و هو اسم من نمّ الحديث ينمّه من بابي ضرب و قتل سعى به ليوقع فتنة أو وحشة فهو نمّ و نمّام قال تعالى :
وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهينٍ هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَميمٍ مَنّاعٍ لِلْخَيرِ مُعْتَدٍ أَثيمٍ عُتُلِّ بَعْدَ ذلِكَ زَنيمٍ قال في التّفسير : أى لا تطع كثير الحلف بالباطل لقلّة مبالاته بالكذب ، و صاحب المهانة أى قلّة الرّاى و التّميز أو صاحب الذّلة و الحقارة عند اللّه سبحانه ، و القارع في النّاس المغتاب ، و القتّاة السّاعي بين الناس بالنميمة طلبا للفساد و ضرب بعضهم ببعض ، و البخيل بالمال كثير المنع منه و المتجاوز عن الحقّ الغشوم الظّلوم و الاثيم الفاجر ، و قيل معتد في ظلم غيره أثيم في ظلم نفسه ، عتلّ بعد ذلك زنيم أى هو مع كونه منّاعا للخير معتديا أثيما فاحش سىّء الخلق ، و زنيم اى دعىّ ملصق إلى قوم ليس منهم و قال سبحانه :
وَ امْرَأَتُهُ حَمّالةَ الْحطَبِ
[ 203 ]
قيل : إنّها كانت تنمّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في رواية الكافي : ألا انبئكم بشراركم ؟ قالوا بلى يا رسول اللّه ، قال : المشّاؤون بالنّميمة المفرّقون بين الأحبّة الباغون للبراء المعائب .
و عن أبي ذرّ عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : من أشاع على مسلم كلمة ليشينه بها بغير حقّ شانه اللّه بها في النار يوم القيامة .
و عن أبي الدّرداء عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال أيّما رجل أشاع على رجل كلمة و هو منها برىء ليشينه بها في الدّنيا كان حقّا على اللّه أن يذيبه بها يوم القيامة في النار .
و يقال اتّبع رجل حكيما سبع مأة فرسخ في سبع كلمات ، فلما قدّم عليه قال : إنّى جئتك للّذي أتاك اللّه من العلم أخبرني عن السّماء و ما أثقل منها ، و عن الأرض و ما أوسع منها ، و عن الصّخر و ما أقسى منه ، و عن النّار و ما أحرّ منها ،
و عن الزمهرير و ما أبرد منه ، و عن البحر و ما أغنى منه و عن اليتيم و ما أذلّ منه ؟
فقال له الحكيم : البهتان على البرىء أثقل من السّماوات ، و الحقّ أوسع من الأرض ، و القلب القانع أغنى من البحر ، و الحرص و الحسد أحرّ من النّار ،
و الحاجة إلى القريب إذا لم ينجح 1 أبرد من الزمهرير ، و قلب الكافر أقسى من الحجر ، و النّمام إذا بان أمره أذلّ من اليتيم هذا .
و ينبغي أن يعلم أنّ مراد النّمام بنميمته إمّا إرادة السّوء للمحكىّ عنه ،
أو إظهار الحب للمحكىّ له أو التفرّج بالحديث و الخوض في الفضول و الباطل ،
و على كلّ تقدير فاللاّزم للمحكىّ له عند ما سمع النّميمة امور ستّة :
الأوّل أن لا يصدّقه لأنّ النّمام فاسق و هو مردود الرّواية قال تعالى :
يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنْ جائَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمينَ .
و قد روى إنّ عمر بن عبد العزيز دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا فقال له
-----------
( 1 ) انجح حاجته قضاها منه
[ 204 ]
عمر : إن شئت نظرنا في أمرك فان كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية : إن جائكم فاسق ، و إن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية : همّاز مشّاء بنميم ، و إن شئت عفونا عنك ، قال : العفو لا أعود إليه أبدا .
الثّاني أن ينهاه عن ذلك و ينصح له و يقبح عليه فعله قال اللّه تعالى :
وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ .
روى في بعض مؤلفات أصحابنا من ارشاد القلوب أنّ رجلا دخل على عليّ بن الحسين عليهما السّلام و قال له : إنّ فلانا لايزال يذكرك في قصصه بشرّ ، فقال عليه السّلام له :
يا هذا و اللّه ما راعيت حقّ مجالسة الرّجل حيث نقلت الينا حديثه و خنته فيما ائتمنك به . و لا أدّيت حقّى أيضا حين أعلمتنى ما أكره ، أما علمت أنّ النّمام من سكان النّار ؟ و لكن قل له : إن الموت يعمّنا ، و القبر يضمّنا ، و القيامة تجمعنا ،
و اللّه يحكم بيننا و هو خير الحاكمين ، نقلناه بالمعنى .
الثّالث أن يبغضه في اللّه فانّه بغيض عند اللّه ، و يجب بغض من يبغضه اللّه تعالى و أيضا فانّه قد واجهك بما لم يواجهك به من حكى عنه ، حيث استحياك و ذكرك بسوء في غيبتك و النمام ذكرك بسوء في مواجهتك و لم يستح منك ، و قد قيل :
سبّك من بلّغك ، روى إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام سعى إليه برجل ، فقال : يا هذا نحن نسأل عمّا قلت فان كنت صادقا مقتناك ، و إن كنت كاذبا عاقبناك ، و إن شئت أن نقيلك أقلناك ، فقال : أقلنى يا أمير المؤمنين .
الرّابع ألاّ تظن بأخيك الغائب السوء لقوله تعالى :
إِجْتَنِبُوا كَثيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمُ .
قال رجل لعبد اللّه بن عامر و كان أميرا : بلغني أنّ فلانا أعلم الأمير أنى ذكرته بسوء قال : قد كان ذلك ، قال : فأخبرني بما قال حتى أظهر كذبه عندك ، قال : ما احبّ أن أشتم نفسى بلساني ، و حسبي أنّى لم أصدّقه فيما قال ، و لا أقطع عنك الوصال .
[ 205 ]
الخامس أن لا يحملك ما حكى لك على التجسّس و البحث عن حقيقة ما قاله لقوله تعالى : و لا تجسّسوا .
السّادس أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النّمام عنه و لا تحكى نميمته فتكون نمّاما و مغتابا و تكون قد أتيت ما نهيت عنه .
روى كعب الأخبار أنّ بنى اسرائيل أصابهم قحط فاستسقى موسى عليه السّلام مرّات فماسقوا ، فأوحى اللّه تعالى إليه أنى لا أستجيب لك و لمن معك و فيكم نمّام قد أصرّ على النّميمة ، فقال موسى عليه السّلام : يا ربّ من هو دلّنى عليه حتى اخرجه من بيننا قأل : يا موسى أنهيكم عن النميمة و أكون نمّاما ، فتابوا جميعا فسقوا .