« كلام أبى موسى الأشعرى لأهل الكوفة و نهيه اياهم عن نصرة » « أمير المؤمنين على عليه السّلام بعد ما استنفر الناس اليه عليه السّلام » « الحسن بن على و عمار بن ياسر عند مسيره عليه السّلام إلى أهل البصرة »

قال أبو مخنف : ان أمير المؤمنين عليّا عليه السّلام لما توجه من المدينة إلى البصرة خطب الحسن بن عليّ عليه السّلام و عمّار بن ياسر أهل الكوفة يستنفران النّاس إلى عليّ عليه السّلام و بعد ما نقل خطبتهما قال : حدّثنا الكلبي عن أبي صالح أن أبا موسى الأشعرى لمّا سمع خطبة الحسن و عمّار قام فصعد المنبر و قال :

الحمد للّه الّذي أكرمنا بمحمّد فجمعنا بعد الفرقة و جعلنا إخوانا متحابين بعد العداوة و حرّم علينا دمائنا و أموالنا قال اللّه سبحانه « لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل » و قال تعالى : « و من يقتل مؤمناً معتمداً فجزاءه جهنّم خالداً فيها » فاتّقوا اللّه عباد اللّه و ضعوا أسلحتكم و كفّوا عن قتال إخوانكم ، أمّا بعد يا أهل الكوفة إن تطيعوا اللّه باديا و تطيعوني ثانيا تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوى إليكم المضطرّ و يأمن فيكم الخائف ، إن عليا إنّما يستنفركم لجهاد امّكم عائشة و طلحة و الزّبير حواريّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من معهم من المسلمين و أنا أعلم بهذه الفتن ،

أنّها إذا أقبلت شبهت و إذا أدبرت أسفرت . إنّي أخاف عليكم أن يلتقي غاران منكم فيقتتلا ثمّ يتركا كالأحلاس الملقاة بنجوة من الأرض ثمّ يبقى رجرجة من

[ 7 ]

النّاس لا يأمرون بالمعروف و لا ينهون عن منكر إنها قد جائتكم فتنة كافرة لا يدرى من أين تؤتى ، تترك حيران كأني أسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالأمس يذكر الفتن فيقول : أنت فيها نائما خير منك قاعدا و أنت فيها جالسا خير منك قائما و أنت فيها قائما خير منك ساعيا فشيموا سيوفكم و قصفوا رماحكم و انصلوا سهامكم و قطعوا أوتاركم و خلّوا قريشا ترتق فتقها و تراب صدعها فان فعلت فلأنفسها ما فعلت و إن أبت فعلى أنفسها ما جنت ، سمها في أديمها استنصحوني و لا تستغثوني و أطيعوني و لا تعصوني يتبين لكم رشدكم و تصلّي هذه الفتنة من جناها .

قال : فقام إليه عمار بن ياسر فقال : أنت سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول ذلك ؟

قال : نعم ، هذه يدى بما قلت : فقال : إن كنت صادقا فإنّما عناك بذلك وحدك و اتخذ عليك الحجة فالزم بيتك و لا تدخلن في الفتنة أما انّي أشهد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر عليا بقتال الناكثين و سمّي لي فيهم من سمّى و أمره بقتال القاسطين و إن شئت لأقيمنّ لك شهودا يشهدون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّما نهاك وحدك و حذرك من الدخول في الفتنة ثمّ قال له : أعطنى يدك على ما سمعت فمدّ إليه يده فقال له عمّار : غلب اللّه من غالبه و جاحده ثمّ جذبه فنزل عن المنبر .

أقول : و سيأتي تمام الكلام في شرح الكتاب الأوّل من باب المختار من كتبه عليه الصلاة و السّلام .

ثمّ إنّ كلامه عليه السّلام هذا احتجاج عليهم في اختيارهم أبا موسى للحكومة و صورة الاحتجاج : انكم يا أهل العراق قريبو العهد بقول أبي موسى يقول لكم عند مسيرى إلى أهل البصرة : هذه هي الفتنة الّتي وعدنا بها و أمرنا بالاعتزال عنها فقطعوا أوتاركم و شيموا سيوفكم ، فان كان أبو موسى في قوله هذا صادقا فقد أخطأ بمسيره الينا و حضوره معنا في صفين و تكثيره سواد أهل العراق حالكونه غير مستكره في ذلك أي لم يكرهه و لم يجبره أحد في ذلك حتّى يقال انّه حضره مستكرها و إن لم يحارب و لم يسلّ السيف ، و إن كان كاذبا و مختلفا فيه فقد لزمته التهمة أى الكذب و الاختلاق فهو فاسق بكذبه ، فعلى التقديرين صدق ام كذب قبح جعله حكما و لا ينبغى

[ 8 ]

حكومته في هذا الأمر الخطير الجليل و الاعتماد عليه فيه .

و قال الشارح الفاضل المعتزلي : هذا الكلام منه عليه السّلام يؤكّد صحّة إحدى الروايتين في أمر أبي موسى فانّه قد اختلفت الرواية هل حضر حرب صفين مع أهل العراق أم لا ؟ فمن قال : حضر قال : حضر و لم يحارب و ما طلبه يمانيّون من أصحاب عليّ عليه السّلام ليجعلوه حكما كالأشعث بن قيس و غيره إلاّ و هو حاضر معهم في الصف و لم يكن منهم على مسافة و لو كان منهم على مسافة لما طلبوه و لكان لهم فيمن حضر غناء عنه ، و لو كان على مسافة لما وافق عليّ عليه السّلام على تحكيمه و لا كان عليّ عليه السّلام ممّن يحكم من لم يحضر معه و قال الأكثرون : إنّه كان معتزلا للحرب بعيدا عن أهل العراق و أهل الشام .

ثمّ قال : فإن قلت : فلم لا يحمل قوله عليه السّلام فإن كان صادقا فقد أخطأ بسيره غير مستكره على مسيره إلى أمير المؤمنين عليه السّلام و أهل العراق حيث طلبوه ليفوّضوا إليه أمر الحكومة ؟

قلت : لو حملنا كلامه عليه السّلام على هذا لم يكن لازما لأبي موسى و كان الجواب عنه هيّنا و ذلك لأن أبا موسى يقول : إنّما أنكرت الحرب و ما سرت لاحارب و لا لأشهد الحرب و لا لأغرى بالحرب و إنّما سرت للاصلاح بين النّاس و اطفاء نائرة الفتنة فليس يناقض ما رويته عن الرسول من خبر الفتنة و لا ما قلته في الكوفة في واقعة الجمل فقطعوا أوتار قسيكم . انتهى ما اردنا من نقل كلامه .

أقول : إن أبا موسى حضر صفين و لم يحارب و لم يسلّ السيف كما نقلنا من قبل عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم و تاريخ أبي جعفر الطبرى ان القوم لمّا صفحوا عن رأى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و عصوه و أبوا إلا أبا موسى حكما لأهل العراق بعثوا إلى أبي موسى و قد اعتزل بأرض من أرض الشام يقال لها : عرض و اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال : إن النّاس قد اصطلحوا فقال : الحمد للّه ربّ العالمين ، قال :

و قد جعلوك حكما قال : إنا للّه و إنا اليه راجعون فجاء أبو موسى حتّى دخل عسكر عليّ عليه السّلام .

ثمّ إنّ قول القائل : و ما طلبه يمانيّون إلا من كان حاضرا معهم و لو كان

[ 9 ]

على مسافة لما طلبوه و لكان لهم فيمن حضر غناء عنه ، بديهي البطلان و يظهر وهنه بأدنى تأمّل على أن ما سمعت من أهل النقل و حملة الآثار من أن أهل الشام لما رأوا انكسارهم و خذلانهم رفعوا المصاحف بالرماح خديعة و دهاء و مكيدة حتّى أن أجمع الفريقان على أن يحييا ما أحيى القرآن و أن يميتا ما أمات القرآن ثمّ رجع كلّ فريق إلى أصحابه و قال النّاس : قد رضينا بحكم القرآن فقال أهل الشام : فانا قد رضينا و اخترنا عمرو بن العاص و قال الأشعث و القراء الّذين صاروا خوارج فيما بعد : فانا قد رضينا و اخترنا أبا موسى الأشعرى فقال لهم عليّ عليه السّلام : إنّي لا أرضي بأبى موسى و لا أرى أن أوليه فقال الأشعث و يزيد بن حصين الطائى و مسعر بن فدكى في عصابة من القراء : إنا لا نرضي إلا به فانّه قد حذرنا ما وقعنا فيه فعمدة ما استمسكوا بها في اختيارهم أبا موسى انّه حذرهم عن الحرب و غير ذلك مما مرّ و لا فائدة في الاعادة و الاطالة و لا يخفى ان حضوره عندهم و غيابه عنهم سيّان في غرضهم ذلك فالاحتمالات الّتي ذكرها القائل واهية موهونة جدّا .

و أوهن منها ما قال : لو كان على مسافة لما وافق عليّ عليه السّلام على تحكيمه و لا كان علىّ ممّن يحكم من لم يحضر معه ، لأنّه عليه السّلام كان كارها و مستكرها و غير موافق في أبي موسى و حكينا من نصر و أبي جعفر الطبرى و غيرهما آنفا انّه عليه السّلام قال :

فان أبا موسى ليس لي برضا و قد فارقني و خذل النّاس عنّي ثمّ هرب حتّى أمنته بعد أشهر و لكن هذا ابن عبّاس اوليه ذلك قالوا : و اللّه ما نبالي أنت كنت او ابن عبّاس لا نريد إلاّ رجلا هو منك و من معاوية سواء ليس إلى واحد منكما بأدنى من الآخر قال عليّ : فاني أجعل الأشتر قال الأشعث : و هل سعّر الأرض علينا غير الأشتر و هل نحن إلاّ في حكم الأشتر قال له عليّ عليه السّلام : و ما حكمه ؟ قال : حكمه ان يضرب بعضنا بعضا بالسّيوف حتّى يكونن ما أردت و ما أراد إلى آخر ما نقلنا . و يقول عليه السّلام :

في هذه الخطبة أيضا : فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد اللّه بن العبّاس .

و مع الاغماض و الصفح عن ذلك كلّه و لو قيل إن أبا موسى لم يحضر صفين قطّ و ما شهد حربا قلنا فقد أخطأ أيضا بمسيره إلى القوم ليفوضوا اليه أمر الحكومة

[ 10 ]

و لزمته التهمة لأنّه روى كما نقلنا من قبل عن ابن عبد البر في الاستيعاب و المسعودى في مروج الذهب و نصر بن مزاحم في كتاب صفين و أبي محمّد بن متويه المعتزلي و غيرهم عن سويد بن غفلة حيث قال : كنت مع أبى موسى على شاطي الفرات في خلافة عثمان فروى لي خبرا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال : سمعته يقول : إن بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتّى بعثوا حكمين ضالين ضلاّ و أضلاّ من اتبعهما و لا ينفك امر امتي حتّى يبعثوا حكمين يضلاّن و يضلاّن من تبعهما فقلت له : احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما فخلع قميصه و قال : ابرء إلى اللّه من ذلك كما ابرء من قميصى هذا .

فنقول : إمّا أن يكون في نقل الخبر صادقا او كاذبا فان كان صادقا فهو الضالّ المضلّ و قد اخطأ بمسيره اليهم و دخوله في الحكومة فكيف يجوز أن يقول : انّما سرت للاصلاح بين النّاس و اطفاء نائرة الفتنة من شهد على نفسه بالضلال و الاضلال و كيف لا يناقض بعض قوله بعضا و هل هذا إلاّ التهافت .

و إن كان كاذبا فقد لزمته التهمة فهو فاسق فلا ينبغي الاعتماد عليه في هذا الخطب الخطير و قد كان في القوم من لم يكن فيه تلك التهمة و سوء الظن مع قوة العقل و صحة النظر و ظهور النصح مع جواز أن يكون رضاه لحب الحكومة فان الملك عقيم و للانتقام من علىّ عليه السّلام لما قد نقلنا من ابن عبد البر و غيره بعد ذكر عزله عليه السّلام ايّاه عن الكوفة فلم يزل واجدا على علىّ عليه السّلام حتّى جاء فيه ما قال حذيفة :

إلى آخر ما نقلنا في ترجمة أبى موسى .

و سيأتى تمام الكلام فيه في كتابه عليه السّلام الثالث و الستين اليه قوله عليه السّلام من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس أمّا بعد فقد بلغنى الخ فارتقب .

بيان في مروج الذهب للمسعودى نقلت الرواية عن سويد بن علقمة و في غيره عن سويد بن غفلة و الأخير صواب و ما في مروج الذهب تصحيف من النساخ قال العلامة الحلّى قدس سره في الخلاصة : قال البرقى إنه من اولياء أمير المؤمنين عليه السّلام و هو سويد بن غفلة الجعفى ، و في منتهى المقال في أحوال الرجال لأبى على نقلا عن مختصر تذكرة الذهبى : ولد عام الفيل او بعده بعامين و أسلم و قد شاخ فقدم المدينة

[ 11 ]

و قد فرغوا من دفن المصطفى صلّى اللّه عليه و آله إلى ان قال : و كان ثقة نبيلا عابدا زاهدا قانعا باليسير كبير الشأن يكنى أبا امية ، و قيل الجغفى بالغين المعجمة .

قوله عليه السّلام : ( فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد اللّه بن العباس ) يعني نحّوه بابن العبّاس و اضربوا صدره به ، اى اجعلوا عبد اللّه بن العبّاس حكما مقابلا لعمرو بن العاص حتّى يدفعه عما يريد ، و قد نقلنا قبل من كتاب صفين ( ص 270 طبع ايران الناصرى ) لنصر بن مزاحم ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام قال : لما أراد النّاس عليّا عليه السّلام على أن يضع حكمين قال لهم على :

إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه و نظره من عمرو بن العاص و انّه لا يصلح للقرشي إلاّ مثله فعليكم بعبد اللّه بن العباس فارموه به فان عمرا لا يعقد عقدة إلاّ حلّها عبد اللّه و لا يحلّ عقدة إلاّ عقدها و لا يبرم أمرا إلا نقضه و لا ينقض أمرا إلاّ أبرمه ، فقال الأشعث : لا و اللّه لا يحكم فينا مضريان حتّى تقوم الساعة و لكن اجعله رجلا من أهل اليمن إذا جعلوا رجلا من مضر فقال عليّ عليه السّلام : إنّي أخاف أن يخدع يمنيّكم فان عمرا ليس من اللّه في شي‏ء حتى إذا كان له في أمر هواه فقال الأشعث :

و اللّه لأن يحكما ببعض ما نكره و أحدهما من أهل اليمن أحبّ الينا من أن يكون ما نحبّ في حكمهما و هما مضريان ، قال عليّ عليه السّلام : قد أبيتم إلاّ أبا موسى قالوا : نعم ،

قال : فاصنعوا ما أردتم ، و في رواية اخرى فاصنعوا ما شئتم اللّهم إنّي أبرء إليك من صنيعهم .

قوله عليه السّلام : ( و خذوا مهل الأيام ) اى لا تهملوا المهلة فاغتنموا سعة الأيام و فسحتها قبل أن تضيق و تفوت عنكم فاعملوا فيها ما ينبغي لكم .

قوله عليه السّلام : ( و حوطوا قواصي الإسلام ) اى احفظوا نواحى بلاد الاسلام و حدودها و أطرافها .

أقول : لمّا بلغ شرحنا إلى هنا كتب إليّ صديق لي كتابا أظهر فيه شكوى إلىّ و أبرز حاجة ، و طلب الإفتاء في رؤياء ، و الرّجل و إن كان ذا فضل لكنه لم يكن عارفا بالعلوم العربية حتّى النحو و لغة العرب فذهبت إليه فأشكيته ثمّ انجرّ الكلام إلى مكتوبه فقال : أما الشكوى فإن بي شكاة مدة شهرين و لم تعدني ، فأعذرته

[ 12 ]

بعدم العلم به ، فقال : أمّا الحاجة فإلى مجلد من ناسخ التواريخ في ترجمة عيسى روح اللّه عليه السّلام ، و أمّا الرؤياء فرأيت في المنام أني اسافر معك حتّى انتهينا إلى ثقب جبل فجاوزناه فآوينا إلى ناحية فاذن ان بي حيرة في أمري اقدّم رجلا و أؤخر اخرى و لكنك جالس فرحا مبتهجا و حولك كتب كثيرة و أمعنت في الكتابة كأنك شاغل بتأليف كتاب فاسترقت البصر فرأيت أنك كتبت « حوطو » .

فلمّا أخبرته بشرحنا هذا و أنّه بلغ إلى قوله عليه السّلام : « حوطوا قواصي الاسلام » عجب ، و عجبت أيضا و لعمرى أن الرّجل لم يكن مطلّعا على أمرى و كنت غائبا عنه منذ سنة و بذلك تفألت بالخير في اقبالي إلى هذا الشرح المنيف و إقدامي عليه و أرجو من اللّه أن يوفّقني للاتمام فانه ولي التوفيق و أن يجعل نفعه أعم و فائدته أتم .

اللّهم آمين ، و يرحم اللّه عبدا قال آمينا .

قوله عليه السّلام : ( ألا ترون إلى بلادكم تغزى و إلى صفاتكم ترمي ) قد مرّ انّ الصفاة في الأصل الحجر الصلد الضخم لا ينبت و لا تنفذ فيها السهام و هذه الكلمة كما يستفاد من مواضع كثيرة من استعمالهم يكنّي بها عن عرض الرّجل و حيطته و حوزته و نظائرها مما لها شأن و يقال : فلان رمي صفاة فلان إذا دهاه بداهية قال ابن عمّ لأبي موسى مخاطبا إياه كما في كتاب صفين لنصر ( ص 300 الطبع الناصري ) :

أبا موسى بليت فكنت شيخا
قريب القعر مدهوش الجنان

رمي عمرو صفاتك يا ابن قيس
بأمر لا تنوء به اليدان

و فلان لا تقرع له صفاة اى لا يناله أحد بسوء و لا يطمع فيه فقوله عليه السّلام ألا ترون إلى آخره ترغيب لهم في حفظ حوزة الاسلام و صيصيته و حياطة قواصي بلاده و تهييج لهم في دفع أيدى الأجانب عن بيضة الاسلام و أهله .

فاستثار عليه السّلام نفوسهم بأن العدو طمع فيهم و قصد بلادهم و رمي صفاتهم حتّى لا تفرق كلمتهم و لا تشتت وحدتهم فتذهب ريحهم و العدو هو معاوية الطغام و أتباعه الفجرة اللئام من أهل الشام .

[ 13 ]

ثمّ قال الشارح الفاضل المعتزلي : قوله عليه السّلام الا ترون إلى آخره يدلّ على أن هذه الخطبة بعد انقضاء أمر التحكيم لأن معاوية بعد أن تمّ على أبى موسى من الخديعة ما تمّ استعجل أمره و بعث السرايا إلى اعمال عليّ عليه السّلام ، يقول : قد بلغت غارات أهل الشام حدود الكوفة الّتي هي دار الملك و سرير الخلافة و ذلك لا يكون إلا بعد الاثخان في غيرها من الأطراف .

أقول : كلامه عليه السّلام فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد اللّه بن العبّاس يدلّ على أن هذه الخطبة صدرت منه عليه السّلام في أثناء تشاجر القوم في اختيار الحكمين كما نقلنا قولا آخر نظيره منه عليه السّلام : فعليكم بعبد اللّه بن العبّاس فارموه به فان عمرا لا يعقد عقدة إلا حلّها عبد اللّه إلى آخر ما مر آنفا ، و لو كان بعد انقضاء التحكيم لما كان لكلامه عليه السّلام ذلك مجال .

بل الظاهر من صورة احتجاجه عليه السّلام عليهم يدلّ على أن الخطبة قبل انقضاء أمر التحكيم و إنما قالها عليه السّلام توبيخا لهم بسوء رأيهم و قبح اختيارهم في أبي موسى و تنبيها لهم بأنّ ابن العبّاس ينبغى أن يجعل قبال ابن العاص و لا ينافي هذا قوله عليه السّلام أ لا ترون إلى بلادكم تغزى و إلى صفاتكم ترمى لأن أهل الشام قبل انقضاء أمر التحكيم أيضا كانوا يغزون بلادهم و يرمون صفاتهم و طمعوا فيهم حتّى فعلوا ما فعلوا ، على انه يمكن أن يكون على صورة الاخبار حثّالهم على اغتنام الفرصة و حياطة بيضة الاسلام و ايقاظا لهم بان الأعداء قد أشرفوا عليهم لو ذهبوا إلى رأيهم الفاسد و نظرهم الكاسد .