مستدرك نهج البلاغة

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في صفته شيعته

قاله لمولاه نوف الشامي

شيعتي – يا نوف – الذُّبل الشفاه ، الخُمْص البطون ، رهبان في الليل ، أُسدٌ في النهار ، إذا جَنّهم الليل اتَّزَرُوا الأوساط ،و ارتدوا على الأطراف وصفّوا الأقدام ، و افترشوا الجباه ، و إذا تجلى النهار ، فحلماء علماء ، أبرار أتقياء، اتخذوا الأرض بساطاً ، و الماء طيباً ، و القرآن شعاراً ، إن شُهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، لا يهِرّوُن هرير الكلاب ، ولا يطمعون طمع الغراب ، إن رأوا مؤمناً أكرموه ، وإن رأوا فاسقاً هجروه ، شرورهم مأمونة ، وقلوبهم محزونة ، وحوائجهم خفيفة ، و أنفسهم عفيفة ، اختلفت منهم الأبدان ، ولم تختلف القلوب ، هؤلاء و الله – يا نَوْف – شيعتي.            

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام

الحمد لله أولِ محمود و آخر معبود ، و اقرب موجود ، الكائن قبلَ الكون بلا كِيان ، و الموجود في كل مكان بغير عيان ، و القريب من كل نجوى بغير تدان ، علَنتْ عندَه الغُيوب [1] ، وضلَّت في عظمته القلوب ، فلا الأبصارُ تدركُ عظمته ، ولا القلوب على احتجابه تنكر معرفته ، تمثل في القلوب بغير مثال تَحُدُّه الأوهام ، أو تدركه الأحلام ،لا يضره بالمعصية المتكبرون ، ولا ينفعه بالطاعة المتعبدون ، ولم يخلُ من فضلِهِ المقيمون على معصيته ، ولم يُجازِ اصغر نِعَمِه المجتهدون في طاعته ، الدائم الذي لا يزول ، و العدلُ الذي لا يجور ، خالق الخلق ومفنيه ، ومعيده ومبديه ، ومعافيه ومبتليه ، عالم ما أكنّته السرائر ، و أخفته الضمائر ، الدائم في سلطانه بغير أمد ، و الباقي في ملكه عد انقضاء الأبد . احمده حمداً أستزيده في نعمته ، و استجير من نقمته، و أتقرب إليه بالتصديق لنبيّه ، المصطفى لوحيه ، المتخَّير لرسالته ، المختص بشفاعته ، القائم بحقه : محمد "ص" وعلى أصحابه وعلى النبيين و المرسلين ، وسلم تسليماً كثيراً .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام

مر "ع"على الحسن البصري وهو يتوضأ فقال له "ع": يا غلام ، احسن وضوءَك يحسن اللهُ إليك .

فقال له الحسن : علمني كلاماً ينفعني الله به ، فقال "ع": يا غلام ، من صدق الله نجا ، ومن اشفق على دينه سلم من الردى ، ومن زَهِدَ في الدنيا قرت عينه بما يرى من ثواب الله عز وجل .

إلا أَزيدُك يا غلام ؟ قال : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : من كنَّ له ثلاث خصال سلمت له الدنيا و الآخرة : من أمر بالمعروف و أتمر به ، ومن نهى عن المنكر و انتهى  عنه ، ومن حافظ على حدود الله ، يا غلام ، أيسرُكَ أن تلقى اللهَ وهو عنك راضٍ ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قال "ع": كن في الدنيا زاهداً ، و في الآخرة راغباً ، وعليك بالصدق في جميع أمورك ، فإن الله تعبَّدَك وجميعَ خلقه بالصدق ، ثم مشى"ع"حتى دخل سوق البصرة فبكى وقال : يا عبيد الدنيا وعمال أهلها ، متى تجهّزون الزاد ، وتفكرون في المعاد ، ثم تلا قوله تعالى :" فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى" .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام في الترحم على خباب بن الأرت[2]

وهو – على رواية – أولُ من دفن بظهر الكوفة من الصحابة فاقتدى به الناس وكانوا يُدْفَنون في أفنيتهم وعلى أبوابهم قال "ع":

رحم الله خبّابا ، أسلم راغباً وهاجر طايعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتُلِيَ في جسمه، ولن يضيعَ الله اجر من احسن عملا . ثم دنا من القبر وقال : السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين و المسلمين ، أنتم لنا سلف فارط ، ونحن لكم عما قليل تبع لاحق ، اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز بعفوك عنا وعنهم .                          

طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل للحساب ، وقنع بالكفاف ، و أرضى الله عز وجل .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام في الموعظة

روي عن نوف البكالي قال : أتيت أمير المؤمنين وهو في مسجد الكوفة فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، فقال : وعليك السلام يا نوف ورحمة الله وبركاته ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، عظني فقال : يا نوف ، أحسن يحسن الله إليك .

فقلت : زدني يا أمير المؤمنين ، فقال : يا نوف ، إرحم تُرحم .

فقلت : زدني يا أمير المؤمنين ، فقال : فقال يا نوف ، قل خيراً تُذْكر بخير .

فقلت : زدني يا أمير المؤمنين ، فقال : يا نوف اجتنب الغِيبة فإنها أدام كلاب النار . ثم قال : يا نوف ، كذَبَ من زعم انه ولد من حلال وهو يأكل من لحوم الناس بالغِيبة ، وكَذَبَ من زعم انه ولد من حلال وهو يبغضني ويبغض الأئمة من ولدي ، وكذَبَ من زعم انه ولد من حلال وهو يحب الزنا ، وكَذَبَ من زعم انه يعرف الله عز وجل وهو مجترٍ على معاصي الله كل يوم وليلة .

يا نوف ، اقبل وصيتي ، لا تكوننَّ نقيباً ولا عريفاً ولا عشاراً ولا بريداً . يا نوف، صِل رحمك يزد الله في عمرك ، وحسِّنْ خلقَك يخففْ الله في حسابك . 

يا نوف ، إن سرك أن تكون معي يوم القيامة فلا تكن للظالمين معينا . يانوف ، من أحبنا كان معنا يوم القيامة ، ولو أن رجل احب حجراً لحشره الله معه .

يا نوف ، إياك أن تتذلل للناس ، وتُبَارِزَ الله بالمعاصي فيفضحك الله يوم تلقاه .

يا نوف ، احفظ عني ما أقول تنل به خير الدنيا و الآخرة .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام

يا معشر قريش ، اللهَ اللهَ ، لا تخرجوا سلطان محمد من أهلِ بيته ، فوالله لنحن أحقُ بهذا الأمر – ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيهُ في دين الله ، العالمُ بسنة رسول الله "ص" المضطلع بأمر الرعية .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام

قاله للأشعث بن قيس لما قال له يا أمير المؤمنين : أني سمعتك تقول : ما زلت مظلوماً ، فما منعك من طلب ظُلاَمتك و الضرب دونها بسيفك ؟

يا أشعث ، منعني من ذلك ما منع هارونَ : إذ قال لأخيه موسى : أني خشيت أن تقول فرَّقْتَ بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ، وقد قال له موسى حين مضى لميقات ربه : إن رأيت قومي ضلّوا و اتبعوا غيري فنابذهم ، فإن لم تجد أعواناً فاحقن دَمَك ، وكُفَّ يدَك ، وكذلك قال لي أخي رسول الله "ص" فلا أخالف أمره .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام

إنه لا يقاس بنا – آل محمد – من هذه الأمة أحد ، ولا يسوّى بهم من جَرَتْ نعمتهم عليه ، نحن أطول الناس أغراساً ، و افضل الناسِ أنفاساً ، نحن عمادُ الدين ، بنا يلحق التالي ، و إلينا يفيء الغالي ، ولنا خصائص حق الولاية ، وفينا الوصية و الوراثة ، وحجة الله عليكم في حجة الوداع يوم غدير خم ،وبذي الحُلَيْفة ، وبعده المقام الثالث بأحجار الزيت[3]، ولو سَلَّمتم الأمر لأهله ، سَلِمتم ، ولو أبصرتم باب الهدى رَشُدْتم . اللهم أني دللتهم على طريق الرّحمة ، وحرصت على توفيقهم بالتنبيه و التذكرة ، ليثبتَ راجع ، ويتعظ متذكر ، فلم يُطَعْ لي قول . اللهم و أني أعيد عليهم القول ليكون اثبت للحجة عليهم .

أيُّها الناسُ اعرفوا فضْلَ من فضَّل الله ، و اختاروا حيث اختار الله ،وقد فُضلنا أهل البيت ، وَطُهرنا من الفواحش ، فنحن على منهاج الحق ومَنْ خالَفنا على منهاج الباطل ، ولئن خالفتم أهل بَيتِ نبيكم لتخالفُنَّ الحق ، إنهم لا يُدخلونكم في رَدى ، ولا يخرجونكم من باب هدى ، وقد قال "ص" لا تسبقوهم فتضلّوا ، ولا تخالفوهم فتجهلوا ، ولا تتخلفوا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم ، أعلم الناس كباراً ، و أحلمهم صغاراً ، فاتبعوا الحق و أهله حيث كانوا ، قد والله فُرِغَ من الأمر ، لا يزيد فيمن أحبني رجل ولا ينقص منهم رجل .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام

وقد سأله شيخ من أهل الشام حضر صفين فقال له بعد انصرافهم منها : أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام ، أكان بقضاء الله وقدره ؟ قال : نعم يا أخا أهل الشام ، و الذي فلق الحبة وَبَرأَ النسمة ، ما وطئنا موطئاً ، ولا هبطنا وادياً ، ولا علونا تلعةً إلا بقضاء الله وقدره . فقال الشامي : عند الله احتسب عنائي إذاً يا أمير المؤمنين ، وما أظن أن لي أجراً في سعيي إذا كان الله قضاه عليَّ وقدره لي ، فقال أمير المؤمنين"ع" :

إنَّ اللهَ قد أعظَمَ لكُم الأجرَ على مَسيرتكم و أنتم سائِرونَ ، وعلى مُقامِكم ، و أنتم مُقيمون ، وَلم تكونوا في شيءٍ من حالاتكم مكرهين ، ولا إليها مضطرين . فقال الشامي : كيف يكون ذلك و القضاء و القدر ساقانا ، وعنهما كان مسيرنا و انصرافنا ؟ فقال له أمير المؤمنين : وَيَحَك يا أخا أهلِ الشام ! لعلك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حتما. لو كان ذلك كذلك لَبطل الثواب و العقاب ، وسقط الوعد و الوعيد ، و الأمر من الله عز وجل و النهي منه ، ولم تأتِ لائمةٌ من الله لمُذنب ولا مَحمَدَةٌ منه لمحسنٍ ، ولَمَا كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المسيء ، ولا المسيء أولى بعقوبَة المذنب من المحسن ، تلكَ مقالة عبدة الأوثان ، وحزب الشيطان ، وخصماء الرحمن ، وشهداء الزور ، وقدريّة هذه الأمة ومجوسها ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً وكلفهم يسيراً ، و أعطى على القليل كثيرا، ولم يُطَعْ مُكرَهاً ، ولم يُعْصَ مغلوباً ، ولم يكلف عسيراً ، ولم يرسل الأنبياءَ لعباً ، ولم ينزل الكتب على العباد عبثاً ، وما خلق السموات و الأرض بينهما باطلاً ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. قال الشامي : فما القضاء و القدر اللذان كان مسيرنا بهما وعنهما ؟ فقال "ع": الأمر من الله تعالى في ذلك ، و الحكم منه ، ثم تلا قوله سبحانه :" وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ " وقوله تعالى :" وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا" .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام

عليكم كتاب الله ، فانه الحبلُ المتين ، و النورُ المبين ، و الصراط المستقيم ، و الشفاء النافع ، و الرّي الناقع ، و العصمة للمتمسك ، و النجاةُ للمتعلق ، لا يَعْوَجُّ فَيقوّم ، ولا يزيغ فيتشعَّب ، ولا خلق على كثرة الترداد ، من قال به صدق ومن عمل به لحق .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام

انْهَدُوا إليهم ، وعليكم السكينة ، سيما الصالحين ، ووقارُ الإسلام ، فانا ذاك أدعوهم إلى الإسلام ، وهم يدعونني إلى عبادة الأصنام ، لقد خدعوا شطر هذه الأمة فأشْرَبوا قلوبَهم حُبَّ الفتنة ، و استمالوا أهواءهم بالإفك و البهتان ، وقد نصبوا لنا الحرب ، وجَدّوا في إطفاء نور الله ، و الله متم نوره ولو كَرِهَ الكافرون اللهم أفضض جمعهم ، وشتت كلمتهم ، فانه لا يذلّ من و اليت ولا يعزّ من عاديت .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام

مالكم يا أهلَ الكوفة كلما سمعتم بِمْنسِرٍ من مناسرِ أهل الشام أظلكم ؟ انجحر كلُّ امرئ منكم في بيته ، و اغلق بابه ، انجحار الضّبِ في جحره ، و الضبع في وجارها. المغرورُ من غررتموه ، وَلَمن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب ، لا أحرار عند النداء ، ولا إخوانُ ثقة عند النجاء ، ماذا مُنيتُ به منكم ، عُمْيٌ لا تبصرون وبُكْمٌ لا تنطقون ، وصمٌّ لا تستمعون .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام

لما قال له حبيب بن مسلم الفهري : اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم. قال "ع": و ما أنتَ لا أمّ لك وهذا الأمر ؟ اسكتْ فانك لست هناك ولا بأهل له

فقام حبيب وقال : و الله لَترَيني بحيث تكره . فقال "ع": ما أنت ولو أجلبت بخيلك وَرَجِلك ، لا ابقى الله عليك أن أبقيتَ عليَّ ، أَحقرةً وسوءاً ، اذهبْ فصوِّبْ وصعّدْ ما بدا لك .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام أجاب به شُرَحْبِيل بن السِّمط ومعنَ بن يزيد[4]

حمد الله و أثنى عليه ثم قال : أما بعدُ فإن الله جل ثناؤه بعث محمداً بالحق فأنقذ به من الضلالة ، و انتاشَ به من الهَلَكةِ ، وجمع به من الفُرقة ، ثم قبضه إليه ، وقد أدَّى ما عليه ، ثم استخلف الناس من استخلفوا ، حتى أتاني الناسُ و أنا معتزلٌ أمورهم ، فأبَيْتُ عليهم ، فقالوا إن الأمة لا ترضى إلا بك وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناسُ ، فبايعتهم ، فلم يَرُعْنِي إلا شِقاقُ رَجُليْن بايَعاني ، و إلا خلاف معاوية الذي لم يجعل الله عز وج له سابقةً في الدين ، ولا سلفَ صدقٍ في الإسلام . طليقٌ بن طليق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدَّواً هو و أبوه حتى دخلافي الإسلام كارهَين ، فلا غرْوَ إلا خَلْفُكم [5] معه ، و انقيادكم له ، وشِقاقكم لآل نبيكم الذين لا ينبغي لكم أن تعدلوا بهم من الناس أحداً . ألا و أني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، و إماتة الباطل ، و إحياء معالم الدين ، أقول قولي هذا و استغفر الله لي ولكم .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام كان يقوله في كل موطن يلقى فيه العدو

 لا تقاتلوا القومَ حتى يبدؤوكم فأنتم بحمد الله على حجة ، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم ، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تكشفوا عورةً ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا ستراً ، ولا تدخلوا داراً ، ولا تأخذوا مالاً ، إلا ما وجدتم في معسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم ، وسببن أمراءكم صلحاءكم ، فإنهن ضعافُ القوى و الأنفس .         

ولما رأى "ع"أن ميمنته قد عادت إلى موقفها وكشفت من بازائها من العدو أقبل"ع"حتى انتهى إليهم فقال :

أني قد رأيت جولتكم و انحيازكم عن صفوفكم ، تحوزكم الجحفاة الطغاة ، أعرابُ أهل الشام ، و أنتم لهاميمُ العرب ، و السنام الأعظم ، وعُمَّارُ الليل بتلاوةِ القرآن ، و أهلُ دعوة الحق إذ ضل الخاطئون ، فلولا إقبالكم بعد الإدبار ، وكرَّكم بعد الانحياز ، لوجب عليكم ما وجب على المُوِلّي يوم الزحف دُبُرَهُ ، فكنتم من الهالكين ، ولكن هوَّن عليَّ بعضَُ وَجْدِي وشفا بعضَ أحاح نفسي[6]أني رأيتكم حزتموهم كما حازوكم ، و أزلتموهم كما أزالوكم ، تركب أولاهم أُخراهم ، كالإبل المطرودة الهيم، فاصبروا ، نزلت عليكم السكينة ،وثبتكم الله باليقين . ولِعلم المنهزم أنه مُسْخِطٌ ربه ، ومُبِقٌ نفسه ، وإن في الفرار موجدة الله عليه ، و الذل اللازم ، و العار الباقي ، و اعتصارَ الفيء من يده ، وفساد العيش عليه ، وإن الفارَّ لا يزيد في عمره ، ولا يُرضِي ربَّه . فموت المرء محقاً قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتأنيس لها ، و الإقرار عليها . [ أقول روى السيد بعض فقرات من هذا الكلام ولعل ذلك اختياره منه أو هو على رواية أخرى لم نقف عليها فإن في عصره من كتب السير و التاريخ و الوقائع شيئاً كثيراً قد ذهب ولم يبق منه إلى عصرنا إلا النزر اليسير ] .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في الكوفة بعد التحكيم وخروج الخوارج من أهل البصرة

الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح ، و الحَدَثان الجليل [7] ، و اشهد أن لا اله إلا الله ، و أن محمداً رسول الله ، أما بعد ، فإن المعصية تورثُ الحسرةَ ، وتُعقِبُ الندم ، وقد كنتُ أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة أمري ، ونحلتكم رأيي ، لو كان يُطاعُ لقصير أمر ، ولكن أبيتم إلا ما أردتم فكنْتُ أنا و أنتم كما قال أخو هوازن:

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى                     فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

ألا إن هذين الرجلين ، اللذين اخترتموهما حكمين ، قد نبذا حكم القرآن ، و اتبع كلُّ واحدٍ منهما هواه ، فحكما بغير حجة بينة ، ولا سنةٍ ماضية ، و اختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشد ، فبرئ اللهُ منهما ورسوله وصالحُ المؤمنين ، فاستعدوا وتأهبوا و أصيخوا في معسكركم إلى الله .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام لما نزل بالنخيلة وأيس من الخوارج

قام فحمد الله و أثنى عليه ، ثم قال : فانه من ترك الجهاد في الله ، وأدّهن في أمره ، كان على شفا هَلَكَة ، إلا أن يتدراكه الله ، فاتقوا الله ، وقاتلوا من حادَّ الله ، وحاوَلَ أن يطفئ نور الله ، قاتلوا الخاطئين الضالين الذين ليسوا بقرّاء للقران ، ولا فقهاء في الدين ، ولا علماء في التأويل، ولا بأهل لهذا الأمر ، ولو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وقيصر .

  ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام [8]

حمد الله و أثنى عليه ثم قال : يا أهل الكوفة ، أنتم إخواني و أنصاري و أعواني على الحق ،وصحابتي على جهاد عدوي ، بكم اضرب المدبر ، و ارجو تمام طاعة المقبل .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام حين أتى أهلَ النهر فوقف عليهم

أيتها العصابةُ التي أخرجها المِراء واللَّجَاجَة ، وصدها عن الحق الهوى ،وطمح بها النزق ، أني نذير لكم أن تصبحوا غداً صرعَى ، بأثناء هذا النهر ، وبأهضام هذا الغائط ، بغير بينة من ربكم ولا برهان ، ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة ، و أخبرتكم أن طلبَ القوم لها وهنٌ ومكيدةٌ ، ونبأتكم ان القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، و أني اعرف بهم منكم : عرفتهم أطفالاً ورجالاً ، فهم أهل المكر و الغدر ، و إنكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم ، ولمَّا أكرهتموني شرطتُ و استوثقتُ ، فأخذت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن ، ويميتا ما أمات القرآن فاختلفا وخالفا حكم الكتاب و السنة ، فقالوا : قد تبنا بعد أن كفرنا ، فإن تُبتَ فنحن معك ، فقال "ع": أصابكم حاصب ، ولا بقي منكم آبر ، أبعد إيماني برسول الله ، وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله ، أشهد على نفسي بالكفر ، لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين.

[ أقول روي هذا الكلام في النهج وقد ذكرناه هنا لما بين الروايتين من الاختلاف ] .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام

لقد أبيتم عليَّ إباءَ المخالفين ، وعدلتم عني عدولَ العاصين ، حتى صرفتُ رأيي إلى رأيكم ، و أنتم معاشرٌ أَخفاءُ الهام ، سفهاءُ الأحلام ، فلم آت – لا أبا لكم – حراما ، ولا أخفيتُ شيئاً من هذا الأمر عنكم ، ولا أوطأتكم عُشْوَة ، وقد اجمع رأي ملئكم على أن اختاروا رجلين ، فأخذنا عليهما أن يحكما بالقرآن ولا يعدواه ، فتاها عن الحق وهما يبصرانه ، وكان الجور هواهما ، و الصد عن الحق بسوء رأيهما ، فبماذا تستحلون قتالنا ، و الخروج من جماعتنا ، وأن تضعوا أسيافكم على عواتكم ، تضربون الرقاب ، وتسفكون الدماء ؟ إن هذا لهو الخسران المبين .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام وقد مرَّ بقوم صرعى فقال :

بؤساً لكم ! لقد ضركم من غركم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، من غرّهم ؟ فقال: الشيطانُ و انفسٌ بالسوء أمارة ، غرتهم بالأماني ، وزينت لهم المعاصي ، ونبأتهم أنهم ظاهرون .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام  

وهو أول كلام قاله للناس بعد النهر فيم رواه ابن جرير .

أيُّها الناسُ ، استعدّوا للمسير إلى عدّو في جهاده القربةُ إلى الله ، ودركُ الوسيلة عنده ، حيارى في الحق ، جفاة عن الكتاب ، نُكَّب عن الدين ، يعمهون في الطغيان ، ويعكفون في غمرة الضلال ، فاعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ، وتوكلوا على الله ، وكفى بالله وكيلا ، وكفى به نصيرا .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام

ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا إثاقلتم إلى الأرض ؟ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ، وبالذل و الهوان من العز ؟ أوَ كلما ندبتكم إلى الجهاد ، دارت أعينكم كأنكم من الموت في سكرة ، فانتم لا تعقلون ، وكأنَّ أبصاركم كُمْهٌ فانتم لا تبصرون ؟ لله انتم ! ما أنتم إلا أسود الشَّرَى في الدعة ، وثعالبُ روّاغة حين تُدْعَوْن إلى البأس ! ما أَنتم بثقةٍ سجيس الليالي ! ولا بركب يصال بكم ، ولا ذي عزّ يعتصم إليه ، بئس حشاش الحرب انتم ، تكادون ولا تكيدون ، وتنتقص أَطرافكم ولا تتحاشَوْن ، ولا ينام عنكم وأنتم ساهون .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام يستنفر الناس إلى مصر

قام "ع" في الناس وقد أمر فنودي بالصلوة جامعة ، فاجتمع الناس ، فحمد الله و أثنى عليه وصلى على محمد وآله ثم قال : أما بعد ، فإن هذا ضريح محمد بن أَبي بكر وإخوانكم من أَهل مصر ، قد سار إليهم ابن النابغة عدوُّ الله ، وَوَليّ من عادى الله ، فلا يكونَنَّ أَهل الضلال على باطلهم أَشدَّ اَجتماعا منكم على حقكم ، وقد بدؤا إخوانكم بالغزو ، فاعجلوا إليهم بالمواساة والنصر . عباد الله ، إن مصر أَعظمُ من الشام قدراً ، وأَكثر خيرا ، وخير أَهلا ، فلا تُغْلَبُوا عليها ، فإن بقاء مصر في أَيديكم، عزُّ لكم ، وكبْت لعدوكم ، فاخرجوا إلى الجرعة ،وأَوفوا بها غداً ، إن شاء الله تعالى .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام

الحمد لله على ما قضى من أَمري ، وقدَّر من فعلي ، وابتلاني بكم – أيها الفرقة– ممن لا يطيعُّ إذا أمرت ، ولا يجيب إذا دعوت – لا أبا لغيركم – ما تنتظرون بصبركم ، و الجهاد على حقكم ؟

فوالله لئن جاء الموت – وليَأتين فيفرقن بيني وبينكم ، و أنا لصحبتكم قال [9]، وبكم غير ظنين . لله أنتم لا دين يجمعكم ، ولا حميةَ تحميكم ، إذا أنتم سمعتم بعدوّكم يَرِدُ بلادَكم ، ويَشُنّ الغارة عليكم ! أو ليس عَجَباً أن معاويةَ يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة – يجيبونه في السنة المرتين و الثلاث ، إلى أي وجهٍ شاء ، و أنا أدعوكم إلى المعونة و العطاء فتعصوني وتختلفون عليّ !

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام لمَّا بلغه فتح مصر وشهادة محمد بن أبي بكر "رضي الله عنه"

[ وقد حزن عليه حتى بان فيه ورؤي في وجهه "ع"]

قام خطيباً فحمد الله و أثنى عليه ، وصلى على رسوله "ص" ثم قال : ألا إن مصر قد افتتحها الفجرة ، أولو الجور و الظلم ، الذين صدوا عن سبيل الله ، وَبَغوْا الإسلام عِوَجاً ، ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد ، فعند الله نحتسبه ، أما و الله إن كان – كما علمتُ – لممن ينتظر القضاء ، ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ، ويحب هدي المؤمن . أني و الله ما ألوم نفسي على التقصير ، و أني لمقاساة الحرب لجِدُّ خبير ، و أني لأقدم على الأمر ، و اعرف وجه الجزم ، و أقوم فيكم بالرأي المصيب ، فاستصرخكم معلناً ، و أناديكم نداء المستغيث معربا، فلا تسمعون لي قولا ، ولا تطيعون لي أمرا ، حتى تصير بي عواقب الأمور إلى عواقب المساءة ، فأنتم القوم لا يدركم بكم الثأر ولا تنقضي بكم الأوطار . دعوتكم إلى غياث إخوانكم فجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق ، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له في الجهاد و اكتساب الأجر نيّة ، ثم خرج أليّ منكم جُنَيْد متذائب كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام

هوت أمُّهُ ،ما كان أنقص عقله ، وأجرأه على ربه ! فإني لا آخذ على التهمة ولا أعاقب على الظِنة ، ولا أقاتل إِلا من خالفني وناصبني وأظهر لي العداوة ، ولستُ مقاتلهُ حتى أدعوَه وأُعْذِرَ إليه ، فإن تاب ورجعَ قبِلْنا منه ، وإن أبى إِلا الاعتزام على حربنا استعنا اللهَ عليه ، وناجزناه .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام

الحمد لله العزيز الجبار ، الحليم الغفار ، الواحد القهار ، الكبير المتعال ، سواء منكم من أسرّ القول ومن جَهَرَ به ومن هو مستخف بالليل وساربُ بالنهار . أحمده وأستعينه ،وأومن به ، وأتوكل عليه ، وكفى بالله وكيلا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضللْ فلا هادي له ، ولن تجد من دونه ولياً مرشدا ، وأشهد أَن محمداً عبده ورسوله ، أَرسله بالهدى ودينِ الحق ليظهره على الدين كله دليلا عليه ، وداعياً إليه ، فهدَمَ أَركان الكفر ، وأَنار مصابيح الإيمان . من يطع الله ورسوله ، يكن سبيل الرشاد سبيله ، ونور التقوى دليله ،ومن يعص الله ورسوله يُخْطِ السدادَ كله ، ولن يضر إلا نفسه . أُوصيكم عبادَ الله بتقوى الله وليٌ النعمة والرحمة، له الحمد مُفْرَدا ،والثناء مُخْلَصاً ، خالق ما أَعْوَزَ [10]، ومُذِلُّ ما اسْتُصْعِب ، ومسهل ما استوعر ، ومبتدئ الخلق بدأً أوَّل ، يوم ابتدع السماءَ وهي دخان فقال لها و للأرض أئتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين ،فقضاهن سبع سمواتٍ في يومين ، لا يعوزه شريك ، ولا يسبقه هارب ، ولا يفوته مزايل .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في إحدى الجمع

الحمد لله ذي القدرة و السلطان ، و الرأفة و الامتنان ، أحمده على تتابع النعم، و أعوذ به من العذاب و النقم ، و اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، مخالَفةً للجاحدين ، ومعاندة للمبطلين ، و إقراراً بأنه رب العالمين ، و اشهد أن محمداً عبده ورسوله قفّى [11] ، وختم به النبيين ، وبعثه رحمة للعالمين ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي هو وليُّ ثوابكم ، و إليه مردكم ومآبكم ،فبادروا لذلك قبل الموت الذي لا ينجيكم منه حصن منيع ، ولا هرب سريع ، فانه وارد نازل ، وواقع عاجل ، وإن تطاول الأجل ،و امتد المَهَل ، فكل ما هو آت قريب ، ومن مهدّ لنفسه فهو المصيب ، فتزودوا رحمكم الله اليوم ليومِ الممات ، و احذروا أليمَ هوْل البَينات [12] فإن عقاب الله عظيم ، وعذابه أليم ، نار تلهَّب ، ونفس تُعذَّب وشراب من صديد ، و مقامع من حديد ، أعاذنا الله و إياكم من النار ، ورزقنا مرافقة الأبرار ، إن احسن الحديث و ابلغ الموعظة كتاب الله ( ثم تعوّذ وقرأ سورة العصر ثم قال ): جعلنا الله و إياكم ممن تسعهم رحمته ، ويشملهم عفوه ورأفته ، و استغفر الله لي و لكم ، ( ثم جلس يسيراً وقام فقال :

الحمد لله الذي دنا في علوه ، وعلا في دنوه ، وتواضع كل شيء لعزته ، وخضع كل شيء لقدرته ، أحمده مقصراً عن كُنْهِ شكره ، و أومن به إذعاناً لربوبيته ، و استعينه طالباً لعصمته ، و أتوكل عليه مفوضاً إليه ، و اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، و أن محمداً عبده المصطفى ، ورسوله المجتبى ، و أمينه المرتضى ، أرسله بالحق بشيراً ونذيرا ، و داعياً بإذنه وسراجاً منيرا ، فبلغ الرسالة و أدى الأمانة ، و نصح الأمةَ ، وعبد الله حتى أتاه اليقين ، فصلى الله عليه في الأولين وصلى الله عليه في الآخرين وصلى عليه يوم الدين .

أوصيكم عباد الله بتقوى الله ، و العمل بطاعته ، و اجتناب معصيته ، فانه من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيدا، وخسر خسراناً مبينا .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام في صفة المؤمن

المؤمن هو الكيّس الفَطِن ، بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه ، أوسع شيء صدرا،و أذل شيء نفسا، زاجر عن فإن ، حاضّ على كل حسن ، لا حقود ولا حسود ، ولا سبّاب ولا مغتاب ، يكره الرفعة ويشنأ السمعة[13]، طويل الغم ، بعيد الهم ، كثير الصمت ، وقور ذكور ، صبور شكور ، مغموم بفكره ، مسرور بفقره ، سهلُ الخليقة ، ليّن العريكة ، رصين الوفاء ، قليل الأذى ، لا متأفك ولا متهتك ، إن ضحك لم يخرق ، وإن غضب لم ينزق ، ضحكه تبسم ، و استفهامه تعلّم ،ومراجعته تفهم ، كثيرٌ علمه ، عظيمٌ حلمه ، لا يبخل ولا يعجل ، ولا يضجر ولا يبطر ، ولا يَحِيفُ في حكمه ، ولا يجور في علمه ،نفسه اصلب من الصلد ، ومكادحته أحلى من الشهد ، لا جَشِع ولا هَلِع ، ولا عنف ولا صلف ،جميل المنازعة ، كريم المراجعة ، عدل إن غضب ، رفيق إن طلب ، لا يتهوَّر ولا يتجبر ، خالص الود ، وَثيقُ العهد ، وفيَّ العقد ،شفيق وصول ، حليم حمول ، قليل الفضول ، راض عن الله ، مخالف لهواه ، لا يغلظ على من دونه ، ولا يخوض فيما لا يعنيه ، ناصر للدين ، محام عن المؤمنين ، كهف للمسلمين ، لا يخرق الثناء سمعه ، ولا يَنْكأ الطمع قلبه ، ولا يصرف اللعب حكمه ، ولا يطلع الجاهل علمه ، قوَّال فعَّال ، عالم حازم ، وصول في غير عنف ، بذول في غير سَرَف ، لا بخَتَّال ولا بغدَّار ، لا يقتفي أثراً ، ولا يخافُ بشراً ، عون للضعيف ، غوث للَّهيف ، لا يهتك ستراً ولا يكشف سرا ، كثير البلوى ، قليل الشكوى ، إن رأى خيراً ذكره ، وإن عاين شراً ستره ، يستر العيب ، ويحفظ الغيب ، ويُقِيلُ العثرة ويغفر الزلة ، لا يطلع على نصح فيذره ، ولا يدع جنح حيف فيصلحه ، أمين رصين ، تقي نقي ، زكي رضي ، يقبل العذر ، ويجمل الذكر ، ويحسن بالناس الظن ، ويتهم على العيب نفسه ، يُحِبُّ في الله بفقه وعلم ، ويقطع في الله بحزم وعزم، لا يخرق به فرح ، ولا يطيش به مرح ، مذكّر للعالم ، معلّم للجاهل ، لا تُتوقع له بائقة، ولا تخاف له غائلة ، كل سعي أخلص عنده من سعيه ، وكل نفس اصلح عنده من نفسه ، عالم بعيبه ، لا يثق بغير ربه ، ولا ينتقم لنفسه ، ولا يوالي في سخط ربه ، مجالس لأهل الفقر ، مصادق لأهل الصدق ، مؤازر لأهل الحق ، عون للغريب ، أب لليتيم ، بعل للاَرملة ، حفيّ بأهل المسكنة ، مرجو لكل كريهة ، مأمول لكل شدة ، دقيق النظر عظيم الحذر ، عَقَلَ فاستحيا ، وقنع فاستغنى ، حياؤه يعلو شهوته ، ووده يعلوه حسده ، لا ينطق بغير الصواب ، ولا يلبس إلا الاقتصاد ، مشيه التواضع ، خاضع لربه بطاعته ، راض عنه في كل حالاته ، نيته خالصة ، ونظره عبرة، وسكوته فكرة ، وكلامه حكمة ، لا يهجر أخاه ولا يغتابه ، ولا يمكر به ، ولا يأسف على ما فاته، ولا يحزن على ما أصابه ، ولا يرجو ما لا يجوز له الرجاء ،ولا يَبْطَرُ في الرخاء ، يمزج الحلم بالعلم ، و العقل بالصبر ، بعيد كسلُه ، دائم نشاطه ، قريب أمله ، قليل زللـه ، متوقع اجله ، خاشع قلبه ، قانعة نفسه ، سهل أمره ، حزين لذنبه ميتة شهوته ، كظوم غيظه ، آمن منه جاره ، قانع بالذي قُدّر له ، محكم أمره ، كثير ذكره ، يخالط الناس ليعلم ، ويصمت ليسلم ، ويسأل ليفهم ، ويتَّجر ليغنم ، لا ينصت للخير ليفخر به ، ولا يتكلم ليتجبر به على من سواه ، نفسه منه في عناء ، و الناس منه في راحة ، اتعب نفسه لآخرته ، فأراح الناس نفسه ، إن بُغِيَ عليه صَبَرَ حتى يكون الله الذي ينتصر له ، بُعده ممن تباعد عنه زهدٌ ونزاهة ، ودنوّه ممن دنا منه لين ورحمة ، ليس تباعدُه تكبراً ولا عظمة ، ولا دنوّه خديعة ولا خِلاَبة . يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير ، وهو إمام لمن بعده من أهل البر .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام في صفة الإسلام

أما بعد ، فإن الله تعالى شرع الإسلامَ، وسهَّل شرائعه لمن ورده ، و اعز أركانه لمن حاربه ، وجعله عزاً لمن تَوَلاه ، وسِلْماً لمن دخله ، وهدىً لمن ائتم به ، وزينةً لمن تجللَّه[14]، وعذراً لمن انتحله ، وعروة لمن اعتصم به ، وحبلاً لمن استمسك به ، وبرهاناً لمن تكلم به ، ونوراً لمن استضاء به ، وعوناً لمن استغاث به ، وشاهداً لمن خاصم به ، وفَلْجاً[15]لمن حاجَّ به ، وعلما لمن وعى ، وحديثاً لن روى ، وحُكْماً لمن قضى ، ولباً لمن تدّبر ، وفهماً لمن تفطن ، ويقيناً لمن عقل ، وبصيرة لمن عزم ، و آية لمن توَّسم ، وعبرة لمن اتعظ ، و نجاة لمن صدق ، وتؤدة لمن اصلح ، و زلفى لمن اقترب ، وثقة لمن توكل ، و رجاءً لمن فَوَّض ، وسبْقة لمن احسن ، وجُنَّةً لمن صبر ، ولباساً لمن اتقى ، وظهراً لمن رَشُد ، وكهفاً لمن آمن ، وأمَنَةً لمن اسلم ، وروحاً لمن صدق ، وغِنى لمن قنع، فذلك الحق سبيله الهدى ، ومأثرته المجد ، وصفته الحسنى ، فهو أبلجُ المنهاج ، مشرق المنار ، ذاكي المصباح ، رفيع الغاية ، يسير المضمار ، جامع الحلبة ، سريع السبقة ، أليم النقمة ، كامل العدة ، كريم الفرسان ، فالإيمان منهاجه ، و الصالحات مناره ، و الفقه مصباحه ، و الدنيا مضماره ، و الموت غايته ، و القيامة حلبته ، والجنة سنقته ، و النار نقمته ، و التقوى عدته ، و الحسنات فرسانه ، فبالإيمان يستدَلُّ على الصالحات ، و بالصالحات يعمر الفقه ، ويرهب الموت ، وبالموت تختم الدنيا ، وبالدنيا تجاز القيامة، وبالقيامة تزْلَف الجنة ، و الجنة حسرة أهل النار ، و النار موعظة المتقين .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام 

لا تختانوا وُلاتكم ، ولا تَغُشُّوا هداتكم ، ولا تُجّهلوا أئمتكم ، ولا تَصَدَّعوا عن حَبْلِكم[16]  فتفشلوا وتذهب ريحكم ، وعلى هذا فليكن تأسيس أموركم ، و ألزموا هذه الطريقة ، فانكم لو عاينتم ما عاين من قد مات منكم ، ممن خالف ، ما قد تُدْعَوْن إليه، لبدرتم وحرجتم ولسمعتم ، ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا ، وقريباً ما يُطرَحُ الحجاب .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام

الحمد لله الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه ، كل يوم هو في شأن من إحداث بديع لم يكن ، الذي لم يلد فيكون في العزّ مشاركا ، ولم يولد فيكون موروثاً هالكا ، ولم تقع عليه الأوهام فتقدره شبحاً ماثلا،ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلا ، الذي ليست لأوليته نهاية ، ولا لآخريته حد ولا غاية ، الذي لم يسبقه وقت ، ولم يتقدمه زمان ، ولم تتعاوره زيادة ولا نقصان ، ولا يوصف بأين ولا بمكان ، الذي بطن من خفيات الأمور ، فظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير ، الذي سئُلت الأنبياء عنه ، فلم تصفه بحد ، بل وصفته بفَعاله ، ودلت عليه بآياته ، ولم تستطع عقول المفكرين جَحْدَه ، و الذي خلق خلقه لعبادته ، و أقدرهم على طاعته ، بما جعل فيهم ، وقطع عذرهم بالحجج ، فعن بينة هلك من هلك ، وبمّنه نجا من نجا ، ولله الفضل مبدئاً ومعيداً ، ثم إن الله – وله الحمد – افتتح الحمد لنفسه ، وختم أمر الدنيا وحكم الآخرة بالحمد لنفسه فقال : وقضي بينهم بالحق ، وقيل الحمد لله رب العالمين .

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسيد ؛ و المرتدي بالجلال بلا تمثيل ، و المستوي على العرش بغير زوال ، و المتعالي على الخلق بلا تباعد عنهم ، ولا ملامسة منه لهم ، ليس له حد ينتهي إلى حدّه ، ولا له مثل فيعرف بمثله ، ذلّ من تجبّر غيره ، وصغر من تكبّر دونه ، وتواضعت الأشياء لعظمته ؛ و انقادت لسلطانه وعزته ، وكلَّت عن إداركه العيون ، وقصرت دون بلوغ صفته الأوهام ، الأول قبل كل شيء ولا قَبْلَ له ، و الآخر بعد كل شيء ، ولا بَعْدَ له ، و الظاهر على كل شيء بالقهر له ؛ و المشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال ، لا تلمسه لامسة ، ولا تحسه حاسة ، هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم .

أتقن ما أراد من خلقه لا بمثال سُبِق إليه ، ولا لغوب دخل عليه ، في خلق ما خلق لديه ، ابتدأ ما أراد ابتداءه ، و أنشأ ما أراد إنشاءه من الثقلين الأنس و الجن ، ليعرفوا بذلك ربوبيته ، ويمكّن فيهم طاعته ، نحمده بجميع محامده كلها ، على جميع نعمائه كلها ، ونستهديه لمراشد أمورنا ، ونعوذ به من سيئات أعمالنا ، ونستغفره للذنوب التي سبقت منا . ونشهد أن لا اله إلا الله و أن محمداً عبده ورسوله ، بعثه بالحق نبياً دالاً عليه ، وهادياً إليه ، فهدى به من الضلالة ،و استنقذ به من الجهالة .

منْ يُطع الله ورسولَه فقد فاز فوزاً عظيما ، ونال ثواباً جزيلا ، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسراناً مبينا ، و استحق عذاباً أليما ، فانجوا بما يحقُّ عليكم من السمع و الطاعة ، و إخلاص النصيحة ، وحسن المؤازرة ، و أعينوا على أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة ، وهجر الأمور الكريهة ، وتَعاطَوْا الحق بينكم وتعاونوا به ، وخذوا على يد الظالم السفيه ، وأُمُرُوا بالمعروف وأنْهُوْا عن المنكر ، و اعرفوا لذوي الفضل فضلهم . عَصَمنا الله و إياكم بالهدى ، وثَبَّتَنا الله و إياكم على التقوى و استغفر الله لي ولكم .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام في الاستسقاء

الحمد لله سابغ النعم ، وبارئ النسم ، الذي السموات لكرسيه عمادا، و الأرضَ لعِبادِه مهادا ، و الجبال أوتادا . و أقامَ بعزته أركان العرش ، و اشرق بنوره شعاعَ الشمس ، وفجّر الأرض عيونا ، و القمر نورا ، و النجوم بهورا . ثم تجلى فتمكَّن ، وخلق وأتقن و أقام فيهن ، فخضعت له نخوة المستكبر ، وطُلبت إليه خلة المتمكن ، اللهم فبدَرجتك الرفيعة وفضلك البالغ وسبيلك الواسع ، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد كما دانَ لك ، ودعا إلى عبادتك ، ووفَّى بعهودك ، و انفذ أحكامَك ، و اتبع أعلامك ، عبد ونبيك وأمينك على عهدك ، و القائم بأحكامِكَ ، و القاطِعُ عذر مَن عصاك ، اللهم فاجعله أجزلَ من جعلت له نصيباً من رحمتك ، و أنَضَرَ من اشرق وجهه بسجال عطيتك ، و اقرَب الأنبياء زلفةً عندك ، و أوفرهم حظاً من رضوانك ، و أكثرهم صفوفَ أمةٍ في جناتك . كما لم يسجد للأحجار ، ولم يعتكف للأشجار . اللهم خَرَجنا إليك حين فاجأتنا المضايق الوَعِرة ، و الجأتنا المحابسُ العَسِرة ، وعضَّتنا علايقُ الشَّين ، وتأثَّلَت علينا لواحق المين ،و اعتكرت علينا حدابيرُ السنين ، و أخلفتنا مخايل الجود ، و استظمأنا لصوارخ القُود . فكنت رجاء المبتئس وثقة الملتمس ، ندعوك حينَ قَنَط الأنام، ومَنعَ الغمام ، وهلك السوام ، . يا حي يا قيّوم ، عدَدَ الشجر و النجوم ، أن لا تردّنا خائبين ، وأن تنشر علينا رحمَتَك بالسحاب المتأق [17] ، و النبات المونق . اللهم و امنن على عبادك بتنويع الثمرة ، و أحيِ بلادَك ببلوغ الزهرة ، و أشهد ملائكتك السفرة ، سُقياً منك نافعة ، دائمةً غُرزُها ، واسعاً درُّها . سحاباً وابلاً سريعاً عاجلاً ، تحيي به ما قد مات ، وترُدُّ به ما قد فات . وتُخرِجُ به ما هو آت . اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مُمرعاً طبقاً[18]مجلجلا، متتابعاً خفوقه ، منبجسةً بروقه ، مرتجسة هموعه ، سيبه مستدرّ ، وصوبُه مسبطر ، لا تجعل ظله علينا سَموما ، وبرده حُسوما وضؤه رجوما ، وماءه أجاجا ، ونباته رمادا . اللهم إنا نعوذ بك من الشرك وهواديه ، و الظلم و دواهيه ، و الفقر ودواعيه . يا معطي الخيرات من أماكنها،ومرسل البركات من معادنها ، منك الغيث و أنت الغياثُ و المستغاث ، ونحن الخاطئون من أهل الذنوب . نستغفرك للجهالات من ذنوبنا . ونتوبُ إليك من عوام خطايانا . فأرسل اللهم علينا ديمةً مدراراً . و اسقنا الغيث واكفا مغزارا ، غيثاً واسعاً وبركةً من الوابل نافعة ، يدافع الودقُ منه الودقُ ، ويتلو القطر منه القطر ، غير خُلِّبٍ برقه ، ولا مكذَّبٍ وَعُده ولا عاصفة جنائبه ، سقياً منك محييةً مُرْوِيَة ، محفلة متصلة ، زاكياً نبتها ، نامياً زرعها ، ناضراً عودها ، ممرعة آثارها ، جارية بالخصب على أهلها ، تنعش بها الضعيف من عبادك وتحيي بها الميتَ من بلادك ، وتنعم بها المبسوط من رزقك وتخرجُ بها المخزون من رحمتك وتعم بها من نأى من خلقك . حتى يخصبَ لإمراعها المجدبون ويحيى بركتها المسنتون ، وتُترع بالقيعان غدرانها ، ويورق بذُرى الآكام شجرها ، منةً من مننك مجللة ، ونعمةً من نعمك مفضَّلة على بريَّتك المُرْمِلة وبلادك المعزبة وبهائمكَ المعملة ووحشك المهملة . اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا وتنشر رحمتك و أنت الولي الحميد ( ثم بكى"ع"وقال ) : سيدي صاحت جبالنا وأغبّرت أرضنا ، وهامت دوّابنا ، وقنط أناسٌ منا ، وتاهت البهائم ، وتحيَّرت في مراتِعها . وعجَّت عجيج الثكلى على أولادها وملت الذودان في مراعيها حين حبستَ عنها قطر السماء ، فدقَّ لذلك عظمُها وذهب لحمها و انقطع درّها . اللهم ارحم أنين الآنَّة وحنين الحانَّة ارحم تحيرها في مراتعها ، و أنينها في مرابطها ، يا كريم .

ومن دُعاءٍ لهُ عَليه السَّلام                                                 

الهي إن طال في عصيانك عُمري . وعظمَ في الصحف ذنبي . فما أنا ؛ بمؤمل غيرَ غفرانِك ، ولا أنا براجٍ غير رضوانك ، الهي ، أفكر في عَفوكَ فَتَهُون عليّ خطيئتي. ثم اذكر العظيم من أخذك فتعظم عليَّ بليتي . آهـ إن أنا قرأتُ في الصحف سيئةً أنا ناسيها و أنت محصيها . فتقول خذوه ، فياله من مأخوذٍ لا تنجيه عشيرته ، ولا تمنعه قبيلته . آهـ من نارٍ تُنْضج الأكباد و الكُلَى ! آهـ من نارٍ نزّاعة للشوى . آهـ من غمرةٍ من لهبات لظى .( قال الراوي ) : ثم أنعم في البكاء فإذا هو كالخشبة الملقاة فقلت : إنا لله و إنا إليه راجعون ، مات و الله علي بن أبي طالب ، فأتيت منزله أنعاه ، فقالت فاطمة : ما كان من شأنه ؟ فأخبرتها ، فقالت : هي – و الله – الغَشْيَةُ التي تأخذه من خشية الله تعالى .

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام أجاب به الصديقة الكبرى فاطمة "ع" لما رجعت إليه غضبى[19]  

لا ويل لك ، بل الويلُ لشانئيك ، نهنهي عن وُجْدِك يا ابنة الصفوة ، وبقيَة النبوَّة، فوالله ما وَنَيتُ عن ديني ، ولا أخطأت مقدوري ، فإن كنتِ تريدين البُلْغَة فرزقك مضمون ، وكَفيلُك مأمون ، وما أعدَّ لك خيرٌ مما قُطِعَ عنك ، فأحتسبي الله ، فقالت : حسبي الله ونعم الوكيل .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام يتظلم فيها من قريش

[ التقطنا منها فرائد أوردنا هنا ] :

ما لنا ولقريش ، وما تنكر منا غير أنا أهلُ بيت شيَّد الله بنياننا ، و اختارنا عليهم، فعرّفناهم الكتاب و السَّنة ، وعلَّمناهم الفرائض و السنن ، ودَّيناهم الدين و الإسلام، فوثبوا علينا ، وجحدوا فضلنا ، ومنعونا حقنا ، اللهم فإني استعديك على قريش ، فخذ لي بحقي منها ، ولا تدع مظلمتي لها ، إنك الحكم العدل ؛ فإن قريشاً صغرّت عظيم قدري ، و استحلَّت المحارم مني ، وقالوا إنك لحريص متَّهم ، أليس بنا اهتدوا من مَتَاهِ الكفر ، ومن عمى الضلالة ، وغيّ الجهالة ، وبي أُنِقذوا من الفتنة الظلماء ، و المحنة العمياء ، ويلهم ! ألم أخلصهم من نيران الطغاة ، وسيوف البغاة ، ووطأة الأُسْد ؟ أليس بي تسنموا الشرف ، ونالوا الحق و النَّصَف ؟ ألست آية نبوة محمد "ص" ودليل رسالته ، وعلامة رضاه وسخطه ، وبي كان يَبْرِي جماجم البُهْم وهام الأبطال ؟ إذا فزعت تيمٌ إلى الفرار ، وعدِيّ إلى الانتكاص . ولو أسلمتُ قريشاً للمنايا و الحتوف لحَصَدتها سيوف العرازم[20] ، ووطأتها خيول الأعاجم ، وطحنتها سنابك الصافنات ، وحوافر الصاهلات ، عند إطلاق الأعنة ، وبريق الأسنة ، ولما بقوا لظلمي وعاشوا لهضمي ، ولما قالوا إنك لحريص متهم .

ومنها    

يا معاشر المهاجرين و الأنصار ، أين كانت سبْقةُ تيمٍ وعديِّ إلى سقيفة بني ساعدة خوف الفتنة ، ألا كانت يوم الأبواء إذ تكاثفت الصفوف ، وتكاتفت الحتوف ، وتقارعت السيوف ؟ أم هلاَّ خشيا فتنة الإسلام ، يوم ابن عبدِ وَدّ ، وقد شمخ بأنفه ، وطمح بطرفه ؟ ولِمَ لمْ يُشفقا على الدين و أهله ؟ يوم بواط ، إذ اسودّ لون الأفق ، و اعوجّ عظم العنق ؟ ولِمَ لمْ يُشفقا يوم رضوى ، إذ السهام تَطيرُ و المنايا تسير ، والأسد تَزِير ؟ وهلاَّ بادَوْا يوم العشيرة ، إذ الأسنان تصطك ، و الآذان تستك ، و الدروع تهتك ؟ وهلاَّ كانت مبادرتهما يوم بدر ، إذ الأرواح في الصعداء ترتقي ، و الجياد بالصناديد ترتدي ، و الأرض من دماء الأبطال ترتوي ؟ ولِمَ لمْ يُشفقا على الدين يوم بدر الثانية ، و الرعابيب تُرْعَب ، و الأوداج تَشخَب ، و الصدور تُخْضَب ؟ ( ثم عدد"ع"وقائع كثيرة ، وقرّعهما بأنهما كانا فيها من النَّظارة ) ثم قال : أنا صاحب هذه المشاهد ، و أبو هذه المواقف ، و ابن هذه الافعال الحميدة .

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام

[ وقد اتفق الغديرُ و الجمعة فصعد "ع"المنبر على خمس ساعات من نهار ذلك اليوم فحمد الله حمداً لم يسمع بمثله ، و أثنى عليه ثناء لم يتوجَّه بمثله غيره ، فكان مما حفظ من ذلك ] .

الحمد لله الذي جعل الحمد من غير حاجة منه إلى حامديه ، طريقاً من طرق الاعتراف بربوبيته ، وسبباً إلى المزيد من رحمته ، ومحجة للطالب من فضله ، و اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله استخلصه في القدم ، على سائر الأمم ، على علم منه ، و انتجبه من النبيين آمراً وناهياً عنه ، أقامه في الأداء مقامه ، إذ كان لا تدركه الأبصار ، ولا تحويه خواطر الأفكار ، ولا تمثله غوامض الظنون في الأسرار ، لا اله إلا هو الملك الجبار ، قَرَنَ الاعتراف بنبوته بالاعتراف بأوهيته ؛ و اختصه من تكرمته بما لم يلحقه فيه أحد من بريَّته ، فهو أهل ذلك بخاصته وخَلَّته ، إذ لا يختص من يشوبه التغيير ، ولا يخالل من يلحقه التظنين ؛ و أمرنا بالصلاة عليه ، مزيداً في تكرمته ، وطريقاً للداعي إلى إجابته ، فصلى الله عليه وكرّم ، وشرّف وعظّم ، مزيداً لا يلحقه التنفيذ ؛ ولا ينقطع على التأييد ؛ وإن الله اختص لنفسه من بعد نبيه "ص" من برَّيته خاصة علَّاهم بتعليته ، وسما بهم إلى رتبته ؛ وجعلهم الدعاة بالحق إليه ، و الأدلاء بالإرشاد عليه ؛ لقرنٍ قرن ؛ وزمنٍ زمن ، أنشأهم في القِدَم أنواراً أنطقها بتحميده ، و ألهمها شكر تمجيده ، وجعلهاً حججاً على كل معترف له بمملكة الربوبية ، وسلطان العبودية ، و اشهدهم خلقه ، وولاَّهم ما شاء من أمره ؛ وجعلهم تراجم مشيئته ؛ و ألسن إرادته ؛ عبيداً لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ؛ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ؛ يحكمون بأحكامه ، ويستنون بسننه ؛ ويعتمدون حدوده ؛ ويؤدون فروضه ، ولم يدع الخلق في بهماء صماء ؛ ولا عمياء بكماء ؛ بل جعل لهم عقولاً ما زجت شواهدهم ، وتفرقَّت في هياكلهم ، وحققها في نفوسهم ، و استعبد لها حواسهم ، فقررها بين أسماع ونواظر ، و أفكار وخواطر ألزمهم بها حجته ، وأراهم محجته ،وأنطقهم عما شهدت به بألسن ذَرِبةَ بما قام فيها من قدرته .

ومنها

ثم إن الله عز وجل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين ، عظيمين كبيرين ، لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه ، ليكمُلَ عندكم جميلُ صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقْفُوَ بكمِ آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويسلككم منهاج قصده ، ويوفِّر عليكم هنيِّ رِفده ، فجعل الجمعة مجمعاً ندب إليه ، لتطهير ما كان قبله ، وغسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله إِلى مثله,وذكرى للمؤمنين,وتبيان خشية المتقين,ووهب من ثواب الأعمال فيه أضعاف ما وهب لأهل طاعته في الأيام قبله,وجعله لا يتمّ إلا بالإئتمار لما أمرَ به,والانتهاء عما نهى عنه,والبخوع بطاعته فيما حث عليه,وندب إِليه,فلا يقبل توحيده إِلا بالاعتراف لنبيه "ص" بنبوَّته,ولا يقبل دينا إلا بولاية من أَمر بولايته,ولا تنتظمُ أَسبابُ طاعته إِلا بالتمسك بعصمه,وعِصمِ أهل ولايته,وأنزل على نبيِّه في يوم الدوح ما بيَّن به عن إِرادته في خلصائه,وذوي اجتبائه,وأمره بالبلاغ,وتركِ الحفل بأهل الزيغ والنفاق؛وضمن له عِصْمته منهم,وكشف من خبايا أهل الريب,وضمائر أهل الارتداد,ما رمز فيه,فعقله المؤمن والمنافق,وثبت على الحق ثابت؛وازدادت جهالة المنافق,وحمية المارق,ووقعَ العض على النواجذ والغمز على السواعد,ونطق ناطق,ونعق ناعق,واستمر على مارقيته مارق,ووقع الإذعان من طائفةٍ باللسان؛دون حقائق الإيمان,ومن طائفة باللسان,وصدق الإيمان,وأكمل الله دينه وأَقر عين نبِّيه "ص"  والمؤمنين والتابعين؛وكان ما شهده بعضكم وبَلَغَ بَعضكم,وتمت كلمة الله الحسنى على الصابرين,ودمَّر اللهُ ما صنع فرعون وقارون وهامان وجنودهم و ما كانوا يعرشون,وبقيت حثالة من الضُلال لا يألون الناس خبالا,يقصدهم الله في ديارهم ويمحو الله آثارهم,ويبيد معالمهم ويعقبهم عن قريب الحسرات,ويلحقهم بمن بسط أكفهم,ومد أعناقهم ومكنهم من دين الله حتى بدّلوه,ومن حكمه حتى غيَّروه,وسيأتي نصر الله على عدوِّه لحينه وَالله لطيف خبير؛وَفي دون ما سمعتم كفاية وَبلاغ,فتأملوا رحمكم الله,ما ندبكم الله إليه,وحثكم عليه,وأقصدوا شرعه,واسلكوا نهجه,ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله,إِن هذا يوم عظيم الشأن,فيه وقع الفرج,ورفعت الدرج,ووضحت الحجج,وهو يوم الإيضاح,والإفصاح عن المقام الصراح,ويوم كمال الدين,ويوم العهد المعهود,ويوم الشاهد والمشهود,ويوم تبيان العقود,عن النفاق والجحود,ويوم البيان,عن حقائق الإيمان,ويوم دحر الشيطان,هذا يوم الفصل الذي كنتم توعدون,هذا يوم الملأ الأعلى أنتم عنه معرضون,هذا يوم الإرشاد,ويوم محنة العباد,ويوم الدليل على الروَّاد؛هذا يوم أبدى خفايا الصُدور,ومضمرات الأمور,هذا يوم النصوص,على أهل الخصوص,(فلم يزل "ع" يقول هذا يوم,هذا يوم) حتى قال "ع" :فراقبوا الله عزَّ وجلَّ واتقوه,واحذروا المكر ولا تخادعوه,وتقربوا إلى الله بتوحيده,وطاعة من أمركم أن تطيعوه,ولا تظلوا عن سبل الرشاد باتباع أولئك الذين ظلوا وأضلّوا,قال عزَّ من قال  في طائفة ذكرهم بالذَّم في كتابه:إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل,ربَّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً,وقال تعالى :" وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ":أفتدرون الاستكبار ما هو؟هو ترك الطاعة لمن أمروا بطاعته,والترفع على من ندبوا إلى متابعته,والقرآن ينطق من هذا عن كثير,إن تدّبره  متدّبر زجره ووعظه,واعلموا أيها المؤمنون أن الله عز وجل قال :" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ" أتدرون ما سبيل الله ومن سبيله,ومن سراط الله ومن طريقه؟أنا سراط الله الذي لم يسلكه هوى,وأنا سبيله الذي نَصبني بعد نبيه "ص" ,أنا قسيم الجنة والنار,وأنا حجة الله على الفجار والأبرار,فانتبهوا من رقدة الغفلة,وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل,وسابقوا إلى مغفرة من ربكم قبلَ أن يضرب بسور باطنه الرحمة وظاهر العذاب,فتنادوا فلا يسمع نداؤكم,وتضجوا فلا يحفل بضجيجكم,وقبل أن تستغيثوا فلا تغاثوا,فسارعوا إلى الطاعات,قبل فوت الأوقات.فكأنْ قَدْ جاءَكم هادم اللذات,فلا مناص نجاة ولا محيص تخليص,عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم,وبالبر بإخوانكم,والشكر لله على ما منحكم,واجمعوا يجمع الله شملكم,وتبارّوا يصل الله ألفتكم,وتهادوا نعمة الله كما هناكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله أو بعده,إلا في مثله.والبر فيه يثمر المال,ويزيد في العمر,والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه,وهبوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من جودكم,وبما تناله القدرة من استطاعتكم,وأظهروا البشر فيما بينكم,والسرور في ملاقاتكم,والحمد لله على ما منحكم,وعودوا بالمزيد من الخير على أهل التأميل لكم,وساووا ضعفاءكم في مآكلكم وما تناله القدرة من استطاعتكم وعلى حسب إمكانكم فالدرهم فيه بمائة ألف,والمزيد من الله وصوم هذا اليوم مما ندب الله إليه وجعل الجزء العظيم كفاية عنه,ومن أسعف أخاه مبتدئاً وبرَّه راغباً فله كأجر من صام هذا اليوم,وقام ليلته,ومن فطر مؤمناً في ليلته فكأنما فطر,فئاماً وفئاما,(إلى أن قال "ع" ):فإذا تلاقيتم فتصافحوا بالتسليم,وتهانوا النعمة في هذا اليوم,وليبلغ الحاضر الغائب,والشاهد البائن,وليعد الغني الفقير,والقوي على الضعيف,أمرني رسول الله "ص" بذلك.

 ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام  بالمدينة

حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي "ص" ثم قال:

ألا لا يدعين مدع إلا على نفسه,شغل من الجنة والنار أمامه,ساع مجتهد,وطالب يرجو,ومقصر في النار,ومَلَك طار بجناحيه,ونبي أخذ الله بيده:خمسة لا سادس لهم,هلك من ادعى,وخاب من افترى,وردِيَ من اقتحم.اليمين والشمال مضله,والوسطى الجادة منهج عليه باقي الكتاب والسنَّة وآثار النبوة,ألا وإن الله داوى هذه الأمة بدوائين:السوط والسيف,فلا هوادة عند الإمام فيهما,استتروا ببيوتكم,وأصلحوا ذات بينكم,والتوبة من ورائكم.من أبدى للحق هلك.قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها بمجمودين,أما إِني لو أشاء أن أقول لقلت:عفا الله عما سلف.

ومنها

انظروا فان أنكرتم فأنكروا,وإِن عرفتم فآزروا,حق وباطل,ولكلٍّ أهلٌ,ولئن كثر أمر الباطل لقديماً فعل,ولئن قل الحق لربما ولعل,وقلما أدبر شيء فأقبل,ولئن رجعت إليكم أموركم إنكم لسعداء,وأني لأخشى أن تكونوا في فترة وما علينا الاجتهاد.

ذكر الجاحظ هذه الخطبةَ في كتاب البيان والتبيين ثم قال:وقال أبو بيدة…وروى فيها جعفر بن محمد: ألا إن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً,ألا وإنا أهل بيت مِنْ عِلْم الله علمُنا,وبحكم الله حكمُنا,ومن قول صادق سمعنا,فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا,وإن لم تفعلوا بها يهلككم الله بأيدينا,معنا راية الحق,ومن تبعها لحق,ومن تأخر عنها غرق,ألا وإن منا ترُدُّ دَبْرَةُ[21]كلِّ مؤمن,وبنا تُخْلَع رِبقة الذل عن أعناقكم,وبنا فُتِحَ وبنا يُخْتم.

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام  وَقَدْ ذَكَرَ المهدي "ع"

فقال "ع" :إنه من ولد الحسين رجل أجلى الجبين,أقنى الأنف,ضخم البطن,أزيل الفخذين,أبلج الثنايا,بفخذه اليمنى شامة.

[ قال عبد الحميد:ذكر هذا الحديث عبد الله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث].

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام 

كرهت لكم أن تكونوا  شتامين,ولكن قولوا:اللهم احقن دماءنا ودماءهم,وأصلح ذات بيننا وبينهم,واهدهم من ضلالتهم,حتى يعرف الحق من جهله,ويرعوي عن الباطل من لجَّ به.

ومن كَلامٍ لهُ عَليه السَّلام  يجري مجرى الخطبة

لكأني بكم تترددون في العمى تردد البعير في الطاحونة,أما والله لو أذن لي بما ليس لكم به علم لحصدت رؤوسكم عن أجسادكم كحب الحصيد,بقواضب من حديد,ولقلعت من جماجم شجعانكم ما أقرِّحُ به آماقكم,وأوحش به مجالسكم,فإني مذ عرفت مردي العساكر,ومفني الجحافل,ومبيد خضرائكم,مخمد وضائكم,وجرار الدواوين,إذ أنتم في بيوتكم معتكفون,وإني لصاحبكم بالأمس:لعمري أبي وأمي لن تحبوا أن تكون فينا الخلافة والنبوة,وأنتم تذكرون أحقاد بدر,وثارات أُحد,أما والله لو قلت ما سبق من الله فيكم لتداخلت أضلاعكم في أجوافكم تداخل أسنان دوارة الرحى,فان نطقتُ حَسَد,وإن سكتُّ يقولون جَزِع ابن أبي طالب من الموت,هيهات إلى الساعة يقال هذا!وأَنا الموت المميت,خواض المنايا في جوف ليل حالك,وأَنا حامل السيفين الثقيلين,والرمحين الطويلين,ومنكس الرايات في غطامط الغمرات,ومفرج الكربات عن وجه خير البريات,انتبهوا,فوالله لأبنُ أبي طالب آنس بالموت من الطفل بمحالب أمه,هبلتكم الهوابل,لو بحت بما أَنزل الله سبحانه فيكم لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطويّ البعيد,ولخرجتم من بيوتكم هاربين,وعلى وجوهكم هائمين,ولكني اهوّن وجدي حتى ألقى ربي,بيدٍ جذّاء صِفْرٍ من لذاتكم,فما مَثَلُ دنياكم عندي إلا كمثل غيم علا فاستعلى,واستغلظ واستوى,ثم تمزق فانجلى,رويداً,فعن قليل ينجلي القسطل,وتجدون ثمر فعلكم مراً,وتحصدون غرس أيديكم ذعافاً ممقرا,وسماً قاتلا,وكفى بالله حكماً,وبرسوله خصماً,وبالقيامة موقفاً,فلا أبعد الله فيها سواكم,ولا أتعس فيها غيركم.

ومن خُطبَةٍ لهُ عَليه السَّلام 

الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض,ولا ينقض ما أَبرم,ولو شاء ما أختلف اثنان من هذه الأمة,ولا تنازع البشر في شيء من الأمر,ولا جحد المفضولُ ذا الفضل فضلَه,وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار,حتى لفت بيننا في هذا الموضع,ونحن من ربنا بمرأى ومسمع,ولو شاء لعجل النقمة,ولكان منه النصر,حتى يكذّب الله الظالمَ,ويُعْلِمَ المحقَّ أَين مصيره,ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال,والآخرة دار الجزاء والقرار,ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى,ألا وإنكم لاقو العدو غداً إن شاء الله,فأطيلوا الليلة القيام,وأكثروا تلاوة القرآن,واسألوا الله الصبر والنصر,وألقوْهم بالجد والحزم,وكونوا قوماً صادقين.


[1] يريد أن الغيوب معلومة معلنة لديه .

[2] خباب بن الأرت كان أحد السابقين إلى الإسلام وبعثه الرسول يعلم القران وقد أقرأ فاطمة بنت الخطاب وسعيد بن زيد زوجها القران .

[3] غدير خم : المكان الذي أوصى فيه النبي "ص" بالإمامة من بعده لعلي D . و أحجار الزيت : المكان الذي قتل عنده النفس الزكية .  

[4] الطبري ص14 ج6 .

[5] خلفكم معه : استقاؤكم من شربه .

[6] الأحاح : الغيظ .

[7] الحدثان : بفتح الحاء و الدال كالحدث يدل على الاضطراب .

[8] من الطبري ص45 ج6 .

[9] قالٍ : كاره .

[10] أي خالق ما يحتاجه المخلوقون بلا عجز عنه .

[11] قفّى به المرسلين : جاء به بعدهم .

[12] البينات :الأخذ ليلاً على غرة .

[13] يشنأ : يكره .

[14] تجللَّه : لبسه كالتاج فوق الرأس .

[15] فَلْجا : نصرة .

[16] أي لا تتفرقوا عن وحدتكم التي جمعكم الإسلام عليها .

[17] المتأق : الممتلئ .

[18] طبقاً : عامّاً .

[19] أي عن الولاية على ( فدك ) كما قيل .

[20]  العرازم : الأشداء الجفاة .

[21] تدرك:ترة خ ل.