قال تعالى : « و إذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني » قال في التفسير : إنّه وضع من الطّين كهيئة الخفّاش و نفخ فيه فصار طايرا .
قال الشّارح في الأحاديث العاميّة قيل للخفّاش : لماذا الاجناح لك ؟ قال :
لأنّي تصوير مخلوق ، قيل : فلماذا لا تخرج نهارا ؟ قال : حياء من الطّيور ، يعنون أنّ المسيح صوّره .
و في البحار في تفسير قوله : « إنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فتكون طيرا باذن اللَّه » قال : المشهور بين الخاصّة و العامّة من المفسّرين أنّ الطّير كان هو الخفّاش قال أبو اللّيث في تفسيره : إنّ النّاس سألوا عيسى عليه السّلام على وجه التعنّت فقالوا له : اخلق لنا خفّاشا و اجعل فيه روحا إن كنت من الصادقين ، فأخذ طينا و جعل خفاشا و نفخ فيه فاذا هو يطير بين السماء و الأرض ، و كان تسوية الطين و النفخ من عيسى عليه السّلام ، و الخلق من اللَّه تعالى و يقال : إنّما طلبوا منه خلق خفّاش لأنّه
[ 264 ]
أعجب من ساير الخلق ، و من عجائبه أنه دم و لحم ، يطير بغير ريش ، و يلد كما يلد الحيوان و لا يبيض كما يبيض ساير الطيور ، و يكون له الضرع و يخرج اللّبن ، و لا يبصر في ضوء النهار و لا في ظلمة اللّيل ، و انما يرى في ساعتين بعد غروب الشمس ساعة و بعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يسفر جدّا ، و يضحك كما يضحك الانسان و تحيض كما تحيض المرأة ، فلمّا رأوا ذلك منه ضحكوا و قالوا : هذا سحر مبين فذهبوا إلى جالينوس فأخبروه بذلك فقال : آمنوا به و قال الدّميرى في حيوة الحيوان : و الحقّ أنه صنفان و قال قوم : الخفّاش الصغير ، و الوطواط الكبير ، و هو لا يبصر في ضوء القمر و لا في ضوء النهار ، و لما كان لا يبصر نهارا التمس الوقت الذي لا يكون فيه ظلمة و لا ضوء و هو قريب غروب الشمس لأنّه وقت هيجان البعوض ، فانّ البعوض ، يخرج ذلك الوقت يطلب قوته و هو دماء الحيوان و الخفاش يطلب الطعام فيقع طالب رزق على طالب رزق ، و الخفّاش ليس هو من الطير في شيء لأنّه ذو اذنين و أسنان و خصيتين ، و يحيض ، و يطهر ،
و يضحك كما يضحك الانسان ، و يبول كما تبول ذوات الأربع ، و يرضع ولده و لا ريش له .
قال بعض المفسّرين : لمّا كان الخفّاش هو الذي خلقه عيسى بن مريم باذن اللَّه كان مباينا لصنعه اللَّه و لهذا جميع الطّير تقهره و تبغضه فما كان منها يأكل اللّحم أكله و ما لا ياكل اللّحم قتله ، فلذلك لا يطير إلاّ ليلا .
و قيل : لم يخلق عيسى غيره ، لأنّه أكمل الطّير خلقا و هو أبلغ في القدرة ،
لأنّ له ثديا و أسنانا و اذنا و قيل : إنّما طلبوا الخفّاش لأنّه من أعجب الطير ، إذ هو لحم و دم ، يطير بغير ريش ، و هو شديد الطيران ، سريع التّقلّب ، يقتات بالبعوض و الذّباب و بعض الفواكه ، و هو مع ذلك موصوف بطول العمر فيقال : إنّه أطول عمرا من النّسر و من حمار الوحش ، و تلد انثاه ما بين ثلاثة أفراخ و سبعة ، و كثيرا ما يفسد و هو طاير في الهواء ، و ليس في الحيوان ما يحمل ولده غيره و القرد و الانسان ، و يحمله
[ 265 ]
تحت جناحه ، و ربّما قبض عليه بفيه و هو من حنوه و اشفاقه عليه ، و ربّما أرضعت الانثى ولدها و هى طايرة ، و في طبعه أنّه متى أصابه ورق الدّلب حذر و لم يطر ،
و يوصف بالحمق ، و من ذلك أنّه إذا قيل له : اطرق كرى ، لصق بالأرض .