فصل ( إقرار الأمم بفضل علي عليه السلام )

وعن أبي الحمراء قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله يوما : أبا الحمراء انطلق وادع لي مائة من العرب وخمسين رجلا من العجم ، وثلاثين رجلا من القبط ، وعشرين رجلا من الحبشة . قال : فذهبت فأتيت بهم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فصف العرب ثم صف العجم خلف العرب ، ثم صف القبط خلف العجم ثم صف الحبشة خلف القبط ، ثم حمد الله وأثنى عليه بمحامد لم تسمع الخلائق مثلها ثم قال : معاشر العرب والعجم والقبط والحبشة شهادة لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين ولي الله ، قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد حتى قالها ثلاثة ، ثم قال : يا علي آتني بدواة وبياض فأتاه بهما ، فقال : اكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أقرت به العرب والعجم والقبط والحبشة أقروا بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عليا أمير المؤمنين ولي الله ) ثم ختم الصحيفة ودفعها إلى علي بن أبي طالب ( 1 ) . ومن ذلك كتب الأمالي مفروعا إلى أم سلمة قالت : كان يومي من رسول الله صلى الله عليه وآله فجئت لأدخل فردني رسول الله صلى الله عليه وآله فرجعت خائفة ثم رجعت ثانية وأتيت الباب لأدخل فمنعني رسول الله صلى الله عليه وآله فكبوت بوجهي خوفا من ذلك ، ثم لم ألبث أن أتيت الباب ثالثة فقلت : أأدخل يا رسول الله ؟ فقال : ادخلي فدخلت وعلي جاث بين يديه وهو يقول : فداك أبي وأمي يا رسول الله فإذا كان كذا وكذا فبم تأمرني ؟ فقال : آمرك بالصبر ثم أعاد ثانية فأمره بالصبر ، ثم أعاد الثالثة فقال : يا علي ( يا أخي ) إذا كان ذلك منهم فقم واشهر سيفك وضعه على عاتقك واضرب به قدما حتى تلقاني وسيفك شاهرا يقطر من دمائهم ، ثم التفت إلي وقال : يا أم سلمة ما رددتك لأمر تحذرينه ، ولكن كان جبرائيل عن يميني وعلي عن يساري ، وكان يخبرني بالأحداث التي تكون بعدي ، ويأمرني أن أخبر بذلك عليا وأوصيه ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي ابن أبي طالب أخي في الدنيا والآخرة ، يا أم سلمة اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب ‹ صفحة 82 › صاحب لوائي في الدنيا والآخرة ( 1 ) . وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : علي خليفة الله ووليه وحجته على جميع خلقه ، طاعته مقرونة بطاعة الله وطاعتي ، فمن عرفه عرفني ، ومن أنكره أنكرني ، ثم قال : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين حجج الله على خلقه ، أعداؤنا أعداء الله وأولياؤنا أولياء الله ( 2 ) . ‹ صفحة 83 ›

فصل( علي الإمام المبين )

 ومن ذلك ما رواه ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) ( 1 ) قام رجلان فقالا : يا رسول الله ، أهي التوراة ؟ قال : لا . قالا : فهو الإنجيل ؟ قال : لا . قالا : فهو القرآن ؟ قال : لا . فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال : هو هذا الذي أحصى الله فيه علم كل شئ ، وإن السعيد كل السعيد من أحب عليا على حياته وبعد وفاته ، والشقي كل الشقي من أبغض هذا في حياته وبعد وفاته ( 2 ) . قال حذيفة ابن اليمان : رأى أمير المؤمنين عليه السلام رجلا من شيعته وقد أثر فيه السن وهو يتجلد ، فقال له : كبر سنك يا رجل ، فقال : في طاعتك يا أمير المؤمنين . فقال : إنك تتجلد . فقال : على أعدائك . فقال : أجد فيك بقية ، فقال : هي لك يا أمير المؤمنين ( 3 ) . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : نحن أئمة المسلمين وحجة الله على العالمين ، ونحن أمان لأهل السماوات والأرضين ، ولولانا لساخت الأرض بأهلها ( 4 ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله اختارني واصطفاني ، وجعلني سيد المسلمين واختار لي وزيرا من أهلي ، وجعله سيد الوصيين ، الحياة معه سعادة ، والموت معه سعادة ، أول من آمن بي وصدقني اسمه في التوراة مقرون مع اسمي ، وزوجته الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء ابنتي ، وابناه ريحانتاي من الدنيا وسيدا شباب أهل الجنة ، والأئمة من ولده حجج الله على خلقه ، من تبعهم نجا من النار ومن اقتدى بهم هدي إلى الصراط المستقيم ، ما وهب الله محبتهم لعبد إلا دخل الجنة ( 5 ) . وعن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عروة قال : قلت : يا رسول الله أرشدني إلى النجاة ، ‹ صفحة 84 › فقال : إذا اختلفت الأهواء ، وافترقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب فإنه إمام أمتي وخليفتي عليهم بعدي والفاروق بين الحق والباطل من سأله أجابه ، ومن استرشده أرشده ، ومن طلب الحق عنده وجده ، ومن التمس الهدى لديه صادفه ومن لجأ إليه أمنه ، ومن استمسك به نجاه ، ومن اقتدى به هداه ، يا ابن سمرة ، سلم من سلم إليه ووالاه ، وهلك من رد عليه وعاداه ، يا ابن سمرة ، إن عليا مني وأنا منه ، روحه روحي وطينته طينتي ، وهو أخي وأنا أخوه وزوجه سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وأبناؤه سيدا أهل الجنة الحسن والحسين ، وتسعة من ولد الحسين هم أسباط النبيين تاسعهم قائمهم يملأ الأرض عدلا وقسطا ، كما ملئت ظلما وجورا ( 1 ) . وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله عز وجل أمرني أن أقيم عليا إماما وحاكما وخليفة ، وأن اتخذه أخا ووزيرا ووليا وهو صالح المؤمنين أمره أمري ، وحكمه حكمي ، وطاعته طاعتي ، فعليكم طاعته واجتناب معصيته فإنه صديق هذه الأمة ، وفاروقها ومحدثها وهارونها ويوشعها وآصفها وشمعونها ، وباب حطتها وسفينة نجاتها وطالوتها ، وذو قرنيها ألا إنه محنة الورى والحجة العظمى والعروة الوثقى ، وإمام أهل الدنيا وإنه مع الحق والحق معه وإنه قسيم الجنة فلا يدخلها عدو له ولا يزحزح عنها ولي له ، قسيم النار فلا يدخلها ولي له ، ولا يزحزح عنها عدو له . ألا إن ولاية علي ولاية الله وحبه عبادة الله ، واتباعه فريضة الله وأولياؤه أولياء الله ، وحربه حرب الله وسلمه سلم الله ( 2 ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي : يا علي مثلك في أمتي كمثل قل هو الله أحد من قرأها مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن ، ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن ، ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما ختم القرآن فمن أحبك بلسانه فقد كمل ثلث الإيمان ، ومن أحبك بلسانه وقلبه فقد كمل ثلثا الإيمان ، ومن أحبك بيده وقلبه ولسانه فقد كمل الإيمان ، والذي بعثني بالحق نبيا لو أحبك أهل الأرض كمحبة أهل السماء لما عذب الله أحدا بالنار ، يا علي بشرني جبرائيل عن رب العالمين فقال لي : يا محمد بشر أخاك عليا أني لا أعذب من تولاه ولا أرحم من ‹ صفحة 85 › عاداه ( 1 ) وعن سعيد بن جبير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوما لعلي : أنت سيد العرب ، فقلت : يا رسول الله ألست سيد العرب ؟ فقال : أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ( 2 ) ، فقلت : وما السيد ؟ فقال : من فرضت طاعته كما فرضت طاعتي . وقال لعلي عليه السلام : أنت مني بمنزلة شيث من آدم وبمنزلة سام من نوح ، وبمنزلة إسحاق من إبراهيم ، وبمنزلة هارون من موسى ، وبمنزلة شمعون من عيسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ، يا علي أنت وصيي وخليفتي ، ومن نازعك في الإسلام بعدي فليس من الإسلام في شئ ، وأنا خصيمه يوم القيامة ، يا علي أنت أفضل أمتي فضلا ، وأقدمهم سلما وأكثرهم علما وأوفرهم حلما ( 3 ) ، وأشجعهم قلبا وأسخاهم كفا ، وأنت الإمام بعدي ، وأنت الوزير وأنت قسيم الجنة والنار ( 4 ) تعرف الأبرار من الفجار ، وتميز الأخيار من الأشرار والمؤمنين من الكفار ( 5 ) . وعن ابن عباس قال : رأيت جابر بن عبد الله متوكئا على عصى يدور في سكك الأنصار ويقول : يا معاشر الأنصار أدبوا أولادكم بحب علي ، فمن أبى فانظروا في حال أمه ( 6 ) . وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي من أحبك فقد أحبني ، ومن سبك فقد سبني ، يا علي أنت مني وأنا منك ، روحك من روحي وطينك من طينتي ، وإن الله سبحانه خلقني وإياك واصطفاني وإياك ، واختارني للنبوة واختارك للإمامة فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي ، يا علي أنت وصيي وخليفتي ، أمرك أمري ونهيك نهيي ، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك حجة الله على خلقه ، وأمينه على وحيه وخليفته على عباده وأنت مولى كل مسلم وإمام كل مؤمن ، وقائد كل تقي ، وبولايتك صارت أمتي مرحومة ، وبعداوتك صارت الفرقة المخالفة منها ملعونة ، وإن الخلفاء بعدي اثنا عشر أنت أولهم ‹ صفحة 86 › وآخرهم القائم الذي يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها كأني أنظر إليك وأنت واقف على شفير جهنم وقد تطاير شررها وعلا زفرها واشتد حرها ، وأنت آخذ بزمامها فتقول لك جهنم : أجرني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي ، فتقول لها : قري يا جهنم خذي هذا واتركي هذا ( 1 ) . وقال صلى الله عليه وآله : من كتب فضيلة من فضائل علي لم تزل الملائكة تغفر له ، ومن ذكر فضيلة من فضائله غفر الله له ما تقدم من ذنوبه وما تأخر ، ولا يتم إيمان عبد إلا بحبه وولايته ، وإن الملائكة تتقرب إلى الله تعالى بمحبته ، ومن حفظ من شيعتنا أربعين حديثا بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما ، وغفر له ( 2 ) . وعن سعيد بن جبير من كتاب الأمالي قال : أتيت ابن عباس أسأله عن علي بن أبي طالب واختلاف الناس فيه ، فقال : يا بن جبير جئت تسألني عن خير هذه الأمة بعد محمد صلى الله عليه وآله ، جئت تسألني عن رجل له ثلاثة آلاف منقبة في ليلة واحدة - وهي ليلة الفدية - ، وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وخلفته ، وصاحب حوضه ولوائه ، ثم قال : والذي : والذي اختار محمدا خاتما لرسله ، لو كان نبت الدنيا وأشجارها أقلاما وأهلها كتابا وكتبوا مناقب علي وفضائله من يوم خلق الله الدنيا إلى فنائها ما كتبوا معشار ما آتاه الله من الفضل ( 3 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 81 › ( 1 ) بحار الأنوار : 38 / 108 ح 38 والحديث طويل . ‹ هامش ص 82 › ( 1 ) الحديث بطوله في بحار الأنوار والمصنف اختصره : 22 / 221 ح 1 . ( 2 ) بحار الأنوار : 36 / 227 ح 5 . والحديث طويل . ‹ هامش ص 83 › ( 1 ) يس : 12 . ( 2 ) بحار الأنوار : 35 / 427 ح 2 ، و : 21 / 143 ح 6 . ( 3 ) بحار الأنوار : 42 / 186 ح 1 . ( 4 ) أصول الكافي : 1 / 179 ح 12 ، وبصائر الدرجات : 488 . ( 5 ) بحار الأنوار : 38 / 92 ح 6 . ‹ هامش ص 84 › ( 1 ) بحار الأنوار : 36 / 266 ح 2 . ( 2 ) بحار الأنوار : 38 / 93 ح 7 بتفاوت ليس بيسير . ‹ هامش ص 85 › ( 1 ) بحار الأنوار : 22 / 317 ح 2 . ( 2 ) ذخائر العقبى : 70 . ( 3 ) كنز العمال : 13 / 114 ح 36370 . ( 4 ) ذخائر العقبى : 1 / 95 ، مناقب ابن المغازلي : 67 ح 97 . ( 5 ) بحار الأنوار : 37 / 254 ح 1 . ( 6 ) بحار الأنوار : 38 / 7 ح 13 . ‹ هامش ص 86 › ( 1 ) بحار الأنوار : 28 / 38 ح 1 بتفاوت والحديث طويل . ( 2 ) بحار الأنوار : 39 / 92 ح 1 باختصار . ( 3 ) بحار الأنوار : 40 / 7 ح 17 وفيه : ليلة القربة بدل الفدية مع تفاوت في بقية الحديث . ( 4 ) إلى هنا الرواية في بحار الأنوار : 23 / 57 ح 1 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ( 4 ) : أنا سيد النبيين ووصيي سيد الوصيين ، وإن الله أوحى إلى آدم يا آدم إني أكرمت الأنبياء بالنبوة ، وجعلت لهم أوصياء وجعلتهم خير خلقي ، فأوصى إلى شيث ابنك وأوصى شيث إلى سنان ، وسنان إلى محلث وأوصى محلث إلى محقوق ومحقوق إلى عيثما وعيثما إلى أخنوخ ، وهو إدريس وأوصى إدريس إلى ناحور ، وناحور إلى نوح ونوح إلى سام ، وسام إلى عابر وعابر إلى برعانا ، وبرعانا إلى يافث ويافث إلى أبره وأبره إلى خفيسة ، وخفيسة إلى عمران ودفعها عمران إلى إبراهيم ، وإبراهيم إلى إسماعيل وإسماعيل إلى إسحاق ، وأوصى إسحاق إلى يعقوب ويعقوب إلى يوسف ، ويوسف إلى شريا وشريا إلى شعيب ودفعها شعيب إلى موسى ، وموسى إلى يوشع بن نون ويوشع إلى داود وداود إلى سليمان ، ‹ صفحة 87 › وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا وأوصى آصف زكريا ، ودفعها زكريا إلى عيسى ابن مريم وأوصى عيسى إلى شمعون وأوصى شمعون إلى يحيى ، ويحيى إلى منذر ومنذر إلى سليمة ودفعها سليمة إلى بردة ودفعها بردة إلي ، وأنا دافعها إليك يا علي وتدفعها أنت إلى الحسن ويدفعها الحسن إلى الحسين ، ويدفعها الحسين إلى أوصيائه حتى تدفع خير أهل الإرث بعدك ، ولتكفرن بك الأمة ولتختلفن عليك ، والثابت عليك كالثابت معي ، والشاذ عنك في النار ، والنار مثوى الكافرين ( 1 ) . وإن الله جعل لكل نبي عدوا من شياطين الأنس والجن . احتج خصم ، فقال : كيف تجدد النص ( كذا ) عليه السلام مخالفة هذه الوصية إذ كتمها بعد هذا النص الصريح على علي ؟ فقلت له : ألست تعلم أنت وكل مسلم أن اليهود والنصارى كتموا نص موسى وعيسى على محمد صلى الله عليه وآله ونسوا اسمه الموجود في التوراة والإنجيل المذكور في صريح القرآن واستدبروه وجحدوه وكتموه ولم يلتفتوا إليه ، وأن قوم موسى شهدوا على موسى باستخلافه لهارون أخيه ، ولما غاب عنهم عكفوا على العجل وأرادوا قتل هارون ، وقد صرح القرآن بذلك ، وأن اليهود جحدوا صريح النص على محمد صلى الله عليه وآله في كتابهم جهلا وحبا للرئاسة ، وهكذا ضل من هو دونهم طلبا للرئاسة وحسدا على النعمة والفضيلة ، أوليس قد قال النبي صلى الله عليه وآله : ستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين ( 2 ) ، ( 3 ) واحدة ناجية والباقون في النار ، وهذا عذر واضح لعلي عليه السلام وعترته وقعودهم عن حقهم ، لأنه لا تقوى فرقة واحدة على اثنتين وسبعين ، وأين أهل النصر لهم وقد أعذر القرآن من ( أقر ) عن أكثرهم مرائين بغير خلاف . ثم إن الله سبحانه قد نص على معرفته أبلغ مما نص على أوليائه في المشارق والمغارب من حكم هو صانعها ، وآيات هو موجود بدئها ، كل عاقل يشهد بوجود الصانع وقدرته ، وقد كان قوم جحدوا وأنكروا وجود الصانع وما آمن بوحدانيته إلا قليل ، فعند ذلك تهذيب للبس الأمر ، والثابت عليك كالثابت معي ، والشاذ عنك في النار والنار مثوى للكافرين ، إن الله جعل لكل نبي عدوا شياطين الأنس والجن وعدوا من المجرمين ، فعدو آدم إبليس وعدو سليمان الشياط ين ، وعدو شيث أولاد قابيل وعدو أنوش كيومرث ، وعدو إدريس الضحاك وعدو نوح عوج وجهانيان ، وعدو صالح ‹ صفحة 88 › افراسياب وعدو إبراهيم نمرود بن كنعان ، وعدو موسى فرعون وقارون وهامان وعوج بن بلعام ، وعدو يوشع بن نون لهراسب وعدو داود جالوت ، وعدو عيسى أشبح بن أشجان ، وعدو شمعون بخت نصر ، وعدو محمد صلى الله عليه وآله أبو جهل وأبو لهب ، وعدوك يا علي تيم وعدي وبنو أمية ، والله عدو للكافرين . وإنما حسدك على فضلك أهل العداوة والحسد . ( 1 ) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن حب أهل بيتي ينفع من أحبهم في سبع مواطن مهولة : عند الموت ، وفي القبر وعند القيام من الأجداث ، وعند تطاير الصحف وعند الميزان ، وعند الصراط ، فمن أحب أن يكون آمنا في هذه المواطن فليوال عليا بعدي وليتمسك بالحبل المتين علي بن أبي طالب عليه السلام وعترته من بعده ، فإنهم خلفائي وأوليائي ، علمهم علمي وحلمهم حلمي ، وأدبهم أدبي وحبهم حبي ، سادة الأولياء وقادة الأتقياء ، وبقية الأنبياء ، حربهم حربي وعدوهم عدوي ( 2 ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لحذيفة بن اليمان : يا حذيفة إن عليا حجة الله الإيمان به إيمان بالله ، والكفر به كفر بالله والشرك به شرك بالله ، والشك فيه شك في الله والإلحاد فيه إلحاد في الله والإنكار له إنكار لله ، والإيمان به إيمان بالله ، يهلك فيه رجلان ولا ذنب له : محب غال ، ومبغض قال ( 3 ) . وقال صلى الله عليه وآله : خذوا بحجزة الأنزع البطين علي بن أبي طالب فهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم ، من أحبه أحبه الله ومن أبغضه أبغضه الله ومن تخلف عنه محقه الله ( 4 ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله يوما وقد أخذ بيدي الحسن والحسين عليهما السلام قال : أنا رسول الله وهذان الطيبان سبطاي وريحانتاي ، فمن أحبهما وأحب أباهما وأمهما كان معي يوم القيامة وفي درجتي ، ألا وإن الله خلق مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي ، أنا أكرمهم على الله ولا فخر ، وخلق مائة ألف وصي وأربعة وعشرين ألف وصي ، علي أكرمهم وأفضلهم عند الله ، ‹ صفحة 89 › ألا وإن الله يبعث أناسا وجوههم من نور على كرسي من نور عليهم ثياب من نور في ظل عرش الرحمن بمنزلة الأنبياء ، وليسوا أنبياء ، وبمنزلة الشهداء وليسوا شهداء ، فقال رجل : أنا منهم يا رسول الله ؟ فقال : لا ، فقال آخر : أنا منهم . فقال : لا . فقيل : من هم يا رسول الله ؟ فوضع يده الشريفة على كتف علي وقال : هذا وشيعته ، ألا إن عليا والطيبين من عترته كلمة الله العليا وعروته الوثقى وأسماؤه الحسنى مثلهم في أمتي كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، ومثلهم في أمتي كالنجوم الزاهرة كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة ، ألا وإن الإسلام بني على خمس دعائم : الصلاة والزكاة ، والصوم والحج ، وولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولم يدخل الجنة حتى يحب الله ورسوله وعلي بن أبي طالب وعترته ( 1 ) . وروى السدي في قوله تعالى : ( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) ( 2 ) ، قال : شيعة علي يعدلون بالحق من صد عنه ويهتدون بالدين القيم وهو حب علي وعترته . ( 3 ) وروى أيضا قوله تعالى : يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ( 4 ) قال : شيعة علي على الصراط المستقيم وهو حب علي ، ويأمرون به وهو العدل . ( 5 ) ( وروى ) أحمد أن الصراط لا يجوز عليه إلا من عرف عليا وعرفه ، وأن الجنة لا يدخلها إلا من كان في صحيفته حب علي وعترته ( 6 ) . وروى ابن عباس أن جبرئيل يجلس يوم القيامة على باب الجنة فلا يدخلها إلا من كان معه براءة من علي ( 7 ) . وروى في تفسيره الوكيع بن الجراح عن السدي وسفيان الثوري أن الصراط المستقيم حب علي ( 8 ) . ‹ صفحة 90 › ومن كتاب الأمالي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما عرج بي إلى السماء السابعة ، ومنها إلى سدرة المنتهى ومنها إلى حجب النور ناداني ربي جل جلاله يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فلي فاخضع ، وإياي فاعبد وعلي فتوكل فإني قد رضيتك عبدا وحبيبا ورسولا ورضيت لك عليا خليفة وبابا ، وجعلته حجتي على عبادي وأمانا لخلقي ، به يقام ديني وتحفظ حدودي وتنفذ أحكامي ، ويعرف أعدائي من أوليائي وبالأئمة من ولده أرحم عبادي ، وبالقائم المهدي أعمر أرضي بتسبيحي وتقديسي وتهليلي وتمجيدي ، وبه أطهر الأرض من أعدائي وبه أحيي عبادي وبلادي وبه أظهر الكنوز والذخائر وأظهره على الأسرار والضمائر ، وأنصره بأوليائي وأمده بملائكتي فهو وليي حقا ومهدي عبادي صدقا ( 1 ) . ومن كتاب المناقب مرفوعا إلى ابن عمر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت يا رسول الله ما منزلة علي منك ؟ فغضب ثم قال : ما بال قوم يذكرون رجلا عند الله منزلته كمنزلتي ومقامه كمقامي ، إلا النبوة ، يا بن عمر إن عليا مني بمنزلة الروح من الجسد ، وإن عليا مني بمنزلة النفس من النفس ، وإن عليا مني بمنزلة النور من النور ، وإن عليا مني بمنزلة الرأس من الجسد ، وإن عليا مني بمنزلة الزر من القميص ، يا بن عمر ، من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد غضب الله عليه ولعنه ، ألا ومن أحب عليا فقد أوتي كتابه بيمينه وحوسب حسابا يسيرا ، ألا ومن أحب عليا لا يخرج من الدنيا حتى يشرب من الكوثر ويأكل من طوبى ، ويرى مكانه من الجنة . ألا من أحب عليا هانت عليه سكرات الموت وجعل قبره روضة من رياض الجنة ، ألا ومن أحب عليا أعطاه الله بكل عضو من أعضائه خولا وشفاعة ثمانين من أهل بيته ، ألا ومن عرف عليا وأحبه بعث الله إليه ملك الموت كما يبعث إلى الأنبياء وجنبه أهوال منكر ونكير وفتح له في قبره مسيرة عام ، وجاء يوم القيامة أبيض الوجه يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بعلها ، ألا ومن أحب عليا أظله الله تحت ظل عرشه وأمنه يوم الفزع الأكبر ، ألا ومن أحب عليا قبل الله حسناته ودخل الجنة آمنا ، ألا ومن أحب عليا سمي أمين الله في أرضه ، ألا ومن أحب عليا وضع على رأسه تاج الكرامة مكتوبا عليه أصحاب الجنة هم ‹ صفحة 91 › الفائزون ، وشيعة علي هم المفلحون ، ألا ومن أحب عليا مر على الصراط كالبرق الخاطف ، ألا ومن أحب عليا لا ينشر له ديوان ولا ينصب له ميزان ، وتفتح له أبواب الجنة الثمان ، ألا ومن أحب عليا ومات على حبه صافحته الملائكة وزارته أرواح الأنبياء ، ألا ومن مات على حب علي فأنا كفيله الجنة ، ألا وإن لله بابا من دخل منه نجا من النار وهو حب علي ، ألا ومن أحب عليا أعطاه الله بكل عرق في جسده وشعرة في بدنه مدينة في الجنة ، يا بن عمر ، ألا وإن عليا سيد الوصيين وإمام المتقين ، وخليفتي على الناس أجمعين ، وأبو الغر الميامين ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 86 › ( 1 ) بحار الأنوار : 28 / 38 ح 1 بتفاوت والحديث طويل . ( 2 ) بحار الأنوار : 39 / 92 ح 1 باختصار . ( 3 ) بحار الأنوار : 40 / 7 ح 17 وفيه : ليلة القربة بدل الفدية مع تفاوت في بقية الحديث . ( 4 ) إلى هنا الرواية في بحار الأنوار : 23 / 57 ح 1 . ‹ هامش ص 87 › ( 1 ) بحار الأنوار : 23 / 57 ، ح 1 . ( 2 ) وفي رواية اثنين وسبعين . ( 3 ) راجع : سنن أبي داود ح 4597 كتاب السنة ، ومسند أحمد : ح 16490 . ‹ هامش ص 88 › ( 1 ) بحار الأنوار : 27 / 162 ح 10 . ( 2 ) بحار الأنوار : 38 / 97 ح 14 والحديث طويل اختصره المصنف ، ينابيع المودة : 1 / 253 . ( 3 ) بحار الأنوار : 23 / 129 ح 60 . ‹ هامش ص 89 › ( 1 ) بحار الأنوار : 23 / 125 ح 53 و : 68 / 376 ح 22 . ( 2 ) الأعراف : 181 . ( 4 ) وورد أن حب آل محمد جواز على الصراط . ضوء الشمس : 1 / 99 . ( 5 ) في البحار : 35 / 363 الصراط المستقيم هو علي ، وفي 39 / 202 جواز الصراط المستقيم حب علي . ( 6 ) ورد أن حب علي براءة من النار . الفردوس : 2 / 142 ح 2723 . ( 7 ) مناقب الخوارزمي : 320 ، ومائة منقبة : 63 . ( 8 ) ورد أن أهل البيت هم الصراط المستقيم . راجع رشفة الصادي : 25 . ‹ هامش ص 90 › ( 1 ) بحار الأنوار : 23 / 128 ح 58 . ‹ هامش ص 91 › ( 1 ) بحار الأنوار : 24 / 45 ح 17 بتفاوت .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
طاعته طاعتي ، ومعرفته هي معرفتي ، يا بن عمر والذي بعثني بالحق نبيا لو كان أحدكم صف قدميه بين الركن والمقام يعبد الله ألف عام ، ثم ألف عام صائما نهاره قائما ليله ، وكان له ملء الأرض مالا فأنفقه ، وعباد الله ملكا فأعتقهم ، وقتل بعد هذا الخير الكثير شهيدا بين الصفا والمروة ، ثم لقي الله يوم القيامة باغضا لعلي لم يقبل الله له عدلا ولا صرفا وزج بأعماله في النار وحشر مع الخاسرين ( 1 ) .

فصل علي أمير المؤمنين عليه السلام فهو المنتجب بالوصية المنتخب من الطينة الزكية الحاكم بالسوية العادل في القضية ، العالي البنية إمام سائر البرية ، بعل فاطمة الرضية ، والد العترة الزكية ، ليث الحروب ومفرج الكروب ، الذي لم يفر من معركة قط ، ولا ضرب بسيفه إلا قط ، ولا لقي كتيبة إلا انهزمت ولم يقاتل تحت راية إلا غلبت ، ولم يفلت من بأسه بطل ولا ضرب بحسامه شجاعا إلا قتل ، ولم يرافق سرية إلا كان النصر معها ، ولم يلق جحفلا إلا ولوا مدبرين وانقلبوا صاغرين ، وكانت وثبته إلى عمرو أربعين ذراعا ورجوعه إلى خلف عشرين ذراعا ، وضرب الكافر يوم أحد فقطعه وجواده نصفين ثم حمل على سبعة عشر كتيبة جمعها سبعون ألفا ففرقها ، وبدد شملها ومزقها ، حتى تحير الفريقان من بأسه وتعجبت الأملاك من حملاته ، وهذه خواص إلهية وآيات ربانية ، الليث الباسل والبطل الجلاجل ، والهزبر المنازل والخطب النازل ، والقسورة الذي واتباعه فضيلة ، ومحبته إلى الله وسيلة ، ومن أحبه في حياته وبعد وفاته كتب الله له من الأمن والإيمان ما ‹ صفحة 92 › طلعت عليه الشمس وغربت . وها أنا أقول : هي الشمس أم نور الضريح يلوح * هو المسك أم طيب الوصي يفوح وبحر ندى أم روضة حوت الهدى * وآدم أم سر المهيمن نوح وداود هذا أم سليمان بعده * وهارون أم موسى العصا ومسيح وأحمد هذا المصطفى أم وصيه * علي سماه هاشم وذبيح سماه محيط المجد بدر دجنة * وصبح جلال في الأنام يلوح حبيب حبيب الله بل سر سره * وعين الورى بل للخلايق روح له النص في يوم الغدير ومدحه * من الله في الذكر المبين صريح إمام إذا ما المرء جاء بحبه * فميزانه يوم المعاد رجيح له شيعة مثل النجوم زواهر * إذا جاء ولت تلقى العدو طريح عليك سلام الله يا راية الهدى * سلام سليم يغتدي ويروح ( 1 )

فصل قال سبحانه وتعالى : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ( 2 ) قال ابن عباس : هي في ثلاث كلمات لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله . ( 3 ) وكل واحدة من هذه رباط الأخرى ، وهي المسؤول عنها في القبر وإليها الإشارة بقوله : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) ( 4 ) فالسمع للتوحيد ، والبصر للنبوة ، والفؤاد للولاية. فصل الدين عدل الله والعدل قسط الله ، والقسط هو القسطاس المستقيم ، والقسطاس هو الميزان ، فالدين هو الولاية . ‹ صفحة 93 ›

فصل( علي عليه السلام الميزان يوم القيامة )

 قال الله سبحانه : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) ( 1 ) قال ابن عباس : الموازين الأنبياء والأولياء ( 2 ) ، والميزان يقتضي كفتين وشاهدين ضرورة فالكفة الأولى منه : لا إله إلا الله ، وقسطاسه المرفوع : محمد رسول الله قائما بالقسط ، والكفة الأخرى : علي ولي الله ، وإليه الإشارة بقوله : والسماء رفعها ووضع الميزان . قال ا لعالم عليه السلام : السماء رسول الله والميزان علي ( 3 ) لأن بحبه توزن الأعمال ، وقوله : ولا تخسروا الميزان ( 4 ) أي لا تظلموا عليا حقه لأنه من جهل حقه لا ميزان له . وروي في قوله تعالى : الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ( 5 ) قال : الكتاب القرآن والميزان الولاية ، ( 6 ) وقال علي بن إبراهيم ( 7 ) : الكتاب علي والميزان أيضا علي ، لأنه ما لم تكن لك الولاية فلا دين ولا كتاب ، لأن الولاية بها يتم الدين وبها ينعقد اليقين ، فالولاية هي ميزان العباد يوم المعاد ، فإذا وضعت السماوات والأرض وما بينهما من الراسيات والشامخات ، مقابل لا إله إلا الله فلا يلزم يقوم لها وزن ، وضعت الولاية مقابلها وهي علي ولي الله رجحت الميزان لأن الولاية معها التوحيد ، والنبوة لأنها جزء من التوحيد ، وجزء من النبوة فهي جامعة لسر التوحيد ، والنبوة خاتمة لهما وذلك لأن لا إله إلا الله روح الإيمان وظرف الباطن محمد رسول الله رسوخ الإسلام وظرف الظاهر علي ولي الله ظرف الإسلام والإيمان ، وروح الظاهر والباطن . فلهذا لو جاء العبد يوم القيامة وفي ميزانه الجبال الراسيات من الأعمال الصالحات ، وليس فيه ولاية علي التي هي كمال الدين ، ورجح الموازين لا بل كمال سائر الأديان ، لأن دين محمد كمال كل دين وختم كل شريعة للنبيين وتصديقا للمرسلين ، وحب علي كمال هذا الكمال ، وختم هذا الخاتم وتمام هذا المتمم والمكمل ‹ صفحة 94 › للكمال كمال الكمال ، والكمال جمال فحب علي كمال كل دين ، لأن الله لم يبعث نبيا يدعو الناس إليه ويدل عباده عليه ، إلا وقد أخذ عليه ولاية علي طوعا أو كرها فكل دين ليس معه حب علي وولايته فلا كمال له ، وما لا كمال له ناقص ، والناقص لا يقبل ولا يوزن ولا يعرض ، لأن الله لا يقبل إلا الطيب ، وإليه الإشارة بقوله : ( والوزن يومئذ الحق ) ( 1 ) والحق هو العدل والعدل هو الولاية ، لأن الحق علي فمن كملت موازينه بحب علي رجع وأفلح ، وإليه الإشارة بقوله : فأولئك هم المفلحون ) ( 2 ) وهم أهل الولاية الذين سبقت لهم من الله العناية ، وإليه الإشارة بقوله : ( إليه يصعد ) الكلم الطيب ) ( 3 ) قال : الكلم الطيب : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، والعمل الصالح يرفعه ، قال : العمل الصالح حب علي ، فكل عمل ليس معه حب علي فلا يرفع ، وما لا يرفع لا يسمع ، وما لا يسمع فلا ينفع ، وما لا يرفع ولا يسمع ولا ينفع ، فهو وبال وضلال وهباء منثور . يؤيد هذه المقالة ويحقق هذه الدلالة أن جبرائيل سيد الملائكة ، والأنبياء سادة أهل الأرض ، والرسل سادة الأنبياء وكل منهم سيد أهل زمانه ، ومحمد صلى الله عليه وآله سيد الأنبياء والمرسلين وسيد الخلائق أجمعين لأنه الفاتح والخاتم والأول والآخر ، له سؤدد التقدم والتختم ، لأنه لولاه ما خلقوا وما كانوا فلأحديته على سائر الآحاد شرف الواحد على سائر الأعداد ، وجبرائيل خادمه والأنبياء نوابه ، لأنهم بعثوا إلى الله يدعون وبنبوة محمد يخبرون وبفضله على الكل يشهدون وبولاية علي يقرون وبحبه يدينون وعلي سلطان رسالة محمد وحسامها وتمام أحكامها وختامها . دليله قوله : ( واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ) ( 4 ) يعني عليا وأميرا ووزيرا ، فمحمد سيد أهل السماوات والأرضين ، وعلي نفس هذا السيد وروحه ولحمه ودمه ، وأخوه وفتاه ومؤانسه ومؤاسيه ومفديه ، وسلطان دولته وحامي ملته وفارس مملكته ، فعلي سلطان أهل السماوات والأرضين ، وأميرهم ووليهم ومالكهم ، لأنه أولى بهم من أنفسهم لأنه أمين الله وأميره ، ووليه ووالده في الفخار على الأنس والجنة ، سيدا لشباب أهل الجنة ، فكل من سكن الجنة من الإنس والجن فالحسن والحسين سيداه ، وأهل الجنة سادة الخلائق ، فالحسن والحسين سادة السادات ، ولا يسود أ هل الآخرة إلا من ساد ‹ صفحة 95 › أهل الدنيا ، وأبوهما خير منهما بنص الحديث الذي عليه الإجماع ، فأمير المؤمنين سيد سادات أهل الدنيا والآخرة ، وزوجته الزهراء سيد النساء لأنها بضعة النبوة ولحمه الرسالة ، وشمس الجلالة ودار العصمة : وبقية النبوة ، ومعدن الرحمة ، ومنبع الشرف والحكمة ، فهو السيد ابن السيد أخو السيد أبو السادة قرين السادة والزيادة ، فهو الولي الذي حبه أمان وبغضه هوان ، ومعرفته إيقان ، دليله الإشارة بقوله : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ) ( 1 ) فالرحمة محمد ص ، والفضل علي . دليله قوله : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ( 2 ) يعني بدين محمد وولاية علي ، لأن لأجلهما خلق الخلق وبهما أفاض عليه الرزق ، لأن كل ما ينظره الإنسان فهو الحسن أو الإحسان ، فالحسن هما والإحسان بهما أما الحسن فدليله قوله : ( أول ما خلق الله نوري ) ( 3 ) فهو النور الجاري في آحاد الموجودات ، وأفرادها ، وأما الاحسان فقوله : ( أنا من الله والكل مني ) ( 4 ) فالكل من أجله وبأجله ، فهو الحسن والإحسان كما قيل : جميع ما أنظره جماله * وكل ما خيل لي خياله وكل ما أنشقه نسيمه * وكل ما أسمعه مقاله ولي فم شرفه مديحه * ولي يد كرمها نواله ما يعرف العشق سوى متيم * لذ له قيل الهوى وقاله وذلك لأنه مصدر الأشياء ، ومن هو مصدر الأشياء فعودها إليه ضرورة ، بدؤها منك وعودها إليك ، ومن هو المبدأ والمعاد فزمام الأمور منوط به ، فتقها ورتقها بيدك ومن بيده الفتق والرتق له الحكم وإليه ترجعون .

فصل ولما طلعت شموس الأسرار من مطالع العناية ، ولمعت بوارق الأسرار من مشارق الهداية ، وعرفت أن الحي القيوم جل اسمه فضل الحضرة المحمدية أن جعل نورها هو الفيض الأول ، وجعل ‹ صفحة 96 › سائر الأنوار تشرق منها ، وتتشعشع عنها ، وجعل لها السبق الأول فلها السبق على الكل ، والرفعة على الكل والإحاطة بالكل ، والله من ورائهم محيط ، فكنت كما قيل : تركت هوى ليلى وسعدي بمعزل * وملت إلى محبوب أول منزل ونادتني الأشواك ويحك هذه * منازل من تهوى فدونك فانزل غزلت لهم غزلا دقيقا فلم أجد * له ناسجا غيري فكسرت مغزلي أو كما قيل : نقل فؤادك ما استطعت من الهوى * ما الحب إلا للحبيب الأول فاعلم أن الله سبحانه ما أنعم على عبد بمعرفة محمد وحب علي فعذبه قط ، ولا حرمه عبدا فرحمه قط .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 91 › ( 1 ) بحار الأنوار : 24 / 45 ح 17 بتفاوت . ‹ هامش ص 92 › ( 1 ) أعيان الشيعة : 6 / 468 . ( 2 ) الروم : 30 . ( 4 ) الإسراء : 36 . ‹ هامش ص 93 › ( 1 ) الأنبياء : 47 . ( 2 ) في البحار 7 / 251 عن الإمام الصادق عليه السلام : الموازين الأنبياء والأوصياء . ( 3 ) بحار الأنوار : 24 / 67 ح 1 . ( 4 ) الرحمن : 7 - 8 . ( 5 ) الشورى : 17 . ( 7 ) تفسير القمي : 1 / 30 . ‹ هامش ص 94 › ( 1 ) الأعراف : 8 . ( 2 ) الأعراف : 8 . ( 3 ) فاطر : 10 . ( 4 ) الإسراء : 80 . ‹ هامش ص 95 › ( 1 ) النساء : 83 . ( 2 ) يونس : 58 . ( 3 ) تقدم تخريجه . ( 4 ) تقدم الحديث .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فصل( إتحاد النور ومعناه )

 محمد وعلي نور واحد قديم ، وإنما انقسما تسمية ليمتاز النبي عن الولي كما امتاز الواحد عن الأحد ، فكل أحد واحد ولا ينعكس ، وكذا كل نبي ولي ولا ينعكس ، فلهذا لا توزن الأعمال يوم القيامة إلا بحب علي لأن الولاية هي الميزان كما تقدم . ‹ صفحة 97 ›

فصل( أثر حب علي وطاعته )

 التوحيد لا يقابله شئ قل أم جل ، وكذا حب علي إذا كان في الميزان لا ينقصه شئ من الذنوب قل أم جل ، فإذا كان حبه في الميزان فلا سيئة ، وإذا لم يكن فلا حسنة ، لأن الحسنات بالتحقيق حبه ، والسيئات بغضه ، لأن حبه حسنة لا يضر معها سيئة ، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة ( 1 ) ، وإليه الإشارة بقوله : ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) ( 2 ) وقوله : ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) ( 3 ) وليس في القيامة إلا مؤمن وكافر ومنافق ، والكافر ليست له حسنات توزن ولا للمنافق ، فتعين أن ذلك للمؤمنين المذنبين وإنما وسعه الرحمن لأن من جاء بالإيمان فكان كتابه متصل الحكم ثابتا في دار القضاء لأن مبناه التوحيد ، وشهوده النبوة ، وسجله الولاية ، فوجب له الإيمان من الله ، المؤمن لإنصافه يوم لقائه ، وأما المنافق فهو يجهد في الدنيا قد ضيع الأصل وأكب على الفرع ، والفرع لا يثبت إلا مع الأصل ، ولا أصل هناك فلا فرع إذا فهو يسعى مجدا لكنه ضايع جدا وإليه الإشارة بقوله : ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم ) يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) ( 4 ) فإذا ورد القيامة لا يرى شيئا مما كان يظن أنه يلقاه ، لأن المنافق لا برهان له فأعماله بالظن ، والظن لا يغني من الحق شيئا ، لأن ما لا برهان له لا أصل له ، وما لا أصل له لا فرع له ، فلا قبول له ولا وجود له ، والمنافق لا برهان له فلا أصل له ولا فرع له ، فلا إيمان له ، فلا نجاة له . ودليله ما رواه صاحب الكشاف من الحديث القدسي من الرب العلي أنه قال : لأدخلن الجنة من أطاع عليا وإن عصاني ، ولأدخلن النار من عصاه وإن أطاعني ( 5 ) ، وهذا رمز حسن وذلك لأن حب علي هو الإيمان الكامل ، والإيمان الكامل لا تضر معه السيئات ، فقوله : وإن عصاني فإني أغفر له إكراما له وأدخله الجنة بإيمانه فله الجنة بالإيمان ، وبحب علي العفو والغفران ، وقوله : ولأدخلن النار من عصاه وإن أطاعني وذلك لأنه إذا لم يوال عليا فلا إيمان له ، فطاعته هناك مجازا لا ‹ صفحة 98 › حقيقة لأن الطاعة بالحقيقة حب علي المضاف إليها سائر الأعمال ، فمن أحب عليا فقد أطاع الله ، ومن أطاع الله نجا ، فمن أحب عليا فقد نجا ، فاعلم : أن حب علي الإيمان ، وبغضه الكفر ( 1 ) ، وليس هناك إلا محب ومبغض ، فمحبه لا سيئة له فلا حساب عليه ومن لا حساب عليه فالجنة داره ، ومبغضه لا إيمان له ، ومن لا إيمان له لا ينظر الله إليه فطاعته عين المعصية فعدوه هالك ، وإن جاء بحسنات العباد بين يديه ، ووليه ناج ولو كان في الذنوب إلى شحمتي أذنيه ، وأين الذنوب مع الإيمان المنير ؟ أم أين من السيئات مع وجود الإكسير ؟ فمبغضه من العذاب لا يقال ، ومحبه لا يوقف ولا يقال ، فطوبى لأوليائه وسحقا لأعدائه . يؤيد هذا ما رواه ابن عباس ، قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : يا رسول الله أينفعني حب علي في معادي ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله : لا أعلم حتى أسأل جبرائيل ، فنزل جبرائيل مسرعا فقال له النبي صلى الله عليه وآله : أينفع هذا حب علي ؟ فقال : لا أعلم حتى أسأل إسرافيل ، ثم ارتفع فسأل إسرافيل ، فقال : لا أعلم حتى أناجي رب العزة ، فأوحى الله إلى إسرافيل قل لجبرائيل يقل لمحمد : أنت مني حيث شئت ، وأنا وعلي منك حيث أنت مني ، ومحب علي مني حيث علي منك ( 2 ) . يؤيد هذا ما رواه الرازي في كتابه مرفوعا إلى ابن عباس قال : إذا كان يوم القيامة أمر الله مالكا أن يسعر النار ، وأمر رضوان أن يزخرف الجنة ثم يمد الصراط ، وينصب ميزان العدل تحت العرش ، وينادي مناد : يا محمد قرب أمتك إلى الحساب ، ثم يمد على الصراط سبع قناطر بعد كل قنطرة سبعة آلاف سنة ، وعلى كل قنطرة ملائكة يتخطفون الناس فلا يمر على هذه القناطر إلا من والى عليا وأهل بيته ، وعرفهم وعرفوه ، ومن لم يعرفهم سقط في النار على أم رأسه ولو كان معه عبادة سبعين ألف ( 3 ) عابد لأنه لا يرجح في الحشر ميزان ، ولا تثبت على الصراط قدم إنسان إلا بحب علي . وإليه الإشارة بقوله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ( 4 ) يعني في الدنيا وليه يغلب خصمه ، وفي الآخرة يثبت قدمه ، دليل ذلك ما رواه ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ما ثبت حبك في قلب مؤمن إلا وثبت قدمه على الصراط حتى يدخله الجنة ( 5 ) . ‹ صفحة 99 ›

فصل( موالاة علي وعدم إدراك كنهه )

 أيها الطائر في جو التقليد لا يأوي على غدران الحكماء ، ولا يرتع في رياض العلماء ، ولا ينبت في قلبه حب الحب ، ولا يثبت إلا في محجبات الكتاب ، إلى متى أنت بعيد عن النور ؟ محجوب عن السرور ، غافل عن أسرار السطور ، مكب على النظر في سواد المسطور ، أما أسمعك منادي الرحمن ؟ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ( 1 ) ، إلى متى أنت كشارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا ؟ ألم تعلم أن الله سبحانه خلق تسع عشر ألف عالم وألف ألف عالم مبدؤها نور الحضرة المحمدية وسرها الولاية الإلهية وختمها الخلافة المهدية والعصمة الفاطمية ؟ وذلك كله فاض عن الكلمة الإلهية ( الغيب ) وهو ألف غير معطوف كما قالوا : ( 1111 ) ألف معطوف ، وألف غير معطوف ، وألف عنده الوقوف ، وألف هو منتهى الألوف ، خلقها وهو غني عن خلقها ، وسلمها إلى الولي الكامل لأنه وليه الذي أقامه في الخلق مقامه ، فهو الولي المطلق والمتصرف العادل ، فلا يسأل عما يفعل ، وكيف يسأل المؤيد بالحكمة ؟ المخصوص بالعصمة ، الذي يريد الله ما يفعل لأن فعله الحق ، والعدل ، ويفعل الله ما يريد ، لأنه لا يريد إلا ما يريد الله ، لأن قلبه مكان مشيئة الله ، أوجده موجد الكل قبل الكل ، وأوجد لأجله الكل واختاره على الكل ، وولاه أمر الكل وحكمه على الكل ، فهو الكلمة التامة ، والحاكم يوم الطامة ، وكيف لا يكون كذلك وشيعته غدا بيض الصحايف ، خضر الملابس ، آمنين من العذاب ، يدخلون الجنة بغير حساب . دليل ذلك ما رواه صاحب كتاب الأربعين عن أنس بن مالك قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد يا علي يا ولي ، يا سيد يا صديق يا ديان يا هادي ، يا زاهد يا فتى يا طيب يا طاهر ، مر أنت وشيعتك إلى الجنة ، بغير حساب . يؤيد ذلك ما رواه صاحب كتاب النخب قال : تشاجر رجلان في خلافة علي وإمامته فجاءا إلى شريك فسألاه ، فقال لهما : حدثني الأعمش عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : إن الله خلق عليا قضيبا في الجنة من تمسك به فهو من أهل الجنة ، فاستعظم الرجل ذلك فجاء إلى ابن ‹ صفحة 100 › الدراج فأخبره ، فقال : لا تعجب حدثني الأعمش عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الله خلق قضيبا من نور في بطنان العرش لا يناله إلا علي ومن تولاه . فقال الرجل : هذا من ذاك نمضي إلى وكيع ، فجاء فأعلمه فقال : لا تعجب ، حدثني الأعمش عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : أركان العرش لا ينالها إلا علي وشيعته ، فاعترف الرجل بفضل علي عليه السلام ( 1 ) . ومن كتاب المناقب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن لله عمودا من نور يضئ لأهل الجنة كالشمس لأهل الدنيا لا يناله إلا علي وشيعته ( 2 ) ، وإن حلقة باب الجنة من ياقوتة حمراء طولها خمسون عاما ، صفائح من ذهب إذا نقرت طنت وقالت في طنينها : يا علي ( 3 ) . وكيف لا يكون كذلك ؟ وهو الاسم الأعظم الذي به تنفعل الكائنات ، الحاكم المتصرف في سائر الموجودات ، فهو الأول والآخر والباطن والظاهر ، الأول بالأنوار والآخر بالأدوار ، والباطن بالأسرار ، الظاهر بالآثار ، فهو مقام الرب العلي في وجوب الطاعة ، والأمر نطقت فيه كلمته ، وظهرت عنه مشيته ، فهو كهو في وجوب الطاعة وامتثال الأمر والرفعة على الموجودات ، والحكم على البريات ، وليس هو هو بالذات المقدسة المنزهة عن الأشباه والأمثال ، المتعالية عن الصورة والمثال ، لا فرق بينهما وبينك إلا أنهم عبادك وخلقك . يؤيد هذا ما ورد في الحديث القدسي عن الرب العلي أنه يقول : عبدي أطعني أجعلك مثلي أنا حي لا أموت ، أجعلك حيا لا تموت ، أنا غني لا أفتقر أجعلك غنيا لا تفتقر ، أنا مهما أشأ يكن أجعلك مهما تشأ يكن ( 4 ) . ومنه أن لله عبادا أطاعوه فيما أراد فأطاعهم فيما أرادوا يقولون للشئ كن فيكون ( 5 ) . وذلك لأن لكل عباد الله فإذا اختار الله عبدا ألبسه خلعة التفضيل ، ونادى له في الممالك بالتصرف والتبجيل ، وجعل له الولاية المطلقة فصار عبدا لحضرته وخالصا لولايته ، ومولى لعباده وبريته وواليا في مملكته ، وهو المتصرف الوالي بإذن الرب المتعالي ، ولهذا قالوا : جنبونا آلهة تعبد ، ‹ صفحة 101 › واجعلوا لنا ربا نؤوب إليه ، وقولوا فينا ما استطعتم ( 1 ) وذاك كما قيل : جنبوهم قول الغلاة وقولوا * ما استطعتم في فضلهم أن تقولوا فإذا عدت سماء مع الأرض * إلى فضلهم فذاك قليل وعنهم عليهم السلام ، أنهم قالوا : كونوا لنا زينا ، ولا تكونوا علينا شينا ( 2 ) ، فإنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه قرابة . ألا من ائتم بإمام فليعمل بعمله ، فما معنا براءة من النار ، وليس لنا على الله من حجة فاحذروا المعصية لنا والمغالاة فينا ، فإن الغلاة شر خلق الله يصغرون عظمة الله ويدعون الربوبية لعباد الله ، والله إن الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ، وإلينا يرجع الغالي فلا نقبله لأن الغالي اعتاد ترك الصلاة والزكاة والصوم ، فلا يقدر على ترك عادته وبنا يلحق المقصر فنقبله لأن المقصر إذا عرف عمل .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 97 › ( 1 ) بحار الأنوار : 39 / 248 ح 10 و 256 ح 33 . ( 2 ) الفرقان : 70 . ( 3 ) الفرقان : 23 . ( 4 ) الكهف : 104 . ( 5 ) في الحديث : من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله . البحار : 52 / 350 ‹ هامش ص 98 › ( 1 ) بحار الأنوار : 26 / 263 ح 48 . ( 2 ) مائة منقبة : 43 ، والجواهر السنية للحر العاملي : 303 . ومدينة المعاجز 438 تفاوت ( 3 ) بحار الأنوار : 39 / 209 ح 32 . ( 4 ) إبراهيم : 27 . ( 5 ) بحار الأنوار : 27 / 77 ح 8 بتفاوت بسيط . ‹ هامش ص 99 › ( 1 ) محمد : 24 . هامش ص 100 › ( 1 ) تقدم الحديث . ( 2 ) بحار الأنوار : 39 / 268 ح 45 . ( 3 ) بحار الأنوار : 39 / 235 ح 18 . ( 4 ) رواه باختصار في جامع الأسرار : 204 ح 393 . ( 5 ) تقدم الحديث مع تخريجه . ‹ هامش ص 101 › ( 1 ) بحار الأنوار : 25 / 283 ح 30 بتفاوت . وقريب منه في بصائر الدرجات : 241 ح 5 والبحار : 25 / 347 . ( 7 ) الشفاء : 2 / 153 . ( 8 ) بحار الأنوار : 35 / 129 ح 74 . ( 2 ) بحار الأنوار : 71 / 286 ح 41 . ( 3 ) وشرح الزيارة الجامعة 1 / 201 بلفظ : وادفعوا عنا . . ورد عنهم : لا تجعلوا في فضلنا ما شئتم . البحار 26 / 2 ح 1 . ( 4 ) تقدم الحديث مع تخريجه ( 6 ) أخبار الدول : 84 والمعجم الأوسط : 3 / 323 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وعنهم عليهم السلام أنهم قالوا : نزهونا عن الربوبية وارفعوا عنا حظوظ البشرية ( 3 ) - يعني الخطوط التي تجوز عليكم - فلا يقاس بنا أحد من الناس ( 4 ) ، فإنا نحسن الأسرار الإلهية لمودعة في الهياكل البشرية ، والكلمة الربانية الناطقة في الأجساد الترابية ، وقولوا بعد ذاك ما استطعتم فإن البحر لا ينزف ، وعظمة الله لا توصف . فيا أيها الواقف بين جدران التقليد ، تنظر إلى الحق من بعيد ، أما بلغك أن النبي صلى الله عليه وآله حن الجذع اليابس إليه ، وقبل البعير قدميه ، وانشق لعظمته القمر ونبع الماء الطاهر من بين يديه وانهمر ، واخضر العود اليابس في يديه وأثمر ( 5 ) ، وكان يرى من خلفه كما يرى بين يديه إذا نظر ( 6 ) ، ولا ينام قلبه لنوم عينيه ( 7 ) ، ولا يؤثر في الرمل وطء قدميه ، ويؤثر في الحجر ، وكان يظله الغمام إذا سار وسفر ( 8 ) ، وركب البراق فاخترق السبع الطباق في أقل من لمح البصر ، الجوهر الشفاف ‹ صفحة 102 › الذي ليس له ظل كظل البشر ( 1 ) ، وفي ذلك آيات لمن نظر واعتبر ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام مشاركا له فيما غاب وحضر ، فهو السر الذي لا ينكره إلا من أبى وكفر ، والولي الذي تعرض عليه أعمال البشر ( 2 ) ، وإليه الإشارة بقوله : ( ظاهري إمامة وباطني غيب لا يدرك ) ( 3 ) ، فهم في الأجساد أشباح ، وفي الأشباح أرواح ، وفي الأرواح أنوار ، وفي الأنوار أسرار ، فهم الصفوة والصفات والأصفياء ، وإليه الإشارة بقوله : ( لولانا ما عرف الله ولولا الله ما عرفنا ) ( 4 ) ، كما قيل : فلولاه وإيانا * لما كان الذي كانا فصار الأمر مقسوما 8 بإياه وإيانا والشبح هو الذي يرى شخصه ، ولا يعرف معناه . ‹ صفحة 103 ›

فصل ( علم آل محمد للغيب )

وهنا إننا نورد في هذا الفصل شمة من أسرار الأئمة الهداة والبررة السادات ، والميامين الولاة ، ونطقهم بالمغيبات ، وإظهارهم الكرامات وإبرازهم الخفيات ، توبيخا لأهل الجهالات ، الذين أنكروا هذه الحالات ، ومنعوا هذه الصفات ، وزعموا أنهم من العداة . وكيف لا يطلعون على الغيب ( 1 ) ؟ ‹ صفحة 106 › وعلمه واجب لهم من وجوه : الأول أن الله سبحانه سطر في اللوح المحفوظ علم ما كان وما يكون ، ثم أبرز إلى كل نبي منهم ما يكون له ولأوصيائه ، إلى ظهور الشريعة التي تأتي بعده حتى ختمت الرسل بفاتحهم ، وختمت الشرايع بخاتمها ، فوجب أن يكون عنده علم ما سبق وما يلحق إلى يوم القيامة ، لكونه خاتما لأن كتابه الجامع المانع ، ثم أنه ليلة المعراج لما وصل المقام الأسنى ، وكان قاب قوسين أو أدنى ، وعلا على اللوح المحفوظ رفعة وعلما ، وخوطب من الأسرار الإلهية بما ليس في اللوح ، فكان علم الغيب الأول والآخر عنده وله ( 1 ) ، بل هو اللوح المحفوظ لأنه السابق على الكل ‹ صفحة 108 › وجودا ، والممد للكل جودا ، فعلم ما كان وما يكون عنده وعند أوصيائه . واحتجاج الجاهلين ، ووقوف المقلدين عند قوله ( لا أعلم ما وراء هذا الجدار إلا ما علمني ربي ) ( 1 ) فيه أسرار كثيرة : الأول أنه شهد أن علمه من الله الذي اختاره واصطفاه ، الثاني قوله : لا أعلم ، أي لا أنطق من العلم ولو بما وراء هذا الجدار إلا إذا أمرت لأنه كان ينتظر الغيب إذا سئل ، وهم يقولون : معلم مجنون ، فكيف لو نطق به قبل أن يسأل أو قبل أن يؤمر وادعاه وهم متهموه بالسحر والكهانة ، لكان ذاك منافيا للحكمة ، وكان إذا سئل صبر حتى يؤمر ، ليندفع ظن الملحدين فيه . ( 2 ) وكيف يحجب عنهم علم الغيب والكرامات وهم خلفاء الله على الخلائق وأمناؤه على الحقائق ؟ وويل لمنكر والمنافق ، فمن ذلك . ‹ صفحة 109 ›

( الفصل الأول )في أسرار النبي المصطفى وبعده آله الذين اصطفى

فمن ذلك أسرار مولده : رواه زياد بن المنذر عن ليث بن سعيد قال : قلت لكعب الأحبار وهو عند معاوية ، كيف تجدون صفة مولد النبي صلى الله عليه وآله ؟ وهل تجدون لعترته فضلا ؟ فالتفت إلى معاوية لينظر كيف هو فأنطقه الله فقال : هات يا أبا إسحاق ، فقال كعب : إني قرأت اثنين وسبعين كتابا نزلت من السماء ، وقرأت صحيفة دانيال ووجدت في الكل مولده ومولد عترته ، وإن اسمه لمعروف ، ولم يولد نبي نزلت عليه الملائكة قط ما خلا عيسى وأحمد ، وما ضرب على آدمية حجب الجثة غير مريم وآمنة ، وكان علامة حمله أن نادى مناد في السماء في الليلة التي حملت به آمنة عليها السلام : أبشروا يا أهل السماء ، فقد حمل الليلة بأحمد ، وفي الأرض كذلك حتى في البحور ، وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدب ولا طائر يطير ، إلا وعلم بمولده صلى الله عليه وآله ، ولقد بني في الجنة ليلة ولادته سبعون ألف قصر من ياقوت أحمر ، وسبعون ألف قصر من اللؤلؤ الرطب ، وسميت قصور الولادة ، وقيل للجنة : اهتزي وازيني ، فإن نبي أولئك قد ولد ، فضحكت الجنة يومئذ فهي ضاحكة إلى يوم القيامة ، وبلغنا أن حوتا من حيتان البحر يقال له طموسا وهي سيدة الحيتان ، لها سبعمائة ألف ذنب تمشي على ظهور سبعمائة ألف ثور ، الواحد أكبر من الدنيا ، لكل ثور منها سبعمائة ألف قرن من زمرد أخضر اضطرب فرحا لمولده ، ولولا أن الله تعالى ثبته لجعل عاليها سافلها ، وبلغنا يومئذ أنه ما بقي جبل إلا لقي صاحبه بالبشارة ويقول : لا إله إلا الله ، ولقد خضعت الجبال كلها لأبي قبيس كرامة لمحمد صلى الله عليه وآله ، ولقد قدست الأشجار أربعين يوما بأغصانها ، وأزهارها وثمارها ، فرحا بمولده ، ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عمودا من نور ، ولقد بشر آدم بمولده فزاد في حسنه سبعين ضعفا ، ولقد بلغني أن الكوثر اضطرب فرحا وطمأ ملؤه حتى رمي ألف قصر من قصور الجنة من الدر والياقوت نثارا لمولده ، ولقد زم إبليس وسبل وألقي في الحفير أربعين يوما ، ولقد تنكست الأصنام كلها وصاحت ، وسمعوا صوتا من الكعبة يقول : يا قريش جاءكم البشير ، جاءكم النذير ، معه عمر الأبد ، والرمح الأكبر ، وهو خاتم الأنبياء ، ونجد في الكتب أن عترته خير البشر ، ولا تزال الناس في أمان من العذاب ما دامت عترته في الدنيا ، فقال معاوية : يا أبا إسحاق ومن عترته ؟ فقال : من ولد فاطمة ، فعبس معاوية وجهه ، وعض على شفته ، ‹ صفحة 110 › وقام من مجلسه ( 1 ) . ومن ذلك من خواص مولده صلى الله عليه وآله ما نزل في الإنجيل : يا عيسى جد في أمري ولا تهزل ، واسمع وأطع يا بن الطهر البتول ، خلقتك من غير فحل آية للعالمين ، فإياي فاعبد وعلي فتوكل ، خذ الكتاب بقوة فبشر لأهل سوريا بالسريانية ، تلمح من بين يديك أني أنا الله الدائم ، صدقوا النبي الأمي صاحب الجمل ، والدرع والتاج ، وهي العمامة ، والبغل والهراوة ، وهي القضيب الأكحل العين ، الصلت الجبين الواضح الخدين الأقنى الأنف المفلج الثنايا كأن عنقه إبريق فضة كأن الدهن يجري في تراقيه ، أسمر اللون إذا مشى فكأنما ينقلع من صخر وينحدر من صبب ، عرقه في وجهه كاللؤلؤ أو ريح المسك ، لم ير مثله أو بعده مثله ، نكاح النساء قليل النسل وإنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ، يكفلها في آخر الزمان كفل زكريا أمك لها فرخان يستشهدان ، كلامه القرآن ، ودينه الإسلام ، وأنا السلام ، طوبى لمن أدرك زمانه ، وسمع كلامه ( 2 ) . ومن ذلك ما رواه ابن عباس عنه من نطقه بالغيب وإخباره بالملاحم ، قال : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله حجة الوداع فجاء حتى أخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه وهو كالشمس في الضحية ثم قال : ألا أخبركم بأشراط الساعة ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله ، فقال : إن من أشراط الساعة إضاعة الصلاة ، واتباع الشهوات ، وتعظيم المال ، وبيع الدين بالدنيا فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء ، مما يرى من المنكر فلا يستطيع إنكاره ، فقال سلمان : وكل هذا كائن يا رسول الله ؟ فقال : إي والذي نفس محمد بيده ، فعندها يليهم من الأمراء الجور والوزراء الفسق ، والعرفاء الظلم ، والأمناء الخيانة ، فعندها يكون المنكر معروفا والمعروف منكرا ، ويصدق الكاذب ويكذب الصادق ، وتتأمر النساء وتشاور الإماء وتعلو الصبيان المنابر ، ويكون الفجور طرفا ، والزكاة مغرما والغي مغنما ، ويجفو الرجل والديه ويبر ( 3 ) صديقه ، ويطلع الكوكب المذنب فعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ، ويكون المطر قضا فإذا دخلت السوق فلا ترى إلا ذاما لربه ، هذا يقول : لم أبع شيئا ، وهذا يقول : لم أربح شيئا ، فعندها يملكهم قوم إن تكلموا قتلوهم ، وإن سكتوا ‹ صفحة 111 › استباحوهم ، يسفكون دماءهم ويملؤون قلوبهم رعبا ، فلا تراهم إلا خائفين مرعوبين ، فعندها يؤتى بشئ من المشرق وشئ من المغرب ، فالويل لضعفاء أمتي منهم والويل لهم من الله ، لا يرحمون صغيرا ولا يوقرون كبيرا ، قلوبهم قلوب الشياطين ، فعندها يلتقي الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، ويغار على الغلام كما يغار على الجارية في بيت أهلها ، وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، وتعلو الفروج السروج ، فعلى أولئك من أمتي لعنة الله ، فعندها تزخرف المساجد والمصاحف ، وتعلى المنابر وتكثر الصفوف ، قلوب متباغضة ، وألسن مختلفة ، فعندها تحلى ذكور أمتي بالذهب ، ويلبسون الحرير والديباج ويظهر الربا ويتعاملون بالرشوة ، ويستعملون الغيبة ، فعندها يكثر الطلاق ، فلا يقام لله حد فعندها يحج ملوك أمتي للنزهة ، وتحج أوساطهم للتجارة ، وتحج فقراؤهم للرياء والسمعة ، فعندها يتعلمون القرآن لغير الله ويتخذونه مزامير ويتفقهون للجدال ، ويكثر أولاد الزنا ويعفون بالقرآن ، ويتهافتون على الدنيا ، فإذا انتهكت المحارم ، واكتسبت المآثم ، سلط الأشرار على الأخيار ، فهنالك يفشو الكذب ، ويتهافتون في اللباس ويمطرون في غير أوان المطر ، وينكرون الأمر بالمعروف في ذلك الزمان حتى يكون المؤمن أذل من الأمة ، وتظهر قراؤهم فيما بينهم التلاوة والعداوة ، أولئك يدعون في ملكوت السماء الأرجاس والأنجاس فهناك يخشى الغني من الفقير أن يسأله ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 101 › ( 1 ) بحار الأنوار : 25 / 283 ح 30 بتفاوت . وقريب منه في بصائر الدرجات : 241 ح 5 والبحار : 25 / 347 . ( 7 ) الشفاء : 2 / 153 . ( 8 ) بحار الأنوار : 35 / 129 ح 74 . ( 2 ) بحار الأنوار : 71 / 286 ح 41 . ( 3 ) وشرح الزيارة الجامعة 1 / 201 بلفظ : وادفعوا عنا . . ورد عنهم : لا تجعلوا في فضلنا ما شئتم . البحار 26 / 2 ح 1 . ( 4 ) تقدم الحديث مع تخريجه ( 6 ) أخبار الدول : 84 والمعجم الأوسط : 3 / 323 . ‹ هامش ص 102 › ( 1 ) من علامات الإمامة عدم وجود الظل ، راجع بحار الأنوار : 25 / 116 ح 1 . ( 2 ) بحار الأنوار : 22 / 550 ح 2 . ( 3 ) بحار الأنوار : 25 / 171 ح 38 بتفاوت . ( 4 ) البحار : 26 / 107 ح 10 و : 22 / 147 ح 141 . ‹ هامش ص 103 › ( 1 ) إن الذي يدعي علم الغيب للإمام والنبي : لا يدعيه على نحو الاستقلالية ، بل يدعي أن الله أطلع نبيه وأهل بيته على الأمور الغيبية التي لم يطلع عليها أحد . وإن شئت قلت : علم الغيب لذات ، الشخص وبلا توسط من الغير هو العلم الثابت لوجوب الوجود والذي هو عين الذات ، وهذا مختص بالله ولغيره كفر أما العلم بالغيب الذي هو بتوسط الله تعالى وليس هو عين الذات ، فهذا الذي علمته الأئمة ورسول الله ص وعليه دلت الآيات والروايات : فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : ( والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين ) فقال له رجل من أصحابه : ( جعلت فداك أعندكم علم الغيب ؟ فقال له عليه السلام : ( ويحك إني أعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، ويحكم وسعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم ، فنحن حجة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبل تهامة إلا بإذن الله ، والله لو أردت أن أحصى لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم ) ( بحار الأنوار : 26 / 28 ح 28 باب جهات علومهم عن مناقب آل أبي طالب : / 3 / 374 ) . وقال رسول الله ص لعلي : ( إن الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا وتنزيل وأطلعك عليه إلهاما ) ( مشارق أنوار اليقين : 135 - 136 و 25 وفي بحار الأنوار : 26 / 4 ح 1 : ( أنا صاحب اللوح المحفوظ ألهمني الله علوم ما فيه ) . وقيل لأبي جعفر عليه السلام . إن شيعتك تدعي أنك تعلم كيل ما في دجله . وكانا جالسين على دجله . فقال له أبو جعفر عليه السلام : ( يقدر الله عز وجل أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه ؟ ) قال نعم . فقال عليه السلام : ( أنا أكرم على الله من بعوضه ) ثم خرج . ( إثبات الوصية : 191 - 192 ) . وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبه يوصف فيها الإمام : ( فهو الصدق والعدل . يطلع على الغيب ويعطي التصرف على الإطلاق ) ( بحار الأنوار : 25 / 170 ح 38 ومشارق الأنوار اليقين : 115 ) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : ( يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يعزب عنه شئ من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل على محمد ، وإنا لنشهد أعمالكم ولا يخفى علينا شئ من أمركم ، وأن أعمالكم لتعرض علينا ، وإذا كانت الروح وارتاض البدن أشرقت أنوارها ، وظهرت أسرارها وأدركت عالم الغيب ) ( مشارق أنوار اليقين : 138 ) . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولكه وجميع شأنه لفعلت ، ولكن أخاف أن تكفروا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ألا وإني مفضيه إلى الخاصة ) ( نهج البلاغة : 250 الخطبة 175 ) . وقالت عائشة للإمام الحسن عليه السلام بعد أن أخبرها بما فعلته يوم وفاة الأمير ولم يطلع عليه أحد سواها : يا ابن خبوت جدك وأبوك في علم الغيب ، فمن ذا الذي أخبرك بهذا عني ! ! ( الهداية الكبرى : 197 - 198 ، ذيل الباب الرابع ) وعندما أخبرها بخفايا ضميرها وما أخبرها به رسول الله صلى البله عليه وآله وسلم من حربها الأمير عليه السلام قالت : جدك أخبرك بذلك أم هذا من غيبك ؟ ! قال عليه السلام : ( هذا من علم الله وعلم رسوله وعلم أمير المؤمنين ) ( الهداية الكبرى : 197 - 198 ، ذيل الباب الرابع ) وقال الإمام الحسن العسكري عليه السلام لمن سأله عن القائم المنتظر عجل الله فرجه : ( ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب فنخرج ما علمنا منه إليكم فيسمعه من لا يطيق استماعه فيكفر ) ( الهداية الكبرى : 334 باب 13 ) . وعن الإمام زين العابدين عليه السلام ( ألا إن للعبد أربع أعين : عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه وعينان يبصر بهما أمر آخرته ، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له العينين في قلبه فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته ( وأمر آخرته ) ( الخصال : 1 / 240 ح 90 باب الأربعة ) . ورواه المتقي الهندي في كنز العمال بلفظ : ( ما من عبد إلا وفي وجهه عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه ، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة ، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له العينين في قيبه فأبصر بهما ما وعده بالغيب ، فآمن بالغيب على الغيب ) ( كنز العمال : 2 / 42 ح 3043 ) . وفي قصة أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة ما يؤجد علم الإمام الكاظم عليه السلام للغيب حيث قال أحدهما لصاحبه : جئنا لنسأله عن الفرض والسنة وهو الآن جاء بشئ من علم الغيب . فسألناه : من أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك إنه يموت في هذه الليلة ؟ قال الإمام عليه السلام ( من الباب الذي أخبر بلعنه رسول الله علي بن أبي طالب عليه السلام ) ( الخرايج والجرايح : 287 - 288 الباب الثامن ) وأيضا في قصة إخبار الإمام الرضا عليه السلام ابن هذاب بما يجري عليه ما يزيل الشك في الباب حيث قال عليه السلام له : ( إن أخبرتك أنك ستبلى في هذه الأيام بذي رحم لك كنت مصدقا لي ؟ ) قال : لا ، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى . قال عليه السلام : ( أوليس الله يقول : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) فرسول الله ص عند الله مرتضى ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وإن الذي أخبرتك يا ابن هذاب لكائن إلى خمسة أيام ، فإن لم يصح ما قلت فبهذه المدة ، وإلا فإني كذاب مفتر ، وإن صح فتعلم أنك الراد على الله وعلى رسوله . ولك دلالة أخرى فتصاب ببصرك وتصير مجفوفا فلا تبصر سهلا ولا جبلا وهذا كائن بعد إيام . ولك عندي دلالة أخرى إنك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بأبرص ) قال محمد بن الفضل : بالله لقد نزل ذلك كله بابن هذاب ( الخرايج والجرايح : 306 الباب التاسع ) * أقول : هذه رواية صريحة في علمهم للغيب لا ينكرها إلا ناصبي . وعن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له : ( والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي ، وأمر إلهي وروح قدسي ، ومقام علي ونور جلي وسر خفي ، فهو ملك الذلت إلهي الصفات ، زائد الحسنات عالم بالمغيبات : خصا من رب العالمين ونصا من الصادق الأمين ) ( بحار الأنوار : 25 / 172 ح باب جامع في صفات الإمام ) . وعن أبي جعفر الجواد عليه السلام لما أخبر أم الفضل بنت المأمون بما فاجأها مما يعتري النساء عند العادة . قالت له : لا يعلم الغيب إلا الله . قال عليه السلام : ( وأنا أعلمه من علم الله تعالى ) الإرشاد إلى ولاية الفقيه : 254 . . * أقول : وهذه رواية أخرى تنص على علمهم للغيب فلا تغفل وأزل الشك من قلبك . وفي خطبة لأمير المؤمنين يذكر فيها صفات الإمام جاء فيها : ( ويلبس الهيبة وعلم الضمير ، ويطلع على الغيب ويعطي التصرف على الإطلاق ) مشارق أنوار اليقين : 115 . . هذا إضافة إلى روايات أخبارهم بأمور غيبية جزئية ليس هنا محل ذكرها . وقال تعالى : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) الجن : 26 . قال الإمام الرضا عليه السلام لعمرو بن هذاب عندما نفي عن الأئمة عليهم السلام علم الغيب محتجا بهذه الآية : ( إن رسول الله هو المرتضى عند الله ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على غيبه فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ) ( بحار الأنوار : 12 / 22 و 15 / 74 ) . وقال أبو جعفر عليه السلام : ( إلا من ارتضى من الرسول ) وكان والله محمد ممن ارتضاه ) الإرشاد إلى ولاية الفقيه : 257 ، وقريب منه في الخرايج والجرايح : 306 ) . وقالا : ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك - تلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ) هود : 49 ، آل عمران : 44 ، يوسف : 102 . وقال : ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) وهي عامة . ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) يس : 12 والإمام المبين هو أمير المؤمنين علي عليه السلام ( ينابيع المودة : 1 / 77 ط . إسلامبول و 87 ط . النجف ، وتفسير نور الثقلين : 4 / 379 مورد الآية والهداية الكبرى : 98 الباب الثاني والأنوار النعمانية : 1 / 47 و : 2 / 18 ) . وقال تعالى : ( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) يونس : 61 ، وسبا 36 وقال عز من قائل : وكل شئ أحصيناه كتابا النبأ : 29 . وهم الكتاب المبين ( ينابيع المودة : 1 / 81 ط . النجف و 1 / 71 ط . تركيا ومشارق أنوار اليقين : 136 ) . وقال تعالى : ورحمتي وسعت كل شئ الأعراف : 156 . فروي عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسيرها : ( علم الإمام ، ووسع علمه الذي هو من علمه كل شئ ) ( نور الثقلين : 2 / 78 ح 288 عن الكافي ) . وقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( أنا رحمة الله التي وسعت كل شئ ) ( الهداية الكبرى : 400 ) . ‹ هامش ص 106 › ( 1 ) الصحيح أن زمن علمهم هو عالم الأنوار وقد فصلناه في كتاب علم آل محمد عليهم السلام وإليك مجمله : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( نبئت وآدم بين الروح والجسد ) ( وجبت النبوة لي وأدم بين الدوح والجسد ) ( فضائل ابن شاذان : 34 ، كنز العمال : 12 / 426 ح 35584 و 11 / 409 - 450 ح 32115 و 31917 ، والشريعة للجري : 416 - 421 - عدة أحاديث - ، والشفاء : 1 / 166 ، وسنن الترمذي : 5 / 585 ، والمعجم الكبير : 20 / 353 ، الفردوس بمأثور الخطاب : 3 / 284 ح 4854 ) . فكونه نبيا ينبأ في غاية الوضوح والدلالة على تلقيه العلوم في ذلك العالم ، إذ يستحيل أن الله اتخذ نبيا ونبأه وهو فاقد للعلم . وعن الإمام الباقر عليه السلام : ( إن الله أول ما خلق خلق محمدا وعترته الهداة المهتدين ، فكانوا أشباح نور بين يدي الله ) . قلت : وما الأشباح ؟ قال : ( ظل النور أبدان نورانية بلا أرواح ، وكان مؤيدا بروح واحدة هي روح القدس ) ( أصول الكافي : 1 / 442 ح 10 مولد النبي ) . وعن الإمام العسكري عليه السلام : ( هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام يوفقهم ويسددهم ويزينهم بالعلم ) ( الأنوار النعمانية : 2 / 18 ) . وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال فيه : ( فلما أراد أن يخلق الخلق نشرهم بين يديه فقال لهم من ربكم ؟ فكان أول من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم ، فقالوا أنت ربنا ، فحملهم العلم والدين ، ثم قال للملائكة : هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون ) ( بحار الأنوار : 15 / 16 باب بدء خلق النبي ح 22 ، و : 26 / 177 ح 19 باب تفضيلهم على الأنبياء ، والتوحيد للصدوق : 319 باب معنى : ( وكان عرشه على الماء ) ح 1 باب 49 ط . قم ) . وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جاء فيه : ( ثم جعلنا عن يمين العرش ، ثم خلق الملائكة فهللنا فهللت الملائكة ، وكبرنا فكبرت الملائكة ، وكان ذلك من تعليمي وتعليم علي ، وكان ذلك في علم الله السابق أن الملائكة تتعلم منا التسبيح والتهليل ، وكل شئ يسبح لله ويكبره ويهلله بتعليمي وتعليم علي ) ( بحار الأنوار : 345 باب فضل النبي وآله ح 18 ، ومشارق أنوار اليقين : 40 ، والأنوار النعمانية : 1 / 22 ) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا علي نحن أفضل ( من الملائكة ) خير خليقة الله على بسيط الأرض وخيرة الله المقربين ، وكيف لا نكون خيرا منهم ؟ وقد سبقناهم إلى معرفة الله وتوحيده ؟ ! فبنا عرفوا الله وبنا عبدوا الله وبنا اهتدوا السبيل إلى معرفة الله ) ( بحار الأنوار : 26 / 349 - 350 - 350 ح 33 ) . وعن الإمام الصادق عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن الله مثل لي أمتي في الطين وعلمت الأسماء كما علم آدم الأسماء كلها ) ( بصائر الدرجات : 85 باب أنه عرف ما رأى في الأظلة ح 7 ) . وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن ربي مثل لي أمتي في الطين وعلمني أسماء الأنبياء - وفي نسخة - الأشياء ، كما علم آدم الأسماء كلها فمر بي أصحاب الرايات ، فاستغفرت لعلي وشيعته ) ( بصائر الدرجات : 86 باب أنه عرف ما رأى في الأظلة ح 15 ) . وقال الإمام الجواد عليه السلام : ( أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد ، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب أنا أعلم بسرائركم فظواهركم ، وما أنتم صائرون إليه ، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين في الهداية الكبرى : علما أورثناه الله قبل الخلق أجمعين ، وبعد فناء السماوات والأرضين ، ولولا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الطلالة ، ووثوب أهل الشك : لقلت قولا تعجب منه الأولون والآخرون ) . ثم وضع يده الشريفة على فيه وقال : ( يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل ) ( مشارق أنوار اليقين : 98 الفصل الحادي عشر ، والهداية الكبرى : 296 باب 11 ) . وروى صاحب بستان الكرامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان جالسا وعنده جبرائيل عليه السلام فدخل علي عليه السلام فقال له جبرائيل عليه السلام . فقال النبي صلى الله عليه وآله : ( أتقوم لهذا الفتى ؟ ) . فقال له عليه السلام : نعم إن له علي حق التعليم . فقال النبي صلى الله عليه وآله : كيف ذلك التعليم يا جبرائيل ؟ فقال : لما خلقني الله تعالى سألني من أنت وما اسمك ومن أنا وما اسمي ؟ فتحيرت في الجواب وبقيت ساكتا ، ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار وعلمني الجواب ، فقال : ( قل : أنت ربي الجليل واسمك الجليل وأنا العبد الذليل واسمي جبرائيل ) . ولهذا قمت له وعظمته . ( الأنوار النعمانية : 1 / 15 ) . وروى الصفوري قول أمير المؤمنين عليه السلام : ( سلوني قبل أن تفقدوني عن علم لا يعرفه جبرائيل وميكائيل ) ( نزهة المجالس : 2 / 129 ط . التقدم العلمية بمصر 1330 ه‍ ، و 2 / 144 ط . بيروت المكتبة الشعبانية المصورة عن مصر الأزهرية 1346 ه‍ ) . وقد أشار محيي الدين ابن عربي في خطبة الفتوحات المكية إلى ذلك بقوله : ( الحمد لله الذي جعل الإنسان الكامل معلم الملك وأدار بانقساره طبقات الفلك ) . وفي حديث الإمام الصادق عليه السلام مع المفضل بعد ذكر الإمام رجعة أصحاب الكساء وشكايتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ما حل بهم قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام لفضة : ( يا فضة لقد عرفه رسول الله وعرف الحسين اليوم بهذا الفعل ( ضرب فاطمة وإسقاط المحسن عليهما السلام ) ونحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش ) ( الهداية الكبرى : 408 باب 14 ) . هذا وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله : ( في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم الأولين ) ( لوامع أنوار الكوكب الدري : 1 / 117 - 118 ) . ‹ هامش ص 110 › ( 1 ) الحديث بطوله في البحار : 15 / 261 ح 12 مع تفاوت ببعض الألفاظ . ( 2 ) بحار الأنوار : 14 / 284 ح 6 ، وفيه تفاوت ببعض الألفاظ مثلا بدل الدهن الذهب . ( 3 ) في المطبوع يئر وجاء في نسخة خطية : يبر . ‹ هامش ص 111 › ( 1 ) بحار الأنوار : 6 / 307 ح 6 بتفاوت . ( 2 ) مسند البزار : 2 / 215 ح 604 ، والمعجم الأوسط : 9 / 198 ح 8427 ، ومسند الشاسي : 1 / 342 ، والمستدرك : 3 / 131 . ( 3 ) البحار : 18 / 111 ح 18 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ويسأل الناس في محافلهم فلا يضع أحد في يده شيئا فعندها يتكلم من لم يكن متكلما فلم يلبثوا هناك إلا قليل حتى تخور الأرض خورة حتى يظن كل قوم أنها خارت في ناحيتهم ، ثم يمكثون ما شاء الله ، ثم يمكثون في مكثهم فتلقى لهم الأرض أفلاذ أكبادها ذهبا وفضة ، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضة ( 1 ) . ومن ذلك من إخباره بالغيب أنه مسح التراب عن وجه عمار بن ياسر يوم الخندق وقال : تقتلك الفئة الباغية ( 2 ) . وقال لأبي ذر : كيف أنت إذا طردت ونفيت وأخرجت إلى الربذة ( 3 ) ؟ ‹ صفحة 112 › وقال : تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والفرات وقطر ، بل تجبى إليها خزائن الأرض ويكون الخسف بها ( 1 ) ، يعني بغداد . ومن كراماته صلى الله عليه وآله أنه لما اشتد الأمر على المسلمين يوم الخندق صعد صلى الله عليه وآله مسجد الفتح وصلى ركعتين ثم قال : اللهم إن لم تهلك هذه العصابة لن تعبد بعدها في الأرض ، فجاءت الملائكة فقالت : يا رسول الله إن الله قد أمرنا بالطاعة لك فمرنا بما شئت ، فقال : زعزعوا المشركين واطردوهم ، وكانوا من ورائهم ، ففعلوا ذلك ، فقال أبو سفيان لأصحابه : إن كنا نقاتل أهل الأرض فلنا القدرة عليهم وإن كنا نقاتل أهل السماء فما لنا طاقة بأهل السماء ( 2 ) . ومن ذلك من أسرار مولده صلى الله عليه وآله أن الملك سيف بن ذي يزن قال لعبد المطلب رضي الله عنه : إني أجد في الكتاب المكنون ، والعلم المخزون ، أنه إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، ولكم الزعامة إلى يوم القيامة ، تموت أمه وأبوه ويكفله جده وعمه ، ولد في عام الفيل وتوفي أبوه وهو ابن شهرين . وماتت أمه وهو ابن أربع سنين ، ومات عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين ، وكفله عمه أبو طالب عليه السلام ( 3 ) . ومن كراماته صلى الله عليه وآله أن أبا ذر لما جاء إليه وأسلم على يده قال له : إرجع إلى بلادك فإن ابن عمك قد مات ، وقد خلف مالا فاحتوى عليه والبث في بلادك إلى وقت كذا وأتني . فرجع إلى اليمن فوجد كما أخبره رسول الله صلى الله عليه وآله فاحتوى على المال ، وبقي في بلاده حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وأتى إليه . ومن ذلك ما رواه وهب بن منبه عن ابن عباس قال : رسول الله صلى الله عليه وآله : لما عرج بي إلى السماء ناداني ربي يا محمد ، إني أقسمت بي وأنا والله الذي لا إله إلا أنا أني أدخل الجنة جميع أمتك إلا من أبى ، فقلت : ربي ومن يأبى دخول الجنة ؟ فقال : إني اخترتك نبيا ، واخترت عليا وليا ، فمن أبى عن ولايته فقد أبى دخول الجنة لأن الجنة لا يدخلها إلا محبه ، وهي محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت وعلي وفاطمة وعترتهم وشيعتهم ، فسجدت لله شكرا ، ثم قال لي : يا محمد إن عليا هو الخليفة بعدك ، وإن قوما من أمتك يخالفونه وإن الجنة محرمة على من ‹ صفحة 113 › خالفه وعاداه ، فبشر عليا أن له هذه الكرامة مني وأني سأخرج من صلبه أحد عشر نقيبا منهم سيد يصلي خلفه المسيح ابن مريم يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ، فقلت : ربي متى يكون ذاك ؟ فقال : إذا رفع العلم ، وكثر الجهل ، وكثر القراء ، وقل العلماء ، وقل الفقهاء ، وكثر الشعراء ، وكثر الجور والفساد ، والتقى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، وصارت الأمناء خونة ، وأعوانهم ظلمة ، فهناك أظهر خسفا بالمشرق وخسفا بالمغرب ، ثم يظهر الدجال بالمشرق ، ثم أخبرني ربي ما كان وما يكون من الفتن من أمية وبني العباس ، ثم أمرني ربي أن أوصل ذلك كله إلى علي فأوصلته إليه وعن أمر الله ( 1 ) . ومن ذلك من كراماته صلى الله عليه وآله ما رواه ابن عباس قال : لما زوج النبي عليا بفاطمة ، استدعى تميرات وفضلة من سمن عربي ، وحفنة من سويق ، وجعلها في قصعة كانت لهم ، ثم فركه بيده الشريفة التي هي منبع البركات ومعدن الخيرات ، وفياض النعمات ، ورحمة أهل الأرض والسماوات ، ثم قال : قدموا الصحاف والجفان والقصاع ، فقدمت ، فلم يزل يملأ من ذلك الهيس الجفان ويحملونها بيوت المهاجرين والأنصار ، والقصعة تمتلئ وتفيض حتى اكتفى سائر الناس والقصعة على حالها . ( 2 ) ومن كراماته صلى الله عليه وآله ومكاشفاته مما تكلم به عند موته والناس حوله فقال : ابيضت وجوه واسودت وجوه ، وسعد أقوام وشقى آخرون ، سعد أصحاب الكساء الخمسة ، وأنا سيدهم ولا فخر ، عترتي عترة أهل بيتي السابقون أولئك المقربون ، سعد من تبعهم وشايعهم ، على ديني ودين آبائي ، أنجزت موعدك يا رب ، واسودت وجوه أقوام يردون ظمأ إلى نار جهنم مرق البغل الأول الأعظم ، والآخر والثاني حسابهم على الله ، وثالث ورابع كل امرئ بما كسب رهين ، وعلقت الرهون ، واسودت الوجوه ، وهلكت الأحزاب وقادت الأمراء بعضها بعضا إلى النار ، كتاب دارس وباب مهجور وحكم بغير علم ، مبغض علي وآل علي في النار ، محب علي وآل علي في الجنة ( 3 ) . ‹ صفحة 115 ›

الفصل الثاني( أسرار أمير المؤمنين عليه السلام )

وفي أسرار أمير المؤمنين عليه السلام أنه لما ولد في البيت الحرام ، وكعبة المسلك العلام ، خر ساجدا ثم رفع رأسه الشريف فأذن ، وأقام وشهد لله بالوحدانية ، وبمحمد صلى الله عليه وآله بالرسالة ولنفسه بالخلافة والولاية ، ثم أشار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : أقرأ يا رسول الله ؟ فقال : نعم ، فابتدأ بصحف آدم فقرأها حتى لو حضر شيت لأقر أنه أعلم بها منه ، ثم تلا صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل ، ثم تلا ( قد أفلح المؤمنون ) ( 1 ) فقال له النبي : نعم . أفلحوا إذ أنت إمامهم . ثم خاطبه بما خاطب به الأنبياء الأوصياء ، ثم سكت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : عد إلى طفولتك فامسك ( 2 ) . ومن كراماته التي لا تحد وفضائله التي لا تعد : أن راهب اليمامة الأثرم كان يبشر أبا طالب عليه السلام بقدوم علي ع ويقول له : سيولد لك ولد يكون سيد أهل زمانه ، وهو الناموس الأكبر ، ويكون لنبي زمانه عضدا وناصرا وصهرا ووزيرا ، وإني لا أدرك أيامه فإذا رأيته فاقرأه مني السلام ، ويوشك أني أراه ، فلما ولد أمير المؤمنين عليه السلام مر أبو طالب عليه السلام عليه ليعلمه فوجده قد مات ، فرجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام فأخذه وقبله فسلم عليه أمير المؤمنين وقال : أبتي جئت من عند الراهب الأثرم الذي كان يبشرك بي وقص عليه قصة الراهب ، فقال له أبو عبد مناف : صدقت يا ولي الله ( 3 ) . ومن ذاك ما رواه محمد بن سنان قال : بينما أمير المؤمنين عليه السلام يجهز أصحابه إلى قتال معاوية إذ اختصم إليه اثنان ، فلغى أحدهما في الكلام فقال له : اخسأ يا كلب ، فعوى الرجل لوقته وصار كلبا ، فبهت من حوله ، وجعل الرجل يتضرع إلى أمير المؤمنين عليه السلام ويشير بإصبعه فنظر إليه وحرك شفته فإذا هو بشر سوي ، فقام إليه بعض أصحابه وقال مالك : أن جهز الناس إلى قتال معاوية ولك مثل هذه القدرة ؟ فقال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة بهذه الفلوات حتى أضرب بها صدر معاوية فأقلبه عن سريره لفعلت ، ولكن بل عباد مكرمون * لا ‹ صفحة 116 › يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ( 1 ) . ومن ذلك قوله لمروان بن الحكم يوم الجمل وقد بايعه : خفت يا ابن الحكم أن ترى رأسك في هذه البقعة ، كلا لا يكون ذلك حتى يكون من صلبك طواغيت يملكون هذه الأمة ( 2 ) . ومن ذلك كلامه في كربلاء وهو التوجه إلى صفين فقال : صبرا أبا عبد الله بشاطي الفرات ثم بكى ، وقال : هذا والله مناخ القوم ومحط رحالهم ( 3 ) . ومن ذلك قوله بصفين وقد سمع الغوغاء يقولون : قتل معاوية ، فقال : ما قتل ولا يقتل حتى تجتمع عليه الأمة ( 4 ) . ومن ذلك ما رواه القاضي ابن شاذان عن أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين على منبر الكوفة يخطب وحوله الناس فجاء ثعبان ينفخ في الناس وهم يتحاودون عنه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ( وسعوا له ) فأقبل حتى رقى المنبر والناس ينظرون إليه ، ثم قبل أقدام أمير المؤمنين عليه السلام وجعل يتمرغ عليها ، ونفخ ثلاث نفخات ، ثم نزل وأنساب ، ولم يقطع أمير المؤمنين عليه السلام خطبه ، فسألوه عن ذلك فقال : هذا رجل من الجن ذكر أن ولده قتله رجل من الأنصار اسمه جابر ابن سبيع عند خفان ( 5 ) من غير أن يتعرض له بسوء وقد استوهبت دم ولده . فقام إليه رجل طوال بين الناس وقال : أنا الرجل الذي قتلت الحية في المكان المشار إليه ، وإني منذ قتلتها لا أقدر أن أستقر في مكان من الصياح والصراخ فهربت إلى الجامع ، وأنا منذ سبع ليال هاهنا . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : خذ جملك واعقره في مكان قتل الحية وامض لا بأس عليك ( 6 ) . ومن كرامته عليه السلام قوله : إن الله أعطاني ما لم يعط أحدا من خلقه ، فتحت لي السبل ، وعلمت الأسباب والأنساب ، وأجرى لي السحاب ، ولقد نظرت في الملكوت فما غاب عني شئ مما كان قبلي ، ولا شئ مما يأتي بعدي ، وما من مخلوق إلا وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر ‹ صفحة 117 › نحن نعرفه ، إذا رأيناه ( 1 ) . ومن ذلك قوله عليه السلام لرميلة وكان قد مرض وأبل وكان من خواص شيعته فقال له : وعكت يا رميلة ، ثم رأيت خفا فأتيت إلى الصلاة ، قال : نعم يا سيدي ، وما أدراك ؟ فقال : يا رميلة ما من مؤمن ولا مؤمنة يمرض إلا مرضنا لمرضه ، ولا حزن إلا حزنا لحزنه ، ولا دعا إلا أمنا على دعائه ، ولا سكت إلا دعونا له ، وما من مؤمن ولا مؤمنة في المشارق والمغارب إلا ونحن معه ( 2 ) .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 111 › ( 1 ) بحار الأنوار : 6 / 307 ح 6 بتفاوت . ( 2 ) مسند البزار : 2 / 215 ح 604 ، والمعجم الأوسط : 9 / 198 ح 8427 ، ومسند الشاسي : 1 / 342 ، والمستدرك : 3 / 131 . ( 3 ) البحار : 18 / 111 ح 18 . ‹ هامش ص 112 › ( 1 ) البحار : 18 / 111 ح 18 . ( 2 ) بحار الأنوار : 20 / 231 ح 3 . ( 3 ) بحار الأنوار : 15 / 188 ح 11 عن الكافي . ‹ هامش ص 113 › ( 1 ) بعضه في البحار : 8 / 5 ح 8 و : 47 / 381 ح 102 . ( 3 ) بحار الأنوار : 22 / 494 ح 40 . ‹ هامش ص 115 › ( 1 ) المؤمنون : 1 . ( 2 ) بحار الأنوار : 35 / 18 و 37 ح 14 و 37 بتفاوت والحديث طويل . ( 3 ) في المصادر : الراهب المثرم . ‹ هامش ص 116 › ( 1 ) الأنبياء : 26 ، والحديث في بحار الأنوار : 32 / 385 ح 357 . ( 2 ) مدينة المعاجز : 2 / 39 . ( 3 ) بحار الأنوار : 22 / 386 ح 28 . ( 4 ) بحار الأنوار عن الخرائج : 41 / 298 ح 27 وفيه لا يهلك . ( 5 ) خفان موضع بالكوفة . ( 6 ) بصائر الدرجات : 201 باب أنهم جرى لهم ما جرى للرسول ح 3 - 4 والبحار : 39 / 2 17 ح 14 . ‹ هامش ص 117 › ( 1 ) بحار الأنوار : 39 / 336 ح 5 . ( 2 ) بحار الأنوار : 26 / 154 ح 43 . ( 3 ) في البحار : هناس . ( 4 ) بحار الأنوار : 27 / 271 ح 24 . ( 5 ) الإسراء : 44 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وم
ن ذلك ما رواه الأصبغ بن نباتة عن زيد الشحام أن أمير المؤمنين عليه السلام جاءه نفر من المنافقين فقال له : أنت الذي تقول أن هذا الجري مسخ حرام ؟ فقال : نعم ، فقالوا : أرنا برهانك ؟ فجاء بهم إلى الفرات ، ثم نادى مناش مناش ( 3 ) ، فأجابه الجري : لبيك ، فقال له أمير المؤمنين : من أنت ؟ فقال : ممن عرضت ولايتك عليه فأبى فمسخ ، وإن فيمن معك من يمسخ كما مسخنا ويصير كما صرنا ، فقال أمير المؤمنين : بين قصتك ليسمع من حضر فيعلم . فقال : نعم كنا أربعة وعشرين قبيلة من بني إسرائيل ، وكنا قد تمردنا وعصينا وعرضت علينا ولايتك فأبينا ، وفارقنا البلاد واستعملنا الفساد فجاءنا آت أنت والله أعلم به منا فصرخ فينا صرخة فجمعنا جمعا واحدا ، وكنا متفرقين في البراري فجمعنا لصرخته ثم صاح صيحة أخرى وقال : كونوا مسوخا بقدرة الله فمسخنا أجناسا مختلفة ، ثم قال : أيتها القفار كوني أنهارا تسكنك هذه المسوخ واتصلي ببحار الأرض حتى لا يبقى ماء إلا وفيه من هذه المسوخ كما ترى ( 4 ) .

فصل نازع في هذا الحديث من اعترضه الشك فقال : نطق بلسان الحال أو بلسان المقال ، فقلت له : أما تسمع قول الله تعالى : تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ( 5 ) فجعله لمن يعقل ، ‹ صفحة 118 › ثم عطف على من لا يعقل فقال : وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) ، ثم قال : ( إنه كان حليما غفورا ) ( 1 ) ، أخبر سبحانه أن كل شئ يسبح لربه بلسان الحال ولسان المقال ، ولكن لسان المقال منه مستور عنكم لم يلزمكم الله بمعرفته ، لأن العفو هو الستر فلو كشف الستر عنه عرفتموه مثل تسبيح الحصى بكف رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا نطق الحصى الصوان بلسان المقال فلم لا ينطق الجري وهو حيوان ، وقوله : إنه كان حليما غفورا ، يعني أن سائر المخلوقات غير المكلفين يسبحون ولا يسأمون ، وأنتم مع وجوب التكليف عليكم تنسون وتسأمون ، وهو مع جهلكم وسهوكم ، حليم عنكم وغفور لكم . ومن ذلك ما رواه عبيد السكسكي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن عليا عليه السلام لما قدم من صفين وقف على شاطئ الفرات ، وأخرج قضيبا أخضر وضرب به الفرات ، والناس ينظرون إليه فانفجرت اثنتي عشرة عينا كل فرق كالطود العظيم ثم تكلم بكلام لم يفهموه ، فأقبلت الحيتان رافعة أصواتها بالتهليل والتكبير ، وقالت : السلام عليك يا حجة الله في أرضه وعين الله الناظرة في عباده خذلك قومك كما خذل هارون بن عمران قومه ، فقال لأصحابه : سمعتم ؟ فقالوا : نعم ، فقال هذه آية لي وحجة عليكم ( 2 ) . ومن ذلك من قضاياه الغريبات وحله للمشكلات ، أن رجلا حضر مجلس أبا بكر فادعى أنه لا يخاف الله ولا يرجو الجنة ولا يخشى النار ، ولا يركع ولا يسجد ، ويأكل الميتة والدم ويشهد بما لم ير ويحب الفتنة ، ويكره الحق ويصدق اليهود والنصارى ، وأن عنده ما ليس عند الله وله ما ليس لله ، وأنا أحمد النبي وأنا علي وأنا ربكم ، فقال له عمر : ازددت كفرا على كفرك ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : هون عليك يا عمر ، فإن هذا رجل من أولياء الله لا يرجو الجنة ، ولكن يرجو الله ولا يخاف النار ، ولكن يخاف ربه ولا يخاف الله من ظلم ، ولكن يخاف عدله لأنه حكم عدل ، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة ويأكل الجراد والسمك ، ويحب الأهل والولد ويشهد بالجنة والنار ، ولم يرهما ويكره الموت وهو الحق ، ويصدق اليهود والنصارى في تكذيب بعضهم بعضا ، وله ما ليس لله لأن له ولدا وليس لله ولد ، وعنده ما ليس من عند الله ، فإنه يظلم نفسه وليس عند الله ظلم ، وقوله : أنا أحمد ‹ صفحة 119 › النبي ، أي أنا أحمده عن تبليغه الرسالة عن ربه ، وقوله : أنا علي يعني علي في قولي ، وقوله . وأنا ربكم أي لي كم أرفعها وأضعها ، ففرح عمر وقام فقبل رأس أمير المؤمنين عليه السلام وقال : لا بقيت بعدك يا أبا الحسن ( 1 ) . ومن ذلك أن ابن الكوا قدم إلى أمير المؤمنين وهو يخطب فقال : إني وطأت على دجاجة ميتة فخرجت منها بيضة أفآكلها ؟ قال : لا ، قال : فإن استفرختها فخرج منها فروخ فآكله ؟ فقال : نعم . فقال : كيف ذاك ؟ فقال : لأنه حي خرج من ميت ، وتلك ميتة خرجت من ميت ( 2 ) . أقول : وكيف لا يكون ذاك كذلك ؟ وقد روى الحسن البصري أن الخضر لما التقى بموسى وكان بينهما ما كان جاء عصفور فأخذ قطرة من البحر فوضعها على يد موسى فقال الخضر : ما هذا ؟ قال : يقول ما علمنا وعلم سائر الأولين والآخرين في علم وصي النبي الأمي إلا كهذه القطرة في هذا البحر ( 3 ) . وروى ابن عباس عنه أنه شرح له في ليلة واحدة من حين أقبل ظلامها حتى أسفر صباحها وطفئ مصباحها في شرح الباء من بسم الله ولم يتعد إلى السين ، وقال : لو شئت لأوقرت أربعين بعيرا من شرح بسم الله ( 4 ) . نعم هذا أخو النبي ووصيه ، ونائب الحق ووليه ، وأسد الله وعليه ، ومختاره ورضيه ، الذي واسى النبي وساواه ، وبمهجته في الملمات وفاه ، وأجابه حين دعاه ولباه ، وشيد الدين بعزمه وبناه ، وكان بيت النبوة مرباه ، ومبناه ، وشمس الرسالة عرسه ، وغصن الجلالة والنبوة ولداه ، الذي نصر الرسول وحماه ، وغسل النبي وواراه ، وقام بدينه ودينه وقضاه ، وليد الحرم وربيب الكرم ، وفتاه الذي أباد الشرك وأفناه . ومن ذلك : أن رجلا من الخوارج مر بأمير المؤمنين عليه السلام ومعه حوتان من الجري قد غطاهما بثوبه فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : بكم شريت أبويك من بني إسرائيل ؟ فقال له الرجل : ما أكثر ادعاءك للغيب ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : أخرجهما . فأخرجهما ، فأخرجهما ، فقال أمير المؤمنين ع : من أنتما ؟ فقالت ‹ صفحة 120 › إحداهما : أنا أبوه ، وقالت الأخرى : أنا أمه . ( 1 ) ومن ذلك ما رواه محمد بن سنان قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول للرجل : يا مغرور إني أراك في الدنيا قتيلا بجراحة من عبد أم معمر تحكم عليه جورا فيقتلك توفيقا يدخل بذلك الجنة على رغم منك ، وإن لك ولصاحبك الذي قمت مقامه صلبا وهتكا تخرجان من عند رسول الله صلى الله عليه وآله فتصلبان على أغصان دوحة يابسة فتورق فيفتتن بذاك من والاك ، فقال عمر : ومن يفعل ذاك يا أبا الحسن ؟ فقال : قوم قد فرقوا بين السيوف وأغمادها ، ثم يؤتى بالنار التي أضربت لإبراهيم ويأتي جرجيس ودانيال وكل نبي وصديق ، ثم يأتي ريح فينسفكما في اليم نسفا ( 2 ) . ومن ذلك : أن أمير المؤمنين عليه السلام قال يوما للحسن : يا أبا محمد ما ترى عند ربي تابوتا من نار يقول يا علي استغفر لي ، لا غفر الله له . ( 3 ) وروي في تفسير قوله تعالى : ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) ( 4 ) ، قال : سأل رجل من أمير المؤمنين عليه السلام ما معنى هذه الحمير ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الله أكرم من أن يخلق شيئا ثم ينكره ، إنما هو زريق وصاحبه في تابوت من نار في صورة حمارين إذا شهقا في النار انزعج أهل النار من شدة صراخهما . ( 5 ) ومن ذلك : أن الخوارج يوم النهروان جاءهم جواسيسهم فأخبروهم أن عسكر أمير المؤمنين عليه السلام أربعة آلاف فارس فقالوا : لا ترموهم بسهم ولا تضربوهم بسيف ، ولكن يروح كل واحد منكم إلى صاحبه برمحه فيقتله ، فعلم أمير المؤمنين عليه السلام بذلك من الغيب ، فقال لأصحابه : لا ترموهم ولا تطاعنوهم ، واستلوا السيف فإذا جاء كل منكم غريمه فليقطع رمحه ويمشي إليه فيقتله فإنه لا يقتل منكم عشرة ، ولا يفلت منهم عشرة . فكان كما قال ( 6 ) . ومن ذلك - أي من كراماته - : ما رواه ابن عباس أن رجلا قدم إلى أمير المؤمنين عليه السلام فاستضافه ‹ صفحة 121 › فاستدعى قرصا من شعير يابسة وقعبا فيه ماء ثم كسر قطعة فألقاها في الماء ثم قال للرجل : تناولها فأخرجها فإذا هي فخذ طائر مشوي ، ثم رمى له أخرى ، وقال : تناولها فأخرجها فإذا هي قطعة من الحلوى ، فقال الرجل : يا مولاي تضع لي كسرا يابسة فأجدها أنواع الطعام ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نعم هذا الظاهر وذاك الباطن وإن أمرنا هكذا ( 1 ) . ومن ذلك : قصة فضة الجارية وأنها لما جاءت إلى بيت الزهراء عليها السلام ولما دخلت بيت النبوة ومعدن الرحمة ومنبع العصمة ، ودار الحكمة وأم الأئمة ، لم تجد هناك إلا السيف والدرع والرحى ، وكانت فضة بنت ملك الهند وكان عندها ذخيرة من الأكسير ، فأخذت قطعة من النحاس وألانتها وجعلتها على هيئة سمكة وألقت عليها الدواء وصبغتها ذهبا ، فلما جاء أمير المؤمنين عليه السلام وضعتها بين يديه فلما رآها قال : أحسنت يا فضة لكن لو أذنبت الجسد لكن الصبغ أعلى والقيمة أغلى ، فقالت : يا سيدي أتعرف هذا العلم ؟ فقال : نعم ، وهذا الطفل يعرفه وأشار إلى الحسن عليه السلام فجاء وقال كما قال أمير المؤمنين عليه السلام ، ثم قال لها أمير المؤمنين : نحن نعرف أعظم من هذا ، ثم أومى بيده ، وإذا عنق من ذهب وكنوز سائرة ، فقال : ضعيها مع أخواتها ، فوضعتها فسارت ( 2 ) . ومن ذلك : ما رواه عمار بن ياسر قال : كنت مع سيدي أمير المؤمنين عليه السلام يوما في بعض صحاري الحيرة ، وإذا راهب يضرب ناقوسه ، فقال لي : يا عمار أتدري ما يقول الناقوس ؟ فقلت : يا مولاي ، وما تقول الخشبة ؟ فقال : إنها تضرب مثلا للدنيا وتقول : أهل الدنيا خلوا الدنيا * مهلا مهلا رفقا رفقا إن المولى صمد يبقى * حقا حقا صدقا صدقا يا مولانا إن الدنيا * قد أهوتنا واستغوتنا ما من يوم يمضي منها * إلا أوهت منا ركنا لسنا ندري ما قدمنا * فيها إلا إذ قد متنا قال عمار : فأتيت الراهب من الغد فقلت له : اضرب الناقوس . فقال : وما تفعل به وأنت مسلم ؟ فقلت : لأريك سره ، قال : فأخذ يضرب ناقوسه ، وأنا أتلو عليه ما يقول ، فخر ساجدا وأسلم ، ‹ صفحة 122 › وقال : إن عندي بخط هارون بن عمران بيده أن الله يبعث في الأميين رسولا له وزير يعلم ما يقول الناقوس ( 1 ) .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 117 › ( 1 ) بحار الأنوار : 39 / 336 ح 5 . ( 2 ) بحار الأنوار : 26 / 154 ح 43 . ( 3 ) في البحار : هناس . ( 4 ) بحار الأنوار : 27 / 271 ح 24 . ( 5 ) الإسراء : 44 . ‹ هامش ص 118 › ( 1 ) الإسراء : 44 - 45 . ( 2 ) بحار الأنوار عن الخرائج : 33 / 46 ح 391 . ‹ هامش ص 119 › ( 1 ) بحار الأنوار عن المناقب : 40 / 221 ح 4 والحديث طويل . ( 2 ) شرح الأخبار للقاضي : 2 / 324 ، ومناقب آل أبي طالب : 2 / 196 وفيهما : استحضنتها . ( 3 ) بحار الأنوار : 40 / 186 ح 71 . ( 4 ) تذكرة الخواص : 153 ، والطرائف : 1 / 205 بتحقيقنا ، والبحار : 40 / 186 ح 71 . ‹ هامش ص 120 › ( 1 ) مدينة المعاجز : 2 / 44 ، والبحار : 53 / 13 بتفاوت . ( 2 ) لقمان : 19 . ( 3 ) المعجم الأوسط : 2 / 323 ومناقب الخوارزمي : 263 . ‹ هامش ص 121 › ( 1 ) بحار الأنوار : 41 / 273 ح 29 وفيه : الحلواء . ( 2 ) بحار الأنوار : 41 / 273 ح 29 بتفاوت بسيط . ‹ هامش ص 122 › ( 1 ) بحار الأنوار : 40 / 172 ح 54 وفيه : يفسر ما يقول الناقوس . ( 2 ) القصص : 35 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومن ذلك ما روي من كراماته : أن فرعونا لما لحق هارون بأخيه موسى دخلا عليه يوما فأوجسا خيفة منه ، فإذا فارس يقدمهما ولباسه من ذهب ، وفي يده سيف من ذهب ، وكان فرعون يحب الذهب فقال لفرعون : أجب هذين الرجلين وإلا قتلتك ، فانزعج فرعون لذاك وقال : عودا إلي غدا ، فلما خرجا دعا البوابين وعاقبهم ، وقال : كيف دخل علي هذا الفارس بغير إذن ؟ فحلفا بعزة فرعون ما دخل إلا هذان الرجلان ، وكان الفارس مثال علي الذي أيد الله به النبيين سرا ، وأيد به محمدا جهرا ، لأنه كلمة الله الكبرى التي أظهرها الله لأوليائه فيما شاء من الصور فنصرهم بها ، وبتلك الكلمة يدعون الله فيجيبهم وينجيهم ، وإليه الإشارة في قوله : ( ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا ) ( 2 ) قال ابن عباس : وكانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس والسلطان . ومن ذلك ما رواه الرضا عليه السلام عن آبائه الطاهرين عليهم السلام أن يهوديا جاء إلى أبي بكر في ولايته وقال له : إن أبي قد مات وخلف كنوزا ، ولم يذكر أين هي ، فإن أظهرتها كان لك ثلث وللمسلمين ثلث آخر ، ولي ثلث وأدخل في دينك ، فقال أبو بكر : لا يعلم الغيب إلا الله ، فجاء إلى عمر فقال له مقالة أبي بكر ، ثم دله على علي عليه السلام فسأله فقال : رح إلى بلد اليمن واسأل عن وادي برهوت بحضرموت ، فإذا حضرت الوادي فاجلس هناك إلى غروب الشمس فسيأتيك غرابان سود مناقيرها تنعب فاهتف باسم أبيك وقل له : يا فلان أنا رسول وصي رسول الله صلى الله عليه وآله إليك كلمني فإنه يكلمك فاسأله عن الكنوز فإنه يدلك على أماكنها ، فمضى اليهودي إلى اليمن واستدل على الوادي وقعد هناك ، وإذا بالغرابين قد أقبلا فنادى أباه فأجابه ، وقال : ويحك ما أقدمك إلى هذا الموطن ، وهو من مواطن أهل النار ؟ فقال : جئت أسألك عن الكنوز ، أين هي ؟ فقال : في موضع كذا وفي حائط كذا . ثم قال : ويلك اتبع دين محمد تسلم فهو النجاة . ثم انصرف الغرابان ، ورجع اليهودي فوجد كنزا من ذهب وكنزا من فضة ، فأوقر بعيرا وجاء به إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك وصي رسول الله وأخوه وأمير المؤمنين حقا كما سميت ، وهذه الهدية ‹ صفحة 123 › فاصرفها حيث شئت فإنك وليه في العالمين ( 1 ) . ومن ذلك ما رواه ابن عباس أن جماعة من أهل الكوفة من أكابر الشيعة سألوا عن أمير المؤمنين أن يريهم من عجائب أسرار الله فقال لهم : إنكم لن تقدروا أن تروا واحدة ، فتكفروا ، فقالوا : لا شك أنك صاحب الأسرار ، فاختار منهم سبعين رجلا وخرج بهم إلى ظاهر الكوفة ثم صلى ركعتين وتكلم بكلمات وقال : انظروا فإذا أشجار وأثمار حتى تبين لهم أنه الجنة ، فقال أحسنهم قولا : هذا سحر مبين ، ورجعوا كفارا إلا رجلين ، فقال لأحدهما : أسمعت ما قال أصحابك وما هو والله بسحر ، وما أنا بساحر ، ولكنه علم الله ورسوله ، فإذا رددتم علي فقد رددتم على الله ، ثم رجع إلى المسجد يستغفر لهم ، فلما دعا تحول حصى المسجد درا وياقوتا فرجع أحد الرجلين كافرا وثبت الآخر ( 2 ) . ومن ذلك أنه كان يقول لابن عباس : كيف أنت يا بن عم إذا ظلمت العيون العين ؟ فقال : يا مولاي كلمتني بهذا مرارا ولا أعلم معناه ، فقال : عين عتيق وعمر وعبد الرحمن بن عوف ، وعين عثمان وستضم إليها عين عائشة ، وعين معاوية وعين عمرو بن العاص ، وعين عبد الرحمن بن ملجم ، وعين عمر بن سعد ( 3 ) . ومن ذلك قوله لدهقان الفارس وقد حذره من الركوب والمسير إلى الخوارج فقال له : اعلم أن طوالع النجوم قد نحست فسعد أصحاب النحوس ونحس أصحاب السعود ، وقد بدا المريخ يقطع في برج الثور وقد اختلف في برجك كوكبان وليس الحرب لك بمكان ، فقال له : أنت الذي تسير الجاريات وتقضي علي بالحادثات ، وتنقلها مع الدقائق والساعات ، فما السراري وما الذراري ؟ وما قدر شعاع المدبرات ؟ فقال : سأنظر في الأسطرلاب وأخبرك ، فقال له : أعالم أنت بما تم البارحة في وجه الميزان ؟ وأي نجم اختلف في برج السرطان ؟ وأي آفة دخلت على الزبرقان ؟ فقال : لا أعلم ، فقال : أعالم أنت أن الملك البارحة انتقل من بيت إلى بيت في الصين ، وانقلب برج ماجين وغارت بحيرة ساوة ، وفاضت بحيرة خشرمة وقطعت باب البحر ( 4 ) من سقلبة ، ونكس ملك الروم ‹ صفحة 124 › بالروم وولى أخوه مكانه ، وسقطت شرادت الذهب من قسطنطينية الكبرى ، وهبط سور كرنديب ، وفقد ربان اليهود ، وهاج النمل بوادي النمل ، وصعد سبعون ألف عالم وولد في كل عالم سبعون ألفا ، والليلة يموت مثلهم ، فقال : لا أعلم ، فقال : أعالم أنت بالشهب الحرس والأنجم والشمس ، وذوات الذوايب التي تطلع مع الأنوار وتغيب مع الأسحار ؟ فقال : لا أعلم ، فقال : أعالم أنت بطلوع النجمين اللذين ما طلعا إلا عن مكيدة ، ولا غابا إلا عن مصيبة ، وإنهما طلعا غربا فقتل قابيل هابيل ، ولا يظهران إلا بخراب الدنيا ؟ فقال : لا أعلم ، فقال : إذا كنت لا تعلم طرق الدنيا فإني أسألك عن قريب ، أخبرني ما تحت حافر فرسي الأيمن والأيسر من المنافع والمضار ؟ فقال : أنا في علم الأرض أقصر مني في علم السماء . فأمر أن يحفر تحت الحافر الأيمن فخرج كنز من ذهب ، ثم أمر أن يحفر تحت الحافر الأيسر فخرج أفعى فتعلق الحكيم فصاح يا مولاي الأمان ، فقال : الأمان بالإيمان ، فقال : لأطيلن لك الركوع والسجود ، فقال : سمعت خيرا ، فقال : خيرا أسجد لله وتضرع بي إليه ، ثم قال : يا سهر سقيل سوار نحن نجوم القطب ، وأعلام الفلك ، وإن هذا العلم لا يعلمه إلا نحن وبيت في الهند ( 1 ) . ومن ذلك ما رواه أحمد بن عبد العزيز الجلودي قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة فقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوا من عنده علم المنايا والبلايا ، والأنساب في الأصلاب ، وفصل الخطاب ( 2 ) . روى الصدوق في العيون بسنده عن أبي الصلت الهروي قال : كان الرضا عليه السلام يكلم الناس بلغاتهم ، وكان والله أفصح الناس بلغاتهم وأعلمهم بكل لسان ولغة ، فقلت : يا بن رسول الله إني لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها ، فقال : يا أبا الصلت أنا حجة الله ، وما كان الله يتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم ، أما بلغك قول أمير المؤمنين عليه السلام : ( أوتينا فصل الخطاب فهل فقل الخطاب إلا معرفة اللغات ؟ - أنا دابة الأرض ، أنا حي لا أموت ، وإذا مت يرث الله الأرض ومن عليها ، سلوني فإني لا أسأل عما دون العرش إلا أجبت ( 3 ) ، وقوله : ( عما دون العرش ) رمز له وجوه : الأول منها : أن العرش هو العلم ، والعرش عند علماء الحروف هو محمد ، والعرش العرش ‹ صفحة 125 › وقوله : ( عما دون العرش ) لا يستلزم أنه لا يعلم ما وراء ذلك ، بل إن عقول البشر لا تعي القول عما وراء العرش ، ولا تحتمله بل تعمى دونه البصائر والأبصار . آه لو أجد له حملة ! قال : فقام إليه رجل في عنقه كتاب رافعا صوته : أيها المدعي ما لا تعلم ، المقلد ما لا يفهم ، إني سائلك فأجب ، قال : فوثب إليه أصحاب علي ليقتلوه ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : دعوه فإن حجج الله لا تقوم بالبطش ، ولا بالباطل تظهر براهين الله ، ثم التفت إلى الرجل وقال : سل بكل لسانك فإني مجيب إن شاء الله تعالى ، فقال الرجل : كم بين المشرق والمغرب ؟ فقال : مسافة الهواء ، وقال : وما مسافة الهواء ؟ قال : دوران الفلك ، قال : وما دوران الفلك ؟ قال : مسيرة يوم الشمس ، قال الرجل : صدقت ، قال : فمتى القيامة ؟ قال : عند حضور المنية ، وبلوغ الأجل ، قال : صدقت ، قال : فكم عمر الدنيا ؟ قال : يقال سبعة آلاف ثم لا تحديد ، قال : صدقت ، قال : فأين مكة من بكة ؟ فقال : مكة أكناف الحرم وبكة مكان البيت ؟ قال : ولم سميت مكة ؟ قال : لأن الله تعالى مك الأرض من تحتها أي دحاها ، قال : فلم سميت بكة ؟ قال : لأنها أبكت عيون الجبارين والمذنبين ، قال : صدقت ، قال : وأين كان الله قبل خلق عرشه ؟ فقال أمير المؤمنين : سبحان الله من لا يدرك كنه صفته حملة عرشه على قرب زمراتهم من كراسي كرامته ، ولا الملائكة المقربون من أنوار سبحات جلاله ، ويحك لا يقال لم ولا كيف ، ولا أين ولا متى ، ولا بم ولا حيث ، فقال الرجل : صدقت ، قال : فكم مقدار ما لبث العرش على الماء قبل خلق الله الأرض والسماء ؟ فقال : أتحسن أن تحسب ؟ فقال : نعم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أفرأيت لو صب في الأرض خردل حتى سد الهواء وملأ ما بين الأرض والسماء ، ثم أذن لك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من المشرق إلى المغرب ، ثم مد لك في العمر حتى نقلته وأحصيته لكان ذلك أيسر من إحصاء ما لبث العرش على الماء قبل خلق الأرض والسماء ، وإنما وصفه لك جزاء من عشر عشير جزء من مائة ألف جزء وأستغفر الله من القليل في التحديد ، قال : فحرك الرجل رأسه ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله [ وأن محمدا رسول الله ] ( 1 ) . يؤيد هذا ما رواه الرازي في كتابه المسمى بمفاتيح الغيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ليلة أسري بي إلى السماء ، رأيت في السماء السابعة ميادينا كميادين أرضكم هذه ، ورأيت أفواجا من ‹ صفحة 126 › الملائكة يطيرون لا يقف هؤلاء لهؤلاء ، ولا هؤلاء لهؤلاء ، قال : فقلت لجبرائيل عليه السلام : من هؤلاء ؟ فقال : لا أعلم ، فقلت : وأين يمضون ؟ فقال : لا أعلم ، فقلت : سلهم ، فقال : لا أقدر ولكن سلهم أنت يا حبيب الله ، قال : فاعترضت ملكا منهم وقلت : ما اسمك ؟ فقال : كيكائيل ، فقلت : من أين أتيت ؟ فقال : لا أعلم ، فقلت : وأين تمضي ؟ فقال : لا أعلم ، فقلت : وكم لك في السير ؟ فقال : لا أعلم ، غير أني يا حبيب الله أعلم أن الله سبحانه يخلق في كل ستة آلاف سنة كوكبا ، وقد رأيت ستة آلاف كوكبا خلقهن وأنا في السير ( 1 ) .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 122 › ( 1 ) بحار الأنوار : 40 / 172 ح 54 وفيه : يفسر ما يقول الناقوس . ( 2 ) القصص : 35 . ‹ هامش ص 123 › ( 1 ) مدينة المعاجز : 2 / 47 ح 393 . ( 3 ) معاني الأخبار : 387 باب نوادر المعاني وفيه بدل أسماء الرجال قوله : وأما العيون فأعداؤه رابعهم قاتله . ( 4 ) أو الصخرة كما في نسخة أخرى . ( 4 ) مدينة المعاجز 2 / 47 . ‹ هامش ص 124 › ( 1 ) بحار الأنوار : 37 / 337 . ( 2 ) بصائر الدرجات : 201 باب إنهم جرى لهم ما جرى للرسول : ح 3 - 4 . ( 3 ) وفي حديث : بروح القدس علموا ما دون العرش إلى ما تحت الثرى . بصائر الدرجات : 454 ح 12 - 13 . ‹ هامش ص 125 › ( 1 ) بحار الأنوار : 57 / 231 ح 188 عن كتاب المختصر مع تفاوت . ‹ هامش ص 126 › ( 1 ) بحار الأنوار : 57 / 338 ح 29 . ( 2 ) حلية الأبرار : 2 / 15 ، ومدينة المعاجز : 1 / 142 . ( 3 ) المراقبات : 259 ، وجامع الأسرار : 382 ح 763 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومن ذلك ما رواه أصحاب التواريخ أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسا وعنده جني يسأله عن قضايا مشكلة فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فتصاغر الجني حتى صار كالعصفور ثم قال : أجرني يا رسول الله ، فقال : ممن ؟ فقال : من هذا الفتى المقبل ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : وما ذاك ؟ فقال الجني : أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان ، فلما تناولتها ضربني هذا فقطع يدي ، ثم أخرج يده مقطوعة فقال النبي : هو ذلك ( 2 ) . وبهذا الإسناد أن جنيا كان جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فاستغاث الجني وقال : أجرني سليمان فأرسل إلي نفرا من الجن فطلت عليهم فجاءني هذا الفارس فأسرني وجرحني ، وهذا مكان الضربة إلى الآن لم يندمل ، فنزل جبرائيل عليه السلام وقال : الحق يقرئك السلام ويقول لك : إني لم أبعث نبيا قط إلا جعلت عليا معه سرا ، وجعلته معك جهرا ( 3 ) . فيا خامد الفطنة ، يا من يقول هذا التناسخ ومن أين لك علم التناسخ ؟ وقدمك في طريق الحق غير راسخ ، أما علمت أن اسم الله الأعظم نير لك في كل تركيب ، وكذا كلمة الله العليا تظهر في كل صورة وتفعل كل عجيب ، وكيف تشك في قول محمد صلى الله عليه وآله إذا قال : أنا الفاتح ، أنا الخاتم ، وترتاب في علي ، أليس هو قسيم النور الأول الذي يتشعشع في جسد كل من والاه ، فإنه أمل كل ولي وغاية كل صفي ، ثم ظهر مع محمد صلى الله عليه وآله في هذا الجسد ، كما كان معه في كل مقام . ‹ صفحة 127 ›

الفصل الثالث( في أسرار فاطمة الزهراء عليها السلام )

 فمن ذلك من أسرار مولدها الشريف ما رواه أصحاب التواريخ : أن خديجة لما حضرتها الولادة بعث الله عز وجل إليها عشرين من الحور العين بطشوت وأباريق وماء من حوض الكوثر ، وجاءتها مريم بنت عمران وسارة وآسية بنت مزاحم ، بعثهن الله يعنها على أمرها ، فلما وضعتها أشرقت الدنيا وامتلأت منها الأقطار بالطيب والأنوار ، وفاح عطر العظمة ، وامتلأت بيوت مكة بالنور ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق نور ، وظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا ، وقالت النسوة : خذيها يا خديجة طاهرة معصومة بنت نبي ، زوجة وصي ، نور وضي عنصر زكي ، أم أبرار ، حبيبة جبار ، صفوة أطهار ، مباركة بورك فيها وفي ولدها . ولما تناولتها خديجة قالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن أبي سيد الأنبياء ، وأن بعلي سيد الأوصياء ، وأن ولدي سادة الأسباط ، ثم سلمت على النسوة وسمت كل واحدة منهن باسمها ، وبشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة الزهراء ، وكانت تحدث خديجة في الأحشاء وتؤنسها بالتسبيح والتقديس ، وكان نورها وحلقها وخلالها وجمالها لا يعدو رسول الله صلى الله عليه وآله ( 1 ) . ومن كراماتها على الله : أنها لما منعت حقها أخذت بعضادة حجرة النبي وقالت : ليست ناقة صالح عند الله بأعظم مني ، ثم رفعت جنب قناعها إلى السماء وهمت أن تدعو فارتفعت جدران المسجد عن الأرض ، ونزل العذاب فجاء أمير المؤمنين عليه السلام فمسك يدها وقال : يا بقية النبوة وشمس الرسالة ، ومعدن العصمة والحكمة ، إن أباك كان رحمة للعالمين فلا تكوني عليهم نقمة ، أقسم عليك بالرؤوف الرحيم ، فعادت إلى مصلاها ( 2 ) . ‹ صفحة 128 ›

الفصل الرابع( في أسرار الحسن بن علي عليهما السلام )

الفصل الرابع أسرار الإمام الحسن عليه السلام ‹ صفحة 129 › فمن ذلك : أنه لما قدم من الكوفة جاءت النسوة يعزينه في أمير المؤمنين عليه السلام ، ودخلت عليه أزواج النبي صلى الله عليه وآله ، فقالت عائشة : يا أبا محمد ما مثل فقد جدك إلا يوم فقد أبوك ، فقال لها الحسن : نسيت نبشك في بيتك ليلا بغير قبس بحديدة ، حتى ضربت الحديدة كفك فصارت جرحا إلى الآن فأخرجت جردا أخضر فيه ما جمعته من خيانة حتى أخذت منه أربعين دينارا عددا لا تعلمين لها وزنا ففرقتيها في مبغضي علي صلوات الله عليه من تيم وعدي ، وقد تشفيت بقتله ، فقالت : قد كان ذلك ( 1 ) . ومن ذلك : أن معاوية لما أراد حرب علي عليه السلام وجمع أهل الشام ، سمع بذلك ملك الروم فقيل له : رجلان قد خرجا يطلبان الملك ، فقال : من أين ؟ فقيل له : رجل بالكوفة ورجل بالشام ، فقال : صفوهما فقال : من أين ؟ فقيل له : والحق في يد الكوفي ، ثم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك ، وبعث إلى أمير المؤمنين عليه السلام ابعث إلي أعلم أهل بيتك ، حتى أجمع بينهما وأنظر في الإنجيل من أحق بالملك منكما وأخبركما ، فبعث إليه معاوية ابنه يزيد ، وبعث إليه أمير المؤمنين الحسن عليه السلام ، فلما دخل يزيد أخذ الرومي يده فقبلها ، ولما دخل الحسن عليه السلام قام الرومي فانحنى على قدميه فقبلهما ، فجلس الحسن عليه السلام لا يرفع بصره ، فلما نظر ملك الروم إليهما أخرجهما معا ، ثم استدعى يزيد وحده ، وأخرج له من خزانته 113 صنما تماثيل الأنبياء وصورهم وقد زينت بكل زينة ، فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ، ثم عرض آخر فلم يعرفه ، ثم سأله عن أرزاق العباد وعن أرواح المؤمنين ، وأرواح الكفار ، أين تجمع بعد الموت ؟ فلم يعرف ، فدعا الحسن بن علي عليه السلام وقال : إنما بدأت بهذا حتى يعلم أنك تعلم ما لا يعلم ، وأن أباك يعلم [ لا ] أبوه وأن أباك رباني هذه الأمة ، وقد نظرت في الإنجيل فرأيت الرسول محمدا والوزير عليا ونظرت إلى الأوصياء فرأيت أباك فيها وصي محمد ، فقال للرومي : سلني عما بدا لك من علم التوراة ، والإنجيل والفرقان ، أخبرك ، فدعا الأصنام ، فأول صنم عرضه عليه على صفة القمر فقال الحسن عليه السلام : هذه صفة آدم أبي البشر ، ثم عرض عليه ‹ صفحة 130 › آخر في صفة الشمس ، فقال : هذه صفة حواء أم البشر ، ثم عرض آخر ، فقال : هذا عليه صفة شيت ابن آدم ، وهذا أول من بعث وكان عمره في الدنيا 1540 سنة ، ثم عرض عليه آخر فقال : هذه صفة نوح صاحب السفينة ، وكان عمره في الدنيا 2500 سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل الجبهة ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة موسى بن عمران وكان عمره 245 سنة وكان بينه وبين إبراهيم 500 سنة ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب الحزين ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة إسماعيل ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة يوسف بن يعقوب ، ثم عرض عليه آخر ، فقال : هذه صفة داود صاحب الجراب ، ثم عرض عليه آخر فقال : هذه صفة شعيب ، ثم زكريا ، ثم عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ، وكان عمره في الدنيا 23 سنة ثم رفعه الله إليه ثم يهبط إلى الأرض بدمشق ويقتل الدجال ، ثم عرضت عليه أصنام الأوصياء ، والوزراء ، فأخبر بأسمائهم ، ثم عرضت عليه أصنام في صفة الملوك وقال له ملك الروم : هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة والإنجيل ، فقال الحسن عليه السلام : هذه صفة الملوك ، فقال عند ذلك ملك الروم عند ذاك : أشهد لكم يا آل محمد أنكم أوتيتم علم الأولين والآخرين ، وعلم التوراة والإنجيل ، وصحف إبراهيم وألواح موسى ، وأنا نجد في الإنجيل أن أول فتنة هذه الأمة وثوب شيطانها الضليل على ملك نبيها واجتراؤه على ذريته ، ثم قال للحسن عليه السلام : أخبرني عن سبعة أشياء خلقها الله تعالى ، لم تركض في رحم ، فقال الحسن عليه السلام : آدم وحواء ، وكبش إبراهيم ، وناقة صالح ، وإبليس والحية والغراب الذي ذكر في القرآن ، ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسن عليه السلام : في السماء الرابعة تنزل بقدر وتبسيط ، وسأله عن أرواح المؤمنين أين تكون ؟ فقال : تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة جمعة وهي العرش الأدنى ومنها يبسط الله الأرض ويطويها إليها وإليها المحشر . ثم سأله عن أرواح الكفار فقال : تجتمع في وادي حضرموت عند مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب ويتبعها ريح شديد فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فأهل الجنة عن يمينها ، وأهل النار عن يسارها في تخوم الأرض السابعة ، فتعوق الناس عند الصخرة ، فمن وجبت له الجنة دخلها ومن وجبت له النار دخلها ، وذلك قوله : فريق في الجنة وفريق في السعير . فالتفت الملك إلى يزيد وقال : هذا بقية الأنبياء وخليفة الأوصياء ، ووارث الأصفياء وثاني النقباء ، ورابع أصحاب الكساء ، والعالم بما في الأرض والسماء ، أفقياس هذا بمن طبع على قلبه وهو من الضالين ، ثم كتب إلى معاوية : من أتاه الله العلم ‹ صفحة 131 › والحكمة بعد نبيكم وحكم التوراة والإنجيل وأخبار الغيب ، فالحق والخلافة له ، ومن نازعه فإنه ظالم ، ثم كتب إلى أمير المؤمنين عليه السلام أن الحق لك والخلافة فيك وفي ولدك إلى يوم القيامة ، فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك ، فإن من عصاك وحاربك عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ( 1 ) . ومن ذلك من كراماته ما روي عن مولانا الباقر عليه السلام أن جماعة من أهل الكوفة قالوا للحسن عليه السلام : يا بن رسول الله ما عندك من عجايب أسرار أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان يرينا أي شئ نريد يرينا إياه ؟ فقال : هل تعرفون أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فقالوا : نعم ، فرفع سترا كان على باب البيت ، وقال : انظروا ، فنظروا فإذا أمير المؤمنين ، فقالوا : نعم ، هذا أمير المؤمنين لا نشك فيه ونشهد أنك خليفة حقا وصدقا ( 2 ) . ‹ صفحة 133 ›

الفصل الخامس( في أسرار الحسين بن علي عليهما السلام )

 فمن ذلك أنه لما أراد الخروج إلى العراق قالت له أم سلمة : يا بني لا تحزني بخروجك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يقتل ولدي الحسين بالعراق ، فقال لها الحسين عليه السلام : يا أماه إني مقتول لا محالة وليس من الأمر المحتوم بد وإني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه والحفرة التي أدفن فيها ، ومن يقتل معي من أهل بيتي ومن شيعتي ، وإن أردت أريتك مضجعي ومكاني . ثم أشار بيد ه فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومكانه ( 1 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 126 › ( 1 ) بحار الأنوار : 57 / 338 ح 29 . ( 2 ) حلية الأبرار : 2 / 15 ، ومدينة المعاجز : 1 / 142 . ( 3 ) المراقبات : 259 ، وجامع الأسرار : 382 ح 763 . ‹ هامش ص 127 › ( 1 ) يراجع المجلد 46 من بحار الأنوار - تاريخ فاطمة عليها السلام . ( 2 ) وفاة الزهراء : 63 ، والاحتجاج : 56 والمسترشد : 382 . ‹ هامش ص 129 › ( 1 ) الهداية الكبرى للخصيبي : 197 . ‹ هامش ص 131 › ( 1 ) بحار الأنوار : 33 / 237 ح 517 والحديث طويل جدا اختصر هنا . ( 2 ) مدينة المعاجز : 3 / 76 - 512 . ‹ هامش ص 133 › ( 1 ) بحار الأنوار عن الكافي : 44 / 330 ح 2 . ( 2 ) الخرائج والجرائح : 245 باب 4 ، وفرج المهموم : 227 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومن ذلك من كتاب الراوندي أن رجلا جاء إلى الحسين عليه السلام فقال : أمي توفيت ولم توص بشئ غير أنها أمرتني أن لا أحدث في أمرها حدثا حتى أعلمك يا مولاي ، فجاء الحسين عليه السلام وأصحابه فرآها ميتة فدعا الله ليحييها فإذا المرأة تتكلم ، وقالت : ادخل يا مولاي ومرني بأمرك ، فدخل وجلس وقال لها : أوصي يرحمك الله ، فقالت : يا سيدي ، إن لي من المال كذا وكذا وقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت ، والثلثان لابني هذا إن علمت أنه من مواليك ، وإن كان مخالفا فلا حظ للمخالف في أموال المؤمنين ، ثم سألته أن يتولى أمرها وأن يصلي عليها ، ثم صارت ميتة كما كانت ( 2 ) . ‹ صفحة 135 ›

الفصل السادس في أسرار علي بن الحسين عليهما السلام

 فمن ذلك ما رواه خالد بن عبد الله قال : كان علي بن الحسين عليه السلام حاجا فجاء أصحابه فضربوا فسطاطه في ناحية فلما رآه قال : هذا مكان قوم من الجن المؤمنين وقد ضيقتم عليه ، فناداه هاتف : يا بن رسول الله قرب فسطاطك منا رحمة لنا ، وإن طاعتك مفروضة علينا ، وهذه هديتنا إليك فاقبلها ، قال جابر : فنظرنا وإذا إلى جانب الفسطاط أطباق مملوءة رطبا وعنبا ، وموزا ورمانا ، فدعا زين العابدين عليه السلام من كان معه من أصحابه ، وقال : كلوا من هدية إخوانكم المؤمنين ( 1 ) . ومن ذلك ما رواه صاحب كتاب الأربعين : أن بني مروان لما كثر استنقاصهم بشيعة علي بن الحسين عليه السلام شكوا إليه حالهم فدعا الباقر عليه السلام وأخرج إليه حقا فيه خيط أصفر وأمره أن يحركه تحريكا لطيفا فصعد السطح وحركه ، وإذا بالأرض ترجف وبيوت المدينة تساقطت حتى هوى من المدينة ستمائة دار ، وأقبل الناس هاربين إليه يقولون : أجرنا يا بن رسول الله ، أجرنا يا ولي الله ، فقال : هذا دأبنا ودأبهم يستنقصون بنا ونحن نفنيهم ( 2 ) . ومن ذلك أن رجلا سأله فقال : بماذا فضلنا على أعدائنا وفيهم من هو أجمل منا ؟ فقال له الإمام عليه السلام : أتحب أن ترى فضلك عليهم ؟ فقال : نعم ، فمسح يده على وجهه ، وقال : أنظر ، فنظر فاضطرب ، وقال : جعلت فداك ردني إلى ما كنت ، فإني لم أر في المسجد إلا دبا ، وقردا وكلبا ، فمسح يده فعاد إلى حاله ( 3 ) . وإليه الإشارة بقوله : ( أعداء علي مسوخ هذه الأمة ) ، وفي النقل : اقتلوا الوزغ فإنها مسوخ بني أمية ( 4 ) . ‹ صفحة 137 ›

الفصل السابع ( في أسرار أبي جعفر الباقر عليه السلام )

 فمن ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام إذ وقع إليه ورشانان ثم هدلا فرد عليهما فطارا ، فقلت : جعلت فداك ما هذه ؟ فقال : هذا طائر ظن في زوجته سوءا فحلفت له فقال لها : لا أرضى إلا بمولاي محمد بن علي عليه السلام ، فجاءت فحلفت له بالولاية أنها لم تخنه فصدقها ، وما من أحد يحلف بالولاية إلا صدق إلا الإنسان ، فإنه حلاف مهين ( 1 ) . ومن ذلك ما رواه ميسر قال : قمت بباب أبي جعفر فخرجت جارية جلاسية فوضعت يدي على رأسها فناداني من أقصى الدار : ادخل لا أبا لك فلو كانت الجدران تحجب أبصارنا عنكم كما تحجب أبصاركم لكنا نحن وإياكم سواء ( 2 ) . ومن ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال : خرجت مع أبي جعفر عليه السلام إلى مكان يريده فسرنا ، وإذا ذئب قد انحدر من الجبل وجاء حتى وضع يده على قربوس السرج ، وتطاول فخاطبه فقال له الإمام عليه السلام : إرجع فقد فعلت ، قال : فرجع الذئب مهرولا ، فقلت : يا سيدي ما شأنه ؟ فقال : ذكر أن زوجته قد عسرت عليها الولادة فسأل لها الفرج وأن يرزقه الله ولدا لا يؤذي دواب شيعتنا ، فقلت له : إذهب فقد فعلت ، قال : ثم سرنا ، وإذا قاع محدب يتوقد حرا ، وهناك عصافير يتطايرون ، ودرن حول بغلته فرجوها ، وقال : لا ولا كرامة ، قال : ثم سار إلى مقصده ، فلما رجعنا من الغد وعدنا إلى القاع وإذا العصافير قد طارت ودارت حول بغلته ورفرفت ، فسمعته يقول : اشربي وارتوي ، قال : فنظرت ، وإذا في القاع ضحضاح ( 3 ) من الماء ، فقلت : يا سيدي بالأمس منعتها واليوم سقيتها ؟ فقال : اعلم أن اليوم خالطتها القنابر فسقيتها ، ولولا القنابر لما سقيتها ، فقلت : يا سيدي ، وما الفرق بين القنابر والعصافير ؟ فقال : ويحك أما العصافير فإنهم موالي الرجل ( 4 ) لأنهم منه ، وأما القنابر فإنهم موالينا أهل البيت ، وإنهم يقولون في صفيرهم : بوركتم أهل البيت عليهم السلام ، وبورك شيعتكم ، ‹ صفحة 138 › ولعن الله أعدائكم ، ثم قال : عادانا من كل شئ حتى الطيور الفاختة ومن الأيام الأربعاء ( 1 ) . أقول : في هذا الحديث رمز حسن يشير إلى أن كلا يميل إلى شكله ويفرح بنظيره ، وينبعث طبعه ، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله : يعرف ولد الحرام بأكله للحرام ( 2 ) ، وهذا أيضا رمز وهو أن ولد الحرام مادته من الحرام فهو يحب ما هو منه ، وعدوهم من الرجل فهو لا يحب إلا مادته ، ومحبهم ووليهم طينته منهم ، وهي طينة خلق منها أولاد الحلال فلا يحبهم إلا ولد الحلال ، وليس محبهم إلا ولد الحلال . ومن ذلك ما رواه إسماعيل السندي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول لرجل من خراسان كان قدم إليه : كيف أبوك ؟ فقال الرجل : بخير ، فقال : فأخوك ؟ قال : خلفته صالحا ، فقال : قد هلك أبوك بعد خروجك بيومين ، وأما أخوك فقتلته جاريته يوم كذا ، وقد صار إلى الجنة ، فقال الرجل : جعلت فداك ، إن ابني قد خلفته وجعا ، فقال : أبشر فقد برئ وزوجه عمه ابنته وصار له غلام وسماه عليا ، وليس من شيعتنا ، فقال الرجل : فما إليه من حيلة ؟ فقال : كلا قد أخذ من صلب آدم أنه من أعدائنا فلا تغرنك عبادته وخشوعه ( 3 ) . ومن ذلك ما رواه جابر بن يزيد قال : كنا مع أبي جعفر عليه السلام في المسجد فدخل عمر بن عبد العزيز وهو غلام ، وعليه ثوبان معصفران فقال أبو جعفر عليه السلام : لا تذهب الأيام حتى يملكها هذا الغلام ، ويستعمل العدل جهرا والجور سرا فإذا مات تبكيه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء ( 4 ) . ومن ذلك ما رواه أبو بصير قال : قال لي مولاي أبو جعفر عليه السلام : إذا رجعت إلى الكوفة يولد ولد تسميه عيسى ، ويولد ولد وتسميه محمدا وهو من شيعتنا وأسماؤهما في صحيفتنا ، وما يولدون إلى يوم القيامة ، قال : فقلت : وشيعتكم معكم ؟ قال : نعم ، إذا خافوا الله واتقوه وأطاعوه ( 5 ) . ومن ذلك أنه دخل المسجد يوما فرأى شابا يضحك في المسجد فقال له : تضحك في المسجد ‹ صفحة 139 › وأنت بعد ثلاثة من أصحاب القبور ؟ فمات الرجل في أول اليوم الثالث ، ودفن في آخره ( 1 ) . ومن ذلك ما ورد في كتاب كشف الغمة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له يوما : أنتم ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : نعم ، قلت : ورسول الله وارث الأنبياء ؟ قال : نعم ، قلت : وأنتم ورثة رسول الله ؟ قال : نعم ، قلت : فتقدر أن تحيي الموتى وتبرئ الأكمه والأبرص وتخبر الناس بما يأكلون ، وما يدخرون ؟ قال : نعم ، بأمر الله ، ثم قال : ادن مني ، فدنوت منه فمسح يده على وجهي ، فأبصرت السماء والأرض ، ثم مسح يده على وجهي فعدت كما كنت لا أرى شيئا ( 2 ) . ‹ صفحة 141 ›

الفصل الثامن في أسرار الإمام الصادق عليه السلام

من ذلك ما رواه محمد بن سنان أن رجلا قدم عليه من خراسان ومعه صرر من الصدقات معدودة مختومة ، وعليها أسماء أصحابها مكتوبة ، فلما دخل الرجل جعل أبو عبد الله يسمي أصحاب الصرر ، ويقول : أخرج صرة فلان فإن فيها كذا وكذا ، ثم قال : أين صرة المرأة التي بعثتها من غزل يدها أخرجها فقد قبلناها ؟ ثم قال للرجل : أين الكيس الأزرق ، وكان فيما حمل إليه كيس أزرق فيه ألف درهم ، وكان الرجل قد فقده في بعض طريقه ، فلما ذكره الإمام استحيى الرجل وقال : يا مولاي إني فقدته في بعض الطريق ، فقال له الإمام عليه السلام : تعرفه إذا رأيته ؟ فقال : نعم ، فقال : يا غلام ، أخرج الكيس الأزرق ، فأخرجه ، فلما رآه الرجل عرفه ، فقال الإمام : إنا احتجنا إلى ما فيه فأحضرناه قبل وصولك إلينا ، فقال الرجل : يا مولاي إني ألتمس الجواب بوصول ما حملته إلى حضرتك ، فقال له : إن الجواب كتبناه وأنت في الطريق ( 1 ) . ومن ذلك ما رواه عبد الله بن الكاهلي قال : قال لي الصادق عليه السلام : إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسي ، وقل : عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة رسوله ، وعزيمة سليمان بن داود ، وعزيمة علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده ، فإنه ينصرف عنك ، قال : فخرجت مع ابن عم لي قادما من الكوفة فعرض لنا السبع فقرأت عليه ما علمني مولاي فطأطأ رأسه ورجع عن ا لطريق ، فلما قدمت إلى سيدي من قبل أن أعلمه بالخبر ، فقال : أتراني لم أشهدكم أن لي مع كل ولي أذن سامعة ، وعين ناظرة ، ولسان ناطق ، ثم قال : يا عبد الله أنا والله صرفته عنكما وعلامة ذلك أنكما كنتما على شاطئ النهر ( 2 ) . أقول : في هذا الحديث أسرار غريبة ، الأول إطاعة الوحوش لهم عيانا وسماعا ، والثاني إخباره أنه لم يغب عنهم وأن يشهد سائر أوليائه لأن الإمام مع الخلق كلهم لم يغب عنهم ، ولم يحتجبوا عنه طرفة عين ، ولكن أبصارهم محجوبة عن النظر إليه ، وإن الدنيا بين يدي الإمام كالدرهم بين يدي الرجل يقلبه كيف شاء ، والثالث أنه أنكر عليه وقال : أتراني لم أشهدكم ؟ حيث إنه حسب أن ‹ صفحة 142 › الحجة لا يشهد لمحجوج عليه بعد أن يثبت أنهم عين الله الناظرة في عباده ، ويده المبسوطة بالفضل في بلاده ، ولسانه المترجم عنه ، وأن قلوب الأولياء مكان مشيئة الله وخزائن أسراره وباب حكمته .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 133 › ( 1 ) بحار الأنوار عن الكافي : 44 / 330 ح 2 . ( 2 ) الخرائج والجرائح : 245 باب 4 ، وفرج المهموم : 227 . ‹ هامش ص 135 › ( 1 ) بحار الأنوار عن دلائل الطبري : 46 / 45 ح 45 بتفاوت . ( 2 ) الهداية الكبرى : 227 - 228 باب 6 و : 322 باب 12 ، ودلائل الإمامة : 2 ، والبحار : 25 / 379 . ( 3 ) بحار الأنوار : 46 / 49 ح 49 . ( 4 ) الخرائج : 823 وبحار الأنوار : 27 / 269 ح 19 بتفاوت . ‹ هامش ص 137 › ( 1 ) بحار الأنوار : 65 / 24 ح 04 . ( 2 ) بحار الأنوار : 46 / 248 ح 40 وفيه لا أم لك . ( 3 ) الضحضاح في الأصل مارق من على وجه الأرض ما بلغ الكعبين ( النهاية ) . ( 4 ) في البحار : عمر . ‹ هامش ص 138 › ( 1 ) بحار الأنوار : 27 / 272 ح 25 بتفاوت . ( 3 ) بحار الأنوار : 46 / 243 ح 31 بتفاوت كبير . ( 4 ) بحار الأنوار : 46 / 251 ح 44 بتفاوت . ( 5 ) بحار الأنوار : 46 / 274 ح 79 . ‹ هامش ص 139 › ( 1 ) المصدر نفسه . ( 2 ) بصائر الدرجات : 289 ج 6 باب 3 ح 1 باب إنهم يحيون الموتى . والهداية الكبرى : 243 باب 7 وبحار الأنوار : 46 / 237 ح 13 . ‹ هامش ص 141 › ( 1 ) بحار الأنوار : 47 / 155 ح 218 . ( 2 ) بحار الأنوار : 47 / 95 ح 108 . ‹ هامش ص 142 › ( 1 ) بحار الأنوار : 47 / 181 ح 27 وتصويب العبارة منه . ( 2 ) بحار الأنوار : 47 / 155 ح 218 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومن ذلك ما رواه أبو بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن المعلى بن خنيس ينال درجتنا ، وإن المدينة من قابل يليها داود بن عروة ، ويستدعيه ويأمره أن يكتب له أسماء شيعتي فيأتي فيقتله ويصلبه ، فينال بذلك درجتنا ، فلما ولي داود المدينة من قابل أحضر المعلى وسأله عن الشيعة فقال : أعرفهم ، فقال : اكتبهم لي وإلا ضربت عنقك ، فقال : بالقتل تهددني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم ، فأمر بضرب عنقه وصلبه ، فلما دخل عليه الصادق عليه السلام قال : يا داود قتلت مولاي ووكيلي ، وما كفاك القتل حتى صلبته ، والله لأدعون الله عليك كما قتلته ، فقال له داود : أتهددني بدعائك ؟ ادع الله لك فإذا استجاب لك فادعه علي ، فخرج أبو عبد الله عليه السلام مغضبا ، فلما جن الليل اغتسل واستقبل القبلة ، ثم قال : يا ذا يا ذي يا ذوا إرم داود سهما من سهام قهرك تبلبل به قلبه ، ثم قال لغلامه : اخرج واسمع الصائح . فجاء الخبر أن داود قد هلك ، فخر الإمام ساجدا وقال : إنه لقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات لو قسمت على أهل الأرض لزلزلت بمن عليها ( 1 ) . ومن كراماته عليه السلام : أن المنصور يوما دعاه ، فركب معه إلى بعض النواحي ، فجلس المنصور على تلال هناك وإلى جانبه أبو عبد الله ، فجاء رجل وهم أن يسأل المنصور ثم أعرض عنه ، وسأل الصادق عليه السلام فجش له من أهل وعل هناك ملء يديه ثلاث مرات ، فقال : إذهب وأغل ، فقال له بعض حاشية المنصور : خرجت عن الملك وسألت فقيرا لا يملك شيئا ، فقال الرجل وقد عرق وجهه خجلا مما أعطاه : إني سألت من أنا واثق بعطائه ، ثم جاء بالتراب إلى بيته ، فقالت له زوجته : من أعطاك هذا ؟ فقال : جعفر ، فقالت : وما قال ؟ قال لي : أغل ، فقالت : إنه صادق ، فاذهب بقليل منه إلى أهل المعرفة فإني أشم منه رايحة الغنا ، فأخذ الرجل منه جزءا ومر به إلى بعض اليهود فأعطاه فيما حمل منه إليه عشرة آلاف درهم ، وقال له : أتيني بباقيه على هذه القيمة ( 2 ) . ومن ذلك : أن المنصور لما أراد قتل أبي عبد الله عليه السلام استدعى قوما من الأعاجم يقال لهم البعرعر لا يفهمون ولا يعقلون ، فخلع عليهم الديباج المثقل ، والوشي المنسوخ ، وحملت إليهم الأموال ، ثم ‹ صفحة 143 › استدعاهم وكانوا مائة رجل ، وقال للترجمان : قل لهم : إن لي عدوا يدخل علي الليلة فاقتلوه إذا دخل ، فأخذوا أسلحتهم ووقفوا ممتثلين لأمره ، فاستدعى جعفرا عليه السلام وأمره أن يدخل وحده ، ثم قال للترجمان : قل لهم هذا عدوي فقطعوه ، فلما دخل الإمام تعاووا عوي الكلاب ، ورموا أسلحتهم ، وكتفوا أيديهم إلى ظهورهم ، وخروا له سجدا ، ومرغوا وجوههم على التراب ، فلما رأى المنصور ذاك خاف ، وقال : ما جاء بك ؟ قال : أنت ، وما جئتك إلا مغتسلا محنطا ، فقال المنصور : معاذ الله أن يكون ما تزعم ، ارجع راشدا ، فخرج جعفر عليه السلام والقوم على وجوههم سجدا ، فقال للترجمان : قل لهم : لم لا قتلتم عدو الملك ؟ فقالوا : نقتل ولينا الذي يلقانا كل يوم ويدبر أمرنا كما يدبر الرجل أمر ولده ولا نعرف وليا سواه ، فخاف المنصور من قولهم فسرحهم تحت الليل ، ثم قتله بعد ذلك بالسم ( 1 ) . ومن كراماته عليه السلام أن فقيرا سأله فقال لعبده : ما عندك ؟ قال : أربعمائة درهم ، فقال : أعطه إياها ، فأعطاه ، فأخذها وولى شاكرا ، فقال لعبده : أرجعه ، فقال : يا سيدي سألت فأعطيت ، فماذا بعد العطاء ، فقال له : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خير الصدقة ما أبقت عني ، وإنا لم نغنك فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم ، فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة ( 2 ) . ومن ذلك من كتاب الراوندي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : علمنا غابر ومزبور ، ونكث في القلوب ، ونقر في الأسماع ، وعندنا الجفر الأبيض والجفر الأحمر ، ومصحف فاطمة والجامعة ، فأما الغابر فعلم ما كان ، وأما المزبور فعلم ما يكون ، وأما النكث في القلوب فهو الإلهام ، وأما النقر في الأسماع فهو حديث الملائكة ، وأما الجفر الأحمر ففيه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأما الجفر الأبيض فوعاء فيه التوراة والإنجيل والزبور والكتب الأولى ، وأما مصحف فاطمة ففيه ما يكون من الحوادث ، واسم من يملك إلى يوم القيامة ، وأما الجامعة ففيها جميع ما يحتاج الناس إليه حتى أرش الخدش ، وعندنا صحيفة فيها اسم من ولد ومن يولد ، واسم أبيه وأمه من الذر إلى يوم القيامة ، ممن هو من أعدائنا ، ذلك فضل الله علينا وعلى الناس ( 3 ) . ومن ذلك : ما رواه أحمد البرقي عن أبيه عن سدير الصيرفي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في النوم وبين يديه طبق مغطى ، فدنوت منه وسلمت عليه ، فكشف الطبق وإذا فيه رطب ، فقلت : يا رسول ‹ صفحة 144 › الله ناولني رطبة ، فأكلتها ، ثم طلبت أخرى فناولني حتى أكلت ثمان رطبات ، فطلبت أخرى فقال : حسبك . قال : فلما استيقظت من الغد دخلت على الصادق عليه السلام وإذا بين يديه طبق مغطى كما رأيته في المنام ، فكشف عنه ، وإذا فيه رطب ، فقال : جعلت فداك ناولني رطبة ، فناولنيها فأكلتها ، ثم سألته أخرى فأعطاني ، فناولني ثمان رطبات فأكلتهن ، ثم سألته أخرى ، فقال : حسبك لو زادك جدي صلى الله عليه وآله لزدتك ( 1 ) ‹ صفحة 145 ›

الفصل التاسع ( في أسرار أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام )

 

فمن ذلك أن الرشيد لما حج دخل المدينة فاستأذن عليه الناس ، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر عليهما السلام ، فلما أدخل عليه دخل وهو يحرك شفتيه ، فلما قرب إليه قعد الرشيد على ركبتيه وعانقه ، ثم أقبل عليه ، وقال : كيف أنت يا أبا الحسن ؟ كيف عيالك ؟ كيف عيال أبيك ؟ كيف أنتم ؟ كيف حالكم ؟ وهو يقول : خير ، خير ، فلما قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبو الحسن فقعد ، ثم عانقه وخرج ، فلما خرج قال له المأمون : من هذا الرجل ؟ قال : يا بني هذا وارث علوم الأولين والآخرين ، هذا موسى بن جعفر ، فإن أردت علما حقا فعند هذا ( 1 ) . ومن ذلك ما رواه أحمد البزاز قال : إن الرشيد لما أحضر موسى عليه السلام إلى بغداد فكر في قتله ، فلما كان قبل قتله بيومين ، قال للمسيب وكان من الحراس عليه لكنه كان من أوليائه ، وكان الرشيد قد سلم موسى إلى السندي بن شاهك وأمره أن يقيده بثلاثة قيود من الحديد وزنها ثلاثين رطلا قال : فاستدعى المسيب نصف الليل وقال : إني ظاعن عنك في هذه الليلة إلى المدينة لأعهد إلى من بها عهدا يعمل به بعدي ، فقال المسيب : يا مولاي كيف أفتح لك الأبواب والحرس قيام ؟ فقال : ما عليك ، ثم أشار بيده إلى القصور المشيدة والأبواب العالية ، والدور المرتفعة ، فصارت أرضا ، ثم قال لي : يا مسيب كن على هيئتك فإني راجع إليك بعد ساعة ، فقال : يا مولاي ألا أقطع لك الحديد ؟ قال : فنفضه وإذا هو ملقى ، قال : ثم خطا خطوة فغاب عن عيني ، ثم ارتفع البنيان كما كان . قال المسيب : فلم أزل قائما على قدمي حتى رأيت الأبنية والجدران قد خرت ساجدة إلى الأرض ، وإذا بسيدي قد أقبل وعاد إلى محبسه وأعاد الحديد إليه ، فقلت : يا سيدي ، أين قصدت ؟ فقال : كل محب لنا في الأرض شرقا وغربا حتى الجن في البراري ومختلف الملائكة ( 2 ) . ومن ذلك ما رواه صفوان الجمل بن مهران قال : أمرني سيدي أبو عبد الله عليه السلام يوما أن أقدم ناقته على باب الدار ، فجئت بها ، قال : فخرج أبو الحسن موسى مسرعا وهو ابن ست سنين فاستوى على ‹ صفحة 146 › ظهر الناقة وأثارها وغاب عن بصري ، قال : فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وما أقول لمولاي إذا خرج يريد ناقته ، قال : فلما مضى من النهار ساعة إذا الناقة قد انقضت كأنها شهاب وهي ترفض عرقا ، فنزل عنها ودخل الدار فخرج الخادم ، وقال : أعد الناقة مكانها وأجب مولاك ، قال : ففعلت ما أمرني ودخلت عليه ، فقال : يا صفوان إنما أمرتك إحضار الناقة ليركبها مولاك أبو الحسن ، فقلت في نفسك : كذا وكذا فهل علمت يا صفوان إلى أين بلغ عليها في هذه الساعة ؟ إنه بلغ ما بلغه ذو القرنين وجاوزه أضعافا مضاعفة وأبلغ كل مؤمن ومؤمنة سلامي ( 1 ) . ومن ذلك ما رواه المسيب أن الرشيد لما أراد قتل موسى أرسل إلى عماله في الأطراف فقال : التمسوا إلى قوم ما لا يعرفون الله أستعين بهم في مهم لي ، فأرسلوا إليه قوما يقال لهم العبدة ، فلما قدموا عليه وكانوا خمسين رجلا أنزلهم في بيت من بيوت داره قريب المطبخ ، ثم حمل إليهم المال والثياب والجواهر والأشربة والخدم ، ثم استدعاهم وقال : من ربكم ؟ فقالوا : ما نعرف ربا وما سمعنا بهذه الكلمة ، فخلع عليهم ، ثم قال للترجمان : قل لهم إن لي عدوا في هذه الحجرة فادلوا إليه فقطعوه ، فدخلوا بأسلحتهم على أبي موسى عليه السلام والرشيد ينظر ماذا يفعلون ، فلما رأوه رموا أسلحتهم وخروا له سجدا فجعل موسى يمر يده على رؤوسهم وهم يبكون ، وهو يخاطبهم بألسنتهم ، فلما رأى الرشيد ذلك غشي عليه وصاح بالترجمان أخرجهم ، فأخرجهم يمشون القهقرى إجلالا لموسى عليه السلام ، ثم ركبوا خيولهم وأخذوا الأموال ومضوا ( 2 ) . ‹ صفحة 147 ›

الفصل العاشر في أسرار أبي الحسن علي بن موسى عليهما السلام

فمن ذلك أن الرضا عليه السلام لما قدم من خراسان توجهت إليه الشيعة من الأطراف ، وكان علي بن أبي أسباط قد توجه إليه بهدايا وتحف فأخذت القافلة وأخذ ماله وهداياه وضرب على فيه ، فانتثرت نواجذه فرجع إلى قرية هناك ونام ، فرأى الرضا عليه السلام في منامه ، وهو يقول : لا تحزن إن هداياك وصلت إلينا ، وأما فمك وثناياك فخذ من السعد المسحوق واحشي به فاك ، فانتبه مسروا وأخذ من السعد وحشي به فاه فرد الله عليه نواجذه ، قال : فلما وصل إلى الرضا عليه السلام ودخل عليه قال له : قد وجدت ما قلناه لك في السعد حقا فادخل هذه الخزانة فانظر ، فدخل فإذا ماله وهداياه كلا على حدته ( 1 ) .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 142 › ( 1 ) بحار الأنوار : 47 / 181 ح 27 وتصويب العبارة منه . ( 2 ) بحار الأنوار : 47 / 155 ح 218 . ‹ هامش ص 143 › ( 1 ) بحار الأنوار : 47 / 181 ح 27 . ( 2 ) بحار الأنوار : 47 / 60 ح 116 . ( 3 ) الإرشاد للمفيد : 2 / 186 كلام الصادق حول ميراث الرسول ، وأصول الكافي : 1 / 238 . ‹ هامش ص 144 › ( 1 ) بحار الأنوار : 47 / 63 ح 2 . ‹ هامش ص 145 › ( 1 ) بحار الأنوار : 48 / 133 ح 6 والحديث طويل . ( 2 ) مدينة المعاجز : 6 / 384 . ‹ هامش ص 146 › ( 1 ) الهداية الكبرى : 270 باب 9 . ( 2 ) بحار الأنوار : 48 / 249 ح 57 . ‹ هامش ص 147 › ( 1 ) بحار الأنوار : 49 / 71 ح 95 . ( 2 ) بحار الأنوار : 49 / 71 ح 95 . ( 3 ) المصدر نفسه . ( 4 ) بحار الأنوار عن الخرايج : 49 / 50 ح 50 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومن ذلك أن رجلا من الواقفة جمع مسايل مشكلة في طومار ، وقال في نفسه : إن عرف معناه فهو ولي الأمر ، فلما أتى الباب ، وقف ليخف الناس من المجلس ، فخرج إليه خادم وبيده رقعة فيها جواب مسألة بخط الإمام عليه السلام فقال له الخادم : أين الطومار ؟ فأخرجه ، فقال له : يقول لك ولي الله هذا جواب ما فيه . فأخذه ومضى ( 2 ) . ومن ذلك أن الرضا عليه السلام قال يوما في مجلسه : لا إله إلا الله مات فلان ، ثم صبر هنيهة ، وقال : لا إله إلا الله غل وكفر ، وحمل إلى حفرته ، ثم صبر هنيهة ، وقال : لا إله إلا الله وضع في قبره ، وسئل عن ربه فأجاب ، ثم سئل عن نبيه فأقر ، ثم سئل عن إمامه فأخبر ، وعن العترة ، فعدهم ، ثم وقف عندي فما باله وقف ، وكان الرجل واقفيا ( 3 ) . ومن ذلك ما رواه الراوندي في كتابه عن إسماعيل قال : كنت عند الرضا عليه السلام فمسح يده على الأرض فظهرت سبايك من فضة ، ثم مسح يده فغابت ، فقلت : أعطني واحدة منها ، فقال : إن هذا الأمر ما آن وقته ( 4 ) . ‹ صفحة 148 › أقول : الفرق بين الشعبذة والسحر والسيمياء ، والكرامات والمعجزات ، الأول منها قلب العين حتى يرى الإنسان شيئا فيتخيله ولا حقيقة له ولا يبقى ، وأما المعجزات والكرامات فقلب أعيان الأشياء وتحويلها إلى حقيقة أخرى باقية لا تزول إلا إذا أراد المظهر لها زوالها . ومن كراماته عليه السلام أن أبا نواس مدحه بأبيات فأخرج له رقعة فيها تلك الأبيات فتحير أبو نواس ، وقال : والله يا ولي الله ما قالها أحد غيري ، ولا سمعها أحد سواك ، فقال : صدقت ، ولكن عندي في الجفر والجامعة أنك تمدحني بها . ( 1 ) ومن ذلك ما رواه أبو الصلت الهروي قال : بينما أنا واقف بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ قال لي : سيحفر لي هاهنا قبر فتظهر صخرة لو اجتمع عليها كل معول بخراسان لم يقدروا على قلعها ، فمرهم أن يحفروا لي سبع مرات إلى أسفل ، وأن يشق لي ضريح فإن الماء سينبع حتى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ، ثم يخرج حوت كبير يلتقط الحيتان الصغار ثم يغيب ، فدع يديك على الماء وتكلم بهذا الكلام فإنه ينضب لك ولا يبقى منه شئ ، ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون ، ثم قال لي : يا أبا الصلت غدا أدخل إلى هذا الفاجر ، فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلم أكلمك ، وإن خرجت مغطى الرأس فلا تكلمني . قال أبو الصلت : فما أصبحنا من الغد لبس ثيابه ، وجلس في محرابه ، فجاء غلام المأمون وقال : أجب أمير المؤمنين ، فلبس نعله ورداءه ، وقام يمشي وأنا أتبعه ، ثم دخل على المأمون وبين يديه أطباق وفاكهة ، وبيده عنقود من عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه ، فلما رآه مقبلا وثب قايما وعانقه وأجلسه ، ثم ناوله العنقود ، وقال : يا ابن رسول الله هل رأيت أحسن من هذا العنب ؟ فقال : قد يكون في بعض الجنان أحسن منه ، ثم قال له : كل منه ، فقال له الرضا عليه السلام : أعفني ، فقال : لا بد من ذلك ، ثم قال : وما يمنعك أتتهمني ؟ ثم تناول العنقود منه وأكل منه ، وناوله الرضا عليه السلام فأكل منه ثلاث حبات ، ثم رمى به ، وقال له المأمون : إلى أين ؟ فقال له الرضا عليه السلام : إلى حيث وجهتني ، ثم خرج عليه السلام مغطى الرأس حتى دخل الدار ثم أمر أن تغلق الأبواب ، ثم نام على فراشه . فكنت : واقفا في صحن الدار باكيا حزينا إذ دخل إلي شاب حسن الوجه أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه وقلت : من أين دخلت والباب مغلوق ؟ فقال : الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق ، فقلت : من أنت ؟ فقال : أنا حجة الله ‹ صفحة 149 › يا أبا الصلت ، أما محمد بن علي ، ثم مضى نحو أبيه الرضا عليه السلام فدخل ، فأمرني بالدخول ، فلما نظر إليه الرضا عليه السلام نهض إليه ليعتنقه ، ثم سجه سجى إلى فراشه وأكب عليه محمد بن علي عليه السلام فسر إليه سرا لا أفهمه ، ورأيت على شفة الرضا بياضا أشد بياضا من الثلج ، ورأيت أبا جعفر عليه السلام يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين صدره وثوبه فاستخرج منه شيئا شبه العصفور فابتلعه ، ثم مضى الرضا عليه السلام فقال لي : يا أبا الصلت أيتني المغسل والماء من الخزانة ، فقلت : ما في الخزانة مغسل ولا ماء ، فقال : ائتمر بما آمرك به . قال : فدخلت الخزانة وإذا فيها مغسل وماء فأتيته بها ، ثم شمرت ثيابي لأعاونه ، فقال : تنح فإن لي من يساعدني ، ثم قال لي : أدخل الخزانة وأخرج السفط الذي فيه كفنه وحنوطه ، فدخلت وإذا أنا بسفط لم أره من قبل ذلك فأخرجته إليه وصلى عليه ، ثم قال : إئتني بالتابوت ، فقلت : أأمضي إلى النجار ؟ فقال : إن في الخزانة تابوتا ، فدخلت وإذا تابوت لم أر مثله قط ، فأخرجته إليه فوضعته فيه بعد أن صلى عليه ، تباعد عنه وصلى ركعتين ، وإذا بالتابوت قد ارتفع فانشق السقف وغاب التابوت . فقلت : يا ابن رسول الله الساعة يأتي المأمون ويسألنا عن الرضا فماذا نقول ؟ فقال : اسكت يا أبا الصلت ، سيعود ، إنه ما من نبي في شرق الأرض يموت ووصيه في غربها إلا جمع الله بين روحيهما . فما تم الحديث حتى عاد التابوت ، فقال : فاستخرج الرضا عليه السلام من التابوت ووضعه على فراشه كأنه لم يكفن ولم يغسل ، ثم قال : افتح الباب للمأمون ، ففتحت الباب ، وإذا أنا بالمأمون والغلمان على الباب ، فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه ولطم رأسه ، وهو يقول : واسيداه ، ثم جلس عند رأسه ، وقال : خذوا في تجهيزه ، وأمر بحفر القبر ، فظهر جميع ما ذكر الرضا عليه السلام . فقلت : أمرني أن أحفر له سبع مرات ، وأن أشق ضريحه ، قال : فافعل ، ثم ظهر الماء والحيتان ، فقال المأمون : لم يزل الرضا عليه السلام يرينا عجائبه في حياته حتى أرانا بعد وفاته ، فقال له وزيره الذي كان معه : أتدري ما أخبرك به ؟ قال : لا . قال : أخبرك أن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول مدتكم مثل هذه الحيتان ، حتى إذا انقضت دولتكم وولت أيامكم سلط عليكم رجلا فأفناكم عن آخركم . فقال له المأمون : صدقت ، ثم دفن الرضا عليه السلام ومضى ( 1 ) . ‹ صفحة 151 ›

الفصل الحادي عشر في أسرار أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليهما السلام

 النور المستضئ فمن ذلك ما روي عنه أنه جئ به إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله بعد موت أبيه الرضا وهو طفل ، فجاء إلى المنبر ورقى منه درجة ، ثم نطق فقال : أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد ، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب ، أنا أعلم بسرايركم وظواهركم ، وما أنتم صائرون إليه ، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين ، وبعد فناء السماوات والأرضين ، ولولا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلال ، ووثوب أهل الشك ، لقلت قولا يعجب منه الأولون والآخرون . ثم وضع يده الشريفة على فيه وقال : يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل ( 1 ) . ومن ذلك ما رواه أبو جعفر الهاشمي قال : كنت عند أبي جعفر الثاني ببغداد فدخل عليه ياسر الخادم يوما وقال : يا سيدنا إن سيدتنا أم جعفر تستأذنك أن تصير إليها . فقال للخادم : إرجع فإني في الأثر ، ثم قام وركب البغلة وأقبل حتى قدم الباب ، فخرجت أم جعفر أخت المأمون فسلمت عليه وسألته الدخول على أم الفضل بنت المأمون ، وقالت : يا سيدي أحب أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقر عيني ، قال : فدخل والستور تشال بين يديه فما لبث أن خرج راجعا وهو يقول : . فلما رأينه أكبرنه . قال : ثم جلس فخرجت أم جعفر تعثر ذيولها ، فقالت : يا سيدي أنعمت علي بنعمة فلم تتمها ، فقال لها : أتى أمر الله فلا تستعجلوا ، إنه قد حدث ما لم يحسن إعادته فارجعي إلى أم الفضل فاستخبريها عنه . فرجعت أم جعفر فعادت عليها ما قال ، فقالت : يا عمة وما أعلمه بذاك عني ، ثم قالت : كيف لا أدعو على أبي وقد زوجني ساحرا ، ثم قالت : والله يا عمة إنه لما طلع على جماله حدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلى أثوابي فضممتها ، فبهتت أم جعفر من قولها ثم خرجت مذعورة ، وقالت : يا سيدي وما حدث لها . قال : ( هو من أسرار النساء ) . ‹ صفحة 152 › فقالت : يا سيدي أتعلم الغيب ؟ قال : لا . قالت : فنزل إليك الوحي ؟ قال : لا . قالت : فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلا الله وهي ؟ فقال : ( وأنا أيضا أعلمه من علم الله ( 1 ) . قال : فلما رجعت أم جعفر قلت له : يا سيدي وما كان إكبار النسوة ؟ قال : هو ما حصل لأم الفضل . فعلمت أنه الحيض ( 2 ) . ‹ صفحة 154 ›

الفصل الثاني عشرفي أسرار أبي الحسن الهادي عليه السلام

فمن ذلك ما رواه محمد بن الحسن الحضيني ( 1 ) قال : حضر مجلس المتوكل مشعبذ ( 2 ) هندي فلعب عنده بالحقق فأعجبه ، فقال له المتوكل : يا هندي الساعة يحضر مجلسنا رجل شريف فإذا حضر فالعب عنده بما يخجله ، قال : فلما حضر أبو الحسن المجلس لعب الهندي فلم يلتفت إليه ، فقال له : يا شريف أما يعجبك لعبي ، كأنك جائع ؟ ثم أشار إلى صورة مدورة في البساط على شكل الرغيف وقال : يا رغيف مر إلى هذا الشريف ، فارتفعت الصورة فوضع أبو الحسن يده على صورة سبع في البساط وقال : قم فخذ هذا ، فصارت الصورة سبعا ، فابتلع الهندي وعاد إلى مكانه في البساط ، فسقط المتوكل لوجهه ، وهرب من كان قائما ( 3 ) . وعن ذلك ما رواه محمد بن داود القمي ، ومحمد الطلحي قال : حملنا مالا من خمس ونذور ، وهدايا وجواهر ، اجتمعت في قم وبلادها ، وخرجنا نريد بها سيدنا أبا الحسن الهادي عليه السلام فجاءنا رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذا وقت الوصول إلينا ، فرجعنا إلى قم وأحرزنا ما كان عندنا فجاءنا أمره بعد أيام أن قد أنفذنا إليكم إبلا غبراء فاحملوا عليها ما عندكم ، وخلوا سبيلها فحملناها وأودعناها لله ، فلما كان من قابل قدمنا عليه ، قال : انظروا إلى ما حملتم إلينا ، فنظرنا فإذا المنايح كما هي ( 4 ) .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 147 › ( 1 ) بحار الأنوار : 49 / 71 ح 95 . ( 2 ) بحار الأنوار : 49 / 71 ح 95 . ( 3 ) المصدر نفسه . ( 4 ) بحار الأنوار عن الخرايج : 49 / 50 ح 50 . ‹ هامش ص 149 › ( 1 ) بحار الأنوار : 49 / 293 ح 8 . ‹ هامش ص 151 › ( 1 ) الهداية الكبرى : 296 باب 11 وبحار الأنوار : 50 / 108 ح 27 . ‹ هامش ص 152 › ( 1 ) روحي فداه نفى أولا علم الغيب الاستقلالي ثم أثبته بتعليم الله تعالى . ( 2 ) الهداية الكبرى : 197 ذيل الباب 4 والإرشاد إلى ولاية الفقيه : 254 . ‹ هامش ص 154 › ( 1 ) في نسخة خطية الحمصي . ( 2 ) كذا في الأصل يريد مشعوذ . ( 3 ) بحار الأنوار : 50 / 211 ح 25 . ( 4 ) بحار الأنوار : 50 / 185 ح 62 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفصل الثالث عشر في أسرار أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام

فمن ذلك ما رواه علي بن عاصم الكوفي قال : دخلت على أبي محمد العسكري عليه السلام فقال لي : يا علي بن عاصم انظر إلى ما تحت قدميك فإنك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين ، والأئمة الراشدين . قال : فقلت : يا سيدي ألا أتنعل ما دمت في الدنيا إكراما لهذا البساط ؟ فقال : يا علي إن هذا النعل الذي في رجلك نجس ملعون [ لا يقر بولايتنا ] . قال : فقلت في نفسي : ليتني أرى هذا البساط ، فعلم ما في ضميري ، فقال : ادن مني ، فدنوت منه ، فمسح يده الشريفة على وجهي فصرت بصيرا قال : فرأيت في البساط أقداما وصورا ، فقال : : هذا قدم آدم عليه السلام وموضع جلوسه ، وهذا أثر هابيل ، وهذا أثر شيت ، وهذا أثر نوح ، وهذا أثر قيدار ، وهذا أثر مهلائيل ، وهذا أثر دياد ( 1 ) ، وهذا أثر أخنوخ ، وهذا أثر إدريس ، وهذا أثر توشلح ( 2 ) ، وهذا أثر سام ، وهذا أثر أرفخشد ، وهذا أثر هود ، وهذا أثر صالح ، وهذا أثر لقمان ، وهذا أثر إبراهيم ، وهذا أثر لوط ، وهذا أثر إسماعيل ، وهذا أثر إلياس ، وهذا أثر إسحاق ، وهذا أثر يعقوب ، وهذا أثر يوسف ، وهذا أثر شعيب ، وهذا أثر موسى ، وهذا أثر يوشع بن نون ، وهذا أثر طالوت ، وهذا أثر داود ، وهذا أثر سليمان ، وهذا أثر الخضر ، وهذا أثر دانيال ، وهذا أثر اليسع ، وهذا أثر ذو القرنين إسكندر ، وهذا أثر سابور بن أرشير ( 3 ) ، وهذا أثر لؤي ، وهذا أثر كلاب ، وهذا أثر قصي ، وهذا أثر عدنان ، وهذا أثر عبد المطلب ، وهذا أثر عبد الله ، وهذا أثر عبد مناف ، وهذا أثر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهذا أثر أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا أثر الأوصياء من بعده إلى المهدي عليه السلام لأنه قد وطأه وجلس عليه . ثم قال : أنظر إلى الآثار واعلم أنها آثار دين الله ، وأن الشاك فيهم كالشاك في الله ، ( ومن جحدهم ] كمن جحد الله ، ثم قال : اخفض طرفك يا علي ، فرجعت محجوبا كما كنت ( 4 ) . ومن ذلك ما رواه الحسن بن حمدان عن أبي الحسن الكرخي قال : كان أبي بزازا في الكرخ ‹ صفحة 156 › فجهزني بقماش إلى سر من رأى فلما دخلت إليها جاءني خادم وناداني باسمي واسم أبي ، وقال : أجب مولاك ، فقلت : ومن مولاي حتى أجيبه ؟ فقال : ما على الرسول إلا البلاغ المبين ! قال : فتبعته فجاء بي إلى دار عظيمة البناء لا أشك أنها الجنة ، وإذا رجل جالس على بساط أخضر ونور جلاله يغشي الأبصار فقال لي : إن فيما حملت من القماش حبرتين إحداهما في مكان كذا ، والأخرى في مكان كذا في السفط الفلاني ، وفي كل واحدة منهما رقعة مكتوب فيها ثمنها وربحها ، وثمن إحداهما ثلاثة وعشرون دينارا والربح ديناران ، وثمن الأخرى ثلاثة عشر دينارا ، والربح كالأولى ، فاذهب فأت بهما . قال الرجل : فرجعت فجئت بهما إليه فوضعتهما بين يديه فقال لي : إجلس فجلست لا أستطيع النظر إليه إجلالا لهيبته ، قال : فمد يده إلى طرف البساط وليس هناك شئ فقبض قبضة ، وقال : هذا ثمن حبرتيك وربحهما ، قال : فخرجت وعددت المال في الباب فكان المشتري والربح كما كتب أبي لا يزيد ولا ينقص ( 1 ) . ‹ صفحة 157 ›

الفصل الرابع عشر في أسرار أبي صالح المهدي عليه السلام

 فمن ذلك ما رواه الحسن بن حمدان عن حليمة ( 1 ) بنت محمد بن علي الجواد قالت : كان مولد القائم ليلة النصف من شعبان سنة 250 ( 2 ) وأمه نرجس بنت ملك الروم فقالت حليمة : فلما وضعته سجد ، وإذا على عضده ( 3 ) مكتوب بالنور : جاء الحق وزهق الباطل ، قال : فجئت به إلى الحسن عليه السلام فمسح يده الشريفة على وجهه وقال : تكلم يا حجة الله وبقية الأنبياء ، وخاتم الأوصياء ، وصاحب الكرة البيضاء ، والمصباح من البحر العميق الشديد الضياء ، تكلم يا خليفة الأتقياء ، ونور الأوصياء . فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أن عليا ولي الله ، ثم عد الأوصياء ، فقال له الحسن عليه السلام : إقرأ ما نزل على الأنبياء ، فابتدأ بصحف إبراهيم فقرأها بالسريانية ، ثم قرأ كتاب نوح وإدريس ، وكتاب صالح ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وفرقان محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين ، ثم قص قصص الأنبياء إلى عهده عليه السلام ( 4 ) . هذا بقية الله في خلقه ، ووجه الله في عباده ، ووديعته المستحفظة ، وكلمته الباقية ، وهذا بقية أغصان شجرة طوبى ، هذا القاف ، وسدرة المنتهى ، هذا ريحان جنة المأوى ، هذا خليفة الأبرار ، هذا بقية الأطهار ، هذا خازن الأسرار ، هذا منتهى الأدوار ، هذا ابن التسمية البيضاء ، والوحدانية الكبرى ، وحجاب الله الأعظم الأعلى ، هذا السبب المتصل من الأرض إلى السماء ، هذا الوجه الذي يتوجه الأولياء ، هذا الولي الذي بيمنه رزق الورى ، وببقائه بقيت الدنيا ، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء ، هذا الحجة من الحجج ، هذا نسخة الوجود والموجود ، هذا غوث المؤمنين ، وخاتم الوصيين وبقية النبيين ، ومستودع علم الأولين والآخرين ، هذا خاتم الألقاب الذاتية ، والأشخاص المحمدية ، والعترة الهاشمية ، هذا البقية من النور القويم ، والنبأ العظيم ، والصراط المستقيم ، خلفاء النبي الكريم ، وأبناء الرؤوف الرحيم ، وأمناء العلي العظيم ، ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم . ‹ صفحة 158 › هم خلفاء أحمد والنقباء الحكماء أئمة اثنا عشر أشرف من تحت السماء تعمى العيون عنهم وهم جلاء للعماء هذا الخليفة الوارث لأسرة النبوة والإمامة ، والخلافة والولاية ، والسلطنة ( 1 ) ، والعصمة والحكمة ، هذا الخلف من الآيات الباهرات ، والنجوم الزاهرات ، الذين لهم الحكم على الموجودات ، والتصرف في الكائنات ، والاطلاع على الغيوب ، والعلم بما في الضمائر والقلوب ، والإحاطة بالمخلوقات والشهادة لسائر البريات ، شهد لهم بذلك الذكر المبين ( 2 ) ، بأنهم سادة الأولين والآخرين ، والولاة على السماوات والأرضين ، وإن الذي وصل إلى الأنبياء قطرة من بحرهم ، ولمعة من نورهم ، وذرة من سرهم ، وذلك لأن الذي كان عند الأنبياء من الاسم الأعظم حرفان لا غير ، وكانوا يفعلون بهما العجائب ، وعند آل محمد سبعون حرفا ، وعندهم ما عند الأنبياء أيضا مضاف إليه ، فالكل منهم وعنهم ، وإليه الإشارة بقوله حكاية عن موسى عليه السلام : ( وكتبنا له في الألواح من ) كل شئ ) ( 3 ) ومن هنا للتبعيض ، وقال حكاية عن عيسى عليه السلام : ليبين لهم الذي يختلفون فيه ( 4 ) ، وقال حكاية عن خاتم النبيين : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ ( 5 ) ، وقوله : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) ( 6 ) ، فهم اللوح الحاوي لكل شئ ، والكتاب المبين الجامع لكل شئ ، لأن كل ما سطر في اللوح صار إليهم ، دليله قوله : ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) ( 7 ) . والإمام المبين هو اللوح المحفوظ ( 8 ) المتقدم في الوجود على سائر الموجودات ، وسماه الإمام لأنه فوق * * * * * ‹ صفحة 159 › الكل وإمام الكل ، دليله قوله : ( أول ما خلق الله اللوح المحفوظ ) ( 1 ) ونور محمد متقدم في علم الغيب على الكل وعدل على الكل ، وعنه بدأ الكل ولأجله خلق الكل ، فاللوح المحفوظ هو الإمام ، وإليه الإشارة بقوله : وكل شئ أحصيناه في إمام مبين فالكتاب المبين هو الإمام ، وإمام الحق علي ، فعلي هو الكتاب المبين ، وإليه الإشارة بما روي عن محمد الباقر عليه السلام أنه لما نزلت هذه الآية قام رجلان فقالا : يا رسول الله من الكتاب المبين أهو التوراة ؟ قال : لا . قالا : فهو الإنجيل ؟ قال : لا . قالا : فهو القرآن ؟ قال : لا . فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا هو الإمام المبين الذي أحصى الله فيه علم كل شئ ( 2 ) وإن كبر عليك أنه هو الكتاب المبين ، فعنده علم الكتاب وإليه الإشارة بقوله : ( ومن عنده علم الكتاب ) ( 3 ) فعلى الوجهين عنده علم الغيب من غير ريب . أقول : يؤيد هذا ما رواه ابن عباس من كتاب المقامات قال : أنزل الله على نبيه كتابا من قبل أن يأتيه الموت عليه خواتيم من ذهب ، فقال له : ادفعه إلى النجيب من أهلك علي بن أبي طالب عليه السلام ومره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه ثم دفعه إلى الحسين عليه السلام ففك خاتما منه فوجد فيه : اخرج بقومك إلى الشهادة ، واشتر نفسك لله ، ثم دفعه إلى علي ابنه عليه السلام فوجد فيه : اصمت والزم بيتك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ، ففعل ثم دفعه إلى محمد ابنه عليه السلام ففك خاتما فوجد فيه : حدث الناس وافتهم ، ولا تخافن إلا الله فلا سبيل لأحد عليك ، ففعل ، ثم دفعه إلى ابنه جعفر ففك خاتما فوجد فيه : حدث الناس وافتهم وانشر علوم آبائك وصدق أهل بيتك ، ولا تخافن أحدا إلا الله هكذا حتى مضى ، ثم صار إلى القائم عليه السلام ( 4 ) . يشهد بصحة هذا الإيراد حديث اللوح الذي رواه جابر عن الزهراء عليها السلام وهو لوح أهداه الله إلى رسوله فيه اسمه واسم الخلفاء من بعده نسخته : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هذا كتاب من الله العزيز الحكيم إلى محمد نبيه وسفيره نزل به الروح الأمين من رب العالمين ، عظم يا محمد أمري ، واشكر نعمائي ، إنني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي ، وخاف غير عدلي ، عذبته عذابا أليما ( 4 ) بحار الأنوار عن الكافي : 36 / 192 ح 1 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 155 › ( 1 ) في البحار : ياره . ( 2 ) في نسخة متوشلح وهو المشهور وكذا في البحار . ( 3 ) في البحار : شابور بن أردشير . ( 4 ) بحار الأنوار : 50 / 304 ح 81 . ‹ هامش ص 156 › ( 1 ) بحار الأنوار : 50 / 314 ح 12 . ‹ هامش ص 157 › ( 1 ) في نسخة خطية حكيمة . ( 2 ) كذا في الأصل المطبوع وفي النسخة 225 فأما في كتاب دلائل الإمامة للطبري : سنة 257 . ( 3 ) في النسخة الخطية ( 4 ) بحار الأنوار : 51 / 27 ح 37 . ‹ هامش ص 158 › ( 1 ) في النسخة الخطية والنقطة كما في المفهوم الذي يراه المؤلف في علم الحروف . ( 2 ) إشارة إلى قوله تعالى : لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم هذه الآية في آخر سورة التوبة . ( 3 ) الأعراف : 145 . : ( 4 ) النحل : 39 . ( 5 ) النحل : 89 . ( 6 ) الأنعام : 38 . ( 7 ) يس : 12 . ( 2 ) راجع تفسير الميزان : 17 / 67 مورد الآية . ‹ هامش ص 159 › ( 1 ) تقدم الحديث . ( 2 ) تقدم الحديث وراجع : ينابيع المودة : 1 / 77 ط تركيا و : 87 النجف ، وتفسير الثقلين : 4 / 379 . ( 3 ) الرعد : 43 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فإياي فاعبد ، علي فتوكل ، إنني لم أبعث نبيا قط فأكملت أيامه إلا جعلت له وصيا وإني فضلتك على الأنبياء وجعلت لك عليا وصيا ، وكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين ، وجعلت حسنا معدن وحيي بعد أبيه ، وجعلت حسينا خازن وحيي وأكرمته بالشهادة ، وأعطيته مواريث الأنبياء فهو سيد الشهداء ، وجعلت كلمتي الباقية في عقبه أخرج منه تسعة أبرار هداة أطهار منهم سيد العابدين وزين أوليائي ، ثم ابنه محمد شبيه جده المحمود الباقر لعلمي ، هلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد علي ، حق القول مني أن أهيج بعده فتنة عمياء ، من جحد وليا من أوليائي فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي ، ويل للجاحدين فضل موسى عبدي وحبيبي ، وعلي ابنه وليي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة يقتله عفريت مريد ، حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه موضع سري ، ومعدن علمي ، وأختم بالسعادة لابنه علي الشاهد على خلقي ، أخرج منه خازن علمي الحسن الداعي إلى سبيلي ، وأكمل ديني بابنه زكي العالمين عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ، يذل أولياؤه في غيبته ويتهادون برؤوسهم إلى الترك والديلم ، ويصبغ الأرض بدمائهم ويكونون خائفين أولئك أوليائي حقا ، بكم أكشف الزلازل والبلاء ، ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) ( 1 ) . ‹ صفحة 161 ›