« قتل عثمان »

لما حصر النّاس عثمان في داره منعوه الماء فأشرف على النّاس و قال : ألا أحد يسقينا ؟ قال المسعودي : فبلغ عليّا طلبه للماء فبعث إليه بثلاث قرب ماء فما وصل إليه ذلك حتّى خرج جماعة من موالي بني هاشم و بني اميّه و ارتفع الصوت و كثر الضجيج و أحدقوا بداره بالسلاح و طالبوه بمروان فأبى أن يخلى عنه و في النّاس بنو زهرة لأجل عبد اللّه بن مسعود لأنّه كان من أحلافها . و هذيل لأنّه كان منها و بنو مخزوم و أحلافها لعمار ، و غفار و أحلافها لأجل أبي ذر ، و تيم بن مرّة مع محمّد ابن أبي بكر و غير هؤلاء من خلق كثير .

قال الطبري : كان الحصر أربعين ليلة و النزول سبعين فلمّا مضت من الأربعين ثمان عشرة قدم ركبان من الوجوه فأخبروا خبر من تهيأ إليهم من الآفاق : حبيب من الشام و معاوية من مصر و القعقاع من الكوفة و مجاشع من البصرة فعندها حالوا بين النّاس و بين عثمان و منعوه كلّ شي‏ء حتّى الماء و قد كان يدخل علىّ عليه السّلام بالشي‏ء ممّا يريد و طلبوا العلل فلم تطلع عليهم علّة فعثروا في داره بالحجارة ليرموا فيقولوا قوتلنا و ذلك ليلا .

فناداهم عثمان : ألا تتقون اللّه ألا تعلمون أنّ في الدار غيري ؟ قالوا : لا و اللّه ما رميناك قال : فمن رمانا ؟ قالوا : اللّه ، قال : كذبتم إنّ اللّه عزّ و جلّ لو رمانا لم

[ 331 ]

يخطئنا و أنتم تخطئوننا و أشرف عثمان على آل حزم و هم جيرانه فسرح ابنا لعمرو إلى علىّ بأنّهم قد منعونا الماء فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من الماء فافعلوا و إلى طلحة و الزبير و إلى عائشة و أزواج النّبيّ فكان أوّلهم إنجادا له عليّ و امّ حبيبة جاء عليّ عليه السّلام في الغلس فقال : يا أيّها النّاس إنّ الّذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين و لا أمر الكافرين لا تقطعوا عن هذا الرّجل المادّة فان الرّوم و فارس لتأسر فتطعم و تسقى .

قال الدينوري في الإمامة و السياسة و المسعودي و الطبري : بعث عثمان إلى عليّ عليه السّلام يخبره أنّه منع من الماء و يستغيث به فبعث إليه عليّ عليه السّلام ثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل إليه فقال طلحة : ما أنت و هذا ؟ و كان بينهما في ذلك كلام شديد فبينما هم كذلك إذا أتاهم آت فقال لهم : إنّ معاوية قد بعث من الشام يزيد بن أسيد ممدّا لعثمان في أربعة آلاف من خيل الشام فاصنعوا ما أنتم صانعون و إلاّ فانصرفوا .

قال المسعودي : فلمّا بلغ عليّا أنّهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن و الحسين و مواليه بالسلاح إلى بابه لنصرته و أمرهم أن يمنعوه منهم و بعث الزبير ابنه عبد اللّه على كره و بعث طلحة ابنه محمّدا كذلك و أكثر أبناء الصحابة أرسلهم آباؤهم اقتداء بهم فصدوهم عن الدار فاشتبك القوم و جرح الحسن و شج قنبر و جرح محمّد بن طلحة فخشى القوم أن يتعصب بنو هاشم و بنو اميّة فتركوا القوم في القتال على الباب و مضى نفر منهم إلى دار قوم من الأنصار فتسوروا عليها و كان ممّن وصل إليه محمّد بن أبي بكر و رجلان آخران و عند عثمان زوجته نائلة و أهله و مواليه مشاغيل بالقتال فصرعه محمّد و قعد على صدره و أخذ بلحيته و قال : يا نعثل ما أغنى عنك معاوية و ما اغنى عنك ابن عامر و ابن أبي سرح .

فقال له عثمان : يا ابن أخي دع عنك لحيتى فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه فقال محمّد : لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك و ما اريد بك أشد من قبضي على لحيتك و خرج عنه إلى الدار و تركه فدعا عثمان بوضوء فتوضأ و أخذ

[ 332 ]

مصحفا فوضعه في حجره ليحترم به و دخل الرجلان فوجداه فقتلاه يقال لأحدهما الموت الأسود خنق عثمان ثمّ خفقه ثمّ خرج فقال و اللّه ما رأيت شيئا قط ألين من حلقه و اللّه لقد خنقته حتّى رأيت نفسه تتردّد في جسده كنفس الجان .

قال الطبري : فدخل عليه كنانة بن بشر التجيبي فأشعره مشقصا فانتضح الدم على هذه الآية فسيكفيكهم اللَّه و هو السميع العليم .

قال الدّينوري : لمّا أخذ مصحفا فوضعه في حجره ليحترم به دخل عليه رجل من أهل الكوفة بمشقص في يده فوجأ به منكبه ممّا يلى الترقوة فأدماه و نضح الدّم على ذلك المصحف و جاء آخر فضربه برجله و جاء آخر فوجأه بقائم سيفه فغشى عليه و محمّد بن أبي بكر لم يدخل مع هؤلاء فتصايح نساؤه و رش الماء على وجهه فأفاق ، فدخل محمّد بن أبي بكر و قد أفاق فقال له : أى نعثل غيّرت و بدّلت و فعلت ثمّ دخل رجل من أهل مصر فأخذ بلحيته فنتف منها خصلة و سلّ سيفه و قال : افرجوا لي فعلاه بالسيف فتلقاه عثمان بيده فقطعها ثمّ دخل رجل آخر و هو كنانة بن بشر ابن عتاب التجيبي و معه جرز آخر من حديد فمشى إليه فقال : على أى ملّة أنت يا نعثل ؟ فقال : لست بنعثل و لكنى عثمان بن عفان و أنا على ملّة إبراهيم حنيفا و ما أنا من المشركين قال : كذبت و ضربه بالجرز على صدغه الأيسر فغسله الدّم و خرّ على وجهه و قد قيل : ان عمرو بن الحمق طعنه بسهام تسع طعنات و كان فيمن مال عليه عمير بن ضابى‏ء البرجمي التميمي و خضخض بسيفه بطنه .

و قال الطبريّ : رفع كنانة مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل اذن عثمان فمضت حتّى دخلت في حلقه ثمّ علاه بالسيف حتى قتله ، و روى رواية اخرى أن كنانة ضرب جبينه و مقدم رأسه بعمود حديد فخرّ لجبينه فضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خرّ لجبينه فقتله .

فصرخت امرأته و قالت : قد قتل أمير المؤمنين فدخل الحسن و الحسين و من كان معهما من بني امية فوجدوه قد فاضت نفسه قال المسعودي : فبلغ ذلك عليّا و طلحة و الزبير و سعدا و غيرهم من المهاجرين و الأنصار فاسترجع القوم و دخل عليّ عليه السّلام

[ 333 ]

الدار و هو كالواله الحزين فقال لابنيه : كيف قتل أمير المؤمنين و أنتما على الباب و لطم الحسن و ضرب الحسين و شتم محمّد بن طلحة و لعن عبد اللّه بن الزبير .

و قال عليّ عليه السّلام لزوجته نائلة بنت الفرافصة : من قتله و أنت كنت معه ؟ فقالت دخل إليه رجلان و قصت خبر محمّد بن أبي بكر فلم ينكر ما قالت و قال : و اللّه لقد دخلت عليه و أنا اريد قتله فلما خاطبني بما قال خرجت و لا أعلم بتخلّف الرّجلين عنّى ،

و اللّه ما كان لي في قتله سبب و لقد قتل و أنا لا أعلم بقتله ، و كان مدّة ما حوصر عثمان في داره تسعا و اربعين يوما و قيل أكثر من ذلك .