خلقة النّملةمن خطبة له في وصف خلقة النملة : أنظروا الى النملة في صغر جثتها و لطافة هيئتها ، لا تكاد تنال بلحاظ البصر و لا بمستدقّ الفكر ، كيف دبّت على أرضها و صبت على رزقها تنقل الحبّة الى جحرها و تعدّها في مستقرّها . تجمع في حرّها لبردها و في ورودها لصدرها ، مكفولة برزقها مرزوقة بوفقها [ 3 ] لا يغفلها المنّان و لا يحرمها الديّان و لو في الصّفا اليابس و الحجر الجامس [ 4 ] . و لو فكّرت في مجاري أكلها ، في علوها و سفلها ، و ما في الجوف من شراسيف بطنها [ 5 ] و ما في الرأس من عينها و أذنها ، لقضيت من خلقها عجبا و لقيت [ 1 ] ذهبية . [ 2 ] عمائق ، جمع عميقة . القرائح جمع قريحة و هي : الخاطر و الذهن . [ 3 ] الصدر : الرجوع بعد الورود . بوفقها : بما يوافقها من الرزق و يلائم طبعها ، أو بما هو قدر كفايتها منه . [ 4 ] الجامس : الجامد . [ 5 ] الشراسيف : مقاطع الأضلاع . [ 202 ] في وصفها تعبا فتعالى الذي أقامها على قوائمها و بناها على دعائمها لم يشركه في فطرتها فاطر و لم يعنه في خلقها قادر . و لو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلّتك الدلالة إلاّ على أن فاطر النملة هو فاطر النخلة ، لدقيق تفصيل كلّ شيء [ 1 ] و غامض اختلاف كل حي و ما الجليل و اللطيف ، و الثقيل و الخفيف ، و القوي و الضعيف ، في خلقه إلاّ سواء |