[82]
ومن خطبة له عليه السلام في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة عليه
قال سبط ابن الجوزي: أخبرنا عبد الله بن أبي المجد الحربي، أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك أخبرنا أبو الفتح أحمد بن محمد الحداد، أخبرنا أبو بكر بن أحمد [بن] علي بن ابراهيم ابن منحويه، أخبرنا محمد بن اسحاق، أخبرنا عبد الله بن سليمان بن الاشعت، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عباد ابن الحبيب بن المهلب بن أبي صفرة، عن مجالد: عن سعيد بن عمير، قال: خطب أمير المؤمنين [عليه السلام] يوما فقال: الحمد لله داحي المدحوات، وداعم المسموكات (1) وجابل القلوب على فطرتها (2) شقيها وسعيدها، وغويها ورشيدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الداحي: الباسط.
والمدحوات: المبسوطات كالارض والجبال وغيرهما من الاجرام المنبسطة.
وداعم المسموكات أي حافظها عن الميل وجعلها ذات عماد كي لاتزول عن محالها ومجاريها، والمسموكات: الاجرام العلوية المرفوعة.
(2) جابل القلوب على فطرتها: خالقها على طبيعتها الساذجة الخالية عن كل نقش.
وقوله: (شقيها وسعيدها...) بدل عن القلوب.
[83]
اللهم واجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك (3) على سيدنا محمد عبدك ورسولك وحبيبك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق (4) المعلن [الحق] بالحق، الناطق بالصدق، الدافع جيشات الاباطيل (5) والدامغ هيشات الاضاليل (6) فاضطلع قائما بأمرك مستوفزا في مرضاتك (7) غير ناكل في قدم ولا وان في عزم (8) مراعيا لعهدك محافظا لودك (9) حتى أورى قبس القابس، وأضأ الطريق للخابط (10) وهدي به
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) أي صلواتك الشريفة السامية، وبركاتك النامية الزاكية.
والشرائف: جمع الشريفة.
والنوامي: جمع النامية.
(4) أي الخاتم لما سبقه من الشرائع والنبوات، والفاتح لما أغلقه المبطلون من أبواب السعادات أو القلوب المقفلة بغلق التلبيسات والشبهات.
(5) جيشات: جمع جيشة - بفتح فسكون - من قولهم: (جاشت القدر): ارتفع غليانها.
والاباطيل: جمع باطل على غير قياس.
(6) كذا في الاصل، وفي النهج: (والدامغ صولات الاضاليل).
(7) فضطلع: نهض قويا.
و (مستوفزا): مسارعا مستعجلا.
(8) الناكل: الناكص والمتأخر.
وفي النهج: (غير ناكل عن قدم...).
(9) وفي النهج: (واعيا لوحيك حافظا على عهدك، ماضيا على نفاذ أمرك حتى أورى...).
(10) أورى: استخرج وأظهر.
والقبس: شعلة النار.
والقابس: طالب النار.
والخابط: الذي يسير ليلا على غير جادة.
والكلام كناية وتمثيل لما مهده رسول الله صلى الله عليه وآله من مشعل الهداية والمحجة الواضحة للسالكين.
[84]
الناس بعد خوض الفتن والاثام، والخطب في عشو [أ] الضلام (11).
وأنارت نيرات الاحكام ارتفاع الاعلام (12) فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وحجتك على العالمين، وبعيثك بالحق (13) ورسولك إلى الخلق.
اللهم فافسح له مفسحا في ظلك (14)، واجزاه بمضاعفات الخير من فضلك (15).
اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش، وقرار النعمة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) (والحبط في عشو الظلام): السير في الظلمات على غير جادة بضعف بصر وعلى غير بصيرة.
وفي نهج البلاغة: (وهديت به القلوب بعد خوضات الفتن، وأقام موضحات الاعلام، ونيرات الاحكام).
(12) كذا في الاصل، فان صح ولم يكن مصحفا فمعناه: أي وهدي به الناس بعد ما أنارت نيرات أحكام الله الدنيا، وتمركزت وارتفع ضوؤها كارتفاع الجبال الراسية المرتفعة إلى أعنان السماء.
(13) شهيد - ها هنا - بمعنى شاهد.
وبعيث بمعنى مبعوث، ومجي فعيل بمعنى فاعل تازة وبمعنى مفعول أخرى أمر شائع فيى العربية.
(14) أي فأوسع له مكانه في دار كرامتك ومنزلتك في جنب منزلة خيرتك سعة تسعها عنايتك به وألطافك عليه.
والظل - هنا - كناية عن اللطف والمرحمة والاحسان والتكرمة.
(15) وبعده في نهج البلاغة هكذا: (اللهم أعل على بنأ البانين بنأه، وأكرم لديك منزلته وأتمم له نوره وأجزه من ابتعائك له مقبول الشهادة، ومرضي المقالة، ذا منطق عدل وخطة فصل.
[85]
ومنتهى الرغبة، ومستقر اللذة، ومنتهى الطمأنينة، وأرجأ الدعة، وأفنأ الكرامة (16).
المختار الرابع من كلامه عليه السلام في الفصل السادس، من كتاب تذكرة الخواص ص 136.
ورواه أيضا السيد الرضي رحمه الله في المختار: (69) من نهج البلاغة، وقطعة منه رواها في ذيل المختار: (102) منه.
ورواه أيضا ابراهيم بن محمد الثقفي رحمه الله في الحديث: (85) من الغارات ج 1، ص 158، عن أبي سلام الكندي قال: كان علي عليه السلام يعلمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم [و] يقول قولوا: اللهم داحي المدحوات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(16) كذا في الاصل، وفي النهج: (اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيسش، وقرار النعمة ومني الشهوات وأهوأ اللذات، ورخاء الدعة، ومنتهى الطمأنينة وتحف الكرامة).
أقول: برد العيش كناية عن حلاوته الملازمة للسكون والهدوء ووفور النعمة.
وقرار النعمة: دوامها.
وأرجأ الدعة: نواحبها.
وهو جمع الرجاء - مقصورا أو ممدودا - وأفناء الكرامة: ساحاتها ومحالها.
وكأنه جمع فنأ - بكسر الفاء -: الساحة أمام المسكن.
[86]
ومن كلام له عليه السلام في تصويره عليه السلام الدنيا بصورة مثالية في صورة عجوز شوهأ مطلقة بثلاث تطليقات وابلاسها من الوصال والرجوع إليها
جمال المفسرين الشيخ أبو الفتوح الرازي الخزاعي رحمه الله قال: أتى ضرار ابن عبد الله الضبي (1) - بعد وفات أمير المؤمنين عليه السلام - معاوية، فقال له: يا ضرار ما فعل أبو تراب ؟ قال: كان عبدا لله فدعاه فأجابه ! ! ! فقال يا ضرار صف لي بعض أخلاقه.
قال: اعفني عن ذلك ! ! ! قال: لابد من ذلك.
قال ضرار: إذا فاسمع: كان والله أول من لبى وكبر، وأفضل من تقمص واعتجز (2) وأكرم من ناجى ربه وسهر، وأعلم من قرب ونحر، وأجود من تصدق بأبيض وأصفر، وخير من أقبل وأدبر بعد محمد سيد البشر ! ! ! قال معاوية: زدني يا ضرار.
فقال ضرار:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في الاصل، وفي المختار: (77) من الباب الثالت من نهج البلاغة (ضرار بن حمزة الضبائي).
وفي الاستيعاب: (ضرار الصدائي).
وفي عنوان: (قطعة من الاخبار المروية في ايجاب ولاء أمير المؤمنين وشي من أخبار زهده...) من كتاب الخصائص - للسيد الرضي - ص 40 ط 2: ذكروا أن ضرار بن ضمرة الضبابي دخل على معاوية بن أبي سفيان وهو بالموسم فقال له: صف [لي] عليا... (2) تقمص: لبس القميص.
واعتجز: لبس المعجر - كمنبر -: العمامة.
[87]
كان والله شديد القوى، بعيد المدى يقول فصلا (3) ويحكم عدلا، تنفجر الحكمة من جوانبه، وينطلق العلم من نواحيه ! ! ! لا يطمع القوي في باطله ولايؤيس الضعيف من عدله (4)، وكان والله يجيبنا إذا سألنا [ه] ويبدينا أذا أتينا [ه] ويلبينا إذا دعوناه ! ! ! وكان فينا كأحدنا ! ! ! وكان مع قربه بنا وتقربه الينا لا نكلمه هيبة ولا نبتديه جلالة ! ! ! وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله (5) قابضا على لحيته يتململ تململ السليم (6) ويبكي بكأ الحزين يناجي ربه ويعاتب نفسه ويقول: يا دنيا [يا دنيا اليك عني] أبي تعرضت ؟ (7) أم بي تشوفت ؟ (8) هيهات هيهات لاحان حينك (9)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) المدى - بفتح الميم -: المنتهى والغاية أي كان عليه السلام في منتهى الكمال وغاية العظمة والجلال لايجاريه فيها أحد.
و (يقول فصلا) أي يقول قولا يفصل بين الحق والباطل أو يفصل كل واحد من المتخاصمين عن الاخر بحل عويصتهم وتنجيز القضأ بينهم.
(4) أي كان عليه السلام لا يسلس قياده للقوي المائل بقوته إلى الزور والباطل كي يطمع في باطله ويتمادى في غيه لهظم حقوق الضعفأ.
وكان عليه السلام باقباله على سماع حجة الضعيف وخفض جناحه له واهتمامه باحقاق حقه لايؤيسه من عدله.
(5) سدول الليل: حجب ظلامه.
(6) يتململ: يضطرب ويتقلب من غم أو مرض.
والسليل - كعليل - الملدوغ من حية أو نحوها.
(7) مابين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة.
و (اليك عني): بعد نفسك مني ووار شخصك عني.
(أبي تعرضت): أتصديت لي ؟ وطلبت وصلي ؟ (8) كذا في ترجمة ضرار من تاريخ دمشق، وفي رواية أخرى منها وكذا في جل الطرق والمصادر: (ألي تشوقت ؟) بالقاف.
وفي النسخة الموجودة عندي من روض الجنان (أم بي تسوفت) بالسين المهملة والفأ، ولم يحضرني للكلمة معنى يلائم السياق، وكأنها مصحفة.
والتشوف - بالشين المعجمة ثم الواو ثم الفأ -: التزين والتصقيل والتجلية.
والتشوق - بالقاف -: اظهار الحنان والشوق الشديد.
[88]
غري غيري [لا حاجة لي فيك] قد أبنتك ثلاثا لارجعته لي اليك ! ! ! (10) فعمرك قصير، وعيشك حقير وخطرك يسير.
ثم غلب البكأ عليه فبكى فقال معاوية: كان والله كما ذكر [ت] فكيف كان حبك له ؟ قال ضرار: كحب أم موسى [له] وأعتذر إلى الله من التقصير ! ! ! قال معاوية: وكيف حزنك عليه ؟ قال: حزن والدة ذبح واحدها في حجرها لا يرقأ دمعها (11) ولا يذهب حزنها إلى يوم القيامة ! ! ! تفسير الاية: (60) من سورة المائدة، من تفسير روض الجنان: ج 4 ص 238.
ورواه أيضا في المختار: (77) من الباب الثالث من نهج البلاغة، وللكلام مصادر كثيرة، وأصل القصة لعلها متواترة معنى.
ورواه أيضا أبو عمر في أواسط ترجمة أمير المؤمنين من كتاب الاستيعاب بهامش الاصابة: ج 3 ص 43 قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا يحي بن مالك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) أي بعيد أن تنالين ما تصديت له، ومستحيل أن تدركين ما أظهرت وجدك إليه، أو من عرضت نفسك مزينة عليه، فارجعي خائبة فليس الان آن وصولك إلى مبتغاك، وليس لك حظ فيمن تصديت لوصله في زينتك أو في نغمتك الخارجة عن شغاف قلبك ! ! ! (10) وفي نهج البلاغة: (قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعيشك قصير وخطرك يسير وأملك حقير).
وما بين المعقوفين أيضا منه (قد أبنتك ثلاثا) قد قطعتك عني وفصلتك مني بالطلاق الثلاث.
وفي غير واحد من الطرق: (قد بتتك ثلاثا).
وهو أيضا - من باب أفعل وفعل ومد وفر - بمعنى القطع.
وامضأ الامر وانجازه.
(11) يقال: (رقع الدمع أو الدم - من باب منع - رقأ ورقؤ): جف وانقطع.
[89]
ابن عائذ، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن سلمة البغدادي بمصر، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، قال: قال أخبرنا العكلي عن الحرمازي - رجل من همدان - قال: قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار صف لي عليا... ورواه عنه في كتاب (مدينة العلم) من عبقات الانوار: ج 2 ص 446.
ومن كلام له عليه السلام في بيان استقامته على محور القسط ومركز العدالة، وبرأة ساحته عن الظلم والقساوة
قال سبط ابن الجوزي: وروى مجاهد، عن ابن عباس قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يوما قال: والله لان أبيت على حسك السعدان مسهدا أو أجر في الاغلال مصفدا (1) أحب الي من أن القى الله تعالى ظالما لبعض العباد، وغاصبا لشي من حطام الدنيا، وكيف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسك السعدان: شوكه.
والسعدان: نبت ترعاه الابل وله شوك تشبه به حلمة الثدي.
ومسهدا: مؤرقا أي الاصباح من غير نوم لعدم ايناس العين بالنوم لاجل الهم أو الخوف أو الالم مما يطرد النوم عن العين.
والاغلال: جمع الغل.
ومصدفا: مقيدا.
[90]
أظلم أحدا لنفس تسرع إلى البلى فقولها، ويطول في الثرى حلولها ! ! ! (2).
والله لو أعطيت الاقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته ! ! ! وأن دنياكم عندي لاهون من ورقة في فم جرادة [تقضمها] ! ! ! (3).
أواخر الباب السادس من كتاب تذكرة الخواص ص 165، ورواه السيد الرضي رحمه الله في المختار: (219) من نهج البلاغة بزيادات كثيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) هذا هو الظاهر الموافق لما في المختار: (219) من نهج البلاغة وفي الاصل: (والنفس...) والبلى: الوهن والرثاثة.
و (قفولها): رجوعها.
والثري التراب... ثم ان في النهج بعد هذه الفقرة زباداة كثيرة في قصة عقيل واستماحه من أمير المؤمنين عليه السلام، وقصة الحديدة المحماة لم يذكرها سبط ابن الجوزي ها هنا.
(3) ما بين المعقوفين مأخوذ من نهج البلاغة وفيه بعده هكذا: (ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى تعود بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين).
أقول: و (جلب شعيرة) بكسر الجيم -: قشرتها.
و (تقضهما) من باب علم -: تكسرها بأطراف أسنانها و (سبات العقل) - بضم السين -: نومة.
و (الزلل): العثرة والسقوط في الخطأ.
[91]
ومن خطبة له عليه السلام في انه وأهل بيته مراكز العلم والسعادة، وان المعرضين عنهم منابع الجهل والغوابة الحمد لله، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله
أما بعد فذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم (1) أنه لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ عنه سنخ أصل (2) وان الخير كله فيمن عرف قدره، وكفى بالمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذمة: العهد.
الامان.
الضمان.
الحرمة.
الحق.
و (هينة): مرهونة.
و (زعيم) كفيل.
ضامن، أي حرمتي أو ضماني أو عهدي عند الله مرهونة لحقيقة ما أقول وأنا بذلك كافل وضامن.
وقال في النهاية: وفي حديث علي: (ذمتي رهينة وأنا به زعيم).
أي ضماني وعهدي رهن في الوفأ به.
(2) وفي النهج: (ولا يظمأ عليها...).
يقال: (هاج النبت - من باب باع - والمصدر كبيع وكتاب ورمضان هيجا وهياجا وهيجانا): يبس.
وهاجت الابل: عطشت.
وهاجت الارض: أخذ نباتها في اليبس واصفرت.
قال في النهاية: ومنه حديث علي عليه السلام: (لا يهيج على التقوى زرع قوم).
أراد من عمل لله لم يفسد عمله ولا يبطل، كما يهيج الزرع فيهلك.
و (لا يظمأ) - من باب علم -: لا يعطش شديدا.
قال في النهاية: وفي حديث علي عليه السلام: (ولا يضمأ على التقوى سنخ أصل).
أصل السنخ والاصل واحد، فلما اختلف اللفظان أضاف أحدهما إلى الاخر.
وقال المجلسي رحمه الله: ويحتمل أن يكون المراد بهما عدم فوت المنافع الدنيوية أيضا بالتوى ويحتمل أن يراد باحداهما أحداهما، وبالاخرى الاخرى.
[92]
جهلا أن لايعرف قدره، وان أبعض الخلق إلى الله تعالى رجل وكله [الله] إلى نفسه، جائز عن قصد السبيل (3) مشغوف بكلام بدعة، قد لهج فيها بالصوم والصلاة (4) فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من كان قبله، مضل لمن اقتدى به، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته (5) قد قمش جهلا في جهال غشوه (6) غار بأغباش الفتنة (7) عمي عن الهدى قد سماه أشباه الناس عالما ولم يغن فيه يوما سالما (8) بكر فاستكثر مما قل منه خير مما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وفي البحار: (وان أبغض الخلق عند الله رجل وكله إلى نفسه) أي لا يلاحظه بسؤ عمله بلحاظ المرحمة، ولا يراقبه مراقبة الحبيب لحبيبه أو الوالد لولده.
و (جائر) ضال منحرف.
و (قصد السبيل): استقامته ووسطه.
(4) مشغوف بكلام بدعة.
أي ان حب البدعة والتكلم فيها قد بلغ شغاف قلبه.
و (لهج بالشي - من باب فرح - لهجا).
أولع به.
والضمير في (فيها) راجع إلى البدعة، أي هو حريص في مبتدعات الصلاة والصوم.
(5) وفي البحار: (رهين بخطيئته).
أي هو مرهون ومأخوذ بها.
(6) يقال: (قمش القماش - من باب ضرب ونصر - قمشا): جمعه من هنا وهنا، أي من نواحي متفرقة.
و (غشوه): أحاطوا به.
(7) غار: مغتر.
و (الاغباش): جمع الغيش - كسبب -: الظلمة.
الخدعة.
(8) أي ولم يقم في تحصيل العلم يوما كاملا سالما من النقص.
ورواه في النهاية: (يوما تاما).
[93]
كثر (9) حتى إذا ارتوى من آجن، واستكثر من غير طائل (10) جلس للناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره، ان خالف من سبقه لم يأمن من نقص حكمه من يأتي بعده، كفعله بمن كان قبله وان نزلت به احدى المهمات هيأ لها حشوا من رأيه (11) ثم قطع عليه، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت (12) لا يدري أصاب أم أخطأ [فان أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وأن أخطأ رجا أن يكون قد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) أي خرج في الطلب في أول اليوم أو في بد العمر، فاستكثر - أي حاز كثيرا - من المطالب التي قليلها خير من كثيرها.
هذا بنأ على كون (ما) موصولة، وأما بنأ على مصدريتها فالمعنى حاز كثيرا من شي قلته خير من كثرته.
(10) ارتوى: شرب حتى شبع وحصل له الري.
و (الاجن): المأ المتغير المتعفن.
واستاره عليه السلام ها هنا للمقدمات الفاسدة التي يأخذها المبطلون من أشباههم من الضلال والجهال.
و (من غير طائل): من غير فائدة.
(11) ومثله في تاريخ ابن عساكر، وفي أمالي الشيخ: (فان نزلت به - وفي الكافي: وان نزلت به احدى المبهمات) أي التي تحتاج في تبيينها إلى نظر صائب وعلم ثاقب.
والحشو من الرأى: رذاله وفضوله.
(12) ومثله في الكافي، وفي تاريخ ابن عساكر: (فهو من قطع المشبهات في مثل نسج - قال وقال ابن زيدويه مكان نسج غزل - العنكبوت).
أقول: وكلاهما بمعنى واحد، والكلام بيان لغاية ضعف مقدمات هذا المبطل ونهاية وهيها.
[94]
أصاب (13)] ولايرى أن [من (خ)] ورأ ما بلغ مذهبا [لغيره] ان قاس شيئا بشي لم يكذب رأيه، وان أظلم عليه أمر اكتتم به - لما يعلم من نفسه من الجهل والنقص والضرورة (14) - كيلا يقال: انه لا يعلم، ثم أقدم بغير علم، فهو خائض عشوات (15) ركاب شبهات، خباط جهالات (16) لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم، ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم (17) يذري الروايات ذرو الريح الهشيم (18)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) مابين المعقوفين مأخوذ من المختار (17) من نهج البلاغة، وهذا بيان وتفصيل لقوله: (لا يدري أصاب أم أخطأ).
(14) أي لاضطراره إلى جواب السائل، وحل المشكلة المرجوعة إليه.
(15) أي يخوض ويدخل في المسائل العلمية من غير بصيرة كالابل التي تجول في الارض ولا تبصر أمامها، فما أحرى بها اما أن تقع في بئر أو بركة أو تسقط من جبل أو أكمة، أو تغرق في بحر أو تثب عليه السباع فتمزقوها اربا اربا.
(16) أي انه كثير الارتكاب لشبهات - فهيهات له من اجتناب المحرمات - وكثير الخبط في الجهالات - والخبط: السير في الظلمة بلا دليل - فهيهات له من تحصيل طريق النجاة.
(17) اي لم يحكم القوانين العلمية، ولم يحتفظ على مقدماتها عن خبرة وبصيرة.
وهذا مثل، وأصله: ان الرماة كانوا إذ أرادوا أن يتخذوا من عود سهما كانوا يعضونه بأسنانهم كي يعلموا أنه صلب أو لين، وكانوا إذا أرادوا أن يخبروا بصلابته وأن جودته مختبرة يقولون عض بضرس قاطع، وإذا أرادوا أن يخبروا أنه مجهول الحال قالوا: لم يعض بضرس قاطع.
فصار مثلا.
(18) يقال: (ذرت الريح التراب - من باب دعا - ذروا، وأذرته وذرته) من باب أفعل وفعل -: أطارته وأذهبته.
والهشيم - فعيل بمعنى مفعول -: النبت اليابس المتكسر.
قال في النهاية: ذرته الريح وأذرته تذروه وتذريه [يعنى من باب دعا، وأفعل]: أطارته.
ومنه حديث علي عليه السلام: (يذرو الرواية ذرو الريح الهشيم).
أي يسرد الرواية كما تنسف الريح هشيم النبت.
[95]
تبكي منه المواريث وتصرخ منه الدمأ (19) ويستحل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم به الحلال، لا يسلم باصدار ما عليه ورد، ولا يندم على ما منه فرط (20).
أيها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة بمن لا تعذرون بجهالته (21) فان العلم الذي هبط به آدم [عليه السلام] وجميع ما فضلت به النبيون - إلى محمد خاتم النبيين - في عترة [نبيكم] محمد صلى الله عليه وآله، فأين يتاه بكم ؟ بل أين تذهبون ؟ (22).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(19) وفي المختار: (16) من نهج البلاغة: (تصرخ من جور قضائه الدمأ وتعج منه المواريث).
(20) إلى هنا رواه في مادة (ذمم) من كتاب الفائق بنحو الارسال واختلاف قليل في بعض الالفاظ، وفيه: (لاملي والله باصدار ما ورد عليه، ولا أهل لما قرظ به).
ومثله في جل المصادر فان صح ما هنا ولم يكن تصحيفا فلعله بمعنى فرغ يقال: (سلم الدلو - من باب ضرب - سلما): فرغ من عملها وأحكمها.
ويقال (فرط من زيد شي - من باب نصر - فرطا): ذهب وفات.
(21) أي عليكم بطاعة من لا تعذرون من معصيته، وعليكم بمعرفة من لا تعذرون بعدم عرفانه وبجهالته وهم عترة النبي وأعدال القرآن، وسفن النجاة.
(22) فأين يتاه بكم - من باب باع -: أين يضل بكم ؟ أين تذهبون متحيرين ؟
[96]
يا من نسخ من أصلاب أصحاب السفينة (23) هذه فيكم فاركبوها، فكما نجا في هاتيك من نجى، فكذلك ينجو في هذه من دخلها، أنا رهين بذلك قسما حقا وما أنا من المتكلفين (24) الويل لمن تخلف [عنهم] ثم الويل لمن تخلف، أما بلغكم ما قال فيهم نبيكم صلى الله عليه وآله، حيث يقول في حجة الوداع: (أني تارك فيكم الثقلين: ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
الا هذا عذب فرات فاشربوا (25) وهذا ملح أجاج فاجتنبوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(23) نسخ من أصلاب أصحاب السفينة: نقل منها وأخذ عنها.
(24) أنا رهين لذلك أي ضامن له مأخوذ به، كما يؤخذ الرهن لو تخلف المديون عن أدأ الدين.
وما أنا من المتكلفين أي ممن تجشم ذلك من قبل نفسه وتعسف في ادعائه... (25) فرات: كثير العذوبة منته فيها.
و (أجاج): شديد الملوحة أو مر.
والمشار إليه في الفقرتين هو معنى الكلام والمحصل منه أي التمسك بهم والاعراض عنهم.
[97]
الفصل الخامس من مختار كلامه عليه السلام في كتاب الارشاد، ص 123.
وقريبا منه جدا رواه اليعقوبي في تاريخه: ج 2 ص 187، ولنصدر مصادر كثيرة وأسانيد، وللذيل شواهد جمة، ورواه نقلا عن الارشاد، مشروحا في الحديث: (58) من الباب (15) من بحار الانوار: ج 1، ص 95 ط الكمباني.
وفي ط الحديثة: ج 2 ص 99، وذيلي الكلام - من قوله: (ان العلم الذي هبط به آدم)) إلى آخره - رواه النعماني بمغايرة طفيفة في الباب الثاني من كتاب الغيبة ص 18، وحكم بمشهوريتها وانها رواها الموافق والمخالف.
وقد تقدم في المختار: (3) ص 18.
وكثيرا من فقراتها رواه الطبري في المسترشد، ص 76.
وقريبا منه جدا رواه في الاحتجاج: ج 1، ص 39، ونقله عنه في الحديث الثاني من الباب (34) من البحار: ج 1، ص 157، ط الكمباني.
وقريبا منها رواه ابن عساكر في الحديث: (1280) من ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق: ج 3 ص 221 ط 1، ورواه أيضا في الحديث (3) من الباب (14) من تيسير المطالب ص 179، ط 1.
(نهج السعادة ج 3) (م 7)
[98]
ومن كلام له عليه السلام في بيان أن الله تعالى أتم نعمته على العالمين ببعث رسول الله وانزال القرآن عليه، حينما كانوا مغرقين في العنأ والشقأ !!!
ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني رفع الله مقامه عن محمد بن يحي، عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس ان الله تبارك وتعالى أرسل اليكم الرسول صلى الله عليه وآله، وأنزل إليه الكتاب بالحق، وأنتم أميون عن الكتاب ومن أنزله، وعن الرسول ومن أرسله، على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الامم (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من قوله: (أرسله على حين فترة - إلى قوله: (ودثارها السيف) - ذكره في المختار: (87) من خطب نهج البلاغة، مع ذيل غير مذكور هنا.
وقوله: (على حين فترة من الرسل) متعلق بقوله (أرسل اليكم الرسول وأنزل إليه).
وفترة من الرسل: هو انقطاع الوحي والرسالة.
والهجعة - بفتح الهاء وسكون الجيم، والهجوع والتهجاع - بفتح التأ - النومة ليلا.
ولعل التعبير بالهجعة للاشارة إلى أن الامم كانوا مستغرقين في بحار الغفلة والاجوأ المظلمة، لاذاكر يوقظهم عن غلفتهم، ولا نبي ولاوصي كي ينورا بتمهيد القوانين الالهية آفاقهم وأقطارهم المدلهمة.
[99]
وانبساط من الجهل، واعتراض من الفتنة، وانتقاض من المبرم، وعمي من الحق، واعتساف من الجور، وامتحاق من الدين، وتلظ من الحروب (2) على حين اصفرار من رياض جنات الدنيا، ويبس من أغصانها، وانتشار من ورقها، ويأس من ثمرها واغورار (3) من مائها قد درست أعلام الهدى فظهرت أعلام الردى، فالدنيا متهجمة [متهجمة (خ)] في وجوه أهلها، مكفهرة (4) مدبرة غير مقبلة، ثمرتها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها الخوف، ودثارها السيف (5) مزقتم كل ممزق،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) واعتراض من الفتنة: حيلولة من الفتنة بين الناس وبين الهدوء والامن.
وفي النهج: (واعتزام من الفتن وانتشار من الامور).
والاعتساف: ارتكاب الشي بلا تدبر.
والامتحاق: الانمحأ والاضمحلال.
والتلظى: التلهب.
(3) وفي النهج: (والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، واياس من ثمرها، واغورار من مائها، قد درست منار الهدى وظهرت أعلام الردى فهي متجهمة لاهها عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة...).
(4) واغورار المأ: ذهابه.
ومتهجمة: متكلفة للهجوم عليهم غفلة والورود عليهم بغتة لتصيبهم بما يكرهون.
ويقال: (جهمه - من باب علم ومنع - جهما وتجهمه تجهما): استقبله بوجه عبوس كريه.
وتجهمه أمله: لم ينله.
و (كهرزيد فلانا - من باب منع - كهرا): استقبله بوجه عبوس تهاونا به.
انتهره.
قهره.
(5) اشارة إلى ما كان دائرا بين العرب من الضطراب ومن اضطهاد بعضهم بعضا واغارة كل على آخرين واستباحتهم اهراق الدمأ، وأكل مال الغير، واستباحة الحريم، وأكلهم الميتة والحيف المنتنة.
والشعار من الثياب: ما يلي البدن ويتصل بشعر الانسان.
والدثار: ما يلبس فوق الشعار.
وما أحسن التعبير عن الخوف بالشعار، وعن السيف بالدثار حيث أن الخوف سابق والسيف لاحق، والاول باطن والثاني ظاهر.
[100]
وقد أعمت عيون أهلها، وأظلمت عليها أيامها، وقد قطعوا أرحامهم وسفكوا دمأهم ودفنوا في التراب الموؤدة بينهم من أولادهم ! ! ! (6) يختار دونهم طيب العيش ورفاهية خفوض الدنيا (7) لا يرجون من الله ثوابا، ولا يخافون - والله - منه عقابا، حيهم أعمى نجس ! ! ! وميتهم في النار مبلس (8) فجأهم بنسخة ما في الصحف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(6) يقال: (وأد زيد بنته - من باب وعد يعد - وأدا): دفنها في التراب وهي حية، فالابنة وئيد ووئيدة وموؤدة.
(7) وفي بعض النسخ: (طلب العيش).
وفي أكثر النسخ: (يجتاز) من الاجتياز بمعني المرور.
وفي بعض النسخ (يحتاز) بالحأ المهملة والرأ المعجمة من الحيازة، وفي بعضها بالخأ المعجمة والرأ المهملة أي كان من يختار طيب العيش والرفاهية يجتنبهم ولا يجاورهم.
وقيل: يعني اختاروا وأرادوا بدفن البنات طيب العيش.
والرفاهية - بفتح الرأ -: لين العيش وطيبه.
التنفس.
التخفيف، ازالة الضيق والتعب.
التوسعة.
والخفوض: جمع الخفض.
سعة العيش وسهولته وهناؤه.
(8) قال المجلسي رحمه الله: وفي بعض النسخ: (نحس) من النحوسة.
والمبلس: الايس من رحمة الله تعالى.
[101]
الاولى، وتصديق الذي بين يديه (9) وتفصيل الحلال من ريب الحرام، ذلك القرآن، فاستنطقوه - ولن ينطق لكم - [ولكن] اخبركم عنه [الا] ان فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي يوم القيامة (10) وحكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلمتكم (11).
الحديث السابع من الباب (19) من كتاب فضل العلم من الكافي ج 1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) ولعل المراد من الصحف الاولى هو خصوص ما نزل على الانبياء السلف قبل موسى وعيسى، والمراد من (الذي بين يديه) هو التوراة والانجيل وانما عبر عنهما بأنهما بين يديه لقربهما نسيبا بعصر رسول لله عليه وسلم.
أو أن المراد من الصحف جميع الصحف السماوية النازلة على الانبياء حتى التوراة والانجيل، والمراد مما بين يديه هو ما يأتي في المستقبل من البعث والنشور والحساب والجزأ مما يقع في عالم الاخرة.
(10) ما بين المعقوفات مأخوذ من المختار: (153) من النهج وفيه هكذا: (أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الامم، وانتقاض من المبرم، فجاءهم بتصديق الذي بين يديه والنور المقتدي به ! ! ! ذلك القرآن فاستنطقوه - ولن ينطق ! ! ! - ولكن أخبركم عنه الا ان فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودوأ دائكم ونظم ما بينكم).
(11) هذا كتاب الاسلام وهذا امامه وعالمه، وهذا الثقل الاكبر.
وذاك الثقل الاصغر الذين خلفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمته وقال لهم: ان تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا.
ولكن أسفي على المسلمين حيث ضيعوا الاول ولم يتفقهوا فيه ولن يطبقوا معاليه، واستضعفوا الثاني وأخروه عن مقامه وجلسوا فيه، ثم وثبوا عليه وعلى من شايعه وبنيه فشردوهم تشريدا وقتلوهم تقتيلا ! ! !
[102]
ص 60 وفي طبع ص 15 ورواه عنه في الحديث: (5) من الباب (4) من مقدمة تفسير البرهان: ج 1، ص 14، ط 2، ورواه أيضا علي بن ابراهيم رحمه الله في مقدمة تفسيره: ج 1، ص 2.
وقريبا من صدر الكلام إلى قوله (ودثارها السيف) رواه في المختار: (87) من نهج البلاغة والذيل أيضا رواه في صدر المختار: (153) من النهج.
ومن كلام له عليه السلام في توصية العلماء وحملة القرآن بالعمل به
الحافظ الكبير ابن عساكر، قال: أخبرنا أبو السعادات أحمد بن أحمد ابن عبد الواحد، أنبأنا أبو جعفر ابن المسلمة الملاء، أنبأنا أبو عبد الله الحسين ابن محمد الفراء [ظ] أنبأنا الحسين ابن أيوب الهاشمي أنبأنا صلاح بن عمران، أنبأنا الحسن بن بشر، حدثني بشر بن سالم، عن سفيان الثوري عن يونس بن أبي فاخته، عن يحي بن جعدة، قال: قال: علي بن أبي طالب [عليه السلام]: يا حملة القرآن اعملوا به، فان العالم من علم ثم عمل بما علم، ووافق عمله علمه [ظ] وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف سريرتهم
[103]
علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يجلسون حلقا فيباهي بعضمهم بعضا، حتى أن الرجل يغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله ! ! ! (1).
الحديث (1284) من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق ج 3 ص 228 من الطبعة الاولى، وفي نسخة العلامة الاميني ج 38 ص 83 وفي النسخة المرسلة الورق: 99 / أو 137.
ورواه أيضا عنه عليه السلام في كتاب الصواعق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إذ ليس عملهم مما يرفع إلى الله تعالى، إذ المرفوع إلى الله تشريفا هو الكلم الطيب والعمل الصالح، كما قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه) وجلوسهم حلقا ومباهات بعضهم بعضا، أو غضبهم على جليسهم لاجل جلوسه إلى غيره ليس منهما حتى يشرف بالرفع إلى الله.
[104]
ومن كلام له عليه السلام في تعيير أهل الحل والعقد من الامة بما فعلوا، وانهم لو قدموا من قدمه الله وأخروا من أخره الله لاستقامت أمور المسلمين علما وعملا وسعادة وسيادة
الكليني طيب الله رمسه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسن التيمي عن محمد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله [الامام جعفر ابن محمد الصادق] عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: الحمد لله الذي لا مقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم.
ثم ضرب [عليه السلام] باحدى يديه على الاخرى ثم قال: أيتها الامة المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وجعلتم الولاية والوراثة حيث جعلها الله، ما عال ولي الله، ولاعال سهم من فرائض الله ! ! ! (1) ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاول مأخوذ من (العيل) بمعنى الافتقار والاحتياج، يقال: (عال يعيل عيلا وعيلة وعيولا - كباع يبيع بيعا وبيعة وبيوعا - أي افتقر، فهو عائل، والمؤنث عائلة، والاسم العيلة - كضربة -.
والثاني مشتق من العول، يقال: (عال فلان في حكمه - من باب قال.
- عولا): جار في حكمه ومال عن الحق.
و (عال يعول عولا) في الميزان: نقص.
وبهذا المعنى جاء من باب (باع) أيضا، وسميت فريضة الوارث عولا وعائلة لميلها عن أهلها بالجور ونقصان سهامهم.
ويقال: (عالت الناقة ذنبها عولا): رفعته، وسميت الفرائض بهذا المعنى أيضا عولا لاجل ارتفاعها على أصلها بزيادة السهام.
ويقال: (عال الرجل عولا): كثر عياله.
وانما سميت الفريضة عائلة بهذا المعنى لكثرة السهام فيها.
ويقال: (عال صبره عولا) غلب.
وعال الرجل: افتقر.
وبهذين المعنيين جاء من باب (باع) أيضا، وعلى هذين المعنيين سميت الفريضة عولا وعائلة، لغلبة الفريضة ومغلوبية أهل السهام بورود النقص عليهم.
ومحصل مراده عليه السلام من هذا الكلام انه لو قدمتم من قدمه الله وجعله خليفة على البرية، وأعرضتم عن الجهال الذين انحط قدرهم عن شامخ مقام الولاية، وأخرتهم حكمة الباري عن سمو الخلافة والامامة، لنلتم غاية الامنية من سعادة الدنيا والاخرة، وما افتقر فيكم أولياء الله، وما ظلم أحد بنقصان حظه، وعدم اعطاء سهمه، من أجل جهالة الحكام والقضاة أو انحرافهما ولعشتم حميدا ومتم سعيدا لوصول كل ذي حق إلى حقه، لحكم الوالي عن علم وعدل واتفاق الامة على اتباع حكمه وامتثال أمره، ولكن قدمتم من أخره الله وأخرتم من قدمه الله فحرمتم خير الدنيا والاخرة.
[105]
تنازعت الامة في شئ من أمر الله، الا وعندنا علمه من كتاب الله، فذوقوا وبال أمركم وما فرطتم في ما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الحديث الثاني من الباب السادس من كتاب المواريث من الكافي: ج 7 ص 78.
[106]
ومن كلام له عليه السلام في الاخبار عن مغلوبية المسلمين عن الجهاد في سبيل الله يدا ثم لسانا ثم قلبا
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد البغدادي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن اسحاق بن جعفر، قال: حدثني أحمد بن يزيد الكوفي قال: حدثنا الحسن بن حماد، قال: حدثنا أبو سفيان وكيع ابن الجراح، قال: حدثنا سفيان بن سعيد الثوري عن زيد بن الحرث، عن الشعبي عن أبي جحيفة، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ان أول ما تغلبون عليه من دينكم الجهاد بأيديكم (1) ثم الجهاد بألسنتكم ثم الجهاد بقلوبكم ! ! ! فإذا لم يعرف القلب المعروف ولم ينكر المنكر نكس [فجعل] (2) أعلاه أسفله كالجراب يؤخذ بأسفله فيخرج ما فيه ! ! !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وقد وقع الخبر على طبق ما أخبر به عليه السلام حتى آل الامر في عصرنا إلى نكس قلوب جل شباب المسلمين وفراغها عما هو المعروف في الاسلام، وملائها بأباطيل الزنادقة والكفار.
(2) وفي كتاب الفتن: (فأي قلب لم يعرف المعروف...).
وفي الطريق الثاني منه: (إذا كان القلب لايعرف معروفا ولا ينكر منكرا نكس...).
[107]
هكذا رواه عنه في باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر - وهو الباب: (28) - من تيسير المطالب في ترتيب أمالي السيد أبي طالب ص 159، من المخطوطة، وفي ط 1، ص 295.
ورواه أيضا في المختار: (375) من الباب الثالث من نهج البلاغة.
ورواه أيضا - إلى قوله: (أعلاه أسفله) - نعيم بن حماد، في الحديث: (133) من الجزء الاول من كتاب الفتن الورق 14 / ب / عن أبي معاوية، عن الاعمش، عن قيس بن راشد، عن أبي جحيفة، عن أمير المؤمنين عليه السلام... ثم روى الذيل فقط عن ابن مهدي عن زبيد، عن الشعبي عن أبي جحيفة عنه عليه السلام.
[108]
ومن كلام له عليه السلام في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن الامم السالفة انما هلكوا لركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والاحبار
قال السيد أبو طالب: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن زيد الحسني قال: حدثنا الناصر للحق الحسن بن علي قال: أخبرنا محمد بن علي بن خلف، عن حسن بن صالح قال: حدثنا خالد بن مختار، عن أبي حمزة الثمالي (1) قال: قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: انما هلك من كان قبلكم بارتكابهم المعاصي ثم لم ينههم الربانيون والاحبار، فلما فعلوا أنزلت بهم العقوبات (2).
الا فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ! ! ! [فان] الامر بالمعروف والنهي عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) والظاهر أنه يرويه عن الامام الباقر عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليه السلام، ويحتمل روايته عن غيره أيضا فانظر المختار التالي.
(2) كذا في الاصل.
[109]
المنكر لا يقدم [أجلا] ولا يدفع رزقا (3).
هكذا رواه عنه في آخر الباب: (28) وهو باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من كتاب تيسير المطالب في ترتيب أمالي السيد أبي طالب ص 197، من المخطوطة، وفي ط 1، ص 299.
ورواه أيضا بسند آخر مع زيادات كثيرة في صدره وذيله في الباب: (45) وهو باب ذم الدنيا، من الكتاب ص 242.
وفي ط 1، ص 299.
ومثل ذيله رواه ابن دأب في كتابه الذي نقله عنه الشيخ المفيد رحمه الله وأدرجه في كتاب الاختصاص ص 159، ط 2، غير أنه قال: وخطب عليه السلام وقال: أيها الناس مروا بالمعروف.. وللكلام أسانيد جمة، ومصادر كثيرة، وصور عديدة، يمر عليك بعضها فيما سيأتي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) وفي رواية ابن داب: (فان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرب أجلا ولا يؤخر رزقا).
[110]
ومن خطبة له عليه السلام في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وان الامم الهالكة انما هلكت لتوغلهم في المعاصي ولم ينههم الربانيون عن ذلك، وفي أن المؤمن الراضي بقضاء الله لا يخلو من احدى الحسنيين
الحسين بن سعيد الاهوازي رضوان الله عليه، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن أبي حمزة، عن يحي بن عقيل، عن حبشي (1) قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ابن عمه محمد صلى الله عليه وآله فصلى عليه ثم قال: أما بعد فانه انما هلك من كان قبلكم بحسب ما عملوا (2) من المعاصي ولم ينههم الربانيون والاحبار عن ذلك، فانهم لما تمادوا في المعاصي نزلت بهم العقوبات.
فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر (3) واعلموا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا في الطبعة الحديثة من البحار نقلا عن كتاب الزهد، وفي النسخة المخطوطة بخط الشيخ شير محمد الهمداني رحمه الله، وط الكمباني من البحار: (حدس)... (2) كذا في الاصل وفي رواية الثقفي: (بحيث ما أتوا) وفي رواية الكافي الاتية: (حيث ما عملوا)... (3) وفي المخطوطة المتقدمة الذكر: (فأمروا بالمعروف...).
[111]
ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان أجلا ولا يقطعان رزقا، فان الامر ينزل من السماء إلى الارض كقطر المطر إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة ونقصان، فان أصابت أحدكم مصيبة في أهل ومال ونفس ورأى عند أخيه عفوة (4) فلا يكونن عليه فتنة [فان المرء المسلم ما لم يغش دناءة تظهر - ويخشع لها إذا ذكرت، ويغرى بها لئام الناس - كان كالياسر الفالج الذي ينتظر احدى فوزة من قداحه توجب له المغنم، ويدفع عنه بها المغرم، كذلك المرء المسلم البرئ من الخيانة] (5) ينتظر احدى الحسنيين اما داع إلى الله فما عند الله خير له (6) واما رزق من الله فإذا هو ذو أهل ومال وبنين، فحرث الدنيا [المال والبنون]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) هذا هو الصواب، وفي النسخة: (عقوبة).
والعفوة - بكسر العين وفتحها -: خيار الشئ وصفوته.
(5) مابين المعقوفين كان ساقطا من النسخة، وأثبتناه على وفق تفسير علي بن ابراهيم لحكم المجلسي رحمه الله بالمماثلة بينهما.
(6) وفي تفسير القمي: (اما داعيا من الله فما عند الله خير له، واما رزقا من الله فهو ذو أهل ومال، ومعه دينه وحسبه، المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الاخرة، وقد يجمعهما الله لاقوام).
[112]
و [أما] العمل الصالح فحرث الاخرة (7) وقد يجمعهما الله لاقوام.
الحديث الاخير من كتاب الزهد (8) للحسين بن سعيد الاهوازي رحمه الله ص 82 ونقله عنه في الحديث (11) من باب الامر بالمعروف من البحار: ج 21 ط الكمباني ص 111، وفي ط الحديث ج 100، ص 74، وذكر قبله مثله عن الامام الصادق عليه السلام عن تفسير علي بن ابراهيم القمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) مابين المعقوفين زيادة منا لاصلاح ما صحف من النسخة، فان ما فيها هكذا: لحزب الدنيا، والعمل الصالح لخربت الاخرة وقد يجمعهما الله لاقوام) ! ! ! (8) ولا يزال هذا الكتاب مخطوط، ونرجو من الله أن يبعث بعض أهل الخير لاحيائه وطبعه.
[113]
ومن كلام له عليه السلام في حكمة تشريع القوانين الالهية
قال الطبرسي - رحمه الله -: روي أنه اتصل بأمير المؤمنين عليه السلام أن قوما من أصحابه خاضوا في التعديل والتجريح (1) فخرج حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ان الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على أداب رفيعة، وأخلاق شريفة، فعلم أنهم لم يكونوا كذلك الا بأن يعرفهم ما لهم وما عليهم، والتعريف لا يكون الا بالامر والنهي، والامر والنهي لا يجتمعان الا بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون الا بالترغيب، والوعيد لا يكون الا بالترهيب، والترغيب لا يكون الا بما تشتيه أنفسهم وتلذ [به] أعينهم والترهيب لا يكون الا بضد ذلك ! ! !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الظاهر أن المراد من الخوض في التعديل والترجيح هو خوضهم في أسبابهما.
(نهج السعادة ج 3) (م 8)
[114]
ثم خلقهم في دار وأراهم طرفا من اللذات ليستدلوا به على ما ورأهم من اللذات الخالصة التى لا يشوبها ألم - ألا وهي الجنة - وأراهم طرفا من الالام ليستدلوا به على ما ورأهم من الالام الخالصة التي لا يشوبها لذة - ألا وهي النار - فمن أجل ذلك ترون نعيم الدنيا مخلوطا بمحنها، وسرورها ممزوجا بكدرها وهمومها (2).
أواخر احتجاجات أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب الاحتجاج: ج 1، ص 309 ط النجف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) قيل: فحدث الجاحظ بهذا الحديث فقال: هو جماع الكلام الذي دونه الناس في كتبهم وتحاوروه بينهم.
قيل: فسمع أبو علي الجبائي بذلك فقال: صدق الجاحظ، هذا ما لا يحتمله الزيادة والنقصان.