المعنى

اعلم أنّه عليه السّلام قرن حمد اللّه سبحانه بالشّهادة بتوحيده ، فقال ( و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ) و هذه الكلمة أشرف كلمة نطق بها في التّوحيد ، و لذلك قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مروي أبي سعيد الخدري : ما قلت و لا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلاّ اللّه .

و قد ورد لهذه الكلمة الطيبة فضائل كثيرة في أخبار أهل العصمة عليهم السّلام فقد روى الصّدوق في كتاب التّوحيد باسناده عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول : ما من شي‏ء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، لأنّ اللّه عزّ و جل لا يعد له شي‏ء و لا يشركه في الأمر احد ، و في الكافي ، و ثواب الأعمال مثله .

و عن السّكوني عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام ،

قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خير العبادة قول لا إله إلاّ اللّه .

و عن أبي الطفيل عن علي عليه السّلام قال : ما من عبد مسلم يقول : لا إله إلاّ اللّه ، إلاّ صعدت تخرق كلّ سقف و لا تمرّ بشي‏ء من سيّئاته إلاّ طلستها 1 حتّى ينتهى إلى

-----------
( 1 ) الطلس المحو ، م .

[ 285 ]

مثلها من الحسنات فيقف ،

و عن الشيباني عن الرّضا عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : إنّ للّه عزّ و جلّ عمودا من ياقوتة حمرآء رأسه تحت العرش و أسفله على ظهر الحوت في الأرض السّابعة السّفلى فاذا قال العبد : لا إله إلاّ اللّه اهتزّ العرش و تحرك العمود و تحرك الحوت ، فيقول اللّه تبارك و تعالى : اسكن يا عرشى فيقول : لا أسكن و أنت لم تغفر لقائلها ، فيقول اللّه تبارك و تعالى : اشهد و اسكان سمواتي اني قد غفرت لقائلها .

و عن عبد السّلام بن صالح أبي الصّلت الهروي قال : كنت مع عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام حين رحل من نيشابور و هو راكب بغلة شهباء 1 و إذا محمّد بن رافع و أحمد بن حرب و يحيى بن يحيى و اسحاق بن راهويه و عدّة من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في المربعة فقالوا : بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث قد سمعته من أبيك ، فأخرج رأسه من العمارية و عليه مطرف خزّ ذو وجهين ، و قال : حدّثني أبي عبد الصّالح موسى بن جعفر قال : حدّثنى أبي الصّادق جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبى أبو جعفر محمّد بن عليّ باقر علم الأنبياء ، قال : حدّثني أبي عليّ بن الحسين سيد العابدين ، قال :

حدّثني أبي سيّد شباب أهل الجنّة الحسين ، قال : حدّثني أبي عليّ بن أبيطالب عليهم السّلام ، قال : قال « سمعت خ » النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول قال اللّه جلّ جلاله : إني أنا اللّه لا إله إلاّ أنا فاعبدوني ، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه بالاخلاص دخل حصني و من دخل حصني أمن من عذابي ، و في رواية اخرى نحوه و في آخرها فلما مرّت الرّاحلة نادانا بشروطها و أنا من شروطها .

قال الصّدوق ( ره ) من شروطها الاقرار للرّضا عليه السّلام بأنّه إمام من قبل اللّه عزّ و جلّ على العباد مفترض الطاعة عليهم .

و في ثواب الأعمال عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال : قال اللّه جلّ

-----------
( 1 ) و البغلة الشهباء هى البيضاء ، لغة

[ 286 ]

جلاله لموسى بن عمران عليه السّلام : يا موسى لو أنّ السّماوات و عامريهنّ عندي و الأرضين السّبع في كفة و لا إله إلاّ اللّه في كفّة مالت بهن لا إله إلاّ اللّه ، و مثله في التّوحيد .

و عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : لقنوا موتاكم لا إله إلاّ اللّه فانّها تهدم الذّنوب ، فقالوا يا رسول اللّه : فمن قال في صحّته ، فقال صلّى اللّه عليه و آله ذلك أهدم و أهدم ، إنّ لا إله إلاّ اللّه أنس للمؤمن في حياته و عند موته و حين يبعث ، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : قال جبرئيل : يا محمّد لو تراهم حين يبعثون هذا مبيض وجهه ينادي لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر و هذا مسودّ وجهه ينادي يا ويلاه يا ثبوراه .

و عن عبد اللّه بن الوليد رفعه قال : قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله : من قال لا إله إلاّ اللّه غرست له شجرة في الجنّة من ياقوتة حمراء ، منبتها في مسك أبيض أحلى من العسل و أشدّ بياضا من الثّلج و أطيب ريحا ، فيها أمثال أثداء الأبكار تفلق 1 عن سبعين حلّة و في الكافي مثله .

و الأخبار في هذا الباب كثيرة ، و في الاستقصاء إطالة ، و فيما رويناها كفاية إنشاء اللّه ( شهادة ممتحنا إخلاصها ) أى مختبرا كونها مخلصا ، يعني أنّه عليه السّلام اختبر قلبه في إخلاص هذه الشّهادة فوجده عريا عن شبهة الباطل و خالصا عن شوائب الشّرك ( معتقدا مصاصها ) أى خالصها ، يعنى أنّ هذه الشّهادة صادرة عن صميم القلب ، و القلب مطابق فيها للّسان و مذعن بخلوصها ، و بالجملة ففي توصيف الشّهادة بهذين الوصفين إشارة إلى كونها في مرتبة الكمال و أنّها خالصة مخلّصة ، و هذه المرتبة هي المطلوبة في باب التّوحيد ، و إلاّ فالشّهادة الصّادرة عن محض اللّسان إنّما تطهر جلد الانسان و لا يترتّب عليها ثمرة في الآخرة و أمّا الصّادرة بالاخلاص فهي الشّهادة في الحقيقة .

و لذلك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيما رواه في التّوحيد عنه صلّى اللّه عليه و آله : رأيت أشهد أن لا إله إلاّ اللّه كلمة عظيمة كريمة على اللّه عزّ و جلّ ، من قالها مخلصا استوجب

-----------
( 1 ) الفلق الشق من باب ضرب ، منه

[ 287 ]

الجنّة و من قالها كاذبا عصمت ماله و دمه و كان مصيره إلى النّار .

و فيه أيضا عن زيد بن أرقم عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قال لا إله إلاّ اللّه مخلصا دخل الجنة و إخلاصه بها أن حجزه لا إله إلاّ اللّه عمّا حرّم اللّه ، و رواه في ثواب الأعمال أيضا مثله .

و فيهما عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله . أتاني جبرئيل بين الصّفا و المروة فقال يا محمّد : طوبى لمن قال من امّتك لا إله إلاّ اللّه وحده مخلصا .

و في الكافي عن أبان بن تغلب عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : يا أبان إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث ، من شهد أن لا إله إلاّ اللّه مخلصا وجبت له الجنّة ، قال : قلت له :

إنّه يأتيني من كلّ صنف من الأصناف أفأ روي هذا الحديث ؟ قال : نعم يا أبان إنه إذا كان يوم القيامة و جمع اللّه الأوّلين و الآخرين فتسلب لا إله إلاّ اللّه منهم إلاّ من كان على هذا الأمر و المراد بسلبها منهم عدم نفعها لهم ، لكون الولاية شرطا في التّوحيد كما مرّ في رواية الرّضا عليه السّلام من قوله : بشروطها و أنا من شروطها ( نتمسك بها أبدا ما أبقانا و ندّخرها لأهاويل ما يلقانا ) لأنّها انس للمؤمن في حياته و في مماتة و حين يبعث كما مرّ في رواية ثواب الأعمال ، فهي أعظم ذخيرة لأهوال الآخرة و شدايدها .

و قد مرّ في رواية ثواب الأعمال و التّوحيد : قوله تعالى لموسى بن عمران :

لو أن السّماوات و عامريهنّ عندي و الأرضين السّبع في كفّة و لا إله إلاّ اللّه في كفّة مالت بهنّ لا إله إلاّ اللّه ، فأىّ ذخيرة تكون أعظم منها ثمّ علّل عليه السّلام التّمسك و الادّخار بامور أربعة أولها ما أشار إليه بقوله عليه السّلام : ( فانّها عزيمة الايمان ) أى عقيدتها و ممّا يجب للمؤمن أن يعقد قلبه عليها ، أو أنّها معزومة الايمان بمعنى أنّها ممّا ينبغى أن يجدّ فيها و يجتهد حسبما اشير إليه في بيان لغتها .

[ 288 ]

الثّاني قوله عليه السّلام : ( و فاتحة الاحسان ) أى ابتداء الاحسان و أوّله ، و إضافته إليه من قبيل اضافة الجزئى إلى الكلّ ، مثل فاتحة الكتاب ، فيكون مصدرا بمعنى الفتح كالكاذبة بمعنى الكذب ، و على هذا فالمراد بالاحسان هو التّوحيد و اصول الشريعة و يدلّ على صحّة إطلاقه بذلك ما رواه في التّوحيد عن موسى بن اسماعيل بن موسى ابن جعفر قال : حدّثني أبي عن جدّه جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ :

« هَلْ جَزآءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ » قال : عليّ عليه السّلام : ما جزآء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلاّ الجنّة هذا ، و يحتمل أن يكون الفاتحة وصفا من الفتح ضدّ الغلق فالاضافة لاميّة ، و هذا هو الأظهر و المعنى أنّ الشّهادة باعثة لفتح أبواب الاحسان و الانعام و أنّها مفتاح لها ، إذ بها يستحقّ العبد للفيوضات الأبدية و النّعم السر مديّة .

و يدلّ عليه مضافا إلى الأخبار السّالفة ما رواه في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السّلام من قال لا إله إلاّ اللّه مخلصا طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرّق الأبيض ، فاذا قال ثانية لا إله إلاّ اللّه مخلصا خرق أبواب السّماء و صفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض اخشعوا لعظمة أمر اللّه ، فاذا قال ثالثة مخلصا لا إله إلاّ اللّه لم تنته دون العرش فيقول الجليل : اسكتي فوعزّتي و جلالي لأغفرنّ لقائلك بما كان فيه ، ثمّ تلاهذه الآية :

« إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ » .

يعنى إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله و كلامه هذا ، و ظهر لي معنى ثالث و هو أن يكون المصدر بمعنى الفاعل و يكون المراد أنّها ابتداء كون الرّجل محسنا مقابل كونه مسيئا .

الثّالث قوله عليه السّلام : ( و مرضات الرّحمن ) و ذلك واضح لأنّها محصّلة لمرضاته « ج 18 »

[ 289 ]

تعالى و رضائه و رضوانه و معدّة للخلد في جنانه .

الرّابع قوله عليه السّلام : ( و مدحرة الشّيطان ) و ذلك أيضا واضح لأنّ مقصود اللّعين هو الاضلال و الاغواء و الكفر ، و الشّهادة بالاخلاص زاجرة له و كاسرة « قاصمة خ‏ل » لظهره و رافعة لكيده و مكره ، و لذلك أنّ اللّعين بعد ما قال :

« فَوَ عِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعينَ » .

عقّبه بالاستثناء بقوله :

« إِلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصينَ » .

و في عدّة الدّاعي لأحمد بن فهد الحلّي قال : و قد روي عن النبىّ صلّى اللّه عليه و آله على كلّ قلب جاثم 1 من الشّيطان ، فإذا ذكر اسم اللّه خنس 2 الشّيطان و ذاب و إذا ترك الذاكر التقمه فجذبه و أغواه و أستزلّه و أطغاه .

و في حديث آخر أنه قال الشّيطان على قلب ابن آدم له خرطوم مثل خرطوم الخنزير يوسوس لابن آدم ان أقبل على الدّنيا و ما لا يحلّ اللّه فاذا ذكر اللّه خنس : اى ذهب و استتر ( و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله ) عقّب عليه السّلام الشّهادة بالتّوحيد بالشّهادة بالرّسالة أمّا أوّلا فلأنّ مرتبة الرّسالة تالية لمرتبة التّوحيد كما أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثاني الموجودات في الموجودية و إن كان الأوّل تعالى لا ثاني له في الوجود فينبغي أن يكون الشهادة برسالته عقيب الشّهادة بالتّوحيد طباقا لما هو الواقع .

و أمّا ثانيا فلانّ المقصود من الخلق هو العرفان و إخلاص التّوحيد و السّلوك إلى اللّه و لا بدّ للسالك من دليل يدلّ عليه و هاد يستهدى به و مبلّغ يصدّق بقوله و يقرّ برسالته ، فلا بدّ من اقتران التّصديق بالرّسالة بالتّصديق بالوحدانيّة كى يتوصل به إليه و يسلك به مسالكه ، إذ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله موصل إليه و باب له و فاتح لمغلقات مراتب

-----------
( 1 ) جثم يجثم لزم مكانه فلم يبرح و فى المصباح جثم الطائر و الارنب يجثم جثوما و هو كالبروك من البعير مجمع البحرين

-----------
( 2 ) اى تراجع و تاخر ، اللغة

[ 290 ]

التّوحيد ، و بوجوده صلّى اللّه عليه و آله يحصل المعرفة التّامّة و يكمل الاخلاص التّام .

و أمّا ثالثا فلأنّه سبحانه قد قارن بين كلمتي التّوحيد و الرّسالة و كتب لا إله إلاّ اللّه و محمّد رسول اللّه بخطوط النّور على ساق العرش و طبقات السّماوات و أقطار الأرضين و صفحتي الشّمس و القمر ، كما يستفاد من الأخبار ، فينبغي المقارنة في شهادتيهما اقتفاء لما قد جرى عليه القلم الرّباني و سطور النّور ،

و أمّا فضل الجمع بينهما فقد روى في الكافي عن أبيعبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : من قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله كتب اللّه له ألف حسنة .

و في ثواب الأعمال عن بشر الأوزاعي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السّلام قال : من شهد أن لا إله إلاّ اللّه و لم يشهد أنّ محمّدا رسول اللّه كتبت له عشر حسنات ، فان شهد أنّ محمّدا رسول اللّه كتبت له ألفي ألفي حسنة .

و عن سهل بن سعد الأنصاري قال سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن قول اللّه عزّ و جلّ :

« وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا » .

قال كتب اللّه عزّ و جلّ قبل أن يخلق الخلق بألفي عام في ورق آس أنبته ثمّ وضعها على العرش ، ثمّ نادى يا امّة محمّد إنّ رحمتي سبقت غضبي أعطيتكم قبل أن تسألوني و غفرت لكم قبل أن تستغفروني فمن يلقني « لقيني خ‏ل » منكم يشهد أن لا إله إلاّ أنا و أنّ محمّدا عبدي و رسولي أدخلته الجنّة برحمتي .

و في عدّة الدّاعي لأحمد بن فهد الحلّي عن الباقر عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من سرّه أن يلقى اللّه يوم القيامة و في صحيفته شهادة ان لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و يفتح له ثمانية أبواب الجنّة فيقال له يا وليّ اللّه ادخل الجنّة من أيّها شئت فليقل إذا أصبح و إذا أمسى :

« أكتبا بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده

[ 291 ]

لا شريك له ، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله ، و أشهد أنّ السّاعة اتية لا ريب فيها ، و أنّ اللّه يبعث من في القبور على ذلك أحيى و على ذلك أموت و على ذلك أبعث حيّا إنشاء اللّه ، إقرءا محمّدا منّي السّلام ، ألحمد للّه الّذي أذهب اللّيل مظلما بقدرته ، و جاء بالنّهار مبصرا برحمته ، خلقا جديدا مرحبا بالحافظين » و يلتفت عن يمينه « و حيّا كما اللّه من كاتبين » و يلتفت عن شماله هذا .

و أمّا تسمية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بمحمد فأوّل من سمّاه بذلك الاسم هو اللّه سبحانه كما يدلّ عليه حديث عرض الاشباح لآدم عليه السّلام حيث قال سبحانه له : هذا محمّد و أنا الحميد المحمود في فعالى شققت له اسما من اسمي ، و قد مرّ بتمامه في ثاني تنبيهات الفصل الحاد يعشر من فصول الخطبة الاولى ، ثمّ سمّاه عبد المطلب بذلك يوم سابع ولادته إلهاما منه سبحانه و تفألا بكثرة حمد الخلق له ، لكثرة خصاله الحميدة ،

و قد قيل لم شمّيت ابنك محمّدا و ليس من أسماء آبائك و لا قومك ؟ فقال : رجوت أن يحمد في السّماء و الأرض ، و قد حقّق اللّه رجائه ،

و في الوسائل عن كشف الغمة عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام عن ابن عباس قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد ألا ليقم كلّ من كان اسمه محمّد فليدخل الجنّة بكرامة سميّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله .

و في الكافي عن أبيعبد اللّه عليه السّلام قال : لا يولد لنا ولد إلاّ سمّيناه محمّدا ، فاذا مضى سبعة أيّام فان شئنا غيّرنا و إلاّ تركنا هذا .

و قد ورد الأخبار المتظافرة بل المستفيضة في استحباب التّسمية بذلك الاسم المبارك ، و روي له خواص كثيرة من أراد الاطلاع عليها فليراجع إلى أبواب أحكام الأولاد في كتب الأخبار .

[ 292 ]

و أمّا تقديم وصف العبودية على الوصف بالرّسالة في كلمة الشّهادة ، فلأن مقام العبوديّة متقدّم على مرتبة الرّسالة كما يشهد به ما رواه في الكافي عن زيد الشحام ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول : إن اللّه تبارك و تعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيا و إن اللّه اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ، و إنّ اللّه اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا ، و إنّ اللّه اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما فلما جمع له الأشياء « قالَ إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً » قال فمن عظمها في عين ابراهيم :

« قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمينَ » قال لا يكون السّفيه إمام التّقى ، و مثله أخبار اخر و يأتي تحقيق الكلام فيها عند الكلام على مسألة الامامة في مواضعها اللاّيقة إنشاء اللّه .

ثمّ أشار عليه السّلام إلى تعظيم الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بما جاء به فقال ( أرسله بالدين المشهور ) أى بين الامم الماضية و القرون الخالية ( و العلم المأثور ) توكيد للفقرة الاولى و أشار به إلى كون ذلك الدين علما يهتدى إلى حظيرة القدس التي يطلب السّلوك إليها ،

و كونه مأثورا إشارة إلى كون ذلك الدين مختارا على ساير الأديان ، أو أنّه مأثور منقول من قرن الى قرن و يهتدى به قوم بعد قوم ( و الكتاب المسطور ) بقلم النّور على اللّوح المحفوظ قبل وجود الأنفس و الآفاق ، و المكتوب على الأوراق و الصّفحات بعد تلبّسه بلباس الحروف و جلباب الأصوات ( و النّور السّاطع و الضياء اللاّمع ) يحتمل أن يكون المراد بهما الكتاب فيكون العطف للتوكيد قال تعالى :

« قَدْ جآئَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبينٌ يَهْدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُلُماتِ إِلَى النُّورِ » فهو نور عقلي ينكشف به أحوال المبدء و المعاد و يترائى منه حقايق الأشياء و ضياء يهتدى به في ظلمات برّ الأجسام و بحر النّفوس ، و يظهر به للسّالكين إلى الدّار

[ 293 ]

الاخرى طريق الجنّة و النّور ، و يحتمل أن يكون المراد علم النّبوة فانّه نور مقتبس من الوحى الالهى يتنوّر به في ظلمات الجهالة ، و ضياء يستضاء به في مفاوز الضّلالة ( و الأمر الصّادع ) أى الظاهر أو الفارق بين الحقّ و الباطل أو الحاكم بالحقّ و فيه تلميح إلى قوله تعالى :

« فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ » ثمّ أشار عليه السّلام إلى دواعى البعثة و ما هو المقصود بالرّسالة فقال عليه السّلام : ( ازاحة للشبهات ) أى أرسله صلّى اللّه عليه و آله إزالة للشبهات الباطلة و الشكوكات الفاسدة ( و احتجاجا بالبيّنات ) أى بالمعجزات القاهرة و البراهين السّاطعة ( و تحذيرا بالآيات ) أى إنذارا بالآيات القرآنية و الخطابات الشّرعية و يحتمل أن يكون المراد بالآيات العقوبات النّازلة بالعصاة التى هي علامة القهر و القدرة و فيها عبرة للمعتبرين كما قال تعالى :

« وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ ، إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِلمُتَوَسِّمينَ » و قال : « فَالْيَوْمَ نُنَجّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً و إِنَّ كَثيراً مِنَ النّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ » و على هذا الاحتمال فيكون عطف قوله : ( و تخويفا للمثلات ) عليه من قبيل العطف للتّوكيد ، أى تخويفا بالعقوبات الواقعة بأهل الجنايات ، هكذا فسّر الشّارحان البحراني و المعتزلي هذه الفقرة ، الأوّل تصريحا و الثّاني تلويحا ، و لكنه خلاف الظاهر ، لأنّه قال عليه السّلام : للمثلات و لم يقل : بالمثلات ، و الأظهر عندي هو أنّ المراد بها التمثيل و التّنكيل بجدع الأنف و قطع الأذن و نحوهما ممّا كان شعارا في الجاهليّة ، و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عنه و خوف له ، كما يدلّ عليه وصيّته الآتية في الكتاب للحسن و الحسين عليهما السّلام لما ضربه ابن ملجم : يا بني عبد المطلب لا الفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون : قتل أمير المؤمنين ألا لا تقتلنّ

[ 294 ]

لى إلاّ قاتلي : انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة و لا يمثل بالرّجل فاني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول : إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور .

و في الكافي باسناده عن إسحاق بن عمّار قال قلت لأبيعبد اللّه عليه السّلام إنّ اللّه يقول في كتابه :

« وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّه‏ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ في الْقَتْلِ » ما هذا الاسراف الذي نهى اللّه عنه ؟ قال : نهى أن يقتل غير القاتل أو يمثّل بالقاتل الحديث ، و الأخبار في هذا الباب كثيرة ، و لعلّنا نشير إلى بعضها عند شرح الوصية الآتية إن ساعدنا التّوفيق إن شاء اللّه .