فصل ( بعلي تكونت الكائنات )

والدليل على صحة هذه المباحث والتأويل ، ما رواه عمار عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب الواحدة ، أنه قال : ( يا عمار باسمي تكونت الكائنات والأشياء ، وباسمي دعا سائر الأنبياء ، وأنا اللوح ، وأنا القلم ، وأنا العرش ، وأنا الكرسي ، وأنا السماوات السبع ، وأنا السماوات الحسنى ، والكلمات العليا ( 1 ) ، وأين كان اسم علي كان اسم محمد من غير عكس ، لدخول الولاية تحت النبوة ، كدخول الإنسان تحت الحيوان ، فأين كان الإنسان كان الحيوان من غير عكس . . وإليه الإشارة بقوله في صدر القرآن الشريف العظيم وأول الذكر الحكيم ( ا ل م ) ، قال : حرف من حروف الاسم الأعظم ذلك الكتاب لا ريب فيه ، قال : الكتاب : علي لا شك فيه ( هدى للمتقين ) ، قال : التقوى ما يحرز من النار ، وما يحرز من النار إلا حب علي ، فحب علي هو التقوى بالحقيقة ، وكل تقوى غيره فهو مجاز ، لأنها لا تحرز من النار . قوله : ( الذين يؤمنون بالغيب ) ( 2 ) ، قال : الغيب يوم الرجعة ، ويوم القيامة ، ويوم القائم ، وهي أيام آل محمد . وإليها الإشارة بقوله : وذكرهم بأيام الله ) ( 3 ) ، فالرجعة لهم ، ويوم القيامة لهم ، ويوم القائم لهم ، وحكمه إليهم ، ومعول المؤمنين فيه عليهم . وقوله الذين : يقيمون الصلاة ، قال : الصلاة بالحقيقة حب علي ، إن الصلاة هي الصلة بالله ، ولا صلة للعبد بعفو الرب ورحمته وجواره إلا بحب علي ، فمن أقام حب علي فقد أقام الصلاة ، وكل صلاة غيرها من المكتوبة المشروعة إذا لم يكن معها الولاية فهي مجاز ، لا بل ضلال ووبال ، لأنه قد عبد الله بغير ما أمر ، فهو ضال في سلوكه ، عاص في طاعته ، معاقب في عبادته . قوله : ( ومما رزقناهم ينفقون ) ، قال : الإنفاق الواجب الذي تحيى فيه النفوس ، وتنجو به الأرواح والأجساد من العذاب الأليم ، وهو معرفة آل محمد ، وكل إنفاق غير هذا فهو مجاز ، وإن كان واجب الإنفاق ، وما أفعل بإنفاق يقوي به النفاق ؟ قوله : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك ) ، يعني في حق علي ، لأنهم إن لم يؤمنوا بما أنزل في حق علي فليس إيمانهم بغيره إيمانا ، وإن قيل إيمان فهو مجاز لا ينفع . . وإليه ‹ صفحة 254 › الإشارة بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا ) ( 1 ) ، فذكر أنهم آمنوا وسماهم مؤمنين ، ثم قال لهم : آمنوا ، وهذا تنافس ، وليس بتناقض ، ولكن معناه : يا أيها الذين آمنوا بمحمد آمنوا بعلي حتى يتم إيمانكم . قوله : ( أنزل من قبلك ) ، يعني في حق علي . قوله : ( وبالآخرة هم يوقنون ) ( 2 ) ، يعني يصدقون أن حكم الآخرة لعلي ، كما أن حكم الدنيا مسلم إليه ، ( أولئك على هدى من ربهم ) ، قال بهذا الدين . ( وأولئك هم المفلحون ) قال بهذه المعرفة . ‹ صفحة 255 ›

فصل ( معرفة الإمام بالنورانية )

ومن هذا الباب ما رواه سلمان ، وأبو ذر ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : من كان ظاهره في ولايتي أكثر من باطنه خفت موازينه ، يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يعرفني بالنورانية ، وإذا عرفني بذلك فهو مؤمن ، امتحن الله قلبه للإيمان ، وشرح صدره للإسلام ، وصار عارفا بدينه مستبصرا ، ومن قصر عن ذاك فهو شاك مرتاب ، يا سلمان ويا جندب ، إن معرفتي بالنورانية معرفة الله ، ومعرفة الله معرفتي ، وهو الدين الخالص ، بقول الله سبحانه : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وهو الإخلاص ، وقوله : ( حنفاء ) وهو الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ، وهو الدين الحنيف ، وقوله : ( ويقيموا الصلاة ) ، وهي ولايتي ، فمن والاني فقد أقام الصلاة ، وهو صعب مستصعب . ( ويؤتوا الزكاة ) ، وهو الإقرار بالأئمة ، ( وذلك دين القيمة أي ) وذلك دين الله القيم . شهد القرآن أن الدين القيم الإخلاص بالتوحيد ، والإقرار بالنبوة والولاية ، فمن جاء بهذا فقد أتى بالدين . يا سلمان ويا جندب ، المؤمن الممتحن الذي لم يرد عليه شئ من أمرنا ، إلا شرح الله صدره لقبوله ، ولم يشك ولم يرتاب ، ومن قال لم وكيف فقد كفر ، فسلموا الله أمره ، فنحن أمر الله . يا سلمان ويا جندب ، إن الله جعلني أمينه على خلقه ، وخليفته في أرضه وبلاده وعباده ، وأعطاني ما لم يصفه الواصفون ، ولا يعرفه العارفون ، فإذا عرفتموني هكذا فأنتم مؤمنون . يا سلمان قال الله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة فالصبر محمد ، والصلاة ولايتي ، ولذلك قال : وإنها لكبيرة ، ولم يقل وإنهما ، ثم قال : ( إلا على الخاشعين ) ( 1 ) ، فاستثنى أهل ولايتي الذين استبصروا بنور هدايتي . يا سلمان ، نحن سر الله الذي لا يخفى ، ونوره الذي لا يطفى ، ونعمته التي لا تجزى ، أولنا محمد ، وأوسطنا محمد ، وآخرنا محمد ، فمن عرفنا استكمل الدين القيم . يا سلمان ويا جندب ، كنت ومحمد نورا نسبح قبل المسبحات ، ونشرق قبل المخلوقات ، فقسم الله ذلك النور نصفين : نبي مصطفى ، ووصي مرتضى ، فقال الله عز وجل لذلك النصف : كن محمدا ، وللآخر كن عليا ، ولذلك قال ‹ صفحة 256 › النبي صلى الله عليه وآله : أنا من علي ، وعلي مني ، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي ( 1 ) وإليه الإشارة بقوله : وأنفسنا وأنفسكم ( 2 ) ، وهو إشارة إلى اتحادهما في عالم الأرواح والأنوار ، ومثله قوله : أفإن مات أو قتل ( 3 ) ، والمراد هنا مات أو قتل الوصي ، لأنهما شئ واحد ، ومعنى واحد ، ونور واحد ، اتحدا بالمعنى والصفة ، وافترقا بالجسد والتسمية ، فهما شئ واحد في عالم الأرواح ( أنت روحي التي بين جنبي ) ( 4 ) ، وكذا في عالم الأجساد : ( أنت مني وأنا منك ترثني وأرثك ) ( 5 ) ، ( أنت مني بمنزلة الروح من الجسد ) . ( 6 ) وإليه الإشارة بقوله : صلوا عليه وسلموا تسليما ( 7 ) ، ومعناه صلوا على محمد ، وسلموا لعلي أمره ، فجمعهما في جسد واحد جوهري ، وفرق بينهما بالتسمية والصفات في الأمر ، فقال : صلوا عليه وسلموا تسليما ، فقال : صلوا على النبي ، وسلموا على الوصي ، ولا تنفعكم صلواتكم على النبي بالرسالة إلا بتسليمكم على علي بالولاية . يا سلمان ويا جندب ، وكان محمد الناطق ، وأنا الصامت ، ولا بد في كل زمان من صامت وناطق ، فمحمد صاحب الجمع ، وأنا صاحب الحشر ، ومحمد المنذر ، وأنا الهادي ، ومحمد صاحب الجنة ، وأنا صاحب الرجعة ، محمد صاحب الحوض ، وأنا صاحب اللواء ، محمد صاحب المفاتيح ، وأنا صاحب الجنة والنار ، ومحمد صاحب الوحي ، وأنا صاحب الإلهام ، محمد صاحب الدلالات ، وأنا صاحب المعجزات ، محمد خاتم النبيين ، وأنا خاتم الوصيين ، محمد صاحب الدعوة ، وأنا صاحب السيف والسطوة ، محمد النبي الكريم ، وأنا الصراط المستقيم ، محمد الرؤوف الرحيم ، وأنا العلي العظيم . يا سلمان ، قال الله سبحانه : يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ) ( 8 ) ، ولا يعطي هذا الروح إلا من فوض إليه الأمر والقدر ، وأنا أحيي الموتى ، وأعلم ما في السماوات والأرض ، وأنا ، ‹ صفحة 257 › الكتاب المبين ، يا سلمان ، محمد مقيم الحجة ، وأنا حجة الحق على الخلق ، وبذلك الروح عرج به إلى السماء ، أنا حملت نوحا في السفينة ، أنا صاحب يونس في بطن الحوت ، وأنا الذي حاورت موسى في البحر ، وأهلكت القرون الأولى ، أعطيت علم الأنبياء والأوصياء ، وفصل الخطاب ، وبي تمت نبوة محمد ، أنا أجريت الأنهار والبحار ، وفجرت الأرض عيونا ، أنا كأب الدنيا لوجهها ، أنا عذاب يوم الظلة ، أنا الخضر معلم موسى ، أنا معلم داود وسليمان ، أنا ذو القرنين ، أنا الذي دفعت سمكها بإذن الله عز وجل ، أنا دحوت أرضها ، أنا عذاب يوم الظلة ، أنا المنادي من مكان بعيد ، أنا دابة الأرض ، أنا كما يقول لي رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت يا علي ذو قرنيها ، وكلا طرفيها ، ولك الآخرة والأولى ، يا سلمان إن ميتنا إذا مات لم يمت ، ومقتولنا لم يقتل ، وغائبنا إذا غاب لم يغب ، ولا نلد ولا نولد في البطون ، ولا يقاس بنا أحد من الناس ، أنا تكلمت على لسان عيسى في المهد ، أنا نوح ، أنا إبراهيم ، أنا صاحب الناقة ، أنا صاحب الراجفة ، أنا صاحب الزلزلة . أنا اللوح المحفوظ ، إلي انتهى علم ما فيه ، أنا أنقلب في الصور كيف شاء الله ، من رآهم فقد رآني ، ومن رآني فقد رآهم ، ونحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغير . يا سلمان ، بنا شرف كل مبعوث ، فلا تدعونا أربابا ، وقولوا فينا ما شئتم ، ففينا هلك وبنا نجي . يا سلمان ، من آمن بما قلت وشرحت فهو مؤمن ، امتحن الله قلبه للإيمان ، ورضي عنه ، ومن شك وارتاب فهو ناصب ، وإن ادعى ولايتي فهو كاذب . يا سلمان أنا والهداة من أهل بيتي سر الله المكنون ، وأولياؤه المقربون ، كلنا واحد ، وسرنا واحد ، فلا تفرقوا فينا فتهلكوا ، فإنا نظهر في كل زمان بما شاء الرحمن ، فالويل كل الويل لمن أنكر ما قلت ، ولا ينكره إلا أهل الغباوة ، ومن ختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة ،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 253 › ( 1 ) جامع الأسرار : 205 ح 394 . ( 2 ) الآيات من أول سورة البقرة . ( 3 ) إبراهيم : 5 . ‹ هامش ص 254 › ( 1 ) النساء : 136 . ( 2 ) الآيات من أول سورة البقرة . ‹ هامش ص 255 › ( 1 ) الآية : البينة 5 ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) . ( 2 ) البقرة : 45 . ‹ هامش ص 256 › ( 1 ) مسند أحمد : 1 / 98 ط م و : 159 ح 772 ط . ب وصحيح الترمذي : 5 / 632 ح 3712 . ( 2 ) آل عمران : 61 . ( 3 ) آل عمران : 144 . ( 4 ) تقدم الحديث . ( 5 ) تقدم الحديث . ( 7 ) الأحزاب : 56 . ( 8 ) غافر : 15 . ‹ هامش ص 257 › ( 1 ) باختصار في عيون الحكم والمواعظ 167 ط دار الحديث للواسطي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يا سلمان ، أنا أبو كل مؤمن ومؤمنة ، يا سلمان ، أنا الطامة الكبرى ، أنا الآزفة إذا أزفت ، أنا الحاقة ، أنا القارعة ، أنا الغاشية ، أنا الصاخة ، أنا المحنة النازلة ، ونحن الآيات والدلالات والحجب ووجه الله ، أنا كتب اسمي على العرش فاستقر ، وعلى السماوات فقامت ، وعلى الأرض ففرشت ، وعلى الريح فذرت ، وعلى البرق فلمع ، وعلى الوادي فهمع ، وعلى النور فقطع ، وعلى السحاب فدمع ، وعلى الرعد فخشع ، وعلى الليل فدجى وأظلم ، وعلى النهار فأنار وتبسم ( 1 ) . ‹ صفحة 258 ›

فصل ( في أسرار علي ع أيضا )

ومن ذلك ما ورد عنه في كتاب الواحدة ، قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : الحمد لله مدهر الدهور ، ومالك مواضي الأمور ، الذي كنا بكينونيته ، قبل خلق التمكين في التكوين أوليين أزليين لا موجودين ، منه بدأنا وإليه نعود إلا الدهر ، فينا قسمت حدوده ، ولنا أخذت عهوده ، وإلينا ترد شهوده ، فإذا استدارت ألوف الأطوار ، وتطاول الليل والنهار ، فلا لعلامة العلامة دون العامة والسامة ، الاسم الأضخم ، العالم غير المعلم ، أنا الجنب ، والجانب محمد ، العرش عرش الله على الخلائق ، أنا باب المقام ، وحجة الخصام ، ودابة الأرض ، وصاحب العصر ( 1 ) ، وفصل القضاء ، وسفينة النجاة ، لم تقم الدعائم بتخوم الأقطار ، ولا أغمدة قساطيط السجاف إلا على كواهل أمورنا ، أنا بحر العلم ، ونحن حجة الحجاب ، فإذا استدار الفلك ، وقتل مات أو هلك ، ألا أن طرفي حبل المتين ، إلى قرار الماء المعين ، إلى بسيط التمكين ، إلى وراء بيضاء الصين ، إلى مصارع قبور الطالقانيين ، إلى نجوم ياسين ، وأصحاب السين من العليين العالمين ، وكتم أسرار طواسين ، إلى البيداء الغبراء ، إلى حد هذا الثرى ، أنا ديان الدين ، لأركبن السحاب ، ولأضربن الرقاب ، ولأهدمن إرما حجرا حجرا ، ولأجلس على حجر لي بدمشق ، ولأسومن العرب سوم المنايا ، فقيل متى هذا ؟ فقال : إذا مت وصرت إلى التراب ( 2 ) ، وسوي علي اللبن وضربت علي القباب ( 3 ) . ‹ صفحة 259 ›

فصل ( كنه علي عليه السلام )

ومن خطبة له عليه السلام ، بعد انصرافه من قتل الخوارج ، فقال فيها بعد حمد الله والصلوات على محمد صلى الله عليه وآله : أنا أول المسلمين ، أنا أول المؤمنين ، أنا أول المصلين ، أنا أول الصائمين ، أنا أول المجاهدين ، أنا حبل الله المتين ، أنا سيف رسول رب العالمين ، أنا الصديق الأكبر ، أنا الفاروق الأعظم ، أنا باب مدينة العلم ، أنا رأس الحلم ، أنا راية الهدى ، أنا مفتي العدل ، أنا سراج الدين ، أنا أمير المؤمنين ، أنا إمام المتقين ، أنا سيد الوصيين ، أنا يعسوب الدين ، أنا شهاب الله الثاقب ، أنا عذاب الله الواصب ، أنا البحر الذي لا ينزف ، أنا الشرف الذي لا يوصف ، أنا قاتل المشركين ، أنا مبيد الكافرين ، أنا غوث المؤمنين ، أنا قائد الغر المحجلين ، أنا أضراس جهنم القاطعة ، أنا رحاها الدائرة ، أنا ساق أهلها إليها ، أنا ملقي حطبها عليها . أنا اسمي في الصحف عاليا ، وفي التوراة بريا ، وعند العرب عليا ، وإن لي أسماء في القرآن عرفها من عرفها . أنا الصادق الذي أمركم الله باتباعه فقال : ( وكونوا مع الصادقين ) ( 1 ) ، أنا صالح المؤمنين ، أنا المؤذن في الدنيا والآخرة ، أنا المتصدق راكعا ، أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى ، أنا الممدوح ب ( هل أتى ) ، أنا وجه الله ، أنا جنب الله ، أنا علم الله ، أنا عندي علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، لا يدعي ذلك أحد ولا يدفعني عنه أحد ، جعل الله قلبي مضيئا ، وعملي رضيا ، لقنني ربي الحكمة وغذاني بها ، لم أشرك بالله منذ خلقت ، ولم أجزع منذ حملت ، قتلت صناديد العرب وفرسانها ، وأفنيت ليوثها وشجعانها ، أيها الناس ، سلوني من علم مخزون وحكمة مجموعة ( 1 ) . ‹ صفحة 260 ›

فصل ( خطبة الافتخار )

ومن ذلك ما ورد عنه في خطبة الافتخار ، رواها الأصبغ بن نباتة قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال في خطبه : أنا أخو رسول الله ووارث علمه ، ومعدن حكمه : وصاحب سره ، وما أنزل الله حرفا في كتاب من كتبه إلا وقد صار إلي ، وزاد لي علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، أعطيت علم الأنساب والأسباب ، وأعطيت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب ، ومددت بعلم القدر ، وإن ذلك يجري في الأوصياء من بعدي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين . أعطيت الصراط والميزان واللواء والكوثر ، أنا المقدم على بني آدم يوم القيامة ، أنا المحاسب للخلق ، أنا منزلهم منازلهم ، أنا عذاب أهل النار ، ألا كل ذلك من فضل الله علي ، ومن أنكر أن لي في الأرض كرة بعد كرة وعودا بعد رجعة ، حديثا كما كنت قديما ، فقد رد علينا ، ومن رد علينا فقد رد على الله . أنا صاحب الدعوات ، أنا صاحب الصلوات ، أنا صاحب النقمات ، أنا صاحب الدلالات ، أنا صاحب الآيات العجيبات ، أنا عالم أسرار البريات ، أنا قرن من حديد ، أنا أبدا جديد ، أنا منزل الملائكة منازلها ، أنا آخذ العهد على الأرواح في الأزل ، أنا المنادي لهم ألست بربكم بأمر قيوم لم يزل . أنا كلمة الله الناطقة في خلقه ، أنا آخذ العهد على جميع الخلائق في الصلوات ، أنا غوث الأرامل واليتامى ، أنا باب مدينة العلم ، أنا كهف الحلم ، أنا عامة الله القائمة ، أنا صاحب لواء الحمد ، أنا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أخبرتكم لكفرتم . أنا قاتل الجبابرة ، أنا الذخيرة في الدنيا والآخرة ، أنا سيد المؤمنين ، أنا علم المهتدين ، أنا صاحب اليمين ، أنا اليقين ، أنا إمام المتقين ، أنا السابق إلى الدين ، أنا حبل الله المتين ، أنا الذي أملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا بسيفي هذا . أنا صاحب جبريل ، أنا تابع ميكائيل ، أنا شجرة الهدى ، أنا علم التقى ، أنا حاشر الخلق إلى الله بالكلمة التي بها يجمع الخلايق ، أنا منشئ ( 1 ) الأنام ، أنا جامع الأحكام ، أنا صاحب القضيب الأزهر والجمل الأحمر ، أنا باب اليقين ، أنا ‹ صفحة 261 › أمير المؤمنين ، أنا صاحب الخضر ، أنا صاحب البيضاء ، أنا صاحب الفيحاء ، أنا قاتل الأقران ، أنا مبيد الشجعان ، أنا صاحب القرون الأولين ، أنا الصديق الأكبر ، أنا الفاروق الأعظم ، أنا المتكلم بالوحي ، أنا صاحب النجوم ، أنا مدبرها بأمر ربي وعلم الله الذي خصني به ، أنا صاحب الرايات الصفر ، أنا صاحب الرايات الحمر ، أنا الغائب المنتظر لأمر العظيم ، أنا المعطي ، أنا المبذل ، أنا القابض يدي على القبض ، الواصف لنفسي ، أنا الناظر لدين ربي ، أنا الحامي لابن عمي ، أنا مدرجة في الأكفان ، أنا والي الرحمن ، أنا صاحب الخضر وهارون ، أنا صاحب موسى ويوشع بن نون ، أنا صاحب الجنة ، أنا صاحب القطر والمطر ، أنا صاحب الزلازل والخسوف ، أنا مروع الألوف ، أنا قاتل الكفار ، أنا إمام الأبرار ، أنا البيت المعمور ، أنا السقف المرفوع ، أنا البحر المسجور ، أنا باطن الحرم ، أنا عماد الأمم ، أنا صاحب الأمر الأعظم ، هل من ناطق يناطقني ؟ أنا النار ، ولولا أني أسمع كلام الله وقول رسول الله صلى الله عليه وآله لوضعت سيفي فيكم وقتلتكم عن آخركم ، أنا شهر رمضان ، أنا ليلة القدر ، أنا أم الكتاب ، أنا فصل الخطاب ، أنا سورة الحمد ، أنا صاحب الصلاة في الحضر والسفر ، بل نحن الصلاة والصيام والليالي والأيام والشهور والأعوام ، أنا صاحب الحشر والنحر ، أنا الواضع عن أمة محمد الوزر ، أنا باب السجود ، أنا العابد ، أنا المخلوق ، أنا الشاهد ، أنا المشهود ، أنا صاحب السندس الأخضر ، أنا المذكور في السماوات والأرض ، أنا الماضي مع رسول الله في السماوات ، أنا صاحب الكتاب والقوس ، أنا صاحب شيت بن آدم ، أنا صاحب موسى وإرم ، أنا بي تضرب الأمثال ، أنا السماء الخضر ، أنا صاحب الدنيا الغبراء ، أنا صاحب الغيث بعد القنوط . ها أنا ذا فمن ذا مثلي ، أنا صاحب الرعد الأكبر ، أنا صاحب البحر الأكدر ، أنا مكلم الشمس ، أنا الصاعقة على الأعداء ، أنا غوث من أطاع من الورى والله ربي لا إله غيره ، ألا وإن للباطل جولة وللحق دولة ، وإني ظاعن عن قريب فارتقبوا الفتنة الأموية والدولة الكسروية ، ثم تقبل دولة بني العباس بالفرج والبأس ، وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة والفرات ، ملعون من سكنها ، منها تخرج طينة الجبارين ، تعلى فيها القصور ، وتسبل الستور ، ويتعلون بالمكر والفجور ، فيتداولها بنو العباس 42 ملكا على عدد سني الملك ، ثم الفتنة الغبراء ، والقلادة الحمراء في عنقها قائم الحق ، ثم أسفر عن وجهي بين أجنحة الأقاليم كالقمر المضئ بين الكواكب ، ألا وإن لخروجي علامات عشرة ، أولها ‹ صفحة 262 › تحريف الرايات في أزقة الكوفة ، وتعطيل المساجد ، وانقطاع الحاج ، وخسف وقذف بخراسان ، وطلوع الكوكب المذنب ، واقتران النجوم ، وهرج ومرج وقتل ونهب ، فتلك علامات عشرة ، ومن العلامة إلى العلامة عجب ، فإذا تمت العلامات قام قائمنا قائم الحق . . ثم قال : معاشر الناس نزهوا ربكم ولا تشيروا إليه ، فمن حد الخالق فقد كفر بالكتاب الناطق ، ثم قال : طوبى لأهل ولايتي الذين يقتلون في ، ويطردون من أجلي ، هم خزان الله في أرضه ، لا يفزعون يوم الفزع الأكبر ، أنا نور الله الذي لا يطفى ، أنا السر الذي لا يخفى ( 1 ) . يؤيد هذا الكلام والمقام ما ورد في الأمالي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : يا معشر قريش ، كيف بكم وقد كفرتم بعدي ، ثم رأيتموني في كتيبة من أصحابي أضرب وجوهكم بالسيف ، أنا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 257 › ( 1 ) باختصار في عيون الحكم والمواعظ 167 ط دار الحديث للواسطي ‹ هامش ص 258 › ( 1 ) بحار الأنوار : 41 / 5 ح 5 . وقرب منه البحار : 40 / 55 90 ضمن حديث طويل عن النبي ص ( 2 ) في البحار العصا . ( 3 ) وهو يشير إلى حديث الرجعة . ‹ هامش ص 259 › ( 1 ) الدهر : 1 . ( 2 ) نفحات الأزهار للميلاني : 10 / 213 . ‹ هامش ص 260 › ( 1 ) في الأصل المطبوع منشاء . ‹ هامش ص 262 › ( 1 ) راجع بحار الأنوار : 38 / 78 ح 1 و : 39 / 227 ح 1 . ( 3 ) بحار الأنوار : 32 / 304 ح 268 و : 37 / 113 ح 6 . ( 3 ) في البحار : قل : إن شاء الله أو علي .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وعلي بن أبي طالب عليه السلام . فنزل جبرئيل مسرعا ، وقال : قل إن شاء الله ( 2 ) . ( 3 ) . ‹ صفحة 263 ›

فصل ( خطبة التطنجية )

ومن خطبة له عليه السلام تسمى التطنجية ، ظاهرها أنيق ، وباطنها عميق ، فليحذر قارئها من سوء ظنه ، فإن فيها من تنزيه الخالق ما لا يطيقه أحد من الخلائق ، خطبها أمير المؤمنين عليه السلام بين الكوفة والمدينة ، فقال : الحمد لله الذي فتق الأجواء وخرق الهواء ، وعلق الأرجاء وأضاء الضياء ، وأحيى الموتى وأمات الأحياء ، أحمده حمدا سطع فأرفع ، وشعشع فلمع ، حمدا يتصاعد في السماء إرساله ، ويذهب في الجو اعتداله ، خلق السماوات بلا دعائم ، وأقامها بغير قوائم ، وزينها بالكواكب المضيئات ، وحبس في الجو سحائب مكفهرات ، وخلق البحار والجبال على تلاطم تيار رفيق رئيق ، فتق رتجاها ( 1 ) فتغطمطت أمواجها ، أحمده وله الحمد ، وأشهد أن لا إله إلا هو ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، انتجبه من البحبوحة العليا ، وأرسله في العرب ، وابتعثه هاديا مهديا حلا حلا طلسميا ، فأقام الدلائل ، وختم الرسائل ، بصر به المسلمين ، وأظهر به الدين ، صلى الله عليه وآله الطاهرين . أيها الناس ، أنيبوا إلى شيعتي ، والتزموا بيعتي ، وواظبوا على الدين بحسن اليقين ، وتمسكوا بوصي نبيكم الذي به نجاتكم ، وبحبه يوم الحشر منجاتكم ، فأنا الأمل والمأمول ، أنا الواقف على التطنجين ، أنا الناظر إلى المغربين والمشرقين ، رأيت رحمة الله والفردوس ( 2 ) رأي العين ، وهو في البحر السابع يجري في الفلك في زخاخيره النجوم والحبك ، ورأيت الأرض ملتفة كالتفاف الثوب القصور ، وهي في خزف من التطنج الأيمن مما يلي المشرق والتطنجان ، خليجان من ماء كأنهما أيسار تطنجين ، وما المتولي دائرتها ، وما أفردوس ؟ وما هم فيه إلا كالخاتم في الإصبع ، ولقد رأيت الشمس عند غروبها وهي كالطاير المنصرف إلى وكره ، ولولا اصطكاك رأس الفردوس ، واختلاط التطنجين ، وصرير الفلك ، يسمع من في السماوات والأرض رميم حميم دخولها في الماء الأسود ، وهي العين الحمئة ولقد علمت من عجائب خلق الله ما لا يعلمه إلا الله ، ‹ صفحة 264 › وعرفت ما كان وما يكون وما كان في الذر الأول مع من تقدم من آدم الأول ، ولقد كشف لي فعرفت ، وعلمني ربي فتعلمت ، ألا فعوا ولا تضجوا ولا ترتجوا فلولا خوفي عليكم أن تقولوا جن أو ارتد لأخبرتكم بما كانوا وما أنتم فيه وما تلقونه إلى يوم القيامة ، علم أوعز إلي فعلمت ، ولقد ستر علمه عن جميع النبيين إلا صاحب شريعتكم هذه صلوات الله عليه وآله ، فعلمني علمه ، وعلمته علمي . ألا وإنا نحن النذر الأولى ، ونحن نذر الآخرة والأولى ، ونذر كل زمان وأوان ، وبنا هلك من هلك ، وبنا نجا من نجا ، فلا تستطيعوا ذلك فينا ، فوالذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، وتفرد بالجبروت والعظمة ، لقد سخرت لي الرياح والهواء والطير ، وأعرضت علي الدنيا ، فأعرضت عنها ، أنا كأب الدنيا لوجهها فحنى ، متى يلحق بي اللواحق ، لقد علمت ما فوق الفردوس الأعلى ، وما تحت السابعة السفلى ، وما في السماوات العلى ، وما بينهما وما تحت الثرى . كل ذلك علم إحاطة لا علم أخبار ، أقسم برب العرش العظيم ، لو شئت أخبرتكم بآبائكم وأسلافكم أين كانوا وممن كانوا وأين هم الآن وما صاروا إليه ، فكم من آكل منكم لحم أخيه ، وشارب برأس أبيه ، وهو يشتاقه ويرتجيه . هيهات هيهات ، إذا كشف المستور ، وحصل ما في الصدور ، وعلم أين الضمير ، وأيم الله لقد كوزتم كوزات ، وكررتم كرات ، وكم بين كرة وكرة من آية وآيات ، ما بين مقتول وميت ، فبعض في حواصل الطيور ، وبعض في بطون الوحش ، والناس ما بين ماض وزاج ، ورايح وغاد ، ولو كشف لكم ما كان مني في القديم الأول ، وما يكون مني في الآخرة ، لرأيتم عجائب مستعظمات ، وأمورا مستعجبات ، وصنايع وإحاطات . أنا صاحب الخلق الأول قبل نوح الأول ، ولو علمتم ما كان بين آدم ونوح من عجائب اصطنعتها ، وأمم أهلكتها : فحق عليهم القول ، فبئس ما كانوا يفعلون . أنا صاحب الطوفان الأول ، أنا صاحب الطوفان الثاني ، أنا صاحب سيل العرم ، أنا صاحب الأسرار المكنونات ، أنا صاحب عاد والجنات ، أنا صاحب ثمود والآيات ، أنا مدمرها ، أنا مزلزلها ، أنا مرجعها ، أنا مهلكها ، أنا مدبرها ، أنا بأبيها ، أنا داحيها ، أنا مميتها ، أنا محييها ، أنا الأول ، أنا الآخر ، أنا الظاهر ، أنا الباطن ، أنا مع الكور قبل الكور ، أنا مع الدور قبل الدور ، أنا مع القلم قبل القلم ، أنا مع اللوح قبل اللوح ، أنا صاحب الأزلية الأولية ، أنا صاحب جابلقا وجابرسا ، أنا صاحب الرفوف وبهرم ، أنا مدبر العالم الأول حين لا سماؤكم هذه ولا غبراؤكم . قال : فقام إليه ابن صويرمة فقال : أنت أنت يا أمير ‹ صفحة 265 › المؤمنين ؟ فقال : أنا أنا لا إله إلا الله ربي ورب الخلائق أجمعين ، له الخلق والأمر ، الذي دبر الأمور بحكمته ، وقامت السماوات والأرض بقدرته ، كأني بضعيفكم يقول ألا تسمعون إلى ما يدعيه ابن أبي طالب في نفسه ، وبالأمس تكفهر عليه عساكر أهل الشام فلا يخرج إليها ؟ وباعث محمد وإبراهيم ! لأقتلن أهل الشام بكم قتلات وأي قتلات ، وحقي وعظمتي لأقتلن أهل الشام بكم قتلات وأي قتلات ، ولأقتلن أهل صفين بكل قتلة سبعين قتلة ، ولأردن إلى كل مسلم حياة جديدة ، ولأسلمن إليه صاحبه وقاتله ، إلى أن يشفي غليل صدري منه ، ولأقتلن بعمار بن ياسر وبأويس القرني ألف قتيل أولا يقال لا وكيف وأين ومتى وأنى وحتى ، فكيف إذا رأيتم صاحب الشام ينشر بالمناشير ، ويقطع بالمساطير ، ثم لأذيقنه أليم العقاب ، ألا فأبشروا ، فإلي يرد أمر الخلق غدا بأمر ربي ، فلا يستعظم ما قلت ، فإنا أعطينا علم المنايا والبلايا ، والتأويل والتنزيل ، وفصل الخطاب وعلم النوازل ، والوقايع والبلايا ، فلا يغزب عنا شئ . كأني بهذا وأشار إلى الحسين عليه السلام قد ثار نوره بين عينيه ، فأحضره لوقته بحين طويل يزلزلها ويخسفها ، وثار معه المؤمنون في كل مكان ، وأيم الله لو شئت سميتهم رجلا رجلا بأسمائهم وأسماء آبائهم فهم يتناسلون من أصلاب الرجال وأرحام النساء ، إلى يوم الوقت المعلوم . ثم قال : يا جابر ، أنتم مع الحق ومعه تكونون ، وفيه تموتون ، يا جابر إذا صاح الناقوس ، وكبس الكابوس ، وتكلم الجاموس ، فعند ذلك عجائب وأي عجائب ، إذا أنارت النار ببصرى ، وظهرت الراية العثمانية بوادي سوداء ، واضطربت البصرة وغلب بعضهم بعضا ، وصبا كل قوم إلى قوم ، وتحركت عساكر خراسان ، وتبع شعيب بن صالح التميمي من بطن الطالقان ، وبويع لسعيد السوسي بخوزستان ، وعقدت الراية لعماليق كردان ، وتغلبت العرب على بلاد الأرمن والسقلاب ، وأذعن هرقل بقسطنطينة لبطارقة سينان ، فتوقعوا ظهور مكلم موسى من الشجرة على الطور ، فيظهر هذا ظاهر مكشوف ، ومعاين موصوف ، ألا وكم عجائب تركتها ، ودلائل كتمتها ، لا أجد لها حملة ، أنا صاحب إبليس بالسجود ، أنا معذبه وجنوده على الكبر والغرور بأمر الله ، أنا رافع إدريس مكانا عليا ، أنا منطق عيسى في المهد صبيا ، أنا مدين الميادين وواضع الأرض ، أنا قاسمها أخماسا ، فجعلت خمسا برا ، وخمسا بحرا ، وخمسا جبالا ، وخمسا عمارا ، وخمسا خرابا . أنا خرقت القلزم من ‹ صفحة 266 › الترجيم ، وخرقت العقيم من الحيم ، وخرقت كلا من كل ، وخرقت بعضا في بعض ، أنا طيرثا ، أنا جانبوثا ، أنا البارحلون ، أنا عليوثوثا ، أنا المسترق على البحار في نواليم الزخار عند البيار ، حتى يخرج لي ما أعد لي فيه من الخيل والرجل ، فخذ ما أحببت ، وأترك ما أردت ، ثم أسلم إلى عمار بن ياسر اثني عشر ألف أدهم على أدهم ، منها محب لله ولرسوله ، مع كل واحد اثني عشر كتيبة ، لا يعلم عددها إلا الله ، ألا فأبشروا ، فأنتم نعم الإخوان ، ألا وإن لكم بعد حين طرفة تعلمون بها بعض البيان ، وتنكشف لكم صنايع البرهان ، عند طلوع بهرام وكيوان ، على دقائق الاقتران ، فعندما تتواتر الهزات والزلازل ، وتقبل رايات من شاطئ جيحون إلى بيداء بابل . أنا مبرج الأبراج وعاقد الرياح ، ومفتح الأفراج وباسط العجاج ، أنا صاحب الطور ، أنا ذلك النور الظاهر ، أنا ذلك البرهان الباهر ، وإنما كشف لموسى شقص من شقص الذر من المثقال ، وكل ذلك بعلم من الله ذي الجلال . أنا صاحب جنات الخلود ، أنا مجري الأنهار أنهارا من ماء تيار ، وأنهارا من لبن ، وأنهارا من عسل مصفى ، وأنهارا من خمر لذة للشاربين ، أنا حجبت جهنم وجعلتها طبقات السعير ، وسقير الجير ، والأخرى عمقيوس أعددتها للظالمين ، وأودعت ذلك كله وادي برهوت ، وهو والفلق ورب ما خلق ، يخلد فيه الجبت والطاغوت وعبيدهما ، ومن كفر بذي الملك والملكوت . أنا صانع الأقاليم بأمر العليم الحكيم ، أنا الكلمة التي بها تمت الأمور ودهرت الدهور ، أنا جعلت الأقاليم أرباعا ، والجزائر سبعا ، فإقليم الجنوب معدن البركات ، وإقليم الشمال معدن السطوات ، وإقليم الصبا معدن الزلازل وإقليم الدبور معدن الهلكات . ألا ويل لمداينكم وأمصاركم من طغاة يظهرون فيغيرون ويبدلون إذا تمالت الشدائد من دولة الخصيان ، وملكة الصبيان ، والنسوان ، فعند ذلك ترتج الأقطار بالدعاة إلى كل باطل ، هيهات هيهات ، توقعوا حلول الفرج الأعظم ، وإقباله فوجا فوجا ، إذا جعل الله حصباء النجف جوهرا ، وجعله تحت أقدام المؤمنين ، وتبايع به للخلاف والمنافقين ، ويبطل معه الياقوت الأحمر ، وخالص الدر

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 262 › ( 1 ) راجع بحار الأنوار : 38 / 78 ح 1 و : 39 / 227 ح 1 . ( 3 ) بحار الأنوار : 32 / 304 ح 268 و : 37 / 113 ح 6 . ( 3 ) في البحار : قل : إن شاء الله أو علي . ‹ هامش ص 263 › ( 1 ) كذا والظاهر رتاجها . ( 2 ) في الأصل أفردوس .

والجوهر ، ألا وإن ذلك من أبين العلامات ، حتى إذا انتهى ذلك صدق ضياؤه ، وسطع بهاؤه ، وظهر ما تريدون ، وبلغتم ما تحبون ، ألا وكم إلى ذلك من عجائب جمة ، وأمور ملمة ، يا أشباه الأعثام ، وبهام الأنعام ، كيف تكونون إذا دهمتكم رايات لبني كنام مع عثمان بن عنبسة من عراص الشام يريد بها أبويه ، ويزوج بها أمية ، هيهات أن يرى الحق أموي أم ‹ صفحة 267 › عدوي . ثم بكى صلوات الله عليه ، وقال : واها للأمم ، أما شاهدت رايات بني عتبة مع بني كنام السائرين أثلاثا ، المرتكبين جبلا جبلا مع خوف شديد ، وبؤس عتيد ، ألا وهو الوقت الذي وعدتم به ، لأحملنهم على نجائب ، تحفهم مراكب الأفلاك ، كأني بالمنافقين يقولون نص علي على نفسه بالربانية ، ألا فاشهدوا شهادة سألكم بها عند الحاجة إليها ، إن عليا نور مخلوق ، وعبد مرزوق ، ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين . ثم نزل وهو يقول : تحصنت بذي الملك والملكوت ، واعتصمت بذي العزة والجبروت ، وامتنعت بذي القدرة والملكوت ، من كل ما أخاف وأحذر ، أيها الناس ما ذكر أحدكم هذه الكلمات عند نازلة أو شدة إلا وأزاحها الله عنه . فقال له جابر : وحدها يا أمير المؤمنين ، فقال : نعم وأضيف إليها الثلاثة عشر اسما ، وضمني ، ثم ركب ومضى ( 1 ) . ‹ صفحة 269 ›

فصل ( أثار علي بالكون )

ومن خطبة له عليه السلام قال : أنا عندي مفاتيح الغيب ، لا يعلمها بعد رسول الله إلا أنا ، أنا ذو القرنين المذكور في الصحف الأولى ، أنا صاحب خاتم سليمان ، أنا ولي الحساب ، أنا صاحب الصراط والموقف ، قاسم الجنة والنار بأمر ربي ، أنا آدم الأول ، أنا نوح الأول ، أنا آية الجبار ، أنا حقيقة الأسرار ، أنا مورق الأشجار ، أنا مونع الثمار ، أنا مفجر العيون ، أنا مجري الأنهار ، أنا خازن العلم ، أنا طود الحلم ، أنا أمير المؤمنين ، أنا عين اليقين ، أنا حجة الله في السماوات والأرض ، أنا الراجفة ، أنا الصاعقة ، أنا الصيحة بالحق ، أنا الساعة لمن كذب بها ، أنا ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه ، أنا الأسماء الحسنى التي أمر أن يدعى بها ، أنا ذلك النور الذي اقتبس منه الهدى ، أنا صاحب الصور ، أنا مخرج من في القبور ، أنا صاحب يوم النشور ، أنا صاحب نوح ومنجيه ، أنا صاحب أيوب المبتلى وشافيه ، أنا أقمت السماوات بأمر ربي ، أنا صاحب إبراهيم ، أنا سر الكليم . أنا الناظر في الملكوت ، أنا أمر الحي الذي لا يموت ، أنا ولي الحق على سائر الخلق ، أنا الذي لا يبدل القول لدي ، وحساب الخلق إلي ، أنا المفوض إلي أمر الخلائق ، أنا خليفة الإله الخالق ، أنا سر الله في بلاده ، وحجته على عباده ، أنا أمر الله والروح ، كما قال سبحانه : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ( 1 ) . أنا أرسيت الجبال الشامخات ، وفجرت العيون الجاريات ، أنا غارس الأشجار ، ومخرج الألوان والثمار ، أنا مقدر الأقوات ، أنا ( 2 ) ناشر الأموات ، أنا منزل القطر ، أنا منور الشمس والقمر والنجوم ، أنا قيم القيامة ، أنا القيم الساعة ، أنا الواجب له من الله الطاعة ، أنا سر الله المخزون ، أنا العالم بما كان وما يكون ، أنا صلوات المؤمنين وصيامهم ، أنا مولاهم وإمامهم ، أنا صاحب النشر الأول والآخر ، أنا صاحب المناقب والمفاخر ، أنا صاحب الكواكب ، أنا عذاب الله الواصب ، أنا مهلك الجبابرة الأول ، أنا مزيل الدول ، أنا صاحب الزلازل والرجف ، أنا صاحب ‹ صفحة 270 › الكسوف والخسوف ، أنا مدمر الفراعنة بسيفي هذا ، أنا الذي أقامني الله في الأظلة ودعاهم إلى طاعتي ، فلما ظهرت أنكروا ، فقال الله سبحانه : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) ، أنا نور الأنوار ، أنا حامل العرش مع الأبرار ، أنا صاحب الكتب السالفة ، أنا باب الله الذي لا يفتح لمن كذب به ولا يذوق الجنة ، أنا الذي تزدحم الملائكة على فراشي ، وتعرفني عباد أقاليم الدنيا ، أنا ردت لي الشمس مرتين ، وسلمت علي كرتين ، وصليت مع رسول الله القبلتين ، وبايعت البيعتين ، أنا صاحب بدر وحنين ، أنا الطور ، أنا الكتاب المسطور ، أنا البحر المسجور ، أنا البيت المعمور ، أنا الذي دعا الله الخلائق إلى طاعتي ، فكفرت ، وأصرت ، فمسخت ، وأجابت أمة فنجت ، وأزلفت ، أنا الذي بيدي مفاتيح الجنان ، ومقاليد النيران ، كرامة من الله ، أنا مع رسول الله في الأرض وفي السماء ، أنا المسيح حيث لا روح يتحرك ولا نفس يتنفس غيري ، أنا صاحب القرون الأولى ، أنا الصامت ومحمد الناطق ، أنا جاوزت بموسى في البحر ، وأغرقت فرعون وجنوده ، وأنا أعلم هماهم البهائم ، ومنطق الطير ، أنا الذي أجوز السماوات السبع والأرضين السبع في طرفة عين ، أنا المتكلم على لسان عيسى في المهد ، أنا الذي يصلي عيسى خلفي ، أنا الذي أنقلب في الصور كيف شاء الله ، أنا مصباح الهدى ، أنا مفتاح التقى ، أنا الآخرة والأولى ، أنا الذي أرى أعمال العباد ، أنا خازن السماوات والأرض بأمر رب العالمين ، أنا القائم بالقسط ، أنا ديان الدين ، أنا الذي لا تقبل الأعمال إلا بولايتي ، ولا تنفع الحسنات إلا بحبي ، أنا العالم بمدار الفلك الدوار ، أنا صاحب مكيال وقطرات الأمطار ، ورمل القفار بإذن الملك الجبار ، ألا أنا الذي أقتل مرتين وأحيى مرتين وأظهر كيف شئت ، أنا محصي الخلائق وإن كثروا ، أنا محاسبهم بأمر ربي ، أنا الذي عندي ألف كتاب من كتب الأنبياء ، أنا الذي جحد ولايتي ألف أمة فمسخوا ، أنا المذكور في سالف الأزمان والخارج في آخر الزمان ، أنا قاصم الجبارين في الغابرين ، ومخرجهم ومعذبهم في الآخرين ، يغوث ويعوق ونسرا عذابا شديدا ، أنا المتكلم بكل لسان ، أنا الشاهد لأعمال الخلائق في المشارق والمغارب . أنا صهر محمد ، أنا المعنى الذي لا يقع عليه اسم ولا شبه ، أنا باب حطة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ( 1 ) . ‹ صفحة 271 ›

فصل ( كلام الإمام إمام الكلام )

قال الصادق عليه السلام : الآيات السبع التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام هي أسماء الأئمة من ذرية الحسين عليه السلام وإن هذا الأمر يصير إلى من تلوى إليه أعنة الخيل من الآفاق ، وهو المظهر على الدين كله ومالك قافاتها وكافاتها ودالاتها ، وهو المهدي عليه السلام . قال : وشرح ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام على الاختصار قال : ( أنا دحوت أرضها ) معناه أنه وعترته تسكن الأرض ، وقوله : ( أنا أرسيت جبالها ) معناه إنه وعترته الأمان من الغرق وأنهم الجبال الرواسي ، وقوله : ( أنا فجرت عيونها ) لأن الأئمة من عترته هم ينابيع العلم والحكم ، وقوله : أينعت ثمارها إشارة إلى عترته ، وقوله : أنا غرست أشجارها إشارة إلى أن الأئمة من عترته هم شجرة طوبى وسدرة المنتهى ، وقوله : ( أنا أنشأ سحابها ) إشارة إلى عترته ، لأنهم الغيث الهامل ، وقوله : أنا أسمعت وعدها معناه أنا أنبت العلم ، وقوله : ( أنا نورت برقها ) لأن عترته نور العباد والبلاد ، وقوله : أنا البحر الزاخر معناه بالعلم ، وقوله : ( أنا شيدت أطوارها ) معناه شيدت الدين ، وقوله : أنا قتلت مردة الشياطين يعني أهل الشام ، وقوله : ( أنا أشرقت قمرها ) وشمسها وأجريت فلكها ، المراد الأئمة فهم الشموس والأقمار وسفن النجاة ، وقوله : ( أنا جنب الله ) يعني حق الله وعلم الله ، وقوله : أنا دابة الأرض ، معناه أفرق بين الحق والباطل ، وقوله : و ( على يدي تقوم الساعة ) إشارة إلى المهدي عليه السلام يحكم جحد ولايتي هلك . ومن أقر بها نجا . قال : وإنما فسر الإمام منها على مقدار عقل السائل ( 1 ) .

فصل ( أثر اسم علي )

ومن ذلك ما رواه صاحب عيون الأخبار قال : إن أمير المؤمنين عليه السلام مر في طريق فسايره خيبري فمر بواد قد سال فركب الخيبري مرطه وعبر على الماء ثم نادى أمير المؤمنين عليه السلام : يا هذا لو عرفت ‹ صفحة 272 › كما عرفت لجريت كما جريت ، فقال له أمير المؤمنين : مكانك ، ثم أومأ إلى الماء فجمد ومر عليه . فلما رأى الخيبري ذاك أكب على قدميه وقال : يا فتى ما قلت حتى حولت الماء حجرا ؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : فما قلت أنت حتى عبرت على الماء ؟ فقال الخيبري : أنا دعوت الله باسمه الأعظم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام وما هو ؟ قال : سألته باسم وصي محمد ، فقال أمير المؤمنين : أنا وصي محمد ، فقال الخيبري : إنه الحق . ثم أسلم . ( 1 ) ومن ذلك ما رواه عمار بن ياسر قال : أتيت مولاي يوما فرأى في وجهي كآبة فقال : ما بك ؟ فقلت : دين أتى مطالب به ، فأشار إلى حجر ملقى وقال : خذ هذا فاقض منه دينك ، فقال عمار : إنه الحجر ، فقال له أمير المؤمنين : ادع الله بي يحوله لك ذهبا . فقال عمار : فدعوت باسمه فصار الحجر ذهبا فقال لي : خذ منه حاجتك ، فقلت : وكيف تلين ؟ فقال : يا ضعيف اليقين ادع الله بي حتى تلين فإن باسمي ألان الله الحديد لداود عليه السلام ، قال عمار : فدعوت الله باسمه فلأن فأخذت منه حاجتي ، ثم قال : ادع الله باسمي حتى يصير باقيه حجرا كما كان ( 2 ) .

فصل لعلك أيها الشاك في دينه ، المرتاب في يقينه ، تقول : كيف صار الحجر ذهبا ؟ أما عرفت أن القدرة في يد القادر ، والمراد من الأشياء غاياتها وغاية الحجر أن يصير ذهبا ، وإنما يطلب الأمر الأعظم بالأعظم والعظيم من العظيم يرجى ، وغاية الغايات ونهاية النهايات ، وأعظم الأسماء وأقربها إلى حضرة الألوهية محمد وعلي ، والولاية مبتدأ النبوة ونهايتها وبها تكمل أيام دولتها ، وإليه الإشارة بقوله : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ) ( 3 ) ، لأنه لما اتخذه نبيا لم يطلب ذاك لذريته ، ولما ألبسه خلعة الحلة ورفعه إلى رتبة الرسالة لم يطلب ذاك لذريته لعله ينسخ الشرائع وتغيرها ، فلما قال له ( إني جاعلك للناس إماما ) طلب ذاك لذريته ، لأن الإمامة لم ينلها نسخ فهي غاية الغايات لأنها ختم الدين ونقطة اليقين ، فهي سر السرائر ونور النور والاسم الأعظم ، فالدعاء

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 267 › ( 1 ) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام : 3 / 27 . ‹ هامش ص 269 › ( 1 ) الإسراء : 85 . ( 2 ) في الأثر : عبدي أطعني تكن مصلي تقول للشئ كن فيكون ، وفيه أيضا : عبدي أطعني أجعيلك مثلي أنا حي لا أموت أجعلك حيا لا تموت الخ : راجع البحار : . ‹ هامش ص 270 › ( ) بحار الأنوار : 39 / 347 ح 20 . ‹ هامش ص 271 › ( 1 ) راجع ما ذكره المجلسي عن الإمام الباقر في تفسيرها : 39 / 350 . ‹ هامش ص 272 › ( 1 ) مدينة المعاجز : 1 / 430 . ( 2 ) مدينة المعاجز : 1 / 431 . ( 3 ) البقرة : 124 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
باسم علي يحول التراب تبرا والأحجار جوهرا ودرا ، والظلمة نورا ، وتجعل في الشجر اليابس ثمرا ، ويعيد الأعمى بصيرا . ‹ صفحة 273 ›

فصل ( فضائل لآل محمد )

اعلم أن إسرافيل عليه السلام لقنه الله كلمة بها ينفخ في الصور فيصعق أهل السماوات والأرض ، وهي الاسم الذي قامت به السماوات والأرض ، ثم يناديهم بها فيقوم بها الأموات ويحيي الرفات ويجمع الشتات من العظام الدارسات وتعود بادرة كما ناداها الجبار في الأزل فأجابت بالكلمات التامة التي لها التفريق والجمع والموت والحياة ، وهي رموز مستورة في القرآن : أما عرفت أن الله برئ عن الصورة المثلى وأنه الحي الكريم المتعال وأن باسمه وقدرته وأمره يوجد الأشياء ويعدمها إذا شاء ، وأنه ليس هناك جوارح تفعل ولا حركات ولكنها رموز مبهمات وكلمات تامات ، وإليه الإشارة بقوله : ( خمرت طينة آدم بيدي ) ( 1 ) أي بقدرتي ، ومثله : ( أن الله خلق آدم على صورته ) ( 2 ) أي على الصورة التي كان عليها من الطين لم ينتقل من العلقة إلى المضغة ، بل يقول : كن فيكون ، فلو اطلعت على السر المصون في قوله كن فيكون لعرفت ما بين القلم والنون . روي عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه استدعى يوما ماء وعنده أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فشرب النبي صلى الله عليه وآله ثم ناوله الحسن فشرب ، فقال له النبي : هنيئا مريئا يا أبا محمد ، ثم ناوله الحسين ، فقال له النبي : هنيئا مريئا يا أبا عبد الله ، ثم ناوله الزهراء فشربت ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله : هنيئا مريئا يا أم الأبرار الطاهرين ، ثم ناوله عليا فلما شرب سجد النبي صلى الله عليه وآله فلما رفع رأسه قال له بعض أزواجه : يا رسول الله شربت ثم ناولت الماء للحسن ، فلما شرب قلت له هنيئا مريئا ، ثم ناولته الحسين فشرب فقلت له كذلك ، ثم ناولته فاطمة فلما شربت قلت لها ما قلت للحسن وللحسين ثم ناولته عليا فلما شرب سجدت فما ذاك ؟ فقال لها : إني لما شربت الماء قال لي جبرائيل والملائكة معه هنيئا مريئا يا رسول الله ، ولما شرب الحسن قالوا له كذلك ولما شرب الحسين وفاطمة قال جبرائيل والملائكة : هنيئا فقلت كما قالوا ، ولما شرب أمير المؤمنين عليه السلام قال الله له : هنيئا مريئا يا وليي وحجتي على خلقي ، فسجدت لله شكرا على ما أنعم علي في أهل بيتي ( 3 ) . ‹ صفحة 274 › فلما وقر هذا في سمعه ووعاه لم يحمله عقله ، وقال : يقول الله لعلي هنيئا مريئا ؟ . أما سمعت ما صرح به القرآن من كلام الرحمن ( فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) ( 1 ) ، وإذا قال الله لعامة خلقه هنيئا مريئا فكيف تستعظم قوله لوليه وعليه هنيئا مريئا ؟ ثم قلت له : أنت في اعتقادك في ولي معادك كمنافق مر في طريق فوافقه مؤمن فذكر عليا فقال المؤمن : صلى الله عليه ، فغلظ ذاك المنافق وقال : لا يجوز الصلاة إلا على النبي ، فقال له المؤمن : فما تقول في قوله سبحانه ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ) ( 2 ) فهذه الصلاة على من ؟ قال : على أمة محمد ، فقال المؤمن : فكيف يجوز الصلاة على أمة محمد ولا يجوز الصلاة على آل محمد ؟ فبهت الذي كفر . فانظر أيها المؤمن كيف يستعظم المنافق سجود النبي عند تعظيم الله لعلي ، وإليه أشار القرآن بقوله ( فما لهم لا يؤمنون ) يعني بعلي ( وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ) ( 3 ) والألف واللام في الذكر هنا للتخصيص ، ومعناه أن كل آية تتضمن اسم محمد وعلي ظاهرا أو باطنا فإنها أعظم ما في القرآن ذكرا ، وإذا سجد هناك كان سجوده لله شكرا إذ عرفه أعظم الآيات ذكرا وأعلاها عنده قدرا . ‹ صفحة 275 ›

فصل ( الصلاة على آل محمد عليهم السلام وأثرها )

وأما الصلاة فإن الله قد صلى على المؤمنين عامة ، وخص أمير المؤمنين عليه السلام وحده بصلوات فقال : ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ) ( 1 ) ، وتفسير هذا الفضل العظيم ، والمقام الكريم ، ما رواه ابن عباس أن حمزة حين قتل يوم أحد وعرف بقتله أمير المؤمنين عليه السلام فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فنزلت ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ) ( 2 ) فكان هذا المقام لعلي عليه السلام .

فصل يؤيد هذا قوله سبحانه : ( ورفعنا لك ذكرك ) ( 3 ) ، قال المفسرون : معناه تذكر إذا ذكرت ، وإذا وجب ذكر النبي وجب ذكر الله ، لما ورد عنه أن الصلاة عليه لا تقبل إلا بذكر الله ، فالصلاة على محمد وآل محمد لازمة لذكر الله ، وذكر الله واجب ولازم واللازم واجب ولازم ، فالصلاة على محمد وآله واجبة على كل حال بينة ، وإشارة ذكر محمد وآله ذكر الله لأن معرفة الله وذكره بغير معرفتهم وذكرهم لا تنفع بل هو عقاب ووبال ، لأن المشروط لا يتم ولا يقبل إلا بشرطه ، كالصلاة بغير وضوء ، فالوضوء شرطها فهي بغير شرطها لا تنفع ولا ترفع ، بل هي استهزاء ووبال ، وكذا الذاكر لله مع إنكاره لمحمد وآله فإنه غير ذاكر فهو ملعون على كل حال . دليله ما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : لما خلق الله العرش خلق سبعين ألف ملك ، وقال لهم : طوفوا بعرش النور وسبحوني واحملوا عرشي ، فطافوا وسبحوا وأرادوا أن يحملوا العرش فما قدروا ، فقال الله لهم : طوفوا بعرش النور وصلوا على نور جلالي محمد حبيبي واحملوا عرشي ، فطافوا بعرش الجلال وصلوا على محمد وحملوا العرش فأطاقوا حمله ، فقالوا : ربنا أمرتنا بتسبيحك وتقديسك ثم أمرتنا أن نصلي على نور جلالك محمد فتنقص من تسبيحك وتقديسك ، فقال الله لهم : يا ملائكتي إذا ‹ صفحة 276 › صليتم على حبيبي محمد فقد سبحتموني وقدستموني وهللتموني ( 1 ) . يؤيد هذا الحديث ما رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ولم يبق رطب ، ولا يابس إلا وصلى على ذلك العبد لصلاة الله عليه ( 2 ) . فما لك أيها الهائم مع البهائم كلما أبصرتك زاد عماك ؟ وكلما بشرتك زادت عماك ؟ وما لي أراك كالبوم يرى الليل نهارا لضعف بصره ؟ فهلا كنت كالهدهد يرى الماء من تحت الصخرة لقوة نظره ، فلو كنت هدهدا اهتديت .

فصل ومن العجب أنهم يسمون عليا مجهول القدر ، وهو تحت مرتبة النبي لأنه نائبه وابن عمه ووزيره وزوج ابنته ، لاختلاف العقول في عظمته . فقوم جحدوه وقوم عبدوه وقوم تبعوه ، وكلهم ما عرفوه لأن الذين عبدوه كفروا بعبادته ، لأن المعبود واجب الوجود هو الله خالق الخلق ولا إله إلا هو ، والذين جحدوه أيضا ما عرفوه وكفروا بجحوده ، وكيف يجحدون مولاهم ومعناهم ونهج هداهم ؟ والذين تبعوه أيضا ما عرفوه إذ لو عرفوه ما ارتابوا في فضله وأنكروه وأنزلوه عن رفيع قدره وصغروه ، فهم في معرفته كسائر إلى مرام فخبته الظلام فرأى ضياء قد لاح فيممه فما أدركه حتى طلع الصباح ، فهو السر الخفي الذي حارت في وصفه العقول مما يقول : ماذا أقول وقد جلت مناقبه * عن الصفات وأضحى دونه الشرف هذا الذي جاز عن حد القياس علا * فتاهت الناس في معناه واختلفوا غال وتال وقال عنده وقفوا * وكلهم وصفوا وصفا وما عرفوا أو كما قيل : هذا هو السر والمعنى الخفي ومن * لولاه ما كانت الدنيا ولا الفلك ولا تكون هذا الكون من عدم * إلى الوجود وهذا المالك الملك هذا الذي ظهرت آياته عجبا * للناس حتى لديه يسجد الملك ‹ صفحة 277 ›

فصل وانظر إلى العارفين بعلي عليه السلام كيف وصفوه في حين أعداؤه قد وصفوه بأوصاف لو وصفه اليوم بها أحد من عارفيه بين أوليائه ومحبيه لكفروه ، ومحقوه ، وقتلوه ، فمن ذلك قول أبي عبد الله بن الحجاج : لو شئت مسخهم في دارهم مسخوا * أو شئت قلت لها يا أرض انخسفي وإن أسماءك الحسنى إذا تليت * على مريض شفي من سقمه وكفي ( 1 ) ومن ذاك قول الصاحب بن عباد : إذا أنعمت روحي فمنك نعيمها * وإن شقيت يوما فأنت رحيمها بأسمائك الحسنى أروح مهجتي * إذا فاض من قدس الجلال نسيمها ( 2 ) ومن ذلك قول ابن الفارض المغربي : ولو رسم الراقي حروف اسمها على * جبين مصاب جن أبرأه الرسم وفوق لواء الجيش لو رقم اسمها * لأسكر من تحت اللوا ذلك الرقم ( 3 ) فانظر إليهم فلا لحروف الاسم يعرفون ، ولا للاسم يدركون ، ولا بما قال شاعرهم يشعرون ، ولمن أتاه الله من فضله يحسدون ، وله لذاك يمقتون ويكفرون ، قاتلهم الله أنهم يؤفكون ، ولم لادعى الناس ابن الحجاج بقوله وابن عباد كافرا ومغاليا إذ جعلا القدرة المطلقة والتصرف وتفويض الأمور إلى علي فهو كفعل الله لكنه بقدرة الله وكرامة الله له ، ولو أن عارفا قال اليوم عند بعض أهل الدعوى ، يا علي بحق قدرتك وأمرك النافد في الأسماء وأسمائك الحسنى وتفويض الأمور إليك ، خذ بيدي لكان السامع لهذا القول منه أعظم شئ عنده ثوابا قتله وتكفيره ، فيا لله من أهل الدعوى الذين لم تنجل عليهم بوارق المعنى . ‹ صفحة 279 ›

فصل ( سبب إخفاء النبي صلى الله عليه وآله للعلم الرباني )

في تأويل قول النبي صلى الله عليه وآله : ( لا أعلم ما وراء هذا الجدار إلا ما علمني ربي ) ( 1 ) ، وقول علي : ( لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ) ( 2 ) ، وقوله : ( سلوني عن طرق السماوات ( 3 ) ، سلوني عما دون العرش ) ( 4 ) ، ( 5 ) . ‹ صفحة 280 › هذا لفظه الظاهر يوهم تفضيل الولي على النبي عليهما السلام ، والعقل العكسه لأن رتبة الولي وإن علت فهي تحت رتبة النبي ، وإن تطاولت ، وذلك لأن سر الأولين والآخرين أودع في النبي ، ثم أحصر في الإمام الولي ، فمنه فاض إليه وبه دل عليه ، وسائر الأسرار إلى الوجود منهما وعنهما وهما من الله وعنه ، فما من غيب وصل إلى النبي بالوحي والخطاب الإلهي إلا وقد وصل إلى الولي ظاهره وباطنه ، فالنبي إليه الإنذار والتنزيل ، والولي إليه الإهداء والتأويل . . وإليه الإشارة بقوله : ( إنما أنت منذر ) يا محمد ( ولكل قوم هاد ) ( 1 ) وهو علي . فالنبي أمر أن ينطق من الغيب بعلم الظاهر عند الإذن من

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 272 › ( 1 ) مدينة المعاجز : 1 / 430 . ( 2 ) مدينة المعاجز : 1 / 431 . ( 3 ) البقرة : 124 . ‹ هامش ص 273 › ( 1 ) عوالي اللئالي : 4 / 98 . ( 2 ) الكافي : 1 / 134 . ‹ هامش ص 274 › ( 1 ) النساء : 4 . ( 2 ) الأحزاب : 43 . ( 3 ) الانشقاق : 21 . ‹ هامش ص 275 › ( 1 ) البقرة : 157 . ( 2 ) البقرة : 157 . ( 3 ) الشرح : 4 . ‹ هامش ص 276 › ( 1 ) بحار الأنوار : 27 / 258 ح 8 . ( 2 ) بحار الأنوار : 27 / 259 ح 9 . ‹ هامش ص 277 › ( 1 ) الغدير : 4 / 89 و 12 / 90 . ‹ هامش ص 279 › ( 1 ) تقدم الحديث . ( 2 ) لعله تقدم ، وراجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 7 / 253 الخطبة 113 والأنوار النعمانية : 1 / 26 ، والبحار : 40 / 153 ، وكشف الغمة ، 1 / 170 . ( 3 ) نهك البلاغة : 280 الخطبة 189 . ( 4 ) وفي حديث : سلوني عن علم لا يعرفه جبرائيل . نزهة المجالس : 2 / 129 . ( 5 ) قد وردت روايات عن آل محمد ص تنص على إخفاء العلوم الصعبة نحو ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام ( والله لو أن على أفواههم أوكية لأخبرت كل رجل منهم ما لا يستوحش إلى شئ ، ولكن فيكم الإذاعة ه والله بالغ أمره ) ( بحار الأنوار : 26 / 141 ح 13 باب أنه لا يحجب عنهم شئ ) وعن الإمام الباقر عليه السلام ( لو كان لألسنتكم أوعية لحدثت كل امرء بما له وعليه ) ( بحار الأنوار : 26 / 149 ح 34 باب أنه لا يحجب عنهم شئ ) وقال الإمام زين العابدين عليه السلام إني لأكتم من علمني جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسين ووصي قبيه الحسنا يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحيل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا ( الأصول الأصلية : 167 ، وغرر البهاء الضوي : 318 ومشارق أنوار اليقين : 17 ، وجامع الأسرار : 35 ح 66 ) . وتقدم من المصنف قول الإمام الصادق : ( هيهات ، والله لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عني وأنت تقول إن جعفر لن محمد كاذب في قوله أو مجنون ) وقال عليه السلام : ( إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ( الأصول الأصلية : 169 ) . وقال عليه السلام : ( لا تذيعوا سرنا ولا تحدثوا به عند غير أهله فإن المذيع سرنا أشد علينا من عدونا ) ( الخرايج والجرايح : 267 باب 7 ) . وقد بين الإمام العسكري عليه السلام علة عدم إخبار بالأمور الغيبية بقوله لموسى الجوهري ( ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب ، فنخرج ما علمنا منه إليكم ، فيسمعه من لا يطيقه استماعه فيكفر ) ( الهداية الكبرى : 334 باب 13 ) . والظروف التي كان يعيشها النبي صلى الله عليه وآله والقليل من الأئمة كانت مختلفة فرسول الله صلى الله عليه وآله كان في بداية الدعوة الإسلامية وقريب عهد بالجاهلية . وإذا أردنا أن نبرم هذا الكلام فلا بأس بنقل كلام لسماحة الشيخ محمد الحسين المظفر يصلح أن يكون جوابا عن هذا المطلب : قال بعد أن ذكر توقف الرسالة على علم النبي صلى الله عليه وآله بكل الأشياء : فعلم الرسول بالعالم وإحاطته بما يحدث فيه وقدرته على تعميم الإصلاح للداني والقاصي والحاضر والباد ، من أسس تلك الرسالة العامة وقاعدة لزومية لتطبيق تلك الشريعة الشاملة . غير أن الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة صلى الله عليه وآله أن يظهر للأمة تلك القوى القدسية والعلم الرباني الفياض . وكيف يعلن بتلك المواهب والإسلام غض جديد ، والناس لم تتعرف تعاليم الإسلام الفرعية بعد ؟ ! فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمى وتطمئن إلى الإيمان بذلك العلم . بل ولم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الإيمان الراسخ ، وما خضع البعض منهم للسلطة النبوية إلا بعد اللتيا والتي وبعد الترهيب والترغيب ) ( علم الإمام : 9 - 10 ) . نعم فقد أفصح النبي صلى الله عليه وآله لخاصة أصحابه عن كنه حقيقته وحقيقة علمه ليس هنا محل ذكرها . ‹ هامش ص 280 › ( 1 ) الرعد : 7 . ( 2 ) طه : 114 . ( 3 ) بحار الأنوار : 22 / 462 ح 13 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الله لأنه صاحب الشرع . . وإليه الإشارة بقوله : ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه ) ( 2 ) فالنبي أوتي من الله العلم الظاهر والباطن ، وأمر أن ينطق بنطق منه بالظاهر لا غير لئلا يتهموه بالكهانة والسحر وقد اتهم ، والولي أمر عن الله وعن رسوله أن ينطق بالظاهر والباطن . . وإليه الإشارة بقوله : علمني رسول الله ألف باب من العلم ففتح الله لي من كل باب ألف باب ( 3 ) . وهذا إشارة إلى علم الظاهر والباطن ، فمثال النبي والولي في علم الظاهر والباطن كمثل ملك ‹ صفحة 281 › اختار من عبيده عبدين فجعل أحدهما له سفيرا والآخر نائبا ووزيرا ، وخزن عندهما علم المملكة وولاهما حكمها ، ثم أمر الملك سفيره أن لا يحكم بما وصل إليه وفوض إليه إلا بالظاهر من حكم الأديان لئلا يتهمه أهل المملكة بالأخذ عن الكهان ، وأمره أن يوصل علم الظاهر والباطن إلى النائب الذي هو الوزير ، وجعل له الحكم المطلق وذلك لأن حكم الملك والسلطان قد وصلا إليه على الإطلاق ، فهو مطلق العنان فيهما ، فعلم أن قوله ( لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ) له معنيان ، الأول أنه أعلى الموجودات لأنه قسيم النور الواحد الفائض عن الأحد فما فوقه إلا ذات رب البريات ، وسائر العوالم تحته من المخلوقات ، وكيف يخفي الأدنى على ما هو منه ؟ إلا علي فمعناه لو كشف الغطاء وهو الحجاب عن هذا الجسد الترابي أو الغطاء من الجسم الفلكي ما ازددت يقينا على ما علمته في العالم النوراني من قبل خلق العرش والكرسي . وأما معناه الثاني فهو سر بديع فهو يقول عليه السلام : ( من عرفني من شيعتي بسرائر معرفتي ) ، ( 1 ) وإنني اسم الله العظيم ووجهه الكريم وحجابه في هذا الهيكل الترابي والعالم البشري ، وإنني في الجسد المركب آية الله وكلمته في خلقه فإنه غدا إذا رآني لا يزداد في معرفتي يقينا لأنه لم يرتب في من وراء الحجاب ، فكيف يرتاب عند كشف الحجاب ؟ وبيان هذا أن المخاطب بالقرآن النبي صلى الله عليه وآله والمراد به الأمة كذلك الولي هو الناطق والمراد به عارفيه لأن الأمة مضافة إلى النبيين ، والتابعين مضافين إلى الولي ، وإليه الإشارة بقوله سبحانه حكاية عن مؤمن آل فرعون : ( وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون فهو المتكلم والمراد به قومه لأنهم مضافين إليه ، فقوله ما ازددت يقينا تكلم عليه السلام بلسان عارفيه من أوليائه أنهم لا تتخالجهم الشكوك فيه فهم كالتبر المسبوك ، والنضار المحكوك ، في حبه ومعرفته لا يزدادون في علي الحك والسبك إلا خلاصا ورفعة ، فمن عرف مولى الأنام وولي يوم القيامة بهذا المقام ، وجب عليه هجر الأنام وحبس الكلام ، عن اللثام والعوام ، لأن العارف بهذا المقام إن قال لا يصدق وإن قيل له لا يستمع ، فحظه في العزلة وسلامته في الوحدة ، لأن من عرف الله كل لسانه . ‹ صفحة 282 ›

فصل ( علي عليه يوم الدين )

ولما وعى سمع الدهر ما صحت قواعده ووضحت شواهده ، ولاح نوره وابتسمت ثغوره ، مما وقر في الأذان والأذهان ، وأن عليا مالك يوم الدين وحاكم يوم الدين وولي يوم الدين ، وأنه قد جاء في الأحاديث القدسية أن الله يقول : عبدي خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي ، وهبتك الدنيا بالإحسان والآخرة بالإيمان . وإذا كانت الأشياء بأسرها خلقت لكل إنسان فما ظنك بإنسان الإنسان ومن لأجله خلق الإنسان ، وبه كان الكون والمكان ، وذلك أن كل ما هو لله مما خلق ومما أوحي فهو لمحمد ، وما هو لمحمد من الفضل والمقام والشرف والاحتشام فهو لعلي إلا المستثنى ، والدنيا والآخرة وما في الدنيا والآخرة لمحمد وعلي ، فالقيامة بأسرها لمحمد وعلي . فللنبي منها حكم الظاهر وهو مقام الكرامة ، كما قال : أنا زين القيامة والشهادة على الخلائق ، وإليه الإشارة بقوله : ( وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) ( 1 ) والشفاعة لأهل البوائق ، وإليه الإشارة بقوله : ( أعددت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ) ( 2 ) . وللولي حكم الباطن وهو وقوفه على النار ، وقوله : ( هذا لك ( وهذا لي ( 3 ) ، خذي هذا وذري هذا ) . فيوم القيامة ليس إلا شفيع وحاكم وشافع وقاسم ، فالإله هو الله والمل المرفوع في القيامة محمد والحاكم المتصرف عن أمر الملك والمالك هو علي ، لأنه وال هناك عن أمر الله وأمر محمد . فملك يوم الدين وحكم يوم الدين ، والتصرف في ذلك اليوم مسلم إلى خير الوصيين وأمير المؤمنين ، رغما على كيد المنافقين وغيظ المكذبين ، فعند ذلك أقل الناس إلي يزفون وبعرائس الجهل يزفون ، وبي يتعرضون وعن ودي يعرضون ، وبمقتي يعرضون ولما قلت ينكرون ، وبنعمة الله يكفرون ، ولما صدقته آراؤهم يصدقون ، ولما صعب عليهم علمه ومعرفته يطرحون ، وبه يكذبون وبآيات الله يستهزئون وهم له من طريق آخر يصدقون ويعتقدون ، وبه يتعبدون ولا يشعرون ، كلا سوف يعلمون ، ثم كلا سوف يعلمون . ‹ صفحة 283 ›

فصل وجاء أهل الشك والريب ومن ليس له حظ من نفحات الغيب ، يجادلون في الله بغير الحق وجعلوا يجذبون ذيل الخلاف والاختلاف بيد الانحراف والاقتراب ، ويرمقوني بأطراف الأطراف ويدعوني غالبا إذ أصبحت بما اصطبحت عاليا ( 1 ) ناظر تصحيفهم العالي بالغالي ، ومن تصحيف عليه نقط الخط وقاك الله من الخلط ( 2 ) وهو كما قيل : إذا لم تكن للمرء عين سليمة * فلا غرو ( 3 ) أن يرتاب والصبح مسفر فقلت لهم : يا معشر الأخوان من أهل الولاء والإيمان ، وزبدة الأخيار ، لا تسبقوا إلى التكذيب والإنكار ، وانظروا في سرائر الأخبار ، فرب غريبة هي أقرب من قريبة ، فاعتبروا هذه الكلمة بنظر المصنف وعارضوها بالكتاب والسنة فإن وافقت وإلا اطرحوها ، أليس شاهدها في الكتاب من قوله : ( إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم ) ( 4 ) وقد روى المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام في شرح هذه الآية فإنه قال : سألته من هم ؟ فقال : يا مفضل من ترى هم ؟ نحن والله هم إلينا يرجعون ، وعلينا يعرضون وعندنا يقفون ، وعن حبنا يسألون . ‹ صفحة 284 ›

فصل ( مناقب لأمير الخلق عليه السلام )

ومن ذلك ما رواه البرقي في كتاب الآيات عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : يا علي أنت ديان هذه الأمة والمتولي حسابها ، وأنت ركن الله الأعظم يوم القيامة ، ألا وإن المآب إليك والحساب عليك والصراط صراطك ، والميزان ميزانك والموقف موقفك ( 1 ) . يؤيد هذا ما رواه شريح بإسناده عن نافع عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : يا علي أنت نذير أمتي وأنت هاديها ، وأنت صاحب حوضي وأنت ساقيه ، وأنت يا علي ذو قرنيها وكلا طرفيها ، ولك الآخرة والأولى فأنت يوم القيامة الساقي ، والحسن الذائد والحسين الآمر وعلي بن الحسين الفارض ومحمد بن علي الناشر ، وجعفر بن محمد السائق ، وموسى بن جعفر المحصي للمحب والمنافق ، وعلي بن موسى مرتب المؤمنين ، ومحمد بن علي منزل أهل الجنة منازلهم ، وعلي بن محمد خطيب أهل الجنة ، والحسن بن علي جامعهم حيث يأذن الله لمن يشاء ويرضى ( 2 ) . يؤيد هذا ما رواه أبو حمزة الثمالي في كتاب الأمالي عن جعفر بن محمد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا كان يوم القيامة يؤتى بك على عجلة من نور على رأسك تاج من النور له أربعة أركان على ركن ثلاثة أسطر لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله ، ثم يوضع لك كرسي الكرامة وتعطى مفاتيح الجنة والنار ، ثم يجمع لك الأولون والآخرون في صعيد واحد ، فيأمر بشيعتك إلى الجنة وبأعدائك إلى النار ، فأنت قسيم الجنة والنار ، وأنت في ذلك اليوم أمين الله ( 3 ) . ومن ذاك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له : يا علي إذا كان يوم القيامة جئ بك على نجيب من نور ، وعلى رأسك تاج يكاد نوره يخطف الأبصار ، فيقال لك : أدخل من أحبك الجنة ، ومن أبغضك النار ( 4 ) ‹ صفحة 285 ›

فصل ( إذا شاء آل محمد عليهم السلام شاء الله تعالى )

 ( 1 ) ومن ذلك : ما رواه جابر بن عبد الله عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : يا جابر عليك بالبيان والمعاني ، ‹ صفحة 286 › قال : فقلت : وما البيان والمعاني ؟ فقال عليه السلام : أما البيان فهو أن تعرف أن الله سبحانه ليس كمثله شئ فتعبده ولا تشرك به شيئا ، وأما المعاني فنحن معانيه ونحن جنبه وأمره وحكمه ، وكلمته وعلمه وحقه ، وإذا شئنا شاء الله ، ويريد الله ما نريده ، ونحن المثاني التي أعطى الله نبينا ، ونحن وجه الله الذي ينقلب في الأرض بين أظهركم ، فمن عرفنا فأمامه اليقين ، ومن جهلنا فأمامه سجين ، ولو شئنا خرقنا الأرض وصعدنا السماء ، وإن إلينا إياب هذا الخلق ، ثم إن علينا حسابهم ( 1 ) . ‹ صفحة 287 ›

فصل ( علي صاحب الجنان وقسم الميزان )

ومن ذلك ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : يا علي أنت صاحب الجنان وقسيم الميزان ، ألا وإن مالكا ورضوان يأتيان غدا عن أمر الرحمن فيقولان لي : يا محمد هذه هبة الله إليك فسلمها إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأدفعها إليك . ( 1 ) مفاتيح لا تدفع إلا إلى الحاكم المتصرف . وإليه الإشارة بقوله : أو ما ملكتم مفاتحه ( 2 ) . يؤيد هذا التفسير ما رواه ابن عباس من الحديث القدسي عن الرب العلي أنه يقول : لولا علي ما خلقت جنتي ( 3 ) ، فله جنة النعيم ، وهو المالك لها والقيم ، لأن من خلق الشئ لأجله فهو له وملكه . يؤيد ذلك : ما رواه المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : إذا كان علي يدخل الجنة محبه والنار عدوه فأين مالك ورضوان إذا ؟ فقال : يا مفضل أليس الخلائق كلهم يوم القيامة بأمر محمد ؟ قلت : بلى ، قال : فعلي يوم القيامة قسيم الجنة والنار بأمر محمد ، ومالك ورضوان أمرهما إليه ، خذها يا مفضل فإنها من مكنون العلم ومخزونه ( 4 ) . ومن ذلك ما ورد عن الصادق عليه السلام أنه قال : إذا كان يوم القيامة أمر شيعتنا فما كان عليهم لله فهو لنا ، وما كان لنا فهو لهم ، وما كان للناس فهو علينا ( 5 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 280 › ( 1 ) الرعد : 7 . ( 2 ) طه : 114 . ( 3 ) بحار الأنوار : 22 / 462 ح 13 . ‹ هامش ص 281 › ( 1 ) يس : 22 . ‹ هامش ص 282 › ( 1 ) النساء : 41 . ، خذي هذا ( 3 ) صحيح الترمذي ح 2435 كتاب صفحة القيامة . ( 3 ) تقدم الحديث . ‹ هامش ص 283 › ( 1 ) في الأصل المطبوع أصبحت غاليا . ( 2 ) في الأصل المطبوع فذاك الله عن الخلط . ( 3 ) في الأصل المطبوع فلا ثمر وأن . ( 4 ) الغاشية : 25 - 26 . ‹ هامش ص 284 › ( 1 ) بحار الأنوار عن البرقي في كتاب الآيات : 24 / 272 ح 54 . ( 2 ) مقتل الحسين للخوارزمي : 1 / 94 الفصل السادس ، ومائة منقبة : 48 المنقبة الخامسة والبحار : 36 / 270 . ( 3 ) بحار الأنوار : 7 / 339 ح 30 . ( 4 ) بحار الأنوار : 7 / 232 ح 3 ، ولسان الميزان : 2 / 485 بتفاوت . ‹ هامش ص 285 › ( 1 ) ورد في النصوص الشريفة ( لا يشاؤون إلا ما يشاء الله ) ( نحن إذا شئنا شاء الله وإذا كرهنا كره الله ) . ( فإذا شاء شئنا ) ( بحار الأنوار : 24 / 305 ، و : 26 / 7 باب نادر في معرفتهم ، والهداية الكبرى : 359 ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله تعالى : ( يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ) ( بحار الأنوار : 5 / 49 - 65 - 75 ح 97 - 99 - 104 من كتاب العدل والمعاد ) . وقال الإمام الخميني ( قدس سره ) في الآية : قوة العبد ظهور قوة الحق وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فجميع الذوات والصفات والمشيئات والإرادات والآثار والحركات من شؤون ذاته ، وظل صفة مشيئته وإرادته ، وبروز نوره وتجليه وكل جنوده ، ودرجات قدرته ، والحق حق والخلق خلق ، وهو تعالى ظاهر فيها وهي مرتبة ظهوره : ظهور تو بمن است ووجود من از تو * ولست تظهر لولاي لم أكن لولاك ( شرح دعاء السحر : 114 ) . وقال قدس سره : إن سلسلة الوجود ومنازل الغيب ومراحل الشهود من تجليات قدرته تعالى ودرجات بسط سلطنته ومالكيته ، ولا ظهور لمقدرة إلا مقدرته ، ولا إرادة إلا إرادته ، بل لا وجود إلا وجوده ، فالعالم كما أنه ظل وجوده ومرشحة جوده ، ظل كمال وجوده ( شرح دعاء السحر : 123 - 122 ) . وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( عن الله أروي حديثي أن الله يقول : يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ) ( التوحيد للصدوق : 344 باب 55 ح 3 1 باب المشيئة والإرادة ) . - وعن أمير المؤمنين عليه السلام في خبر طويل جاء فيه : ( يا سلمان ويا جندب : أنا أحيي وأميت بإذن ربي ، وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبوا وأرادوا ، لأنا كلنا واحد أولنا محمد آخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد ، فلا تفرقوا بيننا ، ونحن إذ ا شئنا شاء الله ، وإذا كرهنا كره الله ، الويل كل الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيتنا وما أعطانا الله ربنا لأن من أنكر شيئا مما أعطانا الله فقد أنكر قدرة الله عز وجل ومشيته فينا ) ( بحار الأنوار : 26 / 6 - 7 باب نادر في معرفتهم بالنورانية من كتاب الإمامة ح 1 ) . وقد فصلنا ذلك في كتاب الولاية التكوينية . ‹ هامش ص 286 › ( 1 ) بحار الأنوار : 7 / 202 ح 88 و : 24 / 114 ح 1 و 3 . ‹ هامش ص 287 › ( 1 ) النور : 61 . ( 2 ) تقدم الحديث . ( 3 ) بحار الأنوار : 27 / 313 ح 9 . ( 4 ) بحار الأنوار : 27 / 313 ح 10 . ( 5 ) بحار الأنوار : 27 / 314 ح 11 .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي رواية ابن جميل ( ما كان عليهم لله فهو لنا ، وما كان للناس استوهبناه ، وما كان لنا فنحن أحق من عفا عن محبيه ) ( 6 ) . وفي رواية أن رجلا من المنافقين قال لأبي الحسن الثاني عليه السلام : أن من شيعتكم قوما يشربون ‹ صفحة 288 › الخمر على الطريق ، فقال : الحمد لله الذي جعلهم على الطريق فلا يزوغون عنه ، واعترضه آخر فقال : إن من شيعتك من يشرب النبيذ ، فقد قال : كان أصحاب رسول الله يشربون ، فقال الرجل : ما أعني ماء العسل ؟ وإنما أعني الخمر قال : فعرق وجهه الشريف حياء ثم قال : الله أكرم أن يجمع في قلب المؤمن بين رسيس الخمر وحبنا أهل البيت ثم صبر هنيهة وقال : فإن فعلها المنكوب منهم فإنه يجد ربا رؤوفا ونبيا عطوفا وإماما له على الحوض عروقا وسادة له بالشفاعة وقوفا ، وتجد أنت روحك في برهوت ملهوفا ( 1 ) . فعلم أن حساب شيعتهم إليهم ومعولهم في وزن الأعمال عليهم ، وإليه الإشارة بقوله : ( وإن من شيعته لإبراهيم ) ( 2 ) قال الصادق عليه السلام : إبراهيم من شيعة علي ( 3 ) ، وإن كان الأنبياء من شيعته ، وحساب شيعته فعليه حساب الأنبياء إليه وتعويلهم بالشهادة والتبليغ عليه ، ومفاتيح الجنة والنار بيده والملائكة يومئذ ممتثلين لأمره ونهيه ، بأمر خالقه ومرسله ، وقد روى ابن عباس أن الله يوم القيامة يولي محمدا حساب النبيين ، ويولي عليا حساب الخلائق أجمعين .

فصل ومن ذلك ما رواه محمد بن سنان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : إن الله أباح لمحمد الشفاعة في أمته وإن الشفاعة في شيعتنا وإن لشيعتنا الشفاعة في أهاليهم ( 4 ) ، وإليه الإشارة بقوله : فما لنا من شافعين قال : والله لتشفعن شيعتنا في أهاليهم حتى يقول شيعة أعدائنا ( ولا صديق حميم ) ( 5 ) . ‹ صفحة 289 ›

فصل ( حاجة الخلائق لآل محمد عليهم السلام )

فما للمكذبين بيوم الدين ، لفضل علي ينكرون ، ولحكمه يوم القيامة يجحدون ، وعما نالته أذهانهم يصدقون ، ولما صعب عليهم فهمه يرفضون ، فويل لهم يوم يبعثون ، وعلى صاحب الحوض يعرضون ، وكيف يرجون ؟ إنهم للعذاب ينهلون وهم للعذاب يتعرضون ، ألم يسمعهم الذكر المبين ؟ الذين يكذبون بيوم الدين ( 1 ) يعني ينكرون يوم القيامة وإن صدقوا به ينكرون ، إن عليا واليه وحاكمه ثم قال : وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ( 2 ) ، أي ما يكذب بأن حكم يوم الدين مسلم إلى علي إلا كل معتد أثيم ، معتد بقوله أثيم في اعتقاده ، فيا ويله من حيث الزاد ليوم المعاد ، ألم يعلم أن الخلائق يوم القيامة يحتاجون إلى محمد وآل محمد من وجوه ؟ الأول أنهم لولاهم لما خلقوا فلهم عليهم حق ( 3 ) . الثاني أن علة الوجود أب للموجود فلهم على الناس حق الأبوة ، وإليه الإشارة بقوله : أنا وعلي أبوا هذه الأمة ( 4 ) ، فمحمد وعلي أبوا سائر الخلائق ولولا وجود الأبوين لما كان ولد قط . الثالث أنهم الوسيلة ( 5 ) إلى الله لكل مخلوق من الأزل وإلى الأبد لهم الولاء وبهم الدعاء وإن كل علم ظهر إلى الخلائق فمنهم وعنهم . الرابع أن الأنبياء ينتظرونهم يوم القيامة إذا كذبتهم الأمم حتى يشهدوا لهم بالتبليغ . الخامس أن الخلائق يوم القيامة محتاجون إلى الحوض ليردوه والحوض لهم ( 6 ) . السادس أن الخلائق يوم الفزع الأكبر تزول عقولهم من هول المطلع إلا من أحبهم فإنه آمن من أهوال يوم القيامة ، وإليه الإشارة بقوله : ( لا يحزنهم الفزع الأكبر ) ( 7 ) وهذا خاص لشيعتهم . ‹ صفحة 290 › السابع أن مفاتيح الجنة والنار يوم القيامة في أيديهم ( 1 ) . الثامن أنهم غدا رجال الأعراف فلا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، وإليه الإشارة بقوله : وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ( 2 ) والمراد هنا آل محمد عليهم السلام ( 3 ) . التاسع أن لواء الحمد بأيديهم والأنبياء يستظلون بظله ( 4 ) . العاشر أنه لا يدخل الجنة إلا من كان معه براءة بحبهم . الحادي عشر أن الصراط عليه ملائكة غلاظ شداد عدتهم تسعة عشر ، كما قال الله عز اسمه : عليها تسعة عشر ( 5 ) فلا يجوز أحد منهم إلا من عرف الخمسة الأشباح وذريتهم ( 6 ) ، وأن حروف أسمائهم بعدد ملائكة الصراط . الثاني عشر أن الجنة محرمة على الأنبياء ( 7 ) والخلائق حتى يدخلها النبي والأوصياء من عترته وشيعتهم من خلافهم ، ومن خلاف شيعتهم الأنبياء ، فهم سادة الأولين والآخرين ، فالكل لهم وإليهم وعنهم وبهم ، فلذا لا يبقى يوم القيامة ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وهو محتاج إليهم ، ولم يشرك معهم أحد إلا شيعتهم ، فالداران ملكهم والوجودان ملكهم ، والعبد في نعمة سيده يتقلب وآل محمد هم النعمة الظاهرة والباطنة ، دليله قوله سبحانه : وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ( 8 ) فمن سكن هذه المملكة ولم يشكر لآل محمد لم يشكر الله ، ومن لم يشكر الله كفر ، فمن لم يشكر لآل محمد عليهم السلام فقد أكفر ، وإليه الإشارة بقوله : ( أن اشكر لي ولوالديك ) ( 9 ) وإذا وجب شكر أبوي الولادة والشهوة والطبع وجب بطريق الأولى شكر أبوي الإيجاد والهداية والعقل والشرع ، فويل للمنكرين لفضلهم ، الجاحدين لنعمتهم ، المكذبين بعلو درجتهم إذا جاؤوا إلى حوضهم غدا ليردوه ، ‹ صفحة 291 › وكيف يردوه وقد أنكروا أمرهم وردوه ؟ وإلى هذه المقامة أشار ابن طاوس فقال : اشكر لمن لولاهم لما خلقت ، فهم ( صلى الله عليهم ) مشكاة الأنوار الإلهية ، وحجاب أسرار الربوبية ولسان الله الناطق في البرية ، والكلمة التي ظهرت عنها المشية وصفات الذات المنزهة عن الأينية والكيفية ، فمن صلى عليهم فقد سبح الله وقدسه ، لأن في ذكر الصفات تنزيه الذات ، وهم جمال الصفات المنزهة التي تجلى فيها جلال الذات المقدسة ، وإليه الإشارة بقوله : بالكلمة تجلى الصانع للعقول ، وبها احتجب عن العيون : ( 1 ) سلام على جيران ليلى فإنها * أعز على العشاق من أن تسلما فإن ضياء الشمس نور جبينها * نعم وجهها الوضاح يشرق حيثما فصل وتصحيح هذه الدلايل قد صرح بذكره القرآن فمنه قوله سبحانه : ( ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ) ( 2 ) فقد دل الرب القديم الرحمن الرحيم سبحانه أن كل فضل فاض إلى الوجود والموجود فهو من نعمة الله ، وفضل آل محمد لأنهم هم السبب في وجودها ووصولها ، فما بال أهل الزمان يخالفون العقل والنقل وينكرون سرائر القرآن الناطقة بفضل آل محمد ؟ ويؤولونها بحسب آرائهم ، ويسمون من أظهر شيئا من هذا مغاليا ويرفضونه ويهجرونه ولا يعرفونه ، ثم يدعون بعد هذا معرفة علي ومحبته ويزعمون أنهم من شيعته ، ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجبون ) لأنهم اليوم في ريبتهم يترددون فأنى يبصرون . فما آمن بعلي من أنكر حرفا من فضله وإن بعد عن عقله العديم وخفي على ذهنه السقيم ، فليرده إلى قولهم : أمرنا صعب مستصعب ( 3 ) ، وليتل هناك ( لا يعلم تأويله إلا الله ) ، وليسلك نفسه في سلك قوله : ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) ، ولا يندرج في لفيف قوم قاموا في آيات الله يلحدون ، ولها يجحدون وعنها يصدون ومنها يصدفون ، وهم يحسبون أنهم يحسنون فتراهم لم يقبلوا على الحق برهانا ، ولم يصغوا لسماع قول : ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ‹ صفحة 292 › إيمانا ) ( 1 ) ولا طلع لهم في سماء التصديق نجم ولا نجم وريق التحقيق طلع ولا أسفر لهم في دجنة التوفيق بدر ، ولا بدر لهم أسفر ، وكان هذا الكتاب محكا حك شكهم حكا ، وأظهر مسهم حين مسهم فجاؤوا بالباطل يكذبوني ، ويلفون بالحسد في ديني إذ أخلجوا في السبق دوني .

فصل ولما كان أهل الدنيا شأنهم بعض من وصلت إليهم من الله نعمة فتراهم يدلون به إلى الحكام ، ويجعلونه غرضا لسهام الانتقام ، ويتوقعون سلب دولته وذهاب نعمته ، وهذا شأن الحسود ومتى يسود ، وكذا أهل الدعوى الذين سموا أنفسهم مؤمنين وهم من التذكرة معرضون ، وللناطق بها مبغضون ومكذبون ، فإذا استنشقوا روايح العرفان ، من عبد أنعم الله عليه توجهوا إلى تكذيبه وإنكاره وإبعاده ، وحذروا الناس من اعتقاده وصدوهم عن حبه ووداده ، ورشقوه بسهام الحسد ، وسبب ذلك الجهل وحب الرياسة ، فاعلم الآن أنه قد ثبت بما بيناه من الدلالات ، وأوضحناه من البيانات ، أن عليا مالك يوم الدين وحاكم يوم الدين ، وولي يوم الدين ، منا من رب العالمين ، وفضلا من الصادق الأمين ، فهو ولي الحسنات بنص الكتاب ( هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب ) ( 2 ) .

فصل هذا صحيح النقل ، وأما صريح العقل فإن الله سبحانه جل أن تراه العيون ، وهذا اعتقاد أهل الإيمان والتحقيق والإيقان والتصديق ، لأن السلطان كلما عز منه الجناب عظم دونه الحجاب ، فكيف جوزت على رب الأرباب ، أنك تراه يوم الحساب ، قد جلس لخلقه بغير حجاب ، تعالى الله عن ذلك وليس ربنا المعبود كذلك وإنما حسابك في بعثك ومآلك ، إلى من جعله الله الولي والحاكم والمالك ، ومن اعتقد غير ذلك فهو [ في ] بعثه هالك . ‹ صفحة 293 ›

فصل ( آل محمد عليهم السلام حكام العباد )

فالمالك في المعاد والحاكم يوم التناد ، والولي على أمر العباد هم آل محمد صلى الله عليهم الذين جعلهم الله في الدنيا قوام خلقه ، وخزان سره وفي الآخرة ميزان عدله وولاة أمره ، وذلك لأن الصفات مآلها الذات ومرجع الأفعال إلى الصفات ، وآل محمد صفوة الله وصفاته فالأفعال بسرهم ظهرت ، وعنهم بعثت وإليهم رجعت ، ( بدؤها منك وعودها إليك ) فهم المنبع وإليهم المرجع ، فمرجع الخلق إليهم وحسابهم عليهم .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 287 › ( 1 ) النور : 61 . ( 2 ) تقدم الحديث . ( 3 ) بحار الأنوار : 27 / 313 ح 9 . ( 4 ) بحار الأنوار : 27 / 313 ح 10 . ( 5 ) بحار الأنوار : 27 / 314 ح 11 . ‹ هامش ص 288 › ( 1 ) بحار الأنوار : 27 / 314 ح 12 . ( 3 ) الصافات : 83 . ( 3 ) البحار : 36 / 152 ح 131 . ( 4 ) البحار : 24 / 272 ح 55 . ( 5 ) الشعراء : 100 - 101 . ‹ هامش ص 289 › ( 3 ) كمال الدين : 1 / 254 ، والبحار : 26 / 335 . ( 4 ) تقدم الحديث . ( 5 ) الإحتجاج : 1 / 88 . ( 6 ) ينابيع المودة : 1 / 25 ، وجواهر العقدين : 343 ، وتاريخ المدينة : 1 / 38 ( 7 ) الأنبياء : 103 . ‹ هامش ص 290 › ( 1 ) الكامل لابن عدي : 7 / 141 رقم 2053 . ( 2 ) الأعراف : 46 . ( 3 ) ينابيع المودة : 1 / 118 . ( 4 ) فضائل الصحابة لأحمد : 2 / 661 ، ومسند أبي يعلى : 3 / 481 ح 7493 . ( 5 ) المدثر : 30 . ( 6 ) مقتل الحسين للخوارزمي : 1 / 39 . ( 7 ) نوادر الأصول للترمذي : 1 / 340 أصل 67 . ( 8 ) لقمان : 20 . ( 9 ) لقمان : 14 . ‹ هامش ص 291 › ( 2 ) التوبة : 59 . ( 3 ) الأصول الأصيلة : 169 . ‹ هامش ص 292 › ( 1 ) الأنفال : 2 . ( 2 ) ص : 39 . ‹ هامش ص 293 › ( 1 ) النساء : 41 . ( 2 ) الإسراء : 71 . ( 3 ) الصافات : 24 .