السادس في الاشارة إلى بعض ما يتعلّق بالنيرين أعني الشّمس و القمر

اللّتين أشار عليه السلام إليهما بقوله : فأجرى فيها سراجا مستطيرا ، و قمرا منيرا ، فانّ لهما أحوالا كثيرة من حيث القطر و الحركة ، و سرعتها و بطؤها ، و الخسوف و الكسوف العارضين لهما ، و الكلف الحاصل في وجه القمر ، و زيادة نور الشّمس عليه ، و الحرارة الموجودة لها دون القمر ، إلى غير هذه من الحالات التي بحث عنها علماء الهيئة

[ 408 ]

بحسب ما وصل إليها أوهامهم القاصرة ، و مقصودنا في المقام بيان بعض الأحوال الطارية عليهما حسب ما يستفاد من الآيات و الأخبار الماثورة عن أهل العصمة و الطهارة سلام اللَّه عليهم .

فنقول : إنّهما من أجل كونهما من أعظم الآيات و لعظم ما يترتّب عليهما من الثّمرات من اصلاح الأثمار و النّباتات و مدخليّتهما في ضبط السّنين و الحساب و الأوقات و غير ذلك من المنافع الحاصلة منهما للعنصريات ، كرّر اللَّه سبحانه ذكرهما في كثير من السّور و الآيات ، و ببالي أنّه ينيف على عشرين قال سبحانه في سورة البقرة :

يَسْئَلوُنَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقيتُ لِلنّاسِ و الْحَجَّ إشارة إلى بعض منافع القمر الحاصلة فيه من حيث الزّيادة و النّقصان و الطلوع و الافول ، و هو أنّ الحكمة في ذلك أن يعرف النّاس معالم امورهم ، و أوقات عباداتهم الموظفة في حقّهم ، و قال في سورة يونس :

هُوَ الَّذي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً و الْقَمَرَ نُوراً و قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنينَ و الْحِسابَ ، ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ ، يَفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أى قدّر مسير كلّ واحد منهما منازل ، و الضّمير راجع إلى خصوص القمر ،

و تخصيصه بالذّكر لسرعة سيره و معاينة منازله و إناطة أحكام الشّرع به ، و لذلك علّله بقوله : لتعلموا عدد السّنين و الحساب ، أى حساب الأوقات من الأشهر و السّاعات في التّصرفات و المعاملات .

قيل : إنّ الحساب يبنى على أربع مراتب : السّاعات ، و الأيام ، و الشهور ،

و السّنون ، فالعدد 1 للسّنين ، و الحساب لما دون و هي الشّهور ، و الأيام ،

-----------
( 1 ) اى العدد الموجود في الاية منه

[ 409 ]

و السّاعات ، و بعد هذه المراتب الأربع لا يحصل إلا التكرار ، كما أنّهم رتّبوا العدد على أربع مراتب : الآحاد ، و العشرات ، و المات ، و الالوف ، و ليس بعدها إلاّ التكرار و معنى قوله :

ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ إلاّ متلبّسا بالحقّ مراعيا فيه مقتضى الحكمة البالغة :

يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فانّهم المنتفعون بذلك ، و قريب منه قوله في سورة الاسرى :

و جَعَلْنَا الليْلَ و النَّهارَ آيَتَينِ فَمَحوْنا آيَةَ اللَّيْلِ و جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَة لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ و لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنينَ و الْحِسابَ و كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصيلاً أى جعلنا اللّيل و النّهار دلالتين يدلاّن على القادر الحكيم ، فمحونا آية اللّيل أى الآية التي هي اللّيل و جعلناها مظلمة ، و الاضافة بيانيّة ، و جعلنا آية النّهار مبصرة ،

أى مضيئة أو مبصرة للناس من أبصره فبصر ، لتبتغوا فضلا من ربكم ، أى لتطلبوا في بياض النّهار أسباب معاشكم و تتوصلوا به إلى استبانة أعمالكم .

و قيل : إن المراد بالآيتين الشّمس و القمر ، و تقدير الكلام و جعلنا نيّري اللّيل و النّهار آيتين ، و المراد بمحو آية الليل التي هي القمر نقص نورها شيئا فشيئا إلى المحاق ، أو المراد بمحوها كونها مظلمة في نفسها مطموسة النّور بما جعل فيها من السّواد .

أقول : و هذا هو الأظهر و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة .

فمنها ما في البحار عن العيون في خبر يزيد بن سلام ، أنّه سأل النّبى صلى اللَّه عليه و آله و سلم ،

ما بال الشّمس و القمر لا يستويان في الضوء و النّور ؟ قال : لمّا خلقهما اللَّه أطاعا

[ 410 ]

و لم يعصيا شيئا ، فأمر اللَّه عزّ و جلّ جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه ، فأثّر المحو في القمر خطوطا سودا ، و لو أنّ القمر ترك على حاله بمنزلة الشّمس لم يمح ،

لما عرف اللّيل من النّهار ، و لا النّهار من الليل ، و لا علم الصّائم كم يصوم ، و لا عرف النّاس عدد السّنين ، و ذلك قول اللَّه عزّ و جلّ : و جعلنا الليل و النّهار الآية ،

قال : صدقت يا محمّد ، فأخبرني لم سمّي الليل ليلا ؟ قال : لأنّه يلايل 1 الرّجال من النّساء ، جعله اللَّه عزّ و جلّ الفة و لباسا ، و ذلك قول اللَّه عزّ و جل : و جعلنا الليل لباسا ، و جعلنا النّهار معاشا ، قال : صدقت يا محمّد . و روى في الصافي عن العلل مثله إلى قوله و ذلك قول اللَّه و جعلنا الليل اه .

و منها ما فيه أيضا عن كتاب النّجوم لابن طاووس نقلا من كتاب ابن أبي جمهور باسناده أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا صعد المنبر و قال سلوني قبل أن تفقدوني قال : فقام إليه رجل فسأله عن السّواد الذي في وجه القمر ، فقال عليه السلام أعمى 2 سأل عن عمياء 3 ، أما سمعت اللَّه عزّ و جل يقول : فمحونا آية الليل و جعلنا آية النّهار مبصرة ، و السّواد الذي تراه في القمر أنّ اللَّه عزّ و جل خلق من نور عرشه شمسين ، فأمر جبرئيل ، فأمر جناحه الذي سبق من علم اللَّه جلت عظمته لما أراد أن يكون من اختلاف الليل و النّهار و الشّمس و القمر ، و عدد السّاعات و الأيّام و الشّهور ، و السّنين و الدّهور ، و الارتحال و النّزول ، و الاقبال و الادبار ، و الحج و العمرة ، و محلّ الدّين و أجر الأجير ، و عدد أيّام الحبل و المطلقة ، و المتوفى عنها زوجها ، و ما أشبه ذلك . قال المجلسي قده بعد نقل الحديث « بيان » الذي أى على الذي سبق في علم اللَّه أن يكون قمرا ، و الظاهر أنه كان هكذا على أحدهما للذي سبق انتهى .

و منها ما رواه أيضا عن العياشي عن أبي بصير ، عن الصّادق عليه السلام في قوله

-----------
( 1 ) يظهر من الخبر ان الليل مشتق من الملايلة و هو بمعنى المؤالفة و الموافقة و المشهور عند اللغويين عكس ذلك ، قال الفيروز آبادى لا يلته استجرته لليلة و عاملته ملايلة كميادمة « بحار الانوار »

-----------
( 2 ) اى رجل أعمى منه

-----------
( 3 ) اى عن مسئلة عمياء منه

[ 411 ]

تعالى : فمحونا آية الليل ، قال : هو السّواد الذي في جوف القمر ، إلى غير ذلك ممّا يقف عليها المتتبع هذا .

و بما ذكرنا عرفت سبب السّواد في القمر و أنّه من فعل جبرئيل و أمر اللَّه سبحانه ، و ليس سببه ما توهمه الفلاسفة ، و أرباب الهيئة و اختلفوا فيه على أقوال تبلغ إلى سبعة :

الأول أنّه خيال لا حقيقة له ، و ردّ بأنّه لو كان كذلك لاختلف فيه النّاظرون ،

لاستحالة موافقة الكلّ على خيال واحد .

الثّاني أنّه شبه ما ينطبع فيه من السّفليّات من الجبال و البحار و غيرها ،

و ردّ بأنّه يلزم حينئذ أن يختلف القمر في قربه و بعده و انحرافه عمّا ينطبع فيه الثالث أنّه السّواد الكاين في الوجه الآخر ، و ردّ بأنّه يجب على ذلك أن لا يرى هذا متفرقا .

الرّابع أنّ سببه التّأذّي من كرة النّار ، لقرب ما بينهما ، و ردّه الشّيخ الرّئيس بأنّ هذا لا يلايم الاصول الحكميّة ، فانّ الأجسام الفلكيّة لا ينفعل عن الأجسام العنصريّة ، و أيضا أنّ الفلك غير قابل للتسخن عندهم .

الخامس أنّ جزء منه لا يقبل النّور كما يقبله غيره ، و ردّ بأنّه يلزم على هذا عدم اطراد القول ببساطة الفلكيّات ، و في هذا هدم لقواعدهم المبنيّة على بساطتها .

السّادس أنّ وجه القمر مصوّرة بصورة وجه الانسان ، فله عينان و حاجبان و أنف و فم ، و ردّ بأنّه يلزم أن يبطل فعل الطبيعة عندهم ، و ذلك لأنّ لكلّ عضو طلب نفع و دفع ضرر ، فانّ الفم لدخول الغذاء ، و الأنف للاستشمام ، و الحاجبين لدفع العرق عن العينين ، و ليس القمر قابلا لشي‏ء من ذلك ، فيلزم التّعطيل الدّائم فيما زعمتم أنه على أحسن النظام و أبلغه .

السابع أنّ هذا السواد أجسام سماوية مختلفة معه في تدويره غير قابلة للانارة بالتساوي حافظة لوضعها معه دائما . هذه أقوالهم التي حكيت عنهم في المقام ، و قد عرفت فساد الجميع في أنفسها ، مضافا إلى قيام الأخبار على خلافها ،

[ 412 ]

و ظهر لك أنّ السبب فيه أمر القادر المختار المسخر تحت قدرته الشمس و القمر و الليل و النهار هذا .

و أما ما رواه في الصافي عن الصادق عليه السلام : لما خلق اللَّه القمر كتب عليه لا إله الا اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، عليّ أمير المؤمنين ، و هو السواد الذي ترونه في القمر ،

فلا ينافي الأخبار السالفة ، لجواز أن يكون المحو الواقع في الأحاديث السابقة بهذه الكتابة الواقعة في هذا الحديث ، و تمام هذا الحديث ما رواه الطبرسي في الاحتجاج و المحدّث الجزايري ( ره ) في الأنوار عن قاسم بن معاوية قال : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام :

هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما اسرى برسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله سلم رأى على العرش لا إله الاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، أبو بكر الصديق ، فقال : سبحان اللَّه غيّر و اكلّ شي‏ء حتى هذا ؟ قلت : نعم ،

قال : إنّ اللَّه عزّ و جلّ لما خلق العرش كتب عليه : لا إله إلاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، عليّ أمير المؤمنين ، و لما خلق الماء كتب في مجراه : لا إله إلاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، عليّ أمير المؤمنين ، و لما خلق اللَّه عزّ و جلّ الكرسي كتب على قوائمه : لا إله إلاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، عليّ أمير المؤمنين ، و لما خلق اللَّه عزّ و جلّ اللوح كتب فيه : لا إله إلاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، عليّ أمير المؤمنين ، و لما خلق اللَّه إسرافيل كتب على جبهته : لا إله إلاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، علي أمير المؤمنين ، و لما خلق اللَّه السماوات كتب في أكنافها : لا إله إلاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، عليّ أمير المؤمنين ،

و لمّا خلق اللَّه الأرضين كتب في أطباقها : لا إله إلاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، عليّ أمير المؤمنين ، و لمّا خلق اللَّه عزّ و جلّ الجبال كتب على رؤسها : لا إله إلاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه عليّ أمير المؤمنين ، و لمّا خلق اللَّه عزّ و جلّ الشّمس كتب اللَّه عزّ و جلّ عليها : لا إله إلاّ اللَّه ،

محمّد رسول اللَّه ، عليّ أمير المؤمنين ، و لما خلق اللَّه عزّ و جلّ القمر كتب عليه : لا إله إلاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، عليّ أمير المؤمنين ، و هو السّواد الذي ترونه في القمر ، فاذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللَّه ، محمّد رسول اللَّه ، فليقل عليّ أمير المؤمنين .

[ 413 ]

فان قيل : إنّ الكتابة المكتوبة على وجه القمر ، الموجبة للكلف و السّواد فيه على ما دلت عليه الرّواية ، مكتوبة بعينها على الشّمس أيضا ، فلم لم توجب السّواد فيها ؟ حيث إنّه لو كان فيها سواد لشاهدناه ؟

قلت : أجاب عنه الجزايري بأنّ عدم المشاهدة لشدّة النّور و زيادة الضّياء المانع عنها .

و لكنّك خبير بما فيه لما قد عرفت في الاخبار السّالفة أنّ نوريهما كانا على حدّ سواء ، و كان سبب قلّة نور القمر هو المحو الحاصل بالكتابة ، فلم تكن الشّمس في الأصل أشد نورا حتّى لا يظهر فيها أثر الكتابة ، و الأولى أن يجاب بأنّ المقصود لمّا كان تمايز اللّيل و النّهار ، و معرفة السّنين و الحساب ، كانت الكتابة على وجه القمر بخط جليّ لحصول ذلك الغرض ، بخلاف الشّمس ، و العلم عند اللَّه هذا و قد تحقق ممّا ذكرنا سبب اختلاف نوري الشّمس و القمر ، بما لا مزيد عليه .

و أما سبب اختلافهما في الحرارة ، فهو ما بيّنه الامام عليه السلام في رواية الكافي باسناده عن محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبيجعفر عليه السلام : جعلت فداك لأيّ شي‏ء صارت الشّمس أشدّ حرارة من القمر ؟ فقال : إنّ اللَّه خلق الشّمس من نور النّار و من صفو الماء طبقا من هذا و طبقا من هذا حتّى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار ، فمن ثمّ صارت أشدّ حرارة من القمر ، قلت جعلت فداك ، و القمر ، قال : إنّ اللَّه تعالى ذكره خلق القمر من ضوء نور النّار و صفو المآء طبقا من هذا و طبقا من هذا حتّى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار فمن ثم صار القمر أبرد من الشّمس .

و رواه في البحار عن العلل و الخصال أيضا و قال بعد ذكر الحديث توضيح قوله :

حتّى إذا كانت سبعة أطباق ، يحتمل أن يكون المعنى أنّ الطبقة السّابعة فيها من نار ، فيكون حرارتها لجهتين ، لكون طبقات النّار أكثر بواحدة ، و كون الطبقة العليا من النّار ، و يحتمل أن يكون لباس النّار طبقة ثامنة ، فتكون الحرارة

[ 414 ]

للجهة الثّانية فقط ، و كذا في القمر يحتمل الوجهين ، ثم إنّه يحتمل أن يكون خلقهما من النّار و المآء الحقيقتين من صفوهما و ألطفهما ، و أن يكون المراد جوهرين لطيفين مشابهين لهما في الكيفيّة ، و لم يثبت امتناع كون العنصريات في الفلكيّات ، و قد دلّ الشّرع على وقوعه في مواضع شتّى هذا .

و بقي الكلام في حركتي الشّمس و القمر .

فأقول : لم نظفر في الأخبار بما يفيد التّعيين ، نعم في بعضها ما يدل على سرعة الحركة ، مثل ما روى عن سؤال النّبي صلى اللَّه عليه و آله سلم عن الرّوح الأمين ، من زوال الشّمس و جوابه بقوله : لا ، نعم ، فقال صلى اللَّه عليه و آله سلم له : كيف تقول : لا ، نعم ، فقال من حيث قلت :

لا ، إلى قلت : نعم ، سارت الشّمس مسيرة خمسمأة عام و ما رواه المجلسي قده عن قصص الرّاوندي باسناده عن الصّدوق ، باسناده عن محمّد بن مسلم عن أبيجعفر عليه السلام قال : إنّ موسى عليه السلام سأل ربه أن يعلمه زوال الشّمس ، فوكل اللَّه بها ملكا ، فقال يا موسى : قد زالت الشّمس ، فقال موسى : متى ؟ فقال : حين أخبرتك ، و قد سارت خمسمأة عام و عن الكافى عن عليّ بن إبراهيم باسناده عن أبي الصّباح الكناني ،

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ للشّمس ثلاثمأة و ستين برجا ، كلّ برج منها مثل جزيرة من جزاير العرب ، فتنزل كل يوم على برج منها ، فاذا غابت انتهت إلى حدّ بطنان العرش ، فلم تزل ساجدة إلى الغد ، ثم ترد إلى موضع مطلعها و معها ملكان يهتفان معها ، و انّ وجهها لأهل السّمآء ، و قفاها لأهل الأرض ، و لو كان وجهها لأهل الأرض لاحترقت الأرض و من عليها من شدة حرّها ، و معنى سجودها : ما قال سبحانه و تعالى :

أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ في السَّمواتِ و مَنْ في الْأَرْضِ و الشَّمْسُ و الْقَمَرُ و النُّجُومُ و الْجِبالُ و الشَّجَرُ و الدَّوآبُّ و كَثيرٌ مِنَ النّاسِ قال المجلسي « ره » بعد رواية الحديث توضيح ثلاثمأة و ستّين برجا لعل المراد

[ 415 ]

بالبرج الدرجات التي تنتقل إليها بحركتها الخاصّة ، أو المدارات التي تنتقل إلى واحد منها كلّ يوم ، فيكون هذا العدد مبنيّا على ما هو الشّايع بين النّاس من تقدير السّنة به ، و إن لم يكن مطابقا لشي‏ء من حركتي الشّمس و القمر مثل جزيرة من جزاير العرب أى نسبتها إلى الفلك مثل نسبة جزيرة من الجزائر إلى الأرض ،

أو الغرض التّشبيه في أصل العظمة لا خصوص المقدار ، و المقصود بيان سرعة حركتها و إن كانت بطيئة بالنّسبة إلى الحركة اليوميّة ، قال الفيروز آبادي : جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند و بحر الشّام ثم دجلة و الفرات و ما بين عدن ابين الى اطراف الشّام طولا و من جدّة إلى ريف العراق عرضا فاذا غابت أى بالحركة اليوميّة إلى حدّ بطنان العرش أى وسطه و لعل المراد وصولها إلى دائرة نصف النّهار من تحت الأرض ، فانّها بحذاء أوساط العرش بالنّسبة إلى أكثر المعمورة ، إذ ورد في الأخبار أنّ العرش محاذ للكعبة فلم تزل ساجدة أى مطيعة خاضعة منقادة جارية بأمره تعالى حتى تردّ إلى مطلعها و المراد بمطلعها ما قدّر أن تطلع منه في هذا اليوم ، أو ما طلعت فيه في السّنة السّابقة في مثله و قوله : و معنى سجودها يحتمل أن يكون من تتمة الخبر لبيان أنّه ليس المراد بالسّجود ما هو المصطلح ، و لعل الأظهر أنّه من كلام الكليني أو غيره انتهى .

هذا في حركة الشّمس .

و أمّا القمر فهو أسرع حركة من الشّمس ، كما قال سبحانه :

لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ أي في سرعة سيره ، لأنّ الشّمس تقطع بروج الفلك في ثلاثمأة و خمسة و ستّين يوما و شي‏ء ، و القمر في ثمانية و عشرين يوما .

و في الصّحيفة السّجادية على صاحبها أفضل الصلاة و التحية في دعائه إذا نظر إلى الهلال :

( الخلق المطيع الدّآئب السّريع المتردّد في منازل التّقدير

[ 416 ]

المتصرّف في فلك التّدبير ) قال بعض شرّاح 1 الصّحيفة : وصفه عليه السلام القمر بالسّرعة إشارة إلى سرعة حركته العرضيّة التي تكون بتوسط فلك تدويره ، فانّه أسرع عن ساير الكواكب بهذا الاعتبار ، أمّا الثّوابت فظاهر ، لكون حركتها من أبطأ الحركات حتّى أن القدماء لم يدركوها ، فقيل : إنّها تتمّ الدّورة في ثلاثين ألف سنة ، و قيل : في ستة و ثلاثين ألف سنة ، و أمّا السّيارات فلأنّ زحل يتمّ الدّورة في ثلاثين سنة ،

و المشتري في اثنتى عشرة سنة ، و المرّيخ في سنة و عشرة أشهر و نصف شهر ، و كلاّ من الشّمس و الزّهرة و عطارد في قريب سنة ، و أمّا القمر فيتمّ الدّورة في نحو من ثمانية و عشرين يوما ، فكان أسرعها حركة ،

و أمّا حركته الذاتية و إن قال بهاجم غفير من أساطين الحكمآء ، حيث أثبتوا لجميع الكواكب حركة ذاتية و تدور بها على أنفسها ، فهي على تقدير ثبوتها غير محسوسة و لا معروفة ، فحمل وصف القمر بالسرعة على هذه الحركة بعيد ، نعم لا يبعد حمله على حركته المحسوسة على أنّها ذاتيّة له ، كما ذهب إليه بعضهم من جواز كون بعض حركات السّيارات في أفلاكها من قبيل حركة السابح في المآء ، و يؤيده ظاهر قوله تعالى :

وَ الشَّمْسَ و الْقَمَر كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ انتهى و اورد صاحب شرح الاشارات على القول بالحركة الذّاتيّة ، بأنّ هذه تقتضي أن يكون المحو المرئى في وجه القمر شيئا غير ثابت في جرمه و إلاّ لتبدّل وضعه .

هذا مجمل الكلام فيما يتعلق بالأجسام العلويّة و عالم الملكوت ، و قد تكلمنا فيه بحسب ما ساعدنا الوقت و المجال ، و أما تفصيل حالاتها على ما تعرضوا له بحسب الوسع و الطاقة البشرية فليطلب من مظانه و مواقعه ، و العلم عند اللَّه و النبيّ

-----------
( 1 ) و هو الصدر الدين على الحسينى منه

[ 417 ]

و أوصيائه الكرام عليهم السلام .