كان الزّبير ممن ولّى يوم الجمل مدبرا و عدّه الطبريّ في التاريخ ممّن انهزم يوم الجمل فاختفى و مضى في البلاد قال : كتب إليّ السريّ عن شعيب عن سيف عن محمّد و طلحة قالا : و مضى الزبير في صدر يوم الهزيمة راجلا نحو المدينة فقتله ابن جرموز ، و ممّن ولّى مدبرا مروان بن الحكم و أوى إلى أهل بيت من عنزة و عدّ نفرا كثيرا منهم في تاريخه .
و قد تظافرت الأخبار عن الفريقين أنّ أمير المؤمنين عليا عليه السّلام خرج بنفسه حاسرا على بغلة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله الشهباء بين الصفين ، فنادى يا زبير اخرج إليّ فخرج شائكا في سلاحه فدنا إليه حتى اختلفت أعناق دابّتيهما فقال له عليّ :
ويحك يا زبير ما الّذي أخرجك ؟ قال : دم عثمان ، قال : قتل اللَّه أولانا بدم عثمان أما تذكر يوما لقيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في بني بياضة و هو راكب حماره فضحك إليّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله وضحكت أنت معه فقلت أنت : يا رسول اللَّه ما يدع عليّ زهوه فقال لك : ليس به زهو ، أتحبّه يا زبير ؟ فقلت : إني و اللَّه لاحبّه فقال لك : إنّك
[ 70 ]
و اللَّه ستقاتله و أنت له ظالم .
فقال الزبير : أستغفر اللَّه لو ذكرتها ما خرجت ، فقال عليه السّلام : يا زبير ارجع فقال : و كيف أرجع الآن و قد التقت حلقتا البطان ، هذا و اللَّه العار الّذي لا يغسّل فقال : يا زبير ارجع بالعار قبل أن تجمع العار و النار ، فانصرف الزبير و دخل على عائشة فقال : يا امّاه ما شهدت موطنا قطّ في الشرك و لا في الإسلام إلاّ ولي فيه رأي و بصيرة غير هذا الموطن ، فانّه لا رأي لي فيه و لا بصيرة ، و على نقل الدينوري في الامامة و السياسة قال : و إني لعلى باطل ، قالت له عائشة : يا أبا عبد اللَّه خفت سيوف بني عبد المطلب ، فقال : أما و اللَّه إنّ سيوف بني عبد المطلب طوال حداد يحملها فتية أنجاد .
و قال المسعوديّ في مروج الذهب : و لما رجع الزبير عن الحرب قال ابنه عبد اللَّه : أين تدعنا ؟ فقال : يا بنيّ أذكرني أبو حسن بأمر كنت قد أنسيته قال : بل خفت سيوف بني عبد المطلب فانها طوال حداد يحملها فتية أنجاد فقال : لا و اللَّه و لكني ذكرت ما أنسانيه الدّهر فاخترت العار على النار أبا لجبن تعيّرني لا أبا لك ؟ ثمّ أمال سنانه و شدّ في الميمنة فقال عليّ عليه السّلام : افرجوا له فقدها جوه ثمّ رجع فشدّ في الميسرة ، ثمّ رجع فشدّ في القلب ، ثمّ عاد إلى ابنه فقال : أيفعل هذا جبان .
و قال الدينوري : إنّ الزبير قال لابنه عبد اللَّه حينئذ : عليك بحربك . أمّا أنا فراجع إلى بيتي ، فقال له ابنه عبد اللَّه : الآن حين التقت حلقتا البطان و اجتمعت الفئتان ، و اللَّه لا نغسل رؤسنا منها ، فقال الزبير لابنه : لا تعد هذا منّي جبنا ، فو اللَّه ما فارقت أحدا في جاهلية و لا إسلام ، قال : فما يردّك ؟ قال : يردّني ما إن علمته كسرك .
ثمّ انصرف الزبير راجعا إلى المدينة حتى أتى وادي السباع و الأحنف بن قيس معتزل في قومه من بني تميم ، فأتاه آت فقال له : هذا الزّبير مارّ ، فقال :
ما أصنع بالزّبير ؟ و قد جمع بين فئتين عظيمتين من الناس يقتل بعضهم بعضا و هو مارّ إلى منزله سالما .
فلحقه نفر من بني تميم فسبقهم إليه عمرو بن جرموز التميمي فقال للزبير :
[ 71 ]
يا أبا عبد اللَّه أحييت حربا ظالما أو مظلوما ثمّ تنصرف ؟ أ تائب أنت أم عاجز ؟ فسكت عنه ، ثمّ عاوده فقال له : يا أبا عبد اللَّه حدّثني عن خصال خمس أسألك عنها ، فقال :
هات . قال : خذلك عثمان ، و بيعتك عليا ، و إخراجك امّ المؤمنين ، و صلاتك خلف ابنك ، و رجوعك عن الحرب .
فقال الزبير : نعم اخبرك أمّا خذلي عثمان فأمر قدّر اللَّه فيه الخطيئة و أخّر التوبة ، و أمّا بيعتي عليّا فو اللَّه ما وجدت من ذلك بدّا حيث بايعه المهاجرون و الأنصار و خشيت القتل ، و أمّا إخراجنا امّنا عائشة فأردنا أمرا و أراد اللَّه غيره ، و أمّا صلاتي خلف ابني فإنما قدّمته عائشة امّ المؤمنين و لم يكن لي دون صاحبي أمر و أمّا رجوعي عن هذا الحرب فظنّ بي ما شئت غير الجبن .
فقال ابن جرموز : و الهفا على ابن صفيّة أضرم نارا ثمّ أراد أن يلحق بأهله قتلني اللَّه إن لم أقتله و سار معه ابن جرموز و قد كفر على الدّرع ، فلمّا انتهى إلى وادي السباع استغفله فطعنه .
و قال المسعوديّ في مروج الذهب : و قد نزل الزبير إلى الصلاة فقال لابن جرموز : أتؤمّني أو أؤمّك ؟ فأمّه الزّبير فقتله عمرو في الصلاة ، و أتى عمرو عليا بسيف الزبير و خاتمه و رأسه و قيل : إنه لم يأت برأسه فقال عليّ عليه السّلام : سيف طال ما جلى به الكرب عن وجه رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله ، و لكن الحين و مصارع السوء ، و قاتل ابن صفيّة في النار ، ففي ذلك يقول ابن جرموز :
أتيت عليا برأس الزبير
و كنت ارجّي به الزلفة
فبشّر بالنّار قبل العيان
و بئس بشارة ذي التحفة
فقلت إنّ قتل الزبير
لو لا رضاك من الكلفة
فان ترض ذلك فمنك الرضا
و إلاّ فدونك لي حلفة
و ربّ المحلّين و المحرمين
و ربّ الجماعة و الألفة
لسيّان عندي قتل الزبير
و ضرطة عنز بذي الجحفة