الوالى و الرّشوة

من كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ، و هو عامله على البصرة ،

و قد بلغه أنه دعي الى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها :

أمّا بعد يا ابن حنيف ، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة

[ 1 ] الأزلّ : السريع الجري . الكسيرة : المكسورة .

[ 2 ] التأثم : التحرّز من الإثم ، و هو الذنب .

[ 3 ] اي : لأعاقبنّك عقابا يكون لي عذرا عند اللّه من فعلتك هذه .

[ 4 ] الهوادة : الصلح ، أو الاختصاص بالميل .

[ 168 ]

دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان و تنقل إليك الجفان [ 1 ] ،

و ما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ [ 2 ] و غنيّهم مدعوّ .

ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه [ 3 ] ، و من طعمه بقرصيه ألا و إنكم لا تقدرون على ذلك ، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد ، و عفّة و سداد . فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا ، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا ، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا ، و لا حزت من أرضها شبرا . و لو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القزّ ، و لكن هيهات أن يغلبني هواي ، و يقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص [ 4 ] و لا عهد له بالشّبع أ و أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى و أكباد حرّى [ 5 ] ؟ أ و أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدهر ؟ و كأني بقائلكم يقول : « إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران و منازلة الشجعان ؟ » أ لا و إنّ الشجرة البرّية أصلب عودا ، و الروائع الخضرة أرقّ جلودا ،

و النباتات البدوية أقوى وقودا و أبطأ خمودا و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها

[ 1 ] تستطاب : يطلب لك طيّبها . الألوان : أصناف الطعام . الجفان ، جمع جفنة ،

و هي : القصعة .

[ 2 ] عائلهم : فقيرهم و محتاجهم . مجفو : مطرود من الجفاء .

[ 3 ] الطمر : الثوب الخلق .

[ 4 ] القرص : الرغيف .

[ 5 ] غرثى : جائعة . حرّى : عطشى .

[ 169 ]