القاضى الجاهل

من كلام له في صفة من يتصدّى للحكم بين الناس و هو ليس أهلا لذلك .

حتى إذا ارتوى من آجن و اكتنز من غير طائل [ 1 ] جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره » [ 2 ] . فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشوا رثّا من رأيه ، ثم قطع به [ 3 ] ، فهو من لبس الشّبهات في مثل نسج العنكبوت ، لا يدري أصاب أم أخطأ ، فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ . و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب [ 4 ] .

جاهل خبّاط جهالات [ 5 ] ، يذرو الروايات كما تذرو الريح الهشيم [ 6 ] .

[ 1 ] الماء الآجن : الفاسد المتغير الطعم و اللون . شبّه الإمام مجهولات القاضي التي يظنها معلومات ، بالماء الآجن . اكتنز : جمع ما عده كنزا . غير طائل : دون و خسيس .

[ 2 ] التخليص : التبيين . التبس على غيره : اشتبه عليه .

[ 3 ] المبهمات : المشكلات . الحشو : الزائد الذي لا فائدة فيه . الرث : الخلق البالي .

[ 4 ] الجاهل بالشي‏ء : من ليس على بيّنة منه ، فإذا أثبته عرضت له الشبهة في نفيه ،

و إذا نفاه عرضت له الشبهة في إثباته . فهو في ضعف حكمه في مثل نسج العنكبوت ضعفا ، و لا بصيرة له في وجوه الخطأ و الإصابة . و قد جاء الإمام في تمثيل حاله بأبلغ ما يكون من التعبير عنه ، كما يقول ابن أبي الحديد .

[ 5 ] خبّاط : صيغة مبالغة من خبط الليل ، إذا سار فيه على غير هدى . و قد شبه الامام الجهالات بالظلمات التي يخبط فيها السائر .

[ 6 ] الهشيم : ما يبس من النبت و تفتّت . تذرو الريح الهشيم : تطيره فتفرقه و تمزقه .

[ 174 ]

لا يحسب العلم في شي‏ء مما أنكره ، و لا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهبا لغيره ، و إن أظلم أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه [ 1 ] تصرخ من جور قضائه الدماء و تعجّ منه المواريث [ 2 ] . الى اللّه أشكو من معشر يعيشون جهّالا و يموتون ضلاّلا ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته ، و لا سلعة أنفق بيعا و لا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه [ 3 ] ، و لا عندهم أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر .