- 103 -

ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص بن وائل السهمي

قال نصر بن مزاحم (ره): وكتب علي (ع) إلى عمرو بن العاص يعظه ويرشده: أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها، ولم يصب صاحبها منها شيئا إلا فتحت له حرصا يزيده فيها رغبة (1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفى نهج البلاغة: (ولم يصب صاحبها منها شيئا الا فتحت له حرصا عليها ولهجا بها).

 

[276]

ولن يستغني صاحبها بما نال عمال لم يبلغه (2)، ومن وراء ذلك فراق ما جمع، والسعيد من وعظ بغيره، فلا تحبط أبا عبد الله أجرك، ولا تجار معاوية في باطله (3).

ذكره مع التالي في كتاب صفين 498 ط 2 بمصر، ورواه عنه، ابن أبي الحديد في شرح المختار (35) من خطب نهج البلاغة: ج 2 ص 227.

ورواه أيضا في البحار: ج 8 ص 475 س 4 عكسا، عن نصر بن مزاحم.

 

- 104 -

ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص أيضا

لما بلغه جواب عمرو، عن كتابه (ع) المتقدم إليه، وهو: أما بعد فان ما فيه صلاحنا وألفتنا الانابة إلى الحق، وقد جعلنا القرآن حكما بيننا فأجبنا إليه، وصبر الرجل منا نفسه على ما حكم عليه القرآن.

وعذره الناس بعد المحاجزة والسلام.

أما بعد فإن الذي أعجبك من الدنيا مما نازعتك إليه نفسك وثقت به منها لمنقلب عنك ومفارق لك،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2) وفى نهج البلاغة: (ولن يستغني صاحبها بما نال فيها، عما لم يبلغه منها) الخ.

(3) أي فلا توافقه ولا تتابعه في باطله.

 

[277]

فلا تطمئن إلى الدنيا فإنها غرارة، ولو اعتبرت بما مضى لحفظت ما بقي، وانتفعت بما وعظت به والسلام.

 

- 105 -

ومن كتاب له عليه السلام كتبه (ع) وهو بقنسرين راجعا من صفين - إلى السبط الاكبر ابي محمد الحسن المجتبى صلوات الله عليه (1)

وقد ذكره السيد الرضي (ره) في المختار (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة وقد آثرنا ان نذكره في كتابنا هذا قضاءا لحقوق من دونه ورواه وتزيينا لمجموعة ألفناها، وتقطيعا لالسن اهل ضعائن عهدناها، فنقول: قال السيد ابن طاوس أعلى الله في الجنة مقامه - في وصيته إلى ولده -: وقد وقع في خاطري أن اختم هذا الكتاب (2) بوصية ابيك امير المؤمنين - (ع) الذي عنده علم الكتاب - إلى ولده العزيز عليه، ورأيت ان يكون رواية الرسالة بطريق المخالفين والمؤالفين (3) فهو أجمع على ما تضمنه من سعادة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقال في نظم درر السمطين ص 161، انه عليه السلام كتبه بصفين وأرسله إلى الحسن عليه السلام بقاصدين.

(2) يعني كتاب كشف المحجة لثمرة المهجة الذي ألفه لولده (ره).

(3) أقول: وحيث ان للكتاب مصادر كثيرة من الطريقين وبينهما اختلاف في الزيادة والنقيصة أو في التعبير - بل في أصل الحاكي والمحكي عنه قد يوجد اختلاف في التعبير، بل نسخ الاصل الواحد قد تختلف في بعض الالفاظ، أو في الاشارة إلى ما في نسخة أخرى - ولاجل ان الاحاطة على جميع الخصوصيات لها مدخلية في كشف الواقع وتحصيل المراد من الكلام، أحببنا ان نشير إلى تلك الخصوصيات اما بوضعها في المتن بين المعقوفين - لو كانت قصيرة - وتعقيبها برمز المصدر المأخوذ منه، أو بذكرها في ذيل الصفحة والتصريح باسم المصدر المأخوذ منه، إذا كانت الزيادة طويلة أولم نجد موجبا لذكرها في المتن المختار.

ثم ليعلم انا جعلنا الاشارة إلى بحار الانوار بحرف: (ب) والى تحف العقول بحرف (ت) والى نظم درر السمطين بحرف: (د) والى كنز العمال بحر: (ك) والى معادن الحكمة والجواهر بحرف (م) والى نهج البلاغة بحرف: (ن) والى ما في بعض النسخ دون بعض بحرفى: (خ ل) وكل ما جعل بين المعقوفين بلا تعقيب بحرف فهو مما ساقنا إليه الاجتهاد، وأيضا وضعنا قبل كل علامة وحرف نقطة كي لا تلتئم العلامة بما قبلها فيفسد المعنى المقصود.

 

[278]

الدنيا والدين، فقال أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد، العسكري في كتاب الزواجر والمواعظ في الجزء الاول منه، من نسخة تاريخها ذو القعدة من سنة ثلاث وسبعين وأربعمأة ما هذا لفظه: وصية أمير المؤمنين علي بن أبيطالب عليه السلام لولده، ولو كان من الحكمة ما يجب ان يكتب بالذهب لكانت هذه.

وحدثني بها جماعة، فحدثني علي بن الحسين بن اسماعيل، قال: حدثنا الحسن [الحسين.

(ب)] ابن أبي عثمان الآدمي، قال اخبرنا أبو حاتم المكتب يحيى بن حاتم بن عكرمة، [كذا] قال حدثني يوسف بن يعقوب بانطاكية، قال حدثني بعض أهل العلم قال لما انصرف علي (ع) من صفين إلى قنسرين كتب إلى ابنه الحسن بن علي (ع): (من الوالد الفان المقر للزمان) الخ.

 

[279]

وحدثنا أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا سليمان بن الربيع النهدي، قال: حدثنا كادح بن روحمة الزاهد، قال: حدثنا صباح بن يحيى المزني.

وحدثنا علي بن عبد العزيز الكوفي الكاتب [المكتب (ب)] قال: حدثنا جعفر بن هارون بن زياد، قال حدثنا محمد بن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جده جعفر الصادق، [عن أبيه جعفر الصادق (ب)] عن ابيه عن جده عليهم السلام، أن عليا كتب إلى الحسن بن علي (ع).

وحدثنا علي بن محمد بن ابراهيم التستري، قال: حدثنا جعفر بن عنبسة، قال: حدثنا عباد بن زياد، قال: حدثنا عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر: محمد بن علي عليه السلام، قال: كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن بن علي (ع).

وحدثنا محمد بن علي بن زاهر الرازي، قال: حدثنا محمد بن العباس قال: حدثنا عبد الله بن داهر، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عن علي عليه السلام، قال: كتب علي إلى ابنه الحسن (ع)، كل هؤلاء حدثونا أن امير المؤمنين عليا كتب بهذه الرسالة إلى ابنه الحسن (ع).

وأخبرني أحمد بن عبد الرحمن بن فضال القاضي، قال: حدثنا الحسن ابن محمد بن احمد، واحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبيطالب (ع) قال حدثنا جعفر بن محمد الحسني قال: حدثنا الحسن بن عبدك، قال: حدثنا الحسن بن ظريف بن ناصح، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة المجاشعي، قال: كتب امير المؤمنين (ع) إلى ابنه محمد (كذا) (4).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(4) وروى ثقة الاسلام الكليني (ره) - بسند يأتي ذكره - في الحديث السابع من الباب (19) من كتاب النكاح من الكافي: ج 5 ص 337، من هذه الرسالة قوله (ع): (اياك ومشاورة النساء - إلى قوله: - فان استطعت ان لا يعرفن غيرك من الرجال فأفعل) ثم فال (أخبرني) احمد بن سعيد، عن جعفر بن محمد الحسيني (كذا) عن علي بن عبدك، عن الحسن بن ظريف ابن ناصح، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله، الا انه قال: كتب بهذه الرسالة امير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه محمد (ابن الحنفية).

وأيضا روى الكليني - بسنده الآتي تحت الرقم (6) -، وفى الحديث الثالث من الباب (152) وهو باب (اكرام الزوجة) من كتاب النكاح من الكافي: ج 5 ص 510، قطعة من هذه الرسالة (أي رسالة امير المؤمنين (ع) إلى الامام المجتبى) وهي قوله (ع): (لا تملك المرأة من الامر ما يجاوز نفسها - إلى قوله: - فان امساكك نفسك عنهن وهن يرين انك ذو اقتدار خير من ان يرين منك حالا على انكسار).

ثم قال (ره): (أخبرني احمد بن محمد بن سعيد، عن جعفر بن محمد الحسني (كذا) عن علي بن عبدك، عن الحسن بن ظريف بن ناصح، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباته، عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله الا انه قال: كتب امير المؤمنين صلوات الله عليه بهذه الرسالة إلى ابنه محمد رضوان الله عليه.

أقول: وقريب من هذا السند يأتي عن شيخ الطائفة والمحقق النجاشي رحمهما الله الا انهما قالا: وصيته (ع) إلى محمد بن الحنفية.

 

[280]

(ثم قال السيد (ره) واعلم انه قد روى الشيخ المتفق على ثقته وأمانته، محمد بن يعقوب الكليني تغمده الله جل جلاله برحمته، رسالة مولانا امير المؤمنين علي عليه السلام، إلى جدك الحسن سلام الله عليهما، وروى رسالة أخرى مختصرة، عن خط علي عليه السلام، إلى ولده محمد

 

[281]

ابن الحنفية رضوان الله عليه، (5) وذكر الرسالتين، في كتاب الرسائل، ووجدنا في نسخة قديمة [نسخة عتيقة (ب)] يوشك أن يكون كتابتها في زمان حياة محمد بن يعقوب رحمه الله، وهذا الشيخ محمد بن يقعوب (ره) كان حياته في زمن وكلاء (مولانا) المهدي عليه السلام: عثمان بن سعيد العمري، وولده أبي جعفر محمد، وأبي القاسم حسين بن روح، وعلي بن محمد السمري، وتوفي محمد بن يعقوب، قبل وفاة علي بن محمد السمري.

لان علي بن محمد السمري توفي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمأة، وهذا محمد بن يعقوب الكليني توفي ببغداد، سنة ثمان وعشرين وثلاثمأة،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال شيخ الطائفة (ره) في ترجمة الاصبغ (ره) تحت الرقم (119) من كتاب فهرست مصنفي الشيعة، ص 62 ط النجف: كان الاصبغ من خاصة امير المؤمنين عليه السلام، وعمر بعده (ع) وروى عهد مالك الاشتر الذي عهده إليه أمير المؤمنين عليه السلام لما ولاه مصر، وروى وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه محمد بن الحنفية - وساق الكلام إلى أن قال (ره) -: وأما الوصية فأخبرنا بها الحسين بن عبيد الله، عن الدوري، عن محمد ابن أبي الثلج (كذا) عن جعفر بن محمد الحسيني (كذا) عن علي بن عبدك الصوفى، عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ ابن نباتة المجاشعي، قال: كتب امير المؤمنين عليه السلام إلى ولده محمد بن الحنفية بوصيته.

أقول: ويأتي في مختار تال التالي - وهو كتابه (ع) إلى ابنه محمد بن الحنفية - عن المحقق النجاشي (ره) ما يقرب هذا السند، ولكن أسفي على أغارة الحدثان، واصرار أرباب الغي والعدوان على ابادة آثار الاقدمين، واتلاف مثل (رسائل) الكليني والثقفي وغيرهما من الاعيان، وأرباب الثروة والمكنة عن هذا في غمرة ساهون، فانا لله وانا إليه راجعون.

 

[282]

فتصانيف هذا الشيخ محمد يعقوب ورواياته، في زمن الوكلاء المذكورين [في وقت (ب)] يجد طريقا إلى تحقيق منقولاته، ثم قال السيد (ره): ورأيت بين رواية الحسن بن عبد الله العسكري مصنف كتاب الزواجر والمواعظ الذي قدمناه، وبين رواية الشيخ محمد بن يعقوب (ره) في رسالة امير المؤمنين (ع) إلى ولده تفاوتا، فنحن نوردها برواية محمد بن يعقوب الكليني، فهو أجمل وافضل فيما قصدناه، فنقول ذكر محمد بن يعقوب الكليني (ره) في كتاب الرسائل بأسناده إلى جعفر بن عنبسة (6)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6) كذا في البحار والكافي - على ما يتلى عليك، وفى النسخة المطبوعة الملحونة من كشف المحجة: (باسناده إلى أبي جعفر ابن عنبسة) الخ.

ثم انه يحتمل أن يراد من قوله: (باسناده) هو ما ذكره ثقة الاسلام (ره) في الحديث السابع من الباب التاسع عشر من كتاب النكاح من الكافي: ج 5 ص 337، وكذلك في الحديث الاخير، من الباب (153) وهو باب اكرام الزوجة من الكتاب، ص 510، حيث قال: (حدثنا) أبو علي الاشعري، عن بعض أصحابنا عن جعفر بن عنبسة، عن عباد بن زياد الاسدي، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر (الامام محمد الباقر) عليه السلام.

و) حدثنا (احمد بن محمد العاصمي، عمن حدثه، عن معلي بن محمد البصري، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله الامام جعفر الصادق) عليه السلام، قال (كذا) في رسالة أمير المؤمنين عليه السلام، إلى (ولده الامام) الحسن عليه السلام: (لا تملك المرأة من الامر ما يجاوز نفسها) إلى آخر ما هو مذكور هنا.

ومثله ما ذكره رحمه الله في الحديث الاخير، من الباب (188) من الكتاب، ص 537.

ويحتمل أيضا أن يراد من قوله: (بأسناده) هو ما ذكر وغيرها.

 

[283]

عن عباد بن زياد الاسدي، عن عمرو بن أبي المقدام، عن ابي جعفر (ع) قال: لما أقبل امير المؤمنين (ع) عن صفين كتب إلى ابنه الحسن (ع).

بسم الله الرحمن الرحيم من الوالد الفاني، المقر للزمان، المدبر العمر، المستسلم للدهر (7) الذام للدنيا الساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها [إليهم (ب) و (م)] غدا، إلى الولد المؤمل ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك، غرض الاسقام، ورهينة الايام، ورمية المصائب (8) وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وغرير المنايا (9) وحليف الهموم (10) وقرين الاحزان،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(7) كذا في المطبوع من كشف المحجة والبحار، ومعادن الحكمة وكثير من المصادر: (من الوالد الفان) بحذف الياء. ومعنى قوله: (المقر للزمان): المقر له بالقهر والغلبة، المعترف بالعجز في يد تصرفاته، قدر الزمان كشخص ذي سطوة وبأس.

(8) الرهينة: ما يرهن. والرمية: الصيد. ما ينصب للرمي إليه.

(9) وفى نهج البلاغة وتحف العقول والبحار: (وغريم المنايا) أي الذي تلزمه المنايا وتطلبه كما يطلب الدائن المديون. ومعنى (غرير المنايا): مغرور المنايا، من أجل صفاء عيشه ونجاته عن بعض المهالك فكأن المنايا - أي أسباب موته وجهات فنائه - غرته.

(10) وفى البحار: (وقوام الهموم). وفى معادن الجواهر: (وقوام (وحليف خ ل) الهموم).

 

[284]

ورصيد الآفات (11) وصريع الشهوات وخليفة الاموات.

أما بعد فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني وجموح الدهر علي (12) وإقبال الآخرة إلي ما يمنعني [ما يزعني (ب) و (م)] عن ذكر من سواي (13) والاهتمام بما وراي (14) غير أني حيث تفرد بي دون هموم [هم (ب) و (م)] الناس هم نفسي فصدقني رائي وصرفني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(11) أي الذي تترصده وتترقبه الافات لتقع عليه وتستأصله.

وفى البحار: (وصيد الآفات) أي الذي اصطادته الآفات وأكلته.

وفى النهج وتحف العقول ونظم درر السمطين: (ونصب الآفات) يقال: (فلان نصب عيني) - على زنة قفل -: لا يفارقني.

وقيل: الاولى ان يقرأ (نصب) على زنة الفرس أو الفلس، بمعنى الغاية أو العلم المنصوب، فكأنه (ع) أراد أنه غاية تنتهي الآفات إليها، أو اعلم لا تهتدي الآفات الا إليه.

(12) وفى نظم درر السمطين: (وجنوح الدهر على - إلى أن قال: - ما يرغبني عن ذكر من سواي).

يقال: جمح الفرس: إذا استعصى على صاحبه وغلبه فلم يملكه. ويقال: وزع الشئ وزعا - كوعده وعدا -: صده. منعه. حبسه.

(13) وفى النهج: (ما يرغبني عن ذكر من سواي) الخ. ولفظة (ما) خبر (ان) قال محمد عبده: وروي: (فانني فيما تبينت) الخ. وعليه فما مفعول تبينت.

(14) وفى النهج وتحف العقول ونظم درر السمطين (والاهتمام بما ورائي).

 

[285]

عن هوائي (هواي خ) وصرح لي محض أمري (15) فأفضى بي إلى جد لا يرى معه لعب (16) وصدق لا يشوبه كذب وجدتك بعضي (17) بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني، وحتى كأن الموت لو أتاك أتاني فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي (18) فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت فأوصيك بتقوى الله يا بني (19) ولزوم أمره وعمارة قلبك بذكره والاعتصام بحبله وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله جل جلاله إن أنت أخذت به (20)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(15) وفى تحف العقول: (وصدفني دائي) الخ. صدفني أي صرفني. والضمير المستتر في صرفني للرأي. ومحض الامر: خالصه.

(61) وفى نظم درر السمطين ونهج البلاغة، وتحف العقول: (فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب) الخ.

(17) وفى نهج البلاغة وتحف العقول: (ووجدتك بعضي).

(18) فعناني: فأهمني. ما يعنيني: ما يهمني.

(19) وفى نظم درر السمطين: (واني أوصيك بتقوى الله أي بني) الخ.

(20) وفى معادن الحكمة: (وأي سبب اوثق من سبب بينك وبين الله جل وجهه).

 

[286]

فأحي قلبك بالموعظة، وأمته بازهد) 21) وقوه باليقين ونوره بالحكمة، وذلله بذكر الموت وقرره بالفناء (22) وأسكنه بالخشية، وأشعره بالصبر وبصره فجائع الدنيا، وحذره صولة (حولة خ) الدهر وفحش تقلبه وتقلب الليالي والايام (23) واعرض عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الاولين، وسر في ديارهم واعتبر آثارهم (24) وانظر ما [فيما خ] فعلوا، وأين حلوا ونزلوا وعما [عمن (ت)] انتقلوا، فإنك تجدهم قد انتقلوا [قدا نقلبوا (م)] عن الاحبة وحلوا دار

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(21) وفى البحار وتحف العقول: (وموته) وفى النهج (بالزهادة) (22) أي اطلب منه الاقرار بالفناء، وبصره أي اجعله بصير بالفجائع، أو أره اياها، وهي جمع الفجيعة أي المصيبة التي تفزع بحلولها.

(23) أي حذر قلبك من سطوة الدهر وانقلابه وتغيره عليك، أو احذر من كثرة تقلب الدهر والليالي والايام، وعدم بقائها على حالة واحدة، فلا تغتر بنعيمها وسرائها وبهجة منظرها.

(24) وفى النهج (وسر في ديارهم وآثارهم) الخ. وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (وسر في بلادهم واثارهم) الخ. وفى البحار: (واقف آثارهم).

 

[287]

الغربة (25) وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح ؟ ثواك ولاتبع آخرتك بدنياك.

ودع القول فيما لا تعرف، والخطاب [والنظر (خ)] فيما لا تكلف (26) وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته [ضلاله (ت)] فإن الكف عند [عن (خ ل)] حيرة الضلالة خير من ركوب الاهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله وأنكر المنكر بلسانك ويدك، وباين من فعله بجهدك (27) وجاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم، وخض الغمرات إلى الحق حيث كان (28) وتفقه في الدين، وعود نفسك بالصبر [التصبر (خ)] على المكروه ونعم الخلق الصبر (29)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(25) وفى تحف العقول: (وناد) في ديارهم: ايتها الديار الخالية أين أهلك، ثم قف على قبورهم فقل أيتها الاجساد البالية والاعضاء المتفرقة كيف وجدتم الدار التي أنتم بها) ومثله في نظم درر السمطين (26) وفى بعض النسخ من الاصل الحاكي والمحكي عنه: (فيما لم تكلف).

(27) وباين أي باعد وجانب الفعل الذي هو منكر وقبيح بقدر طاقتك.

(28) وفى النهج: (وخض الغمرات للحق). والغمرات: الشدائد.

(29) وفى النهج: (وعود نفسك التصبر على المكروه ونعم الخلق التصبر في الحق).

 

[288]

وألجئ نفسك في الامور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز، ومانع عزيز (30)، وأخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة (31) وتفهم وصيتي ولا تذهبن عنك صفحا (32) فإن خير القول ما نفع، واعلم أنه لاخير في علم لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه (33).

يا بني إنني لما رأيتك قد بلغت سنا (34) ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إليك لخصال (35) منها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(30) الكهف: الملجأ والمناص، والحريز: الحصين الحافظ.

(31) الاستخارة: اجالة الفكر في الامر لاختيار الافضل والانفع.

(32) وفى نهج البلاغة وتحف العقول: (ولا تذهبن عنها صفحا) والمعنى واحد، ومعنى (صفحا): جانبا، أي لا تكن أنت في جانب ووصيتي في جانب آخر، بأن لا تعمل بها وتجعلها كأن لم تكن شيئا مذكورا.

(33) لا يحق تعلمه - من باب فر) أي لا ينبغي تعلمه ويكون تدريسه والافادة والاستفادة منه يترتب عليه من المفاسد.

وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (ولا ينتفع بعلم حتى (لا) يقال به).

(34) وفى نهج البلاغة: (أي بني اني لما رأيتني قد بلغت سنا) وهو أظهر أي لما رأيت اني قد بلغت النهاية من جهة العمر، بادرت وتسرعت إلى توصيتك.

والوهن: الضعف.

(35) وفى معادن الجواهر: (بادرتك بوصيتي اليك لخصال.

منها ان يعجل بي أجلي) وفى نهج البلاغة: (بادرت بوصيتي اليك، وأوردت خصالا: منها قبل ان يعجل بي أجلي).

وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (: (بادرت بوصيتي أياك، وأوردت خصالا منها أن يعجل) الخ.

 

[289]

قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي أو أن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي (36) أو أن يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا فتكون كالصعب النفور (37) وإنما قلب الحدث كالارض الخالية ما ألقي فيها من شئ إلا قبلته (38) قبادرتك بالادب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(36) وفى بعض النسخ المحكية: (وان انقص في رايي الخ وهو عطف على قوله: (ان يعجل). والافضاء: الالقاء والايصال.

(37) وفى معادن الجواهر: (يعض غلبة الهوى) الخ.

وقوله (ع): (فتكون كالصعب النفور (- أي الفرس غير المذلل الآبي من الدنو منه والركوب عليه - أشارة منه (ع) بأن الصبي إذا لم يؤدب في بدء أمره، ولم يمر - ن في حداثته على الاخلاق الحميدة، والآداب الحسنة حتى كبر وطعن في السن، يكون في هذه الحال متنفرا من محامد الصفات ومكارم الاخلاق، ويفر من الروحانيين كفرار مردة الشياطين من النبيين، فإذا كان هذا حال من لم يؤدب بالاخلاق الفاضلة، فكيف حال من ربته يد الالحاد، والدعوة اللادينية ونغمة المنهمكين في الشهوات، من حين يحبوا ويدرج، إلى أن يترعرع ويشب، كجل اطفال المسلمين في عصرنا، فانا لله وانا إليه راجعون.

(38) وفى تحف العقول ونهج البلاغة ونظم درر السمطين: (وانما قلب الحدث كالارض الخالية، ما القي فيها من شئ قبلته).

 

[290]

قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته [تعقله (م)] وتجربته (39) فتكون قد كفيت مئونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك منه [منها (ب)] ما ربما أظلم علنيا فيه (40) يا بني إني وإن لم أكن قد عمرت عمر من كان قبلي (41) فقد نظرت في أعمارهم وفكرت في أخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأنني [كأني] بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كل أمر جليله وتوخيت لك جميله (42) وصرفت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(39) وفى معادن الحكمة ونظم درر السمطين: (فتستقبل بحد رأيك).

(40) وفى نهج البلاغة: (واستبان لك مار بما أظلم علينا منه) الخ.

(41) يقال: (عمر الرجل - من باب فعل - وعمر - من باب علم - عمرا وعمرا وعمارة): عاش زمانا طويلا.

والمصادر على زنة الفلس والفرس والسحابة. ويقال: (عمره الله): أبقاه.

(42) كذا في النسخة، وفى البحار وتحف العقول: (نخيله) والنخيل: المختار المصفى.

و (توخيت): تحريت واجتهدت.

 

[291]

عنك مجهوله ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعنى الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك (43) أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقبل الدهر [ومقتبل الدهر (ن)] ذونية سليمة ونفس صافية (44) وأن أبتدأك بتعليم كتاب الله عزوجل وتأويله، وشرائع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره [غيرك (خ)] (45) ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم فكان إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(43) (وأجمعت عليه من أدبك) عطف على (ما يعني الوالد الشفيق) و (عناني): شغلني وأهمني. و (الشفيق): ذو الشفقة: الرحمة والحنو. و (أجمعت): عزمت.

(44) قوله: (أن يكون) مفعول (رأيت).

وفي نظم درر السمطين وتحف العقول: وأنت مقبل بين ذي النقية (ذي الفئة في) والنية وأن أبدأك بتعليم كتاب الله وتأويله وشرائع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه لا أجاوز ذلك بك إلى غيره، ثم اشفقت ان يلبسك ما أختلف الناس فيه أهوائهم مثل الذي لبسهم الخ. ومثله في معادن الحكمة الا ان فيه: (وبين ذوي العقبة وذوي النية).

(45) أي لا أتعدى بك كتاب الله إلى غيره بل أقف بك عنده.

 

[292]

من اسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة (46) ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك وأن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيتي هذه (47).

واعلم مع ذلك يا بني أن أحب ما أنت آخذ به من وصيتي إليك تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله [ما افترض (ت م)] عليك، والاخذ بما مضى عليه الاولون من ابائك والصالحون من أهل بيتك (48) فإنهم لم يدعوا أن نظروا (أن ينظروا (خ ل)) كما أنت ناظر وفكروا كما أنت مفكر، ثم ردهم آخر ذلك إلى الاخذ بما عرفوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(46) أشفقت أي خفت وخشيت ان يكون اختلاف الناس في الآراء والاهواء سببا لوقوعك في الهلكة كما وقعوا فيها، فكان تنبيهك وتذكيرك للمنجيات والمرديات مع كراهتك له أحب الي من تخليتك وخذلانك ونفسك إلى أمر تخشى عليك به الهلكة والردى. وقوله (ع): مثل صفة لمفعول مطلق محذوف أي التباسا مثل الذي كان لهم.

(47) وفى نظم درر السمطين وتحف العقول زيادة قوله (ع): (وأحكم مع ذلك (والظاهر أنه مصحف (واعلم مع ذلك).

(48) وفيه دلالة على ما يقوله أصحابنا من أن آباء الانبياء والائمة عليهم السلام موحدون.

 

[293]

والامساك عما لم يكلفوا (49) فإن أبت نفسك (عن (خ)) أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا، فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم، لا بتورط الشبهات (بتردد الشبهات (ب)) وغلو الخصومات (50) وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك عليه، والرغبة إليه في توفيقك ونبذ (51) كل شائبة ألجتك في شبهة، أو أسلمتك إلى ضلالة، فإذا أيقنت أن قد صفى لك قلبك (52) فخشع، وتم رأيك فاجتمع، وكان همك في ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت (أشرت (خ) لك، وإن (أنت (ت د ن م)) لم يجتمع لك رأيك على ما تحب من نفسك وفراغ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(49) أي ان آباءك وصالحي أهل بيتك لم يتركوا النظر لانفسهم في أول امرهم بعين لا ترى نقصا ولا تحذر خطرا ثم ردتهم آلام التجربة إلى الاخذ بما عرفوا حسن عاقبته وامساك انفسهم عن عمل لم يكلفهم الله اتيانه.

(50) وفى معادن الحكمة: (لا بتورد الشبهات) وفى النهج وتحف العقول: (وترك كل شائبة أدخلت عليك شبهة وأسلمتك إلى ضلالة) الخ. وفى البحار: ومعادن الحكمة: - نبذ كل شائبة أدخلت عليك كل شبهة) الخ.

(52) وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (وإذا أنت أيقنت).

 

[294]

نظرك وفكرك (53)، فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء، وتتورط الظلماء (54) وليس طالب الدين من خبط ولا من خلط، والامساك عن (عند (ف م)) ذلك أمثل (55) وأن أول ما أبدأك به من ذلك وآخره أني أحمد الله إله الاولين والآخرين ورب من في السماوات والارضين (56) بما هو أهله (وكما هو أهله (ت)) وكما يحب وينبغي له، ونسأله أن يصلي على محمد وآل محمد (57) صلى الله عليهم وعلى أنبياء الله بصلاة جميع من صلى عليه من خلقه وأن يتم نعمته علينا بما وفقنا له من مسئلته بالاستجابة لنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(53) وفى نظم درر السمطين وتحف العقول: (وان انت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك من فراغ فكرك ونظرك).

(54) والعشواء: الضعيفة البصر أي تخبط خبط الناقة التي لا تبصر أمامها، ولا تأمن أن تسقط فيما لاخلاص منه. واستعار لفظ الخبط له باعتبار انه طالب للعلم من غير استكمال شرائط الطلب، وعلى غير وجهه فهو متعسف سالك غير طريق المطلوب كالناقة العشواء، وتورط في الامر: دخل فيه على صعوبة في التخلص منه.

(55) أي حبس النفس عن الخلط والخبط في الدين أحسن.

(56) وفى البحار: (اني أحمد اليك الله الهي واله الاولين).

(57) وفى البحار، المعادن الحكمة: (ونسأله أن يصلي على سيدنا محمد وآل محمد).

 

[295]

فإن بنعمته تتم الصالحات (58).

يا بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وانتقالها وزوالها بأهلها وأنبأتك عن الآخرة وما أعد الله لاهلها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(58) وفى النهج وتحف العقول: (فتفهم يا بني (اي بني ج (ت)) أن مالك الموت هو مالك الحياة، وان الخالق هو المميت، وان المفني هو المعيد، وان المبتلي هو المعافي وان الدنيا لم تكن لتستقيم الا على ما جعلها (خلقها (ت)) الله (تبارك وتعالى (ت)) عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد، أو ما شاء مما لا نعلم، فان اشكل عليك شئ من ذلك فاحمله على جهالتك به، فانك اول ما خلقت (خلقت (ت)) جاهلا ثم علمت، وما أكثر ما تجهل من الامر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم تبصر بعد ذلك قاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك واليكن له تعبدك (تعمدك.

(ت)) واليه رغبتك ومن شفقتك، واعلم يا بني أن أحدا لم ينبئ عن الله (تبارك وتعالى (ب)) كما انباء عنه الرسول (نبينا (ت)) صلى الله عليه وآله، فأرض به رائدا والى النجاة قائدا، فاني لم آلك نصيحة وانك لن تبلغ في النظر لنفسك - وان اجتهدت - مبلغ نظري لك، واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لا تتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ولعرفت أفعاله وصفاته (صفته وفعاله (ت)) ولكنه اله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ملكه (ذلك (ت)) أحد (ولا يحاجه، وانه خالق كل شئ، وانه أجل من أن يثبت لربوبيته بالاحاطة قلب أو بصر (كذا) (ت)) ولا يزول أبدا ولم يزل، أول قبل الاشياء بلا أولية، وآخر بعد الاشياء بلا نهاية، عظم عن أن تثبت ربوبيته أحاطة قلب أو بصر، وإذا عرفت ذلك، فافعل كما ينبغي لمثلك ان يفعله في صغر خطره وقلة مقدرته وكثرة عجزه وعظيم حاجته إلى ربه في طلب طاعته، والخشية من عقوبته والشفقة من سخطه، فانه لم يأمرك الا بحسن، ولم ينهك الا عن قبيح (ت ن)).

 

[296]

فيها، وضربت لك أمثالا لتعتبر بها وتحذوا عليها (59).

إنما مثل من أبصر [خبر (ن)] الدنيا مثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب [جدب (ب ت)] فأموا منزلا خصيبا (وجنابا مريعا (ت ن) (60) فاحتملوا وعثاء الطريق وفراق الصديق، وخشونة السفر في الطعام والمنام (وجشوبة المطعم (ن)] (61) لياتواسعة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(59) وفى نهج البلاغة وتحف العقول: (وانبأتك عن الآخرة وما أعد لاهلها فيها وضربت لك فيها (فيهما (ن) الامثال.

قوله: (وتحذو عليها): تقدرها على حد الامثال المضروبة.

(60) وفى نهج البلاغة وتحف العقول: (كمثل قوم سفر) قول: (خير الدنيا): عرفها كما هي بامتحان أحوالها.

والسفر - بالفتح ثم السكون كفلس -: المسافرون.

و (نبا المنزل بأهله): لم يوافقهم المقام فيه لو خامته.

والجديب والجدب والاجدب والمجدوب كأديب ومرحب وحروب ومرعوب: المكان الذي انقطع عنه المطر فصار مقحطا. و (أموا قصدوا. والجناب - كسحاب -: الفناء. الناحية. و (والمريع): كثير العشب.

(61) (وعثا الطريق): مشقته. و (والجشوبة) - بضم الجيم -: الغلط، أو كون الطعام بلا أدم.

 

[297]

دارهم ومنزل قرارهم فليس (فليسوا (م)) يجدون لشئ من ذلك ألما ولا يرون لنفقة مغرما (62) ولا شئ بأحب (ولا شيئا أحب (ت)) إليهم مما يقربهم (مما قربهم (ت ن)) من منزلهم، ومثل من اغتر بها كقوم كانوا في منزل خصيب (بمنزل خصب (ت)) فنبابهم إلى منزل (جديب (جدب (ت)) فليس شئ أكره إليهم ولا أهول (أفظع (ن)) لديهم من مفارقة ماهم فيه إلى ما يهجمون عليه ويصيرون إليه.

ثم فزعت، (63) بأنواع الجهالات لئلا تعد نفسك عالما لان [فإن (ب)] العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل، فعد نفسه بذلك جاهلا، وازداد [فاز داد (ت)] بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهادا، فما يزال للعلم طالبا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(62) وفى النهج: (ولا يرون نفقة فيه مغرما). وفى تحف العقول: (ولا يرون نفقة مغرما) وفي البحار: (ولا يرون لنفقته مالا).

(63) كذا في كشف المحجة والبحار، ويحتمله ظاهر رسم الخط من كتاب معادن الحكمة، وفى تحف العقول: (وقرعتك بأنواع الجهالات).

 

[298]

وفيه راغبا وله مستفيدا ولاهله خاشعا، ولرأيه متهما وللصمت لازما وللخطاء حائدا [جاحدا (ب)] (64) ومنه مستحييا، وإن ورد عليه مالا يعرف لم ينكر ذلك، لما قرر به نفسه من الجهالة (65) وإن الجاهل من عد نفسه لما جهل من معرفة العلم [من معرفته للعلم (ب)] عالما وبرأيه مكتفيا، فما يزال للعلماء معاندا [مباعدا (ب ت م)] وعليهم زاريا (66) ولمن خالفه مخبطا [مخطأ (ت م) ولما لا [لم] يعرف من الامور مضللا، فإذا ورد عليه من الامر [الامور (ب)] مالا [لم (خ)] يعرفه أنكره وكذب به، وقال بجهالته: ما أعرف هذا، وما أراه كان، وما أظن أن يكون، وأنى (وإن خ ل) كان ولا أعرف ذلك، لثقته برأيه وقلة معرفته بجهالته،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(64) وفى نسخة كما عن البحار أيضا: (وللظالم جاحدا) الخ وفى تحف العقول: (وللخطأ حاذرا) الخ.

(65) وفى معادن الحكمة: (لم قدر به نفسه) الخ.

(66) وعليهم زاريا: عاتبا. عائبا. متهاونا. مستخفا.

 

[299]

فما ينفك مما (بما (خ)) يرى فيما يلتبس عليه برأيه (رأيه (م)) (67) مما لا يعرف للجهل مستفيدا وللحق منكرا، وفى اللجاجة متحريا (متجرئا (ب)) (68) وعن طلب العلم مستكبرا.

يا بني فتفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحب (فأحبب (ت م ن)) لغيرك ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، (و) لا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح لنفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس بما ترضي لهم منك (69) ولا تقل ما لا تعلم بل لا تقل كل ما علمت مما لا تحب أن يقال لك (70).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(67) وفى تحف العقول: فما ينفك بما يرى مما يلتبس عليه رأيه مما لا يعرف للجهل مستفيدا، وللحق منكرا، وفى الجهالة متحيرا).

(68) وفى معادن الحكمة: (وفى اللجاجة متحيرا).

(69) وفى النهج: (وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك) الخ. وفى تحف العقول: (وارض من الناس لك ما ترضى به لهم منك) الخ.

(70) وفى النهج: (ولا تقل ما لا تعلم - وان قل ما تعلم - ولا تقل مالا تحب أن يقال لك) الخ. وفى تحف العقول: ولا تقل بما لاتعلم بل لا تقل كلما تعلم ولا تقل ما لا تحب ان يقال لك) الخ.

 

[300]

واعلم أن الاعجاب ضد الصواب وآفة الالباب (71) وإذا هديت لقصدك (72) فكن أخشع ما تكون لربك واسع في كدحك ولا تكن خازنا لغيرك (73).

واعلم يا بني أن أمامك طريقا ذامسافة (ذا مشقة (ت)) بعيدة، واهوال شديدة، وأنه لا غنى بك (فيه) عن حسن الارتباط (74) وقدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق بلاغك فيكون ثقيلا (ثقلا في تحف) ووبالا عليك (75) وإذا وجدت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(71) والاعجاب: هو استحسان ما يصدر عنه دون غيره.

(72) وفى تحف العقول: (فإذا أنت هديت لقصدك. وفى نهج البلاغة: (وإذا كنت هديت) الخ.

(73) وفى نهج البلاغة: (فاسع في كدحك) وهو كفلس: جهد النفس في العمل وكدها فيه بحيث يتبين فيها أثره. ويقال: هو أشد السعي.

(74) كذا في النسخة، وفى النهج وتحف العقول ومعادن الحكمة: (عن حسن الارتياد) الخ والارتياد هو الطلب - وهو من (راد يرود) وحسنه: أتيانه من وجهه. والبلاغ - بالفتح -: الكفاية أي مالا يزيد عن الحاجة ولا ينقص عنها.

(75) وفى النهج: (فيكون ثقل ذلك وبالا عليك) الخ.

 

[301]

من أهل الحاجة الفاقة (ن)] من يحمل زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمله إياه (ن)] واغتنم من استقرضك في حال غناك وجعل يوم قضائك له في يوم عسرتك (76) وحمله إياه وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه فلعلك تتطلبه ولا تجده.

واعلم أن أمامك عقبة كئودا لا محالة أن مهبطها بك على جنة أو نار (77) فارتد لنفسك قبل نزولك (78)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(76) كذا في النسخة، وفى النهج: (ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك) وهو الظاهر، قال مفتي مصر محمد عبده هذا الكلام من أفصح ما قيل في الحث على الصدقة أقول: هذا الكلام كأكثر كلمه الاخر مما يدرك علوه وارتفاعه ولا يوصف، تأمل كيف عبر (ع) عن انفاق المال واعانة المحتاجين بمن يحمل الزاد غيره ليرفع كلفة الحمل والنقل عنه ثم يوصله إليه ويؤديه حين أحتياجه ويوم فقره وفاقته وبالغ في اغتنامه والاسراع إليه مخافة الفوت وسبق غيره إليه.

(77) وفى النهج: وأعلم ان أمامك عقبة كئودا المخف فيها احسن حالا من المثقل والبطئ عليها أقبح حالا من المسرع وأن مهبطك بها لا محالة على جنة الخ وقريب منه في تحف العقول.

(78) أي اطلب رائدا من الاعمال الصالحة وقدمه أمامك ليهيئ لك المنزل الجيد ودار السرور والحبور ومجالسة الولدان الحور في القصور.

 

[302]

[ووطئ المنزل قبل حلولك فليس بعد الموت مستعتب ولا إلى الدنيا منصرف (ن)] واعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة (79) قد أذن لدعائك وتكفل لاجابتك وأمرك أن تسأله ليعطيك [وتسترحمه ليرحمك (ن)] وهو رحيم كريم لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه (80) ولم يلجثئك إلى من يشفع لك إليه ولم يمنعك إن أسأت من التوبة (81) ولم يعيرك بالانابة، ولم يعاجلك بالنقمة ولم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة (82) ولم يناقشك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(79) وفى النهج: واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والارض قد اذن لك في الدعاء وتكفل لك بالاجابة).

وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (واعلم ان الذي بيده ملكوت خزائن الدنيا والآخرة قد أذن بدعائك وتكفل باجابتك) الخ.

(80) وفي النهج ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك الخ.

وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (لم يجعل بينك وبينه ترجمانا ولم يحجبك عنه) الخ.

(81) وفى تحف العقول: (ولم يمنعك ان اسأت التوبة) الخ.

ومثله في معادن الحكمة ونطم درر السمطين.

(82) وفى النهج: - ولم يفضحك حيث الفضيحة بك اولى، ولم يشدد عليك في قبول الانابة) الخ، والانابة - بالنون الموحدة - الرجوع.

والله لا يغير الراجع إليه، بل يقبل إليه ويغفر له ذنوبه.

ويروى: الاثابة - بالثاء المثلثة - وعليه تحتمل أيضا ان تكون بمعنى الرجوع من قولهم: (ثاب إلى رشده) أي رجع، وتحتمل ان تكون بمعنى الثواب

 

[303]

بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة، ولم يشدد عليك في التوبة، فجعل توبتك التورع من الذنب (83) وحسب سيئتك واحدة وحسنتك عشرا وفتح لك باب المتاب والاستعتاب (84) فمتى شئت [ناديته (ب)] سمع ندا [ء] ك ونجواك (85) فأفضيت إليه بحاجتك وأبثثته [وبثثته (م)] ذات نفسك (86) وشكوت إليه همومك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(83) في النهج: بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة. وفى تحف العقول، ونظم درر السمطين: فجعل النزوع عن الذنب الخ. والنزوع: الرجوع والكف.

(84) وفى نهج البلاغة (وفتح لك باب المتاب وباب الاستعتاب). وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (باب المتاب والاستيناف) والاستيتاب (ت)) أقول: المتاب: التوبة. لاستعتاب: الاسترضاء. والاستئناف الاخذ في الرجوع. واتيان العمل مرة أخرى.

(85) وفى نهج البلاغة: (فمتى ناديته سمع نداك: وإذا ناجيته علم نجواك).

(86) وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (وأنبأته عن ذات نفسك وشكوت إليه همومك واستعنته على أمورك، وناجيته بما تستخفي به من الخلق من سرك). أقول: معنى (أفضيت) وألقيت. و (بثثته وابثثته): كاشفته ونشرت عليه وذكرت له بما في نفسك. وذات النفس: حالتها.

 

[304]

- واستكشفته كروبك (ن)) واستعنته على أمورك (وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره: من زيادة الاعمار، وصحة الابدان وسعة الارزاق (ن)) ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه (87) فألحح عليه بالمسألة يفتح لك باب الرحمة (88) ولا يقنطك إن أبطأت عليك الاجابة، فإن العطية على قدر المسألة (89) وربما أخرت عنك الاجابة ليكون أطول في المسالة [للمسألة (م) وأجزل للعطية، وربما سئلت الشئ شيئا (د))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(87) وفى نهج البلاغة: فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته، فلا يقنطنك ابطاء اجابته).

(88) يقال: ألح في السؤال: ألحف وبالغ فيه. والقنوط: اليأس. وفى معادن الحكمة والجواهر: (يفتح لك أبواب الرحمة، ولا يقنطنك ان أبطأت عليك (عنك (د)) الاجابة).

(89) وفى النهج: (فلا يقنطنك ابطاء اجابته، فان العطية على قدر النية وربما أخرت عنك الاجابة ليكون ذلك أعظم لاجر السائل وأجزل لعطاء الآمل، وربما سألت الشئ فلا تؤتاه) الخ.

 

[305]

(د)) فلم تؤته وأتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا أو صرت إلى ما هو خير لك (90) فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك ودنياك لو أوتيته ولتكن مسألتك فيما يعنيك (91) مما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله فإن المال لا يبقى لك ولا نبقى له، فإنه يوشك أن ترى (تؤتى (خ) عاقبة أمرك حسنا أو سيئا أو يعفوا الغفور (العفو (خ)) الكريم.

واعلم يا بني أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا وللفناء لا للبقاء وللموت لا للحياة، وأنك في منزل قلعة ودار بلغة (92) وطريق إلى الآخرة، وأنك طريد الموت الذي لا ينجو هاربه (ولا يفوته طالبه (ن)) ولابد أنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(90) وفى النهج وتحف العقول ونظم درر السمطين (أو صرف عنك لما هو خير لك) الخ.

(91) اي فيما له اهمية وقدر مما لا يحصل دائما بل يعز وجوده ولا يوجد في غير دار التكليف، وفسره (ع) بقوله: مما يبقى لك جماله الخ. وفى معادن الحكمة (ولا ينقم عليك وباله) الخ.

(92) القلعة - بالضم فالسكون وبضمتين وبضم ففتح - أي غير صالح للاستيطان لاقلاعه عن نازله. يقال منزل قلعة اي لا يملك لنازله ولا يدري متى ينتقل عنه. ويجوز فيه وجهان: الوصفية مع تنوين الاول. والاضافة. والبلغة: الكفاية، اي دار تؤخذ وتكتفي فيها بالكفاية.

 

[306]

يدرك (مدرك (خ)) يوما (93) فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها (فيها (خ م)) بالتوبة فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك.

يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه وتقضى بعد الموت إليه واجعله أمامك حيث تراه حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك (94) وشددت له أزرك ولا يأتيك بغتة فيبهرك ولا يأخذك على غرتك (95) وأكثر ذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الاليم،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(93) وفى تحف العقول: (ولا بد انه يدركك يوما) الخ. وفى النهج: (ولا بد انه مدركه) الخ وهما اظهر. وفى نظم درر السمطين (ولا بد انه مدركك يوما الخ).

(94) وفى تحف العقول ونظم درر السمطين والنهج: (واجعله أمامك حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك) الخ وفى البحار: (واجعله أمامك حيث يأتيك وقد أخذت منه حذرك) الخ ومثله في معادن الحكمة. والحذر - بالكسر فالسكون: - الاحتراز والاحتراس.

(95) الازر - بفتح الاول وسكون التالي -: القوة. الظهر. ويبهرك - من باب منع - أي يغلبك على أمرك. والغرة - بالكسر والشد -: الغفلة.

 

[307]

فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك وإياك أن تغتر بما ترى من اخلاد أهل الدنيا إليها وتكالبهم عليها (96) فقد نبأك الله - جل جلاله - عنها ونعت (97) لك نفسها وتكشفت لك عن مساويها فإنما أهلها كلاب عاوية، وسباع ضارية يهر بعضها بعضا (98) ويأكل عزيزها ذليلها ويقهر كبيرها صغيرها وكثيرها قليلها، نعم معقلة وأخرى محفلة (مجفلة (م)) مهملة (99) قد أضلت عقولها وركبت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(96) وهنا في البحار ومعادن الحكمة وتحف العقول تقديم وتأخير وقد أخر قوله (ع): (واياك - إلى قوله تكالبهم عليها - على الجمل الثلاث الاخيرة. و (الاخلاد): الميل. والركون. أو اللزوم واللصوق أو الاقامة. من قولهم: أخلد وخلد بالمكان: أقام فيه. وبصاحبه: لصق به ولزمه. وخلد واخلد إليه: مال وركن. والاخير أظهر. والتكالب: تواثب الكلاب. والمراد شدة الحرص.

(97) وفى نظم درر السمطين وتحف العقول: (نعتت) أي وصفت. والدنيا كل آن تصف نفسها بالفناء والمساوي وان كان لا يعقلها الا العالمون. ونعت - على ما في النسخة، والنهج - أي أخبرت بموتها وانقضائها.

(98) ضارية أي مولعة بالافتراس والتوثب. (يهر) أي يصوت ويصيح بعضها في وجه بعض كراهة له. والهرير: صوت للكلب دون النباح.

(99) النعم - بفتح النون والعين -: الابل. وتطلق على الغنم والبقر - بل على مطلق ما يدب على الارض مما يعبر عنه بالفارسية: (بچهارپا وچهاربايان) والجمع أنعام. وجمع الجمع أناعيم. و (عقل البعير) أي شديدة ووظيفه إلى ذراعه بالعقال وهو الحبل الذي يشد به البعير في وسط ذراعه. و (محفلة) من حفل الماء: اجتمع بكثرة - أي مجتمعة. و (مهملة) أي متروكة بحالها بلا عقال وراع. وما بعدها كالتفسير لها.

 

[308]

مجهولها (100) سرح عامهة في واد وعث (101) لبس لها راع يقيمها، [ولا مسيم يسيمها (ن) (102) لعبت بهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(100) أي ان أهل الدنيا على قسمين قسم عقله الضعف وعدم المكنة من التعدي وارتكاب المعاصي، وقسم لا عقال له يأتي بما يشاء ويفعل ما يريد لا يرقبون الا ولا ذمة.

(101) وفيا لبحار: (سروح عاهة بواد وعث تبرح عامهة في واد رعت) ومثله في النهج وتحف العقول: في الجملة الاولى.

السروح - جمع السرح - بالفتح فالسكون -: الماشية من الابل وغيرها، والسرح - بضمتين - كعنق - من الاوصاف، يقال: خيل سرح وناقة سرح أي سريعة سهلة السير، مشية سرح أي سهلة. عطاء سرح: بلا مطل. (والعاهة): الآفة. و (الوعث): الطريق الغليظ الذي يصعب السير فيه ويشق سلوكه. وتبرح أي تسير. من (برح) - من باب نصر - بروحا): مر وفارق عن مكانه. و (العامه): المتحير في الطريق. أو في أمره، والمتردد في الضلال. والجمع عمه - كالغمة - من عمه - من باب منع وعلم - عمها وعموها وعموهية وعمهانا في طريقه): تحير.

(102) يقال: أسام الدابة - من باب أفعل - اسامة: سرحها إلى المرعى. وفى النهج بعد ذلك هكذا: سلكت بهم الدنيا طريق العمى وأخذت بأبصارهم عن منار الهدى فتاهوا في حيرتها وغرقوا في نعمتها واتخذوها ربا فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراءها، رويدا يسفر الظلام كان قد وردت الاظعان يوشك من شرع أن يلحق) الخ. والاظعان - جمع ظعينة - وهو الهودج تركب فيه المرأة عبر به عن المسافرين في طريق الدنيا إلى الآخرة وكانت حالهم ان وردوا على غاية سيرهم.

 

[309]

الدنيا فلعبوا بها ونسوا ما وراءها رويدا حتى يسفر الظلام كأن ورب الكعبة يوشك من أسرع أن يلحق [أن يورد (ب م)] (103).

واعلم يا بني أن كل من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به (104) وإن كان لا يسير.

أبى الله إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة.

يا بني فإن تزهد فيما زهدتك فيه وتعزب [وتعزف (م)] (105)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(103) وفى تحف العقول: رويدا حتى يسفر الظلام كان قدوردت. الظعينة يوشك من أسرع أن يؤب الخ. رويدا - مصدر (أرود) صغر تصغير الترخيم - أي مهلا. و (يسفر): يكشف. و (يؤوب) أي يرجع. والمعنى انه يكشف عن قريب ظلام الجهل عما خفى من الحقيقة عند انجلاء الغفلة، واتضاح الواقع بحلول المنية، ونزول الموت. قال ابن أبي الحديد في الشرح: واستقراني أبو الفرج محمد بن عباد (ره) وأنا يومئذ حدث هذه الوصية فقرأتها عليه من حفظي فلما وصلت إلى هذا الموضع صاح صيحة شديدة وسقط - وكان جبارا قاسي القلب.

(104) وفى النهج - (فانه يسار به وان كان واقفا ويقطع المسافة وان كان مقيما وادعا).

والوادع: هو الساكن المستريح.

(105) وفى تحف العقول: فان تزهد فيما زهدك الله فيه من الدنيا وتعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك الخ.

ومثله في نظم درر السمطين الا ان فيه: (فيها من الدنيا) و (تفرق).

 

[310]

نفسك منها فهي أهل ذاك، وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولا [ولن (ت د ن)] تعدوا أجلك، فإنك في سبيل من كان قبلك، فخفض [فاخفض (ت)] في الطلب، وأجمل في المكتسب (المكسب) فإنه رب طلب قد جر إلى حرب (خرب (ب)) (106) وليس كل طالب بناج، ولا كل مجمل بمحتاج (107) وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب (108) فإنك لن تعارض بما تبذل شيئا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(106) الحرب - بفتح الاول والثاني -: سلب المال. والهلاك. والويل وفى نظم درر السمطين: (فانه رب طلب قد (جر) إلى الحرب).

(107) وفى النهج بدل الجملتين هكذا: فليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم.

(108) وفى البحار ومعادن الحكمة: وان ساقتك إلى الرغب الخ وفى نظم درر السمطين: (إلى الرغبة) وفى تحف العقول: وان ساقتك إلى رغبة الخ وما في النسخة والنهج أفصح وأبلغ، وهي: جمع الرغيبة: مؤنث الرغيب، وهو الشئ المرغوب فيه الذي تحن وتهوي إليه النفوس. وبمعنى العطاء الكثير. والجمع الرغائب، والظاهر ان المعنى الثاني يرجع إلى الاول وليس معنى مستقلا، والدنية مؤنث الدني أي الشئ الساقط المذموم المحقور الناقص، وحاصلة: أن رغائب المال انما تطلب لصون النفس عن الابتذال، فلو بذل باذل نفسه لتحصيل المال فقد ضيع ما هو المقصود من المال، فلا عوظ لماضيع. ولن تعتاض أي لن تجد عوضا.

 

[311]

من دينك وعرضك بثمن وإن جل (109).

ومن خير حظ امرء قرين صالح (110) فقارن أهل الخير تكن منهم وباين أهل الشر تبن منهم (111) لا يغلبن عليك سوء الظن فإنه لا يدع بينك وبين صديق صفحا (112) بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم، والفاحشة كاسمها والتصبر على المكروه يعصم القلب (113) وإذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا وربما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(109) كذا في النسخة، وفى معادن الحكمة والبحار: (فانك لن تعتاض). وفى نظم درر السمطين وتحف العقول والنهج هكذا (فانك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا) أي لا يكون ولا يوجد شئ عوضا لما بذلت وان جل ذلك العوض.

(110) كذا في النسخة، وفى غيرها: (ومن خير حظ المرء الفرين الصالح). وفى نظم درر السمطين: (ومن خير حظ المرء قرين صالح). ومن هنا يختلف ما في كشف المحجة مع ما في النهج وتحف العقول.

(111) أي تبين وتنفصل منهم، ولا تعد في زمرتهم. والفعل مجزوم لكونه جوابا للطلب أعني (باين).

(112) وفى تحف العقول: ولا يغلبن عليك سوء الظن فانه لا يدع بينك وبين خليل صلحا. وقد يقال: (من الحرم سوء الظن) الخ ومثله في نظم درر السمطين غير ان فيه: (فانه لن يدع).

(113) وفى تحف العقول: (والتصبر على المكروه نقص للقلب) وكأنه مصحف.

 

[312]

كان الداء دواء (114) وربما نصح غير الناصح، وغش المستنصح [المتنصح (م)] (115) إياك والاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى وتثبط في الآخرة والدنيا (116) زك قلبك بالادب كما يذكى النار بالحطب، لا تكن كحاطب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(114) وفى النهج وتحف العقول: (وربما كان الدواء داء والداء دواء) الخ. والخرق - بالضم فالسكون كقفل -: العنف والشدة. والرفق - كحبر -: المداراة واللين.

وحاصله: ان كل مقام يلزم أن يعطي حقه، فان كان المقام مقام العفو والاغماض كما إذا كان الحق لك وطرفك شخص شريف كريم يزيده التجاوز والعفو برا وصلاحا ومعدلة، فينبغي العفو، وان كان الخصم ممن يزيده العفو عتوا ودناءة وجرءة على الفساد والافساد - كما في أغلب سواد الناس - أو كان الحق المتنازع فيه من قبيل حق الله - فالمقام مقام الشدة والعنف، ولا ينبغي اللين والرقة.

(115) المستنصح - على بناء المفعول -: من يطلب منه النصح والارشاد، و (المتنصح - على صيغة اسم الفاعل -: المبالغ في النصح لمن لا ينتصح.

وحاصل المراد انه يلزم على العاقل ان يتأمل ويتفكر فيما يرشدونه إليه وينصحونه به، سواء صدر ممن يتوقع منه النصح أم من غيره، إذ رب شخص لا يطلب منه النصح وهو ناصح وغير تارك للارشاد والهداية، وربما يعد الانسان شخصا ناصحا ويتوقع منه النصح وهو غاش ومضل.

(116) وفى بعض نسخ النهج: (فانها بضائع الموتى) وفى نظم درر السمطين وتحف العقول: وتثبط عن خير الآخرة والدنيا. وفى معادن الحكمة: (وتثبطك عن خير الآخرة) الخ. والمنى: جمع منية - بالضم فالسكون -. وهي ما يتمناه الانسان لنفسه ويعلل نفسه باحتمال الوصول إليه. والبضائع: جمع البضاعة وهي مال التجارة. والنوكى - كسكرى - جمع الانوك وهو الاحمق، أو شديد الحمق. والعاجز الجاهل الضعيف العقل، والتثبط: التعويق والتأخير. والمراد انه ينبغي ان يعمل على طبق ما يتمناه من المصالح، ويتحمل المشاق لتحصيله ولا يتكل على صرف التمنى فانه حمق، أو أنه رأس مال الموتى لان المتجر به يموت ولا يصل إلى مقصوده

 

[313]

الليل وغثاء السيل (117) وكفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم (118) والعقل حفظ التجارب، وخير ما جربت ما وعظك، ومن الكرم لين الشيم (119) بادر الفرصة قبل أن تكون غصة (120) ومن الحزم العزم، ومن سبب الحرمان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(117) وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (ووعثاء السيل) الخ.

والغثاء - بضم أوله مخففا ومشددا -: زبد الماء البالي من ورق السبر المخالط لزبد السيل.

ويكنى بحاطب الليل وغثاء السيل عن الامر المختلط الذي لا جدوى فيه، والمراد: حفظ القلب عن الاختلاط واتقانه واستقامته لكي يكون منشاء للمصالح ومخزنا لها.

(118) وفى نظم درر السمطين: (اياك وكفر النعمة، فان كفر النعمة لوم) الخ.

(119) الشيم - بكسر ثم الفتح -: جمع شيمة وهي الخلق والطبيعة.

والمراد اجتناب الغلظة والفظاظة، واتخاذ الرحمة والسهولة واكتسابها والتحفظ على الاوساط.

(120) أي قبل ان تتعذر فتكون كالعظم المختلج في الحلق غير ممكن الاساغة.

 

[314]

التواني (121) ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب [راكب (ح ل د ت)] يؤوب ومن الفساد إضاعة الزاد، [ومفسدة المعاد (ن)] (122) لكل امرئ عاقبة (123) [رب يسير أنمى من كثير (ب ت م)] (124) ولا خير في معين مهين [ولا في صديق ظنين (ن)] ولا تلين من أمر على عذر (125) من حلم ساد، ومن تفهم ازداد، ولقاء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(121) التواني هو التسامح في الوصول إلى المقاصد وما ينبغي للشخص، هو من أقوى أسباب الحرمان وعدم نيل المقصود، إذ الدهر غير سخي بادامة الاسباب الحاصلة فيعطي ثم يقبض سريعا.

(122) لعل المراد من الزاد هو ما يمكن أن يجعل وسيلة للوصول إلى الله ومرافقة اوليائه أعم من المال والثروة أو القوة والجاه والمعنوية.

(123) وفى تحف العقول ونهج البلاغة: (ولكل أمر عاقبة، سوف يأتيك ما قدر لك، (و) التاجر مخاطر) الخ.

(124) وفى النسخة هنا تصحيف، ولعل الصواب هو ما في معادن الحكمة: (رب مسير بما يضير) من قولهم: (ضاره الامر) - من باب باع -: أضر به.

وفى كنز العمال: (رب مشير بما يضر).

(125) كذا في النسخة، ولعل المراد منه - على فرض الصحة وصدوره كذلك منه (ع) -: لا يكن من شأنك اتيان المعذرة في الامور التي على عهدتك وأنت مسئول باقامتها، بل ائت بها بأنفسها. في البحار، ومعادن (ولا تبيتن من أمر على عذر). والمهين - بضم الميم -: فاعل الاهانة. وبالفتح: الحقير. وكلاهما لا يصلحان أما الاول فانه يفسد المصلح واما الثاني فانه لضعفه كل على الانسان ويحتاج إلى الاعانة فكيف يعين غيره. والضنين - بالضاد -: البخيل - وبالظاء - المتهم.

 

[315]

أهل الخير عمارة القلب (126) ساهل الدهر ما ذل لك قعوده 127) وإياك أن تطيح [تجمح (ت ن)] بك مطية اللجاج (128) وإن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة (129) ولا تخن من ائتمنك وإن خانك، ولا تذع سره وإن أذاع سرك، ولا تخاطر بشئ رجاء أكثر منه، واطلب فإنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(126) وفى نظم درر السمطين وكنز العمال: (لقاء أهل الخير عمارة القلوب).

(127) القعود - بالفتح -: ما يركبه الراعي من آباله لحاجته ويختاره للركوب لجودته مشيا وسرعة.

والقعود أيضا بقال: للابل الفصيل من قياده، أي ساهل الدهر ما دام منقادا لك وخذ حظك من قياده.

(128) وفى معادن الحكمة: (واياك أن تطمح).

وفى نظم درر السمطين: (وأياك أن توجف بك مطايا الطمع) الخ.

وفى النهج وتحف العقول: (واياك أن تجمح) يقال: جمحت المطية أي تغلبت على راكبه وذهبت به.

وجمحت به أي طرحت به وحملته على ركوب المهالك.

واللجاج - بالفتح -: الخصومة والتمادي على المدعى وما تشتهيه النفس وتقترحه والاصرار عليه.

أي احذرك من الاصرار على ما تقترحه في مقام الخوصمة، فلا تملك نفسك من الوقوع في مضارها.

(129) وفى نظم درر السمطين: (يا بني ان اقترفت سيئة) الخ.

 

[316]

يأتيك ما قسم لك والتاجر مخاطر، خذ بالفضل وأحسن البذل، وقل للناس حسنا، وأحسن [وأي (خ ل ت)] كلمة حكم جامعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لها (130) إنك قل ما تسلم ممن تسرعت إليه أن تندم أو تتفضل عليه (131) واعلم أن من الكرم الوفاء بالذمم [والدفع عن الحرم (ت)] (132) والصدود آية المقت، وكثرة التعلل [العلل (ت م)] آية البخل (133) ولبعض إمساكك على أخيك مع لطف خير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(130) وفى تحف العقول ومعادن الحكمة ونظم درر السطين: (وأي كلمة حكم جامعة).

(131) ومثله في تحف العقول، وفى البحار ومعادن الحكمة: (أو تندم إذ (ان (م)) أفضلت عليه) الخ.

(132) وفى نظم درر السمطين: (وان من الكرم الوفاء بالذمم وصلة الرحم) الخ والذمم - بكسر الذال وفتح الميم -: جمع الذمة، وهي العهد والامان والضمان. والحرم - بفتح الاول والثاني - اسم للاهل من الزوجة ومن يجب التحفظ عليه من النواميس. ويجوز أن يكون - بضم الاول وفتح الثاني - كصرد - وهو جمع الحريم اي ما يدافع عنه ويتحفظ عليه. والمعنى واحد.

(133) كذا في البحار، وفى كشف المحجة، ونظم درر السمطين: (والصدق آية المقت).

 

[317]

من بذل مع عنف (134) ومن الكرم (ومن التكرم (خ ل ت)) صلة الرحم ومن يثق بك أو يرجو صلته (صلتك (ب م)) (أو يرجوك أو يثق بصلتك إذا قطعت قرابتك (135) والتجرم وجه القطيعة، (136) إحمل نفسك من (مع (ت)) أخيك عند صرمه إياك على الصلة، وعند صدوده (137) على لطف المسألة، وعند جموده على البذل وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين وعند تجرمه (جرمه (ن)) على الاعذار (العذر (ن)) (138) حتى كأنك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(134) هذا هو الظاهر، وفى النسخة تصحيف، وفى تحف العقول والبحار: (خير من بذل مع جنف) وفى نظم درر السمطين: خير من بذل مع حيف) وفيه كنز العمال: (وبعض الامساك عن أخيك مع الالف خير من البذل مع الجنف).

(135) وفى نظم درر السمطين: (ومن يثق بك أو يرجو صلتك إذا قطعت رحمك).

أي ان قاطع الرحم والقرابة لا يثق به احد ولا يطمئن بمواعيده انسان، ولا ينبغي للشخص ان يلغي اعتباره.

(136) وفى تحف العقول (والتحريم وجه القطيعة) أي التحريم من الصلة وكون الشخص محروما سبب لقطع القرابة.

(137) هذا هو الظاهر الموافق للبحار والنهج وتحف العقول وغيرها، وفى النسخة تصحيف. والصوم - على زنة الفلس -: القطيعة. والجمود: البخل. وكلمة: (على) في قوله: (على الصلة) وما بعدها تتعلق بقوله: (أحمل).

(138) وفى تحف العقول: (وعند جرمه على الاعتذار) الخ.

 

[318]

له عبد، وكأنه ذونعمة عليك، وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه، أو تفعله في غير (بغير (ن)) أهله (139) ولا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك (140) ولا تعمل بالخديعة فإنها خلق لئيم (141) وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة وساعده على كل حال، وزل معه حيث [حيثما (د)] زال، ولا تطلبن مجازات أخيك وإن (ولو (ت)) حثا التراب بفيك (142) وجد [خذ (ت)] على عدوك بالفضل فإنه أحرز [أحرى (ب ت د م)] للظفر (143) وتسلم من الدنيا (من الناس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(139) وفى معادن الحكمة: (وأن تفعله في غير اهله) الخ.

(140) إذ الضدان لا يجتمعان، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.

(141) وفى بعض الطرق: (فانها خلق اللئام). وفى كنز العمال: (فانها من أخلاق اللئام).

(142) يقال: حثا التراب: صبه، وفيك أي فمك، أي وان صب التراب في فيك.

(143) وفى النهج: (وخذ على عدوك بالفضل فانه أحلى الظفرين) ويروى (أحد الظفرين) وحاصله - على رواية أحلى الظفرين - ان الظفر على قسمين فسم منه هو الاستيلاء والسلطة على العدو بالقوة والغلبة، وقسم منه هو الاستيلاء وتملك العدو بالاحسان والتفضل، ولا شك أن الثاني هو أحلى لسهولة مقدماته وطيب بركاته ودوام ثمراته.

وهذا ما قيل بالفارسية: درعفو لذتي است كه در انتقام نيست.

 

[319]

(ت)) بحسن الخلق، وتجرع الغيظ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ منها مغبة (144) ولا تصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب (145) ولن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك، ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء بعد الاخاء، والعداوة بعد المودة، والخيانة لمن ائتمنك، والغدر بمن استأمن إليك، وإن أنت [فإن أنت (ت)] غلبتك قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما (146)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(144) المغبة - بفتحتين وتشديد الباء -: العاقبة. وكظم الغيظ وان صعب على النفس في وقته الا انها تجد لذته عند الافاقة من الغيظ فللعفو لذة - ان كان في محله - وللخلاص من الضرر المعقب لفعل الغضب لذة أخرى.

(145) الارتياب: (الاتهام والشك. والاستعتاب: طلب العتبى أي الاسترضاء.

(146) وفى معادن الحكمة: (فاستبق له بقية يرجع إليها ان بدأ (له) ولك ويوما ما). وعلى هذا فالفعل: (يرجع): مجهول، أي أبق بقية من الصلة يسهل له ولك معها الرجوع إليه ان - بدا له - أي ظهر له ولك حسن العودة يوما من الايام، وفى حين من الاحيان.

 

[320]

ومن ظن بك خيرا فصدق ظنه (147) ولا تضيعن حق أخيك إتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه (148) ولا يكن أهلك أشقى الناس [الخلق (ت)] بك، ولا ترغبن فيمن زهد فيك ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا يكونن على الاساءة أقوى منك على الاحسان، ولا على البخل أقوى منك على البذل ولا على التقصير منك على الفضل (149) ولا يكبرن ظلم من ظلمك فإنه إنما يسعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرك أن تسوءه.

(واعلم يا بني أن (ن)) الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك، واعلم يا بني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(147) أي اعمل على ما ظنه بك، ولا تخالف ما ظن بك.

(148) إذ لكل شئ خواص ولوازم ولوازم الاخوة وخاصتها: تعاهد حقها وأتيان ما يرضيه وترك ما يسخطه.

(149) وحال مراده (ع) انه إذا أتى أخوك بأسباب القطيعة، فقابلها بموجبات الصلة حتى تغلبه، ولا ينبغي أن يكون أقدر على ما يوجب القطيعة منك على ما يوجب الصلة، وهذا أبلغ قول في لزوم حفظ الصداقة.

 

[321]

أن الدهر ذو صروف فلا تكن ممن يشتد لائمته (150) ويقل عند الناس عذره، ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغناء، وإنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك فأنفق في حق ولا تكن خازنا لغيرك (151) وإن كنت جازعا على ما يفلت من بين يديك فاجزع على ما لم يصل إليك (152) واستدلل على ما لم يكن بما كان، فإنما [فإن (ن)] لامور أشباه، ولا تكفر ذانعم [ولا تكفر نعمة (ب)] (153) فإن كفر النعمة من ألام الكفر.

واقبل العذر، ولا تكونن ممن لا ينتفع من العظة إلا بما لزمه إزالته (154)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(150) وفى تحف العقول: (فلا تكونن ممن يشتد لائمته).

(151) وفى كنز العمال: (فانفق يسرك (كذا) ولا تكن خازنا لغيرك).

المثوى، المقام والرتبة أي نصيبك من الدنيا ما أصلحت به منزلتك ومرتبتك من الكرامة في الدنيا والآخرة.

(152) وفى النهج: (وان جزعت على ما تفلت من يديك) الخ.

وفى نظم درر السمطين وتحف العقول: (وان كنت جازعا على ما تفلت من يديك) الخ.

(153) في تحف العقول (ولا تكفرن ذا نعمة) الخ وفى معادن الحكمة: (ولا تكفر ذا نعمة).

(154) كذا في النسخة، وفى تحف العقول ومعادن الحكمة بحذف لفظة - ازالته -.

وفى النهج: ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة الا إذا بالغت في ايلامه) الخ.

 

[322]

فإن العاقل يتعظ بالادب، والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب، إعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أو وضيعا، واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين (154) من ترك القصد حاد (155) ونعم حظ المرء القنوع [القناعة (ت)] ومن شر ما صحب المرء الحسد، وفى القنوط التفريط، والشح يجلب الملامة، والصاحب مناسب (156) والصديق من صدق غيبه، والهوى شريك العمى (157) ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة، ونعم طارد الهموم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(154) العزائم: جمع العزيمة وهي ما جزمت بها وعقدت في قلبك الجرى عليها.

(155) وفى تحف العقول ونهج البلاغة: (من ترك القصد جار).

أقول: القصد: الاعتدال والتوسط بين الافراط والتفريط.

(156) أي ينبغي ان يكون الصاحب كالنسيب المشفق ويراعي فيه ما تجب رعايته في قرابة النسب.

(157) أي من قام بحق الاخوة وراعي شرائطه وهو غائب فهو الصديق حقا.

وشركة الهوى للعمى من أجل كون كل منهما موجبا للضلال وعدم حصول ما ينبغي.

وفى بعض نسخ تحف العقول ونهج البلاغة: (الهوى شريك العناء) أي المشقة والتعب.

 

[323]

اليقين، وعاقبة الكذب الندم [الذم (ت)] وفى الصدق السلامة، ورب بعيد أقرب من قريب [ورب قريب أبعد من بعيد (ن)] والغريب من لم يكن له حبيب، لا يعدمك من شفيق [من حبيب (ت)] سوء الظن ومن حم ظمأ (158) ومن تعدى الحق ضاق مذهبه، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له، نعم الخلق التكرم، وألام اللؤم البغي عند القدرة، (159) والحياء سبب إلى كل جميل، وأوثق العرى التقوى، وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(158) كذا في النسخة، وفى معادن الحكمة: (ومن حمى ظمأ).

وفى البحار: (ومن حمى (حم) طما) وفى تحف العقول: (ومن حمى طنى) أقول: يقال: (حمى الشئ ايحميه حماية وحميا وحمى: منعه ودفع عنه. وحمى القوم حماية: قام بنصرهم. وحمى المريض أي اجتنب ما يضره. وطنى اللديغ: عوفي - واللديغ. من لدغته وضربته العقرب أو الحية -. وطنى فلانا: عالجه. والمعنى: من منع نفسه عما يضره نال العافية، وفى بعض نسخ تحف العقول: (من حمأ ظمأ).

(159) وبعده في نظم درر السمطين هكذا (وما أقرب النقمة من أهل البغى، وأخلق بمن غدر ان لا يوفى له، والحياء سبب لكل جميل، أحسن ان أحببت أن يحسن اليك، وعجل الخير فانك لست كلما أردته قدرت عليه، و أخر الشر فانك إذا شئت تعجلته، ليس كل من طلب وجد، ولاكل من توقى نجى).

 

[324]

الله (160) سرك من أعتبك (161) والافراط في الملامة يشب نيران اللجاجة [اللجاج (ت)] كم من دنف (قد) نجى، وصحيح قد هوى (164) وقد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطمع هلاكا، وليس كل عورة تظهر ولا [كل (ت)] فريضة تصاب (163) وربما أخطأ البصير قصده وأصاب الاعمى رشده، وليس كل من طلب وجد، ولا كل من توقى نجى (164) أخر الشر فإنك إذا شئت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(160) وفى النهج بعد هذا (ومن لم يبالك فهو عدوك) يقال: باليته وباليت به أي راعيته واعتنيت بأمره.

(161) وفى بعض نسخ تحف العقول: (منك من اعتبك). وقيل: معناه: من عليك من استرضاك. من (أعتبه): إذا أعطاه العتبى وأرضاه أي ترك ما كان يغضب عليه من أجله ورجع إلى ما أرضاه عنه بعد اسخاطه اياه عليه. والهمزة فيه للسلب كما في أشكاه. والاسم: العتبى، وعنه: انصرف. والمعنى: من عليك من استرضاك.

(162) الدنف - بفتح الاول والثاني -: المرض اللازم. والمريض الذي لزمه المرض. بلفظ واحد مع الجميع يقال: رجل دنف وامرأة دنف وهما دنف - مذكرا ومؤنثا - وهم دنف وهن دنف، لان الدنف مصدر وصف به.

والدنف - بكسر النون ككتف - من لزمه المرض، والجمع أدناف.

(163) كذا في النسخة، وفى معادن الحكمة (وليس كل عورة تصاب) وفى النهج: (ولا كل فرصة تصاب) وهو الظاهر.

(164) لان لوجدان المطلوب والتخلص من المكروه أسباب وشرائط كثيرة، وقد لا تكون حاصلة - ويظن الطالب حصولها - ولذا لا ينال ما قصده وطلبه ولا ينجو مما فر منه وحذره.

 

[325]

تعجلته (165) وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك [و] احتمل اخاك على ما فيه، ولا تكثر العتاب فإنه يورث الضغينة [ويجر إلى البغضة (ت)] (166) واستعتب من رجوت عتباه (167) وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، ومن الكرم منع الحزم (168) من كابر الزمان عطب، ومن تنقم عليه غضب (169) ما أقرب النقمة من أهل البغي وأخلق بمن غدر ألا يؤفى له (170) زلة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(165) قيل: لان فرص الشر لا تنقضي لكثرة طرقه، وطريق الخير واحد وهو الحق وعلل انسداد الواحد وانعدام الفارد غزيرة.

(166) وفى نظم درر السمطين: (أحمل أخاك على ما فيه، ولا تكثر العتاب فانه يورث الضغينة، ويجر إلى البغيضة، أي بني من كابر الزمان عطب، ومن ينقم عليه غضب، وليس مع (ظ) الاختلاف ائتلاف، ومن حسن جورا فقد جار) الخ.

(167) وفى بعض النسخ من تحف العقول: (واستعتب من رجوت اعتابه).

(168) كذا في النسخة وتحف العقول.

قال بعض الفضلاء: الحزم هنا بمعنى الشدة والغلظة.

أقول والاقرب عندي أن يكون بالراء المهملة لا بالزاء المعجمة كما في وصيته إلى ابن الحنفية وكما في معادن الحكمة: (ومن الكرم منع الحرم، ومن كاثر الزمان عطب).

(169) يقال: (عطب - الرجل - كفرح - عطبا): هلك.

(170) وفى بعض نسخ تحف العقول: (أن لا يعفى له). يقال فلان: أخلق بكذا أي أولى وأجدر وأحرى. وفلان حقيق بكذا أي حري به. كما في قوله تعالى: حقيق على ان لا أقول الا الحق الخ.

 

[326]

المتوقي اشد زلة، وعلة القبح أقبح علة، والفساد يبير الكثير (171) والاقتصاد ينمي اليسير، والقلة ذلة، وبر الوالدين من أكرم الطباع [من كرم الطبيعة (خ ل ت)] (172) والمخافت شرا يخاف، والزلل مع العجل، ولا خير في لذة تعقب ندما، العاقل من وعظته التجارب، ورسولك ترجمان عقلك (173) والهدى يجلو العمى، وليس مع الخلاف ائتلاف (174) من خبر خوانا فقد خان (175) لن يهلك من اقتصد، ولن يفتقر من زهد، ينبئ عن أمر دخيله (176) رب باحث عن حتفه، ولا تشوبن بثقة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(171) وفى بعض النسخ من تحف العقول: (يدبر الكثير).

وفى بعضها: (الفساد يبيد الكثير، والاقتصار يثمر اليسير) الخ.

(172) وفى معادن الحكمة: (وبر الوالدين من أكرم الطبائع).

(173) وفى بعض نسح تحف العقول: (رسلك ترجمان عقلك) وفى بعضها: (لسانك ترجمان عقلك) وهو أظهر.

(174) وفى تحف العقول بعد هذا هكذا: (ومن حسن الجوار تفقد الجار).

(175) كذا في النسخة، ولعله بالياء المثناة التحتانية أظهر من (التخيير والاختيار) أي من أختار لصداقته وبطانته خوانا فهو أيضا خائن.

(176) كذا في النسخة، وفي معادن الحكمة: (ينبئ عن امرئ دخيلة) وفى بعض نسخ تحف العقول: (بين عن امرئ دخيله) وفى بعضها: (ينبئ عن امرئ دخيله).

 

[327]

رجاء (177) وما كل ما يخشى يصير (178) ولرب هزل قد عاد جدا، من أمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه (179) ومن ترغم عليه أرغمه، ومن لجأ إليه أسلمه، وليس كل من رمى أصاب (180) وإذا تغير السلطان تغير الزمان، خير أهلك من كفاك، المزاح يورث الضغائن، أعذر من اجتهد، وربما أكدى الحريص (181) رأس الدين صحة اليقين، وتمام الاخلاص تجنب [تجنبك (ت)]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(177) كذا في النسخة، وفي بعض النسخ من تحف العقول: (لا تشترين بثقة رجاء). ويقال: بحث في الارض: حفرها. والحتف: الموت. وفى المثل (كالباحث عن حتفه بظلفه) يضرب مثلا لمن يطلب ما يؤدي إلى تلف النفس.

(178) وفى تحف العقول: (وما كل ما يخشى يضر) وهو الظاهر. وفى معادن الحكمة: (وما كل ما يخشى يضير).

(179) وفى النهج (ومن أعظمه أهانه) قيل: معناه: ان من هاب شيئا سلطه على نفسه.

وفيه تنبيه على وجوب الحذر من الزمان ودوام ملاحظة تغيراته والاستعداد لحوادثه قبل نزولها.

واستعار لفظ الخيانة باعتبار تغيره عند الغفلة عنه والامن فيه فهو في ذلك كالصديق الخائن.

(180) وهذا تنبيه على ما ينبغي من ترك الاسف على ما يفوت من المطالب والتسلي بمن أخطأ في طريقه، قال أبو الطيب:

ما كل من طلب المعالى نافذا * فيها ولا كل الرجال فحول

(181) يقال: (أكدى فلان) أي خان ولم يظفر بحاجته.

 

[328]

المعاصي، وخير المقال ما صدقه الفعال، السلامة مع الاستقامة، والدعاء مفتاح الرحمة، سل عن الرفيق قبل الطريق (182) وعن الجار قبل الدار، وكن من الدنيا على قلعة، اجمل من أذل عليك (كذا) واقبل عذر من اعتذر إليك، وخذ العفو من الناس، ولا تبلغ من أحد مكروها (183) أطع أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك، وعود نفسك السماح، وتخير لها من كل خلق أحسنه، فإن الخير العادة (184) وإياك أن تكثر من الكلام هذرا وأن تكون مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك (185) وأنصف من نفسك [قبل أن ينتصف منك (ت)] (186).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(182) وفى نظم درر السمطين: (أي بني سل عن الرفيق قبل الطريق).

(183) وفى بعض المصادر: (ولا تبلغ من أحد مكروهه).

(184) وفى تحف العقول وبعض المصادر: (فان الخير عادة).

(185) وفى النهج: (اياك ان تذكر من الكلام ما كان مضحكا) الخ.

وفى بعض نسخ تحف العقول: (واياك أن تذكر من الكلام ما كان مضحكا) الخ.

وفى بعض نسخ تحف العقول: (واياك أن تذكر من الكلام قذرا أو يكون مضحكا وان حكيت ذلك عن غيرك) ومثله في نظم درر السمطين.

والهذر في الكلام: الخلط: والتكلم بما لا ينبغي، والقذر: الوسخ.

(186) أي انتصف للناس من نفسك قبل أن ينتصفوا منك بغيرك، أي عاملهم معاملة لا تنجر إلى طلبهم الانتصاف والحق منك.

 

[329]

وإياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى الافن (189) وعزمهن إلى الوهن، واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب خير لك ولهن من الارتياب (190) وليس خروجهن بأشد من دخول [من إدخال (ن)] ما لا يوثق به عليهن، وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل.

ولا تملك المرءة من الامر [من أمرها (ت د ن)] ما جاوز نفسها (191) فإن ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها فإن المرءة ريحانة، وليست بقهرمانة (192) ولا تعد بكرامتها نفسها ولا تطمعها في أن تشفع لغيرها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(189) وفى النهج وتحف العقول: (إلى أفن) مجردا عن اللام - وكذلك قوله (ع) (إلى وهن) الخ. والافن - بالفتح والتحريك كفرس -: الضعف والنقص.

(190) وقريب من هنا - أي قوله (ع): اياك ومشاورة الخ إلى قوله في في آخر هذا الموضوع (فعجل النكير) - ذكره كنز الفوائد، 177 ط وفى بعض نسخ تحف العقول: (واكفف عليهن من أبصارهن بحجبك اياهن فان شدة الحجاب خير لك ولهن) الخ. وفى النهج: (فان شدة الحجاب ابقى عليهن) الخ.

(191) أي لا تكرمها بكرامة تتعدى صلاحها. أو لا تجاوز باكرامها نفسها فتكرم غيرها بشفاعتها.

(192) القهرمان: الذي يحكم في الامور ويتصرف فيها بأمره. كذا قيل.

 

[330]

[بغيرها (ن)] (193) فيميل من شفعت له عليك معها، ولا تطل الخلوة مع النساء، فيمللنك وتمللهن، واستبق من نفسك بقية فإن إمساكك عنهن وهن يرين أنك ذو اقتدار خير من أن يعرثن [يظهرن (د)] منك على انكسار [على انتشار (خ ل ت)] وإياك والتغاير في غير موضع الغيرة [غيرة) د ن ف)] فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم [والبريئة إلى الريب (ن)] (194) ولكن احكم أمرهن، فإن رأيت عيبا (ذنبا (ت د)) فعجل النكير على الكبير والصغير، وإياك أن تعاقب فيعظم الذنب ويهون العتب (195) ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا، وما خير بخير لا ينال إلا بشر، ويسر لا ينال إلا بعسر، وإياك أن توجف بك مطايا الطمع (فتوردك مناهل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(193) كذا في البحار، والنهج، وفى معادن الحكمة والنسخة التي بيدي من كشف المحجة هكذا: (ولا تعاطيها في أن تشفع لغيرها) الخ.

وفى تحف العقول ونظم درر السمطين: (ولا تطمعها أن تشفع لغيرها فتميل مغضبة عليك معها) الخ.

(194) التغاير: اظهار الغيرة على المرءة بسوء الظن في حالها بلا موجب، (195) وفى بعض نسخ تحف العقول: (واياك أن تعاقب فتعظم الذنب وتهون العتب). ومثله في نظم درر السمطين.

 

[331]

الهلكة (ن)) وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك وآخذ سهمك وإن اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من خلقه، وإن كان كل منه، فإن نظرت - فلله المثل الاعلى - فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة، لعرفت أن لك في يسير ما تطلب (تصيب (ب م)) من الملوك إفتخارا، وأن عليك في كثير ما تطلب من الدناة (ظ) عارا إنك ليس بائعا شيئا من دينك وعرضك بثمن، والمغبون من غبن نفسه من الله، فخذ من الدنيا ما أتاك، وتول مما تولى عنك فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب، وإياك ومقاربة من رهبته على دينك وعرضك، وباعد السلطان لتأمن خدع الشيطان، وتقول ما ترى أنك ترغب، وهكذا هلك من كان قبلك، إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد، فلو سمعت بعضهم يبيع آخرته بالدنيا لم تطب بذلك نفسا (196)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(196) كذا في النسخة، وفى البحار ومعادن الحكمة: (وتقول: متى أرى ما أنكر نزعت فانه هكذا أهلك من كان قبلك). وهو الظاهر.

 

[332]

وقد يتحيل (يتخبله) الشيطان بخدعه ومكره حتى يورطه في هلكة بعرض من الدنيا يسير حقير، وينقله من شئ إلى شئ حتى يؤيسه من رحمة الله ويدخله في القنوط، فيجد الراحة إلى ما خالف الاسلام وأحكامه.

فإن أبت نفسك إلا حب الدنيا وقرب السلطان فخالفتك إلى ما نهيتك عنه مما فيه رشدك فاملك عليك لسانك، فإنه لا ثقة للملوك عند الغضب، فلا تسأل عن أخبارهم ولا تنطق بأسرارهم ولا تدخل فيما بينهم، وفي الصمت السلامة من الندامة، وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراك ما فات من منطقك [فائدة ما فات من منطقك]، وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء (197) وحفظ ما في يديك أحب إليك (إلي (ن)) من طلب ما في يد غيرك ولا نحدث الا عن ثقة فتكون كذابا، والكذب ذل، وحسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الاسراف،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(197) وفي معادن الحكمة: (بستر (بشد (خ ل)) الوكاء) الخ.

 

[333]

وحسن اليأس خير من الطلب إلى الناس، والعفة مع الحرفة خير من سرور مع فجور، والمرء أحفظ لسره، ورب ساع فيما يضره، من أكثر أهجر، ومن تفكر أبصر، وأحسن للمماليك الادب (198) وأقلل الغضب، ولا تكثر العتب في غير ذنب، فإذا استحق أحد منهم ذنبا فأحسن العفو [فأحسن العدل (ت د)] فإن العفو مع العدل (199) أشد من الضرب لمن كان له عقل، ولا تمسك من لا عقل له، وخف القصاص، واجعل لكل امرء منهم عملا تأخذه به فإنه أحرى أن لا يتواكلوا (200).

وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير [ويدك الذي بها تصول (ن) وهم العدة عند الشدة (ت)] (201) أكرم كريمهم،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(198) وفى نظم درر السمطين: (وأحسن لمماليكك الادب).

(199) وفى تحف العقول، ونظم درر السمطين: (فان العدل مع العفو اشد من الضرب) الخ.

(200) وفى نهج البلاغة: (واجعل لكل انسان من خدمك عملا تأخذه به).

(201) هذا هو الظاهر - الموافق لما في تحف العقول، ونظم درر السمطين - دون ما في كتاب كشف المحجة، ومعادن الحكمة.

 

[334]

وعد سقيمهم واشكرهم في أمورهم وتيسر عند معسورهم.

واستعنو بالله على أمورك فإنه أكفى معين، وأستودع الله دينك ودنياك وأسأله خير القضاء [لك في العاجلة والآجلة (ن)] [و] في الدنيا والآخرة [والسلام عليك ورحمة الله] [وبركاته (د)].

الفصل (154) من كتاب كشف المحجة للسيد ابن طاوس (ره) ص 170، ط النجف، ورواه عنه المجلسي (ره) في البحار: ج 17، ص 57 ط الكمباني وكذا رواه عنه في الفصل الاول من معادن الحكمة والجواهر، وهم العدة عند الشدة (ت)] (201) أكرم كريمهم،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(198) وفى نظم درر السمطين: (وأحسن لمماليكك الادب).

(199) وفى تحف العقول، ونظم درر السمطين: (فان العدل مع العفو اشد من الضرب) الخ.

(200) وفى نهج البلاغة: (واجعل لكل انسان من خدمك عملا تأخذه به).

(201) هذا هو الظاهر - الموافق لما في تحف العقول، ونظم درر السمطين - دون ما في كتاب كشف المحجة، ومعادن الحكمة.

 

[335]

وعد سقيمهم واشكرهم في أمورهم وتيسر عند معسورهم.

واستعنو بالله على أمورك فإنه أكفى معين، وأستودع الله دينك ودنياك وأسأله خير القضاء [لك في العاجلة والآجلة (ن)] [و] في الدنيا والآخرة [والسلام عليك ورحمة الله] [وبركاته (د)].

الفصل (154) من كتاب كشف المحجة للسيد ابن طاوس (ره) ص 170، ط النجف، ورواه عنه المجلسي (ره) في البحار: ج 17، ص 57 ط الكمباني وكذا رواه عنه في الفصل الاول من معادن الحكمة والجواهر، ورواه قبله في تحف العقول، والمختار (31) من الباب الثاني من نهج البلاغة، ورواه أيضا في نظم درر السمطين ص 161، مع نظم أحسن من نظم غيره، وروى فقرات منها في نزهة الناظر، ص 19، وكثير من جمله موجود في الباب الاول من دستور معالم الحكم، ورواه أيضا مرسلا في الحديث (3528) في كتاب المواعظ والرقائق والخطب والحكم من قسم الافعال من (كنز العمال): ج 8 ص 210 ط الهند، عن وكيع، والعسكري في المواعظ.

 

***