وذلك لأن
الولاة قسمان : الأنبياء والأولياء ، والأنبياء ليس عليهم حساب بنص الكتاب ، دليله
قوله ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) ( 1 ) فالأنبياء
شهود على الأمم فتعين أن الموقف للأولياء ، وإليه الإشارة بقوله : ( يوم ندعو كل
أناس بإمامهم ) ( 2 ) ، والدفاتر بأسرها مرفوعة إلى صاحب الجمع الأكبر الذي له
الولاية من البداية إلى النهاية ، وذاك أمير المؤمنين بنص الكتاب المبين فهو ولي
يوم الدين ، وحاكم يوم الدين ومالك يوم الدين ، وبأمر الله فيه يدين ، ويوم الدين
يوم الجزاء ومقاماته اللواء ، وعلي حامله ، والحوض علي ساقيه ، والميزان وعلي
واليه ، والصراط وهو رجال الأعراف عليه ، والجنة والنار ومفاتيحها بيده وأمرها
إليه ، فاعلم أن يوم القيامة منوط بآل محمد صلى الله عليه وآله فاللواء لهم والحوض
لهم والوسيلة لهم ، والميزان لهم والصراط لهم ، والشفاعة لهم ، فهم الذادة والقادة
والسادة والولاة والحماة والهداة والدعاة ، والمنزلة لهم ، والولاية لهم ، وأهل
الجنة والنار لهم ، وإليهم وعليهم ، ووقوف الخلق في مقام ( وقفوهم إنهم مسؤولون (
3 ) لهم ، وشهادة الأنبياء على أممهم بالتبليغ لهم وحشر الخلائق إليهم وحسابهم
عليهم ، ‹ صفحة 294 › وخطاب الله يوم القيامة لهم والدرجة العليا لهم ، ومالك
ورضوان ممتثلان لأمرهم مأموران بطاعتهم ، لأنهم حجج الله على أهل السماوات
والأرضين ، وإليهم أمر الخلائق أجمعين ، منا من رب العالمين ، وويل للمنكرين ، عند
طلوع شمس اليقين . ‹ صفحة 295 ›
والحساب
يوم القيامة عبارة عن النظر في الصحايف ، وإليه الإشارة بقوله : ( واتقوا يوما
ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت ) ( 1 ) وهي آخر آية نزلت . والصحائف
في الدنيا تعرض على النبي والولي ، وفي الآخرة يختص بحكمها الولي موهبة من الرب
العلي ، فمن كبر عليه هذا العطاء ، واستكبر هذه النعماء ، فليمدد بسبب إلى السماء
.
فصل
والحساب هو تعيين أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار ، وذلك في صحيفة آل
محمد قد عرفوه في عالم الأجساد والأشباح ، والأصلاب والأنساب ، وإليهم عوده وما به
يوم الحساب بنص الكتاب ، دليله قوله : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ( 2 ) هكذا بلفظ
التثنية ، وهو أمر لمن له الحكم في ذلك اليوم ، وقد أجمع المفسرون وفيهم أبو حنيفة
في مسنده رواية عن الأعمش عن أبي سعيد الخدري أنه إذا كان يوم القيامة قال الله :
يا محمد يا علي قفا بين الجنة والنار ، وألقيا في جهنم كل كفار كذب بالنبوة ( 3 )
، وعنيد عاند في الإمامة ، فتعين أن عليا حاكم يوم الدين بأمر رب العالمين . يؤيد
هذا قوله سبحانه : وذكرهم بأيام الله ( 4 ) وهي يوم الرجعة ويوم القيامة ، ويوم
القائم ، فيوم الرجعة حكمه لهم ، ويوم القائم حكمه لهم ، فهذه الثلاثة أيام لآل
محمد صلى الله عليه وآله .
فصل وهذا
هو الإيمان بالغيب ، وإليه الإشارة بقوله : ( الذين يؤمنون بالغيب ) ( 5 ) ومعناه
يصدقون بأيام آل محمد فمدح من آمن بها ، فمن آمن بها آمن بالله ، ومن لم يؤمن بها
لم يؤمن بالله . ‹ صفحة 296 ›
فصل ( مناقب الكرار بلسان
المختار )
وبيان وصل
علي ناصر محمد ومعاونه ، وأبوه كافل النبي ومربيه ، وهو حامل رايته في كل موطن
ومساويه ، وباذل نفسه دونه ومساويه ومفديه ، وروحه على جسده ( أنت روحي التي بين
جنبي ) ( 1 ) ومستودع علمه ( ما أفرغ جبرائيل في صدري حرفا إلا وقد أمرت أن أفرغه
في صدر علي ) ( 2 ) وساعده المساعد وسيفه الضارب ، وأسده الغالب ، ادعوا لي فارس
الحجاز ( أين الكاشف عن وجهي الكربات ) ( 3 ) . فهو إن شككت صنوه وأخوه ( أنت مني
بمنزلة هارون من موسى ) ( 2 ) وصاحب ميراثه ونسبه ( أنت أنا وأنا أنت ) ( 5 ) ،
وشقيق نفسه وصاحب دعوته ( أنت مني وأنا منك لحمك لحمي ودمك دمي ومقامك مقامي ) ( 6
) ( أنت الخليفة بعدي وإمام أمتي من والاك فقد والاني ، ومن عاداك فقد عاداني ) ( 7
) ، [ أنت ] كذلك مني في كل مقام إلا النبوة وأني لا أستغني عنك في الدنيا ولا في
الآخرة ، وإنك في يوم القيامة تحيى إذا حييت ، وتكسى إذا أكسيت ، وترضى إذا رضيت ،
وإن حساب الخلق عليك وعودهم إليك ، ولك الكوثر والسلسبيل غدا وأنت الصراط السوي
لمن اهتدى ، ولك الشفاعة والشهادة ، ولك الأعراف وأنت المعرف ، ولك الجواز على
الصراط ودخول الجنة ونزول المساكن والقصور ، وأنت تدخل أهل الجنة إليها وأنت تجيز
أهل النار إليها وأنت تلقي حطبها عليها ولواء الحمد في يديك ، وهو سبعون شقة كل
شقة وسع ما بين الشمس إلى القمر ، وآدم ومن دونه تحت لوائك والأنبياء من شيعتك يوم
القيامة ، ولا يدخل الجنة إلا من عرفته وعرفك ، ولا يدخل النار إلا من أنكرته
وأنكرك ( 8 ) . ‹ صفحة 297 ›
وإذا استوى
أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، قيل لك : يا علي أغلق عليها أبوابها ،
وناد بين الجنة والنار : يا أهل الجنة خلود خلود ، ويا أهل النار خلود خلود ، فويل
للمكذبين بفضلك المنكرين لأمرك . ( 1 )
[ يقول
الرب الجليل في الإنجيل : اعرف نفسك أيها الإنسان تعرف ربك ، ظاهرك للفاء وباطنك
أنا . وقال صاحب الشريعة : أعرفكم بربه أعرفكم بنفسه ( 2 ) . وقال إمام الهداية :
من عرف نفسه فقد عرف ربه ( 3 ) .
فصل ومعرفة
النفس هو أن يعرف الإنسان مبدأه ومنتهاه ، من أين وإلى أين ، وذلك موقوف على معرفة
حقيقة الوجود المقيد ، وهو معرفة الفيض الأول الذي فاض عن حضرة ذي الجلال ، ثم فاض
عنه الوجود والمجود بأمر واجب الوجود ، ومفيض الجود والجواد الفياض ، وذاك هو
النقطة الواحدة التي هي مبدأ الكائنات ونهاية الموجودات ، وروح الأرواح ونور
الأشباح ، فهي كما قيل : قد طاشت النقطة في الدائرة * فلم تزل في ذاتها حائرة
محجوبة الادراك عنها بها * منها لها جارحة ناظرة سمت على الأسماء حتى لقد * فوضت
الدنيا مع الآخرة ‹ صفحة 298 › وهي أول العدد وسر الواحد الأحد ، وذلك لأن ذات
الله غير معلومة للبشر فمعرفته بصفاته والنقطة الواحدة هي صفة الله ، والصفة تدل
على الموصوف ، لأن بظهورها عرف الله ، وهي لألاء النور الذي شعشع عن جلال الأحدية
في سيماء الحضرة المحمدية ، وإليه الإشارة بقوله : ( يعرفك بها من عرفك ) ( 1 )
يعضد هذا القول أيضا قولهم : لولانا ما عرف الله ، ولولا الله ما عرفنا ( 2 ) .
فهم النور الذي أشرقت منه الأنوار ، والواحد الذي ظهرت عنه الأجساد ، والسر الذي
نشأت عنه الأسرار ، والعقل الذي قامت به العقول ، والنفس التي صدرت عنها النفوس ،
واللوح الحاوي لأسرار الغيوب والكرسي الذي وسع السماوات والأرض ، والعرش العظيم
المحيط بكل شئ ، عظمة وعلما ، والعين التي ظهرت عنها كل عين ، والحقيقة التي
يشهدها بالبدء كل موجود كما شهدت هي بالأحدية لواجب الوجود . فغاية عرفان العارفين
الوصول إلى محمد وعلي بحقيقة معرفتهم ، أو بمعرفة حقيقتهم ، لكن ذلك الباب مستور
بحجاب ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) ( 3 ) ، وإليه الإشارة بقولهم : ( إن
الذي خرج إلى الملائكة المقربين من معرفة آل محمد قليل من كثير ، فكيف إلى عالم
البشرية ، ) وعن هذا المقام عنوا بقولهم ( أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله نبي مرسل
ولا ملك مقرب ) ، فمن اتصل بشعاع نورهم فقد عرف نفسه لأنه إذ قد عرف عين الوجود
وحقيقة الموجود ، وفردانية الرب المعبود ، فمعرفة النفس هي معرفة حقيقة الوجود
المقيد ، وهي النقطة الواحدة التي ظاهرها وباطنها النبوة والولاية ، فمن عرف
النبوة والولاية بحقيقة معرفتها فقد عرف ربه ، فمن عرف محمدا وعليا فقد عرف ربه ،
وإن كان الضمير في قوله عرف نفسه عايدا إلى العارف فإنه إذا عرف نفس الكل والروح
المنفوخ منها في آدم فقد عرف نفسه ونفس الكل وحقيقة الوجود هم .
فصل وإن كان الضمير في قوله ( نفسه ) راجعا إلى الله في قوله ويحذركم الله نفسه ، فهم روح الله وكلمته ونفس الوجود وحقيقته فعلى الوجهين من عرفهم فقد عرف ربه ، وكذا عند الموت إذا رأى عين عين اليقين فإنه لا يرى إلا محمدا وعليا لأن الإله الحق جل أن تراه العيون ، والميت عند موته إنما يشهد ‹ صفحة 299 › حقيقة الحال والمقام فلا يرى عند الموت إلا هم لأنه يرى عين اليقين . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا عين اليقين أنا الموت المميت . ( 1 ) دليله ما ورد في كتاب بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما من ميت يموت في شرق الأرض وغربها محب لنا أو مبغض إلا ويحضره أمير المؤمنين عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله فيبشره أو يلعنه ( 2 ) . وكذا إذا نفخ في الصور وبعثر ما في القبور ، وعادت النفس إلى جسدها المحشور ، فإنها لا ترى إلا محمدا وعليا لأن الحي القيوم عز اسمه لا يرى بعين البصر ، ولكن يرى بعين البصيرة . وإليه الإشارة بقوله : ( لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تراه العقول بحقائق الإيمان ) ( 3 ) ، ومعناه تشهد بوجوده لأنه ظاهر لا يرى وباطن لا يخفى .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
‹ هامش ص 293 › ( 1 ) النساء : 41 . ( 2 ) الإسراء : 71 . ( 3 )
الصافات : 24 . ‹ هامش ص 295 › ( 1 ) البقرة : 281 . ( 2 ) ق : 24 . ( 3 ) بحار
الأنوار : 36 / 74 ح 27 و : 24 / 73 ح 58 . ( 4 ) إبراهيم : 5 . ( 5 ) البقرة : 3
. ‹ هامش ص 296 › ( 3 ) بحار الأنوار : 35 / 39 ح 38 ضمن حديث طويل . ( 4 ) مسند
أحمد : 1 / 170 ط . م و : 277 ح 1466 ط . ب ، والطرائف : 1 / 70 ح 45 وما بعده . (
5 ) مزار الشهيد الأول : 236 . ( 6 ) بحار الأنوار : 38 / 248 ح 42 ضمن حديث طويل
. ( 7 ) بحار الأنوار : 23 / 125 ح 53 و : 26 / 349 ح 23 . ( 8 ) بحار الأنوار :
38 / 139 ح 101 و : 39 / 214 ح 5 ضمن حديث طويل . ‹ هامش ص 297 › ( 1 ) روضة
الواعظين : 20 . ( 2 ) بحار الأنوار : 60 / 324 . ‹ هامش ص 298 › ( 1 ) البحار :
95 / 393 . ( 2 ) نور البراهين للجزائري : 2 / 121 . ( 3 ) الإسراء : 85 . ‹ هامش
ص 299 › ( 1 ) يراجع الكافي : 3 / 128 ح 1 إلى 13 والبحار : 6 / 173 ح 1 إلى 56 .
( 2 ) بحار الأنوار : 36 / 406 ح 16 .
.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وبيان
المدعى ما شهد به القرآن من قوله سبحانه : وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ( 1
) فقال : إلى ربها ، ولم يقل : إلهها ، وذلك لأن الألوهية مقام خاص لا شركة فيه ، والربوبية
مقام عام يقع فيه الاشتراك لعمومه ، ثم قال : ( وجاء ربك ) ( 2 ) ولم يقل : وجاء
إلهك ، ثم قال : الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ( 3 ) ثم قال : ( ارجعي إلى ربك ) (
4 ) فخص النظر والرؤية والتجلي والملاقاة بالرب دون الإله لأن الرؤية والتجلي إنما
تكون من ذي الهيئة ، والمجئ إنما يصدق على الأجسام والانتقال من حال إلى حال على
الله محال ، فالمراد من النظر والرؤية ، والتجلي هنا الرب اللغوي ، ومعناه المالك
والسيد والمولى ، ومحمد وعلي سادة العباد ومواليهم وملاك الدنيا والآخرة وما فيها
ومن فيها ، والله ربهم بمعنى معبودهم وهذا خاص وهو رب السماوات والأرض وما فيهن
ومن فيهن ورب محمد وعلي ومولاهم الذي خلقهم واجتباهم واختارهم وولاهم ، فهو الرب
والمولى والإله والسيد والمعبود والحميد والمحمود ، وهم الموالي والسادات العابدين
لا المعبودين لكنه سبحانه استبعد أهل السماوات والأرض ، من أطاعهم فهو عبد حر قد
عتق مرتين ، ومن عصاهم فقد أبق - ولد زنا قد أبق الكرتين ، وشاهد هذا الحق قوله
الحق : ( أنهم ملاقوا ربهم صريح في ملاقاة آل محمد صلى الله عليه وآله غدا والرجوع
إليهم .
فصل
والقرآن نطق بتسمية المولى ربا في حكايته عن يوسف عليه السلام في قوله : ( إنه ربي
أحسن مثواي ) ( 5 ) وقوله : ( اذكرني عند ربك ) ( 6 ) ، وقوله : ( ارجع إلى ربك )
( 7 ) ، فلو لم يكن ذاك جائزا ‹ صفحة 301 › لامتنع على المعصوم ذكره ، وكل هذا
مقام لغوي ، فالسيد ومالك يوم البعث محمد وعلي منا من الله الرب المعبود الخالق وتولية
ورفعة وكرامة لأن الله سبحانه اصطفاهم وولاهم ، فهم موالي أهل الدنيا والآخرة ذلك
الفضل من الله ، وإليه الإشارة بقوله : ( وإن إلى ربك المنتهى ) ( 8 ) . والمراد
با لرب هنا الولي ، والموالي هم ، فهم المبدأ وإليهم المنتهى . وإن كان المراد هنا
حذف المضاف فمعناه إلى عدل ربك المنتهى ، وإلى حكم ربك وإلى عفو ربك وإلى رحمة ربك
. فهم عدل الله ورحمته ، ولطفه وأمره وحكمه ، فالمرجع إليهم والحساب عليهم . ‹
صفحة 302 ›
فصل ( مناقب آل محمد عليهم
السلام )
‹ صفحة 303
› فمحمد وعلي بالنسبة إلى حضرة الخلق موالي ومالكين وبالنسبة إلى حضرة الحق عبيدا
مختارين وحجبا مقربين ، وإليه الإشارة بقوله : ( إن كل من في السماوات والأرض إلا
آتي الرحمن عبدا ) ( 1 ) فالخلائق إذا حضروا الموقف ووقفوا في مقام العبودية فهناك
يرى محمدا وآل محمد ينظرون إلى ما من الله به عليهم من الرفعة والكرامة والولاية
العامة ، والخلق ينظرون رفعتهم وقرب منزلتهم وعظيم كرامتهم ، فيعولون في الشفاعة
عليهم ويلجأون في وزن الأعمال إليهم ، وإليه الإشارة بقوله : ( وجوه يومئذ ناضرة *
إلى ربها ناظرة ) ( 2 ) . والنظر يومئذ إما إلى الرب صريحا أو إلى رحمته ونعمته
ولطفه وفضله ، وهو حذف المضاف . فإن كان النظر إلى الرب فالوجوه هناك ناظرة إلى
عظمة نبيها ووليها وهو مولاها في دنياها وأخراها ، فهي ترقب الشفاعة من النبي
والتنزيه من الولي بفضل الإله العلي ، وإن كان معناه أنها ناظرة إلى رحمة ربها
وفضل ربها ، فالنعمة والرحمة والفضل أيضا محمد وعلي ، وإليه الإشارة بقوله : (
وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) ( 3 ) والظاهرة يومئذ محمد صلى الله عليه وآله
لأنه زين القيامة وصاحب الوسيلة وذو الكرامة ، فالوجوه يومئذ ناظرة إلى جماله
وكماله وعلو مقامه ، والنعمة الباطنة علي ، والوجوه يومئذ ناظرة إلى حقيقة معناه
فيرون حكمه النافذ في العباد بأمر الملك الذي يختار من عباده من يشاء ، شئت أنت أم
لم تشأ . يؤيد ذلك : ما رواه سليم بن قيس الجواد : أن فلانا قال يوما : ما مثل
محمد في أهل بيته إلا نخلة نبتت في كناسة . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله
فغضب وخرج فأتى المنبر فجاءت الأنصار شاكة في السلاح ، فقال : ما بال قوم يعيرونني
بأهل بيتي وقرابتي إذا قلت فيهم ما جمع الله فيهم من الفضل ألا وإن عليا مني
بمنزلة هارون من موسى ألا وإن الله خلق خلقه وفرقهم فرقتين . وجعلني في خيرها فرقة
، ثم جعلها شعوبا وقبايل فجعلني في خيرها شعبا وقبيلة ، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في
خيرها بيتا ، أنا وأخي علي بن أبي طالب ، ألا وإن الله نظر إلى الأرض نظرة ‹ صفحة
304 › واختارني منها ، ثم نظر إليها نظرة أخرى فاختار أخي عليا وجعله وزيري
وخليفتي وأميني ، وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، من والاه فقد والاني ، ومن عاداه فقد
عاداني ، لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا كافر ، ولا يرتاب فيه إلا مشرك ، وهو رب
الأرض وسكنها ، وكلمة التقوى ، فما بال قوم يريدون أن يطفئوا نور أخي والله متم
نوره ؟ ألا وإن الله اختار لي أخا وأحد عشر سبطا من أهل بيتي هم خيار أمتي ، مثلهم
مثل النجوم في السماء ، كلما غرب نجم طلع نجم ، هم قوام الله على عباده ، وحجته في
أرضه وبلاده ، وشهوده على خلقه ، هم مع القرآن والقرآن معهم ، لا يفارقونه حتى
يردا علي الحوض ، أبوهم علي وأمهم فاطمة ، ثم الحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين ،
جدهم لخير النبيين وأبوهم خير الوصيين وأمهم خير أسباط المرسلين وبيتهم خير بيوت
الطاهرين ، ما لقي الله عبدا محبا لهم موحدا لربه لا يشرك به شيئا إلا دخل الجنة ،
ولو كان عليه من الذنوب مدد الحصى والرمل وزبد البحر ، أيها الناس عظموا أهل بيتي
وحبوهم ، والتزموا بهم بعدي فهم الصراط المستقيم ( 1 ) .
فصل عدنا
إلى البحث الأول . وأما قوله ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ) ( 2 ) والتجلي إنما
يكون من ذي الهيئة والجسم ، والرب المعبود ليس بجسم ، فالمراد تجلي نور ربه والنور
الأول نور محمد وعلي المتجلي من كل الجهات ، والله الأحد الحق المتجلي عن كل
الجهات ، فبنور صفاته في الأشياء تجلى وبجلال ذاته عن الجهات تجلى ، وإليه الإشارة
بقوله : أنا مكلم موسى من الشجرة : أن يا موسى أنا ذلك النور . ( 3 ) ‹ صفحة 305 ›
فصل ( معنى الحركة السكون
لله )
وأما قوله
: ( وجاء ربك ) فالمجئ والحركة والسكون إنما تقال على الأجسام ، وخالق الأجسام ليس
بجسم ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، لا إله إلا الله ، والمراد جاء أمر ربك
والأمر يومئذ محمد وعلي فهم الأمر وإليهم الأمر ، والسيد والمولى في اللغة بمعنى
واحد ( 1 ) ، وأنت تدعو بذاك مرارا ولا تعقل وتقول : يا سيدي ومولاي يا الله يا
محمد يا سيدي ومولاي ، يا علي يا سيدي ومولاي ، وقد ورد عن الحسن العسكري عليه
السلام في عهده ودعائه أنه يقول : ( يا من أتحفني بالإقرار بالوحدانية ، وحباني
بمعرفة الربوبية ، وخلصني من الشك والعمى ، جئت بك إليك ) . فالواحد المعدود ،
والرب لا معدود ، صفة الإله الأحد الذي لا يحد ولا يعد ، فمن عرف من الحكمة هذا
القدر فقد عرف مبدأه ومعاده ( 2 ) ، لأن المبدأ ظهور من الحق إلى الخلق ، والمعاد
عود من الخلق إلى الحق ، ومن عرف المبدأ والمعاد وحقيقة الوعد والإيعاد ، فقد تيقن
النجاة وعرف عين الحياة ، وأمن الممات ، لأن المؤمن حي في الدارين . يتمم هذا
الأسرار قوله : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل
رسولا ( 3 ) ، والوحي والرسول يوم القيامة مرتفع ، فلم يبق إلا التكلم من وراء
الحجاب ، وأقرت الناس مقاما من حضرة الربوبية الاسمان الأعليان الحبيب والولي
الكلمة العليا التي تكلم بها في الأزل فصارت نورا ، والكلمة الكبرى التي تكلم بها
فكانت روحا ، وأسكنها ذلك النور محمد وعلي فهما حجاب رب الأرباب ، فالأذن إذن لهم
والحكم لهم ، والأمر إليهم ، وإليه الإشارة بقوله : والأمر يومئذ لله ( 4 ) يعني
لولي الله لأنهم عالمان بأعمال العباد من غير سؤال وليس في الخلائق من له هذه
المقامات إلا هم ، لكن الناس فيهم ، كما قال الله سبحانه : ومن الناس من يعبد الله
على حرف ( 5 ) أي إيمانه غير متمكن في القلب لأن الحرف هو الطرف . وذاك بغير ‹
صفحة 306 › برهان ولا يقين ، فإن أصابه خير يعني إن سمع ما يلائم عقله الضعيف
اطمأن به وركن إليه ، وإن أصابته فتنة - وهو سماع ما لم يحط به خبرا - فهناك لا
يوسعك عذرا بل يبيح منك محرما ويتهمك كفرا ، وإليه الإشارة بقوله عليه السلام : لو
علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله . وقيل لكفره ( 1 ) ، لأن صدر أبي ذر ليس بوعاء
لما في صدر سلمان من أسرار الإيمان وحقائق ولي الرحمن ، ولذاك قال النبي صلى الله
عليه وآله : أعرفكم بالله سلمان ( 2 ) . وذلك لأن مراتب الإيمان عشرة ، فصاحب
الإيمان لا يطلع على الثانية وكذا كل مقام منها لا ينال ما فوقه ، ولا يزدري من
تحته ، لأن من فوق درجته أعلى منه ، وغاية الغايات منها معرفة علي بالإجماع وإنما
قال : ( لقتله ) لأن أبا ذر كان ناقلا للأثر الظاهر ، وسلمان عارفا بالباطن ،
ووعاء الظاهر لا يطيق حمل الباطن ، وقد علم كل أناس مشربهم . ‹ صفحة 307 ›
قد
علمت أن الرب لفظ مشترك ، فتارة يأتي بالقرآن بمعنى المالك والسيد ، وتارة يأتي
بمعنى المعبود ، ولا مشركة فيه ، وذاك مثل قوله سبحانه : ( رب السماوات ) ( 1 ) ،
و ( رب الأرض ) ( 2 ) ، ( رب العالمين ) ( 3 ) ، فهو ربهم وخالقهم ومالكهم ومولاهم
، وأما اسم الإله إذا جاء من هذا الباب فإنه لا يكون إلا بمعنى حذف المضاف لا غير
، وذلك مثل قوله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ) ( 4 ) ، ومعناه أمر الله ،
وقوله : ( فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) ( 5 ) معناه أمر الله من حيث لم يشعروا
.
. . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹
هامش ص 300 › ( 1 ) القيامة : 22 . ( 2 ) الفجر : 22 . ( 3 ) البقرة 46 . ( 4 )
يوسف : 43 . ( 5 ) الفجر : 28 . ‹ هامش ص 301 › . . . ‹ هامش ص 303 › ( 1 ) مريم :
93 . ( 2 ) القيامة : 22 . ( 3 ) لقمان : 20 . ‹ هامش ص 304 › ( 1 ) بحار الأنوار
: 36 / 294 ح 124 والحديث طويل اختصره المصنف . ( 2 ) الأعراف : 143 . ‹ هامش ص
305 › ( 3 ) الشورى : 51 . ( 4 ) الانفطار : 19 . ( 5 ) الحج : 11 . ‹ هامش ص 306
› ( 1 ) بحار الأنوار : 25 / 346 وأصول الكافي : 1 / 401 والدر المنثور للشهيد
الثاني : 1 / 47 ، وغرر الفوائد : 419 . ‹ هامش ص 307 › ( 1 ) مريم : 65 . ( 2 )
الجاثية : 36 . ( 3 ) الجاثية : 36 . ( 5 ) البقرة : 21 . ( 5 ) الحشر : 2 . ( 6 )
البقرة : 111 .