( لا يجبههم ) أي لا يزجرهم أصله من الجبه بمعنى مقابلة الانسان بما
[ 37 ]
يكرهه . قال ابن الأثير في النهاية : الجبه هو الاستقبال بالمكروه و أصله من اصابة الجبهة يقال : جبهته إذا أصبت جبهته . انتهى قوله . و قال الشارح المعتزلي : و أن لا يجبههم : لا يواجههم بما يكرهونه و أصل الجبه لقاء الجبهة أو ضربها فلما كان المواجه غيره بالكلام القبيح كالضارب جبهته سمّى بذلك جبها . انتهى . و في القاموس : جبهه كمنعه ضرب جبهته و ردّه أو لقيه بما يكره . انتهى . و في منتهى الأرب جبهه ( من باب فتح ) : زد بر پيشانى او و رد كرد آن را ، و بمكروه پيش آمد او را و نابايست آورد بر وى . انتهى . و قال اميّة بن أبي الصّلت في ابن له عقّه : 1
غذوتك مولودا و علتك يافعا
تعلّ بما ادني إليك و تنهل
إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت
لشكوك إلاّ ساهرا أتململ
كأنّي أنا المطروق دونك بالّذي
طرقت به دوني و عيني تهمل
فلمّا بلغت السنّ و الغاية الّتي
إليها مدى ما كنت فيك اؤمّل
جعلت جزائي منك جبها و غلظة
كأنك أنت المنعم المتفضّل
فليتك إذ لم ترع حقّ ابوّتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل
تراه معدّا للخلاف كأنّه
بردّ على أهل الصّواب موكّل
( و لا يعضههم ) اى لا يرميهم بالبهتان و الكذب و في القاموس عضه كمن عضها و يحرك و عضيهة و عضهة بالكسر كذب و سحر و نمّ و جاء بالإفك و البهتان كأعضه و فلانا بهته و قال فيه ما لم يكن انتهى . و قال المتوكل الليثي ( الحماسة 442 من شرح المرزوقي ) .
احذر وصال اللّئيم إنّ له
عضها إذا حبل وصله انقطعا
و قال المرزوقي في شرحه : احذر مواصلة اللئيم و مؤاخاته لأنّه إذا انقطع حبل وصله و انصرم ما يجمعك و إيّاه من ودّه يتكذّب عليك و يخلق من الإفك فيك ما لم تكتسبه لا بيدك و لا لسانك ، و العضه ذكر القبيح كذبا و زورا و يقال :
-----------
( 1 ) الابيات من الحماسة فراجع الى شرح الحماسة للمرزوقى . الحماسة 254 . منه .
[ 38 ]
عضهته إذا رميته بالزّور . و أعضه الرجل أتى بالعضيهة و هي الإفك ، و من كلامهم يا للعضيهة و يا للأفيكة .
( بؤسا ) قال الجوهرى في الصحاح نقلا عن أبي زيد في كتاب الهمزة : بئس الرجل يبأس بؤسا و بئيسا اشتدّت حاجته فهو بائس . أنشد أبو عمرو :
بيضاء من أهل المدينة لم تذق
بئسا و لم تتبع حمولة مجحد
و هو اسم وضع موضع المصدر . و قال الشّارح المعتزلى : قال الراوندى بؤسا أى عذابا و شدّة ثمّ خطأه بقوله : فظنّه منوّنا و ليس كذلك بل هو بؤسى على وزن فعلى كفضلى و نعمى و هي لفظة مؤنثة يقال : بؤسى بفلان ، قال الشاعر :
أرى الحلم بؤسى للفتى في حياته . و لا عيش إلاّ ما حباك به الجهل
انتهى قوله . و أقول : نسخة الرّضي تطابق ما اختاره الراوندى و اللّغة أيضا توافقه و انتصابه على المصدر كما يقال سحقا لك و بعدا لك ، فما صحّحه الراوندى ليس بخطاء . نعم ما فسّره الراوندي بقوله : أى عذابا و شدّة ، مخدوش لأنّ العذاب و الشدّة ليس من معانى البؤس بل هما من معانى البأس .
( الفقراء و المساكين ) قال عزّ من قائل : « إنّما الصدقات للفقراء و المساكين » الآية « التوبة 60 » قد ذهب جماعة إلى انهما مترادفان ، و لكن الحقّ كما هو الظاهر من كلام الحقّ تعالى أنّهما متغايران و ذهب إليه أكثر العلماء و لكنّهم اختلفوا في معناهما على أقوال كثيرة بعد ما اتفقوا على استحقاقهما من الزكاة و الأصح أنّ المسكين أسوأ حالا من الفقير و أنه المحتاج الّذي يسأل و الفقير المحتاج الّذي لا يسأل ، لما رواه الكليني قدّس سرّه في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنه سأله عن الفقير و المسكين فقال : الفقير الذي لا يسأل و المسكين الذي هو أجهد منه الّذي يسأل .
و عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : قول اللّه عزّ و جلّ : « إنما الصدقات للفقراء و المساكين » ، قال : الفقير الّذي لا يسأل النّاس و المسكين أجهد منه و البائس أجهدهم .
[ 39 ]
أقول : يعطى معنى المسكين الّذي قاله الامام عليه السّلام من أنه الّذي أجهد منه قوله تعالى : « أو مسكينا ذا متربة » و ذكر أهل اللّغة و التفسير : المتربة الحاجة الشديدة . و من أنّه الّذي يسأل قوله تعالى : « فانطلقوا و هم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين » القلم 26 » ، و قوله تعالى : « و إذا حضر القسمة اولوا القربى و اليتامى و المساكين فارزقوهم منه و قولوا لهم قولا معروفا النساء 10 » و قوله تعالى : « و لا يأتل اولوا الفضل منكم و السعة أن يؤتوا اولى القربى و المساكين و المهاجرين في سبيل اللّه » الاية النور 23 » .
و يعطى معنى الفقير من أنه الّذي لا يسأل قوله تعالى : « للفقراء الّذين احصروا في سبيل اللّه لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون النّاس الحافا البقرة 277 » و قوله تعالى :
« إن تبدوا الصّدقات فنعمّا هي و إن تخفوها و تؤتوها الفقراء فهو خير لكم » البقرة 275 » ، و قوله تعالى : « للفقراء المهاجرين الّذين اخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من اللّه و رضوانا » الآية الحشر 9 » .
ثمّ إنّ المسكين بحسب النسبة أعمّ من الفقير لأنّ الفقير مقابل الغنى أي الّذي ليس له مال و المسكين من كانت به المسكنة أيضا . و بعد في المقام بحث طويل الذيل أعرضنا عنه لخروجه من موضوع الكتاب و خوفا من الاسهاب و الاطناب ،
فراجع إلى تفاسير القرآن الكريم و في زكاة الكتب الفقهية ، و قد أشبع الكلام السيّد صاحب المدارك عند قول المحقّق ره في زكاة الشرايع : أصناف المستحقين للزكاة سبعة : الفقراء و المساكين الخ . ( ص 277 من الطبع الرحلي على الحجر ) .
( المدفوعون ) جمع المدفوع من دفعه إذا نحّاه و أبعده و ردّه . قيل : المراد منه هنا الفقير لأنّ كلّ أحد يكرهه و يدفعه عن نفسه و سيأتي بقيّة الكلام فيه في المعنى .
و قال المجلسي ره في البحار ( ص 643 ج 8 من الطبع الكمباني ) و في بعض النسخ : المدقعون بالقاف ، قال في القاموس : المدقع كمحسن الملصق
[ 40 ]
بالدّقعاء و هو التراب . انتهى .
و أقول : منه قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء : إنّكنّ إذا جعتنّ دقعتنّ و إذا شبعتنّ خجلتنّ ، و لكن الصواب ما اخترناه و هو الّذي موافق لنسخة الرضي ره .
( الغارم ) الّذي علاه الدّين لا يجد القضاء . ( رتع ) كمنع اى أكل و شرب ما شاء في خصب و سعة . ( فقد أخلّ بنفسه في الدّنيا و هو في الآخرة أذلّ و أخزى ) هذا هو المطابق للنسخة الّتي قوبلت بنسخة الشريف الرضي ره و هو أخلّ بالخاء المعجمة من غير ذكر الخزي كما في بعض النسخ ، و من غير ذكر الذلّ و الخزى كما في نسخ اخرى . و في أكثر النسخ المطبوعة فقد أحلّ بنفسه في الدّنيا الذلّ و الخزي بالحاء المهملة في أحلّ ، و في بعضها الاخر فقد أذلّ نفسه في الدنيا الخزي .
و في نسخة اخرى مخطوطة ، فقد أحلّ بنفسه في الدّنيا الخزي . و جعل بعضهم الخزى بضم الخاء و فتح الزاي جمع الخزية بفتح الخاء أى البليّة و لكن الصواب ما اخترناه موافقا للرضي ره .
قال في القاموس : أخلّ بالشيء أجحف و بالمكان و غيره غاب عنه و تركه و الوالى بالثغور قلّل الجند بها و بالرجل لم يف له و الخلّة الحاجة و الفقر و الخصاصة ، و في المثل : الخلّة تدعو إلى السلّة أى إلى السرقة . خلّ و اخلّ بالضم احتاج و رجل مخلّ و مختلّ و خليل و أخلّ معدم فقير و اختلّ إليه احتاج و ما أخلّك اللّه إليه ما أحوجك و الأخلّ الأفقر . و ما يناسب المقام هو المعنى الأوّل أعنى الإجحاف . ( الأمنة ) قال الجوهرى في الصحاح : الأمنة الأمن و منه أمنة نعاسا و الأمنة أيضا الّذين يثق بكلّ أحد و في منتهى الأرب : أمنة محركة بي بيمي و راستى ضدّ خيانت و بمعنى امنة كهمزه است ثمّ قال : امنة كهمزة آنكه بر هر كس ايمن باشد و اعتماد كند و آنكه بروى هر كس اعتماد كند در هر كارى انتهى .
و هذا المعنى الأخير هو المراد إن قلنا أنّ المصدر مضاف إلى الفاعل ، و إن قلنا أنّه مضاف إلى المفعول به فمعناها هو الذي يثق بكلّ أحد كما سيأتي .
و في عدّة نسخ من المخطوطة و المطبوعة الامّة مكان الأمنة إلاّ نسخة
[ 41 ]
الرضي رضوان اللّه عليه و هي الّتي اخترناها .