انت و اخوك الانسانمن وصية له كتبها لابنه الحسن من صفين : يا بنيّ ، اجعل نفسك ميزانا فيما بينك و بين غيرك ، فأحبب لغيرك [ 1 ] الجنة : الوقاية . [ 2 ] الكيس : العقل . [ 3 ] الحوّل القلّب : البصير بتحويل الأمور و تقليبها . [ 4 ] يقول : أهل هذا الزمان يعدّون الغدر من العقل و حسن الحيلة . و لكن ما لهم يزعمون ذلك مع أن البصير بتحويل الأمور و تقليبها قد يرى وجه الحيلة في بلوغ مراده ، لكنه يجد دون الأخذ به مانعا من أمر اللّه و نهيه ، فيدع الحيلة و هو قادر عليها ، خوفا من اللّه و وقوفا عند حدوده [ 138 ] ما تحب لنفسك ، و اكره له ما تكره لها ، و لا تظلم كما لا تحب أن تظلم ، و أحسن كما تحب أن يحسن إليك ، و استقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك ، و ارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ، و لا تقل ما لا تعلم و إن قلّ ما تعلم ، و لا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك . يا بني ، إياك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدنيا اليها و تكالبهم عليها [ 1 ] فقد نبّأ اللّه عنها و نعت لك نفسها و تكشّفت لك عن مساويها ، فإنما أهلها كلاب عاوية و سباع ضارية يهرّ بعضهم بعضا و يأكل عزيزها ذليلها و يقهر كبيرها صغيرها . و اعلم أنّ من كانت مطيّته الليل و النهار فإنه يسار به و إن كان واقفا ، و يقطع المسافة و إن كان مقيما وادعا [ 2 ] . أكرم نفسك عن كلّ دنيّة و إن ساقتك الى الرغائب ، فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا . و لا تكن عبد غيرك و قد جعلك اللّه حرا ، و ما خير خير لا ينال إلاّ بشرّ [ 3 ] و يسر لا ينال إلاّ بعسر قارن أهل الخير تكن منهم ، و باين أهل الشرّ تبن عنهم . بئس الطعام الحرام ، و ظلم الضعيف أفحش الظلم . إحمل نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة [ 4 ] ، و عند صدوده [ 1 ] إخلاد اهل الدنيا اليها : سكونهم اليها . التكالب : التواثب . [ 2 ] وادعا : ساكنا مستريحا . [ 3 ] يريد : أي خير في شيء سماه الناس خيرا و هو مما لا يناله الانسان إلا بالشر ، فإن كان طريقه شرا فكيف يكون هو خيرا ؟ [ 4 ] الصرم : القطيعة ، أي : ألزم نفسك بصلة أخيك الانسان إذا قطعك . [ 139 ] على اللطف و المقاربة ، و عند جموده على البذل [ 1 ] ، و عند تباعده على الدنوّ ، و عند شدّته على اللين ، و عند جرمه على العذر ، حتى كأنه ذو نعمة عليك . و لن لمن غالظك [ 2 ] فإنه يوشك أن يلين لك ، و خذ على عدوّك بالفضل . و إن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّة يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما [ 3 ] . و من ظنّ بك خيرا فصدّق ظنه . و لا تضيعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك و بينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقّه . و لا يكوننّ أخوك على مقاطعتك أقوى منك على صلته [ 4 ] و لا يكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان ، و ليس جزاء من سرّك أن تسوءه . ما أقبح الخضوع عند الحاجة و الجفاء عند الغنى . و إن جزعت على ما تفلّت من يديك ، فاجزع على كل ما لم يصل إليك . استدلّ على ما لم يكن بما كان ، فإن الأمور الأشباه . و لا تكوننّ ممن لا تنفعه العظة إلاّ إذا بالغت في إيلامه .
[ 1 ] الجمود : البخل . [ 2 ] لن : أمر من « لان » . [ 3 ] اي : استبق بقية من الصلة يسهل له معها الرجوع اليك إذا هو شاء ذلك . [ 4 ] أي : اذا أتى اخوك الانسان بأسباب القطيعة فقابلها بموجبات الصلة حتى تكون الغلبة للمودّة . و لا يصح أن يكون أخوك أقدر على ما يوجب القطيعة منك على ما يوجب الصلة . و هذا أبلغ قول في لزوم حفظ المودة بين الناس . [ 140 ] من ترك القصد جار [ 1 ] . و الصديق من صدق غيبه [ 2 ] . ربّ قريب أبعد من بعيد ، و ربّ بعيد أقرب من قريب ، و الغريب من لم يكن له حبيب . سل عن الرفيق قبل الطريق ، و عن الجار قبل الدار . إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان |