الفائدة الثانية

ان شهر رمضان كسائر الشهور تارة يكون ثلاثين يوما و تارة تسعة و عشرين يوما لان الشهر القمرى كما دريت يكون من ليلة رؤية الهلال إلى ليلة رؤية الهلال و القمر قد يخرج تحت شعاع الشمس فى اليوم التاسع و العشرين فيرى الهلال عند مغيب الشمس و قد لا يخرج في ذلك اليوم فيصير الشهر ثلاثين يوما و ليس للنّيرين في شهر رمضان وضع خاص حتى يكون دائما ثلاثين يوما و ليس لشهر رمضان تأثير خاص في ذلك .

[ 162 ]

و في التهذيب عن محمّد بن الفضيل قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن اليوم الّذي يشكّ فيه لا يدري اهو من شهر رمضان أو من شعبان فقال : شهر رمضان شهر يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة و النقصان فصوموا للرؤية و افطروا للرؤية الحديث .

و ذهب رئيس المحدثين الصدوق رضوان اللّه عليه إلى ان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين يوما ابدا و روى فى الخصال بإسناده عن إسماعيل بن مهران قال سمعت جعفر بن محمّد عليهما السّلام يقول و اللّه ما كلّف اللّه العباد إلا دون ما يطيقون انما كلفهم فى اليوم و الليلة خمس صلوات و كلفهم فى كلّ الف درهم خمسة و عشرين درهما و كلفهم فى السنة صيام ثلاثين يوما و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك .

ثمّ قال ( ره ) مذهب خواصّ الشيعة و أهل الاستبصار منهم في شهر رمضان انه لا ينقص عن ثلاثين يوما ابدا و الاخبار في ذلك موافقة للكتاب و مخالفة العامة فمن ذهب من ضعفة الشيعة إلى الاخبار التي وردت للتقيّة في انه ينقص و يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان و التمام اتقى كما يتقى العامة و لم يكلم الا بما يكلم به العامة .

و قريب من قوله هذا ما في الفقيه .

أقول : و هذا الكلام منه قدس سرّه مع جلالة شأنه غريب جدّا و الاخبار الناطقة في ذلك إما يشير إلى صوم يوم الشك حيث تغيّمت السماء او إلى امور اخر ذكروها شراح الاحاديث على ان شيخ الطائفة قدس سرّه ردّ تلك الاخبار في التهذيب بوجوه فمن شاء فليرجع اليه او إلى الوافى و غيره من الكتب المبسوطة .

ثمّ ان شراح الأحاديث و فقهاء الاماميّة لا سيما الشيخ الطوسي في الهذيبين و ان ذكروا فى ردّ تلك الاخبار القائلة بان شهر رمضان لا ينقص عن ثلاثين ابدا و توجيهها وجوها كثيرة و لكن ههنا دقيقة تبصّر بها و ذكرها في حاشية الوافي شيخنا الاجل و استادنا الاعظم الجامع للعلوم النقلية و العقلية و المتبحر في الفنون الغريبة الحاج الميرزا أبو الحسن الشعراني متعنا اللّه بطول بقائه يعجبني ان اذكرها تيمنا بما قال و تمثلا له في البال ، قال مدّ ظله :

أقول : عادة المنجمين ان يحاسبوا الشهور الهلالية اولا على الامر الاوسط و يرتبون الايام و يستخرجون مواضع الكواكب في تلك الايام ثم يرجعون و يستخرجون

[ 163 ]

رؤية الأهلة و يرتبون الشهور و يعينون غرة كل شهر على حسب الرؤية فاذا بنوا على الامر الاوسط حاسبوا شهر محرم تاما و صفر ناقصا فهكذا فيكون شعبان ناقصا و رمضان تاما و هذا بحسب الأمر الاوسط و هو عادتهم من قديم الدهر الا ان هذا عمل يبتدون به في الحساب قبل ان يستخرج الأهلة فإذا استخرج الهلال بنوا على الرؤية و كان بعض الرواة سمع ذلك من عمل المنجمين فاستحسنه لان نسبة النقصان إلى شهر رمضان و هو شهر اللّه الأعظم يوجب التنفير و اسائة الادب فنسبه إلى بعض الائمة عليهم السّلام سهوا و زادوا فيه و العجب ان الصدوق رحمه اللّه روى الأحاديث فى الصوم للرؤية و الافطار لها و روى أحاديث الشهادة على الهلال و روى احكام يوم الشك و لو كان شعبان ناقصا ابدا و شهر رمضان تاما ابدا لا تنفى جميع هذه الاحكام و بطلت جميع تلك الروايات و لا يبقى يوم الشك و لم يحتج إلى الرؤية .

و أمّا الفرق بين السنة الهجرية القمرية و الهجرية الشمسية فنقول : مبدءهما الأوّل واحد و هو مهاجرة نبيّنا خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و آله من مكة إلى المدينة كما مرّ بيانه مفصّلا إلاّ انهم في صدر الاسلام جعلوا مبدء القمرية من المحرّم و جعل في قرب عصرنا مبدء الشمسية من تحويل الشمس إلى الحمل و ما كان الاصل في ذلك هو السنة الهجرية القمرية لما دريت ان العرب اعتبروا الشهور و الاعوام من دور القمر فالشهر من ليلة رؤية الهلال إلى ليلتها ثمّ ركّبوا اثنى عشرة شهرا قمريا و سموها سنة و مضى من هجرة نبينا صلّى اللّه عليه و آله إلى هذا اليوم الّذي نحرّر ذلك المطلب و هو يوم الاثنين ثامن ربيع الاوّل يوم وفاة امامنا أبي محمّد الحسن بن علىّ العسكرى عليه السّلام ،

اثنان و ثمانون و ثلاثمأة و الف سنة و شهران و ثمانية أيام .

و أمّا الهجرية الشمسية و إن كان مبدءهما الأوّل هجرة الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلاّ انّه تاريخ حديث وضعوه فى طهران عاصمة ايران و كان مبدءه السنة 1304 الشمسية و هو مبني على اثنى عشرة شهرا شمسيا كتاريخ الجلالى و اسامى الشهور بعينها اسامى اليزدجردى و هى : فروردين ، ارديبهشت ، خوردا ، تير ، مرداد ، شهريور ، مهر ،

آبان ، آذر ، دى ، بهمن ، اسفند و جعلوا الشهور الستّ الأوّل احدا و ثلاثين يوما

[ 164 ]

و الست الآخر ثلاثين يوما إلاّ ان شهر اسفند يكون فى الكبيسة ثلاثين يوما و فى غيره تسعة و عشرين يوما و بهذه الحيلة نشروا الخمس المسترقة فى الشهور تسهيلا للامر و مبدء السنة يكون من يوم تحويل الشمس إلى أوّل الحمل إن كان تحويلها قبل نصف النهار و إلاّ فاليوم الذى بعده و مضى من تلك السنة إلى اليوم احدى و أربعون و ثلاثمأة و الف سنة .

و التفاوت بينهما ناش من حيث إن الأوّل مبتن على حركة القمر و تكون السنة مركبة من اثنى عشر شهرا قمريا و الثانى على حركة الشمس فالسنة مركبة من اثنى عشر شهرا شمسيّا .

و الشهر القمرى الحقيقى على الزيج البهادرى هو تسعة و عشرون يوما و اثنتى عشر ساعة و أربع و أربعون دقيقة و ثلاث ثوانى و ثلاث ثوالث و تسع روابع و ست و ثلاثون خامسة .

فلا جرم ان السنة القمرية الحقيقية أربع و خمسون و ثلاثمأة يوم و ثماني ساعات و ثماني و أربعون دقيقة و ست و ثلاثون ثانية و سبع و ثلاثون ثالثة و خمس و خمسون رابعة و اثنتا عشر خامسة الحاصلة من ضرب عدد الشهر القمري في اثنى عشرة .

و السنة الشمسية الحقيقية على ما رصد في الزيج البهادرى و صرّح به في الصفحة الثامنة و الثلاثين منه :

خمسة و ستون و ثلاثمأة يوما و خمس ساعات و ثماني و أربعون دقيقة و ست و أربعون ثانية و ست ثوالث و عشر روابع .

فالتفاوت بين السنة الشمسيّة الحقيقية و القمرية الحقيقية هو عشرة أيام و احدى و عشرون ساعة و تسع ثوانى و ثماني و عشرون ثالثة و اربع عشرة رابعة و ثماني و اربعون خامسة . و هذا هو التحقيق في ذلك المقام بما لا مرية فيه و لا كلام و بالجملة مبدء تاريخ المسلمين المعمول به عند جمهورهم هو أوّل شهر المحرّم من سنة هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من مكة زادها اللّه شرفا إلى المدينة الطيّبة .

و ذهب محمّد بن إسحاق المطلبي كما في السيرة النبوية لابن هشام التي هي منتخبة ممّا الفه ابن إسحاق ، و غيره إلى ان مبدأه يكون شهر ربيع الأوّل حيث

[ 165 ]

قال : قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة يوم الاثنين حين اشتدّ الضّحاء و كادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل و هو التاريخ و هذا متروك عند المسلمين .

و يمكن ان يكون الضمير اعني هو في قوله و هو التاريخ راجعا إلى قدومه و هجرته من مكة إلى المدينة فلا تنافي