قبسات‏ من‏ نهج البلاغة

الدرس السابع‏: القيم الأخلاقية

 

يقول الإمام علي عليه السلام:

"فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور" (1).


 

تعريف الأخلاق وضرورة القيم الأخلاقية

قبل معرفة القيم الأخلاقية، ينبغي معرفة ماذا نعني بالأخلاق؟

الأخلاق هي الصفات النفسية التي نحدد على ضوئها كيف ينبغي أن نكون، وكيف نتصرف ونتعامل في حياتنا الاجتماعية، وكيف يتصرف بعضنا مع البعض الآخر.

فالإنسان الفرد لا يعيش وحده في هذه الحياة، فهو بطبيعته اجتماعي يعيش ضمن مجتمع يحتك فيه بالآخرين، والقيم الأخلاقية بالإضافة على كونها كمالاً على المستوى الشخصي، لا بد منها أيضاً لكمال المجتمع وتحسين العلاقة بين الافراد، ومن هنا فلا بد من تحديد هذه القيم على ضوء العقل والشرع ثم الالتزام بها وتطبيقها على المستوى العملي.

وإذا ما التزمنا بالقيم كانت السعادة الفردية والاجتماعية، في الدنيا والآخرة.

وليصل الإنسان إلى السعادة لا بد أن يلتزم بمجموع القيم، لأنها نظام متكامل يكمل بعضه بعضاً.

يقول تعالى:

"أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (2).

وسنشير فيما يلي إلى بعض القيم الأخلاقية على ضوء كلام أمير القيم والأخلاق سلام اللَّه عليه:

 

التقوى والورع

قال الإمام علي عليه السلام:

"التقى رئيس الأخلاق" (1).

وأكَّد ذلك بقوله عليه السلام:

"أوصيكم بتقوى اللَّه الذي ابتدأ خلقكم" (2).

 

الحلم والعقل والتعقل

قال عليه السلام:

"الحِلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك" (3).

 

الصبر والثبات وضبط النفس

أي تقوية القدرة على تحمل المشاكل والبلاءات، قال الإمام علي عليه السلام:

"وعليكم بالصبر، فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه" (4).

 

رزانة الشخصية

يقول عليه السلام:

"من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته".

فعلى الإنسان أن يكرم نفسه عن الانزلاق في المفاسد المنبثقة عن جماح الشهوات، وإلا تردّى ولم يحترم من أبناء مجتمعه ومحيطه، وإذا كان كذلك لم يسمع له رأي ولا يعرف له قول فعندها يكون باطن الأرض خير له من ظاهرها.

 

التواضع

وهو من القيم الأخلاقية المهمة التي يتمكن من خلالها التغلغل إلى القلوب، حتى قلوب الأعداء، وذلك مما يكشف عن طيب السريرة وطراوة النفس وحسن العشرة وإدامة الشكر للَّه تعالى على نعمه.

يقول عليه السلام:

وبالتواضع تتم النعمة" (1).

ويقول عليه السلام:

".. واعلم أن الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب" (2).

فالذي يقدّر نفسه تقديراً مبالغاً فيه، بحيث لا يرى إلا نفسه، فهو العالم وغيره الجاهل، وهو صاحب الرأي الحصيف وغيره لا رأي له، مثل هذا الشخص ستنفر عنه الناس وسيرى  نفسه أنه يعيش لوحده في هذا العالم أو أنه الوحيد الذي يستحق العيش.

يقول عليه السلام:

".. ولا وحدة أوحش من العجب" (3).

ويشير إلى خطر التكبر:

"فاللَّه اللَّه... وسوء عاقبة الكبر" (4).

وذلك لما في الكبر من المنافاة مع ذل العبودية والخضوع للَّه (عزَّ وجلّ‏َ) وكذلك للشعور بالاستقلالية وميول  النفس إلى الأنانية.

احترام آراء الآخرين ومشاورتهم:

من سبل اكتساب المعارف والنفوذ إلى القلوب، احترام أفكار الآخرين وآرائهم، والامتناع من أي شكل من أشكال الغرور والأنانية.

يقول الإمام عليه السلام:

"ولا مظاهرة أوثق من المشاورة" (5).

وفي كلام تحذيري له:

"من استبد برأيه هلك" (6).

 

حفظ كرامة الآخرين

ينبغي لنا أن نلتزم مبدأ "كتم السر" عند مواجهة زلاّت الآخرين وأخطائهم، وينبغي الحفاظ على سمعتهم وكرامتهم، فنحفظهم في غيبتهم كما نحفظهم في حضورهم وننتصر لهم عند تعرضهم إلى ما يفضحهم ويحقرهم أمام الآخرين.

يقول الإمام عليه السلام:

"... فاستر العورة ما استطعت، يستر اللَّه منك ما تحب" (1).

ونحن الذين قد نكون في أية لحظة عرضة للخطأ والزلل، أو يصدر منا سلوك أو فعل سي‏ء، علينا أن لا نعيب غيرنا، وخاصة إذا كان نفس العيب فينا.

يقول الإمام عليه السلام:

"أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله" (2).

 

الكلام الطيِّب

يرغب الجميع أن لا يسمعوا من أحد كلاماً خبيثاً مرّاً، وأن لا يكونوا عرضة للسعات ألسن الآخرين. فهل عوّدنا ألسنتنا على التفوه بالكلام الحسن؟ وعلى أن لا نجرح مشاعر الآخرين؟ إذا كنا نؤمن جميعاً بأدب الحديث فإلى أي مدى رعينا هذه القيمة الأخلاقية؟

يقول عليه السلام:

"المتقي بعيداً فحشه، ليناً قوله" (3).

وحين سمع من أنصاره من يسبون أعداءهم (جيش معاوية الباغي) نصحهم بمراعاة الأدب في الحديث حتى مع الأعداء، إذ قال عليه السلام:

"إني أكره لكم أن تكونوا سبَّابين" (4).

بل الإسلام دائماً ينصحنا بأدب الحديث والموعظة الحسنة والكلام الطيب لأنه هو الذي يرفع العمل الصالح إلى الباري (عزَّ وجلّ‏َ) حتى يثبته تعالى في ميزان الحسنات.

 

البشاشة

ليس من صفات المؤمن أن يكون مقطِّب الجبين، حزين الوجه كئيباً ؛ فإن ذلك ينفّر الآخرين منه. لذلك يوصي الإمام عليه السلام الإنسان أن يكون مبتسماً فبالابتسام يدخل الإنسان إلى قلوب الآخرين.

يقول عليه السلام:

"البشاشة حبالة المودة" (1).

 

الجدّيَّة

إن كثرة المزاح له آثار سلبية على المستوى النفسي للإنسان حيث يجعل الشخصية هزيلة ويقف حاجزاً أمام التفكر بالقضايا ومواجهتها بشكل جدي، بل له آثاره السلبية حتى في المجتمع، فصحيح أن المطلوب من المؤمن أن يكون بشوش الوجه مبتسماً ولكن ليس المطلوب أن يكون كثير المزاح هزلياً، فالحالة الأولى تشيع حالة من الراحة واللين في المجتمع وأما الحالة الثانية فقد تصل إلى أذية الآخرين والاستهزاء بهم وتوتير العلاقات الاجتماعية.

وكم من الناس يحسب بمزاحه أنه يدخل السرور على الآخرين ولكنه في الحقيقة يدخل الحزن والأذى على قلوبهم.

يقول الإمام عليه السلام:

"إياك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكاً" (2).

ويقول عليه السلام:

"ما مزح امرؤ مزحة إلا مج من عقله مجة" (3).

 

العفو والصفح

فكما نحب أن يغفر لنا اللَّه تعالى، فلنغفر للآخرين، وكما نحب أن يغفر الناس لنا خطايانا، فلنغفر لهم، فكلّ‏ُ بني آدم محتاجون للمغفرة الإلهية، وكلهم ضعيف بذاته محتاج للرحمة والتسديد الإلهي.

يقول الإمام عليه السلام:

"... فاعفوا: ألا تحبون أن يغفر اللَّه لكم" (4).

 

الصدق

كل الناس يريدون أن يعاملوا بصدق، وكلهم ناقمون على الكذب، ولكن الصادقين قليلون.

يقول الإمام عليه السلام:

"والصق بأهل الورع والصدق" (1).

"جانبوا الكذب فإنه مجانب الإيمان" (2).

 

أداء الأمانة

يقول عليه السلام:

"... ثم أداء الأمانة، فقد خاب من ليس من أهلها" (3).

خصوصاً أن اللَّه تعالى أمرنا بأداء الأمانة إلى أهلها بصريح آياته، لما في ذلك من دلالة على الإيمان والورع والخوف من اللَّه تعالى.

 

الكرم

فعلينا أن لا نبخل بما رزقنا اللَّه من واسع رزقه، فالبخل آفة الآفات.

يقول الإمام عليه السلام:

"البخل جامع لمساوئ العيوب" (4).

لأن البخيل يسيئ الظن باللَّه تعالى وكأن الذي رزقه أول مرة غير قادر على أن يرزقه، وهو يخشى الفقر مع وجود هذه النعم الكثيرة عنده التي هي من اللَّه تعالى أيضاً.

 

الإحسان

إن صفة الاحسان والرغبة في القيام بتقديم الخدمات النافعة للآخرين لا تكتسب قيمتها إلا حينما لا تشوّه بعادة المنّ، فالمنّ‏َ يؤلم القلوب ويحزنها ويثير الجفاء ويقضي على آثار الأعمال الحسنة.

يقول عليه السلام:

"إياك والمن.. فإن المن يبطل الإحسان" (5).


 

خلاصة الدرس‏

إذا ما التزمنا بالقيم الأخلاقية كانت السعادة الفردية والاجتماعية، في الدنيا والآخرة.

من القيم التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة:

الحلم والورع.

الحلم والعقل والتعقل.

الصبر والثبات وضبط النفس.

رزانة الشخصية.

التواضع.

احترام آراء الآخرين ومشاورتهم.

حفظ كرامة الآخرين.

العفو والصفح.

الإحسان.


 

للحفظ

من أقوال أمير المؤمنين عليه السلام:

"فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور".

"إياك والمن.. فإن المن يبطل الإحسان".

"أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله".

"ولا مظاهرة أوثق من المشاورة".


 

أسئلة حول الدرس‏

كيف وصف أمير المؤمنين عليه السلام الحلم والعقل؟

ما المقصود بقول أمير المؤمنين عليه السلام: "من استبد برأيه هلك"؟

هل من صفات المؤمن أن يكون كئيباً حزيناً...؟

ما معنى قول الإمام عليه السلام: "الاعجاب ضد الصواب وآفة الألباب"؟

لماذا كان البخل جامعاً لمساوئ العيوب؟


 

إقرأ

الإمام علي عليه السلام من المهد إلى اللحد:

من اشهر الكتب الحديثة التي كتبت عن حياة أمير المؤمنين كتاب الإمام علي عليه السلام من المهد إلى اللحد، لمؤلفه السيد محمد كاظم القزويني رحمهم الله.

يتميز الكتاب عن غيره من الكتب التي صنفت حول حياة أمير المؤمنين عليه السلام بأنه لم يتدخل في التحقيق التاريخي بل هو كتاب يسرد الأحداث كما رويت عن طريقنا من ولادة الأمير عليه السلام إلى شهادته بالتفصيل.

ويتميز أيضا بالسلاسة القصصية، لدرجة أن هذا الكتاب بات الكتاب الأهم لمن يريد الإطلاع السريع على حياة أمير المؤمنين عليه السلام ولمن لا يرغب في أن يدخل في الجدليات التاريخية والأبعاد الماورائية للأحداث.

يقول المؤلف في مقدمته: "... كلمة العظيم لا تكفي لبيان عظمة الرجل وخصوصا بعد أن استعملت هذه الكلمة في الكثير ممن يستحق ذلك أو لا يستحق... فكيف أستطيع أن أصف الإمام‏عليه السلام حق الوصف وأؤدي واجب المقام حق الأداء وكلما حاولت أن أطير بقلمي إلى أرفع مستوى في البيان وأعلى درجة في الأداء مع ذلك كله فالعجز عن التعبير لا يفارقني"....

كتاب الإمام علي عليه السلاممن المهد إلى اللحد يتألف من ثلاثمائة وإثنتين وخمسين صفحة من الحجم الكبير، يمكن مطالعته حتى للناشئة والأحداث.


 

للمطالعة

قيم الإمام علي عليه السلام وتواضعه‏

قال العلامة المجلسي رحمه اللَّه: "بالإسناد إلى أبي محمد العسكري عليه السلام أنه قال:

"أعرف الناس بحقوق إخوانه، وأشدّهم قضاء لها أعظمهم عند اللَّه شأناً، ومن تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند اللَّه من الصدِّيقين، ومن شيعة علي بن أبي طالب حقّاً.

ولقد ورد على أمير المؤمنين عليه السلام أخوان له مؤمنان أب وابن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين أيديهما، ثم أمر بطعام فاحضر، فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل، وجاء ليصب على يد الرجل، فوثب أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ الإبريق ليصبّ‏َ على يد الرّجل، فتمرّغ الرّجل في التراب، وقال: يا أمير المؤمنين، اللَّه يراني وأنت تصبّ علي يدي؟

قال عليه السلام: اقعد واغسل فإن اللَّه (عزَّ وجلّ‏َ) يراك وأخوك الذي لا يتميّز منك ولا ينفصل عنك يخدمك، يريد بذلك في خدمته في الجنة مثل عشرة أضعاف أهل الدنيا وعلى حسب ذلك في مماليكه فيها.

فقعد الرّجل، فقال له علي عليه السلام: أقسمت بعظيم حقي الذي عرفته ونحلته، وتواضعك للَّه حتى جازاك عنه بأن تدنيني لما شرّفك به من خدمتي لك لمّا غسلت مطمئنّاً كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبراً، ففعل الرّجل ذلك، فلمّا فرغ ناول الإبريق محمد بن الحنفية، وقال: يا بني، لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده ولكنّ اللَّه (عزَّ وجلّ‏َ) يأبى أن يسوِّي بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صبّ الأب على الأب، فليصبّ الابن على الابن، فصبّ محمد بن الحنفية على الابن".

ثم قال الحسن بن علي العسكري عليه السلام:

"فمن تبع عليّاً على ذلك فهو الشيعي حقاً".


 

الهوامش‏

(1) نهج البلاغة خطبة 192.

(2) سورة البقرة، الآية/85.

(1) نهج البلاغة قصار الكلمات 410.

(2) نهج البلاغة خطبة 198.

(3) نهج البلاغة قصار الكلمات 224.

(4) نهج البلاغة قصار الكلمات 82.

(1) نهج البلاغة قصار الكلمات 224.

(2) نهج البلاغة كتاب 31.

(3) نهج البلاغة قصار الكلمات 113.

(4) نهج البلاغة خطبة 192.

(5) نهج البلاغة قصار الكلمات 113.

(6) نهج البلاغة قصار الكلمات 161.

(1) نهج البلاغة كتاب 53.

(2) نهج البلاغة خطبة 86.

(3) نهج البلاغة خطبة 153.

(4) نهج البلاغة خطبة 206.

(1) نهج البلاغة قصار الكلمات 6.

(2) نهج البلاغة كتاب 31.

(3) نهج البلاغة قصار الكلمات 50.

(4) نهج البلاغة كتاب 23.

(1) نهج البلاغة كتاب 53.

(2) نهج البلاغة خطبة 86.

(3) نهج البلاغة خطبة 199.

(4) نهج البلاغة قصار الكلمات 378.

(5) نهج البلاغة كتاب 53.

 

عودة