فصل ( آيات في فضل آل محمد عليهم السلام )

 فهؤلاء سادة الأنام ، ومصابيح الظلام ، وكعبة الاعتصام ، وذروة الاحتشام ، وأمناء الملك العلام ، الذين اصطفاهم للخطاب وارتضاهم بميراث الحكمة والكتاب ، وإليهم الإشارة بقوله : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) ( 1 ) فهم السادة الأبرار والمصطفون الأخيار ، الذين وصفهم بالطهارة والعصمة في الكتاب ، فقال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( 2 ) فهم الذرية الفاخرة ، وسادة الدنيا والآخرة ، الذين دل الكتاب على أنهم الهداة المهديون . فقال في وصفهم رب العالمين : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) ( 3 ) ثم شهد الرسول بأنهم سفينة النجاة ، فقال وقوله الحق صلى الله عليه وآله : ( أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تأخر عنها ضل وغوى ) ( 4 ) . ثم أبان لنا رب الأرباب ، أنهم ورثة الحكمة والكتاب ، فقال : ( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ( 5 ) ، فهم الذرية الطاهرون ، والعترة المعصومون . ثم صرح الذكر المبين أنهم ولاة يوم الدين ، فقال : ( إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم ) ( 6 ) ، فإليهم الإياب ، وعليهم الحساب ، يوم الحساب أنتم أعلم أن حكم يوم المعاد إليهم ، وحساب العباد عليهم ، فقال : وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ( 7 ) فالشهيد محمد النبي ، والسائق علي الولي . ثم أبان للخلق عددهم ونبأهم فقال : وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ( 8 ) فمنهم السادة النقباء ، ‹ صفحة 162 › والأسباط الأوصياء ، ثم خصهم بالشرف والفخار ، وحصر فيهم العلم والافتخار ، فقال : ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم ( 1 ) فآباؤهم محمد وعلي وفاطمة ، وإخوانهم الحسن والحسين ، وذرياتهم الخلفاء من عترة الحسين إلى آخر الدهر عليهم السلام . ثم قال : واجتبيناهم فتعين شرفهم وفضلهم ووجب اتباعهم ، وانقطاع الكل عن مرتبتهم ونزول الخلائق عن رفعتهم . ثم أكد ذلك وعينه ، وأشاع فضلهم وبينه ، وأن الإمامة لا تكون إلا في المعصوم البرئ من السيئات ، المطهر من الخطيئات ، وأخرج من سواهم من دائرة الشرف والحكم ، وأشار إلى ذلك رمزا ، فقال لنوح إذ قال : رب إن ابني من أهلي * إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ) ( 2 ) ، ثم بين لعباده أنهم أئمة الحق ، وأوضح لهم أنهم الداعون إلى الصدق ، وأن من تبع غيرهم ضل وزل ، فقال : ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ( 3 ) . ثم توعد عباده وخوفهم أن يتبعوا غيرهم فقال : ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ( 4 ) والصدق فيهم ومنهم . ثم أمر عباده أن يدينوه بطاعتهم ، فقال : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ( 5 ) فجعل ولايتهم السلم والسلام . ثم بين في الآيات أنه اصطفاهم على الخلائق ، وارتضاهم للغيب والحقائق ، فقال : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) ( 6 ) . ثم بين أنهم بنعم الله محشورون ، وعلى فضل الله محسودون ، فقال : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) ( 7 ) ‹ صفحة 163 › والملك العظيم هو وجوب الطاعة على سائر العباد . ثم أوجب على العباد طاعتهم بالتصريح فقال : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ( 1 ) يعني الذين قرنهم بالكتاب والرسول . ثم نهى عباده أن يتفرقوا عنهم فقال : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ( 2 ) يعني عليا وعترته ، ثم قال : ( ولا تتبعوا السبل - يعني غيرهم - فتفرق بكم عن سبيله ) - يعني : فتضل بكم عن سبيله ، فجعلهم سبيله الهادي إليه ، وطريقه الدال عليه . ثم جعل من مال عنهم تابعا للشيطان ، ومخالفا للقرآن ، وعاصيا للرحمن ، فقال : ( ولا تتبعوا الشيطان وهي طريق أعدائهم . ثم بين أن من اتبعهم نال الرضوان ، وفاز بالغفران ، ونجا من النيران ، فقال : ( وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ) ( 3 ) ومعناه قفوا عند علي وعترته فهم الباب وتمسكوا بحبهم تأمنوا العذاب ، واتبعوا سبيله فهو أم الكتاب ، واعلموا أن عليا مولاكم يغفر لكم خطاياكم . ثم عدد مقاماتهم في الكتاب وعينهم بالخص والنص ، فقال : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ( 4 ) يعني رهطك المصطفين . ثم خصهم بجوامع الشرف والتفضيل والتطهير ، وهذا هو الفضل الذي لا يجحد والشرف الذي لا يحد . ثم باهل بهم الأعداء فجعلهم على إثبات دينه شهداء ، وعلى نبوة نبيه أدلاء ، فقال : فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ) ( 5 ) . ثم خصهم بالمقام الخاص ، وجعلهم قنطرة الإخلاص ، ونهج النجاة والخلاص ، فقال : وآت ذا ، القربى حقه ) ( 6 ) وهي خصوصية خص بها الرب الكريم فاطمة الزهراء بضعة الرؤوف الرحيم . ‹ صفحة 164 › ثم أوجب محبتهم على العباد ، وجعلهم الذخر يوم المعاد ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ( 1 ) . ثم ذكر قصة نوح فقال : وما أسألكم من أجر ( 2 ) وقال ، عن هود : يا قوم لا أسألكم عليه أجرا ( 3 ) ، وقال لمحمد صلى الله عليه وآله : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فلم يفرض لهم المودة إلا لأنهم نجوم الولاية ، وشموس الهداية ، لم يرتدوا عن الملة ، ولم يفارقوا الكتاب والسنة ، لا بل هم الكتاب والسنة ، ففرض مودتهم وطاعتهم ، فمن أخذ بها وجب على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يحبه لأنه على منهاجه ، ومن لم يأخذ بها وجب على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبغضه لأنه ضيع فريضة أمره الله والرسول بها ، لا بل هي رأس الفرض وتمام كل سنة وفرض ، فأي شرف يعلو على هذا المقام . ثم إن الله لم يبعث نبيا إلا وأمره أن لا يسأل أمته أجرا على نبوته ، بل الله يوفيه أجره ، وفرض لمحمد صلى الله عليه وآله مودة أهل بيته عليهم السلام ، وأمره أن يبين فضلهم ، فمن أخذ بهذه المودة فهو مؤمن مخلص قد وجبت له الجنة . ثم قرن ذكر محمد بذكره في الصلاة وقرن ذكرهم بذكر نبيه فدل بذاك على رفيع شرفهم ، وبين ذلك الصادق الأمين من قوله : اللهم صل على محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ( 4 ) . ثم أعطاهم من الفضل ما لم يبلغ أحد وصفه ، فسلم على الأكثر من رسله ، ولم يسلم على آلهم فقال : سلام على نوح في العالمين ( 5 ) ، ثم قال : سلام على إبراهيم ( 6 ) ثم قال : سلام على موسى وهارون ) ( 7 ) ، ثم سلام على آل محمد صلى الله عليه وآله ، فقال : سلام على إل ياسين ( 8 ) وياسين اسم محمد بلغة طي ) ( 9 ) . ‹ صفحة 165 › ثم أنزل في كتابه ما فرق به بين الآل والأمة ، فقال : واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ( 1 ) فرضي لهم ما رضي لنفسه فبدأ لنفسه ثم بدأ برسوله ، ثم بآل رسوله فجعل لنفسه نصيبا ، ثم للنبي ثم لآله ثم قربهم إليه في الطاعة فقال : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( 2 ) فبدأ بنفسه ثم برسوله المخبر عنه ثم بالهداة المهتدين ين من عترته ، ثم أكد لهم الولاية فقال : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) ( 3 ) فجعل ولايتهم مع ولاية الرسول مقرونة بولايته ، كما جعل سهمهم مع سهم الرسول مقرونا لسهمه في القسمة ( الغنيمة خ ل ) فسبحان من فضلهم ورفعهم واختارهم على العالمين .

فصل ثم إنه لما أنزلت آية الصدقة نزه نفسه ورسوله ونزه أهل بيته ، فقال : ( إنما الصدقات للفقراء ) والمساكين ( 4 ) إلى آخر الآية ، فلم يجعل له سهما ولا لرسوله ولا لآل رسوله من الصدقات ، لأنها من أوساخ الناس ، وهم مطهرون من الأدناس ، فهم الآل الذين أمر الله بطاعتهم ، وذوو القربى الذين أمر الله بمودتهم وصلتهم ، والموالي الذين أمر الله بطاعتهم ومعرفتهم ، وأهل الذكر الذين أمر الله بمسألتهم ، ورضي لهم ما رضي لنفسه ، ونزههم مما نزه منه نفسه ، وجعلهم آل الرسول خاصة فقال : ( قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا ) ( 5 ) . فهم آل الرسول وعترته ، وأهل الله وخاصته ، ومعهد التنزيل ونهايته ، وسدنة الوحي وخزنته ، كما قال أبو الحسن الرضا عليه السلام في مشاجرته : أيحل لرسول الله صلى الله عليه وآله لو كان حيا أن يتزوج إليك ؟ فقال المأمون : نعم . فقال الرضا عليه السلام : لكنه لا يحل له أن يتزوج إلي ، فقال المأمون : نعم . لأنك ابنه . ( 6 ) وهذا هو الفرق ما بين الآل والأصحاب ، لأن المأمون كان يزعم أن آل رسول الله أصحابه وأمته ، فأبان لهم ‹ صفحة 166 › الإمام من آله وأصحابه .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 160 › ( 1 ) بحار الأنوار : 36 / 198 ح 3 والحديث طويل / ‹ هامش ص 161 › ( 1 ) فاطر : 32 . ( 2 ) الأحزاب : 33 . ( 3 ) الأنعام : 90 . ( 4 ) بحار الأنوار : 23 / 124 ، والطرائف : 1 / 199 بتحقيقنا . ( 5 ) الحديد : 26 . ( 6 ) الغاشية : 25 - 26 . ( 7 ) ق : 21 . ( 8 ) المائدة : 12 . ‹ هامش ص 162 › ( 1 ) الأنعام : 87 . ( 2 ) هود : 46 . ( 3 ) يونس : 35 . ( 4 ) التوبة : 119 . ( 5 ) البقرة : 208 . ( 6 ) آل عمران : 33 . ( 7 ) النساء : 54 . ‹ هامش ص 163 › ( 1 ) النساء : 59 . ( 2 ) الأنعام : 153 . ( 3 ) النساء : 154 . ( 4 ) الشعراء : 214 . ( 5 ) آل عمران : 61 . ( 6 ) الإسراء : 26 . ‹ هامش ص 164 › ( 1 ) الشورى : 23 . ( 2 ) الشعراء : 109 ( 3 ) هود : 51 . ( 4 ) فتح الباري شرح صحيح البخاري : ح 3369 . ( 5 ) الصافات : 79 . ( 6 ) الصافات : 109 . ( 7 ) الصافات : 120 . ( 8 ) التوبة : 60 . ( 9 ) تقدم الحديث . ‹ هامش ص 165 › ( 1 ) الأنفال : 41 . ( 2 ) النساء : 59 . ( 3 ) المائدة : 55 . ( 4 ) التوبة : 60 . ( 5 ) الطلاق : 10 . ‹ هامش ص 166 › ( 1 ) طه : 132 . ( 2 ) راجع مسند أحمد : 3 / 259 ط . م و : 4 / 157 ط . ب وسنن الترمذي : 5 / 352 ح 06 32 وتفسير الطبري : 22 / 5 مورد الآية .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثم أنه قال له سبحانه في لفظ التخصيص : ( وأمر أهلك بالصلاة ) ( 1 ) فلفظ الأمر هنا خص ومعناه عام ، لأنه أدخله مع الأمة لعموم الأمر ، وميزهم عنهم بتخصيص لفظ الأهل ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله بعد نزول هذه الآية يأتي إلى باب الزهراء عليها السلام فيقف هناك ويقول : الصلاة يا آل محمد الصلاة ( 2 ) . ‹ صفحة 167 ›

فصل ( سر العدد 12 )

 وهم 12 سبطا خير أسباط المرسلين ، و 12 نقيبا ، و 12 نجما ، بعدد البروج والشهور والأيام ، ولكل إمام منهم 12 حرفا وهو سر من أسرار الولاية ، وهو هذا مع التوحيد والنبوة لا إله إلا الله 12 ، محمد رسول الله 12 ، النبي المصطفى 12 ، الصادق الأمين 12 ، علي باب الهدى 12 ، أمين الله حقا 12 ، أمير المؤمنين 12 ، فاطمة أمة الله 12 ، البتول الزهراء 12 ، وارثة النبيين 12 ، الإمام الثاني 12 ، الحسن المجتبى 12 ، وارث المرسلين 12 ، الإمام الثالث 12 ، الحسين بن علي 12 ، خليفة النبيين 12 ، والد الوصيين 12 ، الإمام الرابع 12 ، الإمام السجاد 12 ، علي بن الحسين 12 ، وارث المرسلين 12 ، سيد العابدين 12 ، الإمام الخامس 12 ، الإمام الباقر 12 ، هو محمد بن علي 12 ، إمام المؤمنين 12 ، الإمام السادس 12 ، الإمام الصادق 12 ، هو جعفر بن محمد 12 ، قدوة الصديقين 12 ، الإمام السابع 12 ، الإمام الكاظم 12 ، هو موسى بن جعفر 12 ، خليفة النبيين 12 ، الإمام الثامن 12 ، الإمام الرضا 12 ، هو علي بن موسى 12 ، إمام المؤمنين 12 ، الإمام التاسع 12 ، الإمام الجواد 12 ، هو محمد بن علي 12 ، نجل المنتجبين 12 ، الإمام العاشر 12 ، الإمام الهادي 12 ، هو علي بن محمد 12 ، وارث الوصيين 12 ، الإمام الحادي عشر 12 ، الحسن العسكري 12 ، إمام المسلمين 12 ، الإمام الخاتم 12 ، القائم المهدي 12 ، محمد بن الحسن 12 ، خليفة النبيين 12 ، خاتم الوصيين 12 ، هؤلاء العترة 12 ، الغر الميامين 12 ، بنو عبد المطلب 12 ، سادة أهل الجنة 12 ، محبهم مؤمن تقي 12 ، في الجنة مخلد 12 ، عدوهم كافر شقي 12 ، في النار مؤبد 12 ، اللهم صل عليهم 12 ، بأفضل صلواتك 12 ، يا رب العالمين .

فصل وبرهان ما هديت إليه ، ودللت عليه ، أن جميع الكلام إذا رد إلى الأصل كان منحصرا في أربع كلمات ، وهي : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، والإسلام والإيمان مبني عليهما وكل واحدة من هذه ‹ صفحة 168 › الكلمات 12 حرفا ، والإمام رأس الإيمان ، وزمام الإسلام ، فوجب أن يكون القائم بها 12 إماما ، وإليه الإشارة بقوله : ( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) ( 1 ) وقوله : ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ) ( 2 ) فجعل القائم بأمره من النقباء الأولياء ، والأسباط الأوصياء 12 ، الثالث أنه جعل مصالح العالم في الليل والنهار في 12 ساعة ، الرابع أنه جعل الشمس والقمر آيتين يهتدى بهما وسيرهما بالتقدير والتسخير في 12 برجا ، وجعل شهور السنة 12 شهرا ، فانظر بين الاعتبار إلى أدوار كيف جرت بهذه الأسرار ، بمشيئة الجبار ، ذلك تقدير العزيز العليم . ‹ صفحة 169 ›

فصل ( مناقب الصنديد الكرار )

 فيا أيها المرتاب في فضل داحي الباب ، وأم الكتاب وحاكم يوم الحساب ، وولي النعيم والعذاب ، يوم المآب ، مؤمن حبه النجاة من العقاب ، وعترته الهداة الأنجاب ، أليس هو الرجل الذي قال في حقه النبي صلى الله عليه وآله وقوله الحق : ( من أراد أن ينظر إلى إسرافيل في رفعته ، وإلى ميكائيل في درجته ، وإلى جبرائيل في عظمته ، وإلى آدم في هيبته ، وإلى نوح في صبره ودعوته ، وإلى إبراهيم في سخاوته ، وإلى موسى في شجاعته ، وإلى عيسى في سماحته ، وإلى محمد في شرفه ومنزلته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ) ( 1 ) وهذا تنبيه ورمز إلى أنه الاسم الأعظم الجاري في كل شئ ، وأن كل شئ خلقه الله فإن عليا مولاه ومعناه ، لأنه كلمة واجب الوجود والنور المشرق في سماء الوجود والموجود ، فكل رفعة وإن علت - فإنها تحت درجته ، وكل منزلة - وإن علت - فهي دون منزلته ، وتحت رتبته ، فمقام الأملاك في صوامع الأفلاك ، دون منزلته وتحت رتبته ، ومقام ونور الكواكب والأقمار من إشراق شمس عظمته ، فهو العلي العظيم ، ولي العلي العظيم ، فهو عماد الأولياء ، ودعوة الأنبياء . فرفعة إسرافيل ، وعظمة جبرائيل ، وهيبة آدم ، وكرم الخليل ، وشجاعة موسى وسماحة عيسى ، وحكمة داود ، وملك سليمان ، ذرة من فخره وقطرة من بحره ، وكيف لا يكون كذلك ؟ وهو العلة في وجودهم ، وسر موجودهم ، فلولاه ما دار فلك ، ولا سبح لله ملك ، فالنظر إليه عبادة ، والوقوف معه عبادة ، والموت على حبه شهادة ، وموالاته سعادة ، وهو الذي قال في حقه الرسول يوم خيبر : ( لو لم أخف أن تقول أمتي فيك ما قالت النصارى في المسيح ابن مريم لقلت اليوم فيك حديثا ) ( 2 ) فلو قال لدعوه ربا ، لكنهم دعوه ربا ، وما قال ، وذاك لعظيم الخصال ولما قال الرسول ما قال ، قال المنافقون : ما باله يرفع خساسة ابن عمه يريد أن يجعله ربا فكفروا فيه بمقالة الرسول ، والمنكر الآن لفضل ولي الرحمن لا فرق بينه وبين فلان وفلان ‹ صفحة 170 ›

فصل وفي ذلك اليوم لما جاءت صفية إلى الرسول صلى الله عليه وآله وكانت أحسن الناس وجها فرأى في وجهها شجة ، فقال : ما هذه وأنت ابنة الملوك ؟ فقالت : إن عليا لما قدم الحصن هز الباب فاهتز الحصن ، وسقط من كان عليه من النظارة وارتجف بي السرير ، فسقطت لوجهي فشجني جانب السرير ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : يا صفية إن عليا عظيم عند الله ، وإنه لما هز الباب اهتز الحصن واهتزت السماوات السبع ، والأرضون السبع ، واهتز عرش الرحمن غضبا لعلي ، وفي ذلك اليوم لما سأله عمر فقال : يا أبا الحسن لقد اقتلعت منيعا ولك ثلاثة أيام خميصا ، فهل قلعتها بقوة بشرية ؟ فقال : ما قلعتها بقوة بشرية ، ولكن قلعتها بقوة إلهية ، ونفس بلقاء ربها مطمئنة رضية ( 1 ) . فصل وفي ذلك اليوم لما شطر مرحب شطرين ، وألقاه مجندلا جاءه جبرائيل باسما متعجبا فقال له النبي صلى الله عليه وآله : مم تعجبك ؟ فقال : إن الملائكة تنادي في صوامع وجوامع السماوات : ( لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار ) ، وأما إعجابي فإني لما أمرت أن أدمر قوم لوط حملت مدائنهم وهي سبع مدائن من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا ، على ريشة من جناحي ، ورفعتها حتى سمع حملة العرش صياح ديكهم ، وبكاء أطفالهم ، ووقفت بها إلى الصبح أنتظر الأمر ولم أنتقل بها ، واليوم لما ضرب علي ضربته الهاشمية وكنت أمرت أن أقبض فاضل سيفه حتى لا يشق الأرض فيصل الثور الحامل لها يشطره شطرين ، فتنقلب الأرض بأهلها فكان فاضل سيفه علي أثقل من مدائن لوط ، هذا وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء ! ! ( 2 ) . أقول : استعظم الجاهل هذا الحديث ، فاضل سيف علي أثقل من مدائن لوط على يد جبرائيل هذا وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء هو غلو . فقلت : يا بعيد الفكرة وجامد الفطرة ، جبرائيل وميكائيل وإسرافيل خلق الله خلقوا من شعاع نور محمد وعلي ، ومحمد وعلي خلقا من جلال ذي الجلال ، فهم صفة الله وكلمة الله وأمر الله ، وخلق ‹ صفحة 171 › الله ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لو كانت البحار مدادا والغياض أقلاما ، والسماوات صحفا ، والجن والأنس كتابا ، لنفد المداد وكلت الثقلان ، أن يكتبوا معشار عشر فضايل إمام يوم الغدير ( 1 ) ، وكيف يكتبون وأنى يهتدون ؟ ولقد شهد لهذا الحديث النبوي الكتاب الإلهي من قوله : قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ( 2 ) ، وأكبر كلمات الله علي ، وإليه الإشارة بقوله صلوات الله عليه : ( أنا كلمة الله الكبرى ) ( 3 ) فله الفضل الذي لا يعد ، والمناقب التي ليس لها حد ، ولقد أنصف الشافعي محمد بن إدريس إذ قيل له : ما تقول في علي ؟ فقال : وماذا أقول في رجل أخفى أولياؤه فضائله خوفا ، وأخفى أعداؤه فضائله حسدا ، وشاع له بين ذين ما ملأ الخافقين ( 4 ) ، فأحببت أن أنظم هذا الحديث شعرا فقلت : روى فضله الحساد من عظم شأنه * وأكبر فضل راح يرويه حاسد محبوه أخفوا فضله خيفة العدى * وأخفاه بعضا حاسد ومعاند وشاعت له من بين ذين مناقب * تجل بأن تحصى وإن عد قاصد إمام له في جبهة المجد أنجم * علت فعلت أن يدن هاتيك راصد لها فوق مرفوع السماك منابر * وفي عنق الجوزاء منها قلائد مناقب إن جلت جلت كل كربة * وطابت فطابت من شذاها المشاهد فتى تاه فيه الخلق طرا فعابد * له ومقر بالولاء وجامد إمام مبين كل فضل له حوى * بمدحته التنزيل والذكر شاهد ( 5 ) فكل مبالغ في فضله إلا الغلو فهو معتذر ، وكل مطنب ومطرب في مدحه فهو مختصر ، وإلى هذا ، المعنى أشار العارف الخليعي رضي الله عنه فقال : ‹ صفحة 172 › سارت بأنوار علمك السير * وحدثت عن جلالك السور والواصفون المحدثون غلوا * وبالغوا في علاك واعتذروا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 166 › ( 1 ) طه : 132 . ( 2 ) راجع مسند أحمد : 3 / 259 ط . م و : 4 / 157 ط . ب وسنن الترمذي : 5 / 352 ح 06 32 وتفسير الطبري : 22 / 5 مورد الآية . ‹ هامش ص 167 › ( 1 ) جاء في هذا الفصل كثير من علم الحروف . ومن الجدير بالذكر أن الحروف المدغمة المشددة تعد واحدة والهمزة المدرجة والألف المكتوبة والملفوظة كذلك تعد واحدة . . . والألف علامة للإعراب كأخته ولغير الأعراب سواء وقعت في الفاء أو العين أو اللام . ‹ هامش ص 168 › ( 1 ) المائدة : 12 . ( 2 ) الأعراف : 160 . ‹ هامش ص 169 › ( 1 ) مناقب ابن المغازلي : 212 ح 256 ، وأمالي الشجري : 1 / 133 وغرر البهاء الضوي : 298 وروضة الواعظين : 128 . ( 2 ) معجم الطبراني الكبير : 1 / 320 ومناقب الكوفي : 2 / 615 . ‹ هامش ص 170 › ( 1 ) أمالي الصدوق : 415 مجلس 77 ح 10 ، والطرائف : 519 . ( 2 ) مدينة المعاجز : 1 / 426 ، والبحار : 21 / 40 . ‹ هامش ص 171 › ( 1 ) بحار الأنوار : 40 / 73 - 75 ، وتذكرة الخواص : 23 ، والطرائف : 1 / 208 . ( 2 ) الكهف : 109 . ( 3 ) روى الصدوق في الأمالي 11 مجلس 3 ، عن النبي : ( علي كلمة الله العليا ) وفي رواية : ( الإمام كلمة الله ) البحار 25 / 169 وفي معاني الأخبار : ( أنا كلمة الله التقوى ) . ( 4 ) كشف اليقين : 4 . ( 5 ) أعيان الشيعة : 6 / 468 . ‹ هامش ص 172 › ( 1 ) بحار الأنوار : 41 / 357 ح 65 بتفاوت . ( 2 ) مناقب آل أبي طالب : 3 / 267 ، وإرشاد القلوب : 2 / 209 وبحار الأنوار : 39 84 ح 15 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فصل ( عدم إدراك حقيقة علي عليه السلام )

وكيف لا يعتذرون وأنى يبصرون ، وقد روى الأصبغ بن نباتة أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يجلس للناس في نجف الكوفة فقال يوما لمن حوله : من يرى ما أرى ؟ . فقالوا : وما ترى يا عين الله الناظرة في عباده ؟ فقال : أرى بعيرا يحمل جنازة ، ورجلا يسوقه ورجلا يقوده ، وسيأتيكم بعد ثلاث ، فلما كان اليوم الثالث قدم البعير والجنازة مشدودة عليه ، والرجلان معه ، فسلما على الجماعة ، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن حياهم : من أنتم ومن أين أقبلتم وما هذه الجنازة ولماذا قدمتم ؟ . فقالا : نحن من اليمن ، وأما الميت فأبونا ، وأنه عند الموت أوصى إلينا ، فقال : إذا غسلتموني ، وكفنتموني ، وصليتم علي فاحملوني على بعيري هذا إلى العراق ، وادفنوني بنجف الكوفة ، فقال لهما أمير المؤمنين : هل سألتماه لماذا ؟ فقالا : أجل قد سألناه ، فقال : يدفن هناك رجل لو شفع في يوم العرض في أهل الموقف لشفع ، فقام أمير المؤمنين عليه السلام وقال : صدق ، أنا والله ذاك الرجل ( 1 ) .

فصل ( ما عرف علي سوى النبي )

وكيف يعرف الناس عليا ويحيطون به خبرا وذلك باب قد سد النبي طريق الوصول إليه ، فقال وقوله الحق : ( ما عرفك إلا الله وأنا ، وما عرفني إلا الله وأنت ، وما عرف الله إلا أنا وأنت ) ( 2 ) . هذا حديث صحيح والناس مع صحته يدعون معرفة الله ورسوله ، وصدق الحديث يوجب كذب دعواهم ، وصدق دعواهم يوجب كذب الحديث ، ولكن الحديث صادق ، فدعواهم في معرفة حقيقة الله ورسوله كاذبة ، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك ، لأن حقيقة معرفة الله ومعرفة حقيقة الله غير معلومة للبشر ، وكذا معرفة حخيخه محمد وعلي عليه السلام ، وإليه الإشارة بقوله : ( ما عرف الله ‹ صفحة 173 › فها أنا قد خبرت بك البرايا * فأنت محك أولاد الحلال وليس يطيق حمل ثناك إلا * كريم الأصل محمود الفعال ( 1 ) وجه آخر في معنى قوله : ( ما عرف الله إلا أنا وأنت ) ، وذاك أن العظمة التي رآها رسول الله ليلة المعراج واختراقه الحجب السماوية ، ووصوله إلى قاب قوسين والكلام الذي خوطب به بغير واسطة ، مما لم ينله ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وأن ذلك كله وصل إلى أمير المؤمنين ورآه كما رآه ، وإليه الإشارة بقوله : ( إنك ترى ما أرى وتسمع ما أسمع ) ( 2 ) فما عرف الله سبحانه من جميع الخلائق بهذه المعرفة إلا هم ، وكذلك ما عرف محمدا وعليا على ما هم عليه إلا الله الذي أوجدهم من نور عظمته ، وخصهم بسره وكرامته ، وجعلهم في علو المقام تحت ذاته ، وفوق جميع مخلوقاته ، ومن ذا الذي يحصي عدد أوراق الأشجار ، وقطرات الأمطار ، وذرات القفار ، ورشحات البحار ؟ ! ووجه آخر في معنى قوله : ما عرف الله إلا أنا وأنت ، والمراد أنه ليس بيننا وبين الله واسطة من المخلوقات ، بل نحن أول المخلوقات والخلائق ، وعين الحقائق ، ونحن في مقامنا اللاحق سادة العبيد ، وعبيد الحق . ‹ صفحة 174 ›

فصل ( حقيقة الإمام والإمامة )

 وإذا عرف الناس من معنى علي العلي ، إنما شاهدوا منه ليثا جائلا ، وهزبرا صائلا ، وغضبا قاتلا ، وبليغا قائلا ، وحاكما بالحق قاضيا ، وغيثا هاملا ، ونورا كاملا ، فشهدوا صورة الجسم ، وموقع الاسم ، ذلك مبلغهم من العلم ! وما عرفوا أنه الكلمة التي بها تمت الأمور ، ودهرت الدهور ، والاسم الذي هو روح كل شئ ، والهاء التي في هوية كل موجود ، وباطن كل مشهود ، وإن الذي خرج إلى حملة العرش من معرفة آل محمد مع قربهم من حضرة العظمة والجلال كالقطرة من البحر ، وذلك لأن ذات الله تعالى غير معلومة للبشر كما مر ، فلم يبق إلا معرفة الصفات ، والناس في معرفتها قسمان : قسم حظهم منها الذكر لها والتقديس بها ، فجعلوها في السر أورادهم ، ومركبهم إلى مطلبهم ومرادهم ، فتجلى عليهم نور الجمال ، من سبحات الجلال ، فصاروا في القميص البشرية ، أشخاصا سماوية ، تخضع لهم السباع ، وتذل لهم الضباع . وهذا سر ( 1 ) تلاوة الأسماء ، وكذلك الناس في معرفة آل محمد ، قسم عرفوا أنهم أولياء الله والوسيلة إلى عفوه ورضاه ، فقدموهم في حاجتهم لديه ، وتوسلوا بهم إليه ، وقسم عرفوا أنهم الكلمة الكبرى ، والآية العظمى ، لأن أقرب الصفات إلى حضرة الأحدية ، جمال الوحدانية ، لأن الواحد إما أن يكون أول الأعداد ومنبع الآحاد ، والواحد الفاضل عن الاثنين ، وهو الذي لا يكون زوجا ولا فردا ، ذلك هو الأحد الحق . . وأما الواحد الذي هو منبع الموجودات ، فهو الواحد المطلق ( 2 ) الذي لا يحد ولا يعد ، ولا لأمره دفع ، ولا لسلطانه نفاد ، ولا لملكه فناء ، وهي الكلمة التي تخضع لذكرها الموجودات ، وتنفعل بسماعها الكائنات ، وهي مستورة بين حرفين كن فيكون . فمن تجلى على مرآة نفسه بوارق سرهم الخفي ، واسمهم العلي خرق لهم الجدران ، وسخرت لهم الأكوان ، وكان من أولياء الرحمن ، وأمن العذاب والهوان . يؤيد هذا المدعى ما رواه طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : يا طارق ، الإمام كلمة الله وحجة الله ، ووجه الله ونور الله ، وحجاب الله ، وآية الله ، يختاره الله ، ويجعل فيه منه ما يشاء ، ‹ صفحة 175 › غير الله ، وما وحد الله غير محمد رسول الله ) ( 1 ) . وكذا حقيقة محمد وعلي ما عرفها إلا الله ، وهم وقليل من أوليائهم ، ممن وصل إلى الدرجة العليا العاشرة من الإيمان . يدل على صحة هذه الدعوى ، والشاهد ما ورد في كتاب البشائر : أن عمر دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده يوما وبين يديه أمير المؤمنين فقال عمر : فما لي سألته الله قلت أصدقكم لهجة أبو ذر ، فقال : هو كما قلت ، فقال عمر : فما لي سألته عنك فقال : هو في مسجده ، فقلت : ومن عنده ؟ فقال : رجل لا أعرفه ، وهذا علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : صدق أبو ذر يا عمر ، هذا رجل لا يعرفه إلا الله ورسوله . ( 2 )

فصل وبيان ما أشار إليه النبي وأحال عليه أن من عرف محمدا وعليا كمعرفة الله لهم ، عرف الله ( 3 ) كما عرفوه ، لكن الأول ممتنع فالثاني كذلك ، مثاله من القرآن : قوله سبحانه لموسى : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ( 4 ) فعلق الرؤية على استقرار الجبل ، واستقرار الجبل عند تجلي نور الكبرياء محال ، فرؤية الرب الكبير المتعال بعين البصر محال . علق الممتنع على الممتنع فامتنع الثاني لامتناع الأول . فما لك أيها المرتاب كلما وضح الدليل ازددت ضلالا عن السبيل ، وكلما لاح ضوء الصباح وفاح أقاح الإيضاح ، زدت زكاما ، وهل هذا ضلال عن الحق وشك في عين اليقين وإمام الصدق ، فإذا كان المنافق إذا تليت عليه آيات علي أبى واستكبر ، والموافق إذا تليت عليه آياته أنكر واستكثر ، فما الفرق إذا بين من عمي وأبصر ؟ ولقد أحسن من أشار إلى هذا المقام فقال : أمير المؤمنين أراك لما * ذكرتك عند ذي ثقة صغى لي وإن كررت ذكرك عند نغل * تكدر سره وبغى قتالي فصرت إذا شككت بأصل امرئ * ذكرتك بالجميل من الخصال ‹ صفحة 176 › ويوجب له بذلك الطاعة والأمر على جميع خلقه ، فهو وليه في سماواته وأرضه ، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه فهو يفعل ما يشاء ، وإذا شاء الله شيئا يكتب على عضده ، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ، فهو الصدق والعدل ، ينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد ، ويلبس الهيبة وعلم الضمير ، ويطلع على الغيب ويعطي التصرف على الإطلاق ، ويرى ما بين الشرق والغرب فلا يخفى عليه شئ من عالم الملك والملكوت ، ويعطى منطق الطير عند ولايته . فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه لغيبه ، يؤيده بكلمته ، ويلقنه حكمته ، ويجعل قلبه مكان مشيئته ، وينادى له بالسلطنة ويذعن له بالإمرة ، ويحكم له بالطاعة ، وذلك لأن الإمامة ميراث الأنبياء ، ومنزلة الأصفياء ، وخلافة الله وخلافة رسل الله ، فهي عصمة وولاية ، وسلطنة وهداية ، لأنها تمام الدين ، ورجح الموازين ، الإمام دليل للقاصدين ، ومنار للمهتدين ، وسبيل للسالكين ، وشمس مشرقة في قلوب العارفين . ولايته سبب النجاة ، وطاعته معرفة ( 1 ) للحياة ، وعدة بعد الممات ، وعز المؤمنين وشفاعة المذنبين ، ونجاة المحبين وفوز التابعين ، لأنها رأس الإسلام وكمال الإيمان ، ومعرفة الحدود والأحكام ، تبين الحلال من الحرام ، فهي رتبة لا ينالها إلا من اختاره الله وقدمه ، وولاه وحكمه . فالولاية هي حفظ الثغور ، وتدبير الأمور ، وهي بعدد الأيام والشهور ، الإمام الماء العذب على الظمأ ، والدال على الهدى ، المطهر من الذنوب ، المطلع على الغيوب ، فالإمام هو الشمس الطالعة على العباد بالأنوار ، فلا تناله الأيدي والأبصار . ( وإليه الإشارة بقوله : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ( 2 ) والمؤمنون علي وعترته فالعزة للنبي وللعترة ، والنبي والعترة لا يفترقان إلى آخر الدهر ) فهم رأس دائرة الإيمان وقطب الوجود ، وسماء الجود ، وشرف الموجود ، وضوء شمس الشرف ونور قمره ، وأصل العز والمجد ومبدؤه ومعناه ومبناه ، فالإمام هو السراج الوهاج ، والسبيل والمنهاج ، والماء الثجاج ، والبحر العجاج ، والبدر المشرق والغدير المغدق ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 172 › ( 1 ) بحار الأنوار : 41 / 357 ح 65 بتفاوت . ( 2 ) مناقب آل أبي طالب : 3 / 267 ، وإرشاد القلوب : 2 / 209 وبحار الأنوار : 39 84 ح 15 . ‹ هامش ص 173 › ( 1 ) كان الشعر في الأصل المطبوع تشويها عجيبا وممسوخا عن أصله إلى حد بعيد . ( 2 ) تقدم الحديث ‹ هامش ص 174 › ( 1 ) في الأصل المطبوع أثر بدلا عن سر النسخة الخطية . ( 2 ) في النسخة المخطوطة والأمر المتصل من الواحد إلى الأحد هو روح الحق ومعنى سائر الخلق وهي الكلمة . ‹ هامش ص 175 › ( 1 ) في الحديث : يا علي ما عرف الله إلا بي ثم بك ) البحار : 22 / 148 . ( 3 ) في الأصل المطبوع لفظ رجل بدل الله فتأمل المعنى جيدا ؟ ! ( 4 ) الأعراف : 143 . ‹ هامش ص 176 › ( 1 ) في النسخة المخطوطة مفترضة . ( 2 ) المنافقون : 8 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والمنهج الواضح المسالك ، والدليل إذا عمت المهالك ، والسحاب الهاطل ، والغيث الهامل ، والبدر الكامل ، والدليل الفاضل ، والسماء الظليلة ، والنعمة الجليلة ، والبحر الذي لا ينزف ، والشرف الذي لا يوصف ، والعين الغزيرة ، والروضة المطيرة ، والزهر الأريج ، والبدر البهيج ، والنير ‹ صفحة 177 › اللائح والطيب الفاتح ، والعمل الصالح والمتجر الرابح ، والمنهج الواضح ، والطيب الرفيق ، والأب الشفيق ، ومفزع العباد في الدواهي ، والحاكم والآمر والناهي ، أمير الله على الخلائق ، وأمينه على الحقائق ، حجة الله على عباده ، ومحجته في أرضه وبلاده ، مطهر من الذنوب ، مبرأ من العيوب ، مطلع على العيوب ، ظاهره أمر لا يملك ، وباطنه غيب لا يدرك ، واحد دهره ، وخليفة الله في نهيه وأمره ، لا يوجد له مثيل ، ولا يقوم له بديل . فمن ذا ينال معرفتنا ، أو ينال درجتنا ، أو يدرك منزلتنا . حارت الألباب والعقول ، وتاهت الأفهام فيما أقول ، تصاغرت العظماء وتقاصرت العلماء ، وكلت الشعراء وخرست البلغاء ، ولكنت الخطباء ، وعجزت الشعراء ، وتواضعت الأرض والسماء ، عن وصف شأن الأولياء ، وهل يعرف أو يوصف ، أو يعلم أو يفهم ، أو يدرك أو يملك ، شأن من هو نقطة الكائنات ، وقطب الدائرات ، وسر الممكنات ، وشعاع جلال الكبرياء ، وشرف الأرض والسماء ؟ جل مقام آل محمد عن وصف الواصفين ، ونعت الناعتين ، وأن يقاس بهم أحد من العالمين ، وكيف وهم النور الأول ، والكلمة العليا ، والتسمية البيضاء ، والوحدانية الكبرى ، التي أعرض عنها من أدبر وتولى ، وحجاب الله الأعظم الأعلى ، فأين الأخيار من هذا ؟ وأين العقول من هذا ، ومن ذا عرف ، من عرف ؟ أو وصف من وصف ، ظنوا أن ذلك في غير آل محمد ، كذبوا وزلت أقدامهم ، واتخذوا العجل ربا ، والشيطان حزبا ، كل ذلك بغضة لبيت الصفوة ودار العصمة ، وحسدا لمعدن الرسالة والحكمة ، وزين لهم الشيطان أعمالهم فتبا لهم وسحقا ، كيف اختاروا إماما جاهلا عابدا للأصنام جبانا يوم الزحام ، والإمام يجب أن يكون عالما لا يجهل ، وشجاعا لا ينكل ، لا يعلو عليه حسب ، ولا يدانيه نسب ، فهو في الذروة من قريش والشرف من هاشم ، والبقية من إبراهيم والنهج من النبع الكريم ، والنفس من الرسول والرضى من الله ، والقبول عن الله ، فهو شرف الأشراف ، والفرع من عبد مناف ، عالم بالسياسة قائم بالرياسة ، مفترض الطاعة ، إلى يوم الساعة ، أودع الله قلبه سره ، وأنطق به لسانه ، فهو معصوم موفق ليس بجبان ، ولا جاهل فتركوه يا طارق ، واتبعوا أهواءهم ( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) ( 1 ) . والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد سماوي ، وأمر إلهي وروح قدسي ، ومقام علي ونور جلي ، وسر خفي ، فهو ملكي الذات إلهي الصفات ، زائد الحسنات عالم بالمغيبات ، خصا من ‹ صفحة 178 › رب العالمين ، ونصا من الصادق الأمين ، وهذا كله لآل محمد صلى الله عليه وآله لا يشاركهم فيه مشارك ، لأنهم معدن التنزيل ، ومعنى التأويل وخاصة الرب الجليل ، ومهبط الأمين جبرائيل ، صفات الله وصفوته ، وسره وكلمته ، شجرة النبوة ، ومعدن الفتوة ، عين المقالة ومنتهى الدلالة ، ومحكم الرسالة ، ونور الجلالة ، حبيب الله ووديعته ، وموضع كلمة الله ومفتاح حكمته ، مصابيح رحمة الله وينابيع نعمته ، السبيل إلى الله والسلسبيل ، والقسطاس المستقيم والمنهاج القويم ، والذكر الحكيم ، والوجه الكريم ، والنور القويم ، أهل التشريف والتقويم والتقديم ، والتفضيل والتعظيم ، خلفاء النبي الكريم ، وأبناء الرؤوف الرحيم وأمناء العلي العظيم ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ، السناء الأعظم والطريق الأقوم . من عرفهم وأخذ عنهم ، فهو منهم ، وإليه الإشارة بقوله : من تبعني فإنه مني ، خلقهم الله من نور عظمته ، وولاهم أمر مملكته ، فهم سر الله المخزون ، وأولياؤه المقربون ، وأمره بين الكاف والنون . لا بل هم الكاف والنون ، إلى الله يدعون وعنه يقولون ، وبأمره يعملون ، علم الأنبياء في علمهم ، وسر الأوصياء في سرهم ، وعز الأولياء في عزهم ، كالقطرة في البحر ، والذرة في القفر ، والسماوات والأرض عند الإمام منهم كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ، ويعلم برها من فاجرها ، ورطبها ويابسها ، لأن الله علم نبيه علم ما كان وما يكون ، وورث ذلك السر المصون ، الأوصياء المنتجبون ، ومن أنكر ذلك فهو شقي ملعون ، وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماء والأرض ؟ وإن الكلمة من آل محمد تنصرف إلى سبعين وجها ) . - [ قال المؤلف : ] وكلما ذكر في الذكر الحكيم والكلام القديم ، من آية يذكر فيها العين والوجه ، اليد والجنب ، فالمراد منها الولي لأنه جنب الله ، ووجه الله ، يعني حق الله وعلم الله ، وعين الله ويد الله ، لأن ظاهرهم باطن الصفات الظاهرة ، وباطنهم ظاهر الصفات الباطنة ، فهم ظاهر الباطن وباطن الظاهر وإليه الإشارة بقوله : ( إن لله أعين وأياد ، وأنا وأنت يا علي منها ) - . ( فهم الجنب العلي والوجه الرضي ، والمنهل الروي ، والصراط السوي ، الوسيلة إلى الله ، والوصلة إلى عفوه ورضاه ، سر الواحد والأحد ، فلا يقاس بهم من الخلق أحد ، فهم خاصة الله وخالصته ، وسر الديان وكلمته ، وباب الإيمان وكعبته ، وحجة الله ومحجته ، وأعلام ‹ صفحة 179 › الهدى ورايته ، وفضل الله ورحمته ، وعين اليقين وحقيقته ، وصراط الحق وعصمته ، ومبدأ الوجود وغايته ، وقدرة الرب ومشيئته ، وأم الكتاب وخاتمته ، وفصل الخطاب ودلالته ، وخزنة الوحي وحفظته ، وأمنة الذكر وترجمته ، ومعدن التنزيل ونهايته ، فهم الكواكب العلوية ، والأنوار العلوية المشرقة من شمس العصمة الفاطمية ، في سماء العظمة المحمدية ، الأغصان النبوية ، النابعة في الدرجة الأحمدية ، الأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية ، الذرية الزكية ، والعترة الهاشمية ، الهادية المهدية ، أولئك هم خير البرية ، فهم الأئمة الطاهرين والعترة المعصومين ، والذرية الأكرمين والخلفاء الراشدين ، والكبراء الصديقين ، والأوصياء المنتجبين ، والأسباط المرضيين ، والهداة المهديين ، والغر الميامين ، آل طه وياسين ، وحجة الله على الأولين والآخرين ، اسمهم مكتوب على الأحجار ، وعلى أوراق الأشجار ، وعلى أجنحة الأطيار ، وعلى أبواب الجنة والنار ، وعلى العرش والأفلاك ، وعلى أجنحة الأملاك ، وعلى حجب الجلال ، وسرادقات العز والجمال ، وباسمهم تسبح الأطيار ، وتستغفر لشيعتهم الحيتان في لجج البحار ، وإن الله لم يخلق خلقا إلا وأخذ عليه الإقرار بالوحدانية ، والولاية للذرية الزكية ، والبراءة من أعدائهم ، وإن العرش لم يستقر حتى كتب عليه بالنور : لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله ) ( 1 ) . يؤيد هذا ما رواه الخوارزمي في مناقبه مرفوعا إلى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( أتاني جبرائيل فنشر جناحيه ، وإذا على أحدهما مكتوب لا إله إلا الله محمد النبي ، وعلى الآخر لا إله إلا الله علي الولي ، وعلى أبواب الجنة مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ، علي أخوه وولي الله ، أخذت ولايتهم على الذر قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام ) ( 2 ) . ومن ذلك ما رواه أبو بكر بن الخطيب مرفوعا إلى ابن عباس قال : ( على أبواب الجنة مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فاطمة خيرة الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، على محبهم رحمة الله ، وعلى مبغضهم لعنة الله ) ( 3 ) . ‹ صفحة 180 › ومن ذلك ما رواه محمد بن يعقوب الهاشمي عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين ، عن محمد خاتم النبيين ، عن جبرائيل الأمين ، عن ميكائيل ، عن إسرافيل ، عن الله جل جلاله ، أنه قال جل من قائل : أنا الله الذي لا إله إلا أنا خلقت الخلق بقدرتي ، واخترت منهم أنبياء ، واصطفيت من الكل محمد صلى الله عليه وآله ، وجعلته حبيبا ورضيا ، وبعثته إلى خلقي ، واصطفيت له عليا وأيدته به ، وجعلته أميني وأميري ، وخليفتي على خلقي ، ووليي على عبادي ، يبين لهم كتابي ويشرفهم بحكمي وجعلته العلم الهادي من الضلالة ، وبابي الذي أوتى منه ، وبيتي الذي من دخله كان آمنا من ناري ، وحصني الذي من لجأ إليه حصنته من مكروه الدنيا والآخرة ، ووجهي الذي من توجه إليه لم أصرف عنه وجهي ، وحجتي على أهل سمائي وأرضي ، وعلى جميع من سميته ( 1 ) من خلقي ، فلا أقبل عمل عامل إلا مع الإقرار بولايته مع نبوة أحمد رسولي ، ويدي المبسوطة في عبادي ، فبعزتي حلفت ، وبجلالي أقسمت ، أنه لا يتولى عليا عبد من عبادي إلا زحزحته عن النار ، وأدخلته جنتي ، ولا يعدل عن ولايته إلا من أبغضته ، وأدخلته ناري ( 2 ) . فمن زحزح عن النار التي هي بغض علي ، وأدخل الجنة التي هي حب علي ، فقد فاز ، لأن النجاة من النار ودخول الجنة بالإيمان ، والدرجات بالصالحات ، من الأعمال ، والإسلام والإيمان حب علي ، لأن كمال الإسلام الإيمان ، فلا إسلام حقيقي إلا بالإيمان ، بل الإسلام الحقيقي هو الإيمان ، والإيمان الحقيقي حب علي ، وإليه الإشارة بقوله : ( إن الدين عند الله الإسلام ) ( 3 ) وذلك أن الإسلام هو الإيمان ، والإيمان تمامه وكماله حب علي ، فلا إيمان إلا بحب علي ، ولا نجاة إلا به .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 176 › ( 1 ) في النسخة المخطوطة مفترضة . ( 2 ) المنافقون : 8 . ‹ هامش ص 177 › ( 1 ) القصص : 50 . ‹ هامش ص 179 › ( 1 ) الحديث بطوله : في بحار الأنوار : 25 / 170 ح 38 . ( 2 ) بحار الأنوار : 27 / 2 ح 2 بتفاوت . ( 3 ) تاريخ بغداد : 1 / 274 رقم 88 ومناقب الخوارزمي : 302 ح 297 ومقتل الخوارزمي : 1 / 4 - 108 والطرائف 6 1 / 99 بتحقيقنا ؟ ‹ هامش ص 180 › ( 1 ) في الأصل المطبوع من بينهن . ( 2 ) بحار الأنوار : 38 / 98 ح 17 عن الأمالي بتفاوت . ( 1 ) آل عمران : 19 . ( 2 ) آل عمران : 85 . ( 3 ) الحجرات : 14 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
دليله أيضا قوله : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) ( 4 ) ، والمراد بهذا الإسلام حب علي ، لأنه أين كان الإيمان كان الإسلام من غير عكس ، فكل مؤمن مسلم ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) ( 5 ) فالإسلام بغير الإيمان لا ‹ صفحة 181 › ينجي ، لأن الأعمال بخواتيمها ، وخواتيم شرائع الإسلام ، وخواتيم الإسلام الإيمان ، وختم الإيمان حب علي ، فحب علي خاتمة كل دين . وعين كل يقين ، فحبه الجنة ، وبغضه النار ، دليل ذلك ما رواه صاحب الأمالي : أن جبرائيل نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له : يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول لك : خلقت السماوات السبع وما فيهن ، والأرضين السبع وما بينهن ، وما خلقت موضعا أكرم من الركن والمقام ، ولو أن عبدا عبدني هناك منذ خلقت السماوات والأرض ، ثم لقيني يوم القيامة جاحدا لعلي حقا لأكببته في سقر ( 1 ) . ويؤيد ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وآله : وليلة أسري بي إلى السماء وجدت اسم علي مقرونا باسمي في أربع مواضع : الأول وجدت على صخرة بيت المقدس مكتوبا لا إله إلا أنا وحدي ، محمد رسولي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته به . قال : فقلت : يا جبريل ومن وزيري ؟ فقال : علي بن أبي طالب . قال : لما أتيت إلى العرش وانتهيت إليه ، وجدت مكتوبا على قائمة لا إله إلا أنا وحدي محمد صفوتي من خلقي أيدته بوزيره ونصرته . فقلت : يا جبريل ومن وزيري ؟ فقال : علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : ولما انتهيت إلى سدرة المنتهى ، وجدت عليها مكتوبا أنا الله لا إله إلا أنا وحدي محمد صفوتي من خلقي أيدته بوزيره علي ونصرته به ( 2 ) ، ألا وإنه قد سبق في علمي أنه مبتلى ومبتلى به ، مما أتى قد نحلته ونحلته أربعة أشياء لا يفصح عن عقدها ( 3 ) .

فصل وأنا أقول على فقري وإملاقي : يا آل الرسول صلوات الله عليكم وسلامه منا إليكم كلما تسنمت بعود الورق ، وسجمت دموع الورق ، لقد آتاكم الله من فضله ما لم يؤت أحدا من خلقه ، طأطأ كل شريف رأسه لشرفكم وذل كل عزيز لعزتكم ، وأشرقت الأرض بنوركم ، وفاز العارفون بحبكم ، فأنتم ينابيع النعم ، ومصابيح الظلم ، ومفاتيح الكرم ، ولولاكم لم يخرج الوجود من العدم ، فقلت : يا آل طه أنتم أملي * وعليكم في البعث متكلي بولاكم وبطيب مدحكم * أرجو الرضا والعفو عن زللي ‹ صفحة 182 › رجب المحدث عبد عبدكم * الحافظ البرسي لم يزل لا يخشى في بعثه زللا * إذ سيداه محمد وعلي وإن الذي خرج إلى الملائكة من معرفتكم قليل من كثير ، وكيف يعرفكم الناس مع جلالة قدركم ؟ وأنتم النور الذي بهر عيون العقول ، فحنأت عن إدراك مجدكم ، وكيف تدرك عين الشمس أبصار الخفافيش ؟ ومعذور من أنكر غامض سركم ، وخفي أمركم ، وباهر نوركم ، لأن الناظر في صحائف مجدكم ، حجبهم النظر إلى الظاهر عن إدراك السرائر ، وصدهم عن المعنى الشاهد زخرف الشاهد ، فطوفوا بقصور المغنى ، قصورا عن المعنى فكانوا كما قيل : خلعنا هياكلنا فجادوا بلثمها * فشاقهم المغنى وفاتهم المعنى فهم كالمنجم الذي نقل أحكام النجوم من علماء الهيئة ، فهو يحدث الناس بما وعاه ولا يعقل ما رواه ، مما يحجبه النور عنه وواراه ، وصغره البعد في عينه وزواه ، فإذا قيل له : إن الأرض بأسرها غائصة تحت الماء ، وإن الخارج منها إنما هو ربع الكرة ، ومنه المدن والقرى والأقاليم السبعة ، والبراري والقفار ، والبحار والجبال ، والخراب والعمران ، وإنما المسكون جزء من هذا الربع ، وذلك لأن مشرق الشمس الذي هو تحت سهيل ، فإن الشمس لا تغيب هناك إلا ستة أشهر والباقي نهار ، وليس هناك نبات ولا حيوان ، إلا صخور محترقة من حر الشمس . وبعد الشمس عن الأرض هناك مائة ألف فرسخ وأربعة وعشرون ألف فرسخ ، وكذا ما يقابله تحت الجدي من ناحية المغرب فإن الزمان هناك ليل إلا قليل ترى فيه الشمس عند صعودها في برج السرطان ، وهناك لا حيوان ولا نبات وتلك هي بلاد الظلمات ، وهذه الأرض أكثرها جبال وصخور وغيرهما ، ثم إن الأرض بأسرها ، من مشرقها إلى مغربها ، بر وبحر في ضمن فلك القمر كالخردلة في البر ، وإن رفعة القمر بقدر مجموع الأرض 33 مرة ، ولذلك يراه الإنسان أين كان ، وإن فلك القمر بالنسبة إلى فلك الشمس الذي هو تحت السلطنة كالقطرة في البحر ، ثم إن السماوات والأرض كالحلقة في الفلاة ، وإن الفرس الجواد إذا كان في أشد الطرد فإنه بقدر ما يضع حافره على الأرض ويرفعه تسير الشمس خمسمائة فرسخ ( 1 ) وإن قرص الشمس بقدر مجموع الأرض 66 مرة ( 2 ) وإن الأرض مساحة سطحها في علم ‹ صفحة 183 › الهيئة عشرون ألف ألف وثلاثمائة ألف وستون ألف فرسخ ، وإن كل فرسخ ثلاثة أميال ، والميل أربعة آلاف ذراع ، وإن النجم الذي يقال له السهى ، وهو نجم خفي لا يرى إلا في الظلمة لذوي الأبصار السليمة ، وإنه مع خفائه بقدر مجموع الأرض 18 مرة ( 1 ) فهناك يدهش عند سماع هذا وينكره ، ومن جهل شيئا أنكره ، وكذا من عرف أن نسبة السماوات والأرض والأفلاك في عظمة صاحب لولاك ، نسبة لا شئ إلى شئ لأن الجزء لا يقاوم الكل وإن كثر ، وإن الخلق لا يقابل الخالق وإن عظم ، فإن خالقه أعظم ، فالنبي الذي به ولأجله تكونت الأشياء ، ولولاه لما كانت هو أعظم منها ، ونسبة الشمس والقمر والنجوم إلى جلال جمال أول ما خلق الله نوري لليل إلى الفجر ، ونسبة السهى إلى نور البدر ، لأنه هو النور الذي قهر غواسق العدم ، وأضاءت به حنادس الظلم ، وإن ما في أيدي الناس من أسرار آل محمد ومعرفتهم بالنسبة إلى ما خفي عليهم ، كنسبة الله إلى خلقه وكيف ينسب الخلق إلى خالقهم والمماليك إلى مالكهم ، وكيف يعرفون عظمة ربهم ، أو يقدرونها على قدر عقولهم .

فصل وعظمة الولي من عظمة النبي صلى الله عليه وآله ، وعظمة النبي من عظمة الرب العلي ، لأنه آية الله وآية النبي ، وكلمة الله وكلمة النبي ، ونائب وحي الله ووارث النبي ، وبه يتم توحيد الله ودين النبي ، وبيان هذا الشأن العظيم أنه أخذ له العهد على الأرواح ، وجعل له الولاية المطلقة من الأزل ، ولم تزل . ‹ صفحة 185 ›

فصل ( عالم آل محمد قبل الخلق )

 وإليه الإشارة بقوله : ( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ولا ماء ولا طين ( 1 ) ، وكان علي وليا قبل خلق الخلائق أجمعين ) ( 2 ) ، ثم إنه أرسل الرسل إليه يدعون ، وبمحمد يبشرون ويؤمنون ، وبولاية علي يتمسكون ، وبه إلى الله في الملمات يدعون ، ثم بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وآله فختم به الموجود كما افتتح به الوجود ، ثم خصه بجوامع الكلم ، وأنزل إليه السبع المثاني وهي سورة الحمد وجعل لوليه فيها مقاما رفيعا فقال : اهدنا الصراط المستقيم ، والصراط المستقيم حب علي ، فأمره أن يسأل لأمته الهداية إلى حب علي ثم إنه أمر نبيه أيضا بالتمسك به والحث عليه فقال : فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على سراط مستقيم ( 3 ) وهو حب علي ، ثم أكد ذلك فقال : فاستقم كما أمرت ( 4 ) أي ادع الناس إلى حب علي لأنه يدعو إلى الإيمان أولا ، ثم إلى الفرائض لأن الأصل مقدم على الفرع ، فلا فرائض إلا بالإيمان ، ولا إيمان إلا بحب علي ، لأن التوحيد لا ينعقد إلا به ، فما لم يكن الإيمان فلا فرائض ، وما لم يكن حب علي فلا إيمان ، فالإيمان والفرائض حب علي ، فالأصل والفرع حب علي وولايته .

فصل ( السؤال عن علي في القبر )

 ثم أخبر نبيه أن حب علي هو المسؤول عنه في القبر فقال : ( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ) ( 5 ) يعني يوم القيامة وفي القبر ، ثم رفع نبيه إلى المقام الأسنى ، وهو قاب قوسين أو أدنى ، فخاطبه بلسان علي ثم أمره أن يرفع عليا فوق كتفه ، فقال في خطبة الفخار : أنا الواقف على ‹ صفحة 186 › التطنجين ، قال المفسرون : هي الدنيا والآخرة ، أي أنا العالم بهما ، وقيل : المشرق والمغرب ، وأنا ، المحيط بعلم ما بينهما ، وقيل : الجنة والنار ، وأنا القاسم لهما ، وقيل : لا بل هو إشارة إلى ارتفاعه فوق كتف رفيع المقام ، وليس فوق هذا المقام إلا ذات الملك العلام ، فأي رفعة فوق هذا ؟ وأي مقام أعلى من هذا ؟ لأن الله رفع رسوله حتى جاوز عالم الأفلاك والأملاك ، وعالم الملك والملكوت ، وعالم الجبروت ، ووصل إلى عالم اللاهوت 18 ، وأمير المؤمنين عليه السلام ارتقى على كتفي صاحب هذا المقام .

فصل ثم أمر رسوله بالتبليغ البليغ فيه ، فقال : بلغ ما أنزل إليك من ربك ثم أكد ذاك بالتهديد ، فقال : ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) ( 1 ) لكنك بلغت فأنت فاعل ، فقد بلغ فما معناه ؟ هذا رمز يدل على شرف الولاية وأنه لا قبول للأعمال ، قلت : أم جلت إلا بها ، والمراد أنهم إن لم يؤمنوا بعلي فلا ينفعهم إسلامهم ، فكأن الرسالة لم تبلغهم ، فعلم أنه من لم يؤمن بعلي لم يؤمن بمحمد ، ومن لم يؤمن بمحمد لم يؤمن بالله ، لأن الإقرار بالولاية يستلزم الإقرار بالنبوة ، والإقرار بالنبوة يستلزم الإقرار بالتوحيد ، وكذا إنكار الولاية يستلزم إنكار النبوة ، وإنكار التوحيد ، لتوقف الاثنين على الولاية .

فصل ( علي الكتاب المبين )

ثم أنزل بعد الحمد ألم ، فجعل سر الأولين والآخرين بتضمنه في هذه الأحرف الثلاثة ، وفي كل حرف منها الاسم الأعظم ، وفيها معاني الاسم الأعظم ثم قال : ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) ( 2 ) يعني علي لا شك فيه ، لأن القرآن هو الكتاب الصامت ، والولي هو الكتاب الناطق ، فأينما كان الكتاب الناطق كان الكتاب الصامت ! ! فالولي هو الكتاب ، وعلي هو الولي ، فعلي هو الكتاب المبين ، والصراط المستقيم ، فهو الكتاب وأم الكتاب ، وفصل الخطاب وعنده علم الكتاب ، وويل للمنكر والمرتاب .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 180 › ( 1 ) في الأصل المطبوع من بينهن . ( 2 ) بحار الأنوار : 38 / 98 ح 17 عن الأمالي بتفاوت . ( 1 ) آل عمران : 19 . ( 2 ) آل عمران : 85 . ( 3 ) الحجرات : 14 . ‹ هامش ص 181 › ( 1 ) بحار الأنوار : 27 / 167 ح 3 وفيه لولاية علي . ( 2 ) بحار الأنوار : 27 / 2 ح 5 . ( 3 ) بحار الأنوار : 36 / 159 ح 140 . ‹ هامش ص 182 › ( 1 ) يقول علم الفلك الحديث إن الشمس ثابتة ، والأرض هي المتحركة . ( 2 ) قدرت سعة الشمس في العلوم الجديدة بأكثر من الأرض مقدار مليون وثلاثمائة ألف مرة . ‹ هامش ص 183 › ( 1 ) 1 - في القسم 15 مرة وليس في علم الفلك الآن أحكام ثابتة عن مقدار السهى حتى نضع المقارنة . * ‹ هامش ص 185 › ( 1 ) كنز العمال : 12 / 426 ح 3558 ، وفضائل ابن شاذان : 34 ، والفردوس : 3 / 284 ح 4854 . ( 2 ) لفظ الحديث : ( كنت وليا وآدم بين الماء والطين ) المراقبات : 259 وجامع الأسرار : 382 ح 763 . ( 3 ) الزخرف : 43 . ( 4 ) هود : 112 . ( 5 ) الزخرف : 44 . ‹ هامش ص 186 › ( 1 ) المائدة : 67 . ( 2 ) البقرة : 1 .