تكتب الف الوصل من « ابن » خطّا فى سبعة مواضع الأوّل إذا اضيف إلى مضمر كقولك هذا ابنك . الثانى إذا نسب الى الاب الأعلى كقولك محمّد ابن شهاب التابعى فشهاب جدّ جدّه . الثالث إذا اضيف إلى غير أبيه كقولك المقداد ابن الاسود ، أبوه الحقيقى عمرو و الاسود جدّه و كقولك محمّد ابن الحنفية فعلى عليه السّلام أبوه و الحنفية امّه على البيان الّذي دريت الرابع إذا عدل به عن الصفة إلى الخبر كقولك اظن زيدا ابن عمرو . الخامس إذا عدل به عن الصفة إلى نحو الاستفهام كقولك هل تميم ابن عمرو . السادس إذ اثنى كقولك زيد و عمرو ابنا محمّد . السابع إذا ذكرته دون اسم قبله كقولك جائنى ابن عبد اللّه .
و فى ما عداها تسقط الالف بين العلمين خطّا كما تسقط لفظا مطلقا إلاّ ما اصطلح فى المطابع من انّه إذا وقعت كلمة ابن أوّل السطر تكتب الفها مطلقا ، فلنعد إلى القصة . ثمّ ان عبيد اللّه بن عمر أرسل إلى ابن الحنفية أن اخرج إلىّ فقال نعم ثمّ خرج يمشى فبصر به أمير المؤمنين عليه السّلام فقال من هذان المبارزان ؟ فقيل ابن الحنفية و عبيد اللّه بن عمر فحرّك دابته ثمّ نادى محمّدا فوقف له فقال أمسك دابتي فامسكها ثمّ مشي اليه عليّ عليه السّلام فقال أبرز لك هلم اليّ فقال ليست لي في مبارزتك حاجة فقال بلى فقال لا فرجع ابن عمر فاخذ ابن الحنفيّة يقول لأبيه يا أبت لم منعتنى من مبارزته فو اللّه لو تركتنى لرجوت أن أقتله فقال لو بارزته لرجوت أن تقتله و ما كنت آمن أن يقتلك فقال يا أبت أو تبرز لهذا الفاسق و اللّه لو أبوه سألك المبارزة لرغبت بك عنه فقال عليّ عليه السّلام يا بنى لا تقل فيه إلاّ خيرا .
ثمّ إن الناس تجاجزوا و تراجعوا قال المسعودى : فاقتتلوا في ذلك اليوم و كانت على أهل الشام و نجا ابن عمر في آخر النهار هربا .
[ 244 ]
أقول إنّما لحق عبيد اللّه بن عمر بمعاوية خوفا من عليّ عليه السّلام أن يقيده بالهرمزان و ذلك أن ابا لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة قاتل عمر كان فى أرض العجم غلاما للهرمزان فلما قتل عمر شد عبيد اللّه على الهرمزان فقتله و كذلك قتل جفينة و ابنة أبي لؤلؤة و قال لا أترك بالمدينة فارسيا و لا في غيرها إلاّ قتلته و كان الهرمزان عليلا في الوقت الّذي قتل فيه عمر فلما صارت الخلافة إلى علىّ عليه السّلام اراد قتل عبيد اللّه ابن عمر بالهرمزان لقتله إياه ظلما من غير سبب استحقه فلجأ إلى معاوية .
و فى تاريخ الطبرى لما بويع لعثمان بالخلافة دعا عبيد اللّه بن عمرو كان محبوسا في دار سعد بن أبي وقاص و هو الّذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة و الهرمزان و ابنة أبي لؤلؤة و كان يقول و اللّه لأقتلن رجالا ممّن شرك في دم أبي يعرض بالمهاجرين و الأنصار فقام اليه سعد فنزع السيف من يده و جذب شعره حتّى أضجعه إلى الأرض و حبسه في داره حتّى أخرجه عثمان اليه فقال عثمان لجماعة من المهاجرين و الأنصار أشيروا علىّ فى هذا الّذى فتق فى الأسلام ما فتق « يعنى به عبيد اللّه بن عمر » فقال علي عليه السّلام أرى أن تقتله فقال بعض المهاجرين قتل عمر امس و يقتل ابنه اليوم فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين إن اللّه قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان و لك على المسلمين سلطان انما كان هذا الحدث و لا سلطان لك . قال عثمان أنا وليهم و قد جعلتها دية و احتملتها فى مالى .
و قال الطبرى باسناده إن عبد الرحمن بن أبى بكر قال غداة طعن عمر مررت على أبي لؤلؤة عشي أمس و معه جفينة و الهرمزان و هم نجى فلما رهقتهم ثاروا و سقط منهم خنجر له رأسان نصابه فى وسطه فانظروا بأي شيء قتل و قد تخلل أهل المسجد و خرج في طلبه رجل من بني تميم فرجع إليهم التميمي و قد كان ألظ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتّي أخذه فقتله و جاء بالخنجر الّذى وصف عبد الرحمن بن أبي بكر فسمع بذلك عبيد اللّه بن عمر فأمسك حتّى مات عمر ثمّ اشتمل على السيف فأتى الهرمزان فقتله فلمّا عضّه السيف قال لا إله إلا اللّه ثمّ مضى حتّى أتى جفينة و كان نصرانيا من أهل الحيرة ظئرا لسعد بن مالك أقدمه إلى المدينة للصلح الّذي بينه و بينهم و ليعلّم بالمدينة الكتابة فلمّا علاه بالسيف صلب بين عينيه و بلغ ذلك صهيبا فبعث
[ 245 ]
إليه عمرو بن العاص فلم يزل به و عنه و يقول السيف بأبى و امى حتّى ناوله إياه و ثاوره سعد فأخذ بشعره و جاؤا إلى صهيب .
و قال كتب إلىّ السرى عن شعيب عن سيف عن أبي منصور قال سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه الهرمزان قال كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض فمرّ فيروز « و هو أبو لؤلؤة » بأبى و معه خنجر له رأسان فتناوله منه و قال ما تصنع بهذا فى هذه البلاد فقال أبس به فرآه رجل فلما اصيب عمر قال رأيت هذا مع الهرمزان دفعه إلى فيروز فأقبل عبيد اللّه فقتله فلمّا ولّى عثمان دعانى فأمكننى منه ثمّ قال يا بنى هذا قاتل أبيك و أنت اولى به منا فاذهب فاقتله فخرجت به و ما فى الأرض أحد إلاّ معى إلاّ أنّهم يطلبون إلى فيه فقلت لهم ألى قتله ؟ قالوا نعم و سبوا عبيد اللّه فقلت أفلكم أن تمنعوه ؟ قالوا لا و سبوه فتركته للّه و لهم فاحتملونى فو اللّه ما بلغت المنزل إلا على رؤوس الرجال و أكفهم .
و فى البحار كما فى السفينة : عبيد اللّه بن عمر قتل هرمزان مولى على عليه السّلام فأراد على عليه السّلام قتله فامتنع عثمان من تسليمه فلمّا صارت الخلافة لعلى عليه السّلام لحق عبيد اللّه بمعاوية و قتل بصفين .
و فيه أيضا قال ابن الأثير فى الكامل و ابن عبد البر فى الاستيعاب و صاحب روضة الأحباب و كثير من أرباب السير : قتل عبيد اللّه بن عمر بأبيه ابنة أبى لؤلؤة و قتل جفينة و الهرمزان و اشار علىّ على عثمان بقتله بهم فأبى .
و قال ابن أبى جمهور الاحسائى فى المجلى : و من قوادح عثمان قصة قتل الهرمزان و ذلك ان الهرمزان كان من عظماء فارس و كان قد اسر فى بعض الغزوات و جىء به إلى المدينة فأخذه على عليه السّلام فاسلم على يديه فاعتقه على عليه السّلام و كان عمر قد منعه من قسمة الفىء فلم يعطه منه شيء بسبب ميله الى على عليه السّلام فلمّا ضرب عمر فى غلس الصبح و اشتبه الأمر فى ضاربه سمع ابنه عبيد اللّه قوم يقولون قتله العلج فظن أنّهم يعنون الهرمزان فبادر عبيد اللّه اليه فقتله قبل أن يموت عمر فسمع عمر بما فعله ابنه فقال قد أخطأ عبيد اللّه إن الّذى ضربنى أبو لؤلؤة و ان عشت لأقيدنه به فان عليا عليه السّلام لا يقبل منه الدية و هو موليه .
[ 246 ]
فلمّا مات عمر و تولى عثمان طالبه على عليه السّلام بقود عبيد اللّه و قال انّه قتل مولاى ظلما و أنا وليه فقال عثمان قتل بالأمس عمرو اليوم تقتل ابنه حسب آل عمر مصابهم به و امتنع من تسليمه إلى علىّ عليه السّلام و منع عليّا حقه ظلما و عدوانا و لهذا قال على عليه السّلام لئن أمكننى الدهر منه يوما لأقتلنه به .
فلما ولى علىّ عليه السّلام هرب عبيد اللّه منه إلى الشام و التجأ إلى معاوية و خرج معه إلى حرب صفين فقتله علىّ عليه السّلام فى حرب صفين .
فانظر إلى عثمان كيف عطل حق علىّ عليه السّلام و خالف الكتاب و السنة برأيه و اللّه تعالى يقول و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا انتهى كلامه .
و لا يخفى على البصير في احكام خاتم النبيين و العارف بشريعة سيد المرسلين ان القصاص يجب أن يكون بمثل ما عمل من الجنس و المقدار و الصفة لانه دين عدل ليقوم الناس بالقسط فلا يجوز معاقبة أحد على وجه المجازاة بأكثر ما جنى . قال عزّ من قائل فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( البقرة الآية 192 ) .
و قال عزّ من قائل : و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( النحل الاية 128 ) .
قال ابن هشام في السيرة في قتلي احد و تمثيل هند بنت عتبة زوج أبي سفيان بحمزة بن عبد المطلب اسد اللّه و اسد رسوله رضوان اللّه عليه :
إن هندا و النسوة اللاتي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجدّ عن الآذان و الانف حتّى اتخذت هند من آذان الرّجال و انفهم خدما و قلائد و اعطت خدمها و قلائدها و قرطها وحشيّا غلام جبير بن مطعم قاتل حمزة رضوان اللّه عليه و بقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ، إلى أن قال :
و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادى قد بقر بطنه عن كبده و مثّل به فجدع أنفه و اذناه ، إلى أن قال :
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين رأى ما رأى و لئن أظهرني اللّه على قريش في موطن من المواطن لامثلنّ بثلاثين رجلا منهم فلمّا رأى المسلمون حزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و غيظه على من فعل بعمّه ما فعل قالوا و اللّه لئن أظفرنا اللّه بهم يوما من الدهر لنمثّلن
[ 247 ]
بهم مثلة لم يمثّلها احد من العرب ، إلى أن قال :
إنّ اللّه عزّ و جل أنزل في ذلك من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قول أصحابه و إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين . و اصبر و ما صبرك إلاّ باللَّه و لا تحزن عليهم و لا تك في ضيق مما يمكرون فعفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صبر و نهى عن المثلة .
و في مجمع البيان : قال المسلمون لئن أمكننا اللّه منهم لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات فنزلت الآية . و قيل إن الآية عامة في كلّ ظلم كغصب أو نحوه فانما يجازى بمثل ما عمل .
و في تفسير الصافى للفيض ( ره ) و عن النبى صلّى اللّه عليه و آله انّه قال يوم احد من له علم بعمّى حمزة فقال الحرث الصمت أنا أعرف موضعه فجاء حتّى وقف على حمزة فكره أن يرجع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيخبره فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام يا على اطلب عمّك فجاء على عليه السّلام فوقف على حمزة فكره أن يرجع إليه فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثمّ قال ما وقفت موقفا قط اغيظ علىّ من هذا المكان لئن أمكننى اللّه من قريش لامثّلن سبعين رجلا منهم فنزل عليه جبرئيل عليه السّلام فقال و ان عاقبتم الآية .
و العياشى عن الصادق عليه السّلام لما رأي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما صنع بحمزة بن عبد المطلب قال اللّهم لك الحمد و اليك المشتكى و انك المستعان على ما نرى ثمّ قال لئن ظفرت لامثلن و امثلن قال فانزل اللّه و إن عاقبتم الآية .
و بالجملة و عبيد اللّه بن عمر لم يكن في قتل الهرمزان و جفينة و ابنة أبي لؤلؤة بمصاب و ما عمله إلاّ التجاوز عن النهج القويم و المخالف عن الكتاب الكريم و عليه أن يعاقب أبا لؤلؤة بمثل ما عوقب به فقط مع أن فيروز أبا لؤلؤة لما طعن عمر نحر نفسه وقتئذ أيضا كما قال المسعودى في مروج الذهب : أخذ خنجرا فاشتمل عليه ثمّ قعد لعمر في زاوية من زوايا المسجد في الغلس و كان عمر يخرج في السحر فيوقظ الناس فمرّ به فثار إليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهنّ تحت سرّته و هي
[ 248 ]
الّتي قتلته و طعن إثنى عشر رجلا من أهل المسجد فمات منهم ستة و بقي ستة و نحر نفسه بخنجره فمات فأني لابن عمر أن يقتل غير واحد من الناس .
قال الطبرى : و كان رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد البياضي إذا رأى عبيد اللّه بن عمر قال :
الا يا عبيد اللّه مالك مهرب
و لا ملجأ من ابن أروى و لا خفر
اصبت دما و اللّه في غير حلّه
حراما و قتل الهرمزان له خطر
على غير شيء غير أن قال قائل
أتتهمون الهرمزان على عمر
فقال سفيه و الحوادث جمة
نعم أتّهمه قد أشار و قد أمر
و كان سلاح العبد في جوب بيته
يقلّبها و الأمر بالأمر يعتبر
فشكا عبيد اللّه بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد و شعره فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه فأنشأ زياد يقول في عثمان :
أبا عمرو عبيد اللّه رهن
فلا تشكك بقتل الهرمزان
فانك إن غفرت الجرم عنه
و أسباب الخطا فرسارهان
أتعفو إذ عفوت بغير حقّ
فمالك بالّذي تحكى يدان
فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه و شذبه .
ثمّ إن الهرمزان كان ملك فارس و فى تاريخ الطبرى كان الهرمزان أحد البيوتات السبعة في أهل فارس و كانت أمته مهر جان قذق و كور الأهواز فهولاء بيوتات دون سائر أهل فارس ، و الهرمزان انهزم في خلافة عمر من المسلمين غير مرة و نقض العهد كلّ مرة و حارب المسلمين إلى أن حاصره و جنده المسلمون في قلعة بتستر فأخذوه و شدوه وثاقا على التفصيل الّذى ذكر في السير و التواريخ فاتوا به في المدينة عند عمر و قال له عمر ما عذرك و حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة فقال أخاف أن تقتلني قبل أن اخبرك . قال : لا تخف ذلك و استسقى ماء فاتى به في قدح غليظ فقال لومت عطشا لم أستطع أن أشرب في مثل هذا فاتى به في إناء يرضاه فجعلت يده ترجف و قال إني أخاف أن اقتل و أنا أشرب الماء . فقال عمر لا بأس عليك حتّى تشربه فأكفاه
[ 249 ]
فقال عمر أعيدوا عليه و لا تجمعوا عليه القتل و العطش فقال لا حاجة لي في الماء إنّما اردت أن أستأمن به فقال له عمر إني قاتلك قد آمنتني . قال خدعتني إن للمخدوع في الحرب حكمه لا و اللّه لا او منك حتى تسلم فايقن أنّه القتل أو الاسلام فأسلم ففرض له على الفين و أنزله المدينة .
و فى البحار نقلا عن المناقب كما فى سفينة البحار : أن عمر اراد قتل الهرمزان فاستسقى فاتى بقدح فجعل ترعديده فقال له فى ذلك فقال إنّى خائف أن تقتلنى قبل أن أشربه فقال اشرب و لا بأس عليك فرمى القدح من يده فكسره فقال ما كنت لأشربه أبدا و قد أمنتنى فقال قاتلك اللّه لقد أخذت أمانا و لم اشعر به .
ثمّ قال و فى روايتنا أنه شكى ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فدعا اللّه تعالى فصار القدح صحيحا مملوّا من الماء فلمّا رأى الهرمزان المعجز أسلم .
و أبو لؤلؤة كان اسمه فيروز و لقبه بابا شجاع الدين و كان النهاوندى الأصل و المولد و تنوزع فى مذهبه .
قال المسعودى فى مروج الذهب : و كان عمر لا يترك احدا من العجم يدخل المدينة فكتب اليه المغيرة بن شعبة أن عندى غلاما نقاشا نجارا حدّادا فيه منافع لأهل المدينة فان رأيت أن تأذن لى فى الارسال به فعلت فأذن له و قد كان المغيرة جعل عليه كلّ يوم درهمين و كان يدعى أبا لؤلؤة و كان مجوسيا من أهل نهاوند فلبث ما شاء اللّه ثمّ أتى عمر يشكو إليه ثقل خراجه فقال له عمر و ما تحسن من الاعمال ؟
قال نقاش نجار حداد فقال له عمر ما خراجك بكثير فى كنه ما تحسن من الأعمال فمصى عنه و هو مدبر قال ثمّ مرّ بعمر يوما آخر و هو قاعد فقال له عمر ألم احدث عنك أنك تقول لو شئت أن أصنع رحا تطحن بالريح لفعلت ؟ فقال أبو لؤلؤة لأصنعن لك رحا يتحدّث الناس بها و مضى أبو لؤلؤة . فقال أمّا العلج فقد توعدنى آنفا فلمّا أزمع بالّذى أوعد به أخذ خنجرا فاشتمل عليه ثمّ قعد لعمر فى زاوية من زوايا المسجد إلى آخر ما نقلناه عنه آنفا .
و في سفينة البحار : الّذي رأيت في بعض الكتب أن أبا لؤلؤة كان غلام المغيرة
[ 250 ]
ابن شعبة اسمه الفيروز الفارسى اصله من نهاوند فأسرته الروم و اسره المسلمون من الروم و لذلك لما قدم سبى نهاوند إلى المدينة فى السنة الحادية و العشرين كان أبو لؤلؤة لا يلقى منهم صغيرا إلا مسح رأسه و بكى و قال له اكل رمع كبدى و ذلك لأن الرجل « يعنى به عمر » وضع عليه من الخراج كلّ يوم درهمين فثقل عليه الامر فأتى إليه فقال له الرجل « اى عمر » ليس بكثير في حقك فانّي سمعت عنك أنك لواردت أن تدير الرحى بالريح لقدرت على ذلك فقال أبو لؤلؤة لاديرن لك رحى لا تسكن إلى يوم القيامة ، فقال إن العبد قد أوعد و لو كنت اقتل أحدا بالتهمة لقتلته و في خبر آخر قال له أبو لؤلؤة لأعملن لك رحي يتحدّث بها من بالمشرق و المغرب ثمّ انّه قتله بعد ذلك .
ثمّ نقل عن بعض الاعلام : أن فيروز هذا قد كان من أكابر المسلمين و المجاهدين بل من خلّص اتباع أمير المؤمنين عليه السّلام و كان أخا لذكوان و هو أبو أبي الزناد عبد اللّه ابن ذكوان عالم أهل المدينة بالحساب و الفرائض و النحو و الشعر و الحديث و الفقه فراجع الاستيعاب .
و قال الذهبي في كتابه المختصر في الرجال : عبد اللّه بن ذكوان أبو عبد الرحمن هو الامام أبو الزناد المدني مولى بني امية و ذكوان هو أخو أبي لؤلؤة قاتل عمر ثقة ثبت روى عنه مالك و السفيانان مات فجأة في شهر رمضان في السنة الحادية و الثلاثين بعد المأة . ثم قال قال صاحب الرياض و هذا أجلي دليل على كون فيروز المذكور من الشيعة و حينئذ فلا اعتماد بما قاله الذهبي من أن أبا لؤلؤة كان عبدا نصرانيا لمغيرة ابن شعبة و كذا لا اعتداد بما قاله السيوطي في تاريخ الخلفاء من أن أبا لؤلؤة كان عبدا لمغيرة و يصنع الأرحاء ثمّ روى عن ابن عباس أن أبا لؤلؤة كان مجوسيّا .
ثمّ إن في المقام كلام آخر و هو أن النّبي صلّى اللّه عليه و آله قد أمر باخراج مطلق الكفار من مكة و المدينة فضلا عن مسجدهما و العامة قد نقلوا ذلك و أذعنوا بصحة الخبر الوارد في ذلك الباب فاذا كان أبو لؤلؤة نصرانيا مجوسيا كيف رخّصه عمر في أيام خلافته أن يدخل مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من غير مضايقة و لا نكير فضلا عن مسجده
[ 251 ]
و هذا منه إمّا يدلّ على عدم مبالاته في الدين او على عدم صحة ما نسبوه اليه و لو تنزلنا عن ذلك نقول كان أوّل أمره من الكفار و من مجوس بلاد نهاوند ثمّ تشرف بعد بدين الاسلام انتهى ما أردنا نقله من السفينة .
و هذا جملة الأقوال في قتل عبيد اللّه بن عمر الهرمزان و مذهب أبي لؤلؤة و سبب قتله عمرو علة لحوق عبيد اللّه بمعاوية .
و سيأتي ان عليّا عليه السّلام في الصفين نادى عبيد اللّه بن عمر و قال له ويحك يا ابن عمر علام تقتلني و اللّه لو كان أبوك حيا ما قاتلني قال اطلب بدم عثمان ، قال عليه السّلام أنت تطلب بدم عثمان و اللّه يطلب بدم الهرمزان ، و لنعد إلى القصة .