تنويراً للقاريء الكريم في مطالعة هذا الكتاب: نلفت الانتباه لما يلي:
1 ـ نهج البلاغة! (أخو القرآن) يتألف نهج البلاغة من ثلاثة أبواب: 1 ـ الخطب. 2 ـ الرسائل. 3 ـ قصار الجمل. وقد ذكرت لنهج البلاغة أوصاف وتعابير متنوعة منها: نهج البلاغة: بحر من المعارف ليس له ضفاف. نهج البلاغة: ألبوم يحتوي على صور السعادة والشفاء والطرق والمتاهات. نهج البلاغة: كتاب ثوري للتحرر من الاستكبار والاستعمار في كلّ الأزمنة. نهج البلاغة: كتاب للتربية والتكامل. نهج البلاغة: كتاب سياسي واجتماعي لجميع الأزمنة والأمكنة، كأ نّه كتب لليوم والغد وما بعدهما، وهو يتجدد مع مرور الأيام ولا يبلى أبداً. نهج البلاغة: كتاب الجميع، خاصة الشباب، فهم بطبعهم ثوريون مجدّدون، وهذا الكتاب قادر على اشباع هذا الشعور لدى هذا الجيل. نهج البلاغة: كتاب سياسي، عقائدي، تاريخي، أخلاقي، علمي، اجتماعي، اقتصادي، يشتمل على مباديء أصناف العلوم والرؤى الإنسانية السليمة وعلى القائلين بفصل الدين عن السياسة. مطالعة نهج البلاغة لكي تبدّد الشبهة عندهم. ولكن يلزم القول، ان أيّاً من هذه التعاريف والأوصاف، يفتقر إلى الوضوح والشمولية، والحريّ بنا تعريف نهج البلاغة بأ نّه (أخو القرآن) ولا يوجد في الإسلام كتاب بعد القرآن يصل لمستوى عظمة نهج البلاغة فهو نموذج أدبي للأباء، وسياسي لرجال السياسة، وأخلاقي لأساتذة الأخلاق، وعقائدي وفلسفي وعرفاني للمحققين والعارفين والأتقياء، واجتماعي وديني لأهل السوق والمحلّة... فكأن هذا الكتاب لب القرآن وبطنه، وكأن وحي السماء جبريل الأمين أجرى كلمات نهج البلاغة كلمة كلمة على لسان أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام)، ذلك ان هذه الكلمات صدرت عن مخزن علم النبوة ومثال الإنسانية وربيب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، الإمام عليّ(عليه السلام). نهج البلاغة: يعدّ أكبر مصدر معرفي، بعد القرآن، وهو ينطوي على مباديء علم التربية الإنسانية. نهج البلاغة: مرآة القرآن، كأ نّه مقتبس عنه... وما أحرى أن نقول أ نّه (أخو القرآن)، كونه يصدر عن لسان أميرالمؤمنين(عليه السلام) ذلك الوجود المقدس الّذي يقول في أحد خطبه: «ينحدر عني السيل ولا يرقى إليَّ الطير...»(1). العلاّمة القدير ابن أبي الحديد من كبار علماء السنّة (المعتزلة) يصف بهذه العبارة شرحه الكبير (وهو من أفضل شروح نهج البلاغة بعشرين مجلداً) وهو يعني بذلك أن شرحه رغم كونه هادراً وقوياً كالسيل ولكنه يغور في هذه الصحراء الواسعة ولا يحيط بها. وروي عن عليّ(عليه السلام) أ نّه قيل له: «هل عندكم شيء من الوحي؟ قال: لا، والّذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلاّ أن يعطي الله عبداً فهماً في كتابه». وقد علّق العلاّمة الطباطبائي على هذا الحديث بالقول: أقول: وهو من غرر الأحاديث، وأقل ما يدلّ عليه أن ما نقل من أعاجيب المعارف الصادرة عن مقامه العلمي الّذي يدهش العقول مأخوذ من القرآن الكريم(2).
2 ـ مؤلف نهج البلاغة الشريف الرضي هو الّذي جمع كلام أميرالمؤمنين(عليه السلام) وصنّفه في كتاب (نهج البلاغة)، وهو من أكابر علماء القرن الرابع الهجري وعباقرة الشيعة، سطح نجمة في سماء التاريخ الإسلامي، هو وأخوه السيد المرتضى (علم الهدى). نسبه الكامل: محمّد بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر(عليه السلام) المعروف بـ «الشريف الرضي» الحفيد التاسع للإمام السابع موسى بن جعفر(عليه السلام). ولد في بغداد عام 359 هـ ق، وتوفي في السادس من محرم عام 406 هـ ق عن عمر يناهز السابعة والأربعين في بغداد نفسها، ودفن في الكاظمية بجوار ضريح الإمام الكاظم(عليه السلام)، على نحو الأمانة، ثمّ نقل جثمانه الشريف بناءً على وصية منه إلى كربلاء ووري الثرى هناك(3).
3 ـ كتاب نهج البلاغة! كما أشرنا آنفاً فإنّ كتاب نهج البلاغة يعدّ كتاب عمل وعقيدة، ومن الواضح ان التعرف على هذا الكتاب مقدمة للعقيدة والعمل. وأفضل وأتمّ طريق لفهم نهج البلاغة هو تحليله وشرحه ودراسته موضوعياً، وفي هذا الاتجاه ثمة خطوات جبارة فيما مضى من قبل العلماء الأجلّة، وألفت كتب عديدة في هذا السياق من قبيل: الخوارج في نهج البلاغة، بيت المال في نهج البلاغة، أبيات نهج البلاغة، علاقة القرآن بنهج البلاغة، المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، أعلام نهج البلاغة، الحكمة النظرية والعملية في نهج البلاغة، الشهادة في نهج البلاغة ونحو ذلك. وكاتب هذه السطور، قام بدوره، وعلى قدر استعداده بتفكيك وتحليل ثلاثة مواضيع في نهج البلاغة: 1 ـ آيات القرآن في نهج البلاغة. 2 ـ حديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في نهج البلاغة. (وقد طبع هذان الكتابان من قبل دار النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة). 3 ـ أوصاف القرآن في نهج البلاغة (نشرته احدى كبريات الصحف واسعة الانتشار). والآن وفي السياق ذاته، أتقدم بالكتاب الحالي بعنوان (قصص نهج البلاغة) ويشتمل على (140) قصة، على أمل أن يكون الكتاب خطوة اُخرى في طريق فهم كتاب نهج البلاغة، في ضوء القناعة بأن القصة الجيدة بمثابة مرآة تُري الأشياء الحسنة والسيئة، وتنقل التجارب والخبرات المتراكمة انسانياً في مختلف المجالات وتؤثر على عوامل الظفر والانهزام.
4 ـ طريقتنا في الكتاب يدور محور الحديث في هذا الكتاب ببيان جزل وسلس ومفهوم، ولما كان نهج البلاغة مشتملا على مطالب وقعت في الغالب زمان خلافة أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام)، فمن الطبيعي أن تلاحق موضوعات نهج البلاغة حوادث ذات بعد سياسي واجتماعي، مع وجود بعض القصص الّتي تعالج قضايا اقتصادية وأخلاقية ودينية، وتقدم دروساً وعبراً مفيدة في هذه المجالات أيضاً. وايضاحاً للمنهج الّذي اعتمدته في استلال القصة من نهج البلاغة، اشير إلى النقاط الخمس التالية: 1 ـ كان معيارنا في تحديد القصة من غيرها مشابهة المطلب للقصة بدرجة 50% وأكثر، وقد اقتبسنا هذه القصص من تضاعيف وثنايا نهج البلاغة أينما تحقق هذا الشرط والمعيار، ولهذا أعرضنا عن ذكر المطالب الّتي وردت فيها إشارة عابرة إلى قصة ما، ولم ندرج هذه المطالب في كتابنا. 2 ـ ربما وجدت القصة الواحدة في خطبتين من النهج أو رسالتين أو خطبة ورسالة أو أكثر من ذلك، وفي حالات كهذه كنّا نقتبس القصة من هذه الموارد المتعددة مع الإشارة إلى المصدر، وقد نستعين أحياناً بتفاصيل من خارج نهج البلاغة لتكميل القصة. 3 ـ نتعرض عموماً لذكر اللوازم الطبيعية للقصة وذلك لتبيين مجرى الحوادث بشكل طبيعي وفي هذا الصدد تمت الاستعانة بكتب التواريخ وشروح لنهج البلاغة، مع الاحتفاظ بمحورية نهج البلاغة، وكون القصة بمجموعها تصبّ في مصب الهدف العام للنهج. 4 ـ سُعي ـ قدر الإمكان ـ لسرد القصص على نحو انسيابي وتفادينا ايراد الزوائد والكلمات المبهمة، لكي يسهل فهمها على عموم القراء الكرام. 5 ـ رتّبت القصص على الترتيب الّذي جاءت عليه في نسخة الدكتور صبحي الصالح، وقد روعي هذا الترتيب من بداية الكتاب إلى نهايته، ماعدا في موارد محدودة بسبب الحاجة إلى تكميل القصة من أكثر من موضع. وفي الختام، لا يخفى على أحد دور وتأثير القصة الجيدة في تطهير وتنمية الفرد والمجتمع سياسياً واجتماعياً، خاصة القصة المرتبطة بمتن في نهج البلاغة، يقول الإمام عليّ(عليه السلام) في أحد أقواله: «عباد الله! ان الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضيين»(4). على أمل أن نتلمَس طريق السعادة في مرايا قصص نهج البلاغة وحكايات هذا الكتاب الخالد، ولن ننمّي أرصدتنا وذخائرنا المعنوية بالاستنارة بوصايا الإمام عليّ(عليه السلام) وتوجيهاته الكريمة... إن شاء الله. الحوزة العلمية في قم المقدّسة محمّد محمّدي اشتهاردي |
(1) نهج البلاغة: الخطبة 3. (2) الميزان: 3/73. (3) تفصيل حياة هذا الأديب الجليل في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: 1/31 ـ 41. (4) نهج البلاغة: خ 157. |