المقام الاول في علّة وجوبها و فضلها و عقوبة مانعها .

أمّا فضلها و وجوبها فكفى بذلك أنّ أكثر الآيات المتضمّنة للأمر باقامة الصّلاة متضمّنة للأمر بايتاء الزّكاة ، فجعل الزّكاة تالى الصّلاة ، و الأخبار في هذا المعنى فوق حدّ الاحصاء .

ففي الكافي باسناده عن محمّد بن مسلم و أبي بصير و بريد عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام قالا : فرض اللّه الزّكاة مع الصّلاة .

و عن مبارك العقرقوفي قال : قال أبو الحسن عليه السّلام إنّ اللّه عزّ و جلّ وضع الزّكاة قوتا للفقراء و توقيرا لأموالكم .

و عن أحمد بن محمّد بن عبد اللّه و غيره عن رجل من أهل ساباط قال : قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لعمّار السّاباطي : يا عمّار أنت ربّ مال كثير ؟ قال : نعم جعلت فداك ، قال : فتؤدّى ما افترض اللّه عليك من الزّكاة ؟ فقال : نعم ، قال : فتخرج الحقّ المعلوم من مالك ؟ قال : نعم ، قال : فتصل قرابتك ؟ قال : نعم ، قال : فتصل اخوانك ؟

قال : نعم ، فقال عليه السّلام : يا عمّار إنّ المال يفنى و البدن يبلى و العمل يبقى و الدّيان حىّ لا يموت ، يا عمّار إنّه ما قدّمت فلن يسبقك ، و ما أخّرت فلن يلحقك . و رواه الصّدوق في الفقيه عنه عليه السّلام مثله .

و فيه أيضا عن معتب مولى الصّادق عليه السّلام قال : قال الصّادق عليه السّلام : إنما وضعت الزّكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء ، و لو أنّ النّاس ردّوا زكاة أموالهم ما بقى مسلم فقيرا محتاجا ، و لا ستغنى بما فرض اللّه له ، إنّ النّاس ما افتقروا و لا احتاجوا

[ 415 ]

و لا جاعوا و لا غروا إلاّ بذنوب الأغنياء ، و حقيق على اللّه أن يمنع رحمته ممن منع حقّ اللّه في ماله ، و اقسم بالذي خلق الخلق و بسط الرّزق إنه ما ضاع مال في برّ و لا بحر إلاّ بترك الزّكاة ، و ما صيد في برّ و لا بحر إلاّ بتركه التسبيح في ذلك اليوم و إنّ أحبّ النّاس إلى اللّه أسخاهم كفا ، و أسخى النّاس من أدّى زكاة ماله و لم يبخل على المؤمنين بما افترض اللّه لهم في ماله .

و فيه أيضا أنّه كتب الرّضا عليّ بن موسى عليهما السلام إلى محمّد بن سنان فيما كتب إليه من جواب مسائله : أنّ علّة الزكاة من أجل قوت الفقراء و تحصين أموال الأغنياء ، لأنّ اللّه كلّف أهل الصّحة القيام بشأن أهل الزّمانة و البلوى كما قال تعالى .

لَتَبْلُوَنَّ في أَمْوالِكُمْ و أَنْفُسِكُمْ .

في أموالكم اخراج الزكاة ، و في أنفسكم توطين النفس على الصبّر مع ما في ذلك من أداء شكر نعم اللّه و الطمع في الزّيادة مع ما فيه من الرفادة و الرأفة و الرّحمة لأهل الضعف ، و العطف على أهل المسكنة و الحثّ لهم على المواساة ،

و تقوية الفقراء و المعونة لهم على أمر الدّين ، و موعظة لأهل الغنى ، و عبرة لهم ليستدلّوا على فقراء الآخرة بهم و ما لهم عن الحثّ في ذلك على الشكر للّه لما خوّلهم و أعطاهم و الدّعا و التضرّع و الخوف من أن يصير و امثلهم في امور كثيرة في أداء الزكاة و الصّدقات و صلة الأرحام و اصطناع المعروف .

قال الصّدوق : و قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام : من أخرج زكاة ماله تامّا فوضعها في موضعها لم يسأل من أين اكتسب ماله .

قال : و قال الصّادق عليه السّلام : إنما جعل اللّه الزكاة في كلّ ألف خمسة و عشرين درهما ، لأنّ اللّه تعالى خلق الخلق فعلم غنيّهم و فقيرهم و قويّهم و ضعيفهم ، فجعل من كلّ ألف خمسة و عشرين مسكينا لو لا ذلك لزادهم اللّه لأنه خالقهم و هو أعلم بهم .

[ 416 ]

اما عقوبة تارك الزكاة و مانعها فقد قال تعالى في سورة آل عمران :

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ يَبْخَلُونَ بِما اتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه‏ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرُّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِه‏ يَوْمَ الْقِيمَةِ وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّمواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبيرٌ و في سورة البرائة : وَ الَّذينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها في سَبيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَليمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها في نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ .

و لا يخفى ما في الآيتين من وجوه الحثّ على الانفاق و الوعيد على الامساك .

أما الاية الاولى فجهات الانذار فيها غير خفيّة الأولى أنّه سبحانه نهى عن حسبان الممسكين إمساكهم خيرا لهم و نفعا في حقّهم و أكّد ذلك بالنون المفيدة للتوكيد الثانية أنّه وصف الممسكين بصفة البخل و هو صفة ذمّ الثالثة أنّ ما بخلوا به هو ممّا آتاهم اللّه فاللاّزم عليهم أن يتصرّفوا فيه بما أمر اللّه و يصرفوه إلى ما أراده اللّه الرابعة أنّ ذلك شرّ لهم و ضرّ في حقّهم الخامسة أنّهم يطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة .

روى الصّدوق عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال : ما من ذى ذهب أو فضة تمنع زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر 1 و سلّط عليه شجاعا أقرع 2 يريده و هو يحيد عنه فاذا رأى أنه لا يتخلّص منه انكسه فقضمها كما يقضم الفجل ثمّ يصير طوقا في عنقه و ذلك قوله :

-----------
( 1 ) قاع قرقر اى مستو مصباح .

-----------
( 2 ) الاقرع من الحيات المتمعط شعر رأسه اى الابيض لكثرة سمه ، ق .

[ 417 ]

سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِه‏ يَوْمَ الْقِيمَةِ .

و ما من ذي ابل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر تطاه كلّ ذات ظلف بظلفها ، و ينهشه كلّ ذات ناب بنابها ، و ما من ذي نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاته إلاّ طوّقه اللّه ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة .

و في الكافي باسناده عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ : سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة ، فقال : يا محمّد ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلاّ جعل اللّه ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب ، ثمّ قال هو قول اللّه عزّ و جلّ : سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة ، يعنى ما بخلوا به من الزكاة السادسة أنّ ميراث السماوات و الأرض كلّه للّه سبحانه بمعنى أنّه وحده يبقى و غيره يفنى و يبطل ملك كلّ مالك إلاّ ملكه ، فاذا كان المال في معرض الفناء و الزّوال فأجدر بالعاقل أن لا يبخل بالانفاق ، و لا يحرص على الامساك ، فيكون وزره عليه و نفعه لغيره السابعة أنّه سبحانه خبير بما يعمله المكلّفون بصير بمخالفتهم لأمره لا يعزب عن علمه بخلهم بالانفاق و منعهم عن أهل الاستحقاق ، فسيذيقهم و بال أمرهم عند المساق ، اذا التفّت السّاق بالساق .

و اما الآية الثانية فقد روى الطبرسيّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه لما نزلت هذه الآية قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : تبّا للذّهب و الفضّة ، يكرّرها ثلاثا ، فشقّ ذلك على أصحابه فسأله عمر : أىّ المال نتّخذ ؟ فقال : لسانا ذاكرا ، و قلبا شاكرا ، و زوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه .

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام مازاد على أربعة آلاف فهو كنز أدّى زكاته أو لم يؤدّ و عن التّهذيب عن الصادق عليه السّلام ما أعطى اللّه عبدا ثلاثين ألفا و هو يريد به خيرا و قال ما جمع رجل قطّ عشرة ألف درهم من حلّ و قد يجمعها لأقوام إذا أعطى القوت و رزق العمل فقد جمع اللّه له الدّنيا و الآخرة .

[ 418 ]

و محصّل المعنى أنّ الذين يجمعون المال و لا يؤدّون زكاتهم فأخبرهم بعذاب موجع ، و للتعبير عن ذلك بلفظ البشارة مبنيّ على التهّكّم ، لأنّ من يكنز الذّهب و الفضّة فانما يكنزهما لتحصيل الوجاهة بهما يوم الحاجة ، و التوسل الى الفرج يوم الشدّة فقيل له : هذا هو الوجاهة و الفرج كما يقال تحيّتهم ليس إلاّ الضرب و إكرامهم ليس إلاّ الشتم « يوم يحمى عليها » أى يوقد على الكنوز « فى نار جهنّم » حتى تصير نارا « فتكوى بها » أى بتلك الأموال و الكنوز التي منعوا حقوقها الواجبة « جباههم و جنوبهم و ظهورهم » و تخصيص هذه الأعضاء بالكىّ بوجوه .

أحدها أنّ منظورهم بكسب الأموال و ترك الانفاق ليس إلاّ الأغراض الدّنيويّة و هو حصول الوجاهة لهم عند النّاس و حصول الشّبع لهم بأكل الطّيبات فينفتح منه الجنبان و لبس ثياب فاخرة يطرحونها على ظهورهم فوقع الكىّ على هذه الأعضاء جزاء لأغراضهم الفاسدة .

الثاني أنّ الجباه كناية عن مقاديم البدن و الجنون عن طرفيه و الظهور عن المآخير ، و المراد به أنّ الكيّ يستوعب تمام البدن .

الثالث أنّ الجبهة محلّ السّجود فلم يقم فيه بحقّه و الجنب مقابل القلب الّذي لم يخلص في معتقده ، و الظّهر محلّ الأوزار قال : يحملون أوزارهم على ظهورهم .

الرّابع أنّ هذه الأعضاء مجوفة و ليست بمصمتة و في داخلها آلات ضعيفة يعظم التألم بسبب وصول أدنى أثر اليها ، بخلاف ساير الأعضاء .

الخامس و هو أحسن الوجوه و ألطفها أنّ صاحب المال إذا رأى الفقير أوّلا قبض جبهته و عبس وجهه و إذا دار الفقير يوليه جنبه و إذا دار يولّيه ظهره و قوله « هذا ما كنزتم لأنفسكم » أى يقال لهم في حالة الكىّ هذا هو الذى ادّخرتموه لأنفسكم ، و هو تبكيت لهم بأنّ المال الذى بخلتم بانفاقه و ادّخرتموه لتنتفعوا به صار عذابكم به ، فكأنّكم أكنزتموه ليجعل عقابا لكم « فذوقوا » عقاب « ما كنتم تكنزون » به لا بغيره .

[ 419 ]

قال الطّبرسيّ صاحب التفسير قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : ما من عبد له مال لا يؤدّى زكاته إلاّ جمع يوم القيامة صفايح يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته و جنباه و ظهره حتّى يقضى اللّه بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ممّا تعدّون ،

ثمّ يرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النّار قال و روى ثوبان عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من ترك كنزا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان ينتبعه و يقول : ويلك ما أنت ، فيقول أنا كنزك الذي تركت بعدك فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثمّ يتبعه ساير جسده