قال نصر : و كان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليّا عليه السّلام و معاوية فنزل على ماء لبني سليم بأرض الباديه يتشوف الأخبار و كان رجلا له بأس و رأى في قريش و لم يكن له في عليّ و لا معاوية هوى فأقبل راكب يوضع من بعيد فاذا هو بابنه عمر ابن سعد فقال يا أبي التقى النّاس بصفين فكان بينهم ما قد بلغك حتّى تفانوا ثمّ حكموا الحكمين عبد اللّه بن قيس و عمرو بن العاص و قد حضر ناس من قريش عندهما و أنت من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من أهل الشورى و من قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : اتقوا دعواته و لم تدخل في شيء مما تكن هذه الامّة فاحضر دومة الجندل فانك صاحبها غدا ، فقال مهلا يا عمر إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول يكون من بعدى فتنة خير النّاس فيها الخفى التقى ، و هذا الأمر لم أشهد أوّله و لن أشهد آخره و لو كنت غامسا يدى في هذا الأمر غمستها مع عليّ . قد رأيت القوم حملوني على حدّ السيف فاخترته على النّار فأقم عند أبيك ليلتك هذه ، فراجعه عمر حتّى طمع في الشيخ فلمّا جنّه الليل رفع صوته ليسمع أبوه فقال :
دعوت أباك اليوم و اللّه للّذى
دعاني اليه القوم و الأمر مقبل
فقلت لهم للموت أهون جرعة
من النّار فاستبقوا اخاكم او اقتلوا
فكفّوا و قالوا ان سعد بن مالك
مزخرف جهل و المجهّل أجهل
فلما رأيت الأمر قد جدّ جدّه
و كاشفنا يوم أغرّ مخجّل
هربت بديني و الحوادث جمة
و في الأرض أمن واسع و معوّل
[ 351 ]
فقلت معاذ اللّه من شرّ فتنة
لها آخر لا يستقال و أوّل
و لو كنت يوما لا محالة وافدا
تبعت عليّا و الهوى حيث يجعل
و لكنني زاولت نفسا شحيحة
على دينها تأبي عليّ و تبخل
فاما ابن هند فالتراب بوجهه
و ان هواى عن هواه لأميل
فيا عمر ارجع بالنصيحة انّني
سأصبر هذا العام و الصبر أجمل
فارتحل عمر و قد استبان له أمر أبيه .
أقول : عمر بن سعد هذا هو الّذي اطاع أهل الشقاق و النفاق و حملة الاوزار المستوجبين النّار و توازر على الحسين بن عليّ عليهما السّلام في كربلاء و قد أخبر بذلك أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام كما ورد في غير واحد من الاخبار .
ففي الارشاد للمفيد و الاحتجاج للطبرسى رضوان اللّه عليهما عن زكريا بن يحيى القطان عن فضل بن زبير عن أبي الحكم قال سمعت مشيختنا و علماءنا يقولون خطب عليّ ابن أبي طالب عليه السّلام فقال في خطبة : سلوني قبل أن تفقدوني فو اللّه لا تسألوني عن فئة تضل مأة و تهدى مأة إلا نبّأتكم بناعقها و سايقها إلى يوم القيامة فقام اليه رجل فقال أخبرني كم في رأسي و لحيتي من طاقة شعر فقال أمير المؤمنين عليه السّلام و اللّه لقد حدّثني خليلي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بما سئلت عنه و أن علي كلّ طاقة شعر من رأسك ملكا يلعنك و على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يستفزّك و أن في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و آية ذلك مصداق ما أخبرتك به و لولا أن الّذى سئلت عنه يعسر برهانه لاخبرتك به ، و لكن آية ذلك ما نبّأت به من لعنتك و سخلك الملعون .
ثمّ قالا : و كان ابنه في ذلك الوقت صبيّا صغيرا يحبو فلمّا كان من أمر الحسين عليه السّلام ما كان تولّي قتله و كان الأمر كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام .
ذلك الرجل السائل هو سعد بن أبي وقاص و ذلك السخل هو ابنه عمر كما صرّح بهما في كثير من الأخبار .