و ذكروا فيه أقوالا :
الاول و هو الأشهر أنّ اشتقاقها من الصّوف سمّوا بها للبسهم الصّوف في الصيف و الشتاء ، و هذا الوجه هو المستفاد من الأخبار الآتية .
و رووا عن أنس بن مالك أنه قال : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجيب دعوة العبيد تواضعا ، و يركب الحمار غير مستنكف ، و يلبس الصوف غير متكلّف .
و قال الحسن البصرى : لقد ادركت سبعين بدريا كان لباسهم الصوف و الشعر و في رواية الجمهور أيضا عن امامهم البيهقي المشهور نقلا عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال : كانت الأنبياء يركبون الحمار ، و يلبسون الصوف ، و يحلبون الشاة .
و فى البحار من اكمال الدّين باسناده عن الحسين بن مصعب عن الصادق عن آبائه عليهم السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : خمس لا أدعهنّ حتى الممات : الأكل
[ 136 ]
على الحضيض مع العبيد ، و ركوبي الحمار موكفا ، و حلب العنز بيدى ، و لبس الصوف ، و التسليم على الصبيان لتكون سنة من بعدى .
و فى بعض كتب أصحابنا و لقد روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بطريق أهل البيت عليهم السّلام أنّ عيسى بن مريم كان يلبس الصوف و الشعر ، و يأكل من الشجر ، و يبيت حيث أمسى .
و عن ابن مسعود قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : يوم كلّم اللّه موسى كان عليه جبّة من صوف ، و سراويل من صوف ، و قلنسوة مدوّرة من صوف ، و نعلاه من جلد و يستفاد من هذه الأخبار و غيرها مما لا حاجة إلى ايرادها أنّ لبس الصوف مندوب شرعا و أنه لباس الأنبياء و الأئمة و الصلحاء .
و لكن هذه الطائفة لما كان لبسهم له تكلّفا و تصيّدا و قصدا للاشتهار و اظهارا للفضل كما قال عليه السّلام في الخطبة الثانية و الثلاثين في تعديد أصناف الناس : و منهم من أقعده عن طلب الملك ضئولة نفسه فتحلّى باسم القناعة و تزيّن بلباس أهل الزّهادة و ليس من ذلك في مراح و لا مغدى لا جرم كان ذلك موجبا للازراء عليهم .
و يشهد بما ذكرته النبوّى المتقدّم في شرح قوله عليه السّلام في المتن : لبس العباء و تخلّى من الدّنيا حيث قال لأبى ذرّ : قوم يلبسون الصوف في الصيف و الشتاء يرون لهم بذلك الفضل على غيرهم ، الحديث .
الثانى أنّه مأخوذ من الصّوف لا بالمعنى المتقدّم بل بمعنى آخر نقلوه عن جنيدهم البغدادي أنه قال : الصوفي مشتقّ من الصوف و الصوف ثلاثة أحرف : صاد و واو وفاء ، و الصاد صبر ، و صدق ، و صفاء ، و الواو ودّ ، و ورد ، و وفاء ، و الفاء فرد ، و فقر و فناء .
الثالث أنهم سمّوا صوفية نسبة إلى الصفة التى كانت في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يسكنها فقراء المهاجرين ، و كانت مسقّفة بجريد النخل و كانوا أربعمأة رجل لم يكن لهم بالمدينة مساكن و لا عشاير يدرسون القرآن باللّيل و يرضحون النوى بالنهار ، و يحتطبون على ظهورهم ، و يغزون مع كلّ سريّة ، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
[ 137 ]
و أكثر أصحابه يوانسونهم و يأكلون معهم ، و يتعاهدونهم بالمبرّات .
و قد وصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوما إليهم و شاهد منهم فقرهم و طيب نفوسهم بالشدّة فقال : ابشروا يا أهل الصّفة إنّ من امتي من كان على حالكم و وصفكم و نعتكم التي أنتم عليها انكم و انهم رفقائى في الجنّة .
و قد رتّبهم أبو نعيم الحافظ في حليته على ترتيب حروف المعجم ذكر من مشاهيرهم سلمان و أبا ذر و عمار و صهيب و بلال و أبا هريرة و خباب بن الارت و حذيفة ابن اليمان و أبا سعيد الخدري و بشر بن الخصاصية و أبا مويهبة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان هؤلاء أزهدهم و أعملهم بالكتاب و السنة في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، لأنهم يلبسون الصوف و يخيطون ثيابهم بالأغصان الدّقيقة من الشجر .
و نقل في وصفهم : أنهم كانوا أضياف الاسلام إلاّ أنّ بعضهم زلت قدمه بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ركن إلى الدّنيا و مال إلى حطامها كأبي هريرة و صهيب ،
و الذين ثبتت قدمهم في الفقر و الزّهد سلمان و أبو ذر و حذيفة و بلال و أبو سعيد ،
فانهم كانوا من السابقين الرّاجعين إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و كانوا يسمّون بالشيعة قال أمين الاسلام الطبرسىّ في قوله تعالى و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداة و العشىّ يريدون وجهه و لا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا و لا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا و اتّبع هواه و كان أمره فرطا إنّ الآية نزلت في سلمان و أبي ذر و صهيب و غيرهم من فقراء أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .
و ذلك إنّ المؤلفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عينية بن الحصين و الأقرع ابن حابس و ذووهم فقالوا : يا رسول اللّه إن جلست في صدر المجلس و نحّيت عنّا هؤلاء و أرواح ضئنانهم 1 و كانت عليهم جبات الصوف جلسنا نحن إليك و أخذنا عنك فلا يمنعنا من الدخول إلاّ هؤلاء ، فلما نزلت الآية قام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يلتمسهم فأصابهم فى مؤخر المسجد يذكرون اللّه عزّ و جلّ فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : الحمد للّه الذي لم يمتنى حتى أمرنى أن أصبر نفسى مع رجال من امتى معكم المحيا و الممات ، انتهى .
-----------
( 1 ) فانّ بعضهم يعرق فى ثوبه فيوجد منه ريح الضأن ، منه
[ 138 ]
و الحاصل أنّ الصوفية على زعمهم و ادّعائهم لما شاكلت حالهم حال أهل الصفة لكونهم مجتمعين متألّفين مصاحبين للّه و في اللّه قديما و حديثا في الرّبط و الزّوايا قيل لهم : صوفيّة ، و هذا و إن كان لا يستقيم من حيث الاشتقاق اللّغوى إلاّ أن يراعى فيه الخفّة على اللّسان ، و لا بأس به من حيث المعنى .
الرابع أنّ هذه النسبة إلى صوفة كما يقال : الكوفي للمنتسب إلى كوفة ،
و بني صوفة جماعة من العرب كانوا يتزهّدون و يتقلّلون من الدّنيا ، فنسب هذه الطايفة إليهم ، و في القاموس صوفة أبو حىّ من مضر ، و هو الغوث بن مرّ بن ارّ بن طابخة كانوا يخدمون الكعبة و يجيزون الحاجّ في الجاهلية أى يفيضون بهم من عرفات ،
أوهم قوم من أفناء القبائل تجمّعوا فتشبّكوا كتشبّك الصّوفة ، و كذا في الصحاح و غيره من كتب اللّغة .