الخلاص من الفتن و الخصومات و صيانة الدّين و النفس عن الخوض فيها و التّعرّض لأخطارها و قلّما تخلو البلاد عن تعصّبات و خصومات فالمعتزل في
[ 198 ]
سلامة منها .
روى أبو سعيد الخدرى أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال و مواقع القطر يفرّ بدينه من الفتن من شاهق إلى شاهق .
و في رواية أخرى عنه عليه السّلام خير النّاس رجل ممسك بعنان فرسه كلّما سمع هيعة 1 طار إليها أو رجل في شعفة في غنيمة و يعبد اللّه حتى يأتيه الموت .
و روى عبد اللّه بن مسعود أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : سيأتي على النّاس زمان لا يسلم لذي دين دينه الاّ من فرّ بدينه من قرية إلى قرية و من شاهق إلى شاهق و من جحر إلى جحر كالثعلب الذى يروغ ، قيل له : و متى ذلك يا رسول اللّه ؟ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إذا لم تنل المعيشة إلاّ بمعاصى اللّه ، فاذا كان ذلك الزّمان حلّت العزوبة قالوا : و كيف يا رسول اللّه و قد أمرتنا بالتزويج ؟ قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إذا كان ذلك الزّمان كان هلاك الرّجل على يد أبويه ، فان لم يكن له أبوان فعلى يدى زوجته و ولده ، فان لم يكن فعلى يدى قرابته ،
قالوا و كيف ذلك يا رسول اللّه ؟ قال : يعيّرونه بضيق اليد فيتكلّف ما لا يطيق حتى يورده ذلك موارد الهلكة .
و هذا الحديث و إن كان في العزوبة إلاّ أنّه يدلّ على حسن العزلة إذ لا يستغنى المتأهّل عن المعيشة و المخالطة ، ثمّ لا ينال المعيشة إلاّ بمعصية اللّه حسبما استفيد من الرّواية .
قيل : لما بنى عروة قصره بالعقيق و لزمه قيل له : لزمت القصر و تركت مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ؟ فقال : رأيت مساجدكم لاهية ، و أسواقكم لاغية ، و الفاحشة في فجاجكم
-----------
( 1 ) قال جار اللّه الهيعة الصيحة التي يفزع منها أصلها من هاع يهيع اذا جبن و الشعفة رأس الجبل و المعنى خير الناس رجل أخذ بعنان فرسه و استعد الجهاد فى سبيل اللّه و رجل اعتزل الناس و سكن فى بعض رؤوس الجبال فى غنم له قليل يرعاها و يكتفى بها فى أمر معاشه و يعبد اللّه حتى يأتيه الموت ، منه
[ 199 ]
عالية ، و فيما هناك عمّا أنتم فيه عافية ، فاذا الحذر من الخصومات و مثارات الفتن احدى فوايد العزلة .