قال الشارح البحراني : هذا الفصل من خطبة خطبها لما بلغه أمر الحكمين .
أقول : و الظاهر أنه ره توهّم من قول السيّد ره و من كلام له في معنى الحكمين أنّه تكلّم به حين بلغه أمرهما ، فان كان ظفر بتمام الخطبة و اطلع على أنه خطبها حين بلوغ أمرهما فهو ، و إلاّ فالظاهر أنّ هذا الكلام من فصول الاحتجاجات الّتي كانت له مع الخوارج و قد مرّ نظير هذا الكلام منه في ذيل الكلام المأة و السابع و العشرين .
و بالمراجعة إلى شرح الكلام المذكور و شرح الكلام المأة و الخامس و العشرين المتضمّنين لاحتجاجاته معهم يظهر لك توضيح ما ذكره في هذا المقام و تعرف أنه ناظر إلى ردّ احتجاجهم الّذي احتجّوا به عليه و هو : أنك قد حكمت الرّجال في دين اللّه و لم يكن ذلك إليك ثمّ أنكرت حكمهما لما حكموا عليك .
فأجابهم عليه السّلام بقوله ( فأجمع رأى ملإكم ) أى عزم رؤساءكم و كبراءكم و اتّفق آراءهم ( على أن اختاروا رجلين ) هما أبو موسى الأشعرى و عمرو بن العاص لعنهما اللّه تعالى من غير رضى منّى بتحكيمهما بل على غاية كره منّى بذلك .
كما يدلّ قوله لابن الكوا في النهروان في الرّواية الّتي رويناها من كشف الغمّة في شرح الخطبة السادسة و الثلاثين حيث إنّه لما اعترض عليه بأمر الحكمين قال عليه السّلام له : أ لم أقل لكم إنّ أهل الشام يخدعونكم بها 1 فانّ الحرب قد عضتهم فذرونى اناجزهم فأبيتم ألم ارد نصب ابن عمّي أى عبد اللّه بن العبّاس و قلت انّه لا ينخدع فأبيتم إلاّ أبا موسى و قلتم رضينا به حكما فأجبتكم كارها و لو وجدت في ذلك الوقت أعوانا غيركم لما أجبتكم .
( فأخذنا عليهما ) أى على الرّجلين الحكمين ( أن يجعجعا عند القرآن ) أى يقفا دونه و يجب نفسهما عليه ( و لا يجاوزاه ) أى لا يتجاوزا عن أوامره و نواهيه ( و يكون ألسنتهما معه و قلوبهما تبعه ) أى يكونان تابعين له و يعملان بحكمه ( فتاها ) أى ضلاّ
-----------
( 1 ) أى بالمصاحف و رفعها منه
[ 244 ]
( عنه و تركا الحقّ و هما يبصرانه ) أى عدلا عن القرآن و عن حكمه الحقّ الّذي هو خلافته مع علمهما و معرفتهما بحقيته كما عرفت تفصيل ذلك كلّه في شرح الخطبة الخامسة و الثلاثين .
و الحاصل أنّهما تركا الحقّ عمدا عن علم لا عن جهل و لم يكن ذلك فتنة منهما بل كان بنائهما من أوّل الأمر على ذلك ( و كان الجور ) و الحيف في الحكم ( هواهما و الاعوجاج ) عن الحقّ و الانحراف عن الدّين ( رأيهما ) و في بعض النسخ دأبهما و هو أولى أى لم يكن ذلك أوّل حيفهما بل كان ديدنا و عادة لهما و شيمة طبعت عليها قلوبهما .
ثمّ أجاب عمّا نقموا عليه من إنكاره التحكيم بعد رضاه به بقوله ( و قد سبق استثناؤنا عليهما في الحكم بالعدل و العمل بالحقّ سوء رأيهما و جور حكمهما ) أراد به ما كان شرطه على الحكمين حين عزموا على التحكيم أن يحكما بما حكم القرآن و بما أنزل اللّه فيه من فاتحته إلى خاتمته و إلاّ فلا ينفذ حكمهما فيه و في أصحابه ،
فقد قدّم عليه السّلام إليهما أن لا يعملا برأيهما و هواهما و لا يحكما بشيء من تلقاء أنفسهم الأمّارة بالسوء .
( و الثقة في أيدينا لأنفسنا ) أى إنّا على برهان و ثقة من امورنا و ليس يلازم لنا اتباع حكمهما ( حين خالفا سبيل الحقّ ) و انحرفا عن سواء السبيل ( و أتيا بما لا يعرف ) أى لا يصدق به ( من معكوس الحكم ) يعني أنهما نبذا كتاب اللّه وراء ظهورهم و خالفاه و حكما بعكس حكم الكتاب و قد استحقّا به اللّؤم و العقاب يوم الحساب