الاعراب

قال في الكشّاف : الحسبان لا يصحّ تعلّقه بمعانى المفرد و لكن بمضامين الجمل ، ألا ترى أنّك لو قلت حسبت زيدا و ظننت الفرس لم يكن شيئا حتّى تقول حسبت زيدا عالما و ظننت الفرس جوادا ، لأنّ قولك زيد عالم أو الفرس جواد كلام دالّ على مضمون فأردت الأخبار عن ذلك المضمون ثابتا عندك على وجه الظنّ لا اليقين ، فلم تجد بدّا في العبارة عن ثباته عندك على ذلك الوجه من ذكر شطرى الجملة مدخلا عليهما فعل الحسبان حتّى يتمّ لك غرضك .

[ 285 ]

فان قلت : فأين الكلام الدّالّ على المضمون الذي يقتضيه الحسبان في الآية ؟

قلت : هو قوله : أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون ، و ذلك لأنّ تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنّا فالتّرك أوّل مفعولي حسب ، و لقولهم آمنّا هو الخبر ، و انا غير مفتونين فتتمّة التّرك لأنّه من التّرك الّذي هو بمعنى التّصيير كقوله : فتركته جزر السّباع ينشنه ، ألا ترى أنّك قبل المجي‏ء بالحسبان تقدر أن تقول تركهم غير مفتونين لقولهم آمنّا على تقدير حاصل و مستقرّ قبل اللاّم فان قلت : أن يقولوا هو علّة قولهم غير مفتونين فكيف يصحّ أن يكون خبر مبتدء ؟

قلت كما تقول : خروجه لمخافة الشرّ و ضربه للتّأديب ، و قد كان التأديب و المخافة في قولك خرجت مخافة الشّر و ضربته تأديبا تعليلين و تقول أيضا : حسبت خروجه لمخافة الشرّ و ظننت ضربه للتأديب ، فتجعلهما مفعولين كما جعلتهما مبتدء و خبرا .

و الهمزة في قوله عليه السّلام : أو ليس قد قلت ، للاستفهام التّقريرى كما في قوله تعالى : أ ليس اللّه بكاف عبده و المقصود به حمل المخاطب على الاقرار بما دخله النّفى