اللّعين ابن اللّعين عليه لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين أبد الأبدين و بيان بعض حالاته الدالة على كفره و شقاوته مع الاشارة إلى ما صدر عنه في صفين من كشف سوئته فأقول :
اعلم أنّ العاص بن وائل أباه كان من المستهزئين برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و المعالنين له بالعداوة و الأذى ، و فيه و في أصحابه نزل قوله تعالى .
إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهزِئين .
و كان يلقّب في الاسلام بالأبتر لأنّه قال لقريش : سيموت هذا الأبتر غدا فينقطع ذكره ، يعني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و يشتمه و يضع في طريقه الحجارة ، لأنّه صلى اللّه عليه و آله و سلم كان يخرج من منزله ليلا فيطوف بالكعبة فكان يجعل الحجارة في طريقه ليعثر بها ،
و هو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لما خرجت من مكة
[ 81 ]
مهاجرة إلى المدينة فروّعوها و قرعوا هودجها بكعوب الرّماح حتى اجهضت جنينا ميتا من أبي العاص بن الرّبيع بعلها ، فلمّا بلغ ذلك رسول اللّه نازل منه و شقّ عليه مشقّة شديدة و لعنهم ، رواه الشّارح المعتزلي عن الواقدي .
و روي عنه و عن غيره من أهل الحديث أنّ عمرو بن العاص هجا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله هجا كثيرا كان تعلمه صبيان مكة فينشدونه و يصيحون رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم إذا مرّ بهم رافعين أصواتهم بذلك الهجاء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و هو يصلّي بالحجر : اللهمّ إنّ عمرو بن العاص هجانى و لست بشاعر فالعنه بعدد ما هجاني .
قال : و روى أهل الحديث أنّ النّضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط و عمرو بن العاص عمدوا إلى سلا 1 جمل فرفعوه بينهم و وضعوا على رأس رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و هو ساجد بفناء الكعبة فسال عليه فصبر و لم يرفع رأسه و بكى في سجوده و دعا عليهم فجائت ابنته فاطمة عليها السلام و هي باكية فاحتضنت ذلك السلا فرفعته عنه فألقته و قامت على رأسه تبكى فرفع رأسه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال : اللهم عليك بقريش قالها ثلاثا ، ثمّ قال صلى اللّه عليه و آله رافعا صوته : إنّي مظلوم فانتصر ، قالها ثلاثا ، ثمّ قال فدخل منزله و ذلك بعد وفات عمّه أبي طالب بشهرين .
قال : و لشدّة عداوة عمرو بن العاص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أرسله أهل مكّة إلى النّجاشي ليزهده في الدّين و ليطرد عن بلاده مهاجرة حبشة و ليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه قتله ، فكان منه في أمر جعفر هناك ما هو مذكور مشهور في السّير .
فاما النابغة فقد ذكر الزمخشري في الكتاب ربيع الأبرار قال : كانت النّابغة أمّ عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبد اللّه بن جذعان التّيمي بمكة فكانت بغيّا ، ثمّ اعتقها فوقع عليها أبو لهب بن عبد المطلب و اميّة بن خلف الجهمي و هشام بن المغيرة المخزومي و أبو سفيان بن الحرب و العاص بن وائل السهمى في طهر واحد فولدت عمرا فادّعاه كلّهم فحكمت امّه فيه فقالت : هو من العاص
-----------
( 1 ) السلا المشيمة لغة .
[ 82 ]
ابن وائل ، و ذلك لأنّ العاص بن وائل ينفق عليها كثيرا ، قالوا : و كان أشبه بأبي سفيان .
قال : و روى أبو عبيدة معمّر بن المثنّى في كتاب الأنساب أنّ عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان : أبو سفيان بن الحرب و العاص بن وائل ، فقيل : لتحكم امّه فقالت امّه : من العاص بن وائل ، فقال أبو سفيان : أما أنى لا أشكّ أني وضعته في بطن ( رحم خ ل ) امّه فأبت إلاّ العاص فقيل لها : أبو سفيان أشرف نسبا ، فقالت :
إنّ العاص بن وائل كثير النّفقة علىّ و أبو سفيان شحيح ، ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لعمرو بن العاص حيث هجاء مكافتا له عن هجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم :
أبوك أبو سفيان لا شكّ قد بدت
لنا فيك منه بينات الشّمائل
ففاخر به إمّا فخرت و لا تكن
تفاخر بالعاص الهجين بن وائل
و إنّ التي في ذاك يا عمرو حكمت
فقالت رجاء عند ذاك لنايل
من العاص عمرو تخبر الناس كلّما
تجمّعت الأقوام عند المحافل
و في البحار من الاحتجاج في حديث طويل قال الحسن عليه السّلام مخاطبا لابن العاص : و أما أنت يا عمرو بن العاص الشّاني اللّعين الأبتر فانما أنت كلب أوّل أمرك امّك لبغية أنّك ولدت على فراش مشترك فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن حرب و الوليد بن المغيرة و عثمان بن الحارث و النّضر بن الحارث بن كلدة و العاص بن وائل كلّهم يزعم أنّك ابنه فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا و أخبثهم منصبا و أعظمهم بغية ثمّ قمت خطيبا و قلت أنا شانيء محمّد ، و قال العاص ابن وائل : إن محمّدا رجل أبتر لا ولد له فلو قد مات انقطع ذكره فأنزل اللّه تبارك و تعالى إِنَّ شانئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ .
و كانت امّك تمشي إلى عبد قيس يطلب البغة تأتيهم في دورهم و في رحالهم و بطون أوديتهم ، ثم كنت في كلّ مشهد يشهده رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من عدوّه أشدّهم له عداوة و أشدّهم له تكذيبا ، الحديث .
و في البحار من كتاب سليم بن قيس الهلالى عن أبان بن أبي عيّاش عن سليم
[ 83 ]
قال : إن عمرو بن العاص خطب النّاس بالشّام فقال : بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على جيش فيه أبو بكر و عمر فظننت أنّه إنّما بعثني لكرامتي عليه فلمّا قدمت قلت يا رسول اللّه أي النّاس أحبّ إليك ؟ فقال صلى اللّه عليه و آله و سلم : عايشة ، فقلت : من الرّجال ؟
قال : أبوها ، و هذا علىّ يطعن على أبي بكر و عمر و عثمان ، و قد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يقول : إنّ اللّه ضرب بالحقّ على لسان عمر و قلبه ، و قال في عثمان : إنّ الملائكة تستحي من عثمان .
و قد سمعت عليّا و إلاّ فسمّتا يعني اذنيه يروى على عهد عمر إنّ نبي اللّه نظرا إلى أبى بكر و عمر مقبلين ، فقال : يا عليّ هذان سيّدا كهول أهل الجنّة من الأوّلين و الآخرين ما خلا النّبيين منهم و المرسلين و لا تحدّثهما بذلك فيهلكا .
فقام عليّ عليه السّلام فقال : العجب لطغاة أهل الشّام حيث يقبلون قول عمرو و يصدّقونه و قد بلغ من حديثه و كذبه و قلّة ورعه أن يكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و لعنه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم سبعين لعنة و لعن صاحبه الذي يدعو إليه في غير موطن .
و ذلك انّه هجا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بقصيدة سبعين بيتا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله :
اللّهم إنّي لا أقول الشّعير و لا احلّه فالعنه أنت و ملائكتك بكلّ بيت لعنة تترى على عقبه إلى يوم القيامة .
ثمّ لما مات إبراهيم ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقال : إن محمّدا قد صار أبتر لا عقب له و إنّي لأشنا الناس له و أقولهم فيه سوء فأنزل فيه :
إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ .
يعني هو الأبتر من الايمان من كلّ خير ما لقيت من هذه الامة من كذا بيها و منافقيها لكأنّى بالقرّاء الضعفة المتهجدين رووا حديثه و صدّقوه فيه و احتجّوا علينا أهل البيت بكذبه : انا نقول خير هذه الامة أبو بكر و عمر و لو شئت لسمّيت الثالث ، و اللّه ما أراد بقوله في عايشة و انتهى الارضاء معاوية بسخط اللّه عزّ و جلّ ، و لقد استرضاه بسخط اللّه .
و أمّا حديثه الذي يزعم انّه سمعه منّي فلا و الذي فلق الحبّة و برىء النسمة
[ 84 ]
ليعلم أنّه قد كذب علي يقينا و انّ اللّه لم يسمعه منّي سرّا و لا جهرا ، اللهمّ العن عمرا و العن معاوية بصدّهما عن سبيلك و كذبهما على كتابك و استخفافهما نبيّك صلى اللّه عليه و آله و كذبهما عليه و عليّ .
و في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله المسجد و فيه عمرو ابن العاص و الحكم بن أبي العاص قال عمرو : يا أبا الأبتر و كان الرّجل في الجاهليّة إذا لم يكن له ولد سمّى ابتر ثمّ قال عمرو : إنّي لأشنأ محمّدا أي ابغضه فأنزل اللّه على رسوله صلى اللّه عليه و آله :
إنّا أَعطَيناك الْكَوْثَرَ إلى قوله : إِنَّ شانئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ .
اي مبغضك عمرو بن العاص لا دين له و لا حسب ، و بما ذكر كلّه ظهر كفر ابن العاص اللّعين و كفر أبيه كما ظهر عداوته لأمير المؤمنين عليه السّلام و بغضه و هو ليس ببعيد من أولاد الزنا و لنعم ما قال الشّاعر :
بحبّ علي تزول الشّكوك
و تزكوا النّفوس و تصفو البخار
و مهما رأيت محبّا له
فثمّ الذّكاء ( الزكاة ) و ثمّ الفخار
و مهما رأيت عدوّا له
ففي أصله نسب مستعار
فلا تعذلوه على فعله
فحيطان دار أبيه قصار
و أمّا خبر عمرو في صفين ففي البحار من المناقب و برز أمير المؤمنين عليه السّلام و دعا معاوية قال : و أسألك أن تحقن الدماء و تبرز إلى و أبرز إليك فيكون الأمر لمن غلب ، فبهت معاوية و لم ينطق بحرف ، فحمل أمير المؤمنين عليه السّلام على الميمنة فأزالها ، ثمّ حمل على المسيرة فطحنها ، ثمّ حمل على القلب و قتل منهم جماعة و أنشد
فهل لك في أبي حسن علي
لعلّ اللّه يمكن من قفاكا
دعاك إلى البراز فعكت عنه
و لو بارزته تربت يداكا
فانصرف أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ برز متنكّرا فخرج عمرو بن العاص مرتجزا
يا قادة الكوفة من أهل الفتن
يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن
كفى بهذا حزنا عن الحزن
أضربكم و لا أرى أبا الحسن
[ 85 ]
فتناكل عنه عليّ عليه السّلام حتى تبعه عمرو ثمّ ارتجز :
أنا الغلام القرشي المؤتمن
الماجد الأبيض ليث كالشّطن
يرضى به السادة من أهل اليمين
أبو الحسين فاعلمن أبو الحسن
فولى عمرو هاربا فطعنه أمير المؤمنين عليه السّلام فوقعت في ذيل درعه فاستلقا على قفاء و أبدا عورته فصفح عليه السّلام استحياء و تكرّما ، فقال معاوية : أحمد اللّه عافاك و احمد استك الذى و قال ، قال أبو نواس :
فلا خير في دفع الرّدى بمذلّة
كما ردّها يوما بسوئته عمرو
قال و برز عليّ عليه السّلام و دعا معاوية فنكل عنه فخرج بسر بن أرطاة يطمع في علي عليه السّلام فصرعه أمير المؤمنين فاستلقى على قفاه و كشف عن عورته فانصرف عنه علي عليه السّلام فقالوا : وليكم يا أهل الشّام أما تستحيون من معاملة المخانيت لقد علّمكم رأس المخانيت عمرو ، و لقد روى هذه السّيرة عن أبيه عن جدّه في كشف الاستاه وسط عرصة الحروب .
قال الشّارح المعتزلي : و للشراء فيهما أشعار مذكورة في موضعها من ذلك الكتاب منها فيما ذكر الكلبي و المدايني قول الحرث بن نضر الخثعمي و كان عدوّا لعمرو بن العاص و بسر بن أرطاة :
أفي كلّ يوم فارس ليس يتّقى ( ينتهى خ ل )
و عورته وسط العجاجة بادية
يكفّ لها عنه عليّ سنانه
و يضحك منه في الخلاء معاوية
بدت أمس من عمرو فقنّع رأسه
و عورة بسر مثلها حذ و حاذية
فقولا لعمرو ثمّ بسر ألا انظرا
سبيلكما لا تلقيا اللّيث ثانية
و لا تحمدا إلاّ الحيا و خصاكما
هما كانتا و اللّه للنّفس واقية
و لو لا هما لم تنجوا من ستانه
و تلك بما فيها من العود ماهية
متى تلقيا الخيل المشيحة صيحة
و فيها عليّ فاتركا الخيل ناحية
و كونا بعيدا حيث لا يبلغ القنا
نحور كما إنّ التجارب كافية
قال نضر بن مزاحم : حدّثنا عمرو بن شمر عن النخعي عن ابن عبّاس قال :
[ 86 ]
تعرض عمرو بن العاص لعلي عليه السّلام يوما من أيّام صفّين و ظنّ أنّه يطمع منه في غرّة فيصيبه فحمل علي عليه السّلام فلما كاد أن يخالطه اذرى نفسه عن فرسه و دفع ثوبه و شفر برجله فبدت عورته فضرب عليه السّلام وجهه عنه و قام معفرا بالتراب هازما على رجليه معتصما بصفوفه فقال أهل العراق : يا أمير المؤمنين أفلت الرّجل ، فقال عليه السّلام أتدرون من هو ؟ قالوا : لا ، قال عليه السّلام : فانّه عمرو بن العاص تلقاني بسوئة فصرفت وجهي عنه ، و رجع عمرو إلى معاوية فقال : ما صنعت يا أبا عبد اللّه ؟ فقال : لقيني عليّ فصر عني قال : احمد اللّه و عورتك ، و اللّه إنّي لأظنّك لو عرفته لما أقمحت عليه ، و قال معاوية في ذلك :
ألا للّه من هفوات عمرو
يعاتبني على تركي برازي
. فقد لا قى أبا حسن عليّا
فآب الوائليّ مآب خازى
فلو لم يبد عورته لطارت
بمهجته قوادم أىّ بازي
فان تكن المنيّة أخطأته
فقد غنّى بها أهل الحجاز
و روى الواقدي قال : قال معاوية يوما بعد استقرار الخلافة لعمرو بن العاص يا با عبد اللّه لا أراك إلاّ و يغلبني الضّحك ، قال : بما ذا ؟ قال : أذكر يوم حمل عليك أبو تراب في صفّين فاذريت نفسك فرقا من شبا سنانه و كشف سوئتك له ، فقال عمرو : أنا منك أشدّ ضحكا إنّي لأذكر يوم دعاك إلى البراز فانفتخ منخرك و ربا لسانك في فمك و عصب ريقك و ارتعدت فرائصك و بدا منك ما أكره ذلك ، فقال معاوية : لم يكن هذا كلّه و كيف يكون و دوني عمّك و الأشعرون ، قال : انّك لتعلم أنّ الذي وضعت دون ما أصابك و قد نزل ذلك بك و دونك عمك و الأشعرون فكيف كانت حالك لو جمعكما مآقط الحرب ؟ قال : يا با عبد اللّه خض بنا الهزل إلى الجدّ إنّ الجبن و الفرار من عليّ لاعار على أحد فيهما .