فان قلت : إذا كان محاربوا عليّ عليه السّلام كفرة فلم لم يجر عليهم أحكام الكفر لمّا غلب عليهم من نهب أموالهم و سبى نسائهم و غير ذلك ؟
قلت : كما ان للايمان مراتب و درجات كذلك للكفر ، و النهب و السبى و أمثالهما من الاحكام يختص بمحاربى المشركين دون غيرهم من الكفار كما نرى من غزوات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المشركين .
قال الشيخ الطوسى ( ره ) في كتاب الباغي من الخلاف : إذا وقع اسير من أهل البغي في المقاتلة كان للامام حبسه و لم يكن قتله و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة : له قتله .
ثمّ قال : دليلنا اجماع الفرقة و أيضا روى عبد اللّه بن مسعود قال : قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يا ابن امّ عبد ما حكم من بغى من امتي ؟ قال قلت : اللّه و رسوله أعلم فقال صلّى اللّه عليه و آله لا يتبع و لا يحاز ( و لا يجهز خ ل ) على جريحهم و لا يقتل اسيرهم و لا يقسم فيئهم و هذا نص و روى ان رجلا اسيرا جىء به إلى عليّ عليه الصلاة و السلام يوم صفين فقال لا اقتلك صبرا إنى أخاف اللّه ربّ العالمين .
و قال العلامة قدس سرّه في كتاب الجهاد من المختلف : المشهور بين علمائنا تحريم سبى نساء البغاة و قال اختلف علماؤنا في قسمة ما حواه العسكر من أموال البغاة فذهب السيد المرتضى في المسائل الناصرية إلى أنها لا تقسم و لا تغنم قال و مرجع النّاس في ذلك كلّه إلى ما قضى به أمير المؤمنين عليه السّلام في محاربي أهل البصرة فانه منع من غنيمة أموالهم و قسمتها كما تقسم أموال الحرب و لا أعلم خلافا من الفقهاء في ذلك و لما رجع أمير المؤمنين عليه السّلام في ذلك قال أيكم تأخذ عائشة في سهمه و لا امتناع في مخالفة حكم قتال أهل البغى لقتال أهل الحرب كما خالفه في أنه لا يتبع موليهم و ان كان اتباع المولى من باقي المحاربين جائر و انما اختلف
[ 376 ]
الفقهاء في الانتفاع بدوابّ أهل البغى و سلاحهم في دار الحرب إلى أن قال : و روى أنّ عليّا عليه السّلام لما هزم النّاس يوم الجمل قالوا له يا أمير المؤمنين ألا تأخذ أموالهم ؟ قال : لا لانهم تحرموا بحرمة الاسلام فلا يحل أموالهم في دار الهجرة .
و بالجملة للبغاة الخارجين على الامام العادل أحكام تخص بهم و ان كانوا كافرين و للمشركين المحاربين أحكام تخص بهم و عنون الشيخ المفيد قدس سرّه في ذلك فصلا في كتابه الموسوم بالافصاح ، و كذا الشيخ الطوسي في تلخيص الشافي و لا بأس بنقل كلام المفيد لانه رحمه اللّه أوجز و افاد قال :
فان قالوا : فاذا كان محاربوا أمير المؤمنين عليه السّلام كفارا عندكم بحربه مرتكبى العناد في خلافه فما باله عليه السّلام لم يسر فيهم بسيرة الكفار فيجهز على جرحهم و يتبع مدبرهم و يغنم جميع أموالهم و يسبى نسائهم و ذراريهم و ما انكرتم ان يكون عدوله عن ذلك يمنع من صحة القول عليهم بالاكفار ؟
قيل لهم : ان الذى وصفتموه في حكم الكفار انما هو شيء يختص بمحاربي المشركين لم يوجد في حكم الاجماع و السنة فيمن سواهم في سائر الكفار فلا يجب ان يتعدي منهم إلى غيرهم بالقياس الا ترون ان أحكام الكافرين تختلف فمنهم من يجب قتله على كلّ حال ، و منهم من يجب قتله بعد الامهال ، و منهم من تؤخذ منه الجزية و يحقن دمه بها و لا يستباح ، و منهم من لا يحلّ دمه و لا يؤخذ منه الجزية على حال ، و منهم من يحل نكاحه ، و منهم من يحرم بالاجماع فكيف يجب اتفاق الاحكام من الكافرين على ما اوجبتموه فيمن سميناه إذا كانوا كفارا و هى على ما بيناه في دين الاسلام من الاختلاف . ثمّ قال رحمه اللّه :
ثمّ يقال لهم : خبرونا هل تجدون في السنّة أو الكتاب او الاجماع في طائفة من الفساق بقتل المقلين منهم و ترك المدبرين و حظر الاجهاز على جرحى المقاتلين و غنيمة ما حوى عسكرهم دون ما سواه من امتعتهم و أموالهم اجمعين ، فان ادعوا معرفة ذلك و وجوده طولبوا بتعيينه فيمن عدا البغاة من محاربي أمير المؤمنين عليه السّلام فانهم يعجزون عن ذلك و لا يستطيعون إلى اثباته سبيلا ، و ان قالوا ان ذلك و ان كان غير
[ 377 ]
موجود في طائفة من الفاسقين فحكم أمير المؤمنين عليه السّلام به في البغاة دليل على أنه في السنة أو الكتاب و ان لم يعرف وجه التعيين قيل لهم ما انكرتم أن يكون حكم أمير المؤمنين عليه السّلام في البغاة ممن سميتموه دليلا بعد دليل انّه حكم اللّه في طائفة من الكافرين موجود في السنة و الكتاب و ان لم يعرف الجمهور الوجه في ذلك على التعيين فلا يجب ان يخرج القوم من الكفر لتخصيصهم من الحكم بخلاف ما حكم اللّه تعالى فيمن سواهم من الفاسقين و هذا ما لا فصل فيه . انتهى .