الفصل السابع منها فى صفة خلق الانسان

أم هذا الّذي أنشأءه في ظلمات الأرحام و شغف الأستار نطفة دهاقا ، و علقة محاقا ، و جنينا و راضعا ، و وليدا و يافعا ، ثمّ منحه قلبا حافظا ، و لسانا لافظا ، و بصرا لاحظا ، ليفهم معتبرا ، و يقصر مزدجرا حتّى إذا قام اعتداله ، و استوى مثاله ، نفر مستكبرا ، و خبط سادرا ماتحا في غرب هواه ، كادحا سعيا لدنياه ، في لذّات طربه ، و بدوات أربه ، لا يحتسب رزيّة ، و لا يخشع تقيّة ، فمات في فتنته غريرا ، و عاش

[ 26 ]

فى هفوته يسيرا ، لم يفد عوضا ، و لم يقض مفترضا ، دهمته فجعات المنيّة في غبَّر جماحه ، و سنن مراحه ، فظلّ سادرا ، و بات ساهرا ، في غمرات الآلام ، و طوارق الأوجاع و الأسقام ، بين أخ شقيق ،

و والد شفيق ، و داعية بالويل جزعا ، و لا دمة للصّدر قلقا ، و المرء في سكرة ملهثة ، و غمرة كارثة ، و أنّة موجعة ، و جذبة مكربة ، و سوقة متعبة ، ثمّ أدرج في أكفانه مبلسا ، و جذب منقادا سلسا ، ثمّ ألقي على الأعواد رجيع و صب ، و نضو سقم ، تحمله حفدة الولدان ،

و حشدة الإخوان ، إلى دار غربته ، و منقطع زورته ، حتّى إذا انصرف المشيِّع ، و رجع المتفجّع ، أقعد في حفرته نجيّا لبهتة السّؤال ، و عثرة الإمتحان ، و أعظم ما هنا لك بليَّة نزل الحميم ، و تصلية الجحيم ،

و فورات السّعير ، و سورات الزّفير ، لا فترة مريحة ، و لا دعة مزيحة ،

و لا قوّة حاجزة ، و لا موتة ناجزة ، و لا سنة مسلية ، بين أطوار الموتات ،

و عذاب السّاعات ، إنّا باللّه عائذون .