قال الفيض في تفسير الصافي عند قوله تعالى : و ما جعلنا الرؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنة للنّاس و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً ( الأسراء 63 ) :
العيّاشيّ عن الباقر عليه السّلام أنّه سئل عن قوله تعالى : و ما جعلنا الرؤيا الّتي أريناك ؟ فقال : إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله اري أنّ رجالا من بني تيم و عديّ على المنابر يردون النّاس عن الصراط القهقرى قيل : و الشجرة الملعونة ؟ قال : هم بنو اميّة .
و عن الصادق عليه السّلام مثله إلاّ أنّه قال : رأى أنّ رجالا على المنابر يردّون النّاس ضلالا رزيق و زفر .
أقول : و هما كنايتان عن الأوّلين و تيم و عديّ جدّاهما .
قال : و في رواية اخرى عنه عليه السّلام : أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قد رأى رجالا من
[ 48 ]
نار على منابر من نار يردّون الناس على أعقابهم القهقرى قال : و لسنا نسمّي أحدا ،
و في اخرى : إنّا لا نسمّي الرجال و لكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله رأى قوما على منبره يضلّون الناس بعده على الصراط القهقرى .
و في رواية اخرى قال : رأيت اللّيلة صبيان بني اميّة يرقون على منبري هذا فقلت : يا ربّ معي ؟ فقال : لا و لكن بعدك .
و في الكافي عن أحدهما عليهما السّلام : أصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوما كئيبا حزينا فقال له عليّ عليه السّلام : مالى أراك يا رسول اللّه كئيبا حزينا ؟ فقال : و كيف لا أكون كذلك و قد رأيت في ليلتي هذه انّ بني تميم و بني عديّ و بني اميّة يصعدون منبري هذا يردّون النّاس عن الإسلام القهقرى ، فقلت ، يا ربّ في حياتي أو بعد موتي ؟ فقال : بعد موتك .
أقول : معنى هذا الخبر مستفيض بين الخاصّة و العامّة إلاّ أنّ العامّة رووا تارة أنّه رأى قوما من بني اميّة يرقون منبره و ينزون عليه نزو القردة فقال هو حظّهم من الدّنيا يعطونه بإسلامهم :
و اخرى انّ قرودا تصعد منبره و تنزل فساءه ذلك و اغتمّ به .
و القمّي قال : نزلت لما رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله في نومه كأنّ قرودا تصعد منبره فساءه ذلك و غمّه غمّا شديدا فأنزل اللّه : و ما جعلنا الرؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنة لهم ليعمهوا فيها و الشجرة الملعونة كذا نزلت و هم بنو اميّة .
و العياشيّ عن الباقر عليه السّلام و ما جعلنا الرؤيا الّتي أريناك إلاّ فتنة لهم ليعمهوا فيها و الشجرة الملعونة في القرآن يعني بني اميّة .
و مضمرا أنّه سئل عن هذه الاية فقال : إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله نام فرأى أنّ بني اميّة يصعدون منبره يصدّون الناس كلّما صعد منهم رجل رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله الذلّة و المسكنة فاستيقظ جروعا من ذلك فكان الّذين رآهم اثنى عشر رجلا من بني اميّة فأتاهم فأتاه جبرئيل عليه السّلام بهذه الاية ، ثمّ قال جبرئيل : إنّ بني اميّة لا يملكون شيئا إلاّ ملك أهل البيت ضعفيه .
[ 49 ]
و في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث قال : أما إنّ معاوية و ابنه سيليانها بعد عثمان ثمّ يليها سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص واحدا بعد واحد يكمله اثنى عشر إمام ضلالة و هم الّذين رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على منبره يردّون الامّة على أدبارهم القهقرى ، عشرة منهم من بني امية و رجلان أسّسا ذلك لهم و عليهما أوزار هذه الامّة إلى يوم القيامة .
و في مقدّمة الصحيفة السجّاديّة عن الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أخذته نعسة و هو على منبره فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة يردّون الناس على أعقابهم القهقرى فاستوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله جالسا و الحزن يعرف في وجهه فأتاه جبرئيل بهذه الاية : « و ما جعلنا الرؤيا الّتي أريناك » الاية يعني بني اميّة .
قال : يا جبرئيل أعلى عهدي يكونون و في زمني ؟ قال : لا و لكن تدور رحى الاسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا ثمّ تدور رحى الاسلام على رأس خمس و ثلاثين مر مهاجرك فتلبث بذلك خمسا ثمّ لا بدّ من رحى ضلالة في قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة ، قال : و أنزل اللّه في ذلك : إنّا أنزلناه في ليلة القدر و ما أدريك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تملكها بنو اميّة ليس فيها ليلة القدر فاطّلع اللّه نبيّه انّ بني اميّة تملك سلطان هذه الامّة و ملكها و طول هذه الامّة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتّى يأذن اللّه بزوال ملكهم و هم في ذلك مستشعرون عداوتنا أهل البيت و بغضنا أخبر اللّه نبيّه بما يلقى أهل بيت محمّد و أهل مودّتهم و شيعتهم منهم في أيّامهم و ملكهم .
أقول : إنّما أرى صلّى اللّه عليه و اله ردّ النّاس عن الإسلام القهقرى لأنّ الناس كانوا يظهرون الإسلام و كانوا يصلّون إلى القبلة و مع هذا كانوا يخرجون عن الإسلام شيئا فشيئا كالّذي يرتدّ عن الصراط السوي القهقرى و يكون وجهه إلى الحقّ حتّى إذا بلغ غاية سعيه رأى نفسه في الجحيم .
و في الاحتجاج عن الحسن بن عليّ عليهما السّلام في حديث انّه قال لمروان بن الحكم :
أمّا أنت يا مروان فلست أنا سببتك و لا سببت أباك و لكن اللّه عزّ و جلّ لعنك و لعن
[ 50 ]
أباك و أهل بيتك و ذرّيتك و ما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان محمّد صلّى اللّه عليه و اله يا مروان ما تنكر أنت و لا أحد ممّن حضر هذه الامّة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله لك و لأبيك من قبلك و ما زادك اللّه يا مروان بما خوّفك إلاّ طغيانا كبيرا و صدق اللّه و صدق رسوله يقول اللّه تعالى : و الشجرة الملعونة في القرآن و نخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً و أنت يا مروان و ذريّتك الشجرة الملعونة في القرآن .
عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث و جعل أهل الكتاب القائمين به و العاملين بظاهره و باطنه من شجرة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت و جعل أعدائها أهل الشجرة الملعونة الّذين حاولوا إطفاء نور اللّه بأفواههم و يأبى اللّه إلاّ أن يتمّ نوره و لو علم المنافقون لعنهم اللّه ما عليهم من ترك هذه الايات الّتي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه .
أقول : و في قوله سبحانه : فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً لطافة لا يخفى .
انتهى ما أتى به الفيض قدّس سرّه في هذا المقام من تفسيره .