« كلام أمير المؤمنين عليه السلام عند تطوفه على القتلى و تكليمه اياهم »

نقل كلامه عليه السّلام عند تطوّفه على القتلى الشيخ الأجلّ المفيد في الجمل و الارشاد و بعضه العالم الجليل الطبرسي في الاحتجاج و ذكر طائفة منه في غيرهما من الجوامع :

ففي الجمل لمّا انجلت الحرب بالبصرة و قتل طلحة و الزبير و حملت عائشة إلى قصر بني خلف ركب أمير المؤمنين عليه السّلام و تبعه أصحابه و عمّار بن ياسر رحمه اللَّه يمشي مع ركابه حتّى خرج إلى القتلى يطوف عليهم ، فمرّ بعبد اللَّه بن خلف الخزاعي و عليه ثياب حسان مشهرة فقال الناس : هذا و اللَّه رأس الناس ، فقال عليه السّلام : ليس برأس الناس و لكنّه شريف منيع النفس .

ثمّ مرّ بعبد الرّحمن بن عتاب بن أسيد فقال : هذا يعسوب القوم و رأسهم كما تروه ، ثمّ جعل يستعرض القتلى رجلا رجلا ، فلمّا رأى أشراف قريش صرعى في جملة القتلى قال :

جدعت أنفي أما و اللَّه إن كان مصرعكم لبغيضا إليّ و لقد تقدّمت إليكم و حذّرتكم عضّ السيوف و كنتم أحداثا لا علم لكم بما ترون ، و لكن الحين و مصارع السوء و نعوذ باللَّه من سوء المصرع .

و في مروج الذّهب : و وقف عليه السّلام على عبد الرّحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن اميّة و هو قتيل يوم الجمل فقال :

لهفي عليك يعسوب قريش قتلت الغطاريف من بني عبد مناف شفيت نفسي و جدعت أنفي ، فقال له الأشتر : ما أشدّ جزعك عليهم يا أمير المؤمنين ، و قد أرادوا بك ما نزل بهم ؟ فقال لي : إنه قامت عني و عنهم نسوة لم يقمن عنك .

قال : و اصيب كفّ ابن عتاب بمنى ألقاها عقاب و فيها خاتم نقشه : عبد الرّحمن بن عتاب ، و كان اليوم الّذي وجد فيه الكفّ بعد يوم الجمل بثلاثة أيام .

[ 82 ]

أقول : الظاهر أنّ قصة الكفّ لا تخلو من اختلاق و فرية و إن نقلها أبو جعفر الطبري أيضا .

ثمّ سار حتّى وقف على كعب بن سور القاضي و هو مجدّل بين القتلى و في عنقه المصحف فقال : نحّوا المصحف و ضعوه في مواضع الطهارة ، ثمّ قال : اجلسوا لي كعبا فاجلس و رأيته ينخفض إلى الأرض فقال : يا كعب بن سور قد وجدت ما وعدني ربّي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ؟ ثمّ قال : اضجعوا كعبا .

و قال في الارشاد : ثمّ مرّ بكعب بن سور فقال : هذا الّذي خرج علينا في عنقه المصحف يزعم أنّه ناصر امّه يدعو الناس إلى ما فيه و هو لا يعلم ما فيه ، ثمّ استفتح فخاب كلّ جبّار عنيد أما إنه دعا اللَّه أن يقتلني فقتله اللَّه ، اجلسوا كعب بن سور فاجلس فقال له : يا كعب لقد وجدت . الخ .

و قال الطبرىّ في التاريخ : قد كان كعب بن سور أخذ مصحف عائشة فبدر بين الصفين يناشدهم اللَّه عزّ و جلّ في دمائهم و اعطى درعه فرمى بها تحته و اتي بترسه فتنكّبه فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه فكان أوّل مقتول بين يدي عائشة من أهل الكوفة ثمّ روى عن مخلّد بن كثير عن أبيه قال : أرسلنا مسلم بن عبد اللَّه يدعو بني أبينا فرشقه أصحاب الجمل رشقا واحدا كما صنع بكعب فقتلوه فكان أوّل من قتل بين يدي أمير المؤمنين عليه السّلام .

ثمّ مرّ عليه السّلام بطلحة بن عبيد اللَّه فقال : هذا الناكث بيعتي و المنشى‏ء الفتنة في الامّة و المجلب عليّ و الدّاعي إلى قتلي و قتل عترتي اجلسوا طلحة بن عبيد اللَّه فاجلس فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام : يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربّي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا ، ثمّ قال : اضجعوا طلحة و سار فقال له بعض من كان معه : يا أمير المؤمنين أتكلئم كعبا و طلحة بعد قتلهما ؟ فقال : أم و اللَّه لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله يوم بدر ، و لو أذن لهما فى الجواب لرأيت عجبا ، و يعني بالقليب بئر بدر .

و قد مضى كلامه عليه السّلام لما مرّ بطلحة و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد و هما

[ 83 ]

قتيلان يوم الجمل : لقد أصبح أبو محمد بهذا المكان غريبا أما و اللَّه لقد كنت الخ .

( الكلام 217 من باب الخطب ) .

و مرّ عليه السّلام بمعيد بن المقداد بن عمر و هو في الصرعى فقال عليه السّلام : رحم اللَّه أبا هذا إنما كان رأيه فينا أحسن من رأي هذا ، فقال عمّار : الحمد للَّه الّذي أوقعه و جعل خدّه الأسفل إنّا و اللَّه يا أمير المؤمنين لانبا لي عمّن عند عن الحقّ من ولد و والد ، فقال عليه السّلام : رحمك اللَّه يا عمّار و جزاك اللَّه عن الحقّ خيرا .

و مرّ بعبد اللَّه بن ربيعة بن درّاج و هو في القتلى فقال : هذا البائس ما كان أخرجه ؟ أدين أخرجه أم نصر لعثمان ؟ و اللَّه ما كان رأي عثمان فيه و لا في أبيه بحسن .

ثمّ مرّ بمعيد بن زهير بن أبي امية فقال : لو كانت الفتنة برأس الثريّا لتناولها هذا الغلام ، و اللَّه ما كان فيها بذي نخيرة و لقد أخبرني من أدركه و أنه ليولول فرقا من السّيف .

بيان : قيل : النخيرة . صوت في الأنف ، يريد عليه السّلام أنّه كان يخاف من الحرب و لم يكن فيها صوت . و أقول : كذا مذكورة في إرشاد المفيد و لكنه تصحيف و أصله كما في جمله : و اللَّه ما كان فيها بذي مخبرة ، و المخبر و المخبرة بفتح الأوّل و الثالث و بضمّ الثالث في الثاني أيضا العلم بالشي‏ء و الوقوف عليه ، فالمراد أنه كان غلاما حدثا غمرا لا علم له بعواقب الامور و آداب الحرب و القتال و نحوها ، فلا حاجة إلى ذلك التكلف الناشي من التحريف .

ثمّ مرّ بمسلم بن قرظة فقال : البرّ أخرج هذا و اللَّه لقد كلّمني أن اكلّم عثمان في شي‏ء كان يدّعيه قبله بمكّة ، فلم أزل به حتّى أعطاه و قال لي : لو لا أنت ما اعطيته ، إن هذا ما علمت ، بئس أخو العشيرة ثمّ جاء المشوم للحين ينصر عثمان .

ثمّ مرّ بعبد اللَّه بن حميد بن زهير فقال : هذا أيضا ممّن أوضع في قتالنا زعم يطلب اللَّه بذلك ، و لقد كتب إليّ كتابا يوذي عثمان فيها فأعطاه شيئا فرضي عنه

[ 84 ]

و في الجمل ثمّ مرّ بعبد اللَّه بن عمير بن زهير قال : هذا أيضا ممّن أوضع في قتلانا يطلب بزعمه دم عثمان و لقد كتب الخ .

ثمّ مرّ بعبد اللَّه بن حكيم بن حزام فقال : هذا خالف أباه في الخروج و أبوه حين لم ينصرنا قد أحسن في بيعته لنا ، و إن كان قد كفّ و جلس حين شكّ في القتال ما ألوم اليوم من كفّ عنّا و عن غيرنا و لكنّ المليم الّذي يقاتلنا .

ثمّ مرّ بعبد اللَّه بن المغيرة بن الأخنس فقال : أمّا هذا فقتل أبوه يوم قتل عثمان في الدّار فخرج مغضبا لقتل أبيه و هو غلام حدث جبن لقتله ، و في الجمل فخرج غضبا لمقتل أبيه و هو غلام لا علم له بعواقب الامور .

ثمّ مرّ بعبد اللَّه بن أبي عثمان بن الأخنس بن شريق فقال : أما هذا فكأني أنظر إليه و قد أخذ القوم السيوف هاربا يعدو من الصفّ فنهنهت عنه فلم يسمع من نهفت حتى قتله و كان هذا ممّا خفي على فتيان قريش أغمار لا علم لهم بالحرب خدعوا و استزلّوا فلمّا و قفوا لحجوا فقتلوا .

ثمّ أمر عليه السّلام مناديه فنادى : من أحبّ أن يواري قتيله فليواره ، و قال عليه السّلام واروا قتلانا في ثيابهم الّتي قتلوا فيها فإنّهم يحشرون على الشهادة و إنّي لشاهد لهم بالوفاء .

ثمّ رجع إلى خيمته و استدعى عبد اللَّه بن أبي رافع و كتب كتابا إلى أهل المدينة ، و آخر إلى أهل الكوفة أخبرهم بالفتح و عمّا جرى عليهم من فعل القوم و نكثهم و مقاتلتهم و غيرها ممّا وقعت في وقعة الجمل ، و قد نقلنا الكتب في صدر شرح هذا الكتاب فلا عائدة إلى الإعادة .