فصل سر النجاة بالإيمان ، ولا إيمان إلا
ببرهان ، ( وإليه الإشارة بقوله : هاتوا برهانكم ) ( 6 ) ، وصاحب البرهان على بينة
من ربه ، وحق اليقين لا شك بعده ، وليس بعد الهدى إلا الضلال ، فالمؤمن الموقن
كشارب الترياق لا يضره سم أبدا ، والمقلد إيمانه لعقة على لسانه فلا يعرف الحق حتى
يتبعه ، ولا يقدر على عرف الباطل فيمنعه ، فهو كالمطعون كلما ازداد علاجا ازداد
مرضا ، أو كشارب ماء البحر كلما ازداد شربا ازداد عطشا ، وكذلك المرتاب في فضل علي
لا يصبو الحسن ما تجلى عليه من عرايسه ، ولا ترتاح نفسه لسماع نفايسه ، فكلما تليت
عليه آياته ، ولى مدبرا ، وصد مستكبرا ، لأنه لم يؤمن بها من الأزل ولم يزل ،
فلذلك لم يؤمن بها اليوم ، ولم ينقد مع القوم ، وكيف يعرفها في عالم الأجسام
والأشباح ؟ وقد أنكرها في عالم الأرواح ، فهو في عالم الأجساد ممسوخ ، ‹ صفحة 308
› ومن عالم الأرواح مفسوخ ، وفي سجين مرسوخ ، لأن الجسد تابع للأرواح وإليه
الإشارة بقوله : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) ( 1 ) لأن
الإيمان من ذلك الوم . دليله قوله : ( الذين يوفون بعهد الله ( 2 ) في ولاية علي
الذي أخذ عليهم عهدها في الأزل وقوله : والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ( 3 )
يعني يصلون حب الله بحب محمد ، وحب محمد بحب علي ، وحب علي بحب فاطمة ، وحب فاطمة
بحب عترتها . ( ويخشون ربهم ) في ترك الولاية ( ويخافون سوء الحساب ) لمن لم يؤمن
بآل محمد . دليل ذلك أن رجلا قال لأمير المؤمنين عليه السلام : إني أحبك ، فقال له
: كذبت إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ثم عرض علي المطيع منها والعصاة
فما رأيتك يوم العرض في المحبين ، فأين كنت ؟ ( 4 ) وقال أبو عبد الله عليه السلام
: أعداؤنا مسوخ هذه الأمة ( 5 ) . ومن أنكر فضل آل محمد عليهم السلام فهو عدوهم ،
وإن كثر صومه وصلاته فإن عبادة إبليس أعظم وأكثر ، فإن ذلك ضاع عند عصيانه وخلافه
، ولا فرق بين عصيان الرب وعصيان الإمام . ‹ صفحة 309 ›
فصل ( أثر منكر فضل الآل عليهم السلام )
ما أنكر فضل آل محمد من الأمم السالفة إلا مسخ ( 1 ) ، ولا رد فضلهم إلا من
خبث أصله ورسخ ، فمن أنعم الله عليه بحب علي والإقرار بفضله ووجد روحه بين جنبيه ،
ووجد صدره منشرحا عند وصول أسراره إليه ، ولم يجد الشكوك تنازعه ، ولا يد الإنكار
تمانعه ، فقد طاب مولده وعنصره ، وزكى محتده ومخبره ، وإليه الإشارة بقول أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال : ( لا تدعوا الناس إلى ما أنتم عليه ، فوالله لو كتب هذا
الأمر على رجل لرأيته أسرع إليه من الطير إلى وكره ، وأسبق من السيل إلى جوف
الوادي ) . ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( لو ضربت خيشوم المؤمن على أن
يبغضني ما فعل ، ولو صببت الدنيا على المنافق على أن يحبني ما فعل ، وبذلك أخذ
الله لي العهد في الأزل ولم يزل ) ( 2 ) . ولذلك قال للرجل : فما رأيتك في المحبين
فأين كنت ؟ فعليه عرضت الأرواح ، وعليه تعرض الأعمال في عالم الأجسام ، وعليه تعرض
عند الممات ، ويعلم مقامها بعد الوفاة ، ويعلم ما يصير إليه الرفات ، وإليه عودها
عند القيام ، وهو وليها في ذلك المقام ، وقاسمها إلى النعيم أو الانتقام ، من فضل
الله رب الأنام ، وولاية من ذي الجلال والإكرام . فعلي ولي الأشباح ، وولي الأديان
وولي الإيمان وولي الحياة وولي الممات ، وولي الحساب وولي النعيم وولي العذاب ،
وولي للمكذب والمرتاب . الذين لفضل علي ينكرون ، ولما خصه الله به من الآيات
يجحدون ، وعن آياته يستكبرون ، وفي علو مقاماته يرتابون ويستعظمون ، وبها يكذبون
وفيها يلحدون ، أولئك في العذاب محضرون ، وعن الرحمة مبعدون . فلو أن أحدهم عمر في
الدنيا ما دارت الأفلاك وسبحت ‹ صفحة 310 › الأملاك ، وحج ألف حجة ، وكان في أيامه
مقبلا على الصيام والقيام ، وكان له من الحسنات بعدد ورق الأشجار ، ومن الطاعات
بوزن رمل القفار ، ومن المبرات بعدد قطر الأمطار ، ومن الخيرات بعدد ما في القرآن
حرفا حرفا ، وبعدد كل حرف ألفا ألفا ، وقرأ كل كتاب نزل ، وفهم كل خطاب من العلم
والعمل ، ورافق النبيين وصحب المرسلين ، وأقام في الصافين ، وقتل شهيدا بين الركن
والمقام ، ثم أنكر من فضل علي حرفا ، وارتاب في فضله وأخفى ، لم ير في بعثه سعدا ،
ولم يزدد من رحمة الله إلا بعدا . ‹ صفحة 311 ›
إن الله تعالى في جلال كبريائه وعظمته ليس كمثله شئ ، وهذا من مقتضيات
الربوبية ، والحضرة المحمدية في كمال رفعتها وتقدمها على المخلوقات ليس كمثلها شئ
، لأنها الخلق الأول والولاية في سر عظمتها في تصرفها الكائنات ، وعهدها المأخوذ
على سائر البريات من قبل بره النسمات ليس كمثله شئ ، لأنها احتوت على سر الحضرة
الإلهية وسر النبوة المحمدية التي ليس كمثلها شئ ، وسر من ليس كمثله شئ ليس كمثله
شئ ، والعارف بهذه الأسرار ، والمجتني لهذه الثمار ، المقتبس لهذه الأنوار ،
المجتنب للتكذيب والإنكار ليس كمثله شئ في سره إلى الله ومعرفته بالهداة الأبرار .
فصل سبحان الملك النور الذي تجلى في الأشياء فظهر ، وتجلى عنها فغاب واستتر
، تقدس عن الزمان والمكان ، وتعالى عن الحدوث والحدثان ، تنزه عن الحلول والانتقال
والصورة والمثال ، تجلى بجماله من كل الجهات فظهر ، وتجلى بكماله عن كل الجهات
فاستتر ، فهو غيب ظهر ، ثم غاب حين ظهر . ‹ صفحة 312 ›
فصل ( اختلاف الناس في الإمام )
نبوة وإمامة ، وفي الإمامة وقع الاختلاف ، وإليه الإشارة بقوله : ( ما
اختلفوا في الله ولا في وإنما اختلفوا فيك يا علي ) ( 1 ) ، فالإسلام والإيمان
نعمتان مشكورة ومكفورة ظاهر وباطن ، فالاختلاف وقع في الإمامة ، فالعدو عن ظاهر
أنوارها معرض ، والولي عن خفي أسرارها متقاصر ، فأعداؤه بفضله يكذبون ، وأولياؤه
لأسراره ينكرون ، والعارفون به لسفن النجاة راكبون ، وأهل التوفيق والتحقيق لرحيق
حبه ينتهلون ، سكارى وهم صاحون ، واسمهم العالون وهم العالون ، وسكرهم أنهم عرفوا
أن عليا مولى الأنام ، وأن له الحق على الرب والسلام ، وعلى السيد الإمام ، وعلى
البيت الحرام ، وعلى الشرع والأحكام ، وعلى الرسل الكرام ، وعلى الملائكة العظام ،
ومن المؤمنين في القيام وعلى الجنة ودار الانتقام ، وعلى الخاص والعام . فإن كبر
عليك هذا المقام ، فقد ورد في صحيح الأخبار عن الأئمة الأبرار ، الذين حبهم النور
الأكبر أن حق المؤمن عند الله أعظم من السماوات والأرض ، ومن الكبريت الأحمر .
وإذا كان هذا حق المؤمن فكيف حق أمير المؤمنين عليه السلام ؟ أما حقه على الله فإن
بساعده وصارمه قامت قناة الدين ، ودان به الناس لرب العالمين ، وإليه الإشارة
بقوله : ( ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ) ( 2 ) . فهذه ضربة واحدة
بسيفه في الله قاومت أعمال الجن والإنس . وأما حقه على الرسول فإنه ساواه بنفسه
وواساه بمهجته ، وخاض دونه الغمرات وكشف عن وجهه الكربات ، فهو أسده الباسل وليثه
الحلاحل . وأما حقه على الإسلام فإنه به اعشوشب واديه ، واخضوضر ناديه ومدت في
الآفاق أياديه ، وأما حقه على الشرع والأحكام فبه وضحت الدلائل وحققت المسائل ،
وأقمرت الدجنات وحلت المشكلات . وأما حقه على البيت الحرم فإن إبراهيم رفع شرفه
وعلي رفع شرفه ، وأين رفع الشرف من رفع الشرف . وأما حقه على الرسل الكرام فإنهم
به كانوا يدينون وبحبه كانوا يشهدون ، وبه دعوا عند القيام والظهور وسرهم في
الأصلاب والظهور . وأما حقه من المؤمنين فإن بحبه تختم الأعمال وتبلغ الآمال .
وأما حقه على ‹ صفحة 313 › الملائكة المقربين فإنه هو النور الذي علمهم التسبيح
وأوقد لهم في رواق القدس من الذكر المصابيح ، وأما حقه على جنات النعيم ودركات
الجحيم ، فإنه يحشر أهل هذه إليها ويلقي حطب هذه عليها . وأما حقه على الخاص
والعام من سائر الأنام ، فإنه لولاه لما كانوا ، لأنه العلة في وجودهم ، والفضل
عند موجودهم . يؤيد هذا التأويل ما روي عن عائشة من كتاب المقامات قالت : كان رسول
الله صلى الله عليه وآله في بيتي إذ طرق الباب ، فقال لي : قومي وافتحي الباب
لأبيك يا عائشة . فقمت وفتحت له فجاء فسلم وجلس فرد السلام ولم يتحرك له ، فجلس
قليلا ثم طرق الباب فقال : قومي وافتحي الباب لعمر ، فقمت وفتحت له فظننت أنه أفضل
من أبي ، فجاء فسلم وجلس فرد عليه ولم يتحرك له ، فجلس قليلا فطرق الباب . فقال :
قومي وافتحي الباب لعثمان فقمت وفتحت له ، فدخل وسلم فرد عليه ولم يتحرك له ، فجلس
فطرق الباب فوثب النبي صلى الله عليه وآله وفتح الباب فإذا علي بن أبي طالب عليه
السلام فدخل وأخذ بيده وأجلسه وناجاه طويلا ، ثم خرج فتبعه إلى الباب ، فلما خرج
قلت : يا رسول الله دخل أبي فما قمت له ، ثم جاء عمر وعثمان فلم توقرهما ولم تقم
لهما ، ثم جاء علي فوثبت إليه قائما وفتحت له الباب ، فقال : يا عائشة لما جاء
أبوك كان جبرائيل بالباب فهممت أن أقوم فمنعني فلما جاء علي وثبت الملائكة تختصم
على فتح الباب إليه ، فقمت وأصلحت بينهم ، وفتحت الباب له ، وأجلسته وقربته عن أمر
الله ، فحدثي بهذا الحديث عني ، واعلمي أن من أحياه الله متبعا للنبي ، عاملا
بكتاب الله ، مواليا لعلي ، حتى يتوفاه الله ، لقي الله ولا حساب عليه ، وكان في
الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين ( 1 ) . ‹ صفحة 314 ›
اعلم أن سر آل محمد صعب مستصعب كما ذكره ، فمنه ما يعلمه الملائكة والنبيون
، وهو ما وصل إليهم بالوحي ، ومنه ما يعلمه هم ولم يجر على لسان مخلوق غيرهم ، وهو
ما وصل إليهم بغير واسطة ، وهو السر الذي ظهرت به آثار الربوبية عنهم ، فارتاب
لذلك المبطلون ، وفاز العارفون ، فكفر به فيهم من أنكر ، وفرط من غلا فيهم وأفرط ،
وفاز من أبصر فتبع النمط الأوسط .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 307 › ( 1 ) مريم : 65 . ( 2 ) الجاثية : 36 .
( 3 ) الجاثية : 36 . ( 5 ) البقرة : 21 . ( 5 ) الحشر : 2 . ( 6 ) البقرة : 111 .
‹ هامش ص 308 › ( 1 ) الأنعام : 110 . ( 2 ) الرعد : 20 . ( 3 ) الرعد : 21 . ( 4
) نهج السعادة : 409 / 7 ، ومناقب آل أبي طالب : 2 / 96 بتفاوت . ( 5 ) تقدم
الحديث . ‹ هامش ص 309 › ( 1 ) المسخ المتقدم في رواية الإمام الصادق عليه السلام
أعم من المسخ في الدنيا والآخرة والمراد في الآخرة ما يسمى بتجسد الأعمال من حشر
بعض الناس على شكل الحيوانات . والمراد في الدنيا ما جاء في بعض روايات الإمام
الصادق عليه السلام من إراءة الإمام الناس لأبي بصير على حقيقتهم قردة وخنازير .
أقول : وإنما قلنا ذلك لما نشاهده من أعدائهم في الحياة الدنيا على طبيعتهم
الإنسانية ولما ثبت من رحمة أمة محمد صلى الله عليه وآله بعدم المسخ . ( 2 ) بحار
الأنوار : 39 / 296 ح 99 . ‹ هامش ص 312 › ( 1 ) تقدم الحديث . ( 2 ) الفردوس : 3
/ 455 ح 5406 ، والمستدرك : 3 / 32 . ‹ هامش ص 313 › ( 1 ) بحار الأنوار : 38 /
313 ح 17 . ‹ هامش ص 314 › ( 1 ) الصافات : 24 . ( 2 ) الرحمن : 39 . ( 3 ) هود :
114 . ( 4 ) الشورى : 11 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
فصل وأما السر الذي فيه للمؤمن نصيب ، فهو
أيضا صعب مستصعب ، وأشد صعوبة وإغماضا المتشابه بالوجوه القابل للتأويل ، الذي
يخالف ظاهره باطنه ، وأمثلته في القرآن والأحاديث والأخبار والأدعية كثير ، فمن
ذلك من القرآن قوله : ( وقفوهم إنهم مسؤولون ) ( 1 ) ( ويومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس
ولا جان ) ، وهذا في الظاهر تناقض لأنه أمر أن يقفوهم ويسألوهم ، ثم أخبر أنهم لا
يسألون ، وبيان ذلك : أن العباد لا يسألون يوم القيامة إلا عما عهد الله إليهم من
حب علي ، فعنه ( وعنه خ ل ) يسأل إذ يبعثون ، وشيعة علي لا يسألون عن ذنوبهم لأنهم
وفوا بالعهد ، فلا ذنب عليهم ، وقوله : لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ( 2 ) ، هذا
لفظ عام ، ومعناه خاص ، لأن معناه لا يسأل عن ذنبه يوم القيامة إنس ولا جان من
شيعة علي ، لأن الله أخذ عليهم عهد الإيمان بعلي ، وضمن لهم بذلك الجنة ، فإن وفوا
بالعهد وجبت لهم في رحمته للوفاء بالعهد ، وقد وفوا بعهدهم ، فلا ذنب عليهم يسألون
عنه إذن ، لأن حب علي هو الحسنات ، فإذا كان في الميزان فأين السيئات ، وإليه
الإشارة بقوله : إن الحسنات يذهبن السيئات ( 3 ) ، وأكبر الحسنات حب علي ، بل هو
الحسنات ، فإذا كان في الميزان فلا ذنب معه ، وأين ظلمة الذنب مع تلألؤ نور الرب ،
لأن ولاية علي هي نور الرب ، وأين ظلمة الليل عند ضياء البدر المنير ، أم مس
السيئات عند خالص الإكسير ، ومن ذلك قوله : ( يداه مبسوطتان ) وقوله : ( ليس كمثله
شئ ) ( 4 ) والتناقض لازم له في الظاهر من غير تأويل ، لأن من لا مثل له من أين له
يدان مبسوطتان ؟ ومن له يد مبسوطة كيف يكون بلا شبه ولا مثل ؟ هذا واضح لمن عرف
الاستعارة اللغوية . ‹ صفحة 315 ›
أما قوله : ليس كمثله شئ ، فحق لأن الإله الحق لا مثل له لأنه مسلوب عنه
الأضداد والأنداد ، وقوله : ( بل يداه مبسوطتان ) فذلك أيضا حق لأنه أراد القدرة
والرزق وعبر عنهما باليد ، لأن البسط يليق باليد والقدرة أيضا . فلفظ اليد هنا
استعارة لأن قدرته ورزقه لم يزل ولا يزال ، فله الأيادي على سائر خلقه والأنعام ،
وأما عند الباطن فاليدان المبسوطتان محمد وعلي ، وهما النعمة والقدرة نعمة النبوة
وقدرة الولاية ، ومن ذلك قوله : ( وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ) ( 1 ) ،
وقوله : ( لا تدركه الأبصار ) ( 2 ) ، فالذي لا تدركه الأبصار كيف تراه الوجوه ؟
والذي لا تراه الوجوه ، كيف لا تدركه الأبصار ؟ هذا نفي وإثبات ، والنفي والإثبات
لا يجتمعان . ومن ذلك قوله خطابا لسيد المرسلين : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك
وما تأخر ) ( ( ويطهركم تطهيرا ) ( 4 ) ، فالذي له ذنب من أين له طهارة ؟ والممدوح
في الطهارة بالصدر من أين له ذنب . أما قوله يطهركم تطهيرا فحق ، لأنهم خلقوا من
نور الجلال ، واختصوا بالعصمة والكمال ، فالمعصوم الكامل من أين له ذنب ؟ أما مثل
هذا في الدعوات ، فمنه قول زين العابدين عليه السلام وهو سيد من عبد وابن سيد من
عبد من الأولين والآخرين في دعائه : ( ربي ظلمت وعصيت وتوانيت ) ( 5 ) ، فإذا كان
ظلوما جهولا كيف يكون سيدا معصوما ، وهو سيد معصوم فكيف يكون ظلوما جهولا ؟ أقول :
معنى قوله عليه السلام أنه يقول : ربي إن شيعتنا لما خلقوا من فاضل طينتنا ،
وعجنوا بماء ولايتنا ، رضونا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ، يصيبهم مصابنا ، وتنكبهم
أوصاتنا ويحزنهم حزننا ، ونحن أيضا نتألم ‹ صفحة 316 › لتألمهم ، ونطلع على
أحوالهم ، فهم معنا لا يفارقونا ( 1 ) ، لأن مرجع العبد إلى سيده ومعوله على مولاه
، فهم يهجرون من عادانا ، ويجهرون بمدح من والانا . وصدق ما دللت عليه ما أورده
ابن طاووس في كتاب مهج الدعوات ، حكاية عن خليفة الله قائم آل محمد وخاتمهم ما هذا
معناه ، قال : ولقد سمعته سحرا بسر من رأى يدعو فيقول من خلف الحائط : اللهم أحي
شيعتنا في دولتنا ، وأبقهم في ملكنا ومملكتنا ، وإن كان شيعتهم منهم وإليهم
وعنايتهم مصروفة إليهم ، فكأنه عليه السلام قال : اللهم إن شيعتنا منا ومضافين
إلينا ، وأنهم قد أساءوا وقصروا وأخطأوا في العمل ، وإنا حبا لهم حبا منهم ، قد
تقبلنا عنهم ذنوبهم ، وتحملنا خطاياهم ، لأن معولهم علينا ورجوعهم إلينا ، فصرنا
لاختصاصهم بنا واتكالهم علينا كأنا نحن أصحاب الذنوب ، إذ العبد مضاف إلى سيده ،
ومعول المماليك على مواليهم ، وملاذ شيعتنا إلينا ومعولهم علينا ، اللهم فاغفر لهم
من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا ، وطمعا في ولايتنا ، وتعويلا على شفاعتنا ،
ولا تفضحهم بالسيئات عند أعدائنا ، وولنا أمرهم في الآخرة كما وليتنا أمرهم في
الدنيا ، وإن أحبطت السيئات أعمالهم فتفضل موازيهم بولايتنا وارفع درجاتهم بمحبتنا
، وهذا خيره كثير للمؤمن الموقن المصدق بأسرارهم ( 2 ) . ولو لم يكن في كتابي هذا
غير هذا لكفاك أن امتلأت من درر الاعتقاد كفاك ، وإلا وراك ، فإن الشيطان يطلع على
قلب المؤمن في كل يوم 320 مرة بالوسواس والإضلال ، فجعل الله شبها من نور الولاية
رجوما للشياطين بعدد تلك النظرات ، ليمحو من قلبه ما ران الشيطان ، لأن من خالجته
الشكوك في قلبه ، ووطئته الشياطين بمناسمها ، أيها المنكر لفضائل علي ، إلى متى
تلبس من الشك المنسوج على الجسد الممسوخ ، والروح المفسوخ ، وحتى متى كلما طبت
ظنيت ، وكلما بصرت عميت ، كلما رويت عطشت ، أما رأيت ملكا اختار عبدا من عبيده
وقائمته على سره وولاه أمره ، وقربه نجيا وألبسه خلعة صفاته ورفعه على سائر
مخلوقاته وسلم إليه قلم العدل ودفتر البذل ، وسيف القهر وزمام الأمر ، وأمره على
جميع مخلوقاته وإنه أعلم حيث يجعل رسالاته فقام بالسياسة والعدل والعصمة والبذل ،
يفعل ما يريد الرب ، ويريد الرب ما يفعل ، لأنه موضع أمره ويده الباسطة ‹ صفحة 317
› على جميع الملائكة ، لأنه يد الله وجنبه ، وله التصرف المطلق ، وبصره طاف في
أقطار السماوات والأرض ، لأنه عين الله الناظرة في عباده وبلاده ، وهو في مقام
الرفعة والتأييد عبد المولى ومولى ، العبيد : العقل نور وأنت معناه * والكون سر
وأنت مبدأه والخلق في جمعهم إذا جمعوا * الكل عبد وأنت مولاه أنت الولي الذي
مناقبه ما لعلاها في الخلق أشباه يا آية الله في العباد ويا * سر الذي لا إله إلا
هو كفاك فخرا وعزة وعلا * أن الورى في علاك قد تاهوا فقال قوم بأنه بشر * وقال قوم
بأنه الله يا صاحب الحشر والحساب ومن * مولاه حكم أمر العباد ولاه يا قاسم النار والجنان
غدا * أنت ملاذ الراجي وملجاه كيف يخاف الولي حر لظى * وليس في النار من تولاه ( 1
) يا منبع الأنوار يا سر المهيمن في الممالك يا قطب دائرة الوجود وعين منبعه كذلك
والعين والسر الذي منه تلقنت الملائك ما لاح صبح للهدى إلا وأسفر عن جمالك يا ابن
الأطايب والطواهر والفواطم والفواتك أنت الأمان من الردى أنت النجاة من المهالك
أنت الصراط المستقيم قسيم جنات الأرائك والنار مفزعها إليك وأنت مالك أمر مالك ‹
صفحة 318 › يا من تجلى بالجمال فشق بردة كل حالك صلى عليك الله من هاد إلى خير
المسالك والحافظ البرسي لا يخشى وأنت له هنالك ( 1 ) وإذا كانت مناقب علي لا تحصى
عددا وفضايله لا تبلغ أمدا فالسماوات تضيق عن رقمها وسجلها والبحران ينفدان بمدها
، والثقلان يعجزان عن إملائها والعقول تذهل أن تدركها والجبال تأبى أن تحملها
وتثقلها ، وقد شهد بذلك الكتاب المنزل والنبي المرسل ، وأنت بقصور الفهم ووفور
الوهم تخالف الرب العلي والنبي الأمي بأذاك لمولاك ، وقد أسمعك القرآن اللعن
بالطعن وناداك فقال : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ) ( 2 ) فمن أبغض
عليا لفضله الذي آتاه الله فقد آذاه ، ومن آذى ولي الله فعليه لعنة الله وحسبه من
الخزي يوم يلقاه . فيا أيها الحائر المذبذب والجاهل المركب والعارف المعذب ، ما لك
لا تراقب الله وتتأدب ، فإلى متى تتمسك بأذيال التكذيب ، وكلما رد عليك مما لاق
بذهنك الجامد ، ورأيت ما يصدقه عقلك الفاسد ، قلت هذا مقام الولي وما لا تناله
أنامل الادراك من طبعك العكوس ناديت عليه بلسان التكذيب والإنكار ، فيا من يقف
بأبواب المعنى ، من أين لك مشاهدة أنوار المعنى مما هو الفرق بين العالي والغالي ،
وكيف عرفت الشيعي من الموالي ؟ والمحب من التالي ؟ فها أنا مورد لك من الملل
والنحل ، فضلا يشفي شرابه العلل من العلل ويبين اختلاف الفرق ويؤمن من الغرق مما
راق عذبه ورق ، ويعلم به الحق من الزهق مما لا نصب بعده ولا رهق ، وما أظنك بعد
هذا الإطراب والإطناب والإكثار والإسهاب ، إلا كارها للصواب وساريا في السراب ،
حتى تلاقي في التراب أبا تراب .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 314 › ( 1 ) الصافات : 24 . ( 2 ) الرحمن : 39
. ( 3 ) هود : 114 . ( 4 ) الشورى : 11 . ‹ هامش ص 315 › ( 1 ) القيامة : 22 . ( 2
) الأنعام : 103 . ( 3 ) الفتح : 2 . ( 4 ) الأحزاب : 33 . ‹ هامش ص 316 › ( 1 )
راجع بحار الأنوار : 53 / 302 . ( 2 ) بحار الأنوار : 53 / 302 . ‹ هامش ص 317 › (
1 ) أعيان الشيعة : 6 / 467 . ‹ هامش ص 318 › ( 2 ) الغدير : 7 / 45 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
فصل ( افتراق الأمم بعد الأنبياء )
في بيان افتراق الأمم بعد الأنبياء مما شهدت به السنة والكتاب ، فمن ذاك
قال الله سبحانه مخبرا عن قوم موسى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون )
( 1 ) ، وقال تعالى حكاية عن النصارى : ( وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة
) ( 2 ) ، وقال حكاية عن الأميين : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن
مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) ( 3 ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : (
افترقت أمة أخي موسى على سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وافترقت أمة أخي
عيسى على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث
وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وهي التي تبعت ما أنا عليه وأهل بيتي ) ،
وفي رواية ما عليه وأصحابي ( 4 ) . وهذا بيان وتأكيد أن الناجي من تبع الآل لأن
الآل هم الأصحاب ، وليس الأصحاب هم الآل ، فأين كان الآل كان الأصحاب من غير عكس ،
ولهذا يقال أهل الله ولا يقال أصحاب الله . فآل النبي صلى الله عليه وآله أصحابه
وليس أصحابه آله ، وفي الحديث : ( أهل القرآن أهل الله وخاصته ) ، لأنهم حملة سره
، فأين كان الأهل كانت النجاة ، لأن الأهل أولى بالشرف والفضل ، وأحق بالميراث ،
وأقرب إلى العلم ، ومنهم نبع الذكر ، وعنهم سمع ، فالأصحاب تبع الآل لأنهم سكان
السلطنة والحكم ، والأصحاب سكان التبع فكيف يقتدى بالتابع ولا يقتدى بالمتبوع ؟
ألا فهم الملاذ والمنجى ، ونهج الهدى وجنة المأوى وسدرة المنتهى ، والأصحاب قوم
تبصروا بنور الآل فأبصروا ، ثم أعماهم دخان الحسد فأنكروا ، وإليه الإشارة بقوله :
بينا أنا على الحوض إذ بملأ من أصحابي يؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال مسودة
وجوههم ، فأناديهم : أصحابي أصحابي ، فيأتي النداء من خلفهم يا محمد ، إنهم ليسوا
أصحابك ، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : ‹ صفحة 320 › ألا سحقا ألا سحقا (
1 ) . وأما الآل فهم المآل ، دليله قوله : ( أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ) ،
وهذا رمز شريف ، حله ومعناه أنه لا ينجو من شدائد الأهوال ، وعذاب يوم المآل ، إلا
من تولاهم . وأما قولهم عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : ( أصحابي كالنجوم بأيهم
اقتديتم اهتديتم ) ( 2 ) ، إلا من الآل . إنما عنى بالأصحاب هنا أهل بيته ، وإلا
لزم التناقض ، فكيف يكونون ضالين عن الحوض مسودة وجوههم ، وكيف يكونون كالنجوم
يقتدى بهم ؟ وإنما قال صلى الله عليه وآله : مثل أهل بيتي في هذه الأمة مثل نجوم
السماء كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة ( 3 ) ، وإن كان أصحابه نجوما فأهل
بيته شموس وأقمار ، ومع وجود الشمس والقمر لا يحتاج إلى النجوم ، فالنجوم أهل بيته
لا أصحابه . وإليه الإشارة بقوله : ( إنما يريد ‹ صفحة 321 › الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم ) تطهيرا ( 1 ) . فأين كان أهل البيت كانت الطهارة وإذهاب
الرجس ، وأين كان إذهاب الرجس كانت العصمة ، وأين كانت العصمة كانت الخلافة
والحكمة ، وأين كانت الحكمة كان النور والرحمة ، وأين كان النور والرحمة كانت
الهداية والنعمة ، وأين كانت الهداية والنعمة . . . وأين كان الرجس كانت الظلمة ،
وأين كانت الظلمة كانت الضلالة والفتنة ، وإليه الإشارة بقوله : إني تارك فيكم
الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي حبلان متصلان ، إن تمسكتم بهما لن تضلوا ( 2
) . فقد أوجب لأهل البيت من التشريف والتعظيم ما أوجب للكتاب الكريم ، ودلنا على
أن التمسك بالكتاب والعترة نجاة ، فقال : عترتي ولم يقل أصحابي ، فجعل مقام الآل
مقام الكتاب ، وقال : ( إن الله خلق الخلق من أشجار شتى ، وخلقني وعليا من شجرة
واحدة ، أنا أصلها ، وعلي فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والعترة الميامين الهداة
أغصانها ، والشيعة المخلصون أوراقها ) ( 3 ) الثقلين عليه الإجماع ( 4 ) . ‹ صفحة
322 ›
إذا تقرر هذا ، فنقول : افترقت الأمة بعد نبيها فرقتين : علوية ، وبكرية ،
وزيادة المذاهب تدل على زيادة الشبهات ، لأن الحق لا يتكثر ولا يتغير ، ومشربه صاف
لا يتكدر .
فصل ومع افتراقهم إما أن يكونا على الحق معا ، أو على الضلال كلا ، أو
أحدهما محق والآخر مبطل ، أما كونهما على الحق معا فممنوع أيضا ، لأنهما لو كانا
على الحق معا لما اختلفا ولا افترقا ، ومنشأ الخلاف أن كلا منهما ادعى أنه خليفة
رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإن صدقا معا لزم كذب الرسول ، وإن كذبا لزم جهل
الرسول ، وجهله ممتنع ، فتعين صدق أحدهما وكذب الآخر والدعوى فيه ، فوجب النظر
فيما يتبين به الصادق من الكاذب منهما ، فوجدنا لعلي عليه السلام السبق إلى الدين
كرم الله وجهه ، ومعناه أنه لم يسجد لصنم ( 1 ) ، وفي السبق إلى الإسلام : أنت أول
القوم إسلاما ( 2 ) ، وفي العلم مرتبة : لو كشف الغطاء ( 3 ) ، وفي الشجاعة : لا
فتى إلا علي ( 4 ) ، وفي الزهد : أنا كأبي الدنيا لوجهها ( 5 ) ، وفي القرب
والقرابة : أنت مني وأنا منك ( 6 ) ، وفي النصوص : من كنت مولاه فعلي مولاه ( 7 )
. وفي التعيين والتبيين : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ( 8 ) ، فهو سيد
الموحدين ، وفارس المسلمين ، والعالم بغوامض الكتاب المبين ، وقسيم تبعة سيد
المرسلين ، والواجب له الخلافة بالنص المبين . ‹ صفحة 323 ›
فصل وجدنا للأول قوله : أقيلوني فلست بخيركم ، والله ما يعلم إمامكم حين
يقول أصاب أم أخطأ ، وفي الشجاعة وجدناه لم يجر له حسام قط ، ووجدناه في النسب
تيمي ، وأين تيم من هاشم ، وأين مقام الدمنة من البحر ، والجواهر من الصخر . فصل
ووجدنا الإجماع ( 1 ) أنه لمن تبع عليا ، ومن هذا الفرق والبيان إما أن يكون الحق
مع الجاهل ثم يكون هو الإمام ، أو يكون الحق مع العالم الحاكم وهو علي ، فيكون علي
هو الإمام ، فلا ينجو إلا من تبع عليا ، ورافق أولياءه وفارق أعداءه ، وهذا مما
رواه أئمة الإسلام مثل أبي عبد الله البخاري في صحيحه ، وأبي داود في سننه ، وأبي
علي الترمذي في جامعه ، وأبي حامد القزويني وابن بطة في مجالسه ، واتفق الجمع على
تصحيحه فصار إجماعا ( 2 ) . ‹ صفحة 324 › فصل وقد نقل عن شعبة بن الحجاج : أن
هارون كان أفضل قوم موسى ، وعلي من محمد كهارون من موسى ، فوجب أن يكون أفضل من
جميع أمته ، بهذا النص الصريح ( 1 ) . وإليه الإشارة بقوله : ( وقال موسى لأخيه
هارون اخلفني في قومي ) ( 2 ) ، فوجب أن يكون علي خليفته في أمته ، ومن نازعه
مقامه فقد كفر .
وأهل السنة فرقتان : الأولى أصحاب الحديث وهم شعب : الداودية ، والشافعية ،
والمالكية ، والحنبلية والأشعرية . والثانية أصحاب الرأي وهم فرقة واحدة ، وأما
المعتزلة وهم سبع فرق : الحنفية ، والهذيلية ، [ والنظامية ] ، والعمرية ،
والجاحظية ، والكعبية ، والبشرية . وأما أصحاب المذاهب فهم : أبو حنيفة النعمان بن
ثابت الكوفي ، وأما مالك بن أنس بن مالك فهو إمام العراق ، وأهل اليمن والمغرب
يميلون إلى مذهبه ، وأما أحمد بن حنبل فكان يخدم الشافعي ويأخذ بزمام دابته ويقول
اقتدوا بهذا الشاب ، وأما أصحاب الرأي فهم أصحاب أبي حنيفة ، وأما المعتزلة فهم
ينكرون خلق الجنة والنار ، ويقولون إن عليا أفضل الصحابة ، لكن يجوز عندهم تقدم
المفضول على الفاضل لمصلحة يقتضيها الوقت . ومنهم الحسنية وهم أصحاب الحسن البصري
، والهذيلية وهم أصحاب الهذيل ، والنظامية وهم أصحاب إبراهيم بن النظام ، والعمرية
وهم أصحاب عمر بن غياث السلمي ، والجاحظية وهم أصحاب أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
، والكعبية وهم أصحاب أبي القاسم الكعبي ، والبشرية وهم أصحاب بشر بن المعتمر .
وأما المجبرة فهم عشرة : الكلابية ، والكرامية ، والهشامية ، والموالفية ،
والمعترية ، والدارية ، والمقابلية ، والنهالية ، والمبيضة . وأما الصوفية فهم
فرقتان : النورية ، والخلوية . وأما المرجئة فهم ست فرق : الدرامية ، والعلانية ،
والنسبية ، والصالحية ، والمثمرية ، والجحدرية . وأما الجبرية فهم خمس فرق :
الجهمية وهم أصحاب جهم بن صفوان ، والبطحية وهم أصحاب إسماعيل ‹ صفحة 325 › البطحي
، والبخارية وهم أصحاب حسين بن محمد البخاري ، والضرارية وهم أصحاب ضرار بن عمر ،
والصياحية وهم أصحاب صياح بن معمر . وأما النواصب فهم الذين حاربوا زيد بن علي ،
وعندهم أن الفتى لا يكون سنيا حتى يبغض عليا . وأما الخوارج فهم خمسة عشر فرقة :
الأزارقة وهم أصحاب نافع بن الأزرق ، والنجدات وهم أصحاب نجدة بن عامر الحنفي ،
والعجاردة وهم أصحاب عبد الكريم بن عجردة ، واليحيائية وهم أصحاب يحيى بن الأحزم ،
والحازمية ، وهم أصحاب عبد الله بن حازمة ، والثعالبة وهم أصحاب ثعلب بن عدي ،
والجرورية وهم أصحاب عبد الله بن جرور ، والصفرية وهم أصحاب الأصفر ، والأباضية
وهم أصحاب عبد الله بن أباض ، والحفصية وهم أصحاب حفص ابن أنيية ، والضاحكية وهم
أصحاب الضحاك بن قيس . وهؤلاء عقدوا على لعن معاوية وعمرو بن العاص وعثمان ، وعلى
البراءة منهم ، وبنو أمية لعنهم الله دينهم الإجبار ، والحجاج لعنه الله لما قتل
أكابر أصحاب علي عليه السلام ، ورمى الكعبة بالمنجنيق ، قال : هذا منه تعالى .
والجبر كان دين الجاهلية وسنتهم ، فلما نزل القرآن نسخه ، فلما جاء بنو أمية
أعادوه وجددوه ، وأعادوا إلى دين الإسلام ما كان من سنن عبدة الأصنام ، كما أدخل
أصحاب النبي في دينه من سنن اليهود ، وذلك أن الله أمر النبي عند خروجه من الدنيا
أن ينهاهم عن أمور هم فاعلوها تأكيدا للحجة عليهم .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 319 › ( 1 ) الأعراف : 159 . ( 2 ) الحديد : 27
. ( 3 ) آل عمران : 144 . ( 4 ) سنن أبي داود : ح 4597 كتاب السنة ، وسنن الدارمي
: ح 2406 كتاب السير . ‹ هامش ص 320 › ( 1 ) الحديث مجمع عليه عند أهل الإسلام ،
راجع : فتح الباري ح 6585 ، وسنن ابن ماجة : ح 4306 ، ومسند أحمد : ح 7933 . ( 2 )
قال الإمام السخاوي : زعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له . المقاصد الحسنة : 49 -
50 ح 39 . وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث مختصر المنهاج رقم 55 : رواه
الدارقطني في الفضائل وابن عبد البر في العلم من طريقه من حديث جابر وقال : إسناد
لا تقوم به حجة - رواه البيهقي في المدخل من حديث ابن عمر وابن عباس بنحوه من وجه
آخر مرسلا وقال : متنه مشهور وأسانيده ضعيفة ولم يثبت في إسناد ، ورواه البزار
وقال : منكر لا يصح ، وقال ابن حزم : مكذوب باطل ( هامش المنتخب من مسند عبد بن
حميد : 251 ح 783 ) . وقال محقق كنوز الحقائق : 1 / 67 ح 751 : الحديث موضوع (
ميزان الاعتدال : 1 / 412 رقم 1511 ولسان الميزان 2 / 488 ) . وقال محقق كتاب شرح
مسند أبي حنيفة : 498 : هذا ليس بصحيح وتفصيله في رسالة ملحقة ( بنود الأنوار )
وضعفه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية : 4 / 146 ح 4193 - 4194 . وممن ضعفه
الخفاجي والملا علي القاري وأحمد والمزني . أنظر : نسيم الرياض : 3 / 24 4
والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج : 3 / 99 وجامع بيان العلم لابن عبد البر : 2 /
89 . * هذا وروي الحديث بلفظ : ( أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) ( لسان
الميزان : 1 / 141 ) . وهو موافق لما روي من طرق في حديث الأمان الذي يشبه به
النبي أهله بالنجوم ، وأيضا له شاهد من حديث الثقلين ، ولا يلزم منه الأمر
بالمتناقضات لأن أهل البيت عليهم السلام عصمهم الله بآية التطهير ولم يكن بينهم
اختلاف . ( 3 ) بحار الأنوار : 23 / 44 ح 90 . ‹ هامش ص 321 › ( 1 ) الأحزاب : 33
. ( 2 ) تقدم الحديث مع مصادره . ، وخبر ( 3 ) مناقب ابن المغازلي : 75 ح 133
والفردوس : 1 / 95 ح 135 ، والطرائف : 1 / 158 ح 165 . ( 4 ) قد فصلنا طرق الحديث
والاحتجاج به من قبل الصحابة وأهل البيت عليهم السلام في كتاب أنواع النصوص على آل
محمد صلوات الله عليهم أجمعين . ‹ هامش ص 322 › ( 1 ) مناقب ابن المغازلي : 177 ح
322 ، والطرائف : 1 / 119 ح 106 . ( 2 ) البحار : 42 / 303 ح 4 و : 24 / 268 ح 40
. ( 3 ) تقدم الحديث . ( 4 ) كنز العمال : 5 / 723 ح 14242 والطرائف : 1 / 131 ح
123 . ( 5 ) بحار الأنوار : 32 / 250 ح 197 . ( 6 ) تقدم الحديث . ( 7 ) بحار
الأنوار : 37 / 180 . ( 8 ) الطرائف : 1 / 174 ح 184 . ‹ هامش ص 323 › ( 1 )
المقصود به أن الخبر الذي أشار إليه في صدر الفصل : وإني تارك فيكم الثقلين ،
وأصحابي كالنجوم . وإنه وجد الاجماع به لمن تبع عليا . ( 2 ) قال جمال الدين
النيسابوري في الأربعين : حديث الغدير تواتر عن أمير المؤمنين وهو متواتر عن النبي
صلى الله عليه وآله ( نقلا عن حاشية إحقاق الحق : 2 / 423 ) . وقال في الأزهار في
مناقب إمام الأبرار : وقد تواتر هذا الخبر حد التواتر ( هامش مناقب ابن المغازلي :
16 ح 23 ط . طهران ) . وقال الحافظ الجزري بعد ذكر نص الغدير : هذا حديث حسن من
هذا الوجه صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين علي وهو متواتر أيضا عن
النبي صلى الله عليه وآله رواه الجم الغفير عن الجم الغفير ، ولا عبرة بمن حاول
تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم . ( أسمى الناقب : 22 - 23 ح 2 ) . وقال شمس
الدين الذهبي : هذا الحديث متواتر ( نقلا عن حاشية إحقاق الحق : 2 / 423 ) . وقال
السيوطي : إنه حديث متواتر ( البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث : 3 / 234 ح
1576 ، والغدير : 1 / 300 عن الأزهار المتناثرة للسيوطي ) . وممن صرح بتواتره :
المناوي في التيسير نقلا عن السيوطي ، وشارح المواهب اللدنية ، والمناوي في الصفوة
( نظم المتناثر من الحديث المتواتر : 206 ح 232 ) . ‹ هامش ص 324 › ( 1 ) كفاية
الطالب : 283 الباب السبعون . ( 2 ) الأعراف : 142 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
ثم إنهم اعتبروا في الدين قول الأوزاعي ،
وأبي نعيم ، والمغيرة بن شعبة ، وسفيان الثوري ، واطرحوا قول آل محمد الذين نزل
عليهم القرآن وولاهم ، والحكمة فيهم وعنهم ومنهم .
فصل وما كفاهم هذا الضلال حتى نسبوا من دان بدين آل محمد أنه يدين بدين
اليهود ، وقالوا : إن المذهب الذي في أيدي الشيعة مأخوذ من كتاب يهودي كان مودعا
عند جعفر الصادق عليه السلام ، ثم ما ، كفاهم هذا الكفر والإلحاد ، حتى أنهم جعلوا
ما نقل عن أهل الله وحزبه أنه مأخوذ من كتب اليهود . وما نقل عن أبي هريرة أنه
مأخوذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فكذبوا ما نقل عن أمناء الوحي والتنزيل ،
وأولياء الرب الجليل ، واعتبروا قول المغيرة بن شعبة الذي سب أمير المؤمنين عليا
عليه السلام على ‹ صفحة 326 › المنبر ( 1 ) .
فصل ثم ما كفى هذا الكفر حتى أنهم سموا شيعة علي أنهم حمير اليهود ، فجعلوا
حزب الله حمير اليهود ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي حزبك حزبي
وحزبي حزب الله ( 2 ) . فإذا قلت لهم : بماذا جاز لكم أن تسموا شيعة علي بهذا
الاسم ، وربهم الله ، ونبيهم محمد ، وشهرهم رمضان ، وقبلتهم الكعبة وحجهم إليها ،
وهم قوم يخرجون الزكاة ، ويصلون الأرحام ، ويوالون عليا وعترته ، فبماذا صاروا
حميرا لليهود ؟ فهلا يقولون لا نعلم أن شيعة علي لا ذنب لهم عند المنافقين ، يسمون
به حمير اليهود ، غير حب علي الذي لو أن العبد جاء يوم القيامة وفي صحيفته أعمال
النبيين والمرسلين ، وليس معها حب علي فإن أعماله مردودة ، وهل يقبل ما لا كمال له
وما لا تمام إلا الدين القيم الكامل وهو حب علي ؟ وكذا لو كان في صحيفته جميع
السيئات وختمها الولاية فإنه لا يرى إلا الحسنات ، وأين ظلام السيئات عند البدر
المنير ، أم أين مس الخطيئات عند نور الأكسير ؟
فصل فإذا قلت لهم : ما تقولون في رجل آمن بالله وبمحمد ، وسلك سبيل
الصالحات ، لكنه كان يبغض عليا ويبغض من يهواه ، فما له عند بعثه يدخل الجنة أو
النار ، فهناك يقولون بل يدخل النار ، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله : من
عاداك فقد عاداني ( 3 ) ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ( 4 ) . وإذا قلت لهم
: فما تقولون في رجل آمن بالله ورسوله وعبده مخلصا ، لكنه لا يعرف فلا نا وفلانا ،
فما تقولون فيه ، مؤمن أم كافر ؟ ويدخل الجنة أم النار ؟ فهناك يتحيرون ، فإن
قالوا نعم ، لزمهم الدليل عليه ، ولا دليل لهم ، وكيف يدخل النار بترك ما لم يعرض
عليه ، وإن قالوا لا ، قلنا : فلم سميتم قوما تبعوا رجلا ‹ صفحة 327 › حبه يدخل
الجنة وبغضه يدخل النار أشرارا ، وسميتم شيعته من اليهود ؟ فهناك فروا من الجهل
وقالوا : لأنهم يقولون بسب الصحابة ، ثم يقولون : قال رسول له : من سب أصحابي فقد
سبني ( 1 ) ، فإذا قلت لهم فهذا الحديث مخالف لاعتقادكم ، أليس عندكم أنه كلما
يصدر من العبد من الأفعال فإنها بقضاء الله وقدره ، والله مريد لأفعال العبد ،
والعبد واسطة في الفعل والإرادة لله ، فما ذنب من يسب إذا كان ذاك بقضاء الله
وقدره ، وكيف يكون الزنا والكفر من العبد بإرادة الله ، والسب لا يكون بإرادة الله
، ثم يقول لهم : وقد رويتم أيضا إن كان مجتهد أصاب فله أجران في اجتهاده ، وإن
أخطأ فله أجر ( 2 ) ، فهؤلاء في اجتهادهم في السب إن أصابوا فلهم ثواب من اجتهد
وأصاب ، وإن أخطأوا فكذلك . ثم نقول لهم : لقد نطق القرآن لهم بالتنزيه والفوز ،
وأنه لا وزر عليهم فيما وزروا فيما زعمتم أن عليهم به الوزر والكفر ، وذاك إما
لحكم القضاء والقدر ، وإن من تسبونه لا إثم عليهم في سبه ، وذلك في قوله تعالى
حكاية عنكم يوم القيامة ، وقالوا : ( ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار *
اتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار ) ( 3 ) ، والناس ليس فيها بإجماع الكتاب
والسنة ، وفحوى هذه الآية وبرهان العقل إلا الكافر والمنافق ، والجنة ليس فيها
كافر ولا منافق إلا مؤمن ومسلم ، وقد شهدت هذه الآية لشيعة علي أنهم ليسوا من
الكفار ولا من المنافقين ، بل من المؤمنين ، وإلا لكانوا في النار ، لكنهم ليسوا
فيها فهم في الجنة ، وليس في الجنة إلا المؤمن ، فتعين أن شيعة علي هم المؤمنون ،
ولم يضرهم سبهم الذي سميتموهم به أشرارا ، بل كانوا به من الأخيار ، فظهر كذبكم
على النبي أنه قال : من سب أصحابي فقد سبني ، وإن ثبت صدق الحديث لزم من صدقه أن
أصحابه آله ، كما تقدم ، فتعين أن بغض المنافقين الشيعة ليس إلا بحبهم لعلي ، ومن
أبغض مواليا لعلي أبغضه الله ، ولذلك قال الصادق عليه السلام : رحم الله شيعتنا
أنهم أوذوا فينا وأننا نؤذي فيهم . ( 4 )
فصل ثم رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه مات ولم يوص إلى أحد ،
وأنه جعل الاختيار إلى أمته ، فاختاروا ‹ صفحة 328 › من أرادوا ، فكذبهم القرآن
ونزه نبيه مما نسبوا إليه ، فقال : ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ) ( 1 ) ،
وكذبهم فيما افتروا عليه فقال : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) ( 2 ) ، فأخبر سبحانه أن كل من اختار من أمره
غير ما اختاره الله ورسوله فليس بمؤمن ، وقد اختاروا فليسوا بمؤمنين بنص الكتاب
المبين . ‹ صفحة 329 ›
فصل ( هفوات العامة في الأنبياء عليهم السلام )
وإذا جاز للناس أن يختاروا إماما فلم لا يجوز أن يختاروا نبيا ، والأشعرية
منعوا العدل وأنكروا ، وجوزوا على الله الظلم ، والقرآن يكذبهم ، ويقول : ( ولا
يظلم ربك أحدا ) ( 1 ) . وجوزوا على الله فعل القبيح وقالوا إنه مريد للخير والشر
، فإذا كان مريدا لهما فلماذا بعث النبيين وصدعهم ؟ وقالوا : إن صفاته زائدة على
ذاته ، فلزمهم أن يعبدوا آلهة شتى . وقالوا : لا يجب على الله شئ فهو يدخل الجنة
من شاء ويدخل النار من شاء ولا يسأل عما يفعل ، ومنادي العدل يناديهم بالتكذيب ،
ويقول : ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ( 2 ) ، ويقول : ( إن الله لا يظلم مثقال
ذرة ) ( 3 ) ، ويقول : ( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم ) ( 4 ) . والمعتزلة قالوا
بالعدل ، وجوزوا الخطأ على النبيين ، وإذا كان الله حكيما عادلا فكيف يبعث نبيا
جاهلا ، وأين العدل إذا ما اتخذ الله وليا جاهلا ؟ ومنعوا الإمامة وقالوا : إن
الحسن والقبح شرعيان لا عقليان . وقالوا : إن الله أمر إبليس بالسجود لآدم ، وأراد
منه أن لا يسجد ، ونهى آدم عن الشجرة ، وأراد منه أكلها ، فكيف يأمر بما لا يريد
وينهى عما يريد ؟ والمشبهة والمجسمة قالوا : الرحمن على العرش استوى ، وقالوا : هو
جسم كالأجسام . وقالوا : هو ملء عرشه وله أصابع لا تعد ( 5 ) وإن قلب المؤمن بين
إصبعين من أصابع الرحمن ( 6 ) . وقالوا : إنه لما أهلك قوم نوح بكى عليهم حتى رمدت
عيناه . ( 7 ) ‹ صفحة 330 › وقالوا : إنه يوم القيامة يضع قدمه في النار ، وتقول
قط قط ( 1 ) . وقالوا إنه ينزل في كل ليلة جمعة إلى سماء الدنيا ، وأن له حمارا
يركبه إذا نزل ( 2 ) ، وإنه يرى يوم القيامة كالبدر في ليلة تمامه . ( 3 ) ثم
وقعوا في الأنبياء فجوزوا عليهم الخطأ وفعل الذنوب والغفلة ( 4 ) ، ورموهم بظاهر
القرآن من قوله : ( وعصى آدم ربه فغوى ) ( 5 ) . وجوزوا على الرسل الكرام فعل
الكبيرة والصغيرة قبل البعثة ، وفعل الصغائر بعد البعثة ، وجوزوا على سيد المرسلين
فعل الخطأ ، وأخذوا بقوله : ( ووضعنا عنك وزرك ) ( 6 ) ، وما علموا أن ذاك وزر
الحرب لا وزر الذنب . وقالوا إن جبرائيل شق صدره وأخرج منه علقة ، فقالوا هذا خط
الشيطان : ثم خاط صدره فبقي أثر المخيط ( 7 ) . وقالوا إن أباه مات كافرا ( 8 ) ،
وهو ابن سيد المرسلين إبراهيم . ففعلوا كل ذلك لتثبت لهم إمامة الرجل ، وجوزوا على
النبي حب السماع والرقص ( 9 ) ، وقالوا إنه تمايل حتى سقط الرداء عن كتفه ، ورووا
أن الرجل دخل عليه وعنده امرأة تنشد الشعر وتضرب الدف فأمرها بالسكوت فسكت فلما
خرج أمرها بالإنشاد فأنشدت فعاد إليه فأمرها بالسكوت فسكتت فلما خرج أمرها
بالإنشاد ، فقالت : يا رسول الله من هذا الذي تأمرني إذا دخل بالسكوت وإذا خرج
بالإنشاد ؟ فقال : هذا رجل يكره الباطل ( 10 ) فجعلوا نبيهم يحب الباطل . ورووا
عنه إذ قال : ما ينفعني شئ كانتفاعي بمال فلان ( 11 ) ، فكذبوا القرآن في قوله (
ووجدك ‹ صفحة 331 › عائلا فأغنى ) ( 1 ) ، ورووا عنه أنه صلى والمرأة تفرك الجنابة
من ثوبه ( 2 ) والله أمره بتطهير ثوبه ، فقال : ( وثيابك فطهر ) ( 3 ) ، فقالوا :
المراد بالثوب القلب . ورووا عنه أنه قال : خذوا ثلث دينكم عن . . . لا بل خذوا
نصف دينكم ( 4 ) ، ورووا عنه أنه صلى العصر ركعتين وسها فقالوا : إنه يا رسول الله
قصرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال : كل ذلك لم يكن والضرورة تقضي أحد الوجهين ، ثم قام
فأعاد ، وقال : وما أنا إلا بشر مثلكم ( 5 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 326 › ( 1 ) حلية الأولياء : 1 / 95 ، ومسند
ابن المبارك : 156 ح 253 ، وهو الذي أمر صعصعة بلعن علي فامتنع ، راجع لطف التدبير
: 1 / 119 باب 15 . ( 2 ) بحار الأنوار : 39 / 93 ح 3 . ( 3 ) الطرائف : 1 / 174 ح
184 . ( 4 ) تقدم الحديث . ‹ هامش ص 327 › ( 2 ) فتح الباري : ح 7352 . ( 3 ) ص :
63 . ( 1 ) الغدير 10 / 270 ‹ هامش ص 328 › ( 1 ) البقرة : 132 . ( 2 ) الأحزاب :
36 . ‹ هامش ص 329 › ( 1 ) الكهف : 49 . ( 2 ) يس : 54 . ( 4 ) النساء : 40 . ( 4
) النساء : 147 . ( 5 ) الكافي : 2 / 353 . ‹ هامش ص 330 › ( 1 ) صحيح مسلم : 4 /
2187 ح 5084 كتاب الجنة ، وأساس التقديس : 141 فصل 26 . ( 2 ) تنزيه الشريعة : 1 /
138 ، والموضوعات : 1 / 79 . ( 4 ) راجع الطرائف : 2 / 49 فقد فصل ذلك . ( 5 ) طه
: 121 ( 6 ) الشرح : 2 . ( 7 ) رواه مسلم في كتاب الإيمان : ح 236 . ( 8 ) راجع
رسائل السيوطي ، رسالة نجاة آباء الرسول . ( 10 ) إحياء علوم الدين : 2 / 278 كتاب
آداب السماع . ‹ هامش ص 331 › ( 1 ) الضحى : 7 . ( 3 ) المدثر : 4 . ( 4 ) وسائل
الشيعة 1 / 47 . ( 5 ) فتح الباري : ح 482 . ( 6 ) راجع الطرائف : 2 / 302
بتحقيقنا . ( 7 ) مسند أحمد : ح 79 . ( 8 ) النجم : 3 . ( 9 ) الكهف : 49 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
فصل وكيف جاز في الحكمة والعدل أن يبعث في
الناس نبيا جاء جاهلا وأمينا خائنا فيكون إذا هو المغري بالقبيح والفاعل له .
ورووا أنه أتى حايط بني النجار ففحص وبال قائما ( 6 ) ، ورووا أنه صلى خلف الرجل
وصلى خلف الأعمى ابن مكتوم وقال : لا يخرج نبي من الدنيا حتى يصلي خلف رجل من أمته
( 7 ) . أقول : وكيف جاز للراعي أن يقتدي برعيته وقد أمروا أن يقتدوا به ، والعقل
السليم ينكر هذا ويكفر من قال به ؟ ثم نسبوا إليه في الكلام اللغو والهجر ؟ والله
قد نزهه عنه ، وقال : ( وما ينطق عن الهوى ) ( 8 ) . ثم ما كفاهم ذاك حتى خالفوا
مقالة أهل الجنة ومقالة أهل النار وكذبوا على ربهم ونبيهم وكتابهم ، أما تكذيبهم
للكتاب فإن الله يقول : ( ولا يظلم ربك أحدا ) ( 9 ) ، وهم يقولون كلما يصدر في
العالم من خير أو شر فإن الله مريده وفاعله ، والقرآن ينطق بتكذيبهم ، فيقول : (
ومن شاء ‹ صفحة 332 › فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( 1 ) . والرسول يقول : إن هي إلا
أعمالكم وأنتم تجزون فيها إن خيرا فخير وإن شرا فشر ( 2 ) ، ويقول [ الله تعالى ]
: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر
بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ) ( 3 ) . وأما كذبهم في الآخرة فإن الله
إذا قال لهم أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ( 4 ) . هناك كذبوا وحلفوا وقالوا : (
والله ربنا ما كنا مشركين ) ( 5 ) . فكذبوا على أنفسهم وذبوا ربهم ، وأما كذبهم
على نبيهم فإنه قوله : نقلت من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية ( 6 ) ، وصدقه
القرآن فقال : ( وتقلبك في الساجدين ) ( 7 ) ، أي في أصلاب الموحدين ( 8 ) ، وهم
يكذبون العقل والنقل ، ويقولون : ولد من كافر ، ويقولون : سها ونسي ، والله يقول :
( سنقرئك فلا تنسى ) ( 9 ) ، نفى عنه النسيان ، ولو كانت للنهي لكانت لا تنس لكنها
لا تنسى . وأما مخالفتهم لمقالة أهل الجنة فإن أهل الجنة لما قدموا إليها قالوا :
الحمد لله الذي هدانا لهذا ( 10 ) ، فشكروا ربهم على الهدى ، وأهل النار لما
وردوها قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ) ( 11 ) فأقروا أن الشقاء غلب عليهم ،
فالقدرية في اعتقادهم يخالفون العقل والنقل والقرآن والرحمن . وأما العلوية ففرقها
ثلاثة : الزيدية ، والغلاة ، والإمامية الاثنا عشرية . فالزيدية قالوا بإمامة علي
والحسن والحسين وزيد بن علي . وهم خمسة عشر فرقة : البترية ، والجارودية ،
والصالحية ، والحريزية ، والصاحبية ، واليعقوبية ، والأبرقية ، والعقبية ،
واليمانية ، ‹ صفحة 333 › والمحمدية ، والطالقانية ، والعمرية ، والركبية ،
والخشبية ، والحلسفية ، والكل منهم لا يثبتون للإمام العصمة . ويقولون : إن
الإمامة مقصورة على ولد فاطمة عليها السلام ، ومن قام منهم داعيا إلى الكتاب
والسنة وجبت نصرته ، ومنهم من يرى المتعة والرجعة ، والمحمدية منهم يقولون : إن
محمد بن عبد الله لابن الحسن حي لم يمت ، وأنه يخرج ويغلب ، وهم الجارودية ،
والعمرية يقولون : إن يحيى بن عمر الذي قتل أبوه بسواد الكوفة حي لم يمت ، وأنه يخرج
ويغلب . أما الصالحية فهم أصحاب الحسن بن صالح ويعرفون بالسرية ، وهم يرون أن عليا
أفضل الأمة بعد نبيها ، لكنهم لا يسبون الشيخين ، ويقولون إن عليا بايعهما بيعة
صلاح ، ويقولون إن عليا لو حاربهما أحل دماءهما لكنه ( 1 ) امتنع ، وينكرون المتعة
والرجعة . والأبراقية هم أصحاب عباد بن أبرق الكوفي ، وهم يخالفون الجارودية ولا
ينكرون على الشيخين ، ولا يرون المتعة والرجعة ، والحريزية وهم أصحاب حريز الحنفي
الكوفي ، وهم كالصالحية لكنهم يزعمون أن عليا لو امتنع من بيعة الشيخين أحل دمهما
، وهؤلاء يبرأون من عثمان ، ويكفرون أصحاب علي ، ويدينون مع كل داع دعا بالسيف من
آل محمد صلى الله عليه وآله . الثاني من الشيعة الكيسانية وهم أربع فرق :
المختارية ، والمكرية ، والإسحاقية ، والحزنية . الثالث من الشيعة الغلاة وهم تسع
فرق : الواصلة ، والسبأية ( 2 ) ، والمفوضة ، والمجسمة ، والمنصورية ، والعراقية ،
والبراقية ، واليعقوبية ، والعمامية ، والإسماعيلية ، والداودية ، واتفق الكل من
وهؤلاء على إبطال الشرايع ، وقالت فرقة منهم : إن الله يظهر في صورة خلقه ، وينتقل
من صورة إلى صورة ، ولكل صورة يظهر فيها باب وحجاب ، إذا عرفها الإنسان سقط عن
التكليف ، وهؤلاء خالفوا العقل والنقل ، أما العقل فإنه يدعو العبد إلى طاعة الله
من حيث إنه مالك منعم أحسن أم ابتلى . وأما النقل فقد قال صلى الله عليه وآله :
بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة . وقالت فرقة منهم : إن النبي والأئمة يخلقون
ويرزقون ، وإليهم الموت والحياة ، وإن الواجب كالصلاة ، والمحرم كالخمر ، أشخاص من
رجال ونساء ، وإذا عرفها الإنسان ظاهرا وباطنا حلت له المحرمات ، وسقطت عنه
الواجبات . وافترقت هذه السبأية 23 فرقة : الحصيبية ، والخدلجية ، والنضرية ،
والإسحاقية ، والقمية ، ‹ صفحة 334 › والقتبية ، والجعدية ، والناووسية ، والفضلية
، والسرية ، والطيفية ، والفارسية ، واليعقوبية ( 1 ) ، والعمرية ، والمباركية ،
والميمونية . فالسبأية أصحاب علي بن سبأ ( 2 ) . وهو أول من غلا وقال : إن الله لا
يظهر إلا في أمير المؤمنين وحده ، وإن الرسل كانوا يدعون إلى علي ، وإن الأئمة أبوابه
، فمن عرف أن عليا خالقه ورازقه سقط عنه التكليف . وهذا كفر محض . والخصيبة أصحاب
يزيد بن الخصيب ، وعنده أن الله لا يظهر إلا في أمير المؤمنين والأئمة من بعده ،
وأن الرسل هو أرسلهم يحثون عباده على طاعته ، وأن الرجل هو إبليس الأبالسة ، وأن
ظلمة زريق قديمة مع نور علي لأن الظلمة عكس النور . والإسحاقية وهم أصحاب إسحاق بن
أبان الأحمر ، وله مع الرشيد قصص . والقمية هم أصحاب إسماعيل القمي ، وهم يقولون :
إن الله يظهر في كل واحد كيف شاء ، وإن عليا عليه السلام والأئمة نور واحد . وأما
القتبية فإنهم يقولون : إن الباقر عليه السلام حي لم يمت وإنه يظهر متى شاء . وإن
الفطحية وهم أصحاب عبد الله بن جعفر الأفطح ، وهؤلاء نسبوا الإمامة إلى الصادق
عليه السلام ، وادعوا فيه اللاهوت . والواقفة وقفوا عند موسى ، وقالوا : هو حي لم
يمت ، ولم يقتل ، وإنه يعود إليهم . والفارسية قالوا : إن بين الله وبين الإمام
واسطة ، وعلى الإمام طاعة الواسطة وعلى الناس طاعة الإمام . واليعقوبية هم الواقفة
، ودينهم انتهى إلى التناسخ . والمباركية وهؤلاء ينتهون إلى الصادق ، ويقولون إن
إسماعيل ابنه يحيى بعد الموت ويملأ الأرض عدلا . والميمونية أصحاب عبد الله بن
ميمون بن مسلم بن عقيل ( 3 ) . ‹ صفحة 335 › والفرقة المفوضة وشعبها عشرون فرقة ،
منهم الفواتية وهم أصحاب فوات بن الأحنف ، وهؤلاء قالوا : إن الله فوض الخلق
والأمر والموت والحياة والرزق إلى علي والأئمة من ولده ( 1 ) ، وإن الذي يمر بهم
من الموت فهو على الحقيقة ، وإن الملائكة تأتيهم بالأخبار ، ومنهم من يقول : إن
الله يحل في هذه الصورة ويدعو بنفسه إلى نفسه . والعمرية أصحاب عمر بن الفرات وهو
شيخ أهل التناسخ ، والدانقية أصحاب الحسن بن دانق وهؤلاء عندهم : إن الإمام متصل
بالله كاتصال نور الشمس بالشمس ، فليس هو الله ولا غيره فلا هو مباين ولا ممازج (
2 ) . والخصيبية يعتقدون أن الإمام يؤيد بروح القدس ويوقر في إذنه ، والخمارية
أصحاب محمد بن عمر الخماري البغدادي ، وهم كالإمامية في الترتيب ، إلا أن عندهم أن
الإمام في الخلق كالعين المبصرة ، واللسان الناطق ، والشمس المشرقة ، وهو مطل على
كل شئ . أقول : عجبا لمقسم هذه الفرق ، كيف جعل هؤلاء من الغلاة ، وقد ذكر أولا
أنهم من الإمامية ، ثم قال : إلا إن عندهم أن الإمام كالعين المبصرة واللسان
الناطق ، فدل على أن هذا الرجل ليس بعارف بمرتبة الولي المطلق ، وهو عين الله
الناظرة في عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، واللايوبية أصحاب الجالوت القمي ،
وعندهم أن الإمام هو الإنسان الكامل فإذا بلغ الغاية سكن الله فيه وتكلم منه . ومن
الفرق الغالية الكنانية ، وهم ثلاثة عشر فرقة : المختارية ، والكيسانية ،
والكرامية ، والمطلبية والكل أجمعوا على أن محمد بن الحنفية هو الإمام بعد أبيه ،
وأن كيسان ( 3 ) هو المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وأن هذا الاسم سماه به أمير
المؤمنين ، وهؤلاء هم أصل التناسخ . والمسلمية أصحاب أبي مسلم الخراساني .
والكنانية أصحاب عامر بن وائل الكناني ، وعندهم أن الإمام محمد ابن الحنفية ، وأنه
حي بجبال رضوى ، وأنه يخرج في عصبة من الملائكة فيملأها عدلا ، والعرفية أصحاب عرف
ابن الأحمر ، ‹ صفحة 336 › والسماعية أصحاب سماعة الأسدي ، وكان يظهر الأعاجيب من
المخاريق والنيرنخات والسيميا وغير الفرائض ، والغمامية ويقولون : إن عليا ينزل في
الغمام في كل صيف ، ويقولون إن الرعد صوت علي عليه السلام . والأزورية قالوا إن
عليا صانع العالم .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 331 › ( 1 ) الضحى : 7 . ( 3 ) المدثر : 4 . (
4 ) وسائل الشيعة 1 / 47 . ( 5 ) فتح الباري : ح 482 . ( 6 ) راجع الطرائف : 2 /
302 بتحقيقنا . ( 7 ) مسند أحمد : ح 79 . ( 8 ) النجم : 3 . ( 9 ) الكهف : 49 . ‹
هامش ص 332 › ( 1 ) الكهف : 29 . ( 2 ) بتفاوت الغدير 5 / 452 . ( 3 ) الأعراف :
28 . ( 4 ) الأنعام : 22 . ( 5 ) الأنعام : 23 . ( 6 ) الشفا : 1 / 83 شرف نسبه .
( 7 ) الشعراء : 219 . ( 8 ) الطبقات الكبرى : 1 / 22 ، والشفا : 1 / 15 ، وتاريخ
الخميس : 1 / 234 . ( 9 ) الأعلى : 6 . ( 10 ) الأعراف : 23 . ( 11 ) المؤمنون :
116 . ‹ هامش ص 333 › ( 1 ) يتفق الصالحية مع المعتزلة في القول في أن أمير
المؤمنين بايع الخلفاء ورضي بإمامتهم ، ولو حاربهم لحكموا بكفرهم . ( 2 ) في الأصل
المطبوع : السبابية . ‹ هامش ص 334 › ( 1 ) المشهور أنه عبد الله بن سبأ . ( 2 )
إن عبد الله هو ابن ميمون الفلاح ، وقد زعموا أنه ادعى النسب إلى مسلم بن عقيل حين
نزل على بني ( 13 ) في الأصل المطبوع : اليعقوبية . ‹ هامش ص 335 › عقيل بالبصرة .
وزعم بعض دعاة الإسماعيلية أنه من أولاد سلمان الفارسي . ( 1 ) بنحو الاستقلال . (
2 ) يتضح مراد هذه الفرقة : بالصورة تنعكس للشخص في المرآة فليست هي الشخص المقابل
للمرآة ، وليست هي غيره ، وليست هي شيئا مباينا ولا ممازجا . ( 3 ) كيسان هو مولى
محمد بن الحنفية ، وليس هو المختار الثقفي . ‹ هامش ص 336 › ( 1 ) في الأصل يحكمون
.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
الفرقة الرابعة من هذه الفرق المحمدية ، وهم
أربع فرق : المحصية ، وعندهم أن الله لم يظهر إلا في شيت بن آدم ، وأن محمد هو
الخالق الباري ، وأن الرسل هو أرسلهم ، وأن الأئمة من ولده أبوابه ليدلوا عباده
على ما شرع لهم . والبهنمية قالوا : إن الله لم يزل يظهر ويدعو الناس إليه وإلى
عبادته ، وكل من أظهر قدرة يعجز عنها الخلق فهو الله ، لأن القدرة لا تكون إلا حيث
القادر ، وأن القدرة صفة الذات ، والبهمنية قالوا : إن الله لم يظهر إلا في أمير
المؤمنين عليه السلام والأئمة من بعده ، وإنه أرسل الرسل عبيدا لهم ، واحتجوا بقول
أمير المؤمنين في خطبته : الحمد لله الذي هو في الأولين باطن ، وفي الآخرين ظاهر ،
وأثبت للرسل المعجزات وللأولياء الكرامات . وأما النجارية فهم أصحاب الحسن النجار
، وهذا ظهر باليمن سنة 292 وادعى أنه الباب ، فلما أجابه الناس ادعى الربوبية ،
وصار إليه رجل يقال له الحسن بن الفضل الخياط وصار يدعو إلى النجار ويزعم أنه بابه
، وأمر الناس بالحج إلى دار النجار ، ففعلوا وطافوا بها أسبوعا ، وحلقوا رؤوسهم ،
وكان النجار والخياط يجمعون بين الرجال والنساء ، ويحملون ( 1 ) بعضهم على بعض ،
فإذا ولدت المرأة من أبيها وأخيها سموه الصفوة . والحلاجية أصحاب الحسين بن منصور
الحلاج ، ظهر ببغداد سنة 318 وكان أعجميا ، وادعى أنه الباب ، وظفر به الوزير علي
بن عيسى ، فضربه ألف عصا ، وفصل أعضاءه ولم يتأوه ، وكان كلما قطع منه عضو قال :
وحرمة الود الذي لم يكن * يطمع في إفساده الدهر ما قد لي عضو ولا مفصل * إلا وفيه
لكم ذكر وأما الجبابرة والحميرية فإنهم تلاميذ الصادق عليه السلام ، وعنه أخذوا
علم الكيمياء . وأما الخوارج وهم المارقون من الدين ، وهم تسع فرق : الأزارقة وهم
أصحاب نافع الأزرق ، وهو الذي حرم التقية . والأباضيون وهم أصحاب عبد الله بن أباض
، وهم بحضرموت والمغرب والبواريخ وتل أعفر ، وهم يحبون الشيخين ويسبون عليا وعثمان
، وسموا خوارج لأنهم كانوا في ‹ صفحة 337 › عسكر علي يوم صفين ، ثم مرقوا وخرجوا
عن طاعة الإمام العادل فكفروا ولن تنفعهم عبادتهم ، والناكثون : طلحة والزبير ،
والقاسطون : معاوية وعمرو بن العاص ، وهم أصحاب البغي . وأما الإمامية الاثنا
عشرية ( 1 ) ، فإنهم أثبتوا لله الوحدانية ، ونفوا عنه الاثنينية ، ونهوا عنه
المثل والمثيل ، والشبه والتشبيه ، وقالوا للأشعرية : ( إن ربنا الذي نعبده ونؤمن
به ليس هو ربكم الذي تشيرون إليه ، لأن الرب مبرأ عن المثلات ، منزه عن الشبهات ،
متعال عن المقولات ، مبرأ عن الخطأ والظلم ، حكم عدل لا يتوهم ولا يتهم ، ولا يجوز
عليه فعل القبيح ، ولا يضيع عمل عامل ، ويجب عليه وفاء العهد ، ولا يجب عليه
الوفاء بالوعيد ، وإن الحسن والقبح عقليان لا شرعيان ، وإنه تعالى مريد للطاعات ،
كاره للمعاصي والسيئات ، وإن صفاته عين ذاته المقدسة ، ذات واحدة أحدية أبدية
سرمدية قيومية رحمانية لها الجلال والإكرام ، فإنه لا جبر ولا تفويض ، بل مرتبة
بين مرتبتين ، وحالة بين حالتين ) ، وأثبتوا أن الأنبياء معصومون صادقون ، وأن
الله بعثهم بالهدى ودين الحق رسلا مبشرين ومنذرين صادقين ، لا يجوز عليهم الخطأ
عمدا ولا سهوا . ثم قالوا للأشعرية : إن نبيكم الذي تقعون فيه وتشيرون إليه بالخطأ
والنقائص ليس نبينا الذي أمرنا باتباعه ، لأن نبينا طيب المرسلين وحبيب رب
العالمين ، الكائن نبيا ، وآدم بين الماء والطين سيد معصوم ، طاهر المولد ، زائد
الشرف ، عالي الفخار ، سيد أهل السماوات والأرض ، طيب طاهر ، علي زاهر معصوم ،
منزه عن الذنوب والغفلة . ثم أثبتوا أصلا رابعا وهو الإمامة ، وبرهنوا أنها لطف
واجب على الله نصبه وتعيينه ( 2 ) ، وعلى الرسول تبيينه ، لحفظ الثغور وتدبير
الأمور ، وسياسة العباد والبلاد ، وأن معرفة الإمام الحق واجبة على كل مكلف كوجوب
معرفة النبي ، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات كافرا ، وأثبتوا أن الإمامة
كمال الدين ، وعين اليقين ، ورجح الموازين ، وأنها حرز من الربوبية فلا تنسخ أبدا
، فهي من الأزل ولم تزل ، وأنها سفينة النجاة ، وعين الحياة ، وهؤلاء تمسكوا
بسلسلة العصمة وسلكوا إلى الصراط المستقيم والنهج القويم . وذلك بأن الفرق الثلاث
والسبعين أصولها ثلاثة : أشعرية وهم قالوا بالتوحيد والنبوة والمعاد ، ‹ صفحة 338
› وأنكروا العدل . والإمامية ، والمعتزلة . والإمامية قائلون بذلك ، لكن المعتزلة
أثبتوا العدل وأنكروا الإمامة ، والإمامية قالوا بمقالة الفريقين وزادوا أصلا
رابعا ، وهو ختم الأعمال ، وهو إمامه فكانت الفرقة المتممة ، فلها النجاة من ثلاثة
وسبعين فرقة ، لأنهم أقروا بالبعث والنشور وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله
يبعث من في القبور ، وأن أعمال المنافقين حابطة لأنها لم تقع على وجه الحق ، فما
كان منها من العبادات فهو على غير ما أمر الله ، وكله زيف وشبه الشبيه ، وشبيه
الموقوف عليه صحة العبادات ، وقبولها الطهارة ، وهي فاسدة ، ففسد ما هو مبني على
فساد . وثانيها النيات ، وهي غير صحيحة ، وكذا صدقاتهم لأنها وقعت على غير الحق ،
لأن ما في أيدي المنافقين مغصوب ، ولا قبول للفاسد والمغصوب . ثم إن المؤمن العارف
يعتقد أن تبدل السيئات للمؤمن العارف حسنات ، وأثبتوا أن الرب المعبود واجب الوجود
، منزه عن الرؤية بعين البصر ، أما بعين البصيرة فلا ، وقالوا للأشاعرة : إن ربكم
الذي تدعون رؤيته يوم القيامة ليس هو ربنا الذي نعبده ، لأن ربنا الذي نعبده ليس
كمثله شئ ، ومن لا مثل له لا يرى ، فالرب المعبود لا يرى ، وأن الرب المخصوص
بالرؤية يوم القيامة هو الذي أنكرتم ولايته في الدنيا ، فكفرتم فيه لعداوته وإنكار
ولايته ، لأنه هو الولي والحاكم الذي له الحكم وإليه ‹ صفحة 339 › ترجعون ، وإليه
الإشارة بقوله عليه السلام : أنا العابد أنا المعبود ( 1 ) ، وأثبتوا أن عليا مولى
الأنام ، وأنه أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله حظا ونصيبا ، وأنه الأعلم
والأزهد والأشجع ( 2 ) والأقرب ( 3 ) ، وأنه معصوم واجب الطاعة خصا من العلي
العظيم ، ونصا من الرؤوف الرحيم . وأنه صلى الله عليه نص على الحسن ، ونص الحسن
على الحسين ، والحسين نص على علي بن الحسين من بعده ، حتى انتهى إلى الخلف المشار
إليه ( 4 ) ، وأن كل إمام منهم أفضل أهل زمانه ( 5 ) ، وأنه لا يحتاج في العلم إلى
أحد ، وأن أمرهم واحد ونورهم واحد ، ولا يتقدم عليهم إلا من كفر بالله ورسوله ،
وأن معرفتهم واجبة وطاعتهم لازمة ، وأن التبرؤ من أعدائهم واجب كوجوب معرفتهم ،
وأن فضلهم أشهر من الشمس أحياء وأمواتا ، وأن قبورهم ومشاهدهم ملجأ القاصدين وملاذ
الداعين ، وأنهم الوسيلة والذخيرة يوم الحسرة ، وأن التابعين لهم هم أهل النجاة ،
ولهم في معرفتهم الحسنات . ولقد رأيت في دهري عجبا رجلا من أهل الفتوى ، عالما من
أهل الدعوى ، قد سئل عن أمير المؤمنين : أيعلم الغيب ؟ فعظم عليه السؤال ، وكبر
لديه هذا المقال ، وقال : لا يعلم الغيب إلا الله . ثم رأيته بعد ذاك باعتقاد جازم
، وعقل عادم ، ولحية نفيشة ، وعقل أخف من ريشة ، قد جلس إلي جنب أفاك أثيم ، وقال
له : كيف ترى حالي في هذه السنة ، وكيف طالعي ، وهل على نقص أم زيادة ، وكيف تجد
رملي على ماذا يدل ؟ فلما قال له حشوا من الكذب صدقه واعتقده ، فقام يصدق الكهان ،
ويطعن في ولي الرحمن . وجاء مكذب الإمام المعصوم الذي برأه الله من الذنوب ،
وأطلعه على الغيوب ، ويصدق الأفاك الأثيم في تعجيله وتأخيره . فانظر إلى غيب
الأذهان كيف يشرون الكذب بالإيمان ، وتصديق قول الكهان ، ويرتابون في قول سفير
القرآن ، ويدعون بعد ذلك الإيمان ، وأنى لهم الإيمان ، وهم مرتابون في قول العلي
العظيم ، ويصدقون قول الأفاك الأثيم . ‹ صفحة 341 ›
فصل ومن أين للمنجم معرفة علم حجب الوصي ! وهل يخدع بالفال إلا عقول الأطفال ؟
هذا ومولاهم عن ذلك قد نهاهم ، وهم مع النهي البليغ للكاهن المنجم يعتقدون ،
ولكذبه يصدقون ، وبإفكه يفرحون ، ولما حذرهم يحذرون ، ولإمامهم يكذبون ، وفي
أقواله يرتابون ، ولفضله ينكرون ، ولمن رواه يعادون ويتهمون ، فإنا لله وإنا إليه
راجعون . ولما رويت حكاية سلمان ، وأنه لما خرج عليه الأسد قال : يا فارس الحجاز
أدركني ، فظهر إليه فارس وخلصه منه ، وقال للأسد : أنت دابته من الآن . فعاد يحمل
له الحطب إلى باب المدينة ( 1 ) امتثالا لأمر علي عليه السلام ، فلما سمعوا قالوا
هذا تناسخ . وقالوا وأين كان علي هناك ؟ وكيف كان قبل أن يكون ؟ وأقبلوا ينكرون ما
هم له مصدقون ولا يشعرون . فقلت لهم : أليس قد روى ابن طاووس في كتاب المقتل مثل
هذا بعينه ، وقال : إن الحسين لما سقط عن فرسه يوم الطف قالت الملائكة : ربنا يفعل
هذا بالحسين وأنت بالمرصاد ؟ فقال الله لهم : انظروا إلى يمين العرش . فنظروا فإذا
القائم قائما يصلي ، فقال لهم : إني أنتقم لهذا بهذا من هؤلاء . فقالوا بلى . ( 2
) . فقلت : وأين كان القائم هناك ؟ وكيف كان قبل أن يكون ؟ وأين يكونون أولئك عنده
إذا ظهر ؟ وكيف رويتم هذا الحديث بعينه فصدقتموه في المستقبل وكذبتموه في الماضي ،
وما الفرق بين الحالين ؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 336 › ( 1 ) في الأصل يحكمون . ‹ هامش ص 337 ›
( 1 ) راجع : أمالي الشيخ الصدوق 510 المجلس 93 . ( 2 ) راجع أمالي الشيخ الصدوق
537 المجلس 97 . ‹ هامش ص 339 › العالية : 4 / 85 ح 4030 ، وكنز العمال : 11 / 753
ح 33670 ) . وعن الشعبي : ( كان علي أشجع الناس تقر العرب بذلك ) ( الإستيعاب : 3
/ 363 ) . ( 3 ) الصواعق المحرقة : 270 ، وجواهر العقدين : 380 . ( 4 ) قد فصلنا
ذلك في كتابنا النصوص على آل محمد . ( 5 ) قد ذكرنا كون كل إمام أفضل أهل زمانه في
كتابنا النصوص على آل محمد . ‹ هامش ص 341 › ( 1 ) مدينة المعاجز : 2 / 11 . ( 2 )
الكافي : 1 / 465 ، ومعجم الإمام المهدي : 3 / 382 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
فيا أيها التايه في تيه حيرته وارتيابه ،
وهو يزعم أنه مؤمن آمن من عذابه ، كيف أنت وما أمنت ولا أمان إلا بالإيمان ، والله
يقول وقوله الحق : ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا ) ( 3 ) . فكيف يأمرهم بالإيمان
وقد آمنوا ؟ ومعناه يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله آمنوا بسر آل محمد
وعلانيتهم ، فإن ذلك حقيقة الإيمان وكماله ، لأن عليا هو النور القديم المبتدع قبل
الأكوان والأزمان ، المسبح لله ولا فم هناك ولا لسان ، أليس كان في عالم النور قبل
الأزمان والدهور ، أليس كان في عالم الأرواح قبل ‹ صفحة 342 › خلق الأجسام
والأشباح ؟ أما سمعت قصة الجني ، إذ كان عند النبي صلى الله عليه وآله جالسا ،
فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فجعل الجني يتصاغر لديه تعظيما له وخوفا منه ،
فقال : يا رسول الله إني كنت أطير مع المردة إلى السماء قبل خلق آدم بخمسمائة عام
، فرأيت هذا في السماء فأخرجني وألقاني إلى الأرض ، فهويت إلى السابعة منها ،
فرأيته هناك كما رأيته في السماء ( 1 ) . أيها السامع لهذه الآثار ، لا تبادر إلى
التكذيب والإنكار ، فإن الشمس إذا أشرقت يراها أهل السماء كما يراها أهل الأرض ،
وينفذ ضوؤها ونورها في سائر الأقطار ، وهي في مكانها من الفلك الدوار ، وليست
الشمس أعظم ممن خلقت من نوره سائر الأنوار ، دليله قوله : أول ما خلق الله نوري ،
ثم عصره فخلق منه أرواح الأنبياء ، ثم عصره عصرة أخرى فخلق منه الشمس والقمر وسائر
النجوم ( 2 ) . فليت شعري ماذا أنكر من أنكر ؟ أأنكر وجوده قبل ا لأشياء ، أم أنكر
قدرته على الظهور فيما يشاء ، ومن أنكر الأول فهو أعور ، ومن أنكر الثاني فإما أن
يعمى أو يبصر ! أما تنظر إلى الماء إذا أفرغ في الأواني الزجاجية ذات الألوان كيف
يتلون بألوانها للطفه وبساطته ، والمادة الشفافة إذا أدنيتها إلى خط مرقوم فإنك
تقرأه منها ، والقمر إذا طل على البحر فإنك تراه في أفق السماء وفي قعر الماء ، ومحمد
وعلي هما البحر اللجي ، والماء الذي منه كل شئ حي ، والكلمة التي بها ظهر النور ،
ودهرت الدهور ، وتمت الأمور ، إلى يوم النشور . ويكفي في هذا الباب قولهم : أمرنا
صعب مستصعب لا يحمله نبي مرسل ولا ملك مقرب ( 3 ) . وإذا كان أمرهم وسرهم لا يحمله
الملائكة المقربون ، ولا الأنبياء والمرسلون ، وسكان الحضرة الإلهية لا يعرفون ،
فكيف رددتم ما لم تحيطوا به خبرا وكذبتموه ؟ ألم تعلموا أنهم الشجرة الإلهية التي
كل الموجودات أوراقها وألفاقها ؟ والسر الخفي المجهول الذي لا تدركه الأفهام
والعقول ، ولله در أبي نؤاس إذ يقول : لا تحسبني هويت الطهر حيدرة * لعلمه وعلاه
في ذوي النسب ولا شجاعته في كل معركة * ولا التلذذ في الجنات من أربي ‹ صفحة 343 ›
ولا التبرأ من نار الجحيم ولا * رجوته من عذاب الحشر يشفع بي لكن عرفت هو السر
الخفي فإن * أذعته حللوا قتلي . . . ( 1 ) ومن ذاك ما رواه المقداد بن الأسود قال
: قال لي مولاي يوما آتني سيفي ، فجئته به ، فوضعه على ركبتيه ، ثم ارتفع في
السماء وأنا أنظر إليه حتى غاب عن عيني ، فلما قرب الظهر نزل وسيفه يقطر دما ، قلت
: يا مولاي أين كنت ؟ فقال : إن نفوسا في الملأ الأعلى اختصمت فصعدت فطهرتها .
فقلت : يا مولاي وأمر الملأ الأعلى إليك ؟ فقال : أنا حجة الله على خلقه من أهل
سماواته وأرضه ، وما في السماء من ملك يخطو قدما عن قدم إلا بإذني . ( 2 ) أنكر
هذا الحديث قوم وعارض فيه آخرون ، فقالوا : كيف صعد إلى السماء وهو جسم كثيف ؟
فقلت في جواب من أنكر : إن عليا ليس كآحاد الناس [ وليسوا ] كعلي ، وذاك غير جائز
، وأين النور من الظلام ، والأرواح من الأجسام ، ومن لا ينكر صعود النبي صلى الله
عليه وآله لا ينكر صعود الولي ، ولا فرق بينهما في عالم الأجسام ، ولا في الرفعة
والمقام . أما سمعت ما رواه ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وآله لما جاءه
جبرائيل ليلة الأسراء بالبراق عن أمر الله بالركوب ، فقال له النبي صلى الله عليه
وآله : ما هذه ؟ فقال : دابة خلقت لأجلك ولها في جنة عدن ألف سنة ، فقال له النبي
صلى الله عليه وآله : وما سير هذه الدابة ؟ فقال : إن شئت أن تجوب بها السماوات
السبع والأرضين السبع فتقطع سبعين ألف عام ألف مرة كلمح البصر قدرت ( 3 ) ، وإذا
كانت دابة النبي صلى الله عليه وآله لها هذه القدرة ، فكيف من لأجله وبأجله خلقت
كل دابة . يؤيد هذا ما رواه محمد بن الحسن الصفار في كتاب بصائر الدرجات ، قال :
إن رجلا من علماء اليمن حضر مجلس أبي عبد الله ، فقال له : يا يمني ، أفي يمنكم
علماء ؟ قال : نعم ، قال : فما بلغ عالمكم ؟ قال : يسير في ليلة واحدة سير شهرين
تزجر الطير ، فقال له أبو عبد الله : إن عالم المدينة أفضل ، فقال اليمني : وما
يفعل ؟ قال : يسير في ساعة من النهار مسيرة ألف سنة حتى يقطع ألف عالم مثل عالمكم
هذا ( 4 ) . يؤيد هذا ما رواه صاحب التحف : أن عليا عليه السلام مر إلى حصن ذات
السلاسل ، فدعا سيفه ودرقته ، ‹ صفحة 344 › وترك الترس تحت قدميه والسيف على
ركبتيه ، ثم ارتفع في الهواء ، ثم نزل على الحائط وضرب السلاسل ضربة واحدة فقطعها
، وسقطت الغرائر ، وفتح الباب ( 1 ) ، وهذا مثل صعود الملائكة ونزولهم . ثم نقول
للمنكر : ألم تعلم أن العالم بالله ، المعرض عمن سواه ، إن شاء ارتفع في الهواء ،
وإن شاء مشى على الماء ، واخترق الأجواء . فإن عظم هذا لديك فانظر : أليس قد ارتفع
إدريس وعيسى ( 2 ) ؟ أليس قد شق البحر لموسى ( 3 ) ؟ أليس قد ركب سليمان على
الهواء ( 4 ) وركب الخضر على الماء ( 5 ) ؟ أليس كل الموجودات مطيعة للمولى الولي
بإذن الرب العلي ؟ أليس الكل دابة وهو الحاكم المتصرف ، وإلا لم يكن مولى للكل ،
وهو مولى الكل ، فالكل طوعه ومسخرات بأمره . ‹ صفحة 345 ›
فصل ( علم الكتاب عند آل محمد عليهم السلام )
أما بلغك وصف شق الأرض لاصف ، لما دعا بحرف واحد من 82 حرفا ، وهي بأجمعها
عند أمير المؤمنين عليه السلام ، وبذلك نطق الذكر الحكيم . وإليه الإشارة بقوله :
قال الذي عنده علم من الكتاب ( 1 ) ، وقال عن أمير المؤمنين : ومن عنده علم الكتاب
( 2 ) ، لا بل هو هي وهي هو لأنه الكلمة الكبرى ، وإليها الإشارة بقوله : لقد رأى
من آيات ربه الكبرى ( 3 ) ، وليس هذا من باب التبعيض ولكنه مقلوب الخط ، ومعناه
لقد رأى الكبرى من آيات ربه ، وقال لربه من آياتنا الكبرى ، وقال : أنا مكلم موسى
من الشجرة ، أنا ذلك النور ( 4 ) . وأما ليلة المعراج ، لما صعد النبي إلى السماء
رأى عليا هناك ، قال أو رأى مثاله في السماء ( 5 ) ، أو قال كشطت السماء فرآه ينظر
إليه ( 6 ) ، وكيف يغيب عنه وهو نفسه وشقيق نوره ؟ وهو النور الأعظم في السماوات
والأرض . ثم إن الله جل اسمه خاطبه في مقام القرب بلسان علي ، فعلي هو الآية
الكبرى التي رآها موسى ومحمد عند خطاب رب الأرباب ، وإليه الإشارة بقوله عليه
السلام : ليس لله آية أكبر مني ، ولا نبأ أعظم مني ( 7 ) . وما الفرق بين صعوده
إلى السماء ، وبين نزوله تحت الأرض وشق الأرض ولمن كان يدين الله بدين وبآيات
أولياء الله من المصدقين ، ولعلك تقول : كيف يكون في الملأ الأعلى خصومه ؟ والقرآن
يذكرك هذا من قوله : ( ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ) ( 8 ) . أما
سمعت قصة ‹ صفحة 346 › هاروت وماروت وفطرس الملك ؟ أما علمت أن الجن الطيار مسكنهم
الهواء ؟ وبطن الأرض مسكن المتمردين ؟ فاختصمت طائفة من الجن فصعد إليهم الولي
الأمين فطهرهم . أقبل لا يعلم ولا يفهم ولاحظ له من السر إليهم ، فهو كما قيل
لداود : الخل لا يدري بطيب حلاوة العسل . ( 1 ) ويقول نزل من السماء وسيفه يقطر دما
. ولمن قيل في السماء ، وكيف يقع القتل على الجن ، وهم أجسام شفافة ، ومن أين
للشفاف دم . فقلت : يا قليل العبرة ، وكثير العبرة ، وقطير القطرة ، ألم تمطر
السماء دما ورماد القتل الحسين عليه السلام ( 2 ) ؟ ومن أين للسماء رماد ودم ؟ بل
هي آيات بينات . ألم يعلم أن عليا قتل الجن وأخذ عليهم العهد ؟ ( 3 ) فإذا لم يكن
لهم دم ولا نفوس فكيف وقع عليهم القتل ، وليس هذا مكان التأويل . وصدق هذا المدعى
قوله سبحانه : ( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) ( 4 ) ، وكيف يحرق النار من
ليس بجسم ؟ وكيف يتألم بالعذاب من ليس له عروق ولا دم ؟ وإذا كان الجن مخلوقين من
النار ولا تؤثر النار فيهم فمن ترى يدخل النار عوضا عن إبليس وقد أضل الأولين
والآخرين ؟ أف لعقلك المستقيم ورأيك العديم ، أما علمت أن عليا منبع الأنوار ،
وآية الجبار ، وصاحب الأسرار ، الذي شرح لابن عباس في ليلة حتى طفى مصباحها صباحها
، في شرح الباء من بسم الله ، ولم يتحول إلى السين ، وقال : لو شئت لأوقرت أربعين
بعيرا من شرح بسم الله الرحمن الرحيم ( 5 ) . فإن كبر عليك إعراضهم ، وزادت عند
سماع أسرار أمراضهم ، فأنشدهم ولا تنشدهم ، أماذا عليهم لو أجابوا الداعي ، لكنهم
خلقوا بغير سماع .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 341 › ( 1 ) مدينة المعاجز : 2 / 11 . ( 2 )
الكافي : 1 / 465 ، ومعجم الإمام المهدي : 3 / 382 . ‹ هامش ص 342 › ( 1 ) حلية
الأبرار : 2 / 16 ، ومدينة المعاجز : 2 / 445 . ( 2 ) راجع البحار : 15 / 24 و :
25 / 22 . ( 3 ) تقدم الحديث مع تخريجه . ‹ هامش ص 343 › ( 4 ) دلائل الإمامية :
135 معاجز الصادق ع ‹ هامش ص 344 › ( 1 ) البحار : 42 / 33 ح 11 ضمن حديث طويل . (
2 ) بقوله : إني رافعك إلي . ( 3 ) بقوله تعالى : فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم
الشعراء : 63 . ( 4 ) بقوله : ( ولسليمان الريح . . وسخرنا الريح ) . ‹ هامش ص 345
› ( 1 ) النمل : 40 . ( 2 ) الرعد : 43 . ( 3 ) النجم : 18 . ( 4 ) تقدم الحديث .
( 7 ) بحار الأنوار : 36 / 1 ح 2 . ( 8 ) ص : 69 . ‹ هامش ص 346 › ( 2 ) عيون
أخبار الرضا : 2 / 268 ، والأمالي للصدوق : 189 . ( 4 ) هود : 119 . ( 5 ) تقدم
الحديث .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
ثم يتمم هذه الأسرار ما رواه صاحب المقامات
، مرفوعا إلى ابن عباس قال : رأيت عليا يوما في سكك المدينة يسلك طريقا لم يكن له
منفذ ، فجئت فأعلمت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : إن عليا علم الهدى
والهدى طريقه ، قال : فمضى على ذاك ثلاثة أيام ، فلما كان في اليوم الرابع أمرنا
أن نمضي في طلبه ، قال ابن عباس : فذهبت إلى الدرب الذي رأيته فيه وإذا بياض درعه
في ضوء الشمس ، قال : فأتيت فأعلمت رسول الله صلى الله عليه وآله بقدومه ، فقام
إليه فلاقاه واعتنقه وحمل عنه الدرع بيده وجعل ‹ صفحة 347 › يتفقد جسده ، فقال له
عمر : كأنك يا رسول الله توهم أنه كان في الحرب ، فقال له النبي صلى الله عليه
وآله : يا ابن الخطاب : والله لقد ولي علي أربعين ألف ملك ، وقتل أربعين ألف عفريت
، وأسلمت على يده أربعون قبيلة من الجن ، وإن الشجاعة عشرة أجزاء ، تسعة منها في
علي ، وواحدة في سائر الناس ، والفضل والشرف عشرة أجزاء تسعة منها في علي وواحدة
في سائر الناس ، وإن عليا مني بمنزلة الذراع من اليد ، وهو ذراعي من قميصي ، ويدي
التي أصول بها ، وسيفي الذي أجالد به الأعداء ، وإن المحب له مؤمن ، والمخالف له
كافر ، والمقتفي لأثره لاحق ( 1 ) . ‹ صفحة 349 ›
خاتمة في ختم هذه الرسالة وبيان هذه المقالة ، اعلم أن الذي دعاني إلى كشف
هذه الأسرار ، وحملني على قطف هذه الأزهار وإبراز هذه الأبكار من خدور الأفكار ،
وكان حقها أن تصان ولا تذاع فتهان ، لأن الحرام كالحرام إظهار الخواص للعوام ، أني
لما رويت من أسرار أئمة الأبرار دورا ، وجلوت منها غرارا ، تؤمن معرفتها من العذاب
، وتدخل الجنة بغير حساب ، لأنها خط مما خط على خطط الجباه ، ورقم رقم حبها على
ألسنة العقول والأفواه ، ولا ينشق رباها كل حليم أواه ، وأخذ لها العهد على
النسمات في الأزل وختم فرضها على البريات ولم يزل ، فلما ند ندها وفاح شذاها ند
بالأفكار ندها ومل شداها ، حتى صار المنافق يهجرها ولا ينشق رباها ، والموافق
ينكرها ولا يخاف الله عقباها ، وهي لهداها إلى الحق أحق أن يتبع وعيبا هي ولتناهى
بلسان الصدق أصدق ما يسمع ، فأصبحت مع عظيم الحاجة إليها لا تحن القلوب عليها ولا
تحن الطبائع إليها ، فأعجب لها كيف لا يركب نهجها وفاز في سفينة النجاة ، ولا
تتطلب وهي عين الحياة مع تقاطر الأيدي والمتاجر دفع طيبها وطيب عرقها ، تلحظها
العيون بأهداب الحد الحفظ ، تلفظها الفنون بأفواه الرفض ، وهي أنفس نفيس بحيث إنها
تتنافس فيه النفوس ، فصارت تبعدها عن الأذهان بكذب فيها وبهتان ، فكانت كما قيل :
ومن العجائب أنه لا يشتري * وقع الكساد يخان فيه ويسرق وأقبل الحساد واللوام ، كل
يغض على عين البغضاء ، ويغض عن طرق اللأواء والأحناء ، وليس علي في مجمع الفرقان
عيوب ، ولا في صحيفة اللواء ذنوب ، غير حبي لعلي ، ونشري لصحائف أسراره ، فإذا كان
هذا هو الذنب ، وعليه وفيه العتب ، فحبذا ذنب هو أعظم الحسنات وسبيل النجاة ، وعتب
هو أحلى من نسمات الحياة عند ذكر الملمات ، وذكر ذنب منه لا أتوب ، وعيب منه لا
أؤوب ، بل أقول كما قال قيس عامر : أتوب إليك يا رحمان مما * جنيت فقد تكاثرت
الذنوب وأما عن هوى ليلى وتركي * زيارتها فإني لا أتوب وحسبك نعمة لا يقدرونها ،
لا تجد لمن سبقت له من الله الحسنى ، لمعرفة المقصد الأسنى ، فعلي في تحقيق
الحقائق ، وعلي في تدقيق الدقائق ، بمعرفة إمام الخلائق ، واقتدى بالإله الخالق ،
والنبي ‹ صفحة 350 › الصادق ، والكتاب الناطق ، لأن الرب العلي ، والنبي الأمي ،
أشد حبا لعلي كأعظم معرفة بالولي ، فقل لمن أغراه هواه وأهواه : ( هذه سبيلي أدعو
إلى الله ) ، وقل لمن أذعن في حربي : ( إني على بينة من ربي ) ( 1 ) ، ولقد شاع عن
حبي ليلى ، وإنني كلفت بها عقا ، وهمت بها وجدا ، فعرض لي من كل شئ حسانه ، وعرضن
لي حبا ، وأبدين لي ودا ، وقلن عسى أن ينقل القلب ناقل غرامك عن ليلى إلينا فما
أبدى : أبى الله أن أنقاد إلا لحبها * وأعشقها إذا ألفيت مع غيرها أبدا فوالله ما
حبي لها جاز حده * ولكنها في حسنها جازت الحدا فقل للآثم والنائم من سره المبنى
المنبتة لمن أنت أنت به ، أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده فها أنا في حبهم
مقتد ، بخاتم النبيين والكتاب المبين ، إذ مدحه فيه بين الباء والسين ، وأقول كما
قال بعض العارفين : لبيت لما دعاني ربة الحجب * وغبت عني نها من شدة الطرب تركية
في بلاد الهند قد ظهرت * ووجهها في بلاد الهند لم يغب ألوت تطل على أبيات فارسها *
إلى لوي فصار الحسن في العرب ولست ممن غدا في الحب متهما * وفي انتسابي إليه ينتهي
نسبي فكل صب بهاؤه وجاء ببر * هان على حب ليلى فهو ابن أبي ( 2 ) فقمت أهزأ في
حبها اللوام ، ولا أخشى ملام من لام ، وأقول بلسان أهل المعرفة والغرام : يلومونني
في حبه من حسد * ولست أخشى من عدو كمد وأشرب في الأرواح راح الولا * من قبل أن
يخلق كرم الجسد فها أنا بشنان من حبها * في السكر العشاق حق الأبد فشهرت ذيل
العزلة ، وأخرت يدي من حب الوحدة ، وآنست بالحق وذاك أحق ، إذ لا خير في معرفة
الخلق ، أقتدي بقول سيد النبيين وشفيع يوم الدين : الخير كله في العزلة ( 3 ) ،
والخير والسلامة في الوحدة ، والبركة في ترك الناس ، خصوصا أهل هذا الزمان جواسيس
العيوب ، اللابس أثواب ‹ صفحة 351 › الحسد منهم على كل حسن ، الصديق الحميم
والسليم الود منهم كالسليم ، والحل الموحد وخل الودود لمعاصم الغيبة وأذامم الريبة
يسرون الحسنات ويظهرون السيئات ، ويحبون أن تشيع الفاحشة ، فثق بالله وذرهم واتخذ
إليه سبيلا ، ( واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ) . وتأسيت بقول الرسول
صلى الله عليه وآله : إن الله أخذ ميثاق المؤمن أن لا يصدق في قوله ، ولا ينتصف من
عدوه ، ولا يشفى من غلبة ، ومن آذى مؤمنا لم يدخل حضرة القدس . ( 1 ) والمؤمن هو
العارف بعلي . وإليه الإشارة بقوله : أعرفكم بالله سلمان ( 2 ) . وكان سلمان أعرف
الناس بعلي ، فمن كانت معرفته بعلي أكثر كان لله أعرف وإليه أقرب . فليس الإيمان
إلا معرفة علي وحبه ، لأن من عرف عليا عرف الله . وإليه الإشارة بقوله : يعرفك بها
من عرفك ( 3 ) ، فمن آذى مؤمنا حسدا على ما آتاه الله فحسبه قول مولاه : ( أم
يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) ( 4 ) . ودخلت بركة دعائهم في جملة
المرحومين ، وصرت من شيعتهم الموحدين ، بقولهم : رحم الله شيعتنا إنهم أوذوا فينا
ولم نؤذ فيهم ، ( 5 ) أوذيت حسدا على ما في فضلهم ، أوتيت طربا بما أوليت : أما
والذي لدمي حلا * وخص أهيل الولا بالبلا لئن ذقت فيه كؤوس الحمام * لما قال قلبي
لساقيه : لا فموتي حياتي وفي حبه * يلذ افتضاحي بين الملا مضت سنة الله في خلقه *
بأن المحب هو المبتلى فقمت أهجر معتذرا إلى من لامني ولحاني ، وقلت له مقالة
الوامق العاني ، إلا بما أولاني ربي من خصائص ديني ، يكفيني بها من النار ويقيني ،
وحب علي وعترته فرضي وسنتي وديني ، وقبلتي وعدتي ويوم فاقتي ، وبه ختم أعمالي
ومقالتي وقلت فرضي ونفلي وحديثي أنتم * وكل كلي منكم وعنكم ‹ صفحة 352 › وأنتم عند
الصلاة قبلتي * إذا وقفت نحوكم أيمم خيالكم نصب لعيني أحدا * وحبكم في خاطري مخيم
يا ساداتي وسادتي أعتابكم * بجفن عيني لثراها ألثم وقفا على حديثكم ومدحكم * جعلت
عمري فاقبلوني وارحموا منوا على الحافظ عند فضلكم * واستنقذوه في غد وأنعموا ( 1 )
ثم أقول ختما للكتاب وقطعا للخطاب : أيها اللائم دعني عنك واسمع وصف حالي أنا عبد
لعلي المرتضى مولى الموالي كلما ازددت مديحا فيه قالوا لا تغالي آية الله التي
وصفها القول حلالي كم إلى كم أيها العاذل أكثرت جدالي وإذا أبصرت في الحق يقينا لا
أبالي يا عذولي في غرامي خلني عنك وحالي رح إلى ما كنت ناحي واطرحني في ضلالي إن
حبي لعلي المرتضى عين الكمال وهو زادي في معادي ومعاذي ومآلي وبه أكملت ديني وبه
ختم مقالي وإلى هذا الختام انتهى أمد الكلام من مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار
أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام والتحية والإكرام . * * * ‹ صفحة 353 ›
مجموعة من شعر الشيخ رجب البرسي
مجموعة من شعر الشيخ رجب البرسي نثبت في هذا الباب ما وقفنا عليه من شعر
صاحب المشارق الحافظ الشيخ رجب البرسي الحلي ، جمعناه من بعض المصادر التاريخية
التي تناولت ترجمته ، مع العلم بأن للبرسي ديوانا كان متداولا في عصره حتى زمن
قريب ، ومن المحقق أن عدة نسخ موجودة منه في كثير من المكتبات الخاصة ، ولكننا لم
نعثر على نسخة واحدة منها . وهذا القدر الذي جمعناه من شعر البرسي كاف للتعريف
بأدبه ، والوقوف على أفكاره ، والعلم بنوع معتقداته لمن يطلب ذلك . ومن الملاحظ
بأن جميع شعر البرسي خاص بأئمة أهل البيت عليهم السلام ، بين رثاء ومديح ، بل لم
نقف على غير هذين البابين من أدبه . وهذا يدل على مبلغ ولائه لأئمته وتمسكه بهم
ونفوذ حبهم في أعماق قلبه وعقله . قال الشيخ رجب البرسي يمدح الإمام عليا ويذكر
محبيه ومبغضيه ( 1 ) : أبديت يا رجب العجيب * فقيل : يا رجب المرجب أبديت للسر
المصون * المضمر الخافي المغيب وكشفت أستارا وأسرارا * عن الأشرار تحجب حل الورى
فإذا الظواهر * فضة والبطن أسرب إلا قليلا من رجال * أصلهم ذاك مهذب وكتبت ما
بالنور منه * على خدود الحور يكتب فلذاك أضحى الناس قلبا * من قوى الجهل المركب
رجل يحب ومبغض * قال وحزب الله أغلب وطويل أنف إن رآني * مقبلا ولى وقطب في أمه شك
بلا * شك ولو صدقت لأنجب ‹ صفحة 354 › يزور إن سمع الحديث * إلى أمير النحل ينسب
وتراه إن كررت ذكر * فضائل الغرار يغضب وقال في قصيدة طويلة يمدح آل النبي صلى
الله عليه وآله ويذكر مصرع الحسين عليه السلام وما حفت به من المشاهد المفجعة
والصور المؤلمة ( 1 ) :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 346 › ( 2 ) عيون أخبار الرضا : 2 / 268 ،
والأمالي للصدوق : 189 . ( 4 ) هود : 119 . ( 5 ) تقدم الحديث . ‹ هامش ص 347 › (
1 ) بحار الأنوار : 27 / 226 ح 22 . ‹ هامش ص 350 › ( 1 ) الأنعام : 57 . ‹ هامش ص
351 › ( 2 ) تقدم الحديث . ( 3 ) تقدم الحديث . ( 4 ) النساء : 54 . ( 5 ) تقدم
الحديث ‹ هامش ص 352 › ( 1 ) أعيان الشيعة : 6 / 466 . ‹ هامش ص 353 › ( 1 ) شعراء
الحلة : 2 / 371 ، والغدير : 7 / 41 - 42 . ‹ هامش ص 354 › ( 1 ) شعراء الحلة : 2
/ 382 - 736 والغدير : 7 / 57 - 62 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . .
دمع يبدده مقيم نازح * ودم يبدده مقيم نازح
والعين إن أمست بدمع فجرت * فجرت ينابيع هناك موانح أظهرت مكنون الشجون فكلما *
شبح الأمون سجا الحرون الجامح وعلي قد جعل الأسى تجديده * وقفا يضاف إلى الرهيب
الفارح وشهود ذلي مع غريم صبابتي * كتبوا غرامي والسقام الشارح أوهى اصطباري مطلق
ومقيد * غرب وقلب بالكآبة بائح فالجفن منسجم غريق سابح * والقلب مضطرم حريق قادح
والخد خدده طليق فاتر * والوجد جدده مجد مازح أصبحت تحفظني الهموم بنصبها * والجسم
معتقل مثال لائح حلت له حلل النحول فبرده * برد الذبول تحل فيه صفائح وخطيب وجدي
فوق منبر وحشتي * لفراقهم لهو البليغ الفاصح ومحرم حزني وشوال العنا * والعيد عندي
لاعج ونوائح ومديد صبري في بسيط تفكري * هزج ودمعي وافر ومسارح ساروا فمعناهم
ومغناهم عفا * واليوم فيه نوائح وصوائح درس الجديد جديدها فتنكرت * ورنا بها للخطب
طرف طامح نسج البلى منه محقق حسنه * ففناؤه ماحي الرسوم الماسح فطفقت أندبه رهين
صبابة * عدم الرفيق وغاب عنه الناصح وأقول والزفرات تذكي جذوة * بين الضلوع لها
لهيب لافح لا غرو إن غدر الزمان بأهله * وجفا وحان وخان طرف لامح ‹ صفحة 355 ›
فلقد غوى في ظلم آل محمد * وعوى عليهم منه كلب نابح وسطا على البازي غراب أسحم *
وشنا على الأشبال زنج ضايح وتطاول الكلب العقور فصاول * الليث الهصور وذاك أمر
فادح وتواثبت عرج الضباع وروعت * والسيد أضحى للأسود يكافح آل النبي بنو الوصي
ومنبع * الشرف العلي وللعلوم مفاتح خزان علم الله مهبط وحيه * وبحار علم والأنام
ضحاضح التائبون العابدون الحامدون * الذاكرون وجنح ليل جانح الصائمون القائمون
المطعمون * المؤثرون لهم يد ومنائح عند الجدا سحب وفي وقد الهدى * سمت وفي يوم
النزال جحاجح هم قبلة للحاجين وكعبة * للطائفين ومشعر وبطائح طرق الهدى سفن النجاة
محبهم * ميزانه يوم القيامة راجح ما تبلغ الشعراء منهم في الثنا * والله في السبع
المثاني مادح نسب كمنبلج الصباح ومنتمي * زاك له يعنو السماح الرامح الجد خير
المرسلين محمد * الهادي الأمين الفاتح هو خاتم بل فاتح بل حاكم * بل شاهد بل شافع
بل صافح هو أول الأنوار بل هو صفوة * الجبار والنشر الأريج الفائح هو سيد الكونين
بل هو أشرف * ابثقلين حقا والنذير الناصح لولاك ما خلق الزمان ولا بدت * للعالمين
مساجد ومصابح والأم فاطمة البتول وبضعة * الهادي الرسول لها المهيمن مانح حورية
أنسية ، لجلالها * وجمالها الوحي المنزل شارح والوالد الطهر الوصي المرتضى * علم
الهداية والمنار الواضح مولى له بغدير خم بيعة * خضعت له الأعناق وهي طوامح القسور
البتاك والفتاك * والسفاك في يوم العراك الذابح أسد الإله وسيفه ووليه * وشقيق
أحمد والوصي الناصح وبعضده وبغضبه وبعزمه * حقا على الكفار ناح النائح ‹ صفحة 356
› يا ناصر الإسلام يا باب الهدى * يا كاسر الأصنام فهي طوائح يا ليت عينك والحسين
بكربلا * بين الطغاة عن الحريم يكافح والعاديات صواهل وجوائل * بالشوس في بحر
النجيع سوابح والبيض والسمر اللدان بوارق * وطوارق ولوامع ولوائح يلقى الردى بحر الندى
بين العدى * حتى غدا ملقى وليس منافح أفديه محزوز الوريد مر ملا * ملقى عليه الترب
ساف سافح والماء ظام وهو ظام بالعرا * فرد غريب مستظام نازح والطاهرات حواسر
وثواكل * بين العدا ونوادب ونوائح في الطف يسحبن الذيول بذلة * والدهر سهم الدهر
رام رامح يسترن بالأردان نور محاسن * صونا وللأعداء طرف طامح لهفي لزينب وهي تندب
ندبها * في ندبها والدمع سار سارح تدعو : أخي يا واحدي ومؤملي * من لي إذا ما ناب
دهر كالح من لليتامى راحم ؟ من للأيامى * كافل ؟ من للجفاة مفاصح ؟ حزني لفاطم
تلطم الخدين من * عظم المصاب لها جوى وتبارح أجفانها مقروحة ودموعها * مسفوحة
والصبر منها جامح تهوى لتقبيل القتيل تضمه * بفتيل معجرها الدماء نواضح تحنو على
النحر الخضيب وتلثم * الثغر التريب لها فؤاد قادح أسفي على حرم النبوة جئن *
مطروحا هنالك بالعتاب تطارح يندبن بدرا غاب في فلك الثرى * وهزبر غاب غيبته ضرائح
هذا أخي تدعو وهذا يا أبي * تشكو وليس لها ولي ناصح والطهر مشغول بكرب الموت من *
رد الجواب وللمنية شابح ولفاطم الصغرى نحيب مقرح * يذكي الجوانح للجوارح جارح علج
يعالجها لسلب حليها * فتطل في جهد العفاف تطارح بالردن تستر وجهها وتمانع *
الملعون عن نهب الردى وتكافح تستصرخ المولى الإمام وجدها * وفؤادها بعد المسرة
نازح ‹ صفحة 357 › يا جد قد بلغ العدى ما أملوا * فينا وسهم الجور سار سارح يا
فاطم الزهراء قومي وانظري * وجه الحسين له الصعيد مصافح أكفانه نسج الغبار وغسله *
بدم الوريد ولم تنحه نوائح وشبوله نهب السيوف تزورها * بين الطفوف فواعل وجوارح
وعلى السنان سنان رافع رأسه * ولجسمه خيل العداة روامح والوحش يندب وحشة لفراقه *
والجن إن جن الظلام نوائح والأرض ترجف والسماء لأجله * تبكي معا والطير غاد رائح
والدهر من عظم الشجى شق الردى * أسفا عليه وفاض جفن دالح يا للرجال لظلم آل محمد *
ولأجل ثأرهم وأين الكادح ؟ يضحى الحسين بكربلاء مرملا * عريان تكسوه التراب صحاصح
وعياله فيها حيارى حسر * للذل في أشخاصهن ملامح يسرى بهم أسرى إلى شر الورى * من
فوق أقتاب الجمال مضابح ويقاد زين العابدين مغللا * بالقيد لم يشفق عليه مسامح ما
يكشف الغمام إلا نفحة * يحيي بها الموتى نسيم نافح نبوية علوية مهدية * يشفى
برباها العليل البارح يضحى مناديها ينادي يا * لثارات الحسين وذاك يوم فارح والجن
والأملاك حول لوائه * والرعب يقدم والحتوف تناوح يا بن النبي صبابتي لا تنقضي *
كمدا وحزني في الجوانح جانح أبكيكم بمدامع تترى إذا * بخل السحاب لها انصباب سافح
فاستجل من مولاك عبد ولاك مر * لولاك ما جادت عليه قرائح ( برسية ) كملت عقود
نظامها * ( حلية ) ولها البديع وشائح مدت إليك يدا وأنت منيلها * يا بن النبي وعن
خطاها صافح يرجو بها ( رجب ) القبول إذا أتى * وهو الذي بك واثق لك مادح أنت
المعاد لدى المعاد وأنت لي * إن ضاق بي رحب البلاد الفاسح صلى عليك الله ما سكب
الحيا * دمعا وما هب النسيم الفائح ‹ صفحة 358 › وقال من قصيدة في مدح الإمام عليه
السلام ( 1 ) : مولى له بغدير خم بيعة * خضعت لها الأعناق وهي طوائح وقال يمدح عليا
ويذكر فضائله وذلك حين طاف حول قبره الشريف ( 2 ) : هو الشمس أم نور الضريح يلوح ؟
* هو المسك أم طيب [ الوصي ] ينوح ؟ ( 3 ) وبحر ندى أم روضة حوت الهدى ؟ * وآدم أم
سر المهيمن نوح ؟ وداود هذا أم سليمان بعده ؟ * وهارون أم موسى العصا ومسيح ؟
وأحمد هذا المصطفى أم وصيه * علي ؟ نماه هاشم وذبيح محيط سماء المجد بدر دجنة *
وفلك جمال للأنام يلوح حبيب حبيب الله بل سر سره * وعين الورى أم للخلائق روح له
النص في ( يوم الغدير ) ومدحه * من الله في الذكر المبين صريح إمام إذا ما المرء
جاء يحبه * فميزانه يوم المعاد رجيح له شيعة مثل النجوم زواهر * لها بين كل
العالمين وضوح إذا قاولت ، فالحق فيما تقوله * به النور باد واللسان فصيح وإن
جاولت أو جادلت عن مرامها * ترى خصمها في الأرض وهو طريح عليك سلام الله يا راية
الهدى * سلام سليم يغتدي ويروح وقال في مدح الإمام عليه السلام وبيان مناقبه ( 4 )
: تعالى علي في الجلال فرائد * يعود وفي كفيه منه فرائد ووارد فضل منه يصدر عزلها
* تضيق بها منه اللها والأوارد تبارك موصولا وبورك واصلا * له صلة في كل نفس وعائد
‹ صفحة 359 › روى فضله الحساد من عظم شأنه * وأعظم فضل جاء يرويه حاسد محبوه أخفوا
فضله خيفة العدى * وأخفاه بغضا حاسد ومعاند فشاع له ما بين ذين مناقب * تجل بأن
تحصى إذا عد قاصد إمام له في جبهة المجد أنجم * علت فعلت أن يدن منهم راصد لها
الفرق من فرع السماك منابر * وفي عنق الجوزاء منها قلائد مناقب إذ جلت جلت كل كربة
* وطابت فطابت من شذاها المشاهد إمام يحار الفكر فيه معاند * له ومقر بالولاء
وجاحد إمام مبين كل أكرومة حوى * بمدحته التنزيل ، والذكر شاهد عليه سلام الله ما
ذكر اسمه * محب ، وفي ( البرسي ) ذلك خالد وقال في قصيدة طويلة تبلغ 156 بيتا يمدح
فيها آل البيت ويعدد فضائلهم ويرثي الإمام الحسين وهي من رائع شعره بل من رائع
الشعر العربي ورائقه في المديح ( 1 ) : يمينا بها حادي السري إن بدت نجد * يمينا ،
فللعاني العليل بها نجد وعج ، فعسى من لاعج الشوق يشفني * غريم غرام حشو أحشائه
وقد وسربي لسرب فيه سرب جآذر * أسربي من جهد العهاد بهم عهد وسربي بليل في بليل
عراصها * لأروي بريا تربة تربها ند وقف بي أنادي وادي الأيك علني * هناك أرى ذاك
المساعد يا سعد فبالربع لي من عهد جيرون جيرة * يجيرون إن جار الزمان إذا استعدوا
هم الأهل إلا أنهم لي أهلة * سوى أنهم قصدي وإني لهم عبد عزيزون ربع العمر في ربع
عزهم * تقضى ولا روع عراني ولا جهد وربعي مخضر وعيشي مخضل * ووجهي مبيض وفودي مسود
وشملي مشمول وبرد شبيبتي * قشيب وبرد العيش ما شأنه نكد معالم كالأعلام معلمة
الربى * فأنهارها تجري وأطيارها تشدو طوت حادث الدهر منشور حسنها * كما رسمت في
رسمها شمأل تغدو ‹ صفحة 360 › وأضحت تجر الحادثات ذيولها * عليها ولا دعد هناك ولا
هند ولا غرو إن جارت ومارت صروفها * وغارت وأغرت واعتدت وغدت تشدو فقد غدرت قدما
بآل محمد * وطاف عليهم بالطفوف لها جند وجاشت بجيش جاش طام عرمرم * خميس لهام حام
يحمومه أسد وعمت بأشرار عن الرشد عموا * وهل يسمع الصم الدعاء إذا صدوا فيا أمة قد
أدبرت حين أقبلت * فرافقها نحس وفارقها سعد أبت إذ أتت تنأى وتنهى عن النهى * وولت
وألوت حين مال بها الجد سرت وسرت بغيا وسرت بغيها * بغا دعاها إذا عداها به الرشد
عصابة عصب أوسعت إذ سعت إلى * خطاء خطاها والشقاء به يحدو أثاروا وثاروا ثار بدر وبدروا
* لحرب بدور من سناها لهم رشد بغت فبغت عمدا قتال عميدها * ضغون طفاة في الصدور
لها حقد وساروا يسنون العناد وقد نسوا * المعاد فهم من قوم عاد إذا عدوا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 354 › ( 1 ) شعراء الحلة : 2 / 382 - 736
والغدير : 7 / 57 - 62 . ‹ هامش ص 358 › ( 1 ) شعراء الحلة : 2 / 376 . ( 2 )
شعراء الحلة : 2 / 376 ، والمنتخب : 131 ، وقال الطريحي في التقدمة لها ( ولله د ر
بعض من قال من الرجال في مدح علي حين طاف حول قبره ) ، وأعيان الشيعة : 6 / 468 ،
والغدير : 7 / 33 . ( 3 ) في أعيان الشيعة : أم طيب الوصي يفوح . ( 4 ) شعراء
الحلة : 2 / 276 - 377 ، والغدير : 417 ، وأعيان الشيعة : 6 / 468 . يشير الشاعر
في هذه الأبيات إلى معنى من قال في حق الإمام علي : ما أقول في رجل أخفت أولياؤه
فضائله خوفا وأخفت أعداؤه فضائله حسدا ، وشاع من بين ذين ما ملأ الخافقين .
البابليات : 1 / 121 . ‹ هامش ص 359 › ( 1 ) شعراء الحلة : 2 / 377 - 384 ،
والغدير : 7 / 49 - 57 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
فيا قلب الذين في يوم أقبلوا * إلى قتل
مأمول هو العلم الفرد فركن الهدى هدوا وقد العلى قدوا * وأزر الهوى شدوا ونهج
التقى سدوا كأني بمولاي الحسين ورهطه * حيارى ولا عون هناك ولا عقد بكرب البلا في
كربلاء وقد رمى * بعاد وشطت دارهم وسطت جند وقد حدقت عين الردى حين أصبحوا * عتاة
عداة ليس يحصى لهم عد وقد أصبحوا حلا لهم حين أصبحوا * حلولا ولا حل لديهم ولا عقد
فنادى ونادى الموت بالخطب خاطب * وطير الفنا يشدو وحاد الردى يحدو يسائلهم : هل
تعرفوني ؟ مسائلا * وسائل دمع العين سال به الخد فقالوا : نعم أنت الحسين ابن فاطم
* وجدك خير المرسلين إذا عدوا وأنت سليل المجد كهلا ويافعا * إليك ، إذا عد العلى
ينتهي المجد فقال لهم : إذ تعلمون ، فما الذي * دعاكم إلى قتلي ، فما عن دمي بد
فقالوا : إذا رمت النجاة من الردى * فبايع يزيدا . . إن ذاك هو القصد وإلا فهذا
الموت عب عبابه * فخض ظاميا فيه تروح ولا تعدو ‹ صفحة 361 › فقال : ألا بعدا بما
جئتم به * ومن دونه بيض وخطية ملد فضرب لهشم الهام تترى بنظمه * فمن عقده حل وفي
حله عقد فهل سيد قد شيد الفخر بيته * جذار الودي يشقى لعبد له عبد وما عذر ليث
يرهب الموت بأسه * يذل ويضحى السيد يرهبه الأسد إذا سام منا الدهر يوما مذلة *
فهيهات يأتي ربنا وله الحمد وتأبى نفوس طاهرات وسادة * مواضيهم هام الكماة لها غمد
لها الدم ورد والنفوس قنائص * لها القدم قدم والنفوس لها جند ليوث وغى ظل الرماح
مقيلها * مغاوير طعم الموت عندهم شهد حماة عن الأشبال يوم كريهة * بدور دجى سادوا
الكهول وهم مرد إذا افتخروا في الناس عز نظيرهم * ملوك على أعتابهم يسجد المجد
أيادي عطاهم لا تطاول في الندى * وأيدي علاهم لا يطاق لها رد مطاعيم للعافي مطاعين
في الوغى * مطاعين إن قالوا لهم حجج لد مفاتيح للداعي مصابيح للهدى * معاليم
للساري بها يهتدي النجد نزيلهم حرم منازلهم لقى * منازلهم أمن بهم يبلغ القصد
فضائلهم جاءت ، فواضلهم جلت ، * مدائحهم شهد منائحهم لد كرام إذا عاف عفى منه معهد
وضوح من خضرائه السبط والجعد وآملهم راج وأم لهم رجا * وحل بناديهم أحل له الرفد
زكوا في الورى أما وجدا ووالدا * وطابوا فطاب الأم والأب والجد بأسمائهم يستجلب
البر والرضى * بذكرهم يستدفع الضر والجهد ومال إلى فتيانه ، ورجاؤه * يقول : لقد
طاب الممات ألا اشتدوا فسار لأخذ الثأر كل شمردل * إذا هاج قدح للهياج له زند وكل
كمي أريحي غشمشم * تجمع فيه الفضل وانعدم الضد إذا ما غدا يوم الندى أسر العدى *
ولما بدا يوم الندى أطلق الوعد ليوث نزال بل غيوث نوازل * سراة كأسد الغاب لا بل
هم الأسد إذا طلبوا راموا ، وإن طلبوا رموا * وإن ضربوا صدوا وإن ضربوا قدوا ‹
صفحة 362 › فوارس أسد الغيل منها فرائس * وفتيان صدق شأنها الطعن والطرد وجوههم
بيض ، وخضر ربوعهم * وبيضهم حمر إذا النقع مسرد إذا ما دعوا يوما لدفع ملمة * غدا
الموت طوعا والقضاء هو العبد بها كل ندب يسبق الطرف طرفه * جواد على ظهر الجواد له
أفد كأنهم نبت الربى في سروجهم * لشدة حزم لا بحزم لها شدوا لباسهم نسجوا الحديد
إذا بدوا * جبالا وأقيالا تقلهم الجرد إذا لبسوا فوق الدروع قلوبهم * وصالوا فحر
الكر عندهم برد يخوضون تيار الحمام ظواميا * وبحر المنايا بالحنايا لها مد يرون
المنايا نيلها غاية المنى * إذا استشهدوا : أمر الردى عندهم شهد إذا قللت أسيافهم
في كريهة * غدا في رؤوس الدارعين لها حد فمن أبيض يلقى الأعادي بأبيض * ومن أسمر
في كفه أسمر صلد يذبون عن سبط النبي محمد * وقد ثار عالي النقع واصطحب الوقد يخال
بريق البيض برقا سجاله * الدماء وأصوات الكماة لها رعد إلى أن تدانى العمر واقترب
الردى * وشأن الليالي لا يدوم لها عهد أعدوا نفوسا للفناء وما اعتدوا * فطوبى لهم
نالوا البقاء بما عدوا أحلوا جسوما للمواضي وأحرموا * فحلوا جنان الخلد فيها لهم
خلد أمام الإمام السبط جادوا بأنفس * بها دونه جادوا وفي نصره جدوا شروا عندما
باعوا نفوسا نفائسا * على هجرها وصل وفي وصلها فقد قضوا إذ قضوا حق الحسين وفارقوا
* وما فرقوا بل وافقوا السعد يا سعد فلما رأى المولى الحسين رجاله * وفتيانه صرعى وشادي
الردى يشدوا غدا طالبا للموت كالليث مغضبا * يحامي عن الأشبال يشتد إن شدوا وإن
جمعوا سبعين ألفا لقتله * فيحمل فيهم وهو بينهم فرد إذا كر فروا من جريح وواقع *
ذبيح ومهزوم به طوح الهد ينادي : ألا يا عصبة عصت الهدى * وخانت فلم ترع الذمام
ولا العهد فبعدا لكم يا شيعة الغدر إنكم * كفرتم ، فلا قلب يلين ولا ود ‹ صفحة 363
› ولايتنا فرض على كل مسلم * وعصياننا كفر وطاعتنا رشد فهل خائف يرجو النجاة
بنصرنا * ويخشى إذا اشتدت سعير لها وقد ويرنو لنحو الماء يشتاق ورده * إذا ما مضى
يبغي الورود له ردوا فيحمل فيهم حملة علوية * بها العوالي في أعالي العدى قصد كفعل
أبيه حيدر يوم خيبر * كذلك في بدر ، ومن بعدها أحد إذا ما هوى في لبة الليث عضبه *
فمن نحره بحر ، ومن جزره مد وعاد إلى أطفاله وعياله * وغرب المنايا لا يقل لها حد
يقول : عليكن السلام مودعا * فما قد تناهى العمر واقترب الوعد ألا فاسمعي يا أخت
إن مسني الردى * فلا تلطمي وجها ولا يخمش الخد وإن برحت فيك الخطوب بمصرعي * وجل
لديك الحزن والثكل والفقد فإرضي بما يرضى إلهك واصبري * فما ضاع أجر الصابرين ولا
الوعد وأوصيك بالسجاد خيرا فإنه * إمام الهدى بعدي له الأمر والعهد فضج عيال المصطفى
، وتعلقوا * به ، واستغاث الأهل بالندب والولد فقال - وكرب الموت يعلو كأنه * ركام
ومن عظم الظما انقطع الجهد - : ألا قد دنا الترحال فالله حسبكم * وخير حسيب للورى
الصمد الفرد وعاد إلى حرب الطغاة مجاهدا * والبيض والخرصان في قده قد إلى أن غدا
ملقى على الترب عاريا * يصافح منه إذ ثوى للثرى خد وشمر شمر الذيل في حز رأسه *
ألا قطعت منه الأنامل والزند فواحزن قلبي للكريم علا على * سنان سنان ، والخيول
لها وخد تزلزلت السبع الطباق لفقده * وكادت له شم الشماريخ تنهد وأرجف عرش الله من
ذاك خيفة * وضجت له الأملاك وانفجر الصلد وناحت عليه الطير والوحش وحشة * وللجن -
إذ جن الظلام - به وجد وشمس الضحى أمست عليه عليلة * علاها اصفرار إذ تروح وإذ
تغدو فيا لك مقتولا بكته السما دما * وثل سرير العز ، وانهدم المجد شهيدا غريبا
نازح الدار ظاميا * ذبيحا ومن قاني الوريد له ورد ‹ صفحة 364 › بروحي قتيلا غسله
من دمائه * سليبا ومن سافي الرياح له برد ترض خيول الشرك بالحقد صدره * وترضخ منه
الجسم في ركضها جرد ومذ راح لما راح للأهل مهره * خليا يخد الأرض بالوجه إذ يعدو
برزن حيارى نادبات بذلة * وقلب غدا من فارط الحزن ينقد فحاسرة بالردن تستر وجهها *
وبرقعها وقد ، ومدمعها رفد ومن ذاهل لم تدر أين مفرها * تضيق عليها الأرض والطرق
تنسد وزينب حسرى تندب الندب عندها * من الحزن أوصاب يضيق بها العد تنادي : أخي يا
واحدي وذخيرتي * وعوني وغوثي والمؤمل والقصد ربيع اليتامى ، يا حسين ، وكافل *
الأيامى زمانا ، بعد بعدكم ، البعد أخي بعد ذاك الصون والخدر والخبا * يعالجنا علج
، ويسلبنا وغد بناتك - يا بن الطهر طه - حواسر * ورحلك منهوب تقاسمه الجند لقد
خابت الآمال ، وانقطع الرجا * بموتك مات العلم والدين والزهد وأضحت ثغور الكفر
تبسم فرحة * وعين العلى ينخد من سحها الخد وصوح نبت الفضل بعد اخضراره * وأصبح بدر
التم قد ضمه اللحد تجاذبنا أيدي العدى فضلة الردى * كأن لم يكن لنا خير الأنام لنا
جد فأين حصوني والأسود الألى بهم * يصال على ريب الزمان إذا يعدو ؟ إذا غربت - يا
بن النبي - بدوركم * فلا طلعت شمس ، ولا حلها سعد ولا سحبت سحب ذيولا على الربى *
ولا ضحك النوار وانبعق الرعد وساروا بآل المصطفى وعياله * حيارى ولم يخش الوعيد
ولا الوعد وتطوي المطايا الأرض سيرا إذا * سرت تجوب بعيد البيد فيها لها وخد تؤم
يزيدا نجل هند أمامها * ألا لعنت هند وما نجلت هند فيا لك من رزء عظيم مصابه * يشق
الحشى منه ويلتدم الخد أيقتل ضمآنا حسين بكربلا * ومن نحره البيض الصقال لها ورد ؟
وتضحى كريمات الحسين حواسرا * يلاحظها في سيرها الحر والعبد فليس لأخذ الثأر إلا
خليفة * هو الخلف المأمول والعلم الفرد ‹ صفحة 365 › هو القائم المهدي والسيد الذي
* إذا سار أملاك السماء له جند يشيد ركن الدين عند ظهوره * علوا ، وركن الشرك
والكفر ينهد وغصن الهدى يضحى وريقا ونبته * أنيقا وداعي الحق ليس له ضد لعل العيون
الرمد تحظى بنظرة * إليه فتجلى عندها الأعين الرمد إليك انتهى سر النبيين كلهم *
وأنت ختام الأوصياء إذا عدوا بني الوحي يا أم الكتاب ومن لهم * مناقب لا تحصى وإن
كثر العد إليكم عروسا زفها الحزن ثاكلا * تنوح إذ الصب الحزين بها يشدو لها عبرة
في عشر عاشور أرسلت * إذا أنشدت حادي بها الدمع يحدو رجا ( رجب ) رحب المقام بها
غدا * إذا ما أتى والحشر ضاق به الحشد بذلت اجتهادي في مديحكم وما * مقام مديحي
بعد أن مدح الحمد ولي فيكم نظم ونثر غناؤه * فقير ، وهذا جهد من لا له جهد مصابي
وصوب الدمع فيكم مجدد * وصبري وسلواني به أخلق الجهد تذكرني - يا بن النبي - غدا
إذا ) غدا كل مولى يستجير به العبد فأنتم نصيب المادحين ، وإنني * مدحت وفيكم في
غد ينجز الوعد إذا أصبح الراجي نزيل ربوعكم * فقد نجحت منه المطالب والقصد فإن مال
عنكم - يا بني الفضل - راغب * يضل ويضحى عند من لا له عند فيا عدتي في شدتي يوم
بعثتي * بكم غلتي من علبي حرها برد وعبدكم ( البرسي ) مولى فخاركم * كفاه فخارا
أنه لكم عبد عليكم سلام الله ما سكب الحيا * دموعا على روض وفاح لها ند
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 365 › ( 1 ) شعراء الحلة : 2 / 384 ، والغدير :
7 / 67 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
وقال في الحب العرفاني ( 1 ) : لقد شاع عني
حب ليلى وإنني * كلفت بها عشقا وهمت بها وجدا وأصبحت أدعى سيدا بين قومها * كما
أنني أصبحت فيهم لها عبدا ألا في الورى حبها في تنكر * فذا مانح صدا وذا صاعر خدا
‹ صفحة 366 › وذا عابس وجها يطول أنفه * علي كأني قد قتلت له ولدا ولا ذنب لي في
هجرهم لي وهجوهم * سوى أنني أصبحت في حبها فردا ولو عرفوا ما قد عرفت ، ويمموا *
حماها كما يممته ، أعذروا حدا وظنوا - وبعض الظن إثم - وشنعوا * بأن امتداحي جاوز
الحد والعدا فوالله ما وصفي لها جاز حده * ولكنها في الحسن قد جاوزت حدا وقال في حبه
لعلي عليه السلام ويذكر اختلاف الناس في شخص الإمام ( 1 ) : يا آية الله ، بل يا
فتنة البشر * وحجة الله ، بل يا منتهى القدر يا من إليه إشارات العقول ، ومن * فيه
الألباء تحت العجز والخطر هيمت أفكاري الأفكار حين رأوا * آيات شأنك في الأيام
والعصر يا أولا آخرا نورا ومعرفة * يا ظاهر باطنا في العين والأثر لك العبارة
بالنطق البليغ ، كما * لك الإشارة في الآيات والسور كم خاض فيك أناس وانتهى فغدا *
معناك محتجبا عن كل مقتدر أنت الدليل لمن حارت بصيرته * في طي مشتبكات القول
والعبر أنت السفينة من صدق تمسكها * نجا ومن حاد عنها خاض في الشرر فليس قبلك
للأفكار ملتمس * وليس بعدك تحقيق لمعتبر تفرق الناس إلا فيك وائتلفوا * فالبعض في
جنة ، والبعض في سقر فالناس فيك ثلاث : فرقة رفعت * وفرقة وقعت بالجهل والقدر
وفرقة وقعت ، لا النور يرفعها * ولا بصائرها فيها بذي غور تصالح الناس إلا فيك
واختلفوا * إلا عليك ، وهذا موضع الخطر وكم أشاروا وكم أبدوا وكم ستروا * والحق
يظهر من باد ومستتر أسماؤك الغر مثل النيرات ، كما * صفاتك السبع كالأفلاك في
الأكر ( 2 ) وولدك الغر كالأبراج في فلك * المعنى وأنت مثال الشمس والقمر ‹ صفحة
367 › قوم هم الآل - آل الله - من علقت * بهم يداه نجا من زلة الخطر شطر الأمانة
معراج النجاة إلى * أوج العلو وكم في الشطر من غير يا سر كل نبي جاء مشتهرا * وسر
كل نبي غير مشتهر أجل وصفك عن قدر لمشتبه * وأنت في العين مثل العين في الصور وقال
يمدح أهل البيت عليهم السلام ( 1 ) : هم القوم آثار النبوة فيهم * تلوح ، وأنوار
الإمامة تلمع مهابط وحي الله خزان علمه * وعندهم سر المهيمن مودع إذا جلسوا للحكم
فالكل أبكم * وإن نطقوا ، فالدهر إذن ومسمع وإن ذكروا فالكون ند ومندل * له أرج من
طيبهم يتضوع وإن بارزوا * . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وقال
يمدح النبي الكريم صلى الله عليه وآله ( 2 ) : أضاء بك الأفق المشرق * ودان لمنطقك
المنطق وكنت ، ولا آدم كائنا * لأنك من كونه أسبق ولولاك لم تخلق الكائنات * ولا
بان غرب ولا مشرق فميمك مفتاح كل الوجود * وميمك بالمنتهى يغلق تجليت - يا خاتم
المرسلين - * بشأو من الفضل لا يلحق فأنت لنا أول آخر * وباطن ظاهرك الأسبق تعاليت
عن صفة المادحين * وإن أطنبوا فيك أو أغمقوا فمعناك حول الورى دارة * على غيب
أسرارها تحدق وروحك من ملكوت السما * تنزل بالأمر ما يخلق ونشرك يسري على الكائنات
* فكل على قدره يعبق إليك قلوب جميع الأنام * تحن وأعناقها تعبق ‹ صفحة 368 › وفيض
أياديك في العالمين * بأنهار أسرارها يدفق وآثار أياديك في العالمين * على جبهات
الورى تشرق فموسى الكليم وتوراته * يدلان عنك إذا استنطقوا وعيسى وإنجيله بشرا *
بأنك ( أحمد ) من يخلق فيا رحمة الله في العالمين * ومن كان لولاه لم يخلقوا لأنك
وجه الجلال المنير * ووجه الجمال الذي يشرق وأنت الأمين وأنت الأمان * وأنت ترتق
ما يفتق أتى ( رجب ) لك في عاتق * تقيل الذنوب ، فهل تعتق ؟ وقال في مدح علي عليه
السلام وبيان فضله ( 1 ) : يا منبع الأسرار يا سر * المهيمن في الممالك يا قطب
دائرة الوجود * وعين منبعه كذلك والعين والسر الذي * منه تلقنت الملائك ما لاح صبح
في الدجى * إلا وأسفر عن جمالك يا بن الأطايب والطواهر * والفواطم والعواتك أنت
الأمان من الردى * أنت النجاة من المهالك أنت الصراط المستقيم * قسيم جنات الأرائك
والنار مفزعها إليك * وأنت مالك أمر مالك يا من تجلى بالجمال * فشق بردة كل حالك
صلى عليك الله من * هاد إلى خير المسالك والحافظ ( البرسي ) لا * يخشى ، وأنت له
هنالك وقال في حب الإمام علي عليه السلام ويشير إلى عذاله على هذا الحب ( 2 ) :
أيها اللائم دعني * واستمع من وصف حالي ‹ صفحة 369 › أنا عبد لعلي * المرتضى مولى
الموالي كلما ازددت مديحا * فيه قالوا : لا تغالي وإذا أبصرت في الحق * يقينا لا
أبالي آية الله التي * وصفها القول حلالي كم إلى كم أيها * العاذل أكثرت جدالي يا
عذولي في غرامي * خلني عنك وحالي رح إلى من هو ناج * واطرحني وضلالي إن حبي لوصي *
المصطفى عين الكمال هو زادي في معادي * ومعادي في مآلي وبه إكمال ديني * وبه ختم
مقالي وقال يمدح أهل البيت عليهم السلام ( 1 ) : يا آل طه أنتم أملي * وعليكم في
البعث متكلي إن ضاق بي ذنب فحكمكم * يوم الحساب هناك يوسع لي بولائكم وبطيب مدحكم
* أرجو الرضا والعفو عن زللي ( رجب ) المحدث عبد عبدكم * والحافظ ( البرسي ) لم
يزل لا يختشي في الحشر حر لظى * إذ سيداه محمد وعلي سيثقلان وزان صالحه * ويبيضان
صحيفة العمل لم ينشعب فيكون منطلقا * من ضله للشعب ذي الضلل وقال يؤكد ولاءه لأهل
البيت عليهم السلام ( 2 ) : أما والذي لدمي حللا * وخص أهيل الولا بالبلا لئن أسق
فيه كؤوس الحمام * لما قال قلبي لساقيه : لا فموتي حياتي ، وفي حبه * يلذ افتضاحي
بين الملا ‹ صفحة 370 › فمن يسل عنه ، فإن الفؤاد * تسلى وما قط آنا سلا مضت سنة
الله في خلقه * بأن المحب هو المبتلى وقال يزجي المديح نحو الإمام علي عليه السلام
( 1 ) : بأسمائك الحسنى أروح خاطري * إذا هب من قدس الجلال نسيمها لئن سقمت نفسي
فأنت طبيبها * وإن شقيت يوما فمنك نعيمها رضيت بأن ألقى القيامة خائفا * دماء نفوس
حاربتك جسومها أبا حسن لو كان حبك مدخلي * جهنم كان الفوز عندي جحيمها وكيف يخاف
من كان موقنا * بأنك مولاه وأنت قسيمها فواعجبا من أمة كيف ترتجي * من الله غفرانا
، وأنت نعيمها ؟ وواعجبا إذ أخرتك ، وقدمت * سواك بلا جرم ، وأنت زعيمها وقال يمدح
أهل البيت عليهم السلام ( 2 ) : فرضي ونفلي وحديثي أنتم * وكل كلي منكم وعنكم
وأنتم عند الصلاة قبلتي * إذا وقفت نحوكم أيمم خيالكم نصب لعيني أبدا * وحبكم في
خاطري مخيم يا سادتي وقادتي أعتابكم * بجفن عيني لثراها ألثم وقفا على حديثكم
ومدحكم * جعلت عمري فاقبلوه وارحموا منوا على ( الحافظ ) من فضلكم * واستنفذوه في
غد وأنعموا وقال في رثاء الإمام الحسين عليه السلام على نهج قصيدة البردة للبوصيري
( 3 ) : ما هاجني ذكر ذات البان والعلم * ولا السلام على سلمى بذي سلم ولا صبوت
لصب صاب مدمعه * على سلمى بذي سلم ولا على طلل يوما أطلت به * مخاطبا لأهيل الحي
والخيم ولا تمسكت بالحادي وقلت له * ( إن جئت سلما فسل عن جيرة العلم ) ‹ صفحة 371
› لكن تذكرت مولاي الحسين وقد * أضحى بكرب البلا كربلاء ظمي ففاض صبري وفاض الدمع
* وابتعد الرقاد واقترب السماء بالسقم وهام إذ همت للعبرات من عدم * قلبي ولم
أستطع مع ذاك منع دمي لم أنسه وجيوش الكفر جائشة * والجيش في أمل والدين في ألم
تطوف بالطف فرسان الضلال به * والحق يسمع والأسماع في صمم وللمنايا بفرسان المنى
عجل * والموت يسعى على ساق بلا قدم مسائلا ودموع العين سائلة * وهو العليم بعلم
اللوح والقلم ما اسم هذا الثرى يا قوم ؟ فابتدروا ، بقولهم يوصلون الكلم بالكلم
بكربلا هذه تدعى ؟ فقال : أجل * آجالنا بين تلك الهضب والأكم حطوا الرحال فحال
الموت حل بنا * دون البقاء وغير الله لم يدم يا للرجال لخطب حل مخترم * الآجال
معتديا في الأشهر الحرم فها هنا تصبح الأكباد من ظمأ * حرى وأجسادها تروى بفيض دم
وها هنا تصبح الأقمار آفلة * والشمس في طفل والبدر في ظلم وها هنا تملك السادات
أعبدها * ظلما ومخدومها في قبضة الخدم وها هنا تصبح الأجساد ثاوية * على الثرى
مطعما للبوم والرخم وها هنا بعد بعد الدار مدفننا * وموعد الخصم عند الواحد الحكم
وصاح بالصحب : هذا الموت فابتدروا * أسدا فرائسها الآساد في الأجم من كل أبيض وضاح
جبينها * يغشى صلى الحرب لا يخشى من الضرم من كل منتدب لله محتسب ، * في الله
منتجب ، بالله معتصم وكل مصطلم الأبطال ، مصطلم * الآجال ، ملتمس الآمال ، مستلم
وراح ثم جواد السبط يندبه * عالي الصهيل خليا طالب الخيم فمذ رأته النساء الطاهرات
بدا * بكارم الأرض في خلد له وفم فجئن والسبط ملقى بالنصال أبت * من كف مستلم أو
ثغر ملتثم والشمر ينحر منه النحر من حنق * والأرض ترجف خوفا من فعالهم فتستر الوجه
في كم عقيلته * وتنحني فوق قلب وآله كلم ‹ صفحة 372 › تدعو أخاها الغريب المستظام
أخي * يا ليت طرف المنايا عن علاك عم من اتكلت عليه النساء ؟ ومن * أوصيت فينا ؟
ومن يحنو على الحرم هذي سكينة قد عزت سكينتها * وهذه فاطم تبكي بفيض دم تهوي
لتقبيله والدمع منهمر * والسبت عنها بكرب الموت في غمم فيمنع الدم والنصل الكسير
به * عنها فتنصل لم تبرح ولم ترم تضمه نحوها شوقا ، وتلثمه * ويخضب النحر منه
صدرها بدم تقول من عظم شكواها ولوعتها * وحزنها غير منفض ومنفصم أخي لقد كنت نورا
يستضاء به * فما لنور الهدى والدين لي ظلم أخي لقد كنت غوثا للأرامل يا * غوث
اليتامى وبحر الجود والكرم يا كافلي هل ترى الأيتام بعدك في * أسر المذلة والأوصاب
والألم يا واحدي يا بن أمي يا حسين لقد * نال العدى ما تمنوا من طلابهم وبردوا غلل
الأحقاد من ضغن * وأظهروا ما تخفى في صدورهم أين الشقيق وقد بان الشقيق وقد * جار
الرقيق ولج الدهر في الأزم مات الكفيل وغاب الليث فابتدرت * عرج الضباع على
الأشبال في نهم وتستغيث رسول الله صارخة * يا جد أين الوصايا في ذوي الرحم يا جدنا
لو رأت عيناك من حزن * للعترة الغر بعد الصون والحشم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 365 › ( 1 ) شعراء الحلة : 2 / 384 ، والغدير :
7 / 67 . ‹ هامش ص 366 › ( 1 ) شعراء الحلة : 2 / 384 - 385 والغدير : 7 / 42 - 44
وقد خمسها ابن السبعي . ( 2 ) الأئمة هم مواقع أسماء الله أو صفاته ، وأنهم - كما
في الحديث - ألقى في هويتهم مثاله وإرادتهم مصادر أفعاله . ‹ هامش ص 367 › ( 1 )
البابليات : 1 / 122 وقد خمس هذه القصيدة الشاعران الأخوان الشيخ محمد رضا والشيخ
هادي ولدا الشيخ أحمد النحوي . ( 2 ) شعراء الحلة : 2 / 385 - 386 ، والغدير : 7 /
38 - 40 والبابليات : 1 / 119 . ‹ هامش ص 368 › ( 1 ) شعراء الحلة : 2 / 386 ،
والغدير : 7 / 45 . ( 2 ) شعراء الحلة : 2 / 386 - 387 ، والغدير : 7 / 40 ، آخر
مشارق الأنوار ، وأعيان الشيعة : 6 / 466 ، والبابليات : 1 / 120 . ‹ هامش ص 369 ›
( 1 ) شعراء الحلة : 2 / 387 ، والغدير : 7 / 47 - 48 . ( 2 ) شعراء الحلة : 2 /
387 ، الغدير : 7 / 66 . ‹ هامش ص 370 › ( 1 ) شعر الحلة : 2 / 387 - 388 ،
والغدير : 7 / 41 ، وأعيان الشيعة : 6 / 467 ، البابليات : 1 / 121 . ( 2 ) الغدير
: 7 / 62 - 66 ، وشعراء الحلة : 2 ، وأعيان الشيعة : 6 / 466 . ( 3 ) شعراء الحلة
: 2 / 388 ، والغدير : 7 / 47 ، وأعيان الشيعة : 6 / 467 ، والبابليات : 1 / 120 .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
مشردين عن الأوطان قد قهروا * ثكلى أسارى
حيارى ضرجوا بدم يسري بهن سبايا بعد عزهم * فوق المطايا كسبي الروم والخدم هذا
بقية آل الله سيد أهل * الأرض زين عباد الله كلهم نجل الحسين الفتى الباقي ووارثه
* والسيد العابد السجاد في الظلم يساق في الأسر نحو الشام مهتضما * بين الأعادي
فمن باك ، ومبتسم ابن النبي السبط وثغر يقرعه * يزيد بغضا لخير الخلق كلهم أينكث
الرجس ثغرا كان قبله * من حبة الطهر خير العرب والعجم ؟ ويدعي بعدها الإسلام من
سفه * وكان أكفر من عاد ومن أرم ! يا ويله حين تأتي الطهر فاطمة * في الحشر صارخة
في موقف الأمم ‹ صفحة 373 › تأتي فيطرق أهل الجمع أجمعهم * منها حياء ووجه الأرض
في قتم وتشتكي عن يمين العرش صارخة * وتستغيث إلى الجبار ذي النقم هناك يظهر حكم
الله في ملأ * عصوا وخانوا فيا سحقا لفعلهم وفي يديها قميص للحسين غدا * مضمخا بدم
قرنا إلى قدم أيا بني الوحي والذكر الحكيم ومن * ولاهم أملي والبرء من ألمي حزني
لكم أبدا لا ينقضي كمدا * حتى الممات ورد الروح في رمم حتى تعود إليكم دولة وعدت *
مهدية تملأ الأقطار بالنعم فليس للدين من حام ومنتصر * إلا الإمام الفتى الكشاف
للظلم القائم الخلف المهدي سيدنا * الطاهر العلم ابن الطاهر العلم بدر الغياهب
تيار المواهب * منصور الكتائب حامي الحل والحرم يا بن الإمام الزكي العسكري فتى *
الهادي النقي علي الطاهر الشيم يا بن الجواد ويا نجل الرضاء ويا * سليل كاظم غيظ
منبع الكرم خليفة الصادق المولى الذي ظهرت * علومه فأثارت غيهب الظلم خليفة الباقر
المولى خليفة زين * العابدين علي طيب الخيم نجل الحسين شهيد الطف سيدنا * وحبذا
مفخر يعلو على الأمم نجل الحسين سليل الطهر فاطمة * وابن الوصي علي كاسر الصنم يا
بن النبي ويا بن الطهر حيدرة * يا بن البتول ويا بن الحل والحرم أنت الفخار ومعناه
وصورته * ونقطة الحكم لا بل خطة الحكم أيامك البيض خضر فهي خاتمة * الدنيا وختم
سعود الدين والأمم متى نراك فلا ظلم ، ولا ظلم * والدين في رغد والكفر في رغم أقبل
فسبل الهدى والدين قد طمست * ومسها نصب والحق في عدم يا آل طه ومن حبي لهم شرف * أعده
في الورى من أعظم النعم إليكم مدحة جاءت منظمة * ميمونة صغتها من جوهر الكلم بسيطة
إن شدت أو أنشدت عطرت * بمدحكم كبساط الزهر منخرم بكرا عروسا ثكولا زفها حزن * على
المنابر غير الدمع لم تسم ‹ صفحة 374 › يرجو بها ( رجب ) رحب المقام غدا * بعد
العناء غناء غير منهدم يا سادة الحق ما لي غيركم أمل * وحبكم عدتي والمدح معتصمي
ما قدر مدحي والرحمن مادحكم * في ( هل أتى ) مع نون والقلم حاشاكم تحرموا الراجي
مكارمكم * ويرجع الجار عنكم غير محترم أو يخشى الزلة ( البرسي ) وهو يرى * ولاكم
فوق ذي القربى وذي الرحم إليكم تحف التسليم واصلة * ومنكم وبكم أنجو من النقم صلى
الله عليكم ما بدا نسم * وما أتت بسمات الصبح في الحرم وقال يمدح آل محمد صلى الله
عليه وآله ويخص الإمام عليا عليه السلام ( 1 ) : إذا رمت يوم البعث تنجو من اللظى
* ويقبل منك الدين والفرض والمنن فوال عليا والأئمة بعده * نجوم الهدى ، تنجو من
الضيق والمحن فهم عترة قد فوض الله أمره * إليهم لما قد خصهم منه بالمنن أئمة حق
أوجب الله حقهم * وطاعتهم فرض بها لله تمتحن نصحتك أن ترتاب فيهم فتنثني * إلى
غيرهم . من غيرهم في الأنام ؟ من فحب علي عدة لوليه * يلاقيه عند الموت والقبر والكفن
كذلك يوم البعث لم ينج قادم * من النار إلا من تولى أبا الحسن وقال يمدح الإمام
علي بن أبي طالب عليه السلام ( 2 ) : العقل نور وأنت معناه * والكون سر وأنت مبدأه
والخلق في جميعهم إذا جمعوا * الكل عبد وأنت مولاه أنت الولي الذي جلت مناقبه * ما
لعلالها في الخلق أشباه يا آية الله في العباد ويا * سر الذي لا إله إلا هو تناقض
العالمون فيك ، وقد * حاروا عن المهتدى ، وقد تاهوا فقال قوم : بأنه بشر * وقال
قوم : بأنه الله ‹ صفحة 375 › يا صاحب الحشر والمعاد ومن * مولاه حكم العباد ولاه
يا قاسم النار والجنان غدا * أنت ملاذ الراجي ومنجاه كيف يخاف ( البرسي ) حر لظى *
وأنت عند الحساب غوثاه لا يخشى النار عبد حيدرة * إذ ليس في النار من تولاه وقال
في إظهاره أسرار الأئمة عليهم السلام ( 1 ) : لقد أظهرت يا ( حافظ ) * سرا كان
مخفيا وأبرزت من الأنوار * نورا كان مطويا به قد صرت عند الله * والسادات علويا
ومقبولا ومسعودا * ومحسودا ومرضيا فطب نفسا ، وعش فردا * وكن طيرا سماويا غريبا
يألف الخلوة * لا يقرب إنسيا غدا في الناس بالخلوة * والوحدة منسيا وإن أصبحت
مرفوضا * بسهم البغض مرميا فلم يبغضك إلا من * أبوه الزنج بصريا عمانيا مراديا *
مجوسيا يهوديا لهذا قد غدا يبغض * ذاك الطين كوفيا وفي المولد والمحتد * ( برسيا )
و ( حليا ) وقال مسمطا في مدح الأئمة عليهم السلام ( 2 ) : سركم لا تناله الفكر *
وأمركم في الورى له خطر مستصعب فك رمز خطر * ووصفكم لا يطيقه البشر ومدحكم شرفت به
السور وجودكم للوجود علته * ونوركم للظهور آيته ‹ صفحة 376 › وأنتم للوجود قبلته *
وحبكم للمحب كعبته يسعى بها طائعا ويتعمر لولاكم ما استدارت الأكر * ولا استنارت
شمس ولا قمر ولا تدلى غصن ولا ثمر * ولا تندى ورق ولا خضر ولا سرى بارق ولا مطر
عندكم في الآيات مجمعنا * وأنتم في الحساب مفزعنا وقولكم في الصراط مرجعنا * وحبكم
في النشور ينفعنا به ذنوب المحب تغتفر يا سادة قد زكت معارفهم * وطاب أصلا وساد
رقهم وخاف في بعثه مخالفهم * إن يختبر للورى صيارفهم فأصلهم بالولاء يختبر أنتم
رجائي وحبكم أملي * عليه يوم المعاد متكلي فكيف يخشى حر السعير ولي * وشافعاه محمد
وعلي أو يعتريه من شرها شرر عبدكم ( الحافظ ) الفقير على * أعتاب أبوابكم يروم قلا
تخييره يا سادتي أملا * واقسموه يوم المعاد إلي ظل ظليل نسيمه عطر صلى عليكم رب
السماء كما * أصفاكم واصطفاكم كرما وزاد عبدا والاكم نعما * ما غرد الطير في
الغصون وما ناح حمام وأوراق الشجر * * * وإن بارزا فالدهر يخفق قلبه * لسطوتهم
والأسد في الغاب تفرع وإن ذكر المعروف والجود في الورى * فبحر نداهم زاخر يتدفع
أبوهم سماء المجد والأم شمسه * نجوم لها برج الجلالة مطلع فيا نسبا كالشمس أبيض
مشرقا * ويا شرفا من هامة النجم أرفع فمن مثلهم إن عد في الناس مفخر * أعد نظرا يا
صاح إن كنت تسمع ‹ صفحة 377 › ميامين قوامون عز نظيرهم * هداة ولاة للرسالة منبع
فلا فضل إلا حين يذكر فضلهم * ولا علم إلا علمهم حين يرفع ولا عمل ينجي غدا غير
حبهم * إذا قام يوم البعث للخلق مجمع ولو أن عبدا جاء لله عابدا * بغير ولا أهل
العبا ليس ينفع فيا عترة المختار يا راية الهدى * إليكم غدا في موقفي أتطلع خذوا
بيدي يا آل بيت محمد * فمن غيركم يوم القيامة يشفع ( 1 ) تم الكتاب والحمد لله رب
العالمين
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . .
‹ هامش ص 374 › ( 1 ) شعراء الحلة : 2 / 392 ، والغدير :
7 / 49 . ( 2 ) شعراء الحلة : 2 / 392 - 393 ، والغدير : 7 / 40 ، أعيان الشيعة :
6 / 466 ، والبابليات : 1 / 121 . ‹ هامش ص 375 › ( 1 ) شعراء الحلة : 2 / 293 ،
والغدير : 7 / 66 - 67 . ( 2 ) شعراء الحلة : 2 / 393 ، والغدير : 7 / 48 - 49 . ‹
هامش ص 377 › ( 1 ) أعيان الشيعة : 6 / 467 .