لا كلام في أنّ الخدعة في نفسها قبيحة تنفر الطباع عنها . روى الكلينيّ في الكافي بإسناده عن هشام بن سالم رفعه قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : لو لا أنّ المكر و الخديعة في النّار لكنت أمكر النّاس ( الوافي ص 156 ج 3 ) و قد رفع قبحها في الحرب فإنّ الغرض الأسنى من الجهاد قمع اصول الفساد ، و قطع فروعه و قد جوّز الشارع تعالى التوصّل بالخدعة في حضرة القتال إلى ذلك ، و تنفذه الأحلام و تقبله الطّباع لذلك .
قال العلاّمة قدّس سرّه في آخر المقصد الثاني من جهاد المنتهى ( ص 913 من الطبع الرحلي على الحجر 1333 ه ) : يجوز المخادعة في الحرب و يجوز للمبارز أن يخدع قرنه ليتوصّل بذلك إلى قتله إجماعا ، روى الجمهور أن عمرو بن عبدود بارز عليّا عليه السّلام فقال : ما احبّ قتلك يا ابن أخي ، فقال عليّ عليه السّلام : لكنّي احبّ أن أقتلك فغضب عمرو و أقبل عليه ، فقال عليّ عليه السّلام : ما برزت لا قاتل اثنين ،
فالتفت عمرو فوثب عليّ عليه السّلام فضربه ، فقال عمرو : خدعتني ، فقال عليّ عليه السّلام :
الحرب خدعة ، انتهى ما أردنا من نقل كلامه .
و روى شيخ الطائفة قدّس سرّه في باب أنّ الحرب خدعة من جهاد التهذيب بإسناده عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السّلام أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول :
لأن يخطفني الطّير أحبّ إليّ من أن أقول على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ما لم يقل ، سمعت
[ 213 ]
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول يوم الخندق : الحرب خدعة ، يقول : تكلّموا بما أردتم ،
( الوافي ص 21 ج 9 ) .
و فيه بإسناده عن مصعدة بن صدقة قال : حدّثني شيخ من ولد عديّ بن حاتم عن أبيه ، عن جدّه عديّ بن حاتم و كان مع عليّ عليه السّلام في غروته أنّ عليّا عليه السّلام قال يوم التقى هو و معاوية بصفّين فرفع بهم صوته يسمع أصحابه : و اللّه لأقتلنّ معاوية و أصحابه ثمّ قال في آخر قوله : إن شاء اللّه خفض بها صوته فكنت منه قريبا فقلت : يا أمير المؤمنين إنّك حلفت على ما قلت ثمّ استثنيت فما أردت بذلك ؟ فقال :
إنّ الحرب خدعة و أنا عند المؤمنين غير كذوب فأردت أن احرّض أصحابي عليهم لكيلا يفشلوا و لكي يطمعوا فيهم فافهم فانّك تنتفع بها بعد اليوم إن شاء اللّه ، و اعلم أنّ اللّه عزّ و جلّ قال لموسى حيث أرسله إلى فرعون : « فأتياه فقولا له قولا ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى » و قد علم أنّه لا يتذكّر و لا يخشى و لكن ليكون ذلك أحرص لموسى عليه السّلام على الذّهاب ، ( الوافي ص 95 ج 7 و ص 22 ج 9 ) ، و رواه في البحار عن تفسير العياشي ( ص 98 ج 21 من الطبع الكمباني ) .
و في الباب السابع و الثلاثين من أخلاق محتشمي للخواجة الطّوسي قدّس سرّه :
كان النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إذا أراد سفرا ورّى إلى غيره و قال : الحرب خدعة .
و في مروج الذهب للمسعودي ( ص 6 ج 2 ) قال ابن عبّاس لعليّ عليه السّلام :
يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع أما سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يقول : الحرب خدعة ؟
فقال عليّ عليه السّلام : بلى . و سيأتي تمام كلامهما في شرح الكتاب السابع عشر إن شاء اللّه تعالى .
و في الجامع الصغير للسّيوطي عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله : الحرب خدعة .
و روى الكلينيّ في الكافي بإسناده عن صفوان ، عن أبي مخلّد ( محمّد خ ) السّرّاج ، عن عيسى بن حسّان قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول : كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه يوما إلاّ في ثلاثة : رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه ، أو رجل
[ 214 ]
أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا يريد بذلك الاصلاح فيما بينهما ، أو رجل وعد أهله شيئا و هو لا يريد أن يتمّ لهم ، ( الوافي ص 158 ج 3 ) .
و في الكامل لأبي العبّاس المبرّد ( ص 193 ج 2 طبع مصر ) ناقلا عن المهلّب قال : انّه جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قوله : « كلّ كذب يكتب كذبا إلاّ ثلاثة :
الكذب في الصلح بين الرجلين ، و كذب الرّجل لامرأته يعدها ، و كذب الرّجل في الحرب يتوعّد و يتهدّد .
و قال : و جاء عنه صلّى اللّه عليه و اله إنّما أنت رجل فخذلّ عنّا فانّما الحرب خدعة .
قال : و قال عليه السّلام في حرب الخندق لسعد بن عبادة و سعد بن معاذ و هما سيّد الحيّين الخزرج و الأوس : « ائتيا بني قريظة فإن كانوا على العهد فأعلنا بذلك و إن كانوا قد نقضوا ما بيننا فالحنالي لحنا أعرفه و لا تفتّا في أعضاد المسلمين » فرجعا بغدر القوم فقالا يا رسول اللّه : عضل و القارة فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله للمسلمين :
ابشروا فإنّ الأمر ما تحبّون .
قال الأخفش : سألت المبرّد عن قولهما عضل و القارة فقال : هذان حيّان كانا في نهاية العداوة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأرادا أنّهم في الإنحراف عنه و الغدر به كهاتين القبيلتين .
قال ابن إسحاق : لمّا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى بدر نزل قريبا منه فركب هو و رجل من أصحابه يتعرّفان أخبار قريش حتّى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش ، و عن محمّد و أصحابه ، و ما بلغه عنهم فقال الشيخ : لا اخبر كما حتّى تخبراني ممّن أنتما ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله : إذا أخبرتنا أخبرناك ، قال : أذاك بذاك ؟ قال : نعم ، قال الشيخ : فانّه بلغني أنّ محمّدا و أصحابه خرجوا يوم كذا و كذا ، فإن كان صدق الّذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا و كذا للمكان الّذي به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و بلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا و كذا ، فإن كان الّذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا و كذا للمكان الّذي فيه قريش فلمّا فرغ من خبره قال : ممّن أنتما ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله : نحن ماء ثمّ انصرف عنه فجعل الشيخ
[ 215 ]
يقول : نحن من ماء من ماء العراق أو ماء كذا أو ماء كذا ، نقله ابن هشام في السيرة النبويّة ( ج 1 ص 616 من طبع مصر 1375 ه ) ، و ابن قتيبة الدينوري في باب الحيل في الحروب من كتاب الحرب من عيون الأخبار ( ص 194 ج 1 طبع مصر 1383 ه ) .
و اعلم أنّ ما قدّمناه من جواز الخدعة في الحرب هو غير الغدر بهم أي قتالهم و قتلهم بغتة بعد الأمان ، و الغدر ترك الوفاء و نقض العهد ، قال شيخ الطائفة قدّس سرّه في جهاد المبسوط : من أذمّ مشركا أو غير مشرك ثمّ خفره و نقض ذمامه كان غادرا آثما .
و إنّما لا يجوز الغدر بهم لقوله تعالى : أوفوا بالعقود و لقوله صلّى اللّه عليه و اله :
« لا تغلوا و لا تمثلوا و لا تغدروا » و غيره من الأخبار الواردة في النهي عن الغدر بهم ففي خبر رواه الكلينيّ قدّس سرّه في جامع الكافي بإسناده عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : سألته عن قريتين من أهل الحرب لكلّ واحدة منهما ملك على حدة اقتتلوا ثمّ اصطلحوا ثمّ إنّ أحد الملكين غدر بصاحبه فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزوا تلك المدينة ، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا و لا يأمروا بالغدر و لا يقاتلوا مع الّذين غدروا و لكنّهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم و لا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفّار . ( جهاد الوسائل الباب 20 ) و الرّوايات عن الرسول صلّى اللّه عليه و اله و عن أئمّة الدّين في التحذير عن الغدر و كراهيته كثيرة .
و قد نقل ابن قتيبة في كتاب الحرب من عيون الأخبار ( ص 117 ج 1 طبع مصر ) قضية معجبة في خدعة مستغربة ، و سوء عاقبة الغدر و البغي تأبى نفسي إلاّ الإتيان بها ، قال : و قرأت في كتاب سير العجم أن فيروز بن يزدجرد بن بهرام لمّا ملك سار بجنوده نحو خراسان ليغزو اخشنوار ملك الهياطلة ببلخ ، فلمّا انتهى إلى بلاده اشتدّ رعب اخشنوار منه و حذره له ، فناظر أصحابه و وزراءه في أمره .
فقال له رجل منهم : أعطنى موثقا و عهدا تطمئنّ إليه نفسي أن تكفيني أهلي
[ 216 ]
و ولدي و تحسن إليهم و تخلفني فيهم ، ثمّ اقطع يديّ و رجليّ و القني على طريق فيروز حتّى يمرّبي هو و أصحابه فأكفيك مؤونتهم و شوكتهم و أورّطهم مورّطا تكون فيه هلكتهم .
فقال له اخشنوار : و ما الّذي تنتفع به من سلامتنا و صلاح حالنا إذا أنت قد هلكت و لم تشركنا في ذلك ؟
قال : إنّي قد بلغت ما كنت احبّ أن أبلغه من الدّنيا و أنا موقن بأنّ الموت لا بدّ منه و إن تأخّر أيّاما قلائل ، فاحبّ أن أختم عمري بأفضل ما تختم به الأعمار من النّصيحة لإخواني و النكاية في عدوّي فيشرف بذلك عقبي و اصيب سعادة و حظوة فيما أمامى .
ففعل به ذلك و أمر به فلمّا مرّ به فيروز سأله عن أمره فأخبره أنّ اخشنوار فعل ذلك به و أنّه احتال حتّى حمل إلى ذلك الموضع ليدلّه على عورته و غرّته ،
و قال : إنّي أدلّك على طريق هو أقرب من هذا الّذي تريدون سلوكه و أخفى ،
فلا يشعر اخشنوار حتّى تهجموا عليه فينتقم اللّه لي منه بكم ، و ليس في هذا الطريق من المكروه إلاّ تفويز يومين ثمّ تفضون إلى كلّ ما تحبّون .
فقبل فيروز قوله بعد أن أشار عليه و زراؤه بالإتّهام له و الحذر منه و بغير ذلك فخالفهم و سلك الطريق حتّى انتهى بهم إلى موضع من المفازة لا صدر عنه ثمّ بيّن لهم أمره فتفرّقوا في المفازة يمينا و شمالا يلتمسون الماء فقتل العطش أكثرهم و لم يخلص مع فيروز منهم إلاّ عدّة يسيرة فإنّهم انطلقوا معه حتّى أشرفوا على أعدائهم و هم مستعدّون لهم فواقعهم على تلك الحاله و على ما بهم من الضرّ و الجهد فاستمكنوا منهم و أعظموا النكاية فيهم .
ثمّ رغب فيروز إلى اخشنوار و سأله أن يمنّ عليه و على من بقي من أصحابه على أن يجعل لهم عهد اللّه و ميثاقه ألاّ يغزوه أبدا فيما يستقبل من عمره و على أنّه يحدّ فيما بينه و بين مملكته حدّا لا تجاوزه جنوده ، فرضى اخشنوار بذلك و خلّى سبيله و انصرف إلى مملكته .
[ 217 ]
فمكث فيروز برهة من دهره كئيبا ، ثمّ حمله الأنف على أن يعود لغزوه و دعا أصحابه إلى ذلك فردّوه عنه و قالوا : إنّك قد عاهدته و نحن نتخوّف عليك عاقبة البغي و الغدر مع ما في ذلك من العار و سوء المقالة .
فقال لهم : إنّي شرطت له ألاّ أجوز الحجر الّذي جعلته بيني و بينه فأنا آمر بالحجر ليحمل على عجلة أمامنا .
فقالوا له : أيّها الملك إنّ العهود و المواثيق الّتي يتعاطاها النّاس بينهم لا تحمل على ما يسرّ المعطي لها و لكن على ما يعلن المعطي ، و إنّك إنّما جعلت له عهد اللّه و ميثاقه على الأمر الّذي عرفه لا على أمر لم يخطر بباله .
فأبى فيروز و مضى في غزاته حتّى انتهى إلى الهياطلة و تصافّ الفريقان للقتال فأرسل اخشنوار إلى فيروز يسأله أن يبرز فيما بين صفّيهم ليكلّمه ، فخرج إليه .
فقال له اخشنوار : قد ظننت أنّه لم يدعك إلى غزونا إلاّ الأنف ممّا أصابك و لعمري لئن كنّا احتلنا لك بما رأيت لقد كنت التمست منّا أعظم منه ، و ما ابتدأناك ببغي و لا ظلم و لا أردنا إلاّ دفعك عن أنفسنا و عن حريمنا ، و لقد كنت جديرا أن تكون مكافأتنا بمنّنا عليك و على من معك من نقض العهد و الميثاق الّذي وكّدت على نفسك أعظم أنفا و أشدّ امتعاظا ممّا نالك منّا فإنّا أطلقناكم و أنتم أسرى ،
و مننّا عليكم و أنتم مشرفون على الهلكة ، و حقنّا دماءكم و بنا قدرة على سفكها ،
و إنّا لم نجبرك على ما شرطت لنا بل كنت أنت الرّاغب إلينا فيه ، و المريد لنا عليه ففكّر في ذلك ، و ميّل بين هذين الأمرين فانظر أيّهما أشدّ عارا و أقبح سماعا : إن طلب رجل أمرا ينح له ، و سلك سبيلا فلم يظفر فيها ببغيته ، و استمكن منه عدوّه على حال جهد وضيعة منه و ممّن معه فمنّ عليهم و أطلقهم على شرط شرطوه و أمر اصطلحوا عليه فاضطرّ لمكروه القضاء ، و استحيا من النّكث و الغدر أم يقال 1 امرؤ نكث العهد و ختر الميثاق ؟
-----------
( 1 ) كان في الاصل : أن يقال ، و الصواب : أم يقال كما صححناه في المتن لانه عدل ان طلب . منه .
[ 218 ]
مع أنّي قد ظننت أنّه يزيدك نجاحا ما تثق به من كثرة جنودك و ما ترى من حسن عدّتهم و طاعتهم لك و ما أجدني أشكّ أنّهم أو أكثرهم كارهون لما كان من شخوصك بهم عارفون بأنّك قد حملتهم على غير الحقّ ، و دعوتهم إلى ما يسخط اللّه فهم في حربنا غير مستبصرين ، و نيّاتهم في مناصحتك اليوم مدخولة ، فانظر ما قدر غناء من يقاتل على مثل هذه الحال و ما عسى أن تبلغ نكايته في عدوّه إذا كان عارفا بأنّه إن ظفر فمع عار ، و إن قتل فإلى النّار ؟
فأنا اذكّرك اللّه الّذي جعلته على نفسك كفيلا ، و نعمتي عليك و على من معك بعد يأسكم من الحياة و إشفائكم على الممات ، و أدعوك إلى ما فيه حظك و رشدك من الوفاء بالعهد و الإقتداء بآبائك الّذين مضوا على ذلك في كلّ ما أحبّوه أو كرهوه فأحمدوا عواقبه و حسن عليهم أثره .
و مع ذلك إنّك لست على ثقة من الظّفر بنا ، و البلوغ لنهمتك فينا و إنّما تلتمس منّا أمرا نلتمس منك مثله ، و تناوىء عدوّا لعلّه يمنح النصر عليك فقد بالغت في الاحتجاج عليك ، و تقدّمت الإعدار إليك ، و نحن نستظهر باللّه الّذي أعتززنا به و وثقنا بما جعلته لنا من عهده إذا استظهرت بكثرة جنودك و ازدهتك عدّة أصحابك ،
فدونك هذه النّصيحة فواللّه ما كان أحد من نصحانك ببالغ لك أكثر منها ، و لا زائد لك عليها ، و لا يحرّمنك منفعتها مخرجها منّي فإنّه لا يزرى بالمنافع عند ذوي الرأي أن كانت من قبل الأعداء كما لا يحبّب المضارّ إليهم أن تكون على أيدي الأولياء .
و اعلم أنّه ليس يدعوني إلى ما تسمع من مقالتي ضعف أحسّه من نفسي ،
و لا قلّة من جنودي و لكنّي أحببت أن أزداد بذلك حجّة و استظهارا ، و أزداد به من اللّه النّصر و المعونة استيجابا ، و لا أوثر على العافية و السلامة شيئا ما وجدت إليهما سبيلا .
-----------
( 1 ) عطف على اللّه أى . اذكرك نعمتى عليك و على من معك . منه .
[ 219 ]
فأبى فيروز إلاّ تعلّقا بحجّته في الحجر الّذي جعله حدّا بينه و بينه و قال : لست ممّن يردعه عن الأمر يهمّ به وعيد ، و لا يقتاده التهدّد و الترهيب ، و لو كنت أرى ما أطلبك غدرا منّي ما كان أحد أنظر و لا أشدّ اتّقاء منّي على نفسي فلا يغرّنّك منّا الحال الّتي صادفتنا عليها في المرّة الاولى من القلّة و الجهد و الضّعف .
قال اخشنوار : لا يغرّنّك ما تخدع به نفسك من حملك الحجر أمامك فإنّ النّاس لو كانوا يعطون العهود على ما تصف من إسرار أمر و إعلان آخر إذا ما كان ينبغي لأحد أن يغترّ بأمان ، و لا يثق بعهد ، و إذا لما قبل النّاس شيئا ممّا يعطونه من ذلك و لكنّه وضع على العلانية و على نيّة من تعقد العهود و الشروط له .
فانصرفا يومهما ذلك فقال فيروز لأصحابه : لقد كان اخشنوار حسن المحاورة ،
و ما رأيت للفرس الّذي كان تحته نظيرا في الدّوابّ فإنّه لم يزل قوائمه و لم يرفع حوافره عن موضعها و لا صهل و لا أحدث شيئا يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا .
و قال اخشنوار لأصحابه : لقد واقفت فيروز كما علمتم و عليه السّلاح كلّه فلم يحرّك رأسه ، و لم ينزع رجله من ركابه ، و لا حنا ظهره ، و لا التفت يمينا و لا شمالا و لقد تورّكت أنا مرارا ، و تمطّيت على فرسي و تلفّتّ إلى من خلفي ، و مددت بصري في أمامي و هو منتصب ساكن على حاله ، و لولا محاورته إيّاي لظننت أنّه لا يبصرني .
و إنّما أرادا بما وصفا من ذلك أن ينتشر هذان الحديثان في أهل عسكريهما فيشغلوا بالإفاضة فيهما عن النظر فيما تذاكراه .
فلمّا كان في اليوم الثّاني أخرج اخشنوار الصحيفة الّتي كتبها لهم فيروز فرفعها على رمح لينظر إليها أهل عسكر فيروز فيعرفوا غدره و بغيه و يخرجوا من متابعته ، فانتقض عسكر فيروز و اختلفوا و ما لبثوا إلاّ يسيرا حتّى انهزموا و قتل منهم خلق كثير و هلك فيروز ، فقال اخشنوار : لقد صدق الّذي قال : لا رادّ لما قدّر ، و لا أشدّ إحالة لمنافع الرأي من الهوى و اللّجاج ، و لا أضيع من نصيحة
[ 220 ]
يمنحها من لا يوطّن نفسه على قبولها و الصّبر على مكروهها ، و لا أسرع عقوبة و لا أسوأ عاقبة من البغي و الغدر ، و لا أجلب لعظيم العار و الفضوح من إفراط الفخر و الأنفة .
و قد مضى وجه آخر في تفسير كلامه هذا في ضمن بيان المصادر ، و يحتمل الوجهين قوله عليه السّلام المنقول من الكافي و نصر و الطّبري و المفيد آنفا في ذكر المصادر :
فلو لا إقبالكم بعد إدباركم و كرّكم بعد انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولّي يوم الزحف دبره و كنتم فيما أرى من الهالكين .
و الشارح البحراني احتمل في تفسير قوله عليه السّلام : « لا تشتدنّ عليكم فرّة بعدها كرّة » وجها آخر سوى الوجهين الّذين اخترناهما فقال :
و يحتمل أن يريد فلا تشتدّنّ عليكم فرّة من عدوّكم بعدها كرّة منه عليكم فإنّ تلك الكرّة لما كانت عقيب الفرّة لم تكن إلاّ عن قلوب مدخولة و نيّات غير صحيحة و انّما قدّم الفرّة في هذا الاحتمال لأنّ مقصوده تحقير تلك الكرّة بذكر الفرّة و كان ذكرها أهم فلذلك قدّمت و كذلك قوله : و لا جولة بعدها حملة . انتهى .
و أقول : قد علمت أنّ أمير المؤمنين عليّا تارة يوصي عسكره و يوقظهم بأن لا يغرّنكم فرار الخصم فإنّه ربّما يكون من مكائد الحرب لأنّ الخصم ربّما يولّيكم الدّبر ليخيّلكم أنّه منهزم ثمّ يعطف و يشدّ عليكم كما رواه الكلينيّ في الجامع الكافي عنه عليه السّلام حيث قال : و لا يشدّون عليكم كرّة بعد فرّة و لا حملة بعد جولة .
و تارة يوصيهم و يحثّهم إذا رأيتم المصلحة في أن تولّوهم الأدبار لكي توهموهم الإنهزام حتّى إذا أمكنتهم الفرصة تكرّون عليهم فلا يشتدّ عليكم هذا النحو من الفرار الّذي هو من مكائد الحرب أي لا تحسبوه عارا حتّى يستصعب عليكم هذا الفرار كما هو المرويّ في النهج قال عليه السّلام : لا تشتدّنّ عليكم فرّة بعدها كرّة ،
و لذا كانت العبارتان متعاكستين ، و قد علمت أنّ قوله في النهج كان ناظرا إلى قوله
[ 221 ]
تعالى إلاّ متحرّفا لقتال ، و الرّوايات كالايات يفسّر بعضها بعضا ، و رواية الكافي هذا و الرّواية المتقدّمة الحاوية قوله عليه السّلام : فلو لا إقبالكم بعد إدباركم و كرّكم بعد انحيازكم الخ ، و قوله تعالى إلاّ متحرّفا لقتال تدلّ على أنّ معنى ما في النهج هو الّذي قدّمناه أوّلا ، و كان للجملتان معنى صحيح آخر ذكرناه في ضمن بيان المصادر و كان معنياهما متعاكسين أيضا ، و لا يجري هذا الإحتمال الثالث في قوله المروي في الكافي ، و لو يفسّر ما في النهج به لوجب أن يقال لا تشتدّنّ عليكم كرّة بعد فرّة .
على أنّ لأساليب الكلام معنى يتبادر إليه الذهن من غير تكلّف و ما من كلام إلاّ أمكن فيه تقدير وجوه من المعاني البعيدة فيخرج حينئذ عن الفصاحة و الجودة و بالجملة إذا تأمّلت فيما قدّمنا و في سيرة أهل الحرب يظهر لك أنّ ما ينبغي أنّ تفسّر الجملتان هو المعنيان المختاران . قوله عليه السّلام : « و أعطوا السيوف حقوقها » لا يخفى عليك أنّ هذا الفصل من مختار كلامه عليه السّلام يفيد ثلاثة مطالب : الأوّل أنّ الحرب خدعة فالفرار منها إذا كان موجبا لتغرير الخصم و هلاكه لا ينبغي أن يستصعب و يحسب عارا ، الثاني أنّ على المجاهد أن يراعي امورا ، الثالث أنّ هؤلاء المحاربين للإمام كانوا كافرين إلاّ أنّهم أسرّوا كفرهم ، أمّا الأوّل فقد مضى مفصّلا ، و أمّا الثالث فسيأتي بيانه ،
أمّا الثاني فقد ذكر أربعة منها : الأوّل أن يعطوا السّيوف حقوقها هذا تحريض على الجدّ في القتال أي إذا ضربتم بها فاحكموا الضرب ، و اضربوا ضربة منكرة و إعطاءها حقوقها كناية عن هذا النحو من الضرب ، فجعل للسيف حقا و هو ما ينبغي أن يستفاد منه ثمّ أمرهم باعطاء حقّها فإذا لم يضربوا بها على ما كان الحريّ بها جدّا فكأنّهم خانوها ، كما يقال أيضا : إنّ سيف فلان لم يخنه ، أي إنّه لشدّة حدّته وجودته فعل ما أراد منه صاحبه كما قال نهشل بن حريّ النهشلي في قصيدة يرثى بها أخاه مالكا رحمه اللّه و قد قتل بصفين بحضرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قتله الفئة الباغية :
[ 222 ]
أخ ما جد لم يخزني يوم مشهد
كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه
و هوّن وجدي عن خليلي إنّني
إذا شئت لا قيت امرء مات صاحبه
قوله عليه السّلام : « و وطّنوا للجنوب مصارعها » هذا هو الثاني من الامور أمرهم بها ، الظاهر من كلامه عليه السّلام أنّه حثّهم و نشّطهم على الإحكام في الضّرب ، و إن شئت قلت : هذا تأكيد و تشديد في الأمر الأوّل أى أدّوا حقوق السيوف و اضربوا بها ضربة و احكموا الضرب إلى حدّ تطرحوا بها جنوب الأعداء على مصارعهم و تجعلوا مصارعهم أوطانا لهم أي بحيث لا يقدر الصّرعى أن يقوموا من الأرض فكأنّهم أخذوها أوطانا لهم أو مهّدوا مصارعهم لجنوبهم أي اجعلوها ممهدة لسقوطهم عليها بضروبكم المنكرة و المآل واحد و إن كان الأوّل ألصق و أنسب بسياق الكلام إن لم يكن متعيّنا ، هذا ما ينادي به اسلوب الكلام .
و قال الشارح البحراني : و المعنى أن يوطّنوا لجنوبهم مصارعها أى يتخذوا مصارع جنوبهم أوطانا لها و هو كناية عن الأمر بالعزم الجازم على القتل في سبيل اللّه و الإقدام على أهوال الحرب إذا كان اتّخاذ المصارع أوطانا للجنوب مستلزما لذلك العزم و الإقدام .
و احتذى على مثاله المجلسيّ في فتن البحار ( ص 626 ج 8 من الطبع الكمباني ) حيث قال : أي اجعلوا مصارع الجنوب و مساقطها وطنا لها أو وطيئا لها أي استعدّوا للسقوط على الأرض و القتل كناية على العزم على الحرب و عدم الاحتراز عن مفاسدها . انتهى .
و هذا كما ترى لا يناسب تحريض العسكر على الجهاد و حثّهم على القتال ،
أرأيت أنّ أمر أمير عسكره بالاستعداد للسقوط على الأرض لا يوجب و هنهم ؟ و لو سلّم أنّ فيه تشجيعا بالعزم الجازم على الإقدام على أهوال الحرب و القتال في سبيل اللّه تعالى فسوق الكلام يأبى عن ذلك الحمل .
قوله عليه السّلام : « و اذمروا أنفسكم على الطّعن الدّعسي ، و الضرب الطّلخفي » هذا ثالث الامور أمرهم بها ، حثّهم عليه السّلام أن يحضّوا و يوطّنوا أنفسهم على الجدّ
[ 223 ]
في الطّعن بالرّماح و الضّرب بالسّيوف و يوبّخوها على الفشل و الضّعف ، حتّى يتشمّروا للطّعن بالرّماح على الأعداء بحيث يظهر أثره و يحشى به أجوافهم ،
و يتهيأوا لإيقاع الضرب الشديد بالسّيوف عليهم .
ثمّ بالتأمّل الصحيح في سياق هذه الامور الثلاثة يعلم أنّ مساقها واحد ، و مفادها فارد ، و الحقّ أن يقال أنّها ملتقطة من روايات شتّى كما قد أتينا بها في بيان مصادرها .
قوله عليه السّلام : « و أميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل » هذا رابع الامور أمرهم بها ، أي اخفضوا الأصوات و عنّوها فإنّ اخفائها أولى بالوقار و أطرد للفشل و أذهب بالوهل و إنّ شدّة الضوضاء في الحرب أمارة الخوف و الوجل .
و في كتاب الحرب من عيون الأخبار لابن قتيبة ( ص 108 ج 1 ) أنّ قوما استشاروا أكثم بن صيفي في حرب قوم أرادوهم و سألوه أن يوصيهم فقال : أقلّوا الخلاف على امرائكم ، و اعلموا أنّ كثرة الصّياح من الفشل ، و المرء يعجز لا محالة تثبتوا فإنّ أحزم الفريقين الرّكين ، و ربّة عجلة تعقب ريثا ، و اتّزروا للحرب ،
و ادّرعوا اللّيل فأنه أخفى للويل ، و لا جماعة لمن اختلف عليه .
و قال ابن قتيبة بعد نقل ما قاله أكثم : قال بعض الحكماء : قد جمع اللّه لنا أدب الحرب في قوله تعالى : يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا و اذكروا اللّه كثيراً لعلّكم تفلحون و أطيعوا اللّه و رسوله و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا انّ اللّه مع الصابرين ( الأنفال 48 49 ) .
و قال : حدّثني محمّد بن عبيد قال : حدّثنا معاوية بن عمرو ، عن أبي إسحاق عن الأوزاعي قال : قال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه : ألا ترونهم يعني أصحاب النّبي صلّى اللّه عليه و اله جثيّا على الرّكب كأنّهم خرس يتلمّظون تلمّظ الحيّات ،
قال : و سمعتهم عائشة يكبّرون يوم الجمل فقالت : لا تكثروا الصّياح فإنّ كثرة التكبير عند اللّقاء من الفشل .
قوله عليه السّلام : « و الّذي فلق الحبّة الخ » هذا هو المطلب الثالث الموعود بيانه
[ 224 ]
و في بعض النسخ : فالّذي بالفاء و هو من تصرّفات النسّاخ أتوا بالفاء ليرتبط الذيل بالصدر و قد غفلوا أنّ . كلامه هذا ليس بمقالة فاردة بل ملتقطة من عدّة مقالات مرويّة عنه عليه السّلام .
و كان عليه السّلام كثيرا مّا يحلف بقوله و الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة إذا اجتهد في يمينه و هذا ممّا لم يسمع من غيره أن يقسموا به و كان عليه السّلام متفرّدا بإنشائه و الحلف به .
و قد دريت أنّه عليه السّلام قال كلامه هذا في صفّين لمّا رفع عمرو بن العاص شقّة قميصة سوداء في رأس رمح فقال ناس : هذا لواء عقده له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله إلى آخر ما نقلنا في ذكر مصادر هذا الفصل عن كتاب صفّين لنصر بن مزاحم المنقري و أشار عليه السّلام بقوله : « فأخذها فقد و اللّه قربه من المشركين و قاتل به اليوم المسلمين » إلى أنّ القوم كانوا كافرين .
ثمّ إنّ سياق الكلام يقتضي افراد الأفعال و الضمائر إلاّ أنّه عدل من الإفراد إلى الجمع تنبيها على أنّ عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان و أشياعهما و أشباههما ما أسلموا واقعا بقلوبهم و لكن استسلموا أي أظهروا الإسلام بألسنتهم في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و انقادوه خوفا من السيف و كانوا قد أسرّوا كفرهم لأنّهم لم يجدوا أعوانا عليه حتّى يظهروه فلمّا وجدوهم أظهروه و كان كلامه عليه السّلام المروي آنفا عن صفّين لنصر حيث قال : « و قد نصبوا لنا الحرب و جدّوا في إطفاء نور اللّه و اللّه متمّ نوره و لو كره الكافرون » مشعرا بكفرهم كما لا يخفى .
و قد مرّ كلام ابن الحنفيّة المنقول عن كتاب صفين لنصر في ذكر المصادر أنّه قال : لمّا أتاهم اللّه من أعلى الوادي و من أسفله و ملأ الأودية كتائب استسلموا حتّى وجدوا أعوانا ، و كذا كلام عمّار رضوان اللّه عليه ، و سيأتي كلام الأمير عليه السّلام في الكتاب التالي إلى معاوية : و لمّا أدخل اللّه العرب في دينه أفواجا و أسلمت له هذه الأمّة طوعا و كرها كنتم ممّن دخل في الدّين إمّا رغبة و إمّا رهبة الخ .
[ 225 ]
و راجع إلى باب ما ورد في كفر معاوية و عمرو بن العاص و أوليائهما من المجلّد الثامن من البحار ( ص 560 571 من الطبع الكمباني ) .
و قال الفاضل الشارح المعتزلي : و هذا يدلّ على أنّه عليه السّلام جعل محاربتهم له كفرا . انتهى .
أقول : هذا الكلام من أمير المؤمنين عليه السّلام صريح في أنّ القوم كانوا كافرين و لا يدلّ على أنّ من حاربه فهو كافر نعم إنّ محاربتهم له عليه السّلام توجب كفرا و محاربيه كفرة بالأدلّة الّتي قدّمناها في شرح المختار 236 من باب الخطب ( ص 367 379 ج 15 ) و في شرح المختار الثاني من باب الكتب و الرّسائل ( ص 76 80 ج 16 ) .
و أرسل معاوية كتابا إلى أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و ذلك كان لمّا دعى النّاس من حيلة عمرو بن العاص و روغانه إلى كتاب اللّه و كتب فيما كتب فيه : و اقطع لهذه الفتن فاتّق اللّه فيما دعيت له و ارض بحكم القرآن إن كنت من أهله . و السلام .
فكتب إليه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام كتابا جوابا عن كتابه ، و من جملته :
إنّك قد دعوتني إلى حكم القرآن و لقد علمت أنّك لست من أهل القرآن الخ .
و قد نقلهما نصر في كتاب صفين ( ص 267 ) .
و روى نصر في صفين ( ص 167 ) عن يحيى ، عن عليّ بن حزوّر ، عن الأصبغ بن نباتة قال : جاء رجل إلى عليّ عليه السّلام فقال : يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الّذين نقاتلهم الدعوة واحدة و الرسول واحد و الصّلاة واحدة و الحجّ واحد فبم نسمّيهم ؟ قال : نسمّيهم بما سمّاهم اللّه في كتابه ، قال : ما كلّ ما في الكتاب أعلمه ، قال : أما سمعت اللّه قال : « تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض إلى قوله و لو شاء اللّه ما اقتتل الّذين من بعدهم من بعد ما جائتهم البيّنات و لكن اختلفوا فمنهم من آمن و منهم من كفر » فلمّا وقع الإختلاف كنّا نحن أولى باللّه و بالكتاب و بالنبيّ و بالحقّ فنحن الّذين آمنوا و هم الّذين كفروا و شاء اللّه قتالهم فقاتلناهم هدىّ بسنّة اللّه ربّنا و إرادته .
[ 226 ]
أقول : و رواية نصر بن بن مزاحم في صفين عن الأصبغ ظاهرة في أنّ الرّجل سأل الأمير عليه السّلام عن القاسطين ، و قد روى نحوه الشيخ الأجلّ المفيد في المجلس الثاني عشر من أماليه ( ص 59 طبع النجف ) أنّ الرّجل سأله عليه السّلام عن النّاكثين حيث قال : حدّثنا أبو الحسن بلال المهلّبي رحمه اللّه يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شعبان سنة ثلاث و خمسين و ثلاثمائة قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن حميد بن الرّبيع اللحمي قال : حدّثنا سليمان بن الرّبيع النهديّ قال : حدّثنا نصر بن مزاحم المنقريّ قال : حدّثنا يحيى بن يحيى الأسلميّ ، عن عليّ بن الحزّور ، عن الأصبغ بن نباتة رحمه اللّه قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بالبصرة فقال : يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الّذين نقاتلهم الخ على حذوا الرّواية الاولى من نصر في صفين .
و من الممكن أنّ السؤال وقع عن كلّ واحدة من الطائفتين فقد سأله رجل عن الناكثين في البصرة ، و ذلك الرّجل أو آخر سأله عن القاسطين ، أو السؤال كان عن إحداهما فاشتبه الأمر على الرّاوي و أسند تارة إلى هؤلاء و تارة إلى هؤلاء أو يقال : إنّ ما في كتاب صفين مطلق مرسل فانّه قال يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الّذين نقاتلهم ، فهو يشمل الطائفتين و لمّا رأى نصر أنّ السؤال الّذي كان من الرّجل عن الناكثين جار في القاسطين أيضا فما سئل الأمير عليه السّلام في البصرة أتى به في صفين لاتّحاد الحكم فيهما و الحقّ أنّ جواب الأمير عليه السّلام الرّجل جار في محاربي عليّ عليه السّلام سواء كانوا من الطوائف الثلاث الناكثين و القاسطين و المارقين أو غيرهم .
و في بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ( ص 235 من طبع النجف ) : بإسناده عن الأصبغ بن نباتة أنّه قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في بعض خطبه : أيّها النّاس اسمعوا قولي و اعقلوه إلى أن قال : لقد علم المستحفظون من أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و اله أنّ الناكثين و القاسطين و المارقين ملعونون على لسان النبيّ الأمّيّ و قد خاب من افترى .
[ 227 ]