خلقة الطّاووسمن خطبة له يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس : و من أعجبها خلقا الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل ، و نضّد ألوانه في أحسن تنضيد ، بجناح أشرج قصبه [ 3 ] و ذنب أطال مسحبه ،
[ 1 ] شظايا ، جمع شظية ، و هي : الفلقة من الشيء ، أي : كأنها مؤلفة من شقق الآذان . [ 2 ] رسوما ظاهرة . [ 3 ] أشرج قصبه : داخل بين آحاده و نظمها على اختلافها في الطول و القصر . [ 199 ] إذا درج إلى الأنثى نشره من طيّه و سما به مظلاّ على رأسه كأنه قلع داريّ عنجه نوتيّه [ 1 ] يختال بألوانه و يميس بزيفانه [ 2 ] . تخال قصبه مداري من فضّة [ 3 ] و ما أنبت عليه من عجيب داراته [ 4 ] و شموسه خالص العقيان [ 5 ] و فلذ الزّبرجد . فإن شبّهته بما أنبتت الأرض قلت : جنى جني من زهرة كل ربيع و إن ضاهيته بالملابس فهو كموشّى الحلل و إن شاكلته بالحليّ فهو كفصوص ذات ألوان نطّقت باللجين المكلّل [ 6 ] ، يمشي مشي المرح المختال ، و يتصفّح ذنبه و جناحيه فيقهقه ضاحكا لجمال سرباله و أصابيغ وشاحه فإذا رمى ببصره إلى قوائمه زقا [ 7 ] معولا يكاد يبين عن استغاثته ، و يشهد بصادق توجّعه ، لأن قوائمه حمش كقوائم الدّيكة الخلاسيّة [ 8 ] .
[ 1 ] القلع : شراع السفينة . عنجه : جذبه فرفعه . النوتي : الملاّح . [ 2 ] الزيفان : التبختر ، و يريد به حركة ذنب الطاووس يمينا و شمالا . [ 3 ] القصب : الريش . المداري ، جمع مدرى . و المدرى و المدراة : أداة ذات أسنان كأسنان المشط . [ 4 ] الدارات جمع دارة ، و هي بالنسبة للشمس كالهالة بالنسبة للقمر . [ 5 ] العقيان : الذهب الخالص . [ 6 ] اللجين : الفضة . المكلل : المزين بالجواهر . [ 7 ] زقا يزقو : صاح . [ 8 ] حمش ، جمع أحمش ، أي : دقيق . و الديك الخلاسي : الديك المتولد بين دجاجة و ديك من لونين مختلفين . [ 200 ] و له في موضع العرف قنزعة خضراء موشّاة . و مخرج عنقه كالإبريق و مغرزها إلى حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية [ 1 ] أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال [ 2 ] . و كأنه ملفّع بمعجر أسحم إلاّ أنه يخيّل لكثرة مائه و شدّة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به . و مع فتق سمعه خطّ كمستدقّ القلم في لون الأقحوان أبيض يقق ، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق . و قلّ صبغ إلاّ و قد أخذ منه بقسط و علاه بكثرة صقاله و بريقه و بصيص ديباجه و رونقه [ 3 ] ، فهو كالأزاهير المبثوثة لم تربّها أمطار ربيع و لا شموس قيظ . و قد ينحسر من ريشه و يعرى من لباسه فيسقط تترى ، و ينبت تباعا ، فينحتّ من قصبه انحتات أوراق الأغصان [ 4 ] . ثم يتلاحق ناميا حتى يعود كهيئته قبل سقوطه : لا يخالف سالف ألوانه و لا يقع لون في غير مكانه . و إذا تصفّحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية ،
[ 1 ] مغرزها : الموضع الذي غرز فيه العنق منتهيا الى مكان البطن . الوسمة : نبات يخضّب به . [ 2 ] الصقال : الجلاء . [ 3 ] علاه : فاقه . البصيص : اللمعان . [ 4 ] ينحسر من ريشه : يتكشف منه و يعرى . تترى : شيئا بعد شيء . ينحتّ : يسقط و ينقشر . انحتات الأوراق : تناثر الأوراق . [ 201 ] و تارة خضرة زبرجديّة ، و أحيانا صفرة عسجدية [ 1 ] ، فكيف تصل إلى صفة هذا عمائق الفطن أو تبلغه قرائح العقول [ 2 ] أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين و أقلّ أجزائه قد أعجز الأوهام أن تدركه و الألسنة أن تصفه |