15 و من ذلك قصّة قتل الهرمزان

و قد قدّمنا الكلام فيه في شرح الخطبة 236 و جملته أن عثمان عطّل الحدّ الواجب في عبيد اللّه بن عمر فانه قتل الهرمزان بعد اسلامه فلم يقده به و قد كان أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام يطلبه لذلك . و تلك القصّة على الاجمال أنّ الهرمزان كان من عظماء فارس و كان قد اسر في بعض الغزوات و جى‏ء به إلى المدينة فأخذه عليّ عليه السّلام فأسلم على يديه فأعتقه عليّ عليه السّلام فلما ضرب عمر في غلس الصبح و اشتبه الأمر في ضاربه سمع ابنه عبيد اللّه قوم يقولون : قتله العلج فظن أنهم يعنون الهرمزان فبادر عبيد اللّه إليه فقتله قبل أن يموت عمر فسمع عمر بما فعله ابنه فقال : قد أخطأ عبيد اللّه إنّ الذي ضربني أبو لؤلؤة و إن عشت لأقيدنّه به فإن عليّا لا يقبل منه الدية و هو مولاه فلما مات عمر و تولى عثمان طالب عليّ عليه السّلام بقود عبيد اللّه و قال : إنّه قتل مولاى ظلما و أنا وليّه فقال عثمان : قتل بالأمس عمر

[ 239 ]

و اليوم يقتل ابنه حسب آل عمر مصابهم به و امتنع من تسليمه إلى عليّ عليه السّلام و منع عليّا حقّه و لهذا قال عليّ عليه السّلام لأن أمكنني الدهر منه يوما لأقتلنّه به فلما ولّى عليّ عليه السّلام هرب عبيد اللّه منه إلى الشّام و التجأ إلى معاوية و خرج معه إلى حرب صفين فقتله عليّ عليه السّلام في حرب صفين قال الأحسائي في المجلى : فانظر إلى عثمان كيف عطل حقّ عليّ عليه السّلام و خالف الكتاب و السنة برأيه و اللّه تعالى يقول « و من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا » .

و قال أبو جعفر الطبر في التاريخ : بعد ما بايع النّاس عثمان جلس في جانب المسجد و دعا عبيد اللّه بن عمرو و كان محبوسا في دار سعد بن أبي وقاص و هو الذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة و الهرمزان و ابنة أبي لؤلؤة و كان يقول : و اللّه لأقتلنّ رجالا ممّن شرك في دم أبي يعرض بالمهاجرين و الأنصار فقام إليه سعد فنزع السيف من يده و جذب شعره حتّى أضجعه إلى الأرض و حبسه في داره حتّى أخرجه عثمان إليه فقال عثمان لجماعة من المهاجرين و الأنصار : أشيروا علىّ في هذا الذي فتق في الاسلام ما فتق ، فقال عليّ أرى أن تقتله فقال بعض المهاجرين : قتل عمر أمس و يقتل ابنه اليوم ؟ فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين إنّ اللّه قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان و لك على المسلمين سلطان إنّما كان هذا الحدث و لا سلطان لك قال عثمان : أنا وليهم و قد جعلتها دية و احتملتها في مالي .

قال : و كان رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد البياضي إذا رأى عبيد اللّه ابن عمر قال :

ألا يا عبيد اللّه ما لك مهرب
و لا ملجأ من ابن أروى و لا خفر

أصبت دما و اللّه في غير حلّه
حراما و قتل الهرمزان له خطر

على غير شي‏ء غير أن قال قائل
أتتّهمون الهرمزان على عمر

فقال سفيه و الحوادث جمة
نعم اتّهمه قد أشار و قد أمر

و كان سلاح العبد في جوف بيته
يقلّبها و الأمر بالأمر يعتبر

[ 240 ]

فشكى عبيد اللّه بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد و شعره فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه قال : فانشأ زياد يقول في عثمان :

أبا عمر و عبيد اللّه رهن
فلا تشكك بقتل الهرمزان

فإنك إن غفرت الجرم عنه
فأسباب الخطا فرسا رهان

أ تعفو إذ عفوت بغير حقّ
فما لك بالذي تحكى يدان

فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه و شذبه .