتسللون : يذهبون واحدا بعد واحد . غيا : ضلالا . يقول : فرارهم كاف في الدلالة على ضلالهم . و الضلال داء شديد في بنية الجماعة ، و قد كان فرار هؤلاء الضالين شفاء للجماعة من هذا الداء .

[ 3 ] الأثرة : اختصاص النفس بالمنفعة و تفضيلها على غيرها بالفائدة

[ 4 ] السحق ، بضم السين : البعد البعيد .

[ 121 ]

و هذا أخو غامد و قد وردت خيله الأنبار و قد قتل حسّان بن حسان البكري و أزال خيلكم عن مسالحها [ 1 ] . و قتل منكم رجالا صالحين .

و لقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة ، و الأخرى المعاهدة [ 2 ] فينتزع حجلها [ 3 ] و قلبها [ 4 ] و قلائدها و رعاثها [ 5 ] ما تمنع منه إلا بالاسترجاع [ 6 ] و الاسترحام ثم انصرفوا وافرين [ 7 ] ما نال رجلا منهم كلم و لا أريق لهم دم . فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به جديرا . فيا عجبا ، و اللّه ، يميت القلب و يجلب الهمّ اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم و تفرّقكم عن حقكم ، فقبحا لكم و ترحا [ 8 ] حين صرتم غرضا يرمى : يغار عليكم و لا تغيرون ،

و تغزون و لا تغزون ، و يعصى اللّه و ترضون فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الصيف قلتم : هذه حمارّة القيظ [ 9 ] أمهلنا يسبّخ عنّا الحرّ ( 10 ) و إذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم : هذه صبارّة القرّ ( 11 ) أمهلنا

[ 1 ] جمع مسلحة ، و هي : الثغر و المرقب حيث يخشى طروق الأعداء .

[ 2 ] المعاهدة : الذمية ، أي الداخلة في ذمة المسلمين و في حمايتهم . و أهل الذمة هم أهل الكتاب من غير المسلمين .

[ 3 ] الحجل : الخلخال .

[ 4 ] القلب ، بالضم ، كقفل : السوار .

5 ] الرعاث جمع رعثة : القرط .

[ 6 ] الاسترجاع : ترديد الصوت بالبكاء .

[ 7 ] وافرين : تامين على كثرتهم لم ينقص عددهم .

[ 8 ] ترحا : هما و حزنا .

[ 9 ] حمارّة القيظ ، بتشديد الراء : شدة الحر .

[ 10 ] يسبخ : يخفف و يسكّن .

[ 11 ] صبارّة الشتاء ، بتشديد الراء : شدة برده . و القر : البرد ، و في كتب فقه اللغة ان « القر » هو برد الشتاء خاصة ، أما « البرد » فعامّ فيه و في بقية الفصول .

[ 122 ]

ينسلخ عنّا البرد كلّ هذا فرارا من الحرّ و القرّ ، فأنتم و اللّه من السيف أفرّ ، يا أشباه الرجال و لا رجال حلوم الأطفال ، و عقول ربّات الحجال [ 1 ] لوددت أني لم أركم و لم أعرفكم معرفة و اللّه جرّت ندما و أعقبت سدما [ 2 ] قاتلكم اللّه لقد شحنتم صدري غيظا و أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان و الخذلان ، حتى قالت قريش : إن ابن أبي طالب رجل شجاع و لكن لا علم له بالحرب للّه أبوهم و هل أحد منهم أشدّ لها مراسا و أقدم فيها مقاما مني ؟ لقد نهضت فيها و ما بلغت العشرين ، و ها أنا ذا قد ذرّفت على الستين [ 3 ] ،

و لكن لا رأي لمن لا يطاع