المعنى

اعلم أنّ مقصوده بهذا الدّعاء طلب الغنى و عدم الابتلاء بالفقر و لوازمه فقوله ( اللهمّ صن وجهي باليسار ) أى اجعل جاهى محفوظا بالغنى و السّعة حتّى أستغنى عن مسألة المخلوقين ، و مراده عليه السّلام به الكفاف و هو ما يكفّ عن المسألة و يستغنى به فيكون مساوقا لما ورد في الدّعاء النبويّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المروىّ في الكافي : اللهمّ ارزق محمّدا و آل محمّد الكفاف ، و هو بالفتح ما لا يحتاج معه و لا يفضل عن الحاجة فهو متوسّط بين الفقر و الغنى و خير الامور أوسطها و إنّما سمّي بذلك لأنّه يكفّ عن النّاس و يغنى عنهم .

و فى الكافى أيضا عن النّوفلى عن السّكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : اللهمّ ارزق محمّدا و آل محمّد و من أحبّ محمّدا و آل محمّد العفاف و الكفاف و ارزق من أبغض محمّدا و آل محمّد المال و الولد .

قال بعض شرّاح الحديث : العفاف بالفتح عفّة البطن و الفرج عن الطّغيان أو العفّة من السّؤال عن الانسان أو الجميع ، و قال : لمّا كان شي‏ء من المال ضروريّا في البقاء و العبادة و هو الكفاف الواقع بين الطرفين طرف الفقر الّذى فيه رائحة الكفر و العصيان ، و طرف الغنى الّذى فيه شايبة التّكبّر و الطغيان ، طلبه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لنفسه و لمحبّيه ، و طلب لمن أبغضهم طرف الغنى و الكثرة لأنّ مفاسده أكثر و أعظم و فتنته أشدّ و أفحم من مفاسد الفقر و فتنته كما قال عزّ و جلّ إنّما أموالكم و أولادكم فتنة و قال إنّ الانسان ليطغى أن رآه استغنى .

و بالجملة لمّا كان حصول الكفاف مانعا من دواعى طرفى التّفريط و الافراط

[ 310 ]

و كان العبد معه مستقيم الأحوال على سواء الصّراط طلبه لنفسه و لمحبّيه .

قال الشّارح : و اعلم أنّ الأحاديث مختلفة ففى بعضها طلب الغنى و اليسار و في بعضها طلب الكفاف ، و في بعضها طلب الفقر ، و في بعضها الاستعاذة من الفقر ،

و وجه الجمع بينها أن يقال : المراد بطلب الغنى طلب الكفاف لأنّ الكفاف هو المطلوب عند أهل العصمة ، و ليس المراد به ما هو المتعارف عن أبناء الدّنيا من جمع المال و اذخاره و الاتّساع به فوق الحاجة ، فانّ ذلك مناف لما هو المعهود من حالهم من طلاق الدّنيا و الزّهد فيها و قد قال أمير المؤمنين عليه السّلام :

علّل النّفس بالكفاف و إلاّ
طلبت منك فوق ما يكفيها

ما لما قد مضى و لا للّذى لم
يأت من لذّة لمستحلّيها

إنّما أنت طول مدّة ما
عمرت كالسّاعة التي أنت فيها

و رواه في البحار من كتاب مطالب السؤول لمحمّد بن طلحة ، و قال أيضا من نظمه عليه السّلام

دليلك أنّ الفقر خير من الغنى
و أنّ قليل المال خير من المثرى

لقاؤك مخلوقا عصى اللّه بالغنى
و لم تر مخلوقا عصى اللّه بالفقر

و هذا هو الذى أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقوله : نعم المال الصّالح للعبد الصّالح و المراد بطلب الفقر طلب قدر الحاجه و الكفاف لأنّ الكفاف فقر عند أهل الدنيا و إن كان يسارا عندهم عليهم السّلام و المراد بالاستعاذة من الفقر الاستعاذة ممّا دون الكفاف و هو الفقر عندهم عليهم السّلام و أقوى أفراده عند أهل الدّنيا هذا .

و قال المحدّث العلاّمة المجلسىّ قدّس سرّه : سؤال الفقر لم يرو فى الأدعيّة بل ورد فى أكثرها الاستعاذة من الفقر الذى يشقى به و عن الغنى الذى يسير سببا لطغيانه انتهى .

و كيف كان فقد ظهر بذلك كلّه أنّ غرضه عليه السّلام بالسؤال صون جاهه و عزّه باليسار لاستلزام الغنى احترام صاحبه عند عامّة النّاس كاستلزام الفقر لمهانة المبتلى به عندهم .

[ 311 ]

و لذلك عقّبه بقوله ( و لا تبذل جاهى بالاقتار ) أى لا تجعل مروّتى و حرمتى ساقطة عند النّاس بضيق المعيشة و قلّة النفقة ، فانّ الاقتار يوجب الاستهانة و الاحتقار و استخفاف النّاس بالمتّصف به .

و من هنا قال الصّادق عليه السّلام : لا تدعوا التّجارة فتهونوا .

و في بعض الآثار أحسنوا تعهّد المال فانّه ما افتقر أحد قطّ إلاّ أصابه ثلاث خصال : رقّة فى دينه ، و ضعف فى عقله ، و ذهاب من مروّته ، و الرابعة هى العظمى و هى استخفاف الناس به .

و فى وصايا لقمان : يا بنىّ اكلت الحنظل و ذقت الصّبر فلم يكن أمرّ من الفقر ، فان افتقرت فلا تحدّث النّاس كيلا ينتقصوك .

و ترك ابن المبارك دنانير و قال : اللّهمّ إنك تعلم أنّى لم أجمعها إلاّ لأصون بها حسبى و دينى .

و قالت الحكماء : المال يرفع صاحبه و إن كان وضيع النّسب قليل الأدب و ينصره و إن كان جبانا ، و ينبسط لسانه و إن كان عيابة ، يظهر المروة و يتم الرياسة يصلك إذا قطعك النّاس ، و ينصرك إذ اخذ لك الأقربون ، و لولاه ما مدح كريم و لا صين حريم .

و كان بعضهم يقول : النّاس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشّمس ، و من الذّئب للمصر ، و من الحكم للمقرّ ، و هو عندهم أرفع من السّماء و أعذب من الماء و أحلى من الشهد و أزكى من الورد ، خطاؤه صواب ، و سيئته حسنة و قوله مقبول ،

و حديثه مغسول ، يغشى مجلسه و لا يملّ صحبته ، و المفلس عند النّاس أكذب من لمعان السّراب ، و من سحاب تموز لا يسأل منه إن تخلّف ، و لا يسلّم عليه إن قدم إذا غاب شتموه و إن حضر طردوه و إذا غضب ضعفوه ، مصافحته تنقض الوضوء ،

و قراءته تقطع الصّلاة أثقل من الامانة و أبغض من المبرم الملحف .

و قد أكثر الشعراء في نظمهم من هذا المعنى قال بعضهم :

[ 312 ]

فصاحة سحبان و خطّ ابن مقلة
و حكمة لقمان و زهد ابن أدهم

إذا اجتمعت للمرء و المرء مفلس
فليس له قدر بمقدار درهم

و قال آخر :

و زيني للغني أسعى فاني
رأيت الناس شرّهم الفقير

و أبعدهم و أهونهم عليهم
و إن أمسى له حسب و خير

و يكرهه النّدى و تزدريه
خليلته و ينهره الصّغير

و يلقى ذو الغنى و له جلال
يكاد فؤاد صاحبه يطير

قليل ذنبه و الذنب جمّ
و لكن الغني ربّ غفور

و قال آخر :

و لم أر بعد الدّين خيرا من الغني
و لم أر بعد الكفر شرّا من الفقر

و قال الزّمخشرى :

لا تلمني إذا رقيت الأواقي
فالأواقي لماء وجهى اراقى

ثمّ المراد بالجاه أيضا الذى سأل عليه السّلام صونه باليسار و عدم ابتذاله بالاقتار ليس ما يقصد به الفخر و التّرأس كما هو شأن أهل الدنيا بل ما يستعان به على القيام بطاعة اللّه و عبادته و أداء حقوقه اللازمة و الذى من هو اللّه سبحانه به على الأنبياء و اشير إليه في قوله تعالى يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمة اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا و الآخرة .

و فى الحديث النّبوى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذا كان يوم القيامة دعى اللّه بعبد من عباده فيتوقّف بين يديه فيسأله عن جاهه كما يسأله عن ماله و قوله عليه السّلام ( فأسترزق طالبى رزقك ) الفاء للسّببيّة أى فيسبّب ابتذال جاهى بالاقتار أن أسترزق طالبى رزقك الذين من شأنهم أن يطلبوا منك الرزق لا أن يطلب منهم .

( و أستعطف شرار خلقك ) أى أطلب العاطفة و الافضال من شرار خلقك الذين ليسوا بأهل الاستعطاف ، و في بيانه لهذين السببين تأكيد للالتجاء باللّه تعالى في

[ 313 ]

صيانته من الفقر و اعاذته من الابتذال اذ فى استرزاق الخلق و استعطافهم من الذلّ و الخضوغ و التّملّق و المهانة للمسؤل منه ما يجب أن يتضرّع إلى اللّه عزّ و جلّ في الوقاية منه .

و قد تواترت الأخبار و الآثار و تطابقت الأشعار على ذمّ السّؤال و كراهة بذل الوجه في الطّلب من الخلق خصوصا ممّن لم يكن معروفا بالمعروف .

فمن ذلك ما في الكافي عن عبد الأعلى بن أعين قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول : طلب الحوائج إلى النّاس استلاب للعزّ مذهبة للحياء و اليأس مما في أيدى النّاس عزّ للمؤمن في دينه و الطمع هو الفقر الحاضر .

و فيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّ اللّه تبارك و تعالى أحبّ شيئا لنفسه و أبغضه لخلقه أبغض لخلقه المسألة و أحبّ لنفسه أن يسأل و ليس شي‏ء أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ من أن يسأل فلا يستحى أحدكم أن يسأل اللّه عزّ و جلّ من فضله و لو شسع نعله .

و روى عنه عليه السّلام اياكم و سؤال النّاس فانّه ذلّ في الدّنيا و فقر تعجّلونه و حساب طويل يوم القيامة .

و عن أبيجعفر عليه السّلام لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ، و لو يعلم المعطى ما في العطيّة ما ردّ أحد أحدا .

و فى البحار عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : قال اللّه عزّ و جلّ ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلاّ قطعت أسباب السّماوات و أسباب الأرض من دونه فان سألني لم اعطه و إن دعاني لما اجبه ، و ما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلاّ ضمنت السّماوات و الأرض رزقه فان دعاني أجبته و إن سألنى أعطيته و إن استغفرنى غفرت له .

و قال بعض السّلف : من سأل حاجة فقد عرض نفسه على الرّثّ ، فان قضاها المسؤل استعبده بها و إن ردّه عنها رجع حرّا و هما ذليلان هذا بذلّ اللؤم و ذلك بذلّ الرّد ، و من الشعر المنسوب إلى الحسين عليه السّلام :

[ 314 ]

أغن عن الخلق بالخالق
تغن عن الكاذب بالصّادق

و استرزق الرّحمة من فضله
فليس غير اللّه من رازق

و قال محمود الورّاق :

ساو الملوك قصورهم و تحصّنوا
من كلّ طالب حاجة أو راغب

فارغب إلى تلك الملوك و لا تكن
بادى الضّراعة طالبا من طالب

و قال آخر :

لموت الفتى خير من البخل للفتى
و للبخل خير من سؤال فقير

لعمرك ما شى‏ء لوجهك قيمة
فلا تلق إنسانا بوجه ذليل

ثمّ الظّاهر أنّ مراده عليه السّلام بشرار الخلق فى قوله : و أستعطف شرار خلقك من لم يكن أهلا للمعروف و من هو باللّوم موصوف ، فان طلب العاطفة و البرّ منهم أمرّ على ذوى الوجوه من طعم الحنظل و العلقم و أدهى و أضرّ من إدخال اليد فى فم الأرقم .

قال شارح الصّحيفة السّجادية : قد روى أنّ فى زبور داود عليه السّلام إن كنت تسأل عبادى فاسأل معادن الخير ترجع مغبوطا مسرورا ، و لا تسأل معادن الشرّ ترجع ملوما محسورا .

و روى المحدّث الجزايرى عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال : قلت : اللّهمّ لا تحوجنى الى أحد من خلقك ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لا تقولنّ هكذا فليس من أحد إلاّ و هو محتاج إلى النّاس ، قال : فكيف أقول يا رسول اللّه ؟ قال : قل : اللهمّ لا تحوجنى إلى شرار خلقك ، قال : قلت : يا رسول اللّه و من شرار خلقه ؟ قال : الّذين إذا اعطوا منّوا و إذا منعوا عابوا .

و فى الأثر أنّ اللّه تعالى أوحى إلى موسى على نبيّنا و عليه السّلام لأن تدخل يدك فى فم التّنين إلى المرفق خير من أن تبسطها إلى غنىّ نشأ فى الفقر .

و فى كلامهم : لا شى‏ء أوجع للأحرار من الرّجوع إلى الأشرار .

[ 315 ]

و قيل لأعرابى : ما السّقم الّذى لا يبرء و الجرح الّذى لا يندمل ؟ قال حاجة الكريم إلى اللئيم .

و أوصى بعضهم ابنه فقال : لا تدنّس عرضك و لا تبذلنّ وجهك بالطّلب إلى من ردّك كان ردّه عليك عيبا و ان قضى حاجتك جعلها عليك منّا ، و احتمل الفقر بالتنزّه عمّا فى أيدى النّاس و الزم القناعة بما قد قسم لك .

و قال رجل لابنه : اياك أن تريق ماء وجهك عند من لا ماء فى وجهه رأى الاصمعى كنّاسا يكنّس كنيفا و هو ينشد :

و اكرم نفسى انّنى ان أهنتها
و حقّك لم تكرم على أحد بعدى

و قال : فقلت له : يا هذا إنّك و اللّه لم تترك من الهوان شيئا إلاّ و قد فعلته بنفسك مع هذه الحرفة ، فقال : بلى و اللّه إننى صنتها عمّا هو أعظم من هذا من الهوان فقلت و اىّ شى‏ء هو ؟ قال : سؤال مثلك ، قال : فانصرفت عنه و أنا من أخزى النّاس .

و قال عمر بن أحمد الباهلى :

من يطلب المعروف من غير أهله
يجد مطلب المعروف غير يسير

إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة
من الذّلّ سار الذلّ كلّ مسير

و قال آخر :

و إذا بليت ببذل ماء وجهك سائلا
فابذله للمتكرّم المفضال

إنّ الجواد إذا حباك بموعد
أعطاكه سلسا بغير مطال

ما اعتاض باذل وجهه بمطاله
عوضا و لو نال المنى بسؤال

و إذا السّؤال مع النّوال قرنته
رجح السّؤال و خفّ كلّ نوال

و قال آخر :

اسأل العرف إن سألت جوادا
لم يزل يعرف الغنى و اليسارا

فاذا لم تجد من الذّل بدّا
فالق بالذّل إن لقيت الكبارا

ليس إجلالك الكبير بذلّ
إنّما الذّلّ أن تجلّ الصّغارا

[ 316 ]

و قال آخر :

إنّ الغنى عن لئام النّاس مكرمة
و عن كرامهم أدنى إلى الكرم

و فى البحار من الكافي عن بكر الارقط أو ابن شبيب عن أبيعبد اللّه عليه السّلام انّه دخل عليه واحد فقال له : أصلحك اللّه انّي رجل منقطع اليكم بمودّتى و قد أصابتنى حاجة شديدة و قد تقرّبت بذلك إلى أهل بيتي و قومي فلم يزدنى بذلك منهم الاّ بعدا ، قال عليه السّلام : فما أتاك اللّه خير ممّا أخذ منك ، قال : جعلت فداك ادع اللّه أن يغنيني من خلقه ، قال عليه السّلام إنّ اللّه تعالى قسّم رزق من شاء على يدى من شاء ، و لكن اسأل اللّه أن يغنيك عن الحاجة الّتي تضطرّك إلى لئام خلقه .

قال العلامة المجلسيّ قدّس سرّه : اللئام جمع اللّئيم يقال للشّحيح الدّنىّ النّفس و المهين و نحوهم ، لأنّ اللّؤم ضدّ الكرم ، و يؤمى الحديث إلى أنّ الفقر المذموم ما يصير سببا كذلك و غير ممدوح و ذمّه لأنّ اللّئيم لا يقضى حاجة و ربّما يلومه في رفع الحاجة إليه و إذا قضاه لا يخلو من منّه ، و يمكن أن يشمل الظالم و الفاسق المعلن بفسقه .

و في كثير من الأدعيّة : اللّهم لا تجعل لظالم و لا فاسق علىّ يدا و لا منّة و ذلك لأنّ القلب مجبول بحبّ من أحسن إليه و في حبّ الظّالم معاصى كثيرة كما في قوله تعالى و لا تركنوا إلى الّذين ظلموا فتمسّكم النّار هذا .

و في عطف قوله عليه السّلام ( و ابتلى بحمد من أعطاني و افتتن بذمّ من منعنى ) على ما سبق تاكيد آخر للاعاذة من الاقتار الموجب لاسترزاق طالبى الرّزق و استعطاف شرار الخلق المستلزمين للابتلاء بثناء المعطى و الافتتان بازراء المانع أى الميل إلى تعييبه دونه و الطّعن عليه لكون النّفوس مجبولة مفتونة بذلك بشهادة العيان و التّجربة .

و يشير إليه أيضا قوله تعالى و منهم من يلمزك في الصّدقات فان اعطوا منها رضوا و ان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون .

و إنّما أكّد عليه السّلام التجاءه إلى اللّه تعالى بذكر هذين اللازمين لأنّ ابتلاء

[ 317 ]

العبد و افتتانه بحمد المخلوق و ذمّه معطيا و ما نعا يوجبان انصرافه عن الخالق و عنايته بالمخلوق و هما خلاف وظيفة العبودية .

و قوله عليه السّلام ( و أنت من وراء ذلك كله ولىّ الاعطاء و المنع ) قد قلنا إنّ الجملة حالية أى لا تبذل جاهى بالاقتار فيلحقني بسببه ما يلحقني من المكاره المعدودة و الحال انّك من وراء ذلك الخلق كلّه القيّم بالاعطاء و المنع و القاهر القادر على التّيسير و التّقتير ، لأنّ أزمة الامور كلّها بيد قدرتك .

و المراد بكونه من وراء الخلق سلطانه عليهم و احاطته بهم كما قال تعالى :

بل الّذين كفروا فى تكذيب . و اللّه من ورائهم محيط قال أمين الاسلام قدّس سرّه : معناه أنّهم فى قبضة اللّه و سلطانه لا يفوتونه كالمحاصر المحاط به من جوابه لا يمكنه الفوات و الهرب و هذا من بلاغة القرآن .

و قوله عليه السّلام ( انّك على كلّ شى‏ء قدير ) مسوق في معرض التّعليل لكونه عزّ و جلّ وليّ الاعطاء و المنع ، أى أنت وليّهما بمقتضى عموم قدرتك على جميع الأشياء .