حديث فتح مكة و أن أهل مكة الطلقاء

لمّا صالح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قريشا عام الحديبيّة كان في أشراطهم أنّه من أحبّ أن يدخل في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله دخل فيه فدخلت خزاعة في عقد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و كنانة في عقد قريش فأعانت قريش كنانة فأرسلوا مواليهم فوثبوا على خزاعة فقتلوا فيهم فجاءت خزاعة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فشكوا إليه ذلك و كان ذلك ممّا هاج فتح مكّة فأحلّ اللّه لنبيّه قطع المدّة الّتي بينه و بينهم و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال للناس كأنّكم بأبي سفيان قد جاء ليشدّ العقد و يزيد في المدّة و سيلقي بديل بن ورقاه فلقوا أبا سفيان بعسفان و قد بعثته قريش إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله ليشدّ العقد و يزيد في المدّة فلمّا لقى أبو سفيان بديلا قال : من أين أقبلت يا بديل ؟ و ظنّ أنّه أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال : سرت في هذا الساحل و في بطن هذا الوادي قال : ما أتيت محمّدا ؟ قال : لا فلما راح بديل إلى مكّة فقال أبو سفيان : لئن كان جاء من المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته و أخذ من بعرها ففتّه فرأى فيه النوى فقال : احلف باللّه تعالى لقد جاء بديل محمّدا .

ثمّ خرج أبو سفيان حتّى قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فدخل على ابنته امّ حبيبة فلمّا ذهب ليجلس على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله طوته عنه فقال : يا بنيّة ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عنّي ؟

قالت امّ حبيبة : بل هو فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أنت رجل مشرك نجس و لم احبّ أن تجلس على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله .

قال : و اللّه لقد أصابك يا بنيّة بعدي شرّ .

ثمّ خرج حتّى أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فكلّمه فقال : يا محمّد احقن دم قومك و أجر بين قريش وزدنا في المدّة .

فقال صلّى اللّه عليه و اله : أغدرتم يا أبا سفيان ؟ قال : لا ، قال : فنحن على ما كنّا عليه .

فخرج أبو سفيان فلقي أبا بكر فقال : أجر بين قريش .

[ 282 ]

قال : ويحك و أحد يجير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ؟ ما أنا بفاعل .

ثمّ لقى عمر بن الخطّاب فقال له مثل ذلك .

فقال عمر : أأنا أشفع لكم إلى رسول اللّه فو اللّه لو لم أجد إلاّ الذّرّ لجاهدتكم به .

ثمّ خرج فدخل على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و عنده فاطمه بنت رسول اللّه سلام اللّه عليها و عندها حسن بن عليّ غلام يدبّ بين يديها ، فقال : يا عليّ إنّك أمسّ القوم بي رحما ، و إنّي قد جئت في حاجة فلا أرجعنّ كما جئت خائبا فاشفع لي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله .

فقال : ويحك يا أبا سفيان و اللّه لقد عزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على أمر ما نستطيع أن نكلّمه فيه .

فالتفت إلى فاطمة عليها السّلام فقال : يا بنت محمّد هل لك أن تأمري بنيّك هذا فيجير بين النّاس فيكون سيّد العرب إلى آخر الدّهر ؟

قالت : و اللّه ما بلغ بنيّ ذاك أن يجير بين النّاس ، و ما يجير أحد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله .

و في مجمع الطبرسيّ : دخل أبو سفيان بعد ما خرج من عند ابنته امّ حبيبة على فاطمة عليها السّلام فقال : يا بنت سيّد العرب تجيرين بين قريش و تزيدين في المدّة فتكونين أكرم سيّدة في النّاس ؟

فقالت : جواري جوار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله .

أتامرين ( فقال : أتأمرين ظ ) ابنيك أن يجيرا بين النّاس ؟ قالت : و اللّه ما بلغ ابناى أن يجيرا بين النّاس و ما يجير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أحد .

فقال : يا أبا الحسن إنّي أرى الامور قد اشتدّت عليّ فانصحني .

قال : و اللّه ما أعلم شيئا يغني عنك شيئا و لكنّك سيّد بني كنانة فقم فأجر بين النّاس ثمّ الحق بأرضك .

قال : أو ترى ذلك مغنيا عنّي شيئا ؟

[ 283 ]

قال : لا و اللّه ما أظنّه و لكنّي لا أجد لك غير ذلك .

فقام أبو سفيان في المسجد فقال : أيّها النّاس إنّي قد أجرت بين النّاس ، ثمّ ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا : ما وراءك ؟

قال : جئت محمّدا فكلّمته فو اللّه ما ردّ عليّ شيئا ثمّ جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرا ، ثمّ جئت ابن الخطّاب فوجدته أدنى العدوّ ، ثمّ جئت عليّا فوجدته ألين القوم و قد أشار عليّ بشي‏ء صنعته فو اللّه ما أدري هل يغني ذلك شيئا أم لا ؟

قالوا : و بم أمرك ؟

قال : أمرني أن أجير بين النّاس ففعلت قالوا : فهل أجار ذلك محمّد ؟

قال : لا قالوا : ويلك أما و اللّه إن زاد عليّ بن أبي طالب على أن لعب بك فما يغني عنك ما قلت ، قال : لا و اللّه ما وجدت غير ذلك .

ثمّ عزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على غزو مكّة و قال : اللّهمّ أعم الأخبار عنهم يعني قريشا فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب إلى قريش بخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و ما اعتزم عليه فنزل جبرئيل فأخبره بما فعل حاطب فوجّه بعليّ بن أبي طالب و الزّبير و قال خذ الكتاب منها فلحقاها و قد كانت تنكّبت الطريق فوجد الكتاب في مشعرها ، و قيل في فرجها فأتيا به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأسرّ إلى كلّ رئيس منهم بما أراد و أمره أن يلقاه بموضع سمّاه و أن يكتم ما قال له فأسرّ إلى خزاعي بن عبد نهم أن يلقاه بمزينة بالروحاء ، و إلى عبد اللّه بن مالك أن يلقاه بغفار بالسقيا ، و إلى قدامة بن ثمامة أن بلقاه ببني سليم بقديد ، و إلى الصعب بن جثامة أن يلقاه ببني ليث بالكديد .

و خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله يوم الجمعة حين صلّى صلاة العصر لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة ثمان ، و قيل لعشر مضين من رمضان ، و استخلف على المدينة أبا لبابة ابن عبد المنذر و لقيته القبائل في المواضع الّتي سمّاها لهم و أمر النّاس فأفطروا ، و سمّى الّذين لم يفطروا العصاة و دعا بماء فشربه و تلقّاه العبّاس بن عبد المطّلب في بعض

[ 284 ]

الطريق فلمّا صار بمرّ الظهران خرج أبو سفيان بن حرب يتجسّس الأخبار و معه حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء و هو يقول لحكيم ما هذه النيران ؟ فقال خزاعة أحمشتها الحرب ، فقال خزاعة : أقل و أذل و سمع صوته العبّاس فناداه يا أبا حنظلة ( يعني به أبا سفيان ) فأجابه فقال له : يا أبا الفضل ما هذا الجمع ؟ قال : هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فأردفه على بغلته و لحقه عمر بن الخطّاب و قال : الحمد للّه الّذي أمكن منك بغير عهد و لا عقد فسبقه العبّاس إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقال : يا رسول اللّه هذا أبو سفيان قد جاء ليسلم طائعا فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله : قل أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أني محمّد رسول اللّه ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، و جعل يمتنع من أن يقول و أنّك رسول اللّه فصاح به العباس فقال .

و في نقل آخر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال له : يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلاّ اللّه ؟ فقال : بأبي أنت و امّي ما أوصلك و أكرمك و أرحمك و أحلمك و اللّه لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر و يوم احد فقال : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول اللّه ؟ فقال : بأبي أنت و امّي أمّا هذه فإنّ في النفس منها شيئا ، قال العبّاس : فقلت له ويحك اشهد بشهادة الحقّ قبل أن يضرب عنقك فتشهّد كما في السيرة لابن هشام ( ص 403 ج 2 ) .

ثمّ سأل العبّاس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن يجعل له شرفا و قال : إنّه يحبّ الشرف فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله : من دخل دارك يا أبا سفيان فهو آمن .

فلما ذهب لينصرف قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله : يا عبّاس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتّى تمرّ به جنود اللّه فيراها ، قال عبّاس : فخرجت حتّى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله أن أحبسه و مرّت القبائل على راياتها ، كلّما مرّت قبيلة قال : يا عبّاس من هذه ؟ فأقول : سليم ، فيقول : مالي و لسليم ، ثمّ تمرّ القبيلة فيقول : يا عبّاس من هؤلاء ؟ فأقول : مزينة ، فيقول : مالي و لمزينة ، حتّى نفدت القبائل ما تمرّ به قبيلة إلاّ يسألني عنها فإذا أخبرته بهم قال : مالي و لبني فلان حتّى مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في كتيبته الخضراء من المهاجرين و الأنصار في الحديد

[ 285 ]

لا يرى منهم إلاّ الحدق فقال : سبحان اللّه من هؤلاء يا أبا الفضل يعني به العباس ؟

قلت : هذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في المهاجرين و الأنصار ، قال : مالأحد بهؤلاء قبل و لا طاقة ، و اللّه يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما ، قال : قلت :

ويحك يا أبا سفيان إنّه ليس بملك إنّما هي النبوّة ، قال : فنعم إذن .

و مضى أبو سفيان مسرعا حتّى دخل مكّة فأخبرهم الخبر و قال هو اصطلام إن لم تسلموا و قد جعل أنّ من دخل داري فهو آمن ، فوثبوا عليه و قالوا : ما يسع دارك ؟ فقال : و من أغلق بابه فهو آمن ، و من دخل المسجد فهو آمن .

و فتح اللّه على نبيّه و كفاه القتال و دخل مكّة و دخل أصحابه من أربعة مواضع و أحلّها اللّه له ساعة من نهار .

ثمّ قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فخطب فحرمها ، و أجارت أمّ هاني بنت أبي طالب حموين لها : الحارث بن هشام ، و عبد اللّه بن أبي ربيعة فأراد عليّ عليه السّلام قتلهما فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله : يا عليّ قد أجرنا من أجارت امّ هاني ، و آمنهم جميعا إلاّ خمسة نفر أمر بقتالهم و لو كانوا متعلّقين بأستار الكعبة ، و أربع نسوة .

و هم : عبد اللّه بن عبد العزّى بن خطل من بني تيم الأكرم بن غالب ، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله وجّهه مع رجل من الأنصار فشدّ على الأنصاري فقتله و قال : لا طاعة لك و لا لمحمّد .

و عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح العامري و كان يكتب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فصار إلى مكّة فقال : أنا أقول كما يقول محمّد و اللّه ما محمّد نبيّ و لقد كان يقول لي اكتب « عزيز حكيم » فأكتب « لطيف خبير » و لو كان نبيّا لعلم فآواه عثمان و كان أخاه من الرضاع و أتى به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فجعل يكلّمه فيه و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ساكت ثمّ قال : هلا قتلتموه ؟ فقالوا : انتظرنا أن تؤمي فقال : إنّ الأنبياء لا تقتل بالإيماء .

و مقيس بن صبابة أحد بني ليث بن كنانة و كان أخوه قتل فأخذ الدّية من قاتله ثمّ شدّ عليه فقتله .

[ 286 ]

و الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد قصى كان ممّن يؤذي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بمكّة و يتناوله بالقول القبيح .

و النسوة : سارة مولاة بني عبد المطّلب و كانت تذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بالقبيح .

و هند بنت عتبة ، و قريبة و فرتا ( كذا ) جاريتا ابن خطل كانتا تغنّيان في هجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله .

و أسلمت قريش طوعا و كرها ، و أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مفتاح البيت من عثمان ابن أبي طلحة و فتح الباب بيده و ستره ثمّ دخل البيت فصلّى فيه ركعتين ثمّ خرج فأخذ بعضادتي الباب فقال : لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له أنجز وعده و نصر عبده و غلب الأحزاب وحده فللّه الحمد و الملك لا شريك له .

ثمّ قال : ما تظنّون و ما أنتم قائلون ؟ قال سهيل : نظنّ خيرا و نقول خيرا أخ كريم و ابن عمّ كريم و قد ظفرت ، قال : فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف « لا تثريب عليكم اليوم » .

ثمّ قال : ألا كلّ دم و مال و مأثرة في الجاهليّة فإنّه موضوع تحت قدميّ هاتين إلاّ سدانة الكعبة و سقاية الحاجّ فإنّهما مردودان إلى أهليهما ، ألا و إنّ مكّة محرّمة بحرمة اللّه لم تحلّ لأحد من قبلي و لا تحلّ لأحد من بعدي و إنّما حلّت لي ساعة ثمّ أغلقت فهي محرمة إلى يوم القيامة لا يختلي خلاها ، و لا يعضد شجرها ، و لا ينفر صيدها ، و لا تحلّ لقطتها إلاّ لمنشد ، ألا إنّ في القتل شبه العمد الدّية مغلّظة ، و الولد للفراش و للعاهر الحجر .

ثمّ قال : ألا لبئس جيران النبيّ كنتم لقد كذبتم و طردتم و أخرجتم و آذيتم ثمّ ما رضيتم حتّى جئتموني في بلادي تقاتلونني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فخرج القوم فكأنّما انشروا من القبور .

و دخل مكّة بغير احرام و أمر بلالا أن يصعد على الكعبة فأذّن فعظم ذلك على قريش و قال عكرمه بن أبي جهل و خالد بن أسيد : إنّ ابن رباح ينهق على الكعبة . و تكلّم قوم معهما فارسل إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فقالوا : قد قلنا فنستغفر اللّه

[ 287 ]

فقال : ما أدرى ما أقول لكم و لكن تحضر الصلاة فمن صلّى فسبيل ذلك و إلاّ قدّمته فضربت عنقه .

و أمر بكلّ ما في الكعبة من صورة فمحيت و غسلت بالماء ، و نادى منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله من كان في بيته صنم فليكسره فكسروا الأصنام .

و دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بالنساء فبايعنه و نزلت عليه سورة إذا جاء نصر اللّه و الفتح فقال : نعيت إلى نفسي .

و اعلم أنّه قد مضى بحثنا الكلامي عن عمل عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح و طرح بعض روايات وردت فيه فراجع إلى شرح المختار الأوّل من باب الكتب و الرّسائل ( ص 210 213 ج 16 ) .

و كذا قد تقدّم وجه دلالة سورة النصر على رحلة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في شرح المختار 233 من باب الخطب ( ص 79 ج 15 ) .

و قيل لأهل مكّة الطّلقاء لقوله صلّى اللّه عليه و اله لهم : فاذهبوا و أنتم الطّلقاء ، و لذا قالت عقيلة بني هاشم الصدّيقة الصغرى زينب بنت فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في احتجاجها على يزيد بن معاوية : أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماءك و سوقك بنات رسول اللّه سبايا ؟

و عن ابن مسعود قال : دخل النبيّ صلّى اللّه عليه و اله يوم الفتح و حول البيت ثلاثمائة و ستّون صنما فجعل يطعنها بعود في يده و يقول : جاء الحقّ و ما يبدى‏ء الباطل و ما يعيد ، جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا .

و عن ابن عبّاس قال : لمّا قدم النبيّ صلّى اللّه عليه و اله إلى مكّة أبى أن يدخل البيت و فيه الالهة فأمر بها فاخرجت صورة إبراهيم و إسماعيل عليهما السّلام و في أيديهما الأزلام فقال صلّى اللّه عليه و اله : قاتلهم اللّه أما و اللّه لقد علموا أنّهما لم يستقسما بها قطّ ، و جاء ابن الزّبعرى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و أسلم و قال :

يا رسول المليك إنّ لساني
راتق ما فتقت إذ أنا بور

إذ أبارى الشيطان في سنن الغيّ
و من مال ميله مثبور

[ 288 ]

آمن اللحم و العظام لربّي
ثمّ قلبي الشهيد أنت النّذير

إنّني عنك زاجر ثمّ حيّا
من لؤيّ و كلّهم مغرور

و ابن الزّبعرى هذا هو الّذي تقدّم الكلام فيه في شرح المختار الخامس عشر من باب الكتب و الرّسائل .