فلمّا أن أهل مصر جاءوا و شكوا ابن أبي سرح عاملهم فنزلوا المسجد و شكوا إلى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في مواقيت الصّلاة ما صنع بهم ابن أبي سرح فقام طلحة فتكلم بكلام شديد و أرسلت عائشة إلى عثمان فقالت له : قد تقدّم إليك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سألوك عزل هذا الرّجل و كذا دخل عليه عليّ عليه السّلام فقال له :
إنّما يسألونك رجلا مكان رجل و قد ادعوا قبله دما فاعزله عنه و اقض بينهم فإن وجب لهم عليه حق فأنصفهم منه .
فقال : اختاروا رجلا اوليه عليهم . فقالوا : استعمل محمّد بن أبي بكر فكتب عثمان عهده و ولاّه و خرج معه عدد من المهاجرين و الأنصار ينظرون فيما بين ابن أبي سرح و أهل مصر .
فخرج محمّد و من معه حتّى إذا كانوا على مسيرة ثلاث ليال من المدينة في الموضع المعروف بخمس إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير كأنه طالب أو هارب يتعرّض لهم ثمّ يفارقهم ثمّ يرجع إليهم ثمّ يفارقهم و يسيئهم و هو مقبل من المدينة ، فتأملوه فاذا هو ورش غلام عثمان على جمل عثمان فقال له أصحاب محمّد بن أبي بكر : ما قصتك و ما شأنك إن لك لأمرا ؟
فقال : أنا غلام أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر . فقال له رجل : هذا عامل مصر معنا ، قال : ليس هذا اريد . فاخبر محمّد بأمره فبعث في طلبه رجلا فجاء به إليه فقال له : غلام من أنت ؟ فأقبل مرة يقول : أنا غلام مروان ، و مرة يقول : أنا غلام عثمان حتّى عرفه رجل أنّه لعثمان فقال له محمّد : إلى من أرسلك ؟ قال : إلى عامل مصر ، قال : بماذا ؟ قال : برسالة . قال : أ ما معك كتاب ؟ قال : لا ، ففتشوه فلم يجدوا معه كتابا و كانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل فحركوه ليخرج فلم يخرج فشقوا إداوته فاذا فيه كتاب من عثمان إلى عبد اللّه بن ابى سرح عامل مصر .
[ 318 ]
فجمع محمّد من كان معه من المهاجرين و الأنصار ثمّ فكّ الكتاب بمحضر منهم فقرأه فإذا فيه : إذا أتاك محمّد بن أبي بكر و فلان و فلان أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و أبطل كتابهم و قرّ على عملك حتّى يأتيك رأيي .
فلما رأوا الكتاب فزعوا منه و رجعوا إلى المدينة و ختم محمّد الكتاب بخواتم النفر الذين كانوا معه و دفعه إلى رجل منهم ثمّ قدموا المدينة فجمعوا عليّا عليه السّلام و طلحة و الزبير و سعدا و من كان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثمّ فكوا الكتاب بمحضر منهم و أخبرهم بقصة الغلام و أقرأهم الكتاب فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان ، و قام أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فلحقوا بمنازلهم و حصر الناس عثمان و أحاطوا به و منعوه الماء و الخروج و من كان معه و اجلب عليه محمّد بن أبي بكر .
و في تاريخ أبي جعفر الطبري : لما قدموا المدينة أتوا عليّا عليه السّلام فقالوا : ألم تر إلى عدوّ اللّه عثمان إنه كتب فينا بكذا و كذا و إن اللّه قد أحلّ دمه قم معنا إليه قال : و اللّه لا أقوم معكم إلى أن قالوا : فلم كتبت إلينا ؟ فقال : و اللّه ما كتبت إليكم كتابا قطّ فنظر بعضهم إلى بعض ثمّ قال بعضهم لبعض : ألهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون ؟
فانطلق علىّ عليه السّلام فخرج من المدينة إلى قرية ثمّ إنهم انطلقوا حتّى دخلوا على عثمان فقالوا : كتبت فينا بكذا و كذا .
فقال عثمان : إنما هما اثنتان أن تقيموا على رجلين من المسلمين أو يميني باللّه الذي لا إله إلاّ هو ما كتبت و لا أمللت و لا علمت و قد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرّجل و قد ينقش الخاتم على الخاتم . فقالوا : فقد و اللّه أحلّ اللّه دمك و نقضت العهد و الميثاق فحاصروه .
و فيه أيضا لما قدموا المدينة أرسلوا إلى عثمان أ لم نفارقك على أنك زعمت أنك تائب من أحداثك و راجع عما كرهنا منك و أعطيتنا على ذلك عهد اللّه و ميثاقه ؟
قال : بلى أنا على ذلك . قالوا : فما هذا الكتاب الّذي وجدنا مع رسولك و كتبت به إلى عاملك ؟ قال : ما فعلت و لا لى علم بما تقولون . قالوا : بريدك على جملك و كتاب كاتبك عليه خاتمك قال : أمّا الجمل فمسروق ، و قد يشبه الخط الخط ، و أما
[ 319 ]
الخاتم فانتقش عليه . قالوا : فإنا لا نعجل عليك و إن كنّا قد اتهمناك اعزل عنّا عمالك الفساق و استعمل علينا من لا يتّهم على دمائنا و أموالنا و اردد علينا مظالمنا قال عثمان : ما أراني إذا في شيء إن كنت أستعمل من هويتم و أعزل من كرهتم الأمر إذا أمركم . قالوا : و اللّه لتفعلنّ أو لتعزلنّ أو لتقتلنّ فانظر لنفسك أودع ،
فأبى عثمان عليهم و قال : لم أكن لأخلع سربالا سر بلنيه اللّه فحصروه أربعين .